دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 04:34 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة الحشر (الآيات: 18-24)


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:23 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

(18) يَأْمُرُ تعالَى عِبادَه المُؤمنِينَ بما يُوجِبُه الإيمانُ ويَقتَضِيهِ مِن لُزومِ تَقواهُ، سِرًّا وعَلانيةً، في جميعِ الأَحوالِ، وأنْ يُرَاعُوا ما أمَرَهم اللَّهُ به مِن أَوامِرِه وشَرائعِه وحُدودِه، ويَنظُروا ما لهَم وما عليهم، وماذا حَصَلُوا عليهِ مِن الأعمالِ التي تَنْفَعُهم أو تَضُرُّهم في يومِ القيامةِ؛ فإِنَّهم إذا جَعَلُوا الآخِرةَ نُصْبَ أعْيُنِهم وقِبْلَةَ قُلوبِهم، واهْتَمُّوا للمُقامِ بها؛ اجْتَهَدوا في كثرةِ الأعمالِ الْمُوصِلَةِ إليها وتَصفيتِها مِن القواطِعِ والعوائقِ، التي تُوقِفُهم عن السَّيْرِ أو تَعُوقُهم أو تَصْرِفُهم.
وإذا عَلِمُوا أيضاً أنَّ {اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا} يَعْمَلونَ، لا تَخفَى عليهِ أعمالُهم، ولا تَضيعُ لَدَيْهِ، ولا يُهْمِلُها؛ أَوْجَبَ لهم الْجِدَّ والاجتهادَ.
وهذهِ الآيةُ الكريمةُ أصْلٌ فِي مُحاسبَةِ العبْدِ نفْسَه، وأنَّه يَنبغِي له أنْ يَتَفَقَّدَها؛ فإنْ رَأَى زَللاً تَدارَكَه بالإقلاعِ عنه والتوبةِ النصوحِ والإعراضِ عن الأسبابِ الْمُوِصِلَةِ إليه.
وإنْ رَأَى نفْسَه مُقَصِّراً في أمْرٍ مِن أوامِرِ اللَّهِ؛ بَذَلَ جَهْدَه واستعانَ برَبِّه في تَتْمِيمِه وتَكميلِه وإتقانِه، ويُقايِسُ بينَ مِنَنِ اللَّهِ عليهِ وإحسانِه, وبينَ تَقصيرِه؛ فإنَّ ذلك يُوجِبُ له الحَيَاءَ لا مَحَالَةَ.
(19) والْحِرمانُ كلُّ الْحِرْمانِ أنْ يَغْفُلَ العبدُ عن هذا الأمْرِ، ويُشابِهَ قوماً نَسُوا اللَّهَ، وغَفَلُوا عن ذِكْرِه والقيامِ بحَقِّه، وأَقْبَلُوا على حُظوظِ أنفُسِهم وشَهَوَاتِها، فلَمْ يَنجَحُوا ولم يَحْصُلوا على طائلٍ، بل أَنساهُم اللَّهُ مَصالِحَ أنْفُسِهم، وأَغْفَلَهم عن مَنافِعِها وفَوائدِها، فصارَ أمْرُهم فُرُطاً.
فرَجَعوا بخَسارةِ الدارَيْنِ، وغُبِنُوا غَبْناً لا يُمْكِنُ تَدارُكُه ولا يُجْبَرُ كَسْرُه؛ لأنَّهم {هُمُ الْفَاسِقُونَ} الذينَ خَرَجوا عن طاعةِ رَبِّهم، وأَوْضَعُوا في مَعاصِيهِ.
(20) فهل يَسْتوِي مَن حافَظَ على تَقْوَى اللَّهِ، ونَظَرَ لِمَا قَدَّمَ لِغَدِه فاستحَقَّ جَنَّاتِ النعيمِ والعيشَ السليمَ معَ الذينَ أنْعَمَ اللَّهُ عليهم مِن النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشهداءِ والصالحِينَ، ومَن غَفَلَ عن ذِكْرِه ونَسِيَ حُقوقَه، فشَقِيَ في الدُّنيا، واسْتَحَقَّ العذابَ في الآخِرةِ، فالأَوَّلُونَ هم الفائِزِونَ، والآخِرونَ هم الخاسِرونَ.
(21) ولَمَّا بَيَّنَ تعالى لعِبادِه ما بَيَّنَ، وأمَرَ عِبادَه ونَهاهُم في كتابِه العزيزِ، كانَ هذا مُوجِباً لأنْ يُبادِرُوا إلى ما دَعاهُم إليهِ وحَثَّهُم عليه، ولو كانوا في القَسْوةِ وصَلابةِ القُلوبِ كالْجِبالِ الرَّوَاسِي؛ فإنَّ هذا القرآنَ لو أَنْزَلَه {عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}؛ أيْ: لكَمالِ تَأثيرِه في القُلوبِ.
فإنَّ مَواعِظَ القُرآنِ أعْظَمُ المواعِظِ على الإطلاقِ، وأوامِرَه ونَواهيَهِ مُحتَوِيَةٌ على الحِكَمِ والمصالِحِ المَقْرونةِ بها.
وهي مِن أسْهَلِ شيءٍ على النُّفوسِ وأَيْسَرِها على الأبْدانِ، خاليةٌ مِن التكَلُّفِ، لا تَناقُضَ فيها ولا اختلافَ، ولا صُعوبةَ فيها ولا اعتسافَ، تَصْلُحُ لكلِّ زمانٍ ومَكانٍ، وتَلِيقُ لكلِّ أحَدٍ.
ثم أخْبَرَ تعالى أنَّه يَضْرِبُ للناسِ الأمثالَ، ويُوَضِّحُ لعِبادِه في كتابِه الحلالَ والحَرَامَ؛ لأجْلِ أنْ يَتفَكَّرُوا في آياتِه ويَتَدَبَّرُوها؛ فإنَّ التفكُّرَ فيها يَفْتَحُ للعبدِ خَزائِنَ العِلْمِ، ويُبَيِّنُ له طُرُقَ الخيرِ والشرِّ، ويَحُثُّه على مَكارِمِ الأخلاقِ ومَحاسِنِ الشِّيَمِ، ويَزْجُرُه عن مَساوِئِ الأخلاقِ، فلا أَنْفَعَ للعبْدِ مِن التفَكُّرِ في القرآنِ والتدَبُّرِ لِمَعانيهِ.
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
(22) هذه الآياتُ الكريماتُ قدِ اشْتَمَلَتْ على كثيرٍ مِن أسماءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وأَوْصافِه العُلَى عَظيمةِ الشَّأْنِ، وبَديعةِ البُرهانِ:
فأَخْبَرَ أنَّه {اللَّهُ} الْمَأْلُوهُ المعبودُ الذي {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}؛ وذلكَ لكَمالِه العظيمِ، وإحسانِه الشامِلِ، وتَدبيرِه العامِّ.
وكلُّ إلهٍ غيرُه فإنَّه بَاطِلٌ، لا يَستحِقُّ مِن العِبادةِ مِثقالَ ذَرَّةٍ؛ لأنَّه فَقيرٌ عاجِزٌ ناقِصٌ، لا يَمْلِكُ لنفْسِه ولا لغيرِه شيئاً.
ثم وَصَفَ نفْسَه بعُمومِ العِلْمِ، الشامِلِ لِمَا غابَ عن الخَلْقِ وما يُشاهِدُونَه، وبعُمومِ رَحمتِه، التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، ووَصَلَتْ إلى كلِّ حَيٍّ.
(23) ثم كَرَّرَ ذِكْرَ عُمومِ إلَهِيَّتِه وانفرادِه بها، وأنَّه المالِكُ لجميعِ الْمَمالِكِ، فالعالَمُ العُلْوِيُّ والسُّفْلِيُّ وأهلُه، الجميعُ مَماليكُ للهِ، فُقراءُ مُدَبَّرُونَ.
{الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ}؛ أي: الْمُقَدَّسُ السالِمُ مِن كلِّ عَيْبٍ وآفَةٍ ونَقْصٍ، المُعظَّمُ الْمُمَجَّدُ؛ لأنَّ القُدُّوسَ يَدُلُّ على التَّنزِيهِ مِن كلِّ نقْصٍ، والتعظيمِ للهِ في أوصافِه وجَلالِه.
{الْمُؤْمِنُ}؛ أي: الْمُصَدِّقُ لرُسُلِه وأنبيائِه بما جَاؤُوا به بالآياتِ البَيِّنَاتِ والبَراهِينِ القاطعاتِ والْحُجَجِ الواضحاتِ.
{الْعَزِيزُ} الذي لا يُغَالَبُ ولا يُمانَعُ، بل قدْ قَهَرَ كلَّ شيءٍ، وخَضَعَ له كلُّ شيءٍ.
{الْجَبَّارُ} الذي قَهَرَ جَميعَ العِبادِ، وأَذْعَنَ له سائرُ الخلْقِ، الذي يَجْبُرُ الكَسِيرَ، ويُغنِي الفَقِيرَ.
{الْمُتَكَبِّرُ} الذي له الكِبرياءُ والعَظَمَةُ، الْمُتَنَزِّهُ عن جميعِ العُيوبِ والظُّلْمِ والْجَوْرِ.
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} وهذا تَنْزِيهٌ عامٌّ عن كلِّ ما وَصَفَه به مَن أشْرَكَ به وعانَدَه.
(24) {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} لجميعِ المَخْلوقاتِ، {الْبَارِئُ} للمَبْرُوءَاتِ.
{الْمُصَوِّرُ} للمُصَوَّرَاتِ، وهذهِ الأسماءُ متَعَلِّقَةٌ بالخَلْقِ والتدبيرِ والتقديرِ، وأنَّ ذلكَ كُلَّه قدْ انْفَرَدَ اللَّهُ بهِ، لم يُشارِكْه فيهِ مشارِكٌ.
{لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}؛ أيْ: له الأسماءُ الكثيرةُ جِدًّا، التي لا يُحْصِيهَا ولا يَعْلَمُها أحَدٌ إلاَّ هو، ومعَ ذلك فكُلُّها حُسْنَى؛ أيْ: صِفاتُ كَمالٍ، بل تَدُلُّ على أكْمَلِ الصفاتِ وأعظَمِها، لا نقْصَ في شيءٍ منها بوَجْهٍ مِن الوُجوهِ.
ومِن حُسْنِهَا أنَّ اللَّهَ يُحِبُّها ويُحِبُّ مَن يُحِبُّها، ويُحِبُّ مِن عِبادِه أنْ يَدْعُوهُ ويَسْأَلُوه بها.
ومِن كَمالِه وأنَّ له الأسماءَ الْحُسْنَى والصِّفاتِ العُلْيَا: أنَّ جَمِيعَ مَن في السماواتِ والأرضِ مُفتَقِرُونَ إليه على الدوامِ، يُسَبِّحونَ بحَمْدِه، ويَسأَلُونَه حَوائِجَهم، فيُعْطِيهم مِن فَضْلِه وكَرَمِه ما تَقْتَضِيهِ رَحمتُه وحِكمتُه.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الذي لا يُريدُ شَيئاً إلاَّ ويَكُونُ، ولا يَكُونُ شيئاً إلاَّ لحِكْمَةٍ ومَصلحَةٍ.
تَمَّ تَفسيرُ هذه السورةِ.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:28 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر


18- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ} أي: اتَّقُوا عِقابَه بفِعْلِ ما أمَرَكم به وتَرْكِ ما نَهاكُم عنه.
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أيْ:لِتَنْظُرْ أَيَّ شَيْءٍ قَدَّمَتْ مِن الأعمالِ ليومِ القِيامةِ.
19- {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ} أيْ: تَرَكُوا أمْرَه ولم يُبَالُوا بطَاعتِه.
{فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} أيْ: جَعَلَهم نَاسِينَ لها بسببِ نِسيانِهم لَه، فلم يَشْتَغِلُوا بالأعمالِ التي تُنْجِيهِم مِن العذابِ، وقيلَ: نَسُوا اللهَ في الرخاءِ فأَنْسَاهُم أنْفُسَهم في الشدائدِ.
{أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي: الخارجونَ عن طاعةِ اللهِ.
20- {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} أي: الظافِرونَ بكُلِّ مطلوبٍ, الناجونَ مِن كُلِّ مَكروهٍ.
21- {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أيْ: بَلَغَ مِن شأنِه وعَظمتِه وبَلاغتِه واشتِمالِه على الْمَواعِظِ التي تَلِينُ لها القُلوبُ، أنه لو أُنْزِلَ على جَبَلٍ مِن الجبالِ لرَأيتَه، مع كَوْنِه في غايةِ القَسوةِ وشِدَّةِ الصَّلابةِ وضَخامةِ الجِرْمِ، مُتَشَقِّقاً مِن خَشيةِ اللهِ؛ حَذَراً مِن عِقابِه؛ وخَوْفاً مِن أنْ لا يُؤَدِّيَ ما يَجِبُ عليه مِن تعظيمِ كلامِ اللهِ.
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فيما يَجِبُ عليهم التفَكُّرُ فيه ليَتَّعِظُوا بالْمَواعِظِ، ويَنْزَجِروا بالزواجِرِ.
22- {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أيْ: عالِمُ ما غابَ عن الإحساسِ, وما حَضَرَ فهو مَرْئِيٌّ بالعُيونِ.
23- {هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} كَرَّرَه للتأكيدِ والتقريرِ.
{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ
السَّلَامُ} أي: الطاهِرُ من كلِّ عَيبٍ, الْمُنَزَّهُ عن كلِّ نقْصٍ, وقيلَ: معناه: الذي سَلِمَ الخلْقُ مِن ظُلْمِه.
{الْمُؤْمِنُ} أي: الذي وَهَبَ لعِبادِه الأمْنَ مِن الظلْمِ، وقيلَ: الْمُصَدِّقُ لرُسُلِه بإظهارِ الْمُعْجِزَاتِ.
{الْمُهَيْمِنُ} أي: الشهيدُ على عِبادِه بأعمالِهم الرقيبُ عليهم.
{الْعَزِيزُ}: القاهِرُ الغالبُ غيرُ المغلوبِ.
{الْجَبَّارُ}: جَبروتُ اللهِ عَظمتُه، وقيلَ: الْجَبَّارُ الذي لا تُطاقُ سَطْوَتُه.
{الْمُتَكَبِّرُ} أي: الذي تَكَبَّرَ عن كلِّ نقْصٍ، وتَعَظَّمَ عما لا يَلِيقُ به. والكِبرياءُ في صفاتِ اللهِ مَدْحٌ، وفي صِفاتِ المخلوقينَ ذَمٌّ.
24- {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ} أي: الْمُقَدِّرُ للأشياءِ على مُقتضَى إرادتِه ومَشيئتِه.
{الْبَارِئُ} أي: الْمُنْشِئُ المختَرِعُ للأشياءِ الْمُوجِدُ لها.
{الْمُصَوِّرُ} أي: الموجِدُ للصُّوَرِ المركِّبُ لها على هَيْئَاتٍ مُختَلِفَةٍ.
{لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} قد تَقَدَّمَ بيانُها في سورةِ (الأعرافِ الآيةِ 180) {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أيْ: يَنطِقُ بتَنزيهِه بلسانِ الحالِ أو الْمَقالِ كلُّ ما فيهما.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:38 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}. أيْ: تَرَكُوا أمْرَ اللَّهِ فتَرَكَهم مِن نَظَرِه ورَحْمَتِه.
وقيلَ: معناه: تَرَكُوا طَلَبَ الحظِّ لأَنْفُسِهم في الآخِرَةِ بما تَرَكُوا مِن أمْرِ اللَّهِ. ونُسِبَ إلى اللَّهِ تعالى؛ لأنَّ تَرْكَهم طلَبَ الحظِّ لأنفُسِهم وفَواتَه إيَّاهم كانَ لأجْلِ ما تَوَجَّهَ عليهم مِن أمْرِ اللَّهِ.
وقيلَ: مَعناهُ: أغْفَلَهم عن حَظِّ أنْفُسِهم عُقوبةً لهم.
قالَ النَّحَّاسُ: ويَستقيمُ في العربيَّةِ أنْ يُقالَ: نَسِيَهم فُلانٌ بمعنَى تَرَكَهم, ولا يَستقِيمُ: أَنْسَاهُمْ بمعنَى تَرَكَهم.
وقولُه: {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. أي: الخَارِجونَ عن طَاعةِ اللَّهِ.
قولُه تعالى: {لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}. أي: النَّاجُونَ.
قولُه تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}. أيْ: إذَا جَعَلْنَا له ما يُمَيِّزُ ويَعْقِلُ.
قيلَ: هو مَذْكورٌ على طريقِ التمثيلِ, لا على طريقِ الحقيقةِ.
وعندَ أهْلِ السُّنَّةِ: إنَّ للَّهِ تعالى في الْمَواتِ والْجَماداتِ عِلْماً لا يَقِفُ عليهِ الناسُ.
وقدْ قالَ في موضِعٍ آخَرَ: {وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}. وهو دليلٌ على ما ذَكَرْنا مِن قَبْلُ.
وقولُه: {خَاشِعاً}. أيْ: ذَليلاً، وقيلَ: {مُتَصَدِّعاً}.أيْ: مُتَشَقِّقاً مِن خَشْيةِ اللَّهِ.
وقولُه: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. أيْ: يَتدَبَّرُونَ.
قولُه تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}. أي: السِّرِّ والعَلانِيَةِ، وقيلَ: عالِمُ الغيبِ والشَّهادةِ؛ أيْ: ما كانَ وما يكونُ.
وقولُه: {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}. قد بَيَّنَّا.
قولُه تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ}. أي: الْمُقْتَدِرُ على الأشياءِ.
وقولُه: {الْقُدُّوسُ}. أي: الطاهِرُ, وقِيلَ: الْمُنَزَّهُ مِن كُلِّ نَقْصٍ وعَيْبٍ.
وقيلَ: القُدُّوسُ: الْمُقَدَّسُ؛ يَعنِي: يُقَدِّسُه الملائكةُ ويُسَبِّحُونَه. وفي تسبيحِ الملائكةِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الملائكةِ والرُّوحِ. ومِنه بيتُ الْمَقْدِسِ، ومِنه حَظيرةُ القُدُسِ: وهي الْجَنَّةُ، قالَ رُؤْبَةُ:
دَعوتُ رَبَّ العِزَّةِ القُدُّوسَا دُعاءَ مَن لا يَقْرَعُ الناقُوسَا
وقولُه: {السَّلاَمُ}. قالَ قَتَادَةُ: معناه: مسَلَّمٌ مِن الآفاتِ والعُيوبِ.
وقالَ مُجَاهِدٌ: سَلِمَ الناسُ مِن ظُلْمِه.
وفي بعضِ الأخبارِ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((السَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى, وَضَعَهُ بَيْنَكُمْ فَأَفْشُوهُ)).
وقولُه: {الْمُؤْمِنُ}. فيه أقوالٌ:
أحَدُها: أنَّه يُؤَمِّنُ المُؤمنِينَ مِن النارِ والعَذابِ.
والآخَرُ: أنَّ المُؤْمنِينَ أَمِنُوا مِن ظُلْمِه فهو مُؤْمِنٌ.
والقولُ الثالثُ: أنَّه شَهِدَ لنَفْسِه بالوَحْدَانِيَّةِ فهو مُؤْمِنٌ بهذا المعنَى. وشَهادتُه لنَفْسِه بالوَحدانيَّةِ هو قولُه تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}.
وقولُه: {الْمُهَيْمِنُ}. قالَ قَتادةُ: أي: الشَّهِيدُ. وقالَ بعضُهم: هو الأَمِينُ. ومعنَى كونِه أَميناً: أنَّه لا يُضِيعُ أعمالَ العِبادِ، فكَأَنَّ أعمالَ العِبادِ في أَمانتِه لا يُضِيعُها.
وقيلَ: هو الرَّقِيبُ.
وقيلَ: إنَّ الْمُهَيْمِنَ أصْلُه:"الْمُؤَيْمِنُ", إلاَّ أنَّه قدْ قُلِبَتِ الهَمْزةُ هاءً, مثلَ قولِهم: أَرَقْتُ الماءَ وهَرَقْتُه.
وقولُه: {الْعَزِيزُ}. أي: الغالبُ.
وقيلَ: القاهرُ.
وقيلَ: الْمَنِيعُ.
وقالَ الشاعِرُ في الْمُهَيْمِنِ:


مَليكٌ عَلَى عَرْشِ السَّماءِ مُهَيْمِنٌ = لعِزَّتِه تَعْنُو الوُجوهُ وتَسْجُدُ

وقولُه: {الْجَبَّارُ}. أيْ: جَبَرَ الخَلْقَ على مُرادِه ومَشِيئَتِه.
وقيلَ: الْجَبَّارُ؛ أي: العظيمُ.
وقيلَ: هو الذي يَفوتُ عن الأوهامِ والإدراكِ. يُقالُ: نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ. إذا كانَتْ طويلةً لا يُوصَلُ إليها بالأَيْدِي.
قولُه: {الْمُتَكَبِّرُ}. أي: الكبيرُ.
وقِيلَ: المُتَكَبِّرُ هو الذي أَعْلَى نفْسَه وعَظَّمَها، وهذا مَمدوحٌ في صِفاتِ اللَّهِ, مذمومٌ في صِفاتِ الخَلْقِ؛ لأنَّ الخلْقَ لا يَخْلُونَ عن نَقِيصةٍ, فلاَ يَلِيقُ بهم إعظامُهم أنْفُسَهم وإعلاؤُهم إيَّاهُمْ، واللَّهُ تعالى لا يَجوزُ عليهِ نقْصٌ فيَصِحُّ مَدْحُه لنَفْسِه وإعظامُه.
وقِيلَ: مَدَحَ نفْسَه ليُعَلِّمَ خَلْقَه مَدْحَهم إيَّاهُ؛ ليُثِيبَهم عليهِ؛ إذْ لا يَجُوزُ أنْ يَعودَ إليه ضَرٌّ ولا نَفْعٌ.
وقولُه: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. قدْ بَيَّنَّا في كثيرٍ مِن المواضِعِ.
قولُه تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ}. أيْ: مُقَدِّرُ الأشياءِ ومُخْتَرِعُها.
وقولُه: {الْبَارِئُ}. قيلَ: هو في معنَى الخالِقِ على طريقِ التأكيدِ. وقيلَ: إنَّ مَعناهُ: الْمُحْيِي بعدَ الإماتةِ. قالَ الشاعِرُ:
وكُلُّ نفْسٍ على سَلاَمَتِها يُمِيتُها اللَّهُ ثُمَّ يَبْرَؤُهَا
ذكَرَه أبو الحَسَنِ بنُ فارِسٍ.
وقولُه: {الْمُصَوِّرُ}. هو التصويرُ المعلومُ, يُصَوِّرُ كلَّ خَلْقٍ على ما يَشاءُ.
وقِيلَ: التصويرُ هو تَرْكِيبٌ مَخصوصٌ في مَحَلٍّ مَخصوصٍ مِن الْخَلْقِ.
وقولُه تعالى: {لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. الْحُسْنَى: هو تأنيثُ الأحْسَنِ، وهي ههنا بِمَعْنَى العُلْيَا.
وقولُه: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. ظاهِرُ المعنَى.
وقدْ وَرَدَ في بعضِ المَسانيدِ برِوايةِ ابنِ عَبَّاسٍ, عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قالَ: ((إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الأَعْظَمَ فِي ثَلاَثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ)). واللَّهُ أعْلَمُ.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 02:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون (18) ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19) لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون (20) }
قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عون بن أبي جحيفة، عن المنذر ابن جريرٍ، عن أبيه قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قومٌ حفاة عراة مجتابي النّمار -أو: العباء-متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالًا فأذّن وأقام الصّلاة، فصلّى ثمّ خطب، فقال: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى آخر الآية: {إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا} [النّساء: 1]. وقرأ الآية الّتي في الحشر: {ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ} تصدّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره -حتّى قال-: ولو بشقّ تمرةٍ". قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ، حتّى رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتهلّل وجهه كأنّه مذهبة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من سنّ في الإسلام سنّةً حسنةً، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سنّ في الإسلام سنّةً سيّئةً، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ من حديث شعبة، بإسنادٍ مثله.
فقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه} أمرٌ بتقواه، وهي تشمل فعل ما به أمر، وترك ما عنه زجر.
وقوله: {ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ} أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصّالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربّكم، {واتّقوا اللّه} تأكيدٌ ثانٍ، {إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} أي: اعلموا أنّه عالمٌ بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافيةٌ، ولا يغيب عنه من أموركم جليلٌ ولا حقيرٌ.
وقال {ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم} أي: لا تنسوا ذكر اللّه فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم الّتي تنفعكم في معادكم، فإنّ الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: {أولئك هم الفاسقون} أي: الخارجون عن طاعة اللّه، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم، كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9].
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن عبد الوهّاب بن نجدة الحوطيّ، حدّثنا [أبو] المغيرة، حدّثنا حريز بن عثمان، عن نعيم بن نمحة قال: كان في خطبة أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه: أما تعلمون أنّكم تغدون وتروحون لأجلٍ معلومٍ؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل اللّه، عزّ وجلّ، فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلّا باللّه، عزّ وجلّ. إنّ قومًا جعلوا آجالهم لغيرهم، فنهاكم اللّه تكونوا أمثالهم: {ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم} أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيّام سلفهم، وخلوا بالشّقوة والسّعادة، أين الجبّارون الأوّلون الّذين بنوا المدائن وحصّنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصّخر والآبار، هذا كتاب اللّه لا تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمةٍ، [وائتضحوا بسنائه وبيانه] إنّ اللّه أثنى على زكريّا وأهل بيته فقال: {إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 90]، لا خير في قولٍ لا يراد به وجه اللّه، ولا خير في مالٍ لا ينفق في سبيل اللّه، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في اللّه لومة لائمٍ.
هذا إسنادٌ جيّدٌ، ورجاله كلّهم ثقاتٌ، وشيخ حريز بن عثمان، وهو نعيم بن نمحة، لا أعرفه بنفيٍ ولا إثباتٍ، غير أنّ أبا داود السّجستانيّ قد حكم بأنّ شيوخ حريز كلّهم ثقاتٌ. وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوهٍ أخر، واللّه أعلم.
وقوله: {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة} أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم اللّه يوم القيامة، كما قال: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [الجاثية: 21]، وقال {وما يستوي الأعمى والبصير والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ولا المسيء} الآية [غافرٍ: 58]. قال: {أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار} [ص: 28]؟ في آياتٍ أخر دالّاتٍ على أنّ اللّه، سبحانه، يكرم الأبرار، ويهين الفجّار؛ ولهذا قال هاهنا: {أصحاب الجنّة هم الفائزون} أي: النّاجون المسلّمون من عذاب اللّه، عزّ وجلّ.

{لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعًا متصدّعًا من خشية اللّه وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلّهم يتفكّرون (21) هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم (22) هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان اللّه عمّا يشركون (23) هو اللّه الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى يسبّح له ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (24) }
يقول تعالى معظّمًا لأمر القرآن، ومبينا علو قدره، وأنه ينبغي وأن تخشع له القلوب، وتتصدّع عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الأكيد: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعًا متصدّعًا من خشية اللّه} أي: فإن كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن فتدبّر ما فيه، لخشع وتصدّع من خوف اللّه، عزّ وجلّ، فكيف يليق بكم أيّها البشر ألّا تلين قلوبكم وتخشع، وتتصدّع من خشية اللّه، وقد فهمتم عن اللّه أمره وتدبّرتم كتابه؟ ولهذا قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلّهم يتفكّرون}.
قال العوفيّ: عن ابن عبّاسٍ في قوله: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ [لرأيته خاشعًا]} إلى آخرها، يقول: لو أنّي أنزلت هذا القرآن على جبلٍ حمّلته إيّاه، لتصدّع وخشع من ثقله، ومن خشية اللّه. فأمر اللّه النّاس إذا نزّل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشّديدة والتخشع. ثم قال: كذلك يضرب اللّه الأمثال للنّاس لعلّهم يتفكّرون. وكذا قال قتادة، وابن جريرٍ.
وقد ثبت في الحديث المتواتر: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا عمل له المنبر، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذعٍ من جذوع المسجد، فلمّا وضع المنبر أوّل ما وضع، وجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر، فعند ذلك حنّ الجذع وجعل يئنّ كما يئنّ الصّبيّ الّذي يسكّن، لما كان يسمع من الذّكر والوحي عنده. ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصريّ بعد إيراده: "فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع". وهكذا هذه الآية الكريمة، إذا كانت الجبال الصّمّ لو سمعت كلام اللّه وفهمته، لخشعت وتصدّعت من خشيته فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى} الآية [الرّعد: 31]. وقد تقدّم أنّ معنى ذلك: أي لكان هذا القرآن. وقال تعالى: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه} [البقرة: 74].
ثمّ قال تعالى: {هو اللّه الّذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم} أخبر تعالى أنّه الّذي لا إله إلّا هو فلا ربّ غيره، ولا إله للوجود سواه، وكلّ ما يعبد من دونه فباطلٌ، وأنّه عالم الغيب والشّهادة، أي: يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنّا فلا يخفى عليه شيءٌ في الأرض، ولا في السّماء من جليلٍ وحقيرٍ وصغيرٍ وكبيرٍ، حتّى الذّرّ في الظّلمات.
وقوله: {هو الرّحمن الرّحيم} قد تقدّم الكلام على ذلك في أوّل التّفسير، بما أغنى عن إعادته هاهنا. والمراد أنّه ذو الرّحمة الواسعة الشّاملة لجميع المخلوقات، فهو رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما، وقد قال تعالى: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} [الأعراف: 156]، وقال {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} [الأنعام: 54]، وقال {قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ ممّا يجمعون} [يونس: 58].
وقوله {هو اللّه الّذي لا إله إلا هو الملك} أي: المالك لجميع الأشياء المتصرّف فيها بلا ممانعةٍ ولا مدافعةٍ.
وقوله: {القدّوس} قال وهب بن منبّهٍ: أي الطّاهر. وقال مجاهدٌ، وقتادة: أي المبارك: وقال ابن جريجٍ: تقدّسه الملائكة الكرام.
{السّلام} أي: من جميع العيوب والنّقائص؛ بكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقوله: {المؤمن} قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: [أي] أمّن خلقه من أن يظلمهم. وقال قتادة: أمّن بقوله: إنّه حقٌّ. وقال ابن زيدٍ: صدّق عباده المؤمنين في إيمانهم به.
وقوله: {المهيمن} قال ابن عبّاسٍ وغير واحدٍ: أي الشّاهد على خلقه بأعمالهم، بمعنى: هو رقيبٌ عليهم، كقوله: {واللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ} [البروج: 9]، وقوله {ثمّ اللّه شهيدٌ على ما يفعلون} [يونس: 46].
وقوله: {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت} الآية [الرّعد: 33].
وقوله: {العزيز} أي: الّذي قد عزّ كلّ شيءٍ فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه؛ لعزّته وعظمته وجبروته وكبريائه؛ ولهذا قال: {الجبّار المتكبّر} أي: الّذي لا تليق الجبرّية إلّا له، ولا التّكبّر إلّا لعظمته، كما تقدّم في الصّحيح: "العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذّبته".
وقال قتادة: الجبّار: الّذي جبر خلقه على ما يشاء.
وقال ابن جريرٍ: الجبّار: المصلح أمور خلقه، المتصرّف فيهم بما فيه صلاحهم.
وقال قتادة: المتكبّر: يعني عن كلّ سوءٍ.
ثمّ قال: {سبحان اللّه عمّا يشركون}.
وقوله: {هو اللّه الخالق البارئ المصوّر} الخلق: التّقدير، والبراء: هو الفري، وهو التّنفيذ وإبراز ما قدّره وقرّره إلى الوجود، وليس كلّ من قدّر شيئًا ورتّبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى اللّه، عزّ وجلّ. قال الشّاعر يمدح آخر
ولأنت تفري ما خلقت = وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفري...
أي: أنت تنفّذ ما خلقت، أي: قدّرت، بخلاف غيرك فإنّه لا يستطيع ما يريد. فالخلق: التّقدير. والفري: التّنفيذ. ومنه يقال: قدّر الجلّاد ثمّ فرى، أي: قطع على ما قدّره بحسب ما يريده.
وقوله تعالى: {الخالق البارئ المصوّر} أي: الّذي إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون على الصّفة الّتي يريد، والصّورة الّتي يختار. كقوله: {في أيّ صورةٍ ما شاء ركّبك} [الانفطار: 8] ولهذا قال: {المصوّر} أي: الّذي ينفّذ ما يريد إيجاده على الصّفة التي يريدها.
وقوله: {له الأسماء الحسنى} قد تقدّم الكلام على ذلك في "سورة الأعراف"، وذكر الحديث المرويّ في الصّحيحين عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ للّه تعالى تسعةً وتسعين اسمًا، مائةٌ إلّا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحبّ الوتر". وتقدّم سياق التّرمذيّ وابن ماجه له، عن أبي هريرة أيضًا، وزاد بعد قوله: "وهو وترٌ يحبّ الوتر" -واللّفظ للتّرمذيّ-: "هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو، الرّحمن، الرّحيم، الملك، القدّوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصوّر، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرّزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرّافع، المعزّ، المذلّ، السّميع، البصير، الحكم، العدل، اللّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشّكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرّقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشّهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البرّ، التّوّاب، المنتقم، العفوّ، الرّءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضّارّ، النّافع، النّور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرّشيد، الصّبور".
وسياق ابن ماجه بزيادةٍ ونقصانٍ، وتقديمٍ وتأخيرٍ، وقد قدّمنا ذلك مبسوطًا مطوّلًا بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هنا .
وقوله: {يسبّح له ما في السّماوات والأرض} كقوله {تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليمًا غفورًا} [الإسراء: 44].
وقوله: {وهو العزيز} أي: فلا يرام جنابه {الحكيم} في شرعه وقدره. وقد قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، حدّثنا خالدٌ -يعني: ابن طهمان، أبو العلاء الخفّاف-حدثنا نافع ابن أبي نافعٍ، عن معقل بن يسارٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من قال حين يصبح ثلاث مرّاتٍ: أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، ثمّ قرأ ثلاث آياتٍ من آخر سورة الحشر، وكّل اللّه به سبعين ألف ملكٍ يصلّون عليه حتّى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة".
ورواه التّرمذيّ عن محمود بن غيلان، عن أبي أحمد الزّبيريّ، به، وقال: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه). [تفسير القرآن العظيم: 8/76-81]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir