7- {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} أيْ: بينَكم وبينَ مُشْرِكِي مكةَ، وذلك بأنْ يُسْلِموا فيَصيروا مِن أهْلِ دينِكم، وقد أَسْلَمَ قومٌ منهم بعدَ فتْحِ مكةَ وحَسُنَ إسلامُهم, ووَقعَتْ بينَهم وبينَمَن تَقدَّمَهم في الإسلامِ مَوَدَّةٌ,وجَاهَدوا وفَعَلوا الأفعالَ المقرِّبَةَ إلى اللهِ، وتَزَوَّجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمِّ حَبيبةَ بنتِ أبي سُفيانَ، ولكنها لم تَحصُلِ المودَّةُ معه إلا بإسلامِه يومَ الفتْحِ وما بعدَه، وتَرَكَ أبو سُفيانَ العَداوةَ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
أخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ عن أبي هُريرةَ قالَ: أوَّلُ مَن قاتَلَ أهلَ الردَّةِ على إقامةِ دِينِ اللهِ أبو سُفيانَ بنُ حرْبٍ" وفيه نَزَلتْ هذه الآيةُ: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً}.
{وَاللهُ قَدِيرٌ} أيْ: بَليغُ القُدرةِ قادِرٌ على أنْ يُقبِلَ بقُلوبِ المعاندينَ ليُدْخِلَهم في مَغفِرَتِه ورَحمتِه.
8- {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} أيْ: لا يَنهاكم عن هؤلاءِ {أَن تَبَرُّوهُمْ}: تَفعلوا معهم ما هو مِن البِرِّ؛ كصِلَةِ الرَّحِمِ، ونفْعِ الجارِ، والضيافةِ.
{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}: وتَعْدِلوا فيما بينَكم وبينَهم بأداءِ ما لهم مِن الحقِّ؛ كالوفاءِ لهم بالوعْدِ، وإيتاءِ الأمانةِ، وأداءِ أثمانِ ما تَشترُونَه منهم كامِلَةً غيرَ منقوصةٍ.
{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: العادلينَ، ومعنى الآيةِ أنَّ اللهَ سُبحانَه لا يَنهَى عن بِرِّ أهلِ العهدِ مِن الكفَّارِ الذين عاهَدوا المؤمنينَ على تَرْكِ القتالِ، وعلى أنْ لا يُظاهِرُوا الكفَّارَ عليهم، ولا يَنْهَى عن مُعامَلَتِهم بالعدْلِ.
9- {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} وهم صَناديدُ الكفْرِ مِن قريشٍ, وأشباهُهم ممن هُمْ حَرْبٌ على المسلمينَ.
{وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} أيْ: عَاوَنوا الذينَ قاتَلُوكُم وأَخرَجُوكم على ذلك، وهم سائرُ أهلِ مَكَّةَ، ومَن دخَلَ مَعهم في عهْدِهم, {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أيْ: أنْ تَتَّخِذوهم أولياءَ وتُناصِرُوهم. {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنهم تَوَلَّوْا مَن يَستحِقُّ العَداوةَ؛ لكونِه عَدُوًّا للهِ ولرسولِه ولكتابِه.