قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. قَدْ بَيَّنَّا.
وقولُه: {أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}. أي: الأَقَلِّينَ، وكُلُّ كافِرٍ ذَلِيلٌ، وكلُّ مُؤْمنٍ عزيزٌ. ومَعناه: همْ أقَلُّ دَرجةً ورُتْبَةً.
وقولُه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}. أمَّا غَلَبَةُ اللَّهِ مَعلومةٌ؛ لأنَّ كلَّ الأشياءِ على مُرادِه ومَشيئتِه، وأمَّا غَلَبَةُ رُسُلِه فهي بالنَّصْرِ تَارَةً, وبالْحُجَّةِ أُخْرَى.
وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. أيْ: قَوِيٌّ في الأُمورِ، غالِبٌ عليها.
قولُه تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. أيْ: لا يَكُونُ مِن صِفةِ المُؤْمنِينَ أنْ يُوَادُّوا مَن حادَّ اللَّهَ ورسولَه, {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}. في نُزولِ الآيةِ قَولانِ:
أحَدُهما: أنها نَزلَتْ في حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ حينَ كتَبَ إلى مَكَّةَ يُؤْذِنُهم بغَزْوِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وستأتِي قِصَّةُ ذلك في سورةِ الْمُمْتَحَنَةِ.
والقولُ الثاني: أنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في غيرِه.
وقولُه: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ}. نَزَلَ في أبي عُبَيْدَةَ بنِ الْجَرَّاحِ، وكان قَتَلَ أباهُ الكافرَ، وجاءَ برَأْسِه إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ قيلَ: إنَّ أباهُ ماتَ قبلَ أنْ يُسْلِمَ أبو عُبَيْدَةَ. واللَّهُ أعلَمُ.
وقولُه: {أَوْ أَبْنَاءَهُمْ}. نَزَلَ في أبي بكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه, أرادَ أنْ يَخْرُجَ إلى ابنِه عبدِ الرحمنِ فيُبَارِزَه، فمَنَعَه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك وقالَ: ((نبله منه غيرك))
([1]).
وقولُه: {أَوْ إِخْوَانَهُمْ}. نَزَلَ في عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه, قَتَلَ أخاهُ هِشامَ بنَ العاصِ يومَ بَدْرٍ، وكانَ أخاه مِن أُمِّهِ.
وقولُه: {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}. نزَلَ في حَمْزَةَ وعَلِيٍّ وعُبيدةَ بنِ الحارثِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم, بارَزُوا معَ عُتْبَةَ وشَيْبَةَ والوَليدِ بنِ عُتْبَةَ، وقد كانُوا عَشيرَتَهم وقَرَابَتَهم.
وقولُه: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ}. أيْ: أَدْخَلَ في قُلوبِهم الإيمانَ، وقيلَ: كَتَبَ؛ أي: جَعَلَ في قُلوبِهم عَلاَمَةً تَدُلُّ على إيمانِهم.
وقولُه: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}. أيْ: قَوَّاهُمْ بنَصْرٍ منه. وقِيلَ: بنَظَرٍ منه. وقيلَ: برَحمةٍ مِنه.
وقولُه: {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.معلومُ المعنَى.
وقولُه: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ}. أيْ: جُنْدُ اللَّهِ، وقيلَ: خاصَّةُ اللَّهِ وصَفْوَتُه. وتقولُ العربُ: أنَا في حِزْبِ فُلانٍ؛ أيْ: في شِقِّ فُلانٍ وجَانِبِه.
وقولُه: {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. أيْ: هم السُّعداءُ الباقونَ في نَعيمِ الأبَدِ، وقيلَ: هم الذينَ نالُوا رِضَا اللَّهِ تعالى. واللَّهُ أعلَمُ.
[1] يُراجَعُ لفظُ الحديثِ حيثُ إِنَّه بالأصْلِ هكذا