دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 04:34 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة الحشر (الآيات: 11-17)


{أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:55 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي


(11) ثم تَعَجَّبَ تعالَى مِن حالِ المُنافقِينَ، الذينَ طَمَّعُوا إخوانَهم مِن أهلِ الكتابِ في نُصرتِهم ومُوالاتِهم على المُؤمنِينَ، وأنَّهم يَقولُونَ لهم: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً}؛ أي: لا نُطِيعُ في عَدَمِ نُصرتِكم أحَداً يَعْذِلُنا أو يُخَوِّفُنا.
{وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في هذا الوعْدُ الذي غَرُّوا به إخوانَهم، ولا يُستَكْثَرُ هذا عليهم؛ فإنَّ الكَذِبَ وَصْفُهم، والغُرورَ والخِدَاعَ مُقارِنُهم، والنِّفاقَ والْجُبْنَ يَصْحَبُهم.
(12) ولهذا كَذَّبَهم اللَّهُ بقولِه الذي وُجِدَ مُخْبَرُه كما أَخْبَرَ به، ووَقَعَ طِبْقَ ما قالَ، فقالَ: {لَئِنْ أُخْرِجُوا}؛ أيْ: مِن دِيارِهم جَلاءً ونَفياً {لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ}؛ لِمَحَبَّتِهم للأوطانِ، وعَدَمِ صَبْرِهم على القتالِ، وعدَمِ وَفائِهم بالوَعْدِ.
{وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ} بل يَستولِي عليهم الْجُبْنُ ويَمْلِكُهم الفَشَلُ، ويَخْذُلُونَ إخوانَهم أحْوَجَ ما كانوا إليهم.
{وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ} على الفَرْضِ والتقديرِ، {لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ}؛ أيْ: سيَحصُلُ منهم الإدبارُ عن القِتالِ والنُّصْرةِ، ولا يَحْصُلُ لهم نَصْرٌ مِن اللَّهِ.
(13) والسَّبَبُ الذي حَمَلَهم على ذلكَ أنَّكم أيُّها المؤمنونَ {أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ}، فخَافُوا مِنكم أعْظَمَ مِمَّا يَخافُونَ اللَّهَ، وقَدَّمُوا مَخافةَ المخلوقِ - الذي لا يَمْلِكُ لنفْسِه ولا لغيرِه نَفْعاً ولا ضَرًّا - على مَخافةِ الخالِقِ الذي بيَدِه الضُّرُّ والنفْعُ والعطاءُ والْمَنْعُ.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ} مَراتِبَ الأُمورِ، ولا يَعْرِفونَ حَقائقَ الأشياءِ، ولا يَتصوَّرونَ العَواقِبَ.
وإِنَّما الفِقْهُ كلُّ الفِقْهِ أنْ يَكُونَ خوفُ الخالقِ ورَجاؤُه ومَحبَّتُه مُقدَّمَةً على غيرِها، وغيرُها تَبَعاً لها.
(14) {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً}؛ أيْ: في حالِ الاجتماعِ، {إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}؛ أيْ: لا يَثْبُتُونَ على قِتالِكم ولا يَعْزِمونَ عليهِ إلاَّ إذا كانوا مُتَحَصِّنينَ في القُرَى أو مِن وَراءِ الْجُدُرِ والأسوارِ؛ فإِنَّهم إذْ ذاكَ رُبَّما يَحْصُلُ مِنهم امْتِناعٌ؛ اعتماداً على حُصونِهم وجُدُرِهم، لا شَجاعةً بأنْفُسِهم، وهذا مِن أعْظَمِ الذمِّ.
{بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}؛ أيْ: بَأْسُهم فيما بينَهم شديدٌ، لا آفةَ في أبدانِهم ولا في قُوَّتِهم، وإنَّما الآفةُ في ضَعْفِ إِيمانِهم وعَدَمِ اجتماعِ كَلِمَتِهم.
ولهذا قالَ: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} حينَ تَراهُمْ مُجتمعِينَ ومُتظاهرِينَ، {وَ} لكنْ {قُلُوبُهُمْ شَتَّى}؛ أيْ: مُتباغِضَةٌ متَفَرِّقَةٌ متَشَتِّتَةٌ.
{ذَلِكَ} الذي أوْجَبَ لهم اتِّصافَهم بما ذُكِرَ, {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ}؛ أيْ: لا عَقْلَ عندَهم ولا لُبَّ؛ فإِنَّهم لو كانَتْ لهم عُقولٌ لآثَرُوا الفاضلَ على المَفْضولِ، ولَمَا رَضَوْا لأنفُسِهم بأَبْخَسِ الْخُطَّتَيْنِ، ولكانَتْ كلِمَتُهم مُجتمِعَةً وقُلوبُهم مُؤْتَلِفَةً؛ فبذلكَ يَتناصَرُونَ ويَتعاضَدُونَ ويَتعاونونَ على مَصالِحِهم ومَنافِعِهم الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ.
مَثَلُ هؤلاءِ الْمَخذولِينَ مِن أهلِ الكتابِ، الذينَ انتَصَرَ اللَّهُ لرسولِه مِنهم، وأَذاقَهم الْخِزْيَ في الحياةِ الدنيا، وعدَمَ نَصْرِ مَن وَعَدَهم بالْمُعاوَنَةِ....
(15) - {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً}: وهم كُفَّارُ قُريشٍ، الذينَ {زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}؛ فغَرَّتْهُم أَنْفُسُهم، وغَرَّهُم مَن غَرَّهم، الذينَ لم يَنْفَعُوهم ولم يَدْفَعُوا عنهم العذابَ، حتى أَتَوْا بَدْراً بفَخْرِهم وخُيَلائِهم، ظانِّينَ أنَّهم مُدْرِكونَ برسولِ اللَّهِ والمُؤمنِينَ أمَانِيَّهم، فنَصَرَ اللَّهُ رسولَه والمُؤْمنِينَ عليهم، فَقَتَلُوا كِبارَهم وصَنادِيدَهم، وأَسَرُوا مَن أسَرُوا مِنهم، وفَرَّ مَن فَرَّ، وذاقُوا بذلك وَبالَ أمْرِهم وعَاقبةَ شِرْكِهم وبَغْيِهم.
هذا في الدنيا، {وَلَهُمْ} في الآخرةِ عذابُ النارِ.
(16) ومَثَلُ هؤلاءِ المُنافقِينَ الذينَ غَرُّوا إخوانَهم مِن أهلِ الكتابِ {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ}؛ أيْ: زَيَّنَ له الكُفْرَ وحَسَّنَه ودَعاهُ إليه، فلَمَّا اغْتَرَّ به وكَفَرَ وحَصَلَ له الشَّقاءُ لم يَنفَعْه الشيطانُ الذي تَوَلاَّه ودَعاه إلى ما دَعاهُ إليه، بل تَبَرَّأَ منه {قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: ليسَ لي قُدْرَةٌ على دَفْعِ العذابِ عنكَ، ولسْتُ بِمُغْنٍ عنكَ مِثقالَ ذَرَّةٍ مِن الخيرِ.
(17) {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا}؛ أي: الداعِي الذي هو الشيطانُ، والمدْعُوِّ الذي هو الإنسانُ حِينَ أطَاعَه، {أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا}؛ كما قالَ تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
{وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} الذينَ اشْتَرَكُوا في الظُّلْمِ والكُفْرِ، وإنِ اخْتَلَفُوا في شِدَّةِ العذابِ وقُوَّتِه، وهذا دَأْبُ الشَّيْطانِ معَ كُلِّ أوليائِه؛ فإنَّه يَدْعُوهم ويُدَلِّيهِمْ بغُرورٍ إلى ما يَضُرُّهم، حتى إذا وَقَعُوا في الشِّبَاكِ، وحاقَ بهم أسبابُ الهلاكِ؛ تَبَرَّأَ مِنهم وتَخَلَّى عنهم.
واللَّوْمُ كلُّ اللَّوْمِ على مَن أطاعَه؛ فإنَّ اللَّهَ قدْ حَذَّرَ منه وأَنْذَرَ، وأَخْبَرَ بِمَقاصِدِه وغايتِه ونِهايتِه، فالْمُقْدِمُ على طاعتِه عاصٍ على بَصيرةٍ، لا عُذْرَ له.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *}.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:00 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر


11-{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} هم عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ وأصحابُه، بَعَثُوا إلى بني النَّضِيرِ: أنِ اثْبُتُوا وتَمَنَّعُوا فإننا لا نُسْلِمُكم، وإنْ قُوتِلْتُم قاتَلْنا معكم، وإنْ أُخْرِجْتم {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} أيْ: لنَخْرُجَنَّ مِن دِيارِنا في صُحبَتِكم.
{وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ} أيْ: في شَأْنِكم ومِن أجْلِكم.
{أَحَداً} ممن يُريدُ أنْ يَمنَعَنَا مِن الخروجِ معكم.
{أَبَداً} وإنْ طالَ الزمانُ.
{وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} على عَدُوِّكُم, ثم كَذَّبَهم سُبحانَه، فقالَ: {وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فيما وَعَدُوهُم به مِن الخروجِ معهم والنُّصرةِ لهم.
12- {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ} وقد كان الأمرُ كذلك، فإنَّ المنافقينَ لم يَخْرُجوا مع مَن أُخْرِجَ مِن اليهودِ، وهم بنو النَّضيرِ ومَن معهم، ولم يَنْصُروا مَن قُوتِلَ مِن اليهودِ وهم بنو قُريظةَ وأهْلُ خَيبرَ.
{وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} مُنهزمينَ.
{ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}: لا يَصيرُ المنافقونَ مَنصورينَ بعدَ ذلك، بل يُذِلُّهم اللهُ ولا يَنفعُهم نِفاقُهم.
13- {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ } أيْ: لأَنْتُمْ يا مَعاشِرَ المسلمينَ أشَدُّ خَوفاً وخَشيةً في صُدورِ المنافقينَ أو صُدورِ اليهودِ مِن رَهبةِ اللهِ.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} ولو كانَ لهم فِقهٌ لعَلِموا أنَّ اللهَ سُبحانَه هو الذي سَلَّطَكم عليهم، فهو أحَقُّ بالرهبةِ مِنكم.
14- {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً}: مُجتمعينَ لقِتالِكُم.
{إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} أيْ: في الدُّروبِ والدُّورِ {أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ} أيْ: مِن خلْفِ الْحِيطانِ التي يَستَتِرونَ بها؛ لِجُبْنِهم ورَهبتِهم.
{بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أيْ: بَعْضُهم غليظٌ فَظٌّ على بعضٍ.
{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} أيْ: إنَّ اجتماعَهم إنما هو في الظاهِرِ مع تَخالُفِ قُلوبِهم في الباطِنِ، مُختلِفَةٌ آراؤُهم مُختلِفَةٌ أهواؤُهم.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ}: ولو عَقَلوا لعَرَفوا الحقَّ واتَّبَعُوه فتَوَحَّدُوا ولم يَختَلِفوا.
15- {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} مِن كُفَّارِ الْمُشرِكينَ.
{قَرِيبًا} يَعنِي في زَمانٍ قَريبٍ.
{ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أيْ: سُوءَ عَاقبةِ كُفْرِهم في الدنيا بقَتْلِهم يومَ بَدْرٍ، وكان ذلك قبلَ غَزوةِ بني النَّضيرِ بسِتَّةِ أشْهُرٍ.
16- {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ} أيْ: مَثَلُهم في تَخَاذُلِهم وعَدَمِ تَناصُرِهم كمَثَلِ الشيطانِ للإنسانِ، أَغراهُ بالكفْرِ، وزَيَّنَه له، وحَمَلَه عليه.
{فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ} أيْ: فلَمَّا كفَرَ الإنسانُ مُطاوعةً للشيطانِ، وقَبولاً لتَزيينِه، قالَ الشيطانُ: {إنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} هذا مِن قولِ الشيطانِ على وجْهِ التَّبَرِّي مِن الإنسانِ


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:14 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا}. هم عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلولٍ، وعبدُ اللَّهِ بنُ نُفَيْلٍ، وزَيدُ بنُ رِفاعةَ وغيرُهم.
وقولُه: {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}. فيه قولانِ:
أحَدُهما: أنَّهم بَنُو النَّضيرِ, قالَ لهم المُنافِقونَ ذلك قَبْلَ أنْ أُجْلُوا.
والقولُ الآخَرُ: أَنَّهم بَنو قُرَيْظَةَ، قالَ لهم المنافقونَ ذلك بعدَ أنْ أُجْلِيَ بَنُو النَّضِيرِ.
وقولُه: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ}. أيْ: لَئِنْ أُخْرِجْتُم مِن المدينةِ لنَخْرُجَنَّ معَكم في القِتالِ.
وقولُه: {وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً}. أيْ: لا نُطِيعُ مُحَمَّداً فيكم.
وقولُه: {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ}. مَعناه: ولَئِنْ قاتَلَكُم محمَّدٌ لنَكُونَنَّ معَكم في القِتالِ.
وقولُه: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. أيْ: في هذا القولِ.
قولُه تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ}. يعني: لَئِنْ أُخْرِجَ اليهودُ لا يَخرُجُ معَهم المنافقونَ.
وقولُه: {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ}. أيْ: لَئِنْ قُوتِلَ اليَهودُ لا يَنْصُرُهم المُنافِقونَ.
وقولُه: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ}. فإنْ قيلَ: كيفَ؟ قالَ: {لاَ يَنْصُرُونَهُمْ}, ثم قالَ: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ}, وإذا أَخْبَرَ اللَّهُ تعالى أنَّهم لا يَنصُرُونَهم كيفَ يَجوزُ أنْ يَنْصُرُوهم؟
والجوابُ مِن وُجوهٍ:
أحَدُها: أنَّ قولَه: {لاَ يَنْصُرُونَهُمْ}. في قومٍ مِن المُنافِقِينَ.
وقولُه: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ}. أيْ: في قَوْمٍ آخَرِينَ مِنهم، وهم الذينَ لم يَقولوا ذلك القولَ.
والوجهُ الثاني: أنَّ قولَه: {لاَ يَنْصُرُونَهُمْ}. أيْ: طَائعِينَ.
وقولُه: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ}. أيْ: مُكْرَهِينَ.
والوجهُ الثالثُ: أنَّ قولَه: {لاَ يَنْصُرُونَهُمْ}. أيْ: لا يَدومونَ على نَصْرِهم.
وقولُه: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ}. أيْ: نَصَرُوهم في الابتداءِ.
والوجهُ الرابعُ كما قالَه الزَّجَّاجُ: هو أنَّهم لا يَنْصُرُونَهم على ما قالَ اللَّهُ تعالى.
وقولُه: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ}. أيْ: قَصَدُوا نُصْرَتَهم لَوَلَّوُا الأدْبَارَ؛ أي: انْهَزَمُوا، وذلكَ بما يُلْقِي اللَّهُ تعالى في قُلُوبِهم مِن الرُّعْبِ.
وقولُه: {ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ}. أيْ: لا يُنْصَرُ اليَهودُ.
قولُه تعالى: {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ}. قالَ ابنُ عبَّاسٍ: يَعنِي: أنتم أشَدُّ رَهْبةً في صُدورِهم مِن اللَّهِ؛ إذْ يَخافونَ مِنكم ما لا يَخافونَ منه.
وقولُه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ} أيْ: لا يَعْلَمُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ وقُدْرَتَه فيَخافُونَ مِنه.
قولُه تعالى: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}. يَعني: أنَّهم لا يُمْكِنُهم أنْ يُصَافُّوكم في القِتالِ ويُوَاجِهُوكم بهِ، وإِنَّما يُقاتِلُونَكُم في الْحُصونِ ووَرَاءَ الْجُدُرِ؛ لقِلَّتِهم ودُخولِ الرُّعْبِ عليهم.
قولُه: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}. قالَ مُجاهِدٌ: يَعنِي أنَّهم يَقولونَ فيما بينَهم: لنَفْعَلَنَّ كذا ولنَفْعَلَنَّ كذا.
وقولُه: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}. يَعنِي: أنَّ المُنافقِينَ قَطُّ لا يُخْلِصونَ لليَهودِ، ولا اليَهودُ للمُنافقِينَ.
وقولُه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ}. أيْ: لا يَتدَبَّرُونَ بعُقُولِهم, فهم بِمَنْزِلَةِ مَن لا عَقْلَ له.
قولُه تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ}. أيْ: مَثَلُ هؤلاءِ المُنافقِينَ معَ اليَهودِ كمَثَلِ الشيطانِ معَ الكافِرِ.
وأكثَرُ الْمُفَسِّرينَ على أنَّ هذا الكافرَ هو رَجُلٌ مِن بَنِي إِسْرائيلَ يَعْبُدُ اللَّهَ تعالى في صَوْمَعَةٍ دَهْراً طَويلاً، وكانَ اسْمُه بِرْصِيصَا العابدَ، وكانَ في بَنِي إِسْرائيلَ ثلاثةُ إخوةٍ, لهم أُخْتٌ حَسناءُ بها شَيءٌ مِن اللَّمَمِ، وقيلَ: كانَتْ مَريضةً.
فعَرَضَ لهم سَفَرٌ فقالوا: نُسَلِّمُ أُخْتَنا إلى فُلانٍ العابدِ فيَحْفَظُها إلى أنْ نَرْجِعَ.
وفي رِوايةٍ: يَدْعُو لها ويَقُومُ عليها.
فإنْ ماتَتْ دَفَنَها، وإنْ بَرِئَتْ فكانَتْ عندَه إلى أنْ نَرْجِعَ، فسَلَّمُوها إليهِ بجَهْدٍ، فقامَ عليها حتى بَرِئَتْ.
ثُمَّ إنَّ الشيطانَ جاءَه وزَيَّنَ له أنْ يُواقِعَها, فوَاقَعَها وحَبِلَتْ منه.
ثُمَّ جاءَ الشيطانُ وقالَ: إنَّكَ تُفْضَحُ إذا قَدِمَ إخوَتُها, فاقْتُلْها وادْفِنْها وقُلْ: إِنَّها ماتَتْ. ففَعَلَ ذلكَ ودَفَنَها في أصْلِ صَوْمَعَتِه.
فلَمَّا رَجَعَ الإخوةُ وجَاؤُوا إليهِ ذَكَرَ لهم أنها قدْ ماتَتْ فصَدَّقُوهُ.
ثُمَّ إنَّ الشيطانَ أَرَاهُمْ في الْمَنامِ أنَّ العابدَ قدْ قَتَلَ أُخْتَكُم ودَفَنَها في مَوْضِعِ كذا، فجَاؤُوا إلى ذلك الْمَوْضِعِ، وحَفَرُوا واسْتَخْرَجوا أُختَهم مَقتولةً.
فذَهَبُوا وذَكَروا ذلكَ للمَلِكِ، فجاءَ الملِكُ والناسُ واستَنْزَلُوا العابدَ مِن صَوْمَعَتِه لِيَقْتُلُوه, فجاءَه الشيطانُ وقالَ: أنَّا الذي فعَلْتُ بكَ ما فَعَلْتُ, فأَطِعْنِي حَتَّى أُنَجِّيَكَ. فقالَ: أَيْشْ أفْعَلُ؟ فقالَ: تَسْجُدُ لي سَجْدةً. ففَعَلَ وقُتِلَ على الكُفْرِ، ونَزَلَتْ هذهِ الآيةُ في هذهِ القِصَّةِ.
وقدْ رَوَى عَطِيَّةُ عن ابنِ عبَّاسٍ قَريباً مِن هذا.
وذَكَرَ بعضُهم هذه القِصَّةَ مُسنَدَةً إلى الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بروايةِ سُفْيانَ بنِ عُيَيْنَةَ, عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ بألفاظٍ قَريبةٍ مِن هذا في المعنَى.
قالَ الشيخُ: أخْبَرَنا بذلكَ أبو عَلِيٍّ الشافعيُّ بمَكَّةَ, أخْبَرَنا ابنُ فِراسٍ, أخْبَرَنا أبو جعفرٍ الدَّيْبُلِيُّ, أخْبَرَنا سعيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الْمَخْزُومِيُّ, عن سُفيانَ....
وقولُه: {فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} هذا مِثْلُ قولِه تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وقِيلَ: إنَّ خَوْفَه مِن العُقوبةِ في الدنيا, لا مِن العُقوبةِ في الآخِرَةِ.
وقيلَ: هو الخوفُ مِن العُقوبةِ في الآخرةِ, إلاَّ أنَّ خَوْفَه لا يَنْفَعُه؛ لعَدَمِ الإيمانِ.
وقيلَ: إنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في جميعِ الكُفَّارِ, لا في كافِرٍ مَخْصوصٍ.
والمشهورُ هو القولُ الأوَّلُ.
قولُه تعالى: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا} يَعنِي: عاقبةَ الكافرِ وإبليسَ, {خَالِدَيْنِ فِيهَا}؛ أيْ: دَائِمَيْنِ فيها.
وقولُه: {وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}. أي: الكافرِينَ.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر إلى الّذين نافقوا يقولون لإخوانهم الّذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحدًا أبدًا وإن قوتلتم لننصرنّكم واللّه يشهد إنّهم لكاذبون (11) لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار ثمّ لا ينصرون (12) لأنتم أشدّ رهبةً في صدورهم من اللّه ذلك بأنّهم قومٌ لا يفقهون (13) لا يقاتلونكم جميعًا إلّا في قرًى محصّنةٍ أو من وراء جدرٍ بأسهم بينهم شديدٌ تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتّى ذلك بأنّهم قومٌ لا يعقلون (14) كمثل الّذين من قبلهم قريبًا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذابٌ أليمٌ (15) كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّي بريءٌ منك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (16) فكان عاقبتهما أنّهما في النّار خالدين فيها وذلك جزاء الظّالمين (17) }
يخبر تعالى عن المنافقين كعبد اللّه بن أبيٍّ وأضرابه، حين بعثوا إلى يهود بني النّضير يعدونهم النّصر من أنفسهم، فقال تعالى: {ألم تر إلى الّذين نافقوا يقولون لإخوانهم الّذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحدًا أبدًا وإن قوتلتم لننصرنّكم} قال اللّه تعالى: {واللّه يشهد إنّهم لكاذبون} أي: لكاذبون فيما وعدوهم به إمّا أنّهم قالوا لهم قولًا من نيّتهم ألّا يفوا لهم به، وإمّا أنّهم لا يقع منهم الّذي قالوه؛ ولهذا قال: {ولئن قوتلوا لا ينصرونهم} أي: لا يقاتلون معهم، {ولئن نصروهم} أي: قاتلوا معهم {ليولّنّ الأدبار ثمّ لا ينصرون} وهذه بشارةٌ مستقلّةٌ بنفسها.
ثمّ قال تعالى: {لأنتم أشدّ رهبةً في صدورهم من اللّه} أي: يخافون منكم أكثر من خوفهم من اللّه، كقوله: {إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً} [النّساء: 77]؛ ولهذا قال: {ذلك بأنّهم قومٌ لا يفقهون}
ثمّ قال {لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرًى محصّنةٍ أو من وراء جدرٍ} يعني: أنّهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقابلة بل إمّا في حصونٍ أو من وراء جدرٍ محاصرين، فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة.
ثمّ قال {بأسهم بينهم شديدٌ} أي: عداوتهم [فيما] بينهم شديدةٌ، كما قال: {ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} [الأنعام: 65]؛ ولهذا قال: {تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتّى} أي: تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين، وهم مختلفون غاية الاختلاف.
قال: إبراهيم النّخعيّ: يعني: أهل الكتاب والمنافقين {ذلك بأنّهم قومٌ لا يعقلون}
ثمّ قال: {كمثل الّذين من قبلهم قريبًا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذابٌ أليمٌ} قال مجاهدٌ، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان: [يعني] كمثل ما أصاب كفّار قريشٍ يوم بدرٍ.
وقال ابن عبّاسٍ: {كمثل الّذين من قبلهم} يعني: يهود بني قينقاع. وكذا قال قتادة، ومحمد ابن إسحاق.
وهذا القول أشبه بالصّواب، فإنّ يهود بني قينقاع كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أجلاهم قبل هذا.
وقوله: {كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّي بريءٌ منك} يعني: مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالّذين وعدوهم النّصر من المنافقين، وقول المنافقين لهم: {وإن قوتلتم لننصرنّكم} ثمّ لمّا حقّت الحقائق وجدّ بهم الحصار والقتال، تخلّوا عنهم وأسلموهم للهلكة، مثالهم في هذا كمثل الشّيطان إذ سوّل للإنسان -والعياذ باللّه-الكفر، فإذا دخل فيما سوّله تبرّأ منه وتنصّل، وقال: {إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين}
وقد ذكر بعضهم هاهنا قصّةً لبعض عبّاد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل، لا أنّها المرادة وحدها بالمثل، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها، فقال ابن جريرٍ:
حدّثنا خلّاد بن أسلم، أخبرنا النّضر بن شميل، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت عبد اللّه بن نهيك قال: سمعت عليًّا، رضي اللّه عنه، يقول: إن راهبًا تعبّد ستّين سنةً، وإنّ الشّيطان أراده فأعياه، فعمد إلى امرأةٍ فأجنّها ولها إخوةٌ، فقال لإخوتها: عليكم بهذا القسّ فيداويها. قال: فجاءوا بها إليه فداواها، وكانت عنده، فبينما هو يومًا عندها إذ أعجبته، فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشّيطان للرّاهب: أنا صاحبك، إنّك أعييتني، أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجّك ممّا صنعت بك، فاسجد لي سجدةً. فسجد له، فلمّا سجد له قال: إنّي بريءٌ منك، إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين، فذلك قوله: {كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّي بريءٌ منك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين}.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن عبد اللّه بن مسعودٍ في هذه الآية: {كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّي بريءٌ منك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين} قال: كانت امرأةٌ ترعى الغنم، وكان لها أربعة إخوةٍ، وكانت تأوي باللّيل إلى صومعة راهبٍ. قال: فنزل الرّاهب ففجر بها، فحملت، فأتاه الشّيطان فقال له: اقتلها ثمّ ادفنها، فإنّك رجلٌ مصدّق يسمع قولك. فقتلها ثم دفتها. قال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام فقال لهم: إنّ الرّاهب صاحب الصّومعة فجر بأختكم، فلمّا أحبلها قتلها ثمّ دفنها في مكان كذا وكذا. فلمّا أصبحوا قال رجلٌ منهم: واللّه لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصّها عليكم أم أترك؟ قالوا: لا بل قصّها علينا. قال: فقصّها، فقال الآخر: وأنا واللّه لقد رأيت ذلك، فقال الآخر: وأنا واللّه لقد رأيت ذلك. فقالوا: فواللّه ما هذا إلّا لشيءٍ. قال: فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الرّاهب، فأتوه فأنزلوه ثمّ انطلقوا به فلقيه الشّيطان فقال: إنّي أنا الّذي أوقعتك في هذا، ولن ينجيك منه غيري، فاسجد لي سجدةً واحدةً وأنجيك ممّا أوقعتك فيه. قال: فسجد له، فلمّا أتوا به ملكهم تبرأ منه، وأخذ فقتل.
وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وطاوسٍ، ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك. واشتهر عند كثيرٍ من النّاس أنّ هذا العابد هو برصيصا، واللّه أعلم. وهذه القصّة مخالفةٌ لقصّة جريج العابد، فإنّ جريجًا اتّهمته امرأةٌ بغي بنفسها، وادّعت أنّ حملها منه، ورفعت أمره إلى وليّ الأمر، فأمر به فأنزل من صومعته وخربت صومعته وهو يقول: ما لكم؟ ما لكم؟ فقالوا: يا عدوّ اللّه، فعلت بهذه المرأة كذا وكذا. فقال: جريجٌ: اصبروا. ثمّ أخذ ابنها وهو صغيرٌ جدًّا ثمّ قال: يا غلام، من أبوك؟ قال أبي الرّاعي -وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه-فلمّا رأى بنو إسرائيل ذلك عظّموه كلّهم تعظيمًا بليغًا وقالوا: نعيد صومعتك من ذهبٍ. قال: لا بل أعيدوها من طينٍ، كما كانت.
وقوله: {فكان عاقبتهما أنّهما في النّار خالدين فيها} أي: فكانت عاقبة الآمر بالكفر والفاعل له، وتصيّرهما إلى نار جهنّم خالدين فيها، {وذلك جزاء الظّالمين} أي: جزاء كلّ ظالمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/74-76]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir