فَصْلٌ
في أَحْكَامِ الإمَامَةِ
(الأَوْلَى بالإمَامَةِ الأَقْرَأُ) جَوْدَةً, (العَالِمُ فِقْهَ صَلاتِه)؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُم لِكِتَابِ اللَّهِ, فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً, فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً, فأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً, فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا)) رواهُ مُسْلِمٌ.
(ثُمَّ) إن استَوَوْا في القِرَاءَةِ (الأَفْقَهُ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، فإن اجتمَعَ فَقِيهَانِ قَارِئَانِ, وأَحَدُهُمَا أَفْقَهُ أو أَقْرَأُ, قُدِّمَ، فإن كانَا قَارِئَيْنِ, قُدِّمَ أَجْوَدُهُمَا قِرَاءةً, ثُمَّ أَكْثَرُهُما قُرْآناً, ويُقَدَّمُ قَارِئٌ لا يَعْرِفُ أَحْكَامَ صَلاتِه على فَقِيهٍ أُمِّيٍّ، وإن اجتمعَ فَقِيهَانِ, أَحَدُهُمَا أَعْلَمُ بأَحْكَامِ الصَّلاةِ, قُدِّمَ؛ لأنَّ عِلْمَهُ يُؤَثِّرُ في تَكْمِيلِ الصَّلاةِ، (ثُمَّ) إن استَوَوْا في القِرَاءَةِ والفِقْهِ (الأَسَنُّ)؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((وَلْيَؤُمُّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)). مُتَّفَقٌ عليه.
(ثُمَّ) معَ الاستِوَاءِ في السِّنِّ (الأَشْرَفُ), وهو القُرَشِيُّ, وتُقَدَّمُ بَنُو هَاشِمٍ على سَائِرِ قُرَيْشٍ إِلْحَاقاً للإمامَةِ الصُّغْرَى بالكُبْرَى؛ ولقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((قَدِّمُوا قُرَيْشاً ولا تَقَدَّمُوهَا)).
(ثُمَّ الأَقْدَمُ هِجْرَةً) أو إِسْلاماً, (ثُمَّ) معَ الاستِوَاءِ فيما تَقَدَّمَ (الأَتْقَى)؛ لقَوْلِه تعالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. (ثُمَّ) إنِ استَوَوْا فِي الكُلِّ, يُقَدَّمُ (مَن قُرِعَ) إن تَشَاحُّوا؛ لأنَّهم تَسَاوَوْا في الاستِحْقَاقِ وتَعَذَّرَ الجَمْعُ, فأُقْرِعَ بَيْنَهُم كسَائِرِ الحُقُوقِ.
(وسَاكِنُ البَيْتِ وإِمَامُ المَسْجِدِ أَحَقُّ) إذا كانَا أَهْلاً للإمامَةِ ممَّنْ حَضَرَهُم, ولو كانَ في الحَاضِرِينَ مَن هو أَقْرَأُ أو أَفْقَهُ؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لاَ يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ في بَيْتِه ولا في سُلْطَانِه)). رواه أَبُو دَاوُدَ عن ابنِ مَسْعُودٍ. (إلاَّ مِن ذِي سُلْطَانٍ), فيُقَدَّمُ علَيْهِما؛ لعُمُومِ وَلايَتِه، ولِمَا تَقَدَّمَ مِن الحَدِيثِ، والسَّيِّدُ أَوْلَى بالإمَامَةِ في بَيْتِ عَبْدِه؛ لأنَّه صَاحِبُ البَيْتِ.
(وحُرٌّ) بالرَّفْعِ على الابتِدَاءِ, (وحَاضِرٌ)؛ أي: حَضَرِيٌّ, وهو النَّاشِئُ فِي المُدُنِ والقُرَى, (ومُقِيمٌ وبَصِيرٌ ومَخْتُونٌ)؛ أي: مَقْطُوعُ القُلْفَةِ, (ومَن له ثِيَابٌ)؛ أي: ثَوْبَانِ وما يَسْتُرُ به رَأْسَهُ- (أَوْلَى مِن ضِّدِّهِم)؛ خَبَرٌ عَن (حُرٌّ) وما عُطِفَ عليهِ؛ فالحُرُّ أَوْلَى مِنَ العَبْدِ, والمُبَعَّضُ والحَضَرِيُّ أَوْلَى مِن البَدَوِيِّ النَّاشِئِ بالبَادِيَةِ, والمُقِيمُ أَوْلَى مِن المُسَافِرِ؛ لأنَّه رُبَّمَا يَقْصُرُ فيَفُوتُ المَأْمُومِينَ بَعْضُ الصَّلاةِ في جَمَاعَةٍ.
وبَصِيرٌ أَوْلَى مِن أَعْمَى، ومَخْتُونٌ أَوْلَى مِن أَقْلَفَ، ومَن له مِن الثِّيَابِ ما ذُكِرَ أَوْلَى مِن مَسْتُورِ العَوْرَةِ معَ أَحَدِ العَاتِقَيْنِ فَقَطْ، وكذا المُبَعَّضُ أَوْلَى مِن العَبْدِ، والمُتَوَضِّئُ أَوْلَى مِن المُتَيَمِّمِ، والمُسْتَأْجِرُ فِي البَيْتِ المُؤَجَّرِ أَوْلَى مِن المُؤَجِّرِ، والمُعِيرُ أَوْلَى مِن المُسْتَعِيرِ، وتُكْرَهُ إِمَامَةُ غَيْرِ الأَوْلَى بلا إِذْنِه؛ لحديثِ: ((إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ القَوْمَ وفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ, لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ)). ذَكَرَهُ أَحْمَدُ في رِسَالَتِه. إِلاَّ إِمَامَ المَسْجِدِ وصَاحِبَ البَيْتِ فتَحْرُمُ.