791- وعَنِ ابنِِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما ـ قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ)). رَواهُ أحمدُ وابنُ مَاجَهْ.
وله مِن حديثِ أبي سَعِيدٍ مِثْلُه، وهو في (المُوَطَّأِ) مُرْسَلٌ.
دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ حَسَنٌ:
حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ رَواهُ أَحمَدُ، وابنُ مَاجَهْ، وابنُ أَبِي شَيْبَةَ، والطَّبَرَانِيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ، ومَدَارُه على عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِِ عَبَّاسٍ.
ورواهُ أَحْمَدُ وابنُ مَاجَهْ من حديثِ أبي سَعِيدٍ مثلَه، وهو في (المُوَطَّأِ) مُرْسَلاً، وأخْرَجَه أحمدُ، وابنُ مَاجَهْ والبَيْهَقِيُّ من حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وفيهِ انقطاعٌ.
وله شَوَاهِدُ عن أبي هُرَيْرَةَ، وجَابِرٍ، وعَائِشَةَ، وثَعْلَبَةَ القُرَظِيِّ، وأبي لُبابَةَ.
فالحديثُ مُتَعَدِّدُ الطرُقِ، ولم يُطْعَنْ بشَيْءٍ منها إلاَّ مِن حَيْثُ الوَصْلُ أو الإِرْسالُ، فهو قَوِيٌّ بمجموعِ هذهِ الطرُقِ.
وقد حَسَّنَ الحديثَ الإمامُ النَّوَوِيُّ في (الأرْبَعِينَ)، وكذلك السيوطيُّ.
وقالَ الهَيْثَمِيُّ: رجالُه ثِقاتٌ.
وقالَ العَلائِيُّ: للحديثِ شَواهِدُ يَنْتَهِي بمَجْموعِها إلى دَرَجةِ الصِّحَّةِ أو الحُسْنِ المُحْتَجِّ به.
مُفْرداتُ الحَديثِ:
لا ضَرَرَ: ضَرَّهُ يَضُرُّهُ ضَرًّا ضِدُّ نَفَعَه، أو جَلَبَ إليهِ الضَّرَرَ، والضَّرُّ ـ بالفتحِ ـ مَصْدَرٌ، وبالضمِّ اسمٌ للفِعْلِ، ومعناه: لا يَضُرُّ الرجُلُ أخَاهُ فيَنْقُصَهُ شَيْئاً مِن حَقِّه.
ولا ضِرَارَ: فِعَالٌ مِن الضَّرِّ، أي: لا يُجازِيهِ على ضَرَرِه أَكْثَرَ مِمَّا ضَرَّهُ، فالأولُ ابتداءٌ، والثاني جَزَاءٌ عليهِ مُتجاوِزاً حَقَّه.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- هذا الحديثُ أَحَدُ القواعدِ الكُبْرَى، التي يَنْدَرِجُ تحتَها الكثيرُ مِن الصورِوالمسائِلِ.
2- معنى ((لاَ ضَرَرَ)) أي: مَنَعَ إِلْحاقَ أيِّ مَفْسَدَةٍ بالغَيْرِ مُطْلَقاً، سَواءٌ كانَ ضَرَراً خَاصًّا، أو ضَرَراً عامًّا، ودَفَعَ الضَّرَرَ قَبْلَ وُقوعِه بطريقةِ الوِقايَةِ المُمْكِنَةِ، كما يَشْمَلُ رَفْعَه بعدَ وُقوعِه بما يُمْكِنُ مِن التَّدْبِيرِ.
3- وبهذا فإنَّ إنزالَ العُقوباتِ المَشْروعةِ بالمُجْرِمِينَ لا يُنافِي هذهِ القَاعِدَةَ، وإنْ تَرَتَّبَ عليها ضَرَرٌ بهم؛ لأنَّ فيها عَدْلاً، ودَفْعاً ووِقايَةً، من ضَرَرٍ أَعَمَّ وأعْظَمَ.
4- معنى ((وَلاَ ضِرَارَ)): هو نَفْسُ الضَّرَرِ بقَصْدِ الثَّأْرِ الذي يَزِيدُ في الضَّرَرِ، ويُوسِّعُ دَائِرَتَه، فالإضرارُ ـ ولو كانَ على سَبِيلِ المُقابَلَةِ ـ لا يَجوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصوداً، وإنما يُلْجَأُ إليهِ عندَ الضَّرُورةِ, فإنَّ المَشْروعَ هو دَفْعُ الضَّرَرِ بدونِ ضَرَرٍ أصلاً، فإنْ لَمْ يُمْكِنْ فيُدْفَعُ بالقَدْرِ المُمْكِنِ منه.
فمَن أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِه ـ مثلاً ـ لا يَجوزُ أَنْ يُقابَلَ بإتلافِ مَالِه؛ لأنَّ في ذلك تَوْسِعَةً للضَّرَرِ بلا مَنْفَعَةٍ، وأفضلُ منه تَضْمِينُ المُتْلِفِ قِيمَةَ ما أَتْلَفَ، وذلك بخِلافِ الجِنايةِ على النَّفْسِ أو الطَّرَفِ، مِمَّا شُرِعَ فيه القِصاصُ؛ لأنَّ الجِناياتِ لا يَقْمَعُها إلاَّ عُقوبَةٌ مِن جِنْسِها.
5- فالحديثُ يُفِيدُ وُجوبَ دَفْعِ الضَّرَرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ بكُلِّ الوسائلِ، والإمكانِيَّاتِ المُمْكِنَةِ، وَفْقاً للسياسةِ الشرعيَّةِ، ويكونُ دَفْعُه بدونِ ضَرَرٍ أصلاً، وإلاَّ فيُدْفَعُ بالقَدْرِ المُمْكِنِ.
6- الشَّرْعُ إنَّما جاءَ ليُحافِظَ على الضَّرورِيَّاتِ الخَمْسِ؛ فيَحْفَظُ على الناسِ دِينَهم وأَنْفُسَهم وعُقُولَهم وأَنْسَابَهم وأَعْراضَهم، فكُلُّ ما يُؤدِّي إلى الإخلالِ بواحِدٍ منها فهو مَضَرَّةٌ، يَجِبُ إِزَالَتُها ما أَمْكَنَ، وفي سَبيلِ تَأْيِيدِ مَقاصِدِه يُدْفَعُ الضَّرَرُ الأَعَمُّ، بارتكابِ الضَّرَرِ الأخصِّ؛ ولهذه الحِكْمَةِ شُرِعَ القِصاصُ وقَتْلُ المُرْتَدِّ؛ صيانةً للأنْفُسِ والأديانِ، وشُرِعَ حَدُّ الزِّنَا والقَذْفِ؛ صِيانةً للأعراضِ، وشُرِعَ حَدُّ شُرْبِ الخَمْرِ؛ حِفْظاً للعُقولِ، وشُرِعَ القَطْعُ في السَّرِقَةِ؛ حِمايةً للأموالِ.