دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 04:42 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة الممتحنة (الآيات: 7-9)

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 11:50 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي


(7) ثم أَخْبَرَ تعالى أنَّ هذه العَداوةَ التي أمَرَ اللَّهُ بها المُؤْمنِينَ للمُشْرِكِينَ، ووَصَفَهم بالقيامِ بها، أنَّهم ما دَامُوا على شِرْكِهم وكُفْرِهم، وأنَّهم إنِ انْتَقَلُوا إلى الإيمانِ، فإنَّ الحُكْمَ يَدورُ معَ عِلَّتِه، والْمَوَدَّةَ الإيمانيَّةَ تَرجِعُ؛ فلا تَيْأَسُوا أيُّها المُؤمنونَ مِن رُجوعِهم إلى الإيمانِ.
{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} سبَبُها رُجوعُهم إلى الإيمانِ.
{وَاللَّهُ قَدِيرٌ} على كلِّ شيءٍ، ومِن ذلكَ هِدايةُ القُلوبِ وتَقليبُها مِن حالٍ إلى حالٍ، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لا يَتَعَاظَمُه ذَنبٌ أنْ يَغفِرَه، ولا يَكْبَرُ عليه عَيْبٌ أنْ يَسْتُرَه.
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
وفي هذهِ الآيةِ إشارةٌ وبِشارةٌ بإسلامِ بعضِ المشرِكِينَ، الذينَ كانوا إذْ ذاكَ أعداءً للمُؤمنِينَ، وقدْ وَقَعَ ذلكَ، وللهِ الحمْدُ والْمِنَّةُ.
(8) ولَمَّا نَزَلَتْ هذه الآياتُ الكريماتُ الْمُهَيِّجَةُ على عَداوةِ الكافرِينَ؛ وقَعَتْ مِن المُؤمنِينَ كلَّ مَوقِعٍ، وقامُوا بها أَتَمَّ القِيامِ، وتَأَثَّمُوا مِن صِلةِ بعضِ أقارِبِهم المشرِكِينَ، وظَنُّوا أنَّ ذلكَ داخِلٌ فيما نَهَى اللَّهُ عنه، فأَخْبَرَهم اللَّهُ أنَّ ذلكَ لا يَدخُلُ في الْمُحَرَّمِ، فقالَ: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}؛ أيْ: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عن البِرِّ والصِّلةِ والمُكَافأةِ بالمَعْروفِ والقِسْطِ للمُشرِكِينَ مِن أقارِبِكم وغيرِهم؛ حيثُ كانوا بحالٍ لم يَنْتَصِبوا لقِتالِكم في الدِّينِ والإخراجِ مِن دِيارِكم، فليسَ عليكم جُناحٌ أنْ تَصِلُوهم؛ فإنَّ صِلَتَهم في هذهِ الحالةِ لا مَحذورَ فيها ولا تَبِعَةَ.
كما قالَ تعالى في الأَبَوَيْنِ الكافِرَيْنِ إذا كانَ وَلَدُهما مُسْلِماً: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}.
(9) وقولُه: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ}؛ أيْ: لأَجْلِ دِينِكم؛ عَداوةً لدِينِ اللَّهِ ولِمَنْ قامَ به، {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا}؛ أيْ: عاوَنوا غيرَهم, {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ}.
نَهاكم اللَّهُ {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} بالنُّصْرَةِ والموَدَّةِ بالقولِ والفعْلِ، وأمَّا بِرُّكُم وإحسانُكم الذي ليسَبِتَوَلٍّ للمُشرِكِينَ فلَمْ يَنْهَكُم اللَّهُ عنه، بلْ ذلكَ داخِلٌ في عُمومِ الأمْرِ بالإحسانِ إلى الأقارِبِ وغيرِهم مِن الآدَمِيِّينَ وغيرِهم.
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ}: مِنكم .
{فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وذلك الظلْمُ يكونُ بحَسَبِ التَّوَلِّي؛ فإنْ كانَ تَوَلِّياً تامًّا كانَ ذلك كُفْراً مُخْرِجاً عن دائرةِ الإسلامِ، وتحتَ ذلك مِن الْمَراتِبِ ما هو غَليظٌ وما هو دُونَه.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 01:52 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر


7- {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} أيْ: بينَكم وبينَ مُشْرِكِي مكةَ، وذلك بأنْ يُسْلِموا فيَصيروا مِن أهْلِ دينِكم، وقد أَسْلَمَ قومٌ منهم بعدَ فتْحِ مكةَ وحَسُنَ إسلامُهم, ووَقعَتْ بينَهم وبينَمَن تَقدَّمَهم في الإسلامِ مَوَدَّةٌ,وجَاهَدوا وفَعَلوا الأفعالَ المقرِّبَةَ إلى اللهِ، وتَزَوَّجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمِّ حَبيبةَ بنتِ أبي سُفيانَ، ولكنها لم تَحصُلِ المودَّةُ معه إلا بإسلامِه يومَ الفتْحِ وما بعدَه، وتَرَكَ أبو سُفيانَ العَداوةَ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
أخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ عن أبي هُريرةَ قالَ: أوَّلُ مَن قاتَلَ أهلَ الردَّةِ على إقامةِ دِينِ اللهِ أبو سُفيانَ بنُ حرْبٍ" وفيه نَزَلتْ هذه الآيةُ: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً}.
