دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 شوال 1438هـ/11-07-2017م, 01:59 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي

تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 شوال 1438هـ/15-07-2017م, 07:16 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

تفسير قوله تعال:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"الأنفال\24

جاءت هذه الاية في سورة الأنفال, في سياق قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) ۞ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)

فبدأت الآيات بتوجيه الأمر للمؤمنين بطاعة الله ورسوله, والطاعة هي الاستسلام الكامل من العبد لسيده, ثم جاء ذم من لم يلتزم بهذا الأمر, سواء كان من الأمم السابقة أو اللاحقة, فالكل واحد, وجاء وصفهم بأنهم شر الخليقة, حيث عطلوا حواسهم عما خلقت له وهي الطاعة المطلقة للخالق سبحانه.

ثم جاء الأمر الإلهي للمؤمنين بالاستجابة لله ولرسوله, والاستجابة للرسول عليه الصلاة والسلام, إنما هي استجابة لله تعالى, فهو الرسول المبلغ رسالة ربه, وطاعته إنما هي في حقيقتها طاعة لله سبحانه وتعالى, لأنه من أمرنا بطاعة نبيه عليه الصلاة والسلام.

وسورة الأنفال جاء فيها العديد من الأحكام المتعلقة بالقتال والغنائم، وقواعد التشريع، والولاية العامة والخاصة، والعهود، وصلة الأرحام، وأصول الحكم, وجميعها تستلزم من المؤمن التسليم لها, والاستجابة لما جاء فيها من أوامر ونواهي, والعمل بها, فناسب أن يأتي هذا الأمر العظيم للمؤمنين في هذه السورة على أكثر من وجه.

قوله تعالى"استجيبوا": يقال: استجاب له وأطاعه فيما دعاه إليه. والاستجابة : الإجابة بعناية واستعداد ، فالسين والتاء فيها للتأكيد ، وقد غلب استعمال الاستجابة في إجابة طلب معين أو في الأعم .

وقال الجمهور من المفسرين : المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ، ففيه الحياة الأبدية والنعمة السرمدية, والاستجابة هنا الامتثال ، وظاهر استجيبوا الوجوب ، فيقال لهم: إذا علمتم ما فرضنا عليكم من الطاعة ،فأجيبوا الدعوة بعناية وهمة ، وعزيمة وقوة. ولذلك لما نادى الرسول صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب وهو يصلي فالتفت أبَيّ ولم يجبه, وصلى أبيّ فخفف ثم انصرف إلى رسول الله فقال : السلامُ عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ما منَعك يا أبيّ أن تجيبني إذْ دعوتك فقال : يا رسول الله إني كنت في الصلاة فقال : أفلم تجد فيما أوحي إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال : بَلَى ولا أعود إن شاء الله».

وقوله تعالى:"لما يحييكم": هذا وصف ملازم لما تضمنته دعوة الله لخلقه, والحياة بالإسلام تشمل:
1- حياة الأرواح بما أنزله الله سبحانه وتعالى من آيات بينات تحيا بها القلوب والأرواح, فمن أعرض عنها فهو بمنزلة الميت ولو كانت الحياة تسري في جسده, لذلك قال تعالى:"أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ" الأنعام\122, فما أنزله الله تعالى, هو بمثابة الروح للبدن, لأن فيه قيامها بما خلقها الله من أجله, من معرفة خالقها, والتوجه إليه وحده سبحانه بالعبادة.
2- حياة الأبدان, لأن من استجاب وأطاع, استجاب لما سيكون سببا في خلود بدنه في النعيم الذي وعد الله به عباده, فمن سمع وأطاع ليس كمن أعرض وعصى.

فأصل الإسلام قائم على الاستسلام والانقياد التام لله سبحانه وتعالى, وعلى الاستجابة لأوامره التي أمر بها عباده, لذا قال السلف: قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم, وهذا هو الابتلاء الأكبر للعباد, فقد امتحن الله عباده بالسمع والطاعة, وأحكامه سبحانه تدور بين الفضل والعدل, وهي قائمة جميعها على الحكمة, لكن الحكمة قد لا تتبين للجميع, وقد لا تتبين لهم في جميع الأوقات, وليست جميعها معلومة للعباد, فهناك بعض الأحكام التي لم تأت معللة في الشرع, وتكون العلة فيها تعبدية محضة بالنسبة للعبد, ولا يعني هذا خلوها من الحكمة, لكن علم العبد قاصر على ما تدركه حواسه, أما ما يغيب عنه فليس للعبد إليه سبيل.

والاختبار إنما هو بالسمع والطاعة سواء تبينت له الحكمة أم لا, وسواء قبلها عقله واقتنع بها ام لا, وسواء تعارضت مع المصالح الشخصية والهوى أم لا, لذلك قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً".البقرة\208, قال ابن جرير:قيل: "وجه دُعائه إلى ذلك الأمرُ له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه". وقال:"فقد صرح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رَفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء من حدوده".
وهذا هو اصل الأيمان, وقد قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول, في تعريفه للإيمان: "فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد".
لذلك لما حاء الأمر لإبراهيم عليه السلام, بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام, استجاب كلاهما لأمر الله, مع كونه "البلاء المبين" وفداه ربه بذبح عظيم, لأن مقصود الأمر كان اختبارا للاستسلام التام, والسمع والطاعة ولو لم يتبين السبب, قال تعالى:,"فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ سورة الصافات\103-105.

والانقياد الظاهري للجوارح لا يكفي في مسألة الاستجابة والسمع والطاعة, بل لا بد من استسلام القلب وانقياده أولا, وعدم وقوع الشك أو الحرج من القيام بأوامر الله أو الكف عن نواهيه,لذلك قال تعالى:"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"النساء\65, وهذا هو السر في سكون قلب المؤمن المستسلم لأوامر ربه, واستقرار نفسه, وعدم ضياعه في شعب لا نهاية لها ولا مقر.
لأن من لم يكن عبدا لخالقه, فهو عبدا لمن سواه لا محالة, فلينظر أحدنا من سيده.

وقد حذر سبحانه من مجرد مخالفة أمر رسوله عليه الصلاة والسلام, فقال:"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" النور\63
قال الإِمام أحمد عن هذه الآية: « أَتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشِّرك ؛ لعله إِذا ردَّ بعض قوله أَنْ يقع في قلبه شيء من الزَّيغ فيهلك » .

فالطاعة إنما هي مقتضى شهادة ان لا إله إلا الله, فتقتضي توحيده سبحانه وتعالى, وطاعته بتصديق خبره وامتثال أمره واجتناب نهيه, كذلك شهادة ان محمدا رسول الله, تقتضي طاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع, فهو عليه الصلاة والسلام مشرع، ولا ينطق عن الهوى، ومعصوم، و يوحى إليه، كما قال تعالى:" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)\ النجم, وفي مسألة الطاعة بتفاوت المسلمون تفاوتا كبيرا, فمقل ومستكثر.

ولأن الطاعة من مقاصد القرآن الكريم الأساسية, فقد جاء ختام الاية تهديدا لمن فرط في الاستجابة, بل هو تهديد حتى لمن أبطأ وتاخر ولم يسارع فيها, فجاء الوعيد بقوله تعالى:"وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" فذكرهم سبحانه بقدرته عليهم, فهو كما فسرها قتادة بقوله: هو كقوله :"ونحن اقرب إليه من حبل الوريد", وكما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه احمد والترمذي:" إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها", لذلك كان أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام, فيما رواه الترمذي:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
فلا يظن من أعرض وتأخر في الاستجابة بأنه قادر عليها متى ما ارادها, بل إن الله سبحانه وتعالى, يحول بينه وبين الإيمان, يحول بينه وبينه التوبة, يحول بينه وبين الرجوع عما هو فيه, عقابا له على تفريطه وإعراضه, زكأن الجزاء من جنس العمل, وهو كقوله تعالى:"فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم", لذل فسر ابن عباس هذه الاية بقوله: يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان .
وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه . ذكرهما الطبري في تفسيره.
فعدم استجابتهم موجب لأن يجلب عليهم الوقوع في الضلال والغواية, واتباع خطوات الشيطان, والتخبط في الفتن, كما حدث ويحدث لكل من شق عصا الطاعة لله سبحانه وتعالى, ولرسوله عليه الصلاة والسلام.

ولما فرط الناس في أمر السمع والطاعة انقسموا إلى فرق:
1- منهم من سار على نهج سلف الأمة في السمع والطاعة فسلم.
2- ومنهم من اعرض وعصى بالكلية فخرج عن الملة.
3- ومنهم من افتتن فاستجاب بما يناسبه في بعض المقامات, وفي المقامات الأخرى, رد النصوص وقدم عليها العقل, أو الذوق والوجد, أو الهوى, أو اقوال الرجال, بحسب ما هو متبع من الفرق التي كان الجامع بينها التأخر في الاستجابة لنصوص الوحي.

وكان اهل السنة والجماعة وحدهم الذين استجابوا للنصوص, فلم يقدموا آرائهم عليهم, بل كان السمع والطاعة والاتباع, مشوا على طريق الصحابة رضوان الله عليهم, فقد ضربوا أعظم الأمثال في الاستجابة لأوامر الله, فقد روى الطبري في تفسيره ما رواه ابن بريدة، عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شرابٍ لنا، ونحن نشرب الخمر حِلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وقد نـزل تحريم الخمر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ، إلى آخر الآيتين،" فهل أنتم منتهون "، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله: " فهل أنتم منتهون "؟ قال: وبعض القوم شربته في يده، قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجّام. ثم صبوا ما في باطيهتهم، فقالوا: انتهينا ربّنا! انتهينا ربَّنا.

وهكذا فعلوا رضوان الله عليهم في جميع ما بلغهم من أوامر ونواهي, وتبعهم السلف الصالح في ذلك وقد حكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال : سمعت مالك بن أنس ـ وأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه و سلم. فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد فقال: لا تفعل قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة فقال : وأي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ إني سمعت الله يقول : "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".أخرجه ابن بطه في الإبانة الكبرى.

لذلك جاء الترهيب والترغيب في آخر الآية بقوله تعالى:"وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" ليتذكر العباد أنهم مجموعون إلى الله سبحانه وتعالى لا محالة, وستجزى كل نفس بما كسبت, إن خيرا فخير وإن شرا فشر, فلينظر العبد إلى حاله من الآية وموقعه منها, ومدى امتثاله لما جاء فيها متذكرا وقوفه بين يدي ربه الكريم.

نسال الله مقلب القلوب أن يثبت قلوبنا على دينه, وأن يصرفها إلى طاعته, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
------------------------------------------------------------------------------------
المصادر:
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن\ للإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري.
- الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفرقان\ لمؤلفه أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي
- تفسير القرآن العظيم \ للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير.
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن \ لمحمد الأمين الشنقيطي.
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان\ لعبدالرحمن السعدي.
- التحرير والتنوير, لمحمد الطاهر ابن عاشور.
- التفسير الوسيط للقرآن الكريم\ محمد سيد طنطاوي.
- لسان العرب لابن منظور.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 شوال 1438هـ/15-07-2017م, 10:19 PM
مها الحربي مها الحربي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 461
افتراضي


التفسير المقاصدي لسورة الإخلاص


الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين ،وبعد ،
المقصد العام من سورة الإخلاص هو توحيد الله وإفرادة سبحانه بأفعاله وأسمائه وصفاته إذا يلزم من تفرد الله عز وجل بهذهالأفعال و الأسماء والصفات إخلاص العبادة له .
ومن فضائل هذه السورة :أنها تعدل ثلث القرآن لما أشتملت عليه من توحيد الله وهو واحد من أقسام القرآن الثلاثة ،كما قال بعض العلماء أن القرآن نزل على أقسام ثلاثة:
1/الأسماء والصفات ،2/وعد ووعيد ،3/الأحكام
ومن أسباب نزول هذه السورة كما ذكره الطبري في تفسيره :
ذُكِرَ أن المُشْرِكِينَ سَأَلُوا رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نَسَبِ رَبِّ العِزَّةِ، فأَنْزَلَ اللهُ هذا السورةَ؛ جواباً لَهم.
وقالَ بعضُهم: بل نَزَلَتْ مِن أجلِ أن اليهودَ سَأَلُوه، فقالُوا له: هذا اللهُ خَلَقَ الخَلْقَ، فمَن خلَقَ اللهَ؟ فأُنْزِلَتْ جواباً لهم.
قال تعالى : (قل هو الله أحد ):
ابتدأت الآية بالأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ،قل لهم بأن الله واحد منفرد من جميع الجهات في أفعاله وصفاته و أسمائه ،ليس كمثله شئ
قال تعالى : (الله الصمد ):ومن الأقوال التي ذكرها الطبري في تفسيره في معنى الصمد ،
1/هو الذي لاجوف له
2/هو السيد الذي انتهى إليه السؤدد
3/الذي لم يخرج منه شئ
4/ هو الباقي الذي لايفنى
5/هو الذي تصمد إليه جميع الخلائق في حوائجهم
وكل هذه الأقوال صحيحه و ترجع لمعنى واحد وهو كمال الذات لله تعالى

قال تعالى : (لم يلد ولم يولد ):
ذكر الطبري في تفسيره معنى موجز لهذه الآية (ليسَ بفَانٍ؛ لأنه لا شَيْءَ يَلِدُ إلاَّ وهو فانٍ بائِدٌ
{وَلَمْ يُولَدْ} يقول: وليس بِمُحْدَثٍ, لَمْ يَكُنْ فَكَانَ؛ لأن كلَّ مولودٍ فإنما وُجِدَ بعدَ أن لم يَكُنْ، وحَدَثَ بعدَ أن كانَ غيرَ موجودٍ، ولكنَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ قديمٌ لم يَزَلْ، ودائِمٌ لا يَبِيدُ، ولا يَزُولُ ولا يَفْنَى)
معنى (كفوا ):
أي لم يكن له شبيها ولانظيرا ولاندا ولامثلا سبحانه ،ولم يحتاج لأحد من زوجة أو ولد ، ولم يكافئه أحد من خلقه لأنه هو الكامل سبحانه من جميع الوجوه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
الطبري
ابن عطية الأندلسي
ابن كثير
الوسيط للطنطاوي

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 شوال 1438هـ/16-07-2017م, 03:30 AM
منال انور محمود منال انور محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 168
افتراضي

تطبيق على أسلوب المقاصدى
الآية موضوع الرسالة لكم دينكم ولى دين.
أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية للبراءة من الشرك وأهله وهذا المقصد العام لسورة الكافرون فالإسلام برىء من الأديان الأخرى فقد اختار الله الدين الإسلام ( إن الدين عند الله الإسلام ).
-وقال تعالى ( ومن يبتغى غير الإسلام دينا فلم يتقبل منه وهو فى الآخره من الخاسرين).
ولعل سبب نزول السورة دليلاً على مقصدها فقد ذكر ابن كثير أن قريش دعت النبى صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم عاماً ويعبدوا إلهه عاماً فنزلت الآية براءة من الشرك وأهله
فالنبى صلى الله عليه وسلم هوالذى أنزل عليه القراءن وهو أعلم الناس بمقصد القرءان عامة وبهذه السورة خاصة عن فروة ابن نوفل عن النبى أنه آتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمنى شيئاً أقوله إذا اويت إلى فراشى قال أقرأ ( قل يا أيها الكافرون ) فهى براءة من الشرك.
- فهذه السورة سورة البراءة من العمل الذين يعمله المشركون فقوله سبحانه (
قل يا أيها الكافرون ) شمل كل كافر على الأرض كما ذكره الإمام ابن كثير فقال لكم دينكم ولى دين أى لكم شرككم ولى توحيدى.
- وفى قوله تعالى قل يا أيها الكافرون وصف يكفى بأن عبادتهم وديانتهم كفر فكان الحق قال سبحانه ( لا اعبد ما تعبدون ) لأنها عبادة باطلة.
- ولكن قد يظن البعض بأن قوله تعالى ( لكم دينكم ولى دين ) بأنه يعنى حرية العقيدة ولكن من أقوال الإمام الرازى: فهل يقال أنه أذن لهم فى الكفر قلنا :كلا فإنه صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا للمنع من الكفر ولكن المقصود منه آحد الأمور:
1- التهديد كمثل فى قوله تعالى ( أعملوا ما شئتم ).
2- أن الدين هو الحساب أى لكم حسابكم ولى حسابى.
*بداية السورة بقل للإهتمام لما بعد القول بأنه كلام يراد بإبلاغه للناس فذكر السباق بإنه مستحيلاً فى حقه الآن ومستقبله فجاء التعبير للزمن المضارع.
* تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والإختصاص ( لكم دينكم ولى دين ) وأنهم محقق عدم أسلامهم.
* وذكر لفظ الدين فالدين هو العقيدة والملة أى ما يعتقده المرء فيكون أعماله على مقتضاها وأصل معنى الدين المعاملة والجزاء.
* سلوك بعض الناس فى الآية :
ذكر فى تفسير الفخر جرت عادة الناس بأن يتمثلوه بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز لأنه تعالى أنزل القرءان ليتدبر فيه ويعمل به وليس يتمثل به.
ومن أهم ما يستفادة منه فى هذه بأن يكون منهج الدعاء إلى الله هو التبرئ من الشرك وأهله بلا مفاصلة وعدم الإستجابة إلى الدعوات التى يطلقها البعض عن الدين حرية وإقرار اليهود والنصارى على هم فيه من الكفر.
- قد نهى الله المؤمنين أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء فى أكثر من موضع من القرءان ( يا آيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ).
- نسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا فالمحبة فى الله والبغض فى الله والولاء للنبى والمسلمين والبراء من الشرك والمشركين.
المصادر:
- تفسير ابن كثير.
- تفسير ابن عطية.
- تفسير ابن عاشور.
- تفسير اجواء البيان للشنيقطى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 شوال 1438هـ/16-07-2017م, 11:31 AM
عباز محمد عباز محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 309
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية لقوله تعالى:{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ(37)} سورة الأنبياء

{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} المراد من هذه الآية و المقصد منها بيان ما جُبل عليه الإنسان من وصف العجلة و ضرورة تزكية النفس من هذه الصفة المذمومة.
و العجلة هي التسرع و طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، و تشبيه الإنسان بأنه خلق من عجل بيان لشدة ملازمة وصف العجلة بالإنسان، فمن طبع الإنسان استعجال وقوع الأمور المحبوبة إليه، و استعجال زوال الأمور المكروهة إليه، ونحوه قوله تعالى : { وكان الإنسان عَجولاً }.

فالعجلة صفة مذمومة في الإنسان قد ذمها القرآن، و قد عد ابن حجر العجلة من الكبائر، وهي من الشيطان كما قال عليه الصلاة والسلام: (التأني من الله، والعجلة من الشيطان) أخرجه البيهقي وحسنه الألباني، وكثير من الناس يقع في أخطاء وتصرفات خاطئة، ولو تأمل لوجد أن أصل ذلك كله العجلة.

فتجد الناس في زماننا يقولون نحن في زمن السرعة فيتعجلون في كل شيء حتى في العبادات، فيتوضؤون بعجلة و لا يسبغون الوضوء، و يصلون بلا خشوع ولا اطمئنان و ينقرونها نقر الديك، ويقرأون القرآن بلا تدبر، ويذكرون الله بعجلة، وإذا مشى فبتعجل، وإذا أكل أكل بعجلة، وإذا تكلم استعجل، حتى صارت حياتهم كلها عجلة، فلم يحسنوا شيئا من أعمالهم، إلا من وفقه الله.

و قد تطغى العجلة على المرء حتى في اللحظات الحرجة التي يدعوا فيها ربه فيستعجل و يترك الدعاء و يُحرم بذلك الإجابة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) رواه الشيخان.

و إن العجلة قد تهدم بيوتا كانت آمنة مطمئنة، فزوجة مسكينة انكسر منها إناء أو غلب ملح على طعام أو نسيت أمرا تكون ضحية لعجلة الزوج في إطلاق لفظ الطلاق، فتتفرق الأسرة بعد تجمع، و تنهدم بعد بناء.

و من صور العجلة: قوله تعالى:{كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة . وَتَذَرُونَ الآخرة } بيان لما جبل عليه كثير من الناس، من إيثارهم منافع الدنيا العاجلة، وقيل للدنيا عاجلة لسرعة انقضائها، وتحولها، فهي لا شيء بالنسبة للآخرة، فنتج عن حبهم للدنيا استعجالهم للذات و النعيم قبل أوانه فعوقبوا بحرمانه، فهؤلاء استعجلوا الخمر واللذات، واستعجلوا معاصي الله -عز وجل- في الدنيا، {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} ، فالإنسان هذه طبيعته يؤثر الفاني على الباقي، وينظر نظرا قريبا يريد أن يحصل شيئا قريبا في متناوله، ويترك الأمور العظيمة إذا كانت بعد حين، فهذا من عجلته.

ومن صور العجلة أيضا: هذا التكفير والتبديع والتفسيق الذي يتراشق به الشباب، غافلين عن أن التكفير والتبديع والتفسيق فتوى شرعية، بل هو من أخطر الفتاوى، وهي تحتاج إلى علم وقضاء، وإثبات واستبانة وإقامة حجة، وذلك لما يترتب عليها من أحكام كثيرة، و قضايا مهمة، وإن العاقل ليتعجب من إحجام كثير من الشباب عن فتوى في دماء المرأة تورعا، ومصرحا بعدم علمه بهذه المسائل... ثم ما أسرعه في فتاوى التبديع والتفسيق والتكفير، رغم أنها أخطر مسلكا، وأعظم أثرا.
ولقد ترتب على العجلة في هذه الأمور: هجران الإخوان، وانتهاك الأعراض، وقطيعة الأرحام، وسفك الدم الحرام، والافتراء على الأبرياء.

لقد نسي المتعجلون ما وعظنا الله به عن نبيه ذي النون عليـه الصلاة والسلام، إذ غضب من قومه إذ لـم يستجيبوا له، فلما هجرهم وترك الدعـوة، جعله في ضيق الظلمات، وكذلك يفعل الله تعالى ... وحيـن أدرك هذا النبي الكريم أمره، تاب إلى ربه، وعاد صابرا داعيا لقومه، فقال الله عز وجل مذكرا نبيه صلى الله عليه و سلم بذلك: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ}.

و علاج هذا الداء - داء العجلة - يكمن في قوله تعالى:{و لربك فاصبر}، فالصبر هو وقود كل شيء في دين ودنيا، إنه وقود طلب العلم والعمل، ووقود الدعوة والجهاد، وهو وقود الحياة الزوجية، ومعاشرة الناس.

و لكن العجلة في الخير والمسارعة في الطاعات محمودة قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}، وقال تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}، وقال: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، و قال عليـه الصلاة والسلام:(التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) رواه أبو داود و الحاكم و صححه.

المراجع:

- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310 هـ)
- معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ)
- الكشاف للزمخشري ت ( 538 هـ )
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور ت(1393هـ)
- تفسير الوسيط للطنطاوي ت (1431ه )

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 شوال 1438هـ/16-07-2017م, 04:41 PM
محمد شمس الدين فريد محمد شمس الدين فريد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: مصر
المشاركات: 163
افتراضي

تفسير مقاصدي لسورة العصر: "والعصر، إن الإنسان لفي خُسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"

(والعصر) يقسم الله تعالى بالعصر وهو الزمان الذي تقع فيه حركات الإنسان وأفعاله، وقسم الله بالشيء دليل على تعظيمه والتنبيه على أهميته وفضله، والمقصود بهذا القسم هو التنبيه على أهمية الزمان وتعظيم الوقت؛ فلا ينبغي للإنسان أن يضيِّع وقته وعمره في غير نفع يعود على دينه ودنياه.
إن الاهتمامَ بالزمان والاعتبارَ بتغيره وتسارعِ انقضائه وفواته، يحمل العبد المؤمنَ على المسارعة في الخيرات، ويردعُه ويحجزه عن اقتراف السيئات، لا سيَّما وهو يرى عيانا مرات عديدة خلال حياته سننَ الله تعالى في الخلق، ويشاهد مصارعَ الظالمين والعتاة الذين أهدروا حياتهم في الكفر بالله والشرك به تارة، وأخرى في ظلم العباد والاستطالة على الضعفاء؛ لقد دارت بهم عجلة الحياة حتى نحلت أجسادهم وضعفت قواهم ومنهم من عجَّل الله لهم العقوباتِ والمَثُلات في الدنيا، ثم انتهت حياتُهم وقدموا إلى ربهم :"ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ماخوَّلناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم، وضل عنكم ما كنتم تزعمون".
(إن الإنسان لفي خسر) جواب القسم الإلهي: إن الإنسان لفي خسر، أي إن خسارَتَه متأكدة، وهذا يبين حقيقةَ هذه الدارِ الدنيا أنها دار خسران، والإنسان فيها مستحقٌّ للخسارِ إذا ركن إليها وكان عملُه متمحِّضًا لها؛ فما الذي يجنيه من حيزت له الدنيا وبلغ منها ما يصبو إليه من العز والجاه والسلطان؟!
إنه لا محالة تاركُها، ولن يأخذ معه منها إلا كان من عمل صالح يبقى للمرء بعد مماته.
إن الإنسان مجبولٌ على أن يكون هوى نفسه جاذبًا له دائما إلى سبيل الخسار؛ لذلك فقد أتى الله تعالى بأل الاستغراقية؛ لتدل على أن بني البشر جميعَهم تسير بهم أهواءهم وتأمرهم نفوسهم بما فيه خسارتهم في المآل وإن وجدوا الربح في الحال.

"إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" بيانٌ بليغٌ أن الذي يميل عن داعية هواه، ولا يستجيب لدوافع النفس الأمارة بالسوء، والتي يغذيها الشيطان بوساوسه= يتخلص بإذن الله وتوفيقه وفضله ورحمته من وصف الخسران ويستحق وصف الإيمان، إذا تحرك قلبه بالإيمان بالله ومقتضياته باطنا، وجوارحه بالعمل الصالح ظاهرا.
" وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"
عطف للخاص على العام؛ حيث عطف التواصي بالحق والصبر على عموم العمل الصالح، ويدل هذا العطف على الاهتمام بالأمر الخاص وأنه ذو منزلة رفيعة من بين أفراد ذلك العام، أي إن الدعوة إلى الله تعالى التي يتبادلها ويتعاطاها أولئك الصنف المستثنى من جملة الخاسرين ألا وهم المؤمنون؛ حيث يقومون بالتواصي فيما بينهم بكل ما يشمله مسمى الحق، ثم بالصبر في سبيل ذلك الحق= هي من أعظم وأفضل الأعمال الصالحة التي توجب الفوز وعدم الخسران للعبد المؤمن؛ فلا بد للعبد المؤمن حتى يكتمل إيمانه أن يحبَّ لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه، وهذا يقتضي أن ينصح المؤمنُ أخاه بما فيه سعادته الدنيوية والأخروية، ثم إنه قد يلقى في سبيل نصح إخوانه ودلالتهم على ما يسعدهم ويربحهم من ألوان الأذى وصنوف العذاب؛ وهذا يقتضي منه أن يتحلى بالصبر الجميل.
فتحصل أن الفائزين الناجين من الخسارة حالا ومآلا من بني آدم: هم فقط الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.


المراجع:
1-تفسير القرآن العظيم لابن كثير
المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
دار الكتب العلمية

2- المفردات في غريب القرآن
المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)
الناشر: دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت
الطبعة: الأولى - 1412 هـ

3-الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل
المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة: الثالثة - 1407 هـ

4-مفاتيح الغيب = التفسير الكبير
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت
الطبعة: الثالثة - 1420 هـ

5-التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»
المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ)
الناشر : الدار التونسية للنشر - تونس

6- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)

طبعة مؤسسة الرسالة الأولى








رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 شوال 1438هـ/17-07-2017م, 08:41 AM
مروة كامل مروة كامل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 191
افتراضي

رسالة فى تفسير قوله تعالى " يـأيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فئامنت طائفة من بنى إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم فلأصبحوا ظاهرين". سورة الصف
بعد أن بين عز وجل فى هذه السورة المباركة ما يحبه لعباده المؤمنين حتى ينالوا به أعلى الدرجات وهو الاصطفاف والتراص للجهاد فى سبيله وإرهاب عدوه ، ثم بين حال قوم موسى مع رسولهم الذى أكرمهم الله تعالى بإرساله إليهم لبيان الهدى وإخراجهم من ظلمات الشرك والضلال إلى نور التوحيد والرشاد ومع ذلك قابلوه بالأذى رغم علمهم بأنه رسول الله إليهم . ثم أخبر تعالى عن عناد بنى إسرائيل لنبيهم عيسى عليه السلام رغم أنه جاء مصدقا لما جاء به موسى عليه السلام من قبله ومبشرا بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم من بعده ومؤيَّدا بالأدلة الواضحة على صدق رسالته ورغم كل هذا عاندوه وكفروا به واتهموه بالسحر . وأردف جل جلاله على أنه ناصر دينه ومتم نوره مهما حاول المعاندون الجاهلون إخفاء هذا النور وطمسه بمقالاتهم الفاسده وسعيهم الضال فى مجابهة الحق وهذا يستحيل ، فمن بإمكانه إخفاء نور الشمس عن الأرض .
ودل عز وجل عباده المؤمنين وخصهم بالنداء إذ لا يستجيب سواهم وهم من وقر فى أنفسهم محبة الله تعالى والإيمان به وبمن أرسل من الرسل لهداية الخلق إلى صراطه المستقيم ، فبداخلهم قوة إيمان تحركهم للاستجابة لنداء الله تعالى وامتثال أمره ، فدلهم على تجارة رابحة لا محالة إن هم سعوا فيها فسيحصل لهم النجاة من نار الله وعذابه والفوز بجنته ورضوانه وهذه التجاره هى أن يؤمنوا بالله ورسوله ويجاهدون فى سبيله بما يستطيعوا من بذل بالمال والنفس ابتغاء وجه الله لنصرة دينه وإعلاء كلمته.
وفى الآية التى بين أيدينا وهى محل التفسير خاطب عز وجل عباده المؤمنين مرة أخرى ليذكرهم بأسوة حسنة من أحوال المخلصين من المؤمنين السابقين الذين تاجروا مع الله تعالى تجارة رابحة وهم أصحاب عيسى عليه السلام فرغم قلة عددهم وضعفهم ثبتوا على الحق ونصروه حتى وافوا موعود الله تعالى لهم بالظهور والتأييد والغلبة .
ففى الآية الكريمة يأمر عز وجل عباده المؤمنين بالسعى لنصرة دين الله بكل ما يستطيعوه وبكل ما تمكنوا به من قول وفعل وبذل مال ونفس وفى كل وقت أينما كانوا وكيفما استطاعوا لا يتوانوا فى ذلك ولا يصرفهم عن هذا الهدف السامى وهذه التجارة الرابحة لا محالة أى شىء من صوارف الدنيا وملاهيها ، وإذ ضرب الله تعالى المثل للمؤمنين بنصرة أصحاب عيسى عليه السلام له ففى هذه الإشارة منه تعالى ,وعد بالنصر والتأييد كما كان من نصرته عز وجل وتأييده لمن ثبت مع عيسى عليه السلام ونصره ونصر دينه.
فقال تعالى يأيها المؤمنون كونوا دائما جندا لنصرة دين الله لا تخافوا أحدا إلا الله ولا تهنوا مهما قل ما فى أيديكم فإن الله تعالى ناصركم ومؤيدكم كما قال تعالى فى سورة محمد " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" والله تعالى غنى عن كل أحد قادر على النصر وحده ، فينصر المؤمنين رغم قلة مافى أيديهم وقلة عددهم وضعفهم أمام عدوهم لكن الله ينصرهم بمجرد ثباتهم وإصرارهم على الحق ، ليُعلم أن النصر منه تعالى وحده ، ولكنه يدعوهم لذلك من فائض كرمه عليهم حتى يرفعهم عنده لينالوا بذلك رضاه وأعلى درجات جناته. فالله الحمد والمنة على هداه وفضله وبيانه .
فاستجيبوا لله ولندائه كاستجابة أصحاب عيسى عليه السلام له حين دعاهم لنصرته ونصرة دينه.
فقد قال عيسى عليه السلام لأصحابه : من أنصارى إلى الله ؟ أى من يتبعنى لنصرة دين الله فيكون جندا لله ؛ والأنصار جمع نصير وهو من ينصر غيره نصرا شديدا مؤزرا.، فأجابه الحوايون بأنهم أنصار الله مستعدون للبذل لنصرة دينه والدعوة إليه والثبات عليه.
و{الحواريون}: جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي كلمة معربَة عن الحبشية (حَواريا) وهو الصاحب الصفي، وليست عربية الأصل ولا مشتقة من مادة عربية، وقد عدها الضحاك في جملة الألفاظ المعرّبة لكنه قال: إنها نبطية.وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام حواريَّهُ على التشبيه بأحد الحواريين فقال :لكل نبى حوارى وحوارى َ الزبير

و"الحَواريون" سموا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا غسالين، نصروا عيسى، واستعمل اسمهم حتى قيل للناصر العاضد حواري.
". وأصل الحور: شدة البياض والصفاء، ومنه قولهم فى خالص لباب الدقيق: الحوارى، وفى النساء البيض الحسان: الحواريات والحوريات.
وسمى الله - تعالى - أصفياء عيسى وأنصاره بذلك لشدة إخلاصهم له، وطهارة قلوبهم من الغش والنفاق، فصاروا فى نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص.
ثم قال تعالى: {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ} يعني: بعيسى.
قال ابن عباس: لما أراد الله جل ذكره أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم اثنا عشر في بيت، فخرج إليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء، فقال لهم: إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيُّكم يلقى عليه شبهي فيقتل في مكاني ويكون معي في درجتي، قال فقام شاب من أحدثهم سناً، فقال أنا، فقال أجلس ثم أعاد عليهم , [الثالثة]، فقال أنا قال نعم أنت ذلك، فألقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من زاوية في البيت إلى السماء، قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا شبهه، فقتلوه وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، فتفرقوا ثلاثة فرق، فقالت فرقة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية، وقالت فرقة كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفع إليه وهم النسطورية، وقالت فرقة كان عبد الله ورسوله ما شاء فينا ثم رفعه إليه وهم المسلمون، فتظاهرت الفرقتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعثه الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فآمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفرت طائفة به.
وقوله - عز وجل -: {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ} هذا يحتمل أن يكون في حياة عيسى - عليه السلام - حين اتبعه الحواريون ثم دعا بعد ذلك قومه إلى دينه فآمنت طائفة وكفرت طائفة، {فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} بالبراهين، والحجج على الطائفة الذين كفروا؛ {فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ} على أعدائهم بالحجج والبراهين.
ويجوز أن يكون بعد وفاة عيسى - عليه السلام - حين اختلفوا في ما هيته: فمنهم من قال: هو الله، ومنهم من قال: هو ابن الله؛ فكفرت به هذه الطائفة وآمنت به طائفة أخرى، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم حين وقع لهم قتال؛ فنصروا عليهم وظفروا.
وقوله تعالى {فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ} أي: قويناهم بالحجة الظاهرة أن عيسى روح الله وكلمته.
قال قتادة: الفرقة المسلمة للفرق: ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام، وأن عيسى كان يأكل وأن الله لا يأكل.
وقيل: المعنى: فقوينا الذين آمنوا من بني إسرائيل على عدوهم الذين كفروا منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بتصديق محمد عليه السلام إيّاهم أن عيسى عبد الله ورسوله، وتكذيبه من قال خلاف ذلك.
فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ} أي: فأصبحت الطائفة المؤمنة مستعلية بالحجة والبرهان على الكفار.
قال النخعي: أصبحت حجة من آمن بعيسى صلى الله عليه وسلم ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم لهم بأن عيسى روح الله وكلمته.
وقيل: فأصبح من آمن مع عيسى عالياً على من كفر به.
يقال: ظهرت على الحائط بمعنى: علوت عليه.
وقد استجاب أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام له وامتثلوا أمر الله وكانوا أنصارا لنبيه كما كان الحواريون لعيسى ابن مريم .
قال قتادة: كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه.
ذكر لنا أنه
بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة اثنان وسبعين رجلاً من الأنصار، وذكر لنا أن بعضهم قال: هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل، إنكم تبايعونه على محاربة العرب كلها ويسلمون، وذكر لنا أن بعضهم قال يا نبي الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما منعتم منه أنفسكم وأبناءكم قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبي الله، قال لكم النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة، ففعلوا، ففعل الله عز وجل بهم ذلك.
وعن قتادة: أن الأنصار كلهم من قريش: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة، وجعفر، وأبو عبيدة ابن الجراح، وعثمان بن مظعون، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام.
والمقصود من الآية والله تعالى أعلى وأعلم هو حض المؤمنين فى كل زمان ومكان على السعى قدما فى نصرة دين الله تعالى بما أوتوا من قوة وعلى قدر استطاعتهم موقنين أن الله تعالى ناصر دينه ومُعلى كلمته ولو كره الكافرون ، موقنين أيضا أن ما يقدموه ويبذلوه ما هو إلا سبب لرفعتهم وعلو درجتهم عند بارئهم وإلا فالله تعالى غنى عن خلقه .
وواضح من الآية وعد الله تعالى بالنصر والتأييد لجنده ولمن همّ بنصرة دينه وشرعه كما حصل مع الطائفة التى آمنت بنبى الله عيسى عليه السلام .
وكما أن لنا أسوة حسنة فى استجابة الحواريين لعيسى عليه السلام ، لنا أيضا أسوة حسنة لاستجابة الأنصار لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقد منعوه وعزروه ونصروه . فما علينا إلا أن نتبع سبيلهم ونهتدى بهديهم ونعمل ليل نهار على نصرة دين الله بالقول والعمل والبذل بما نستطيع والله تعالى هو الموفق والمسدد فما التوفيق إلا من عنده عز وجل.
المصادر :
-جامع البيان فى تفسير القرآن /للطبرى( ت 310ه)
- الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز / ابن عطية ( ت 546ه)
- زاد المسير فى علم التفسير/ ابن الجوزى( 597ه)
- الجامع لأحكام القرآن / القرطبى ( ت671ه)
- تفسير القرآن العظيم /ابن كثير (ت 774ه)
-تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان/للسعدى ( ت1307)
- التحرير والتنوير /ابن عاشور( ت 1393ه)
- أضواء البيان فى تفسير القرآن /للشنقيطى (ت 1393ه)
- زبدة التفسير /للأشقر .

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24 شوال 1438هـ/18-07-2017م, 03:38 AM
حليمة محمد أحمد حليمة محمد أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 248
افتراضي الأسلوب المقاصدي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على نبيه الذي اصطفى

الأسلوب المقاصدي


رسالة تفسيرية في قوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)) فصلت


وردت هذه الآية في سورة فصلت، وهي سورة مكية، مقصدها الرئيس الحديث عن القرءان وما يدعو إليه من الحق، وذكر أحوال المعرضين عن القرءان، ومعالجتهم برفق، وبيان عاقبة الإعراض.
والمناسبة بين مقصد هذه الآية ومقصد السورة ظاهرة، فإن من جملة الحق الذي دعا إليه القرءان الدعوة إلى أمهات الأخلاق وأصول الشرائع وما ورد في هذه الآية يدخل في أمهات الأخلاق في كيفية التعامل مع الناس وهذا مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". وقالت عائشة لما سئلت عن خلُقه (كان خلقه القرآن)
قوله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي: السيئة وهو مفعول محذوف دل عليه السياق، والتقدير : ادفع السيئة بالتي هي أحسن وهو نظير قوله تعالى :( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚنَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) ) المؤمنون، وقوله تعالى :( ويدرءون بالحسنة السيئة ) الرعد ( 22 )

وجاء التعبير القرءاني هنا بلفظ: (ادفع) إشعارًا بصعوبة الأمر على النفوس فإن الانتصار للنفس هو ما يتبادر للذهن، وهو ما يوافق طبيعتها، وهو جائز فقد قال الله تعالى: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) وقال في موطن آخر : ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) ولكن المقام هنا مقام مختلف تمامًا .
فبعد أن ذكر الله تعالى في مطلع الآية عدم تساوي جنس الإحسان بجنس الإساءة بشكل عام، بين منزلة نوع خاص من الإحسان لا يطيقه كل أحد، ومنزلة لا يتنبه إليها إلا النخب من عباد الله المؤمنين. وهذه المنزلة هي أن تقابل الإساءة بالإحسان،.

وقد وردت الآية بصيغة التفضيل " بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "؛ إرشادا لما يجب أن يكون عليه خلق المسلم من درجة الكمال، فليس الدفع بالحسنة فقط، بل بالأحسن، أي بأحسن ما يمكن أن تدفع به تلك السيئة من الحسنات، قال ابن عباس رضي الله عنه " أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم والعفو عند الإساءة" وقيل في معناه مقابلة المسيء بالسلام عليه، وهو مما يدخل في عموم الإحسان.
ولما كانت النفوس مجبولة ومطبوعة على الغضب من سوء المعاملة، والرغبة في الانتقام؛ جاء هذا الأمر الرباني تحقيقا لمقصد عظيم، وهو ترقية وتزكية نفوس المؤمنين ودعوتهم إلى المقامات العلية حتى تصير طباعًا لهم وأسلوب حياة ؛ ولذلك قال بعدها مرغبًا:
(فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) والولي مأخوذ من الوَلاية، وهو الناصر .
والحميم : القريب والصديق .وهذا بيان لأثر التخلق بهذا الخلق الكريم، فإنك إذا رددت على السيئة بالحسنة وقابلتها بها، فسرعان ما ينقلب المعادي لك كالقريب والصديق، وذلك بسبب ما أسرته به من الإحسان، حيث أن النفوس مفطورة على حب من أحسن إليها.

والآن: هبْ أن هذا الخلق الرفيع سرى في مجتمع ما ، وصار ديدنًا لأفراده ماهي كمية التآلف والوفاق والوداد والمحبة التي ستكون بين أفراده، وماهي المكاسب التي سيخلفها ذلك الانسجام، ثم تصور قدر الشحناء والبغض والعداوات التي ستنتشر لوكان الكل حريصًا مداواة السوءات بمثلها أو بضعفها؟؟! لا شك أن الصورتين على النقيض.



مصادر الرسالة:
- تفسير الطبري.
- تفسير القرطبي
- تفسير ابن كثير.
- تفسير البغوي.
- تفسير ابن عاشور.
-تفسير السعدي.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 25 شوال 1438هـ/19-07-2017م, 01:29 AM
رقية إبراهيم عبد البديع رقية إبراهيم عبد البديع غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 312
افتراضي تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}

التفسير المقاصدي
من خلال قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَرَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (12)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاما دائمين على سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر الميامين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد..
فحديثنا اليوم عن العمل الموصل إلى تقوى الله عز وجل؛ ألا وهو الخشية، وذلك من خلال قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَرَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }
فامتدحهم الله جل وعلا بالخشية، ووعدهم عليها بغفران الذنوب وجزيل الأجر، يظهر ذلك جليا من خلال مطلع الآية: التوكيد ب(إنَّ)؛ تقريرا للمعنى في نفوس السامعين، وحثا لهم على تحصيل هذا العمل القلبي الرفيع؛ لينالوا الأجر الكبير.
وقد عبرت الآية بالاسم الموصول؛ لتعم كل من اتصف بهذه الصفة العظيمة، وللدلالة على أن الخشية صارت سمتهم حتى اشتهروا بها- دون ما سواها-، وتهيئة للنفوس لتلقي الخبر بالإشارة إليه من خلال صلة الموصول.
كل هذا دال على عظم خشية الله بالغيب، والحث عليها، وترغيب المؤمنين في التمسك بها، وملازمتها، خاصة إذا كان المرء وحده، لا يطلع عليه أحد إلا الله، فخشيته في هذه الحال أعظم من خشيته حال اطلاع الناس عليه- وكلاهما واجب على كل مسلم-، كما يدخل في الآية خشية عذاب الله تعالى- وإن كنا لا نراه-، ويدخل فيها الإيمان بالغيب؛ فهو الذي يحمل المرء على خوفه وتعظيمه لذي الجلال والإكرام.
والخشية : هي شدة الخوف ، كما قال تعالى : {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَهُمْ مِّنَ الساعة مُشْفِقُون }
وحقيقة الخشية هي: تألُّم القلب واحتراقه وخوفه من الله بسبب توقع العذاب يوم القيامة.
قال تعالى: { وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله }.
وقوله : { لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله }.
وإنما يخشى الله جل وعلا من طالع حقيقة نفسه، وما انطوت عليه من النقائص والعيوب، ثم عرف قدر ربه وجلال وجهه وسلطانه، وما يستحقه من الطاعة والعبادة والإجلال، كما في قوله تعالى: { هذا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِيَ الرحمن بالغيب وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ }، وقال جل ذكره: { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء }.
وكلما كانت معرفة العبد بالله أكمل كان له أخشى وأخوف؛ لذلك فقد كان أخشى الناس لله (جل وعلا) رسول الله r، لأنه كان أعرف الناس به، وأعلم بقدره وجلاله. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: «أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية» رواه البخاري.
والخشية من الله جل وعلا سمة من سمات عباده الصالحين، ومنـزلة سلكها الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون والصحابة والتابعون؛ فهي دليل معرفة الله وتقديره، حق قدره، ودليل الإيمان الصادق والعبادة الخالصة. قال تعالى عن المؤمنين: }وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ{ [الطور: 25-28]. فبين الله سبحانه وتعالى أن إشفاقهم وخشيتهم من الله في الدنيا كان سببًا لنجاتهم من عذاب جهنم يوم القيامة.
ومن ثمرات الخشية:
أنها سبب النجاة من سخط الله وعقابه، قال رسول الله r: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم»رواه الترمذي وقال: حدث حسن صحيح.
فالنجاة من النار هي الثمرة اليانعة للخوف من الله سبحانه؛ فالله - جل وعلا- لا يجمع على العبد خوفين، فإذا خافه في الدنيا أمنه يوم القيامة، كما أنه لا يجمع على عبده أمنين، فإذا أمنه في الدنيا، أخافه يوم القيامة.
وهي سبب لدخول الجنان؛ قال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}، وقال تعالى: {ولمن خاف ربه جنتان}.
ومن ثمرات خشية الله والخوف منه، أنه يُظَلَّ صاحبها في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه».
وهي سبب للثبات على دين الله، وعدم السقوط في فتن الشهوات والشبهات؛ قال بعض السلف: ذنوب الخلوات أصل الانتكاسات، وطاعات الخلوات أصل الاستقامة والثبات.
فخشية الله بالغيب، والإيمان بالغيب، هي أساس عمل المسلم كله، وأساس معاملاته؛ لأنه بإيمانه بالغيب سيعمل كل خير طمعاً في ثواب الله، كما قال تعالى في مطلع سورة البقرة { الم ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب }
وبمخافة الله بالغيب سيتجنب كل سوء، فيسلم ويتحصل له ما قال الله تعالى: {مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}، مغفرة من الذنوب{وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} على أعماله.
وقد عاب تعالى أولئك الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، ويخشون الناس ولا يخشون الله، قال تعالى: (فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين).
ومطلع الآية متسق مع خاتمتها؛ فأولها تنوية وتقرير للخشية بالغيب، وخاتمتها ذكر ما أعد الله لهم من مغفرة وأجر كبير.
كما أن مقصد الآية متسق مع مطلع السورة، فالسورة افتتحت بتمجيد الله تعالى والثناء عليه وعلى عظيم ملكه وسلطانه {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير}، ثم تحدثت عن الحكمة من خلق الموت والحياة، وعن خلق السماوات وتزيينها بالنجوم وإحكام صنعها، ورجم مسترقي السمع وعذابهم في الآخرة، ثم عقبت ببيان عذاب الله للكافرين، فجاءت هذه الآية استئنافاً بيانياً على سنن أساليب القرآن من تعقيب الرهبة بالرغبة ، فلما ذكر ما أعد للكافرين المعرضين عن خشية الله؛ أعقبه بذكر ما أعد للذين يخشون ربهم بالغيب من المغفرة والثواب لكونهم يترقبون ما يميزهم عن أحوال المشركين.
ثم عقبت هذه الآية بتعداد نعم الله والحث على شكرها والتحذير من زوالها، واختتمت بقوله تعالى: {قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين} زجرا عن العناد وحثا على شكر النعم وحسن عبادة الله تعالى وتعظيمه وتمجيده، وهكذا نرى السورة وحدة واحدة؛ فمقصدها تمجيد الله تعالى، والحث على معرفته بأسمائه وصفاته، ومن خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، ومن خلال تعداد النعم والتفكر فيها وحسن شكرها، والطريق الموصل إلى ذلك: هو خشية الله تعالى بالغيب.
وهذا المقصد العظيم أحد مقاصد القرآن العامة، فأول سورة في القرآن الكريم قد افتتحت بالحديث عن المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويعملون بمقتضاه.
ولأن الخشية عمل قلبي يتجدد في كل حين بتجدد المواقف التي تمر علينا في حياتنا اليومية؛ كان التعبير بالفعل المضارع الدال على التجدد والحدوث حينا بعد حين، كما أن في التعبير بالمضارع تصويرا لخشيتهم في جميع مواقف حياتهم، ونقلا لهذه الصورة بأحداثها المتجددة إلى أذهاننا إشادة بهم، وإيقاظا لقلوبنا، وحثا لنا على تمثل حالهم الذي امتدحوا به؛ لكي ننهض ونسعى لنيل تلك المنزلة العالية.
وقدمت المغفرة: طمئنةً لقلوبهم؛ لأنهم يخشون عاقبة الذنوب، وتقديما التخلية على التحْلية ، ودفع الضر على جلب النفع، ونُكِّرت للتعظيم.
وعقبت بالأجر الكبير، والوصف بالكبير بمعنى العظيم نظير قول الكافرين: {إن أنتم إلاّ في ضلال كبير}
وقدم المسند على المسند إليه: {لهم مغفرة} دلالة على الاهتمام بهؤلاء الذين يخشون ربهم بالغيب، وليتأتى تنكير المبتدأ، ولرعاية اتفاق الفاصلة وما تحدثه من أثر صوتي ومعنوي على السامع.
تمت بحمد الله.
المراجع:
تفسير غريب القرآن لعَبْدُ اللهِبْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276ه)
جامع البيان لمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)
معاني القرآن ل إِبْرَاهِيمُ بْنُالسَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
تفسير مجاهد لعَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352ه)
المحرر الوجيز لعَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَالأَنْدَلُسِيُّ (ت:546ه)
تفسير القرآن العظيم لابْنِ كَثِيرٍالقُرَشِيُّ (ت: 774 ه)
الدر المنثور لجَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 ه)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي.
تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
تفسير الآلوسي.
تفسير أبي السعود.
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي.
أضواء البيان للشنقيطي.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 شوال 1438هـ/22-07-2017م, 07:32 PM
بيان الضعيان بيان الضعيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 245
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى(ماأصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه)

هذه الآية العظيمة أصل في تسلية المصاب وتخفيف مصيبته عليه مع قصرها وقلة ألفاظها.
قال تعالى(ماأصاب من مصيبة إلا بإذن الله)أسلوب حصر يبين أن كل مايصيب العبد فهو بإذن الله أي بأمره وقدرته ومشيئته ،كما قال ابن عباس وذكره عنه ابن كثير.
فلما كان الله هو من أوجد الأسباب وربط بها مسبباتها وكان ذلك بحكمته وعلمه أطلق على ذلك التقدير لفظ الإذن،وذلك مثل قوله تعالى:(ماأصاب من مصيبة في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) .

ويشمل هذا جميع مايصيب الإنسان من شر وضر سواءا في النفس أو المال أو الولد أو غيرها.

فإيمان المصاب بأن ما أصابه كان بعلم الله وقدرته يجعله يحسن التصرف حينها، فقد قال تعالى:( ومن يؤمن بالله يهد قلبه)،أي يرشده إلى ماينبغي له فعله عند وقوع المصيبة من الاسترجاع بقوله:إنا لله وإنا إليه راجعون ،كماأرشد إليه تعالى في قوله:(وبشر الصابرين*الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).

فإذا استرجع اطمأنت نفسه وهدأ قلبه ورزقه الله الثبات والصبر ،فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فينال على صبره ثواب الدنيا والآخرة(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)

ولما قرئت هذه الآية عند علقمة وسئل عنها فقال: (هو الرجل تصيبه المصيبة فيسلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم) رواه ابن جرير عن أبي ظبيان.

وقال صلى الله عليه وسلم:(عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له،وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)متفق عليه.

أما من لم يؤمن بالله ولا بقضائه فإن الله يكله إلى نفسه فتجزع وتسخط وتعذب في دنياها وأخراها.

فالقصد من هذه الآية تعليم المسلمين الصبر على ما يغلبهم من مصائب وحوادث لكيلا تفت عزائمهم ولا يهنوا ولا يلهيهم الحزن عن تدبير شؤونهم كما قال تعالى(لكيلا تأسوا على مافاتكم).

المراجع:
1_التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور.
2_تفسير ابن كثير.
3_تفسير الطبري.
4_تفسير القرطبي.
5_تفسير السعدي.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 28 شوال 1438هـ/22-07-2017م, 10:47 PM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي رسالة تفسيرية تطبيقية على الأسلوب المقاصدي

رسالة تفسيرية بالأسلوب المقاصدي في قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } سورة الشرح
بسم الله الرحمن الرحيم.... الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الأمين وأهله وأصحابه أجمعين....أما بعد..
إن علم مقاصد السور من أجلّ علوم القرآن التي تتعلق ببيان مقاصد السور ومحاورها التي تدور حولها مواضيع السورة بما فيها من أمثال وقصص وغيرها فكأنها بمثابة العقدة التي تجمع جميع خيوط السورة إليها ، ومن هذه المقاصد ما يكون واضح جليّ ومنه ما يكون خفيّ وقد يكون هناك مقصد خاص بكل آية يتسق مع المقصد العام للسورة كلها ،
- ومن هذه المقاصد الخاصة مقصد الآية { ألم نشرح لك صدرك } أول آية من سورة الشرح التي هي موضوع رسالتنا التي أسأل الله ان يرزقني فيها التوفيق والسداد وأن يُعينني على بيان قليل من كثير من بعض هذه المعاني العظيمة والمقاصد الجليلة ، وأن يفتح لي بالحق وهو خير الفاتحين...

· المقصد الرئيس لهذه الآية العظيمة هو امتنان الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم بِشرح صدره ، مُذكِّرُه آلاءه عنده، وإحسانه إليه، حاضّاً له بذلك على شكره على ما أنعم عليه، ليستوجب بذلك المزيد منه.


- والمراد ب "شرح الصدر" فتحه ؛ أي ألم نفتح صدرك للإسلام ؛ وجاءت الآية مصدّرة بالاستفهام { ألم نشرح لك صدرك} والغرض منه التقرير فهو استفهام تقريري لتقرير الإثبات وذلك لأن همزة الاستفهام وهي فيها معنى النفي دخلت على لم وهي للنفي، فترافعا فبقي الفعل مثبتاً، ومثله قوله تعالى:
{ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }
[الزمر: 36]. وقوله:
{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً }
[الشعراء: 18].


والغرض من التقرير هنا التذكير بنعمة الله ومِنته على رسوله لِيُراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قوم يريد صلاحَهم وإنقاذَهم من النار ورفعَ شأنهم بين الأمم، ليدوم على دعوته العظيمة نَشيطاً غير ذي أسف ولا كَمَدٍ " كما ذكر ذلك ابن عاشور".

- وفسر السلف شرح الصدر بالشرح المعنوي وبالشرح الحِسي ، فأما الشرح المعنوي ففسرها ابن عباس بأن الله شرح قلبه بالإِسلام، وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: ألم نُلين لك قلبك ، وعن الحسن قال: شرح صدره أن مُلِىءَ علماً وحكماً، وقال سهل بن عبد الله التستري: شرح صدره بنور الرسالة، وعلى هذا الوجه حمله كثير من المفسرين ونسبه ابن عطية إلى الجمهور.
، وقال ابن كثير " وكما شرح الله صدره، كذلك جعل شرعه فسيحاً واسعاً سمحاً سهلاً، لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق ".
- وفي حاشية الشيخ زادة علي البيضاوي قال: لم يشرح صدر أحد من العالمين، كما شرح صدره عليه
السلام، حتى وسع علوم الأولين والآخرين فقال: " أوتيت جوامع الكلم " ا هـ.
؛ ومراده بعلوم الأولين والآخرين، ما جاء في القرآن من أخبار الأمم الماضية مع رسلهم وأخبار المعاد، وما بينه وبين ذلك مما علمه الله تعالى.

- ويجوز أن يكون المقصود هو الشرح الحسي لصدر النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في روايات البخاري ومسلم ، وفي الصحيح عن أنس بن مالك: عن مالك بن صعصعة ـ رجلٍ من قومه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثلاثة فأُتِيت بطَسْت من ذهب، فيها ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا» قال قتادة قلت: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، قال: «فاستخرِج قلبي، فغُسِل قلبي بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حُشِي إيماناً وحِكمة " وفي الحديث قِصة.
، وفي رواية الإمام أحمد أن أبا هريرة كان جريئاً على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، وقال " لقد سألت يا أبا هريرة إني لفي الصحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل أهو هو؟ قال نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي، لا أجد لأحدهما مساً، فقال أحدهما لصاحبه أضجعه، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئاً كهيئة العلقة، ثم نبذها فطرحها، فقال له أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال أعدُ واسلم، فرجعت بها أعدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير " كما ذكر ذلك ابن كثير ، والرواياتُ مختلفة في زمانه ومكانه مع اتفاقها على أنه كان بمكة. واختلاف الروايات حمل بعضَ أهل العلم على القول بأن شق صدره الشريف تكرر مرتين إلى أربع، منها حين كان عند حليمة.

- وكما شرح الله صدر نبيه صلى الله عليه وسلم للإيمان والحكمة والمعرفة ولنور الإسلام ، شرح صدور بعض الأنبياء ممن قبله استجابةً لِدعائهم له بذلك مثل سيدنا موسى عليه السلام حين جاءه التكليف من ربه بدعوة فرعون وقومه لعبادة الله وحده فدعا ربه فقال { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي* وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي }
[طه: 24-31] إلى آخر السياق.
فدعا ربه بأربع أشياء هي من دواعي العون على أداء الرسالة قدم عليها جميعا شرح الصدر لأهميته لأنه به يقابل كل الصعاب، ولذا قابل به ما جاء به السحرة من سحر عظيم وما قابل به فرعون من عنت أعظم.
- وذكر بعض المفسرين أن المراد من الانشراح الممتَن به على النبي صلى الله عليه وسلم أوسع وأعم من المعنى الذي ذكرناه ليشمل حلمه عند الغضب وعفوه عمن أساء إليه وصفحه عن أعدائه ومقابلته الإساءة بالإحسان فيسع ذلك العدو كما يسع الصديق ، كقصة عودته من ثقيف: إذ آذوه سفهاؤهم، حتى ضاق ملك الجبال بفعلهم، وقال له جبريل: إن ملك الجبال معي، إن أردت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل، فينشرح صدره إلى ما هو أبعد من ذلك، ولكأنهم لم يسيؤوا إليه فيقول: " اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون، إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله " "ذكر ذلك الشنقيطي.
-وكما امتن الله على نبيه صلى الله عليه بشرح صدره امتن على عباده ممن شرح صدورهم للإسلام ؛ فجعلهم على نور من ربهم ففتح قلوبهم لمعرفته والإنابة إليه وشرحها لتلاوة كتابه وتدبره والعمل به ، وليّن قلوبهم لاتباع شريعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه كما قال تعالى في سورة الزمر { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } ؛ فهذه من نِعم الله العظيمة لِمن اصطفاه الله لهدايته إلى صراطه المستقيم كما قال تعالى في سورة الأنعام {فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}
، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: " قالوا يا رسول الله، أينشرح الصدر؟ قال: «نعم وينفسح». قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك علامة؟ قال: «نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت، قبل نزول الموت» " ؛ فحريٌّ بالمؤمن أن يَعِي هذه العلامات ويفهمها جيدا ويسعى جاهدا للتحلي بها حتى يكون ممن انشرح صدره وانفسح فصار على نور من ربه.
- نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشرح صدورنا وييسر أمورنا وأن يهدينا سُبل السلام ويُخرجنا من الظلمات إلى النور بإذنه ؛إنه وليّ ذلك والقادر عليه ...
- وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين،،،،
المصادر:
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ)
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ)
تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ)

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 8 ذو القعدة 1438هـ/31-07-2017م, 01:25 AM
فاطمة احمد صابر فاطمة احمد صابر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 370
افتراضي

قال تعالى في آيات الحج " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب "
في الآيات الكريمات ندب الله تعالى المؤمنين لدعائه بدعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة وهو قوله تعالى " ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به، والحث عليه ذكره الثعلبي عن أنس قال : وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يدعو بها اللهمّ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
مجاهد عن ابن عبّاس قال: عند الركن اليماني ملك قائم منذ خلق الله السماوات والأرض يقول آمين، فقولوا: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
وقال ابن جريح: بلغني إنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الوقف: اللهمّ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
وبعد أن قدمنا بمنزلة هذا الدعاء من القرآن وأن الله تعالى ذكره في أجل مواطن الإجابة كما أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) لم يكن يكثر منه فقط بل من صار سنة الدعاء به بين الركن اليماني والحجر في شعيرة من أعظم شعائر الدين نعرج إلى ما فهمته من مقاصد في الآية
أنها إخبار من الله تعالى عن أحوال الخلق، وأن الجميع يسألونه مطالبهم، ويستدفعونه ما يضرهم، ولكن مقاصدهم تختلف
كما أنها تعليم من الله عز وجل لعباده أن الانشغال بطلب الدنيا مذمة مهلكة ولا يجر على صاحبه إلا الهم ولن يأتيه إلا ما كتبه الله له
بينما من طلب خيري الدنيا والآخرة فذلك الفوز والخير
ولم يذكر الله تعالى هنا من طلب خير الآخرة فقط بل ندب إلى طلب خيري الدنيا والآخرة ويدل لذلك ما روى عن حميد عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاد رجلا قد صار مثل الفرخ المنتوف فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل كنت تدعوا له بشيء أو تسأله شيئا؟ قال: كنت أقول اللهمّ [ما كنت معاتبي] به في الآخرة فعجّله لي في الدنيا. فقال: «سبحان الله إذا لا تستطيعه ولا تطيقه فهلّا قلت: اللهمّ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ» فدعا الله بها فشفاه الله.
وفي هذا يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :: أن الإنسان محتاج إلى حسنات الدنيا، والآخرة وأن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة
والفيصل في ذلك هو ألا يتعلق بحسنة الدنيا فإن التعلق بها هو الذي يورث الإنصراف عن الآخرة أما طلب خير الدنيا بغير تعلق بأعيان الأشياء فهو غير مذموم وهو يفهم من معنى قوله تعالى " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا " فالآخرة هي أساس الابتغاء والدنيا تبع لها فما وافق الغاية منها فهو خير
كذلك ما كان من حسنة الدنيا في هدى الله عز وجل فقد قال تعالى " ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله " قال الداعية راتب النابلسي فدلت الآية بمفهوم المخالفة على أن من اتبع هواه في هدى الله غير مذموم فذلك من حسنة الدنيا أيضا وورد في كلام ابن عاشور في تفسيره لأية النساء ما يحتمل هذا المعنى فقال هي تعليم للمؤمنين أن لا يطلبوا خير الدنيا من طرق الحرام، فإن في الحلال سعة لهم ومندوحة، وليتطلبوه من الحلال يسهل لهم الله حصوله، إذ الخير كله بيد الله، فيوشك أن يحرم من يتطلبه من وجه لا يرضيه أو لا يبارك له فيه.
كما أن الفتح على العبد في العلم عن ربه أو العمل لآخرته في الدنيا حسنة أيضا والمعنى عام شامل كما قال الشيخ الشعراوي : لماذا لا نجعل حسنة الدنيا أعم وأشمل فنقول: يا رب أعطنا كل ما يُحَسِّنُ الدنيا عندك لعبدك.
وقد تنوعت عبارات السلف والمفسرين في حسنة الدنيا شاملة لذلك المعنى على أقوال :
العافية والكفاف قاله قتادة .. المرأة الصالحة قاله علي كرم الله تعالى وجهه .. العلم والعبادة قاله الحسن .. المال الصالح قاله السدي .. الأولاد الأبرار .. ثناء الخلق قاله ابن عمر .. أو الصحة والكفاية والنصرة على الأعداء والفهم في كتاب الله تعالى .. صحبة الصالحين قاله جعفر
والظاهر أن الحسنة مطلقة فتنصرف إلى الكامل والحسنة الكاملة في الدنيا ما يشمل جميع حسناتها وهو توفيق الخير فيدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد، من رزق هنيء واسع حلال، وزوجة صالحة، وولد تقر به العين، وراحة، وعلم نافع، وعمل صالح، ونحو ذلك، من المطالب المحبوبة والمباحة. من مجموع كلام الآلوسي والسعدي
وأما بيانها بشيء مخصوص ليس من باب تعيين المراد وإنما هو من باب التمثيل ذكره الآلوسي

وأما حسنة الآخرة
قال ابن عطية إنها الجنة بإجماع ؛ لقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
السلامة من هول الموقف وسوء الحساب،
وقيل: الحور العين وهو مروي عن علي كرم الله تعالى وجهه .. وقيل: لذة الرؤية
قال ابن عثيمين : ولا شك أن الحسنة العظمى في الآخرة هي الجنة؛ لكن في الآخرة حسنات يستحسن المرء وقوعها غير الجنة، مثل أن يبيض وجهه، وأن تثقل موازينه، وأن يعطى كتابه بيمينه؛ فإنه إذا أعطي الكتاب بيمينه يقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه فرحا مسرورا.
قال الآلوسي : والظاهر الإطلاق وإرادة الكامل وهو الرحمة والإحسان

قال تعالى " وقنا عذاب النار "
ورد في المراد بها أقوال :
الأول : احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى عذاب النار قاله الحسن
الثاني : أن عذاب النار الامرأة السوء مروي عن علي ذكرهما الآلوسي
الثالث : أنه دعاء في أن لا يكون المرء ممن يدخلها بمعاصيه وتخرجه الشفاعة
الرابع : أن يكون دعاء مؤكدا لطلب دخول الجنة، لتكون الرغبة في معنى النجاة والفوز من الطرفين ذكرهما ابن عطية
واستدل له بما قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: «أنا إنما أقول في دعائي اللهم أدخلني الجنة وعافني من النار، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ» ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حولها ندندن» .
والذي أراه أقرب للصواب القول الثالث فإنه تذييل من الحق سبحانه وتعالى بقوله: {وَقِنَا عَذَابَ النار} وهو سبحانه وتعالى حين يَمْتَنُّ على عباده يمتن عليهم بأن زحزحهم عن النار وأدخلهم الجنة، كأن مجرد الزحزحة عن النار نعيم، فإذا ما أدخل الجنة بعد الزحزحة عن النار فكأنه أنعم على الإنسان بنعمتين؛ لأنه سبحانه قال: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}
ومعناها أن كل إنسان سيرى النار إما وهو في طريقه للجنة، فيقول: الحمد لله، الإيمان أنجاني من هذه النار وعذابها. فهو عندما يرى النار وبشاعة منظرها يحمد الله على نعمة الإسلام. التي أنجته من النار. فإذا ما دخل الجنة ورأى نعيمها يحمد الله مرة ثانية. وكذلك يرى النار من هو من أهل الأعراف أي لا في النار ولا في الجنة، يقول الحق: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} ذكره الشعراوي
فالوقاية من النار تماما ودخول الجنة لأول وهلة هي نعمة أخرى غير دخول الجنة بعد تطهير من السيئات في النار وهي غاية عظيمة حتى إنه جعل من خصائص أكرم شهر على الله أن لله فيه عتقاء من النار كل ليلة

"أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب "
فائدة في تنكير "نصيب" أنه وعد من الله تعالى بإجابة دعاء المسلمين الداعين في تلك المواقف المباركة إلا أنه وعد بإجابة شيء مما دعوا به بحسب ما تقتضيه أحوالهم وحكمة الله تعالى، وبألا يجر إلى فساد عام لا يرضاه الله تعالى فلذلك نكرها ليصدق بالقليل والكثير وأما إجابة الجميع إذا حصلت فهي أقوى وأحسن. ذكره ابن عاشور
واسم الإشارة "أولئك " اختلف في المشار إليه على قولين :
الأول : مشير إلى الناس الذين يقولون: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة للتنبيه باسم الإشارة على أن اتصافهم بما بعد اسم الإشارة شيء استحقوه بسبب الإخبار عنهم بما قبل اسم الإشارة، أي أن الله استجاب لهم لأجل إيمانهم بالآخرة فيفهم منه أن دعاء الكافرين في ضلال. ذكره ابن عاشور
الثاني : أن تكون الإشارة إلى كلا الفريقين المتقدمين فالتنوين في قوله تعالى: لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا على الأول للتفخيم وعلى الثاني للتنويع
قال ابن عثيمين : والأول منهما أظهر؛ لأن الإشارة تعود إلى أقرب مذكور ومقصد الآية يدل عليه فقد ندبهم الله لدعائه بخيري الدنيا والآخرة ثم وعدهم بإجابة دعوتهم

وقوله: والله سريع الحساب تذييل قصد به تحقيق الوعد بحصول الإجابة، وزيادة تبشير لأهل ذلك الموقف، لأن إجابة الدعاء فيه سريعة الحصول، فعلم أن الحساب هنا أطلق على مراعاة العمل والجزاء عليه.
قال ابن عطية : والرب تعالى سريع الحساب لأنه لا يحتاج إلى عقد ولا إلى إعمال فكر، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلائق في يوم؟ فقال «كما يرزقهم في يوم» ، وقيل: الحساب هنا المجازاة، كأن المجازي يعد أجزاء العمل ثم يجازي بمثلها، وهو مجموع كلام ابن عاشور وابن عطية
وقيل معنى الآية سريع مجيء يوم الحساب، فالمقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة، ذكره ابن عطية


المراجع
تفسير الزمخشري
تفسير ابن عطية
التحرير والتنوير لابن عاشور
روح المعاني للآلوسي
تفسير الثعلبي
تفسير ابن عثيمين
تفسير الشعراوي
تفسير السعدي

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 11 ذو القعدة 1438هـ/3-08-2017م, 08:29 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم تطبيقات الأسلوب المقاصدي


أحسنتم بارك الله فيكم وسدّد خطاكم.
ونسأل الله أن ينفعكم بهذه الدروس القيّمة وأن تكون لبنة في بناء دعاة وهداة لأمتهم بتفسير القرآن.
ونوصيكم بالعناية الدائمة بهذا المقرّر، وعدم الانقطاع عن كتابة الرسائل التفسيرية بأساليبها المختلفة، لأن زيادة التطبيق من شأنها أن تحسّن مستوى الأداء بإذن الله.

مما لوحظ على بعض الرسائل أن محورها عبارة عن موضوع ورد ذكره في الآية التي سيفسّرها الطالب، لكنه تناول هذا الموضوع في رسالته بعيدا عن تفسير الآية،
فتكون الصلة بين الآية والرسالة مجرّد الاستدلال على الموضوع المذكور، أو يذكر المقصد مجرّدا ثم ينشغل بتفسير الآية بعيدا عنه، وهذا المسلك والذي سبقه لا يدخلان ضمن التفسير المقاصدي، إنما التفسير المقاصدي أن نتكلّم عن مقصد الآية انطلاقا من تفسيرها، لأنه ما فهم أصلا إلا منها، فالآية هي التي دلّت عليه بألفاظها وأساليبها وترتيبها، ثم له أن يستزيد على ذلك بما شاء من خارج الآية مما يخدم موضوعها.
ودلالة الآية على مقصدها إما أن تكون دلالة مباشرة وهي التي ننصح بها في التطبيقات الأولى، فيختار الطالب من الآيات ما كانت مقاصدها واضحة مباشرة، أو تكون دلالة الآية على المقصد غير مباشرة تحتاج إلى دقّة في الفهم والاستنباط.
وعلى الطالب أن يعرض المقصد بتفصيل مناسب ليرشد السامع أو القاريء إلى سبل تحقيقه في نقاط سبع فصّلها الشيخ -حفظه الله- في الفقرة الخاصّة بإتقان الأسلوب المقاصدي.
فإذا ما خطّط الطالب لرسالته جيدا بدءا من استخلاص مقصد الآية استخلاصا صحيحا ثم تصوّر كيف يكون عرض هذا المقصد في ضوء الشرح المذكور بما يكون له الأثر الحسن في نفس المتلقّين لأجل تحقيق هذا المقصد الذي أتى القرآن لتقريره أتت رسالته على ما أراد -بإذن الله-، على أن يكون الأصل لجميع ما سبق هو تفسير الآية كما ذكرنا.
ومما ينبغي التنبّه إليه أن المقاصد تتنوّع، واجتهاد الطالب في مطالعة المراجع التي تتعلّق بنوع كل مقصد إضافة إلى التفاسير مما يثري الرسالة ويقوّيها علميا.
وليحرص الطالب على توثيق ما يرفقه في رسالته من أحاديث وآثار، لأن من الطلاب من لا يزال مقصّرا في هذا الجانب.

ونذكّر ونحن في ختام هذه الدورة بمقصودها وهو تعويد الطالب وتدريبه على الإنشاء والكتابة، فللآن ما زال هناك من الطلاب من ينسخ نصّا، والحكمة أن يطبّق الطالب ما ينفعه على الحقيقة لا ما يوهمه بالنفع.


1: فداء حسين أ+
أحسنت وأجدتِ بارك الله فيك ونفع بك.

2: مها الحربي

بارك الله فيك ونفع بك.
ليس المقصود بالتفسير المقاصدي أن تذكري مقصد الآية أو السورة ثم تفسّرينها بمعزل عن مقصدها، بل تفسّرينها في ضوء هذا المقصد.
فقد تكلّمتِ عن وجوب التوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة، فيجب أن يكون هذا المقصد هو مدار كلامك، مما أثبتته السورة ودلّت عليه، وما يلزم ذلك من بطلان عبودية من سواه، ثم تتكلمين عن ثمرات التوحيد وكيف أن به صلاح الأرض ومن عليها، وخطر الشرك ومضارّه، وهكذا يكون عرض هذا المقصد الأجلّ وبيان ضرورته وحاجة الناس إليه، فيكون تفسير السورة أصلا للكلام عن التوحيد مع الزيادة عليه مما ييسّره الله لك من النظر في التفاسير وغيرها من الكتب المتّصلة بهذا المقصد.
وأرجو أن تراجعي رسائل الزملاء وتتأمّلي طريقة عرضها للاستفادة منها في إعادة التطبيق، وفقك الله.

3: منال أنور ج

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- تصويب: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا..}.
توجد بعض الملاحظات على طريقة التفسير، وبعضها على تناول المقصد:
فأما عرض التفسير فأنت لم تلتزمي تفسير السورة كاملة، ولم تقتصري على آية منها، بل انتقيتِ من آياتها بغير ترتيب، رغم أن السورة كلها وحدة واحدة في تقرير المقصد المذكور، وهذا يسبّب نوعا من الشتات لدى القاريء، وعدم استيعاب لموضوع السورة.
أما بالنسبة للمقصد فتناولك له مختصر جدا، وكان يجب بسط الكلام أكثر عن خطر الشرك وخطر مداهنة المشركين، مستدلّة لذلك بأنواع من الأدلّة والشواهد، وأرجو أن يكون في التعليق العام ما يفي بإيضاح الصورة أكثر، وأرجو أن يكون الأمر أيسر بزيادة المران والتطبيق، وفقك الله وسدّدك.

4: عباز محمد ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأثني على رسالتك النافعة وجهدك فيها، لكنك خرجت إلى نوع من التفسير الموضوعي لموضوع "العجلة" في القرآن، فتناولت هذا الموضوع بعيدا عن الآية، فأنت لم تفسّر الآية كاملة ولم تبيّن مناسبتها للسياق، بل استدللت منها فقط على النهي عن العجلة، وهذا يبعد عن المقصود من التطبيق وهو تفسير الآية مقاصديا.
وأوصيك بتأمّل هذه الرسالة (هنا) وملاحظة كيف تكون تجلية المقصد من خلال تفسير الآية أولا، ثم تدعيم هذا التفسير بما يتيسّر للطالب من الأدلّة والشواهد من خارج الآية، ولا يفوتك -كونك طالبا متميّزا- أن تعدّ رسالة أخرى بنفس الأسلوب للفائدة، وفقك الله.

5: محمد شمس الدين أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
واحرص على تدعيم رسائلك بأنواع من الأدلّة والشواهد، مع الاجتهاد في بسط الكلام على المقاصد أكثر من ذلك.

6: مروة كامل ج+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
في التفسير المقاصدي قد نتجاوز بعض المسائل التفسيرية التي لا تتعلّق مباشرة بإبراز مقصد الآية، كالتفصيل اللغوي لمعاني بعض الألفاظ والتفصيل في عرض الخلاف، لأن ذلك يجعل الأسلوب الغالب هو أسلوب التقرير العلمي، أما في التفسير المقاصدي فيستفاد فيه من ذلك بالمقدار الذي يحقّق هدف الرسالة.
بالنسبة لمقصد الرسالة وهو نصرة الله، فكان يحتاج منك الوقوف أكثر في بيان صورها وأسبابها وثمراتها ومعاني التأييد والظهور.

7: حليمة محمد أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
واجتهدي في تدعيم الرسالة بمزيد من الأدلّة والشواهد، وفاتك البدء بأول الآية وكذلك ضم الآية التالية لأنها مكمّلة لهذه الآية، فلو تعرّضت لها لكان في ذلك تقوية للرسالة لما فيها من بيان مكانة هذا الخلق العظيم.

8: رقية عبد البديع أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
تفسيرك لمعنى خشية الله بالغيب تحديدا وهي المقصودة في الآية فيه شيء من الاختصار، وكان يجب تبيينه جيدا لأن ما أتى بعده مبنيّ عليه.

9: بيان الضعيان ب+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
تصويب: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم}.
وليس من الجيد الاقتصار على أول الآية دون خاتمتها، كما يلاحظ على التفسير شيء من الإجمال والاختصار، والأسلوب المقاصدي يحتاج إلى بسط وتفصيل لتقرير مقاصد الآية، ولعلك تطالعين هذه الرسالة للفائدة (هنا).

10: إيمان شريف

بارك الله فيك ونفع بك.
وأثني على مجهودك في الرسالة، لكن يبدو أن هناك خطأ ما في تصوّرك لهذا الأسلوب.
فالرسالة توقّفت عند مجرّد التفسير والبيان لمعنى شرح الصدر دون أن يظهر من وراء ذلك مقصد محدّد يراد إيصاله للقاريء وتنبيهه إليه، ولم تتكلّمي عن المقصد الذي وضعتيه أول الرسالة، فأرجو أن يكون في التعليق أعلاه وفي مطالعة التطبيقات الجيدة ما يبيّن المقصود.
وأنتظر منك رسالة أخرى لضمان الفائدة بإذن الله، بارك الله فيك.

11: فاطمة أحمد صابر أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- أحسب أن هناك سهوا في إضافتك لقوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} عند الكلام عن الدعاء الجامع المندوب.
- الوقاية من دخول النار يستلزم الحفظ من الوقوع في الذنوب والمعاصي المؤدّية لها، فهذا القول لا ينفكّ عما ذكرتيه.
- اعتني بتوثيق جميع الأحاديث والآثار من مصدر أصيل، وبيان درجة الأحاديث ما أمكن.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح
والحمد لله الذي بنعمته
تتمّ الصالحات

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 14 ذو القعدة 1438هـ/6-08-2017م, 02:27 AM
مها الحربي مها الحربي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 461
افتراضي



بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة تفسيرية في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153))البقرة


الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الهادي الأمين وآله وصحبه أجمعين ، وبعد ،


وردت هذه الآية في سياق الآيات التي تتحدث عن الصبر في المصائب و البلاياء التي تصيب الأبدان والأموال ومايجب على المؤمن عمله حيال ما يصيبه .
فبدأت الآية بنداء المؤمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)أي يامن يعمل من أجل مرضاة الله حتى وصل الإيمان إلى قلبه ،
(اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) اعملوا في طاعة الله وإجتناب نواهيه ، فإن أصابتكم البلاياء فاستعينوا عليها بالصلاة فبها تدركون حاجتكم وبالصبر فبها تدركون مرضاته .
قد أخرج الإمام أحمد- بسنده- عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كان إذا حزبه أمر صلّى»
بالصلاة يقترب العبد من بيدة زمام الأمور ، وبالصلاة يكون يضعف وسوسة الشيطان ويبعده عنه .
وبالصبر يسلم العبد أموره لله ،ويرضى بما قدر له .
فإن الصبر لايكون على الأقدار فقط ، وإنما على طاعة الله وتييس النفس على الطاعة ،والصبر عن محارم الله وتعويد النفس على نبذها .
فالصبر كما قال سعيد بن جبيرٍ: «الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّد لا يرى منه إلّا الصّبر»)
أي ان الصبر شئ يقع في النفس ويظهر على الجوارح ، وليس المراد بمايظهر على الجوارح فقط مع جزع في النفس .
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي بمعونته لهم وأنه منجيهم لإستجابتهم لأحكامه ،ومن كان الله معه فهو الناجي
فإن البلاء لايدل على إهانة الله للعبد وإن إكرامه لايدل على محبته فقد نفى الله على من قال ذلك في سورة الفجر ،قال تعالى :( فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16))سورة الفجر


فإن المؤمن يتقلب بين حالين إما النعمة فواجبها الشكر وإما البلاء فواجبها الصبر ،كما جاء في الحديث: «عجبًا للمؤمن. لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له: إن أصابته سرّاء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيرًا له».


ومراتب الناس أتجاه مايصيبهم أقسام :
1/الجزع وهذا محروم من الخير لارد له جزعه مافقده ،ولا عمل بما أمره الله
2/الصبر وهو حبس النفس عما تكره
3/الرضا وهو أن يكون النعمة عنده والضرا سوا فهو راضي
4/الشكر وهو أن يشكر الله على المصيبة


ومن ثمرات الصبر :
1/معية الله ،قال تعالى : (إن الله مع الصابرين )
2/وتكفير السيئات وزيادة الحسنات ،عَنْ أَبي هُرَيْرَة ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب ، وَلاَ وَصَب ، وَلاَ هَمِّ ، وَلاَ حَزن ، وَلاَ أَذىً ، وَلاَ غَمّ ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.أخرجه أحمد
3/الصابرون أعظم الناس جزاء قال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) سورة الزمر
4/يعوض الله الصابرين خيرا عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: \" ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها \" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله ، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي خيرًا منه: رسول الله .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
ابن عطية الأندلسي
الزجاج
ابن كثير القرشي
السعدي
الوسيط للطنطاوي
مكتبة صيد الفوائد (رسالة وبشر الصابرين ، د. بدر عبد الحميد هميسه)

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 14 ذو القعدة 1438هـ/6-08-2017م, 04:13 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب المقاصدي

مها الحربي ج
بارك الله فيك ونفع بك.
والتفسير يحتاج إلى دقة أكثر من ذلك، فقولك في تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي يا من عملتم من أجل مرضاة الله حتى وصل الإيمان إلى قلبه..، ما دليلك على هذا التفسير؟
والكلام عن متعلّق الاستعانة -أي على أي شيء يستعان بالصبر والصلاة- يفتح لك بابا واسعا في الكلام عن مقصد الآية، لأن الاستعانة بالصبر والصلاة لا يكون على البلايا والمصائب فقط، بل يستعين المؤمن بهما على جميع أموره، ولعل ذلك يتّضح من معرفة أنواع الصبر.
وأوصيك بتوسيع دائرة مصادرك، فقد لوحظ على تطبيقاتك قلّة المصادر وعدم مناسبة بعضها أحيانا لنوع الأسلوب، مما يؤدّي إلