794 - وعَنْ عَلْقَمَةَ بنِ وَائِلٍ, عن أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ أَقْطَعَهُ أَرْضاً بحَضْرَمَوْتَ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحُه ابنُ حِبَّانَ.
________________________________________________
دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابنُ حِبَّانَ.
قالَ في (التلخيصِ): رواهُ أَحْمَدُ، وأبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ, ورواهُ البَيْهَقِيُّ، والطَّبَرانِيُّ وابنُ حِبَّانَ، وصَحَّحَهُ.
مُفْرداتُ الحَديثِ:
أَقْطَعَهُ: أي: مَلَّكَه أَرْضاً يَسْتَبِدُّ بها، ويَنْفَرِدُ بها، والإقطاعُ يَكُونُ تَمْلِيكاً, وغيرَ تَمْليكٍ وإنما هي للارتفاقِ والمَنْفَعَةِ.
وإقطاعُ الإمامِ هو لمَن يَراهُ أَهْلاً لذلك، وأكثرُ ما يُسْتَعْمَلُ في إقطاعِ الأرضِ المُنْفَكَّةِ عن الاختصاصاتِ، ومِلْكِ مَعْصُومٍ.
بحَضْرَمَوْتَ: والتَّرْكِيبُ مَزْجِيٌّ، مَنْطِقَةٌ بجَنوبِ الجزيرةِ العربيةِ مشهورةٌ، عَاصِمَتُها مَدِينَةُ المكلا.
795- وعَنِ ابنِِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما ـ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ فَرَسِهِ فَأَجْرَى الفَرَسَ حَتَّى قَامَ، ثُمَّ رَمَى سَوْطَهُ؛ فَقَالَ: ((أَعْطُوهُ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطُ)). رَواهُ أبو دَاوُدَ، وفيهِ ضَعْفٌ.
دَرَجَةُ الحديثِ:
أصلُ الحديثِ في الصحيحِ.
قالَ في (التلخيصِ): رواهُ أَحْمَدُ وأبو دَاوُدَ من حَديثِ ابنِعُمَرَ، وفيهِ العمريُّ ضعيفٌ، وله أَصْلٌ في الصحيحِ مِن حديثِ أسماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ.
مُفْرداتُ الحَديثِ:
أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ: الإِقْطاعُ تَعْيِينُ قِطْعَةٍ من الأرضِ لغَيْرِه، يُقالُ: أَقْطَعَ الإمامُ إِقْطَاعاً: جَعلَها للمُقْطَعِ، وهو مَأْخُوذٌ مِن القَطْعِ، كأنه يَقْطَعُ له قِطْعَةً مِن الأرضِ, وإقطاعُ الإمامِ نوعانِ: إقطاعُ إِرْفاقٍ، وإقطاعُ تَمْليكٍ، كما سيأتي إنْ شَاءَ اللَّهُ.
حُضْرَ فَرَسِهِ: بضَمِّ الحَاءِ المُهْمَلَةِ، وسُكونِ الضادِ المُعْجَمَةِ، الحُضْرُ: عَدْوٌ، ووَثْبٌ, والمُرادُ: قَدْرَعَدْوِ فَرَسِهِ، ولكنَّه أقامَ المَصْدَرَ مُقامَ الاسْمِ، ومعناه: مَوْضِعَ حُضْرِ فَرَسِه.
حُضْرَ: مَنْصُوبٌ على حَذْفِ المُضافِ، أي: قَدْرَ ما يَعْدُو عَدْوَةً واحِدةً.
السَّوْطُ: بفَتْحِ السِّينِ، ما يُضْرَبُ بهِ مِن جِلْدٍ سَواءٌ أكانَ مَوْضُوناً، أم لَمْ يَكُنْ، جَمْعُه أَسْواطٌ وسِياطٌ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحديثيْنِ:
1- إقطاعُ الإمامِ هو تَسْوِيغُه مِن مالِ اللَّهِ شَيْئاً لمَن يَراهُ أَهْلاً لذلك.
2- ففي الحديثيْنِ جَوازُ إِقْطاعِ الإمامِ أَرْضاً مَوَاتاً لمَن يُحْيِيهَا.
3- ويَكُونُ الإقطاعُ: هو تَسْوِيغٌ مِن مالِ اللَّهِ تعالى العَائِدَةِ مَصالِحُه إلى المُسلمِينَ، والإمامُ هو نَائِبُ المُسلمِينَ أُنِيطَ الإِقْطَاعُ به، فلا يَكونُ مِن غَيْرِه أو نَائِبِه؛ ولأنَّ الإِقْطَاعَ رَاجِعٌ إلى رَأْيِ الإمامِ في المَصْلَحَةِ العامَّةِ.
4- ففي الحديثيْنِ إقطاعُالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ وَائِلَ بنَ حُجْرٍ أَرْضاً بحَضْرَمَوْتَ، ومُناسَبَةُ إقطاعِه هناك أنَّها بِلادُه، وهو قَادِرٌ على إِحْيائِها والانتفاعِ بها، وإقطاعُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ قَدْرَ عَدْوِ فَرَسِه.
5- وفيهما جَوازُ إِقْطاعِ المساحةِ الكبيرةِ للشخصِ الواحِدِ، إذا رَأَى الإمامُ في ذلك مَصْلَحَةً بأنْ يَكُونَ عِنْدَه القُدْرَةُ على إصلاحِها واستثمارِها.
6- وفيهما أنه لا يُذَمُّ الإنسانُ ـ وإنْ كَانَ فَاضِلاً ـ على الرغبةِ في الحُصولِ على الدنيا مِن طُرُقِها المشروعةِ، ومن تلك الطُّرُقِ عطايا الإمامِ.
فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ أقَرَّ الزُّبَيْرَ على حُضْرِ فَرَسِه حتى وَقَفَ، ثم زادَ على حُضْرِ الفَرَسِ أنْ رَمَى سَوْطَه فأَعْطَاهُ مَا رَغِبَ فيه، وهو مُنْتَهَى ما وَصَلَ إليهِ سَوْطُه.
فَوائدُ:
الأولى: قَسَّمَ الفُقَهاءُ الإقطاعَ إلى ثلاثةِ أَقْسامٍ:
1- إِقْطَاعٌ قُصِدَ بهِ تَمْلِيكُ المُقْطَعِ لِمَا أُقْطِعَ.
2- إِقْطَاعُ استغلالٍ: بأنْ يُقْطِعَ الإمامُ أو نَائِبُه مَن يَرَى في إِقْطاعِه مَصْلَحَةً؛ ليَنْتَفِعَ بالشيءِ الذي أَقْطَعَه، فإذا فُقِدَتِ المصلحةُ فللإمامِ استرجاعُه.
3- إقطاعُ إِرْفَاقٍ: بأنْ يُقْطِعَ الإمامُ أو نَائِبُه الباعَةَ الجُلوسَ فِي الطُّرقِ الوَاسِعَةِ، والمَيادِينِ، والرِّحابِ، ونحوِ ذلك.
فأمَّا إقطاعُ التمليكِ: فالمَذْهَبُ أنَّ المُقْطَعَ لا يَمْلِكُ المَوَاتَ بالإقطاعِ.
وإنَّما يَصِيرُ كالمُتَحَجِّرِ الشارعِ في الإحياءِ، فإنْ أحياهُ مُلِّكَه، وحِينَئذٍ لا يَجوزُ استرجاعُه منه بعدَ إحيائِه؛ لأنَّه مُلِّكَهُ بالإحياءِ، فإنْ لَمْ يُحْيِهِ ووُجِدَ مُتَشَوِّفٌ لإحيائِه، ضَرَبَ الإمامُ أو نائِبُه للمُقْطَعِ مُدَّةً حَسَبَ ما يَراهُ، إنْ أحياهُ فيها، وإلاَّ اسْتَرْجَعَه.
قالَ في (الإنصافِ): يَثْبُتُ المِلْكُ بنَفْسِ الإقطاعِ فيَبِيعُ، ويُورَثُ عنه.
وهو الصحيحُ: وبهذا القولِ أفْتَتِ الهيئةُ القَضائِيَّةُ بالديارِ السُّعوديةِ.
قالَ في الإقناعِ وشَرْحِه: وإنْ أحياهُ غَيْرُ المُتَحَجِّرِ في مُدَّةِ المُهْلَةِ أو قَبْلَه لم يُمَلَّكْهُ؛ لأنَّ حَقَّ المُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ فكَانَ أَوْلَى، ولمفهومِ قولِه صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً غَيْرَ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ)).
ولا يَنْبَغِي للإمامِ أَنْ يُقْطِعَ إلاَّ ما قَدَرَ المُقْطَعُ على إِحْيائِه؛ لأنَّ في إقطاعِه أَكْثَرَ مِن ذلك تَضْيِيقاً على الناسِ في حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بينَهم، وقدِ اسْتَرْجَعَ عُمَرُ في خِلافَتِه مِن بِلالِ بنِ الحارِثِ ما عَجَزَ عن عِمارَتِه مِن العَقيقِ الذي أَقْطَعَهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ.
قالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ: لا يُقْطَعُ كُلُّ فَرْدٍ إلاَّ الشيءَ الذي يَقْدِرُ على إحيائِه؛ لأنَّ في إقْطاعِه أَكْثَرَ مِن ذلك تَضْيِيقاً على الناسِ في حقٍّ مُشْتَرَكٍ بينَهم.
قالَ في (شرحِ الإقناعِ) وغيرِه: ولا يَجوزُ للإمامِ إِقطاعُ ما لا يَجوزُ إحياؤُه مِمَّا قَرُبَ مِن العَامِرِ وتَعَلَّقَ بمَصالِحِه؛ لأنَّه في حُكْمِ المَملوكِ لأهلِ العامِرِ.
وقالتِ الهَيْئَةُ القَضائِيَّةُ في الدِّيارِ السُّعوديةِ: إقطاعُ الأرضِ المَوَاتِ لا يَسْرِي على أَمْلاكِ الآخَرِينَ ومَرَافِقِ البَلَدِ ومَصالِحِها وما تَحْتاجُ إليه.
الثانيةُ: قالَ شيخُ الإسلامِ: ما عَلِمْتُ أَحَداً من عُلماءِ المُسلمِينَ مِن الأئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ ولا غَيْرِهم قالَ: إِجَارَةُ الإقطاعاتِ لا تَجُوزُ، حتى حَدَّثَ بَعْضُ أَهْلِ زَمانِنِا، فابْتَدَعَ القَوْلَ بعَدَمِ الجَوازِ.