{وَاللهُ قَدِيرٌ} أيْ: بَليغُ القُدرةِ قادِرٌ على أنْ يُقبِلَ بقُلوبِ المعاندينَ ليُدْخِلَهم في مَغفِرَتِه ورَحمتِه.
8- {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} أيْ: لا يَنهاكم عن هؤلاءِ {أَن تَبَرُّوهُمْ}: تَفعلوا معهم ما هو مِن البِرِّ؛ كصِلَةِ الرَّحِمِ، ونفْعِ الجارِ، والضيافةِ.
{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}: وتَعْدِلوا فيما بينَكم وبينَهم بأداءِ ما لهم مِن الحقِّ؛ كالوفاءِ لهم بالوعْدِ، وإيتاءِ الأمانةِ، وأداءِ أثمانِ ما تَشترُونَه منهم كامِلَةً غيرَ منقوصةٍ.
{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: العادلينَ، ومعنى الآيةِ أنَّ اللهَ سُبحانَه لا يَنهَى عن بِرِّ أهلِ العهدِ مِن الكفَّارِ الذين عاهَدوا المؤمنينَ على تَرْكِ القتالِ، وعلى أنْ لا يُظاهِرُوا الكفَّارَ عليهم، ولا يَنْهَى عن مُعامَلَتِهم بالعدْلِ.
9- {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} وهم صَناديدُ الكفْرِ مِن قريشٍ, وأشباهُهم ممن هُمْ حَرْبٌ على المسلمينَ.
{وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} أيْ: عَاوَنوا الذينَ قاتَلُوكُم وأَخرَجُوكم على ذلك، وهم سائرُ أهلِ مَكَّةَ، ومَن دخَلَ مَعهم في عهْدِهم, {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أيْ: أنْ تَتَّخِذوهم أولياءَ وتُناصِرُوهم. {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنهم تَوَلَّوْا مَن يَستحِقُّ العَداوةَ؛ لكونِه عَدُوًّا للهِ ولرسولِه ولكتابِه.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:09 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني


قولُه تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. أيْ: قُدْوةٌ حَسَنةٌ.
وقولُه: {فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً}. المعنَى في الكُلِّ: أنَّه أمَرَهم بأنْ تَأَسَّوْا بإِبْراهيمَ في التَّبَرُّؤِ مِن الْمُشركِينَ وتَرْكِ الْمُوالاةِ مَعَهم.
وقولُه: {إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ}. قالَ قَتَادَةُ: مَعناه: اقْتَدُوا بإبراهيمَ إلاَّ في هذا الْمَوْضِعِ, وهو استغفارُه لأبيهِ المشرِكِ. وقد بَيَّنَّا سببَ استغفارِ إبراهيمَ لأبيهِ مِن قَبلُ.
وقولُه: {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}. أيْ: لا أَدْفَعُ عنكَ مِن اللَّهِ مِن شيءٍ، وهو قولُ إبراهيمَ لأَبِيهِ.
وقولُه: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. إخبارٌ عن إبراهيمَ وقومِه مِن المُؤْمنِينَ, يَعنِي: إنَّهم ذلكَ.
قولُه تعالى: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}. قالَ مُجَاهِدٌ وغيرُه: أي: لا تُعَذِّبْنَا بأَيْدِي الكُفَّارِ ولا بعَذابٍ مِن عِنْدِكَ، فيَظُنَّ الكُفَّارُ أنَّا على غيرِ الحقِّ حيثُ عُذِّبْنَا، فيَصِيرَ فِتنةً لهم في دِينِهم، ويَظُنُّونَ أنَّا كُنَّا على الباطِلِ؛ لأنَّهم يَقولونَ: لو كانَ هؤلاءِ على الْحَقِّ لم يُعَذَّبُوا ولم يُظْفَرْ بهم.
وقولُه: {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. ظاهِرُ المعنَى.
قولُه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. كَرَّرَ المعنَى الأوَّلَ على طريقِ التأكيدِ.
وقولُه: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}. أيْ: يَخافُ اللَّهَ ويَخافُ يومَ القِيامةِ.
وقولُه: {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. أي: المُستغنِي عنهم, الحميدُ في فِعالِه.
والمعنَى: أنَّهم إذا خَالَفُوا أمْرَه، وتَوَلَّوُا الكُفَّارَ, لم يَعُدْ إلى اللَّهِ مِن ذلك شَيءٌ.
وقولُه: {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ}. معناه: أنْ تَتَوَلَّوْهُم.
وقولُه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. أيْ: وَضَعُوا الْمُوالاةَ في غيرِ مَوْضِعِها.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً واللّه قديرٌ واللّه غفورٌ رحيمٌ (7) لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين (8) إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون (9) }
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين: {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً} أي: محبّةً بعد البغضة، ومودّةً بعد النّفرة، وألفةً بعد الفرقة. {واللّه قديرٌ} أي: على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة، فيؤلّف بين القلوب بعد العداوة والقساوة، فتصبح مجتمعةً متّفقةً، كما قال تعالى ممتنًّا على الأنصار: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها} الآية [آل عمران: 103]. وكذا قال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألم أجدكم ضلالا فهداكم اللّه بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم اللّه بي؟ ". وقال اللّه تعالى: {هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ} [الأنفال: 62، 63]. وفي الحديث "أحبب حبيبك هونًا ما، فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما. وأبغض بغيضك هونًا ما، فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما". وقال الشّاعر
وقد يجمع الله الشّتيتين بعد ما = يظنان كل الظّنّ ألّا تلاقيا
وقوله تعالى: {واللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربّهم وأسلموا له، وهو الغفور الرّحيم بكلّ من تاب إليه، من أيّ ذنبٍ كان.
وقد قال مقاتل بن حيّان: إنّ هذه الآية نزلت في أبي سفيان، صخر بن حربٍ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تزوّج ابنته فكانت هذه مودّة ما بينه وبينه.
وفي هذا الّذي قاله مقاتلٌ نظرٌ؛ فإنّ رسول تزوّج بأمّ حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وأبو سفيان إنّما أسلم ليلة الفتح بلا خلافٍ. وأحسن من هذا ما رواه بن أبي حاتمٍ حيث قال:
قرئ على محمّد بن عزيز: حدّثني سلامة، حدّثني عقيلٌ، حدّثني ابن شهابٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استعمل أبا سفيان بن حربٍ على بعض اليمن، فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدًّا، فقاتله، فكان أوّل من قاتل في الرّدّة وجاهد عن الدّين. قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل اللّه فيه: {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً واللّه قديرٌ واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
وفي صحيح مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ أبا سفيان قال: يا رسول اللّه، ثلاثٌ أعطنيهنّ. قال: "نعم". قال: وتؤمّرني أقاتل الكفّار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال: "نعم". قال: وعندي أحسن العرب وأجمله، أمّ حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها = الحديث. وقد تقدّم الكلام عليه.
وقوله تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم} أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الّذين لا يقاتلونكم في الدّين، كالنّساء والضّعفة منهم، {أن تبرّوهم} أي: تحسنوا إليهم {وتقسطوا إليهم} أي: تعدلوا {إنّ اللّه يحبّ المقسطين}.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء -هي بنت أبي بكرٍ، رضي اللّه عنهما-قالت: قدمت أمّي وهي مشركةٌ في عهد قريشٍ إذ عاهدوا، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، إنّ أمّي قدمت وهي راغبةٌ، أفأصلها؟ قال: "نعم، صلي أمّك" أخرجاه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عارمٌ، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، حدّثنا مصعب بن ثابتٍ، حدّثنا عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكرٍ بهدايا: صناب وأقطٌ وسمنٌ، وهي مشركةٌ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها تدخلها بيتها، فسألت عائشة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديّتها، وأن تدخلها بيتها.
وهكذا رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، من حديث مصعب بن ثابتٍ، به. وفي روايةٍ لأحمد وابن جريرٍ: "قتيلة بنت عبد العزّى بن [عبد] أسعد، من بني مالك بن حسلٍ. وزاد ابن أبي حاتمٍ: "في المدّة الّتي كانت بين قريشٍ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم".
وقال أبو بكرٍ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار: حدّثنا عبد اللّه بن شبيبٍ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا أبو قتادة العدويّ، عن ابن أخي الزّهريّ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة وأسماء أنّهما قالتا: قدمت علينا أمّنا المدينة، وهي مشركةٌ، في الهدنة الّتي كانت بين قريشٍ وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول اللّه، إنّ أمّنا قدمت علينا المدينة راغبةً، أفنصلها؟ قال: "نعم، فصلاها".
ثمّ قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة إلّا من هذا الوجه.
قلت: وهو منكرٌ بهذا السّياق؛ لأنّ أمّ عائشة هي أمّ رومان، وكانت مسلمةً مهاجرةً وأمّ أسماء غيرها، كما هو مصرّحٌ باسمها في هذه الأحاديث المتقدّمة واللّه أعلم.
وقوله: {إنّ اللّه يحبّ المقسطين} تقدّم تفسير ذلك في سورة "الحجرات"، وأورد الحديث الصّحيح: "المقسطون على منابر من نورٍ عن يمين العرش، الّذين يعدلون في حكمهم، وأهاليهم، وما ولوا".
وقوله: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم} أي: إنّما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الّذين ناصبوكم العداوة، فقاتلوكم وأخرجوكم، وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم اللّه عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم. ثمّ أكّد الوعيد على موالاتهم فقال: {ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون} كقوله {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين} [المائدة: 51] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/89-91]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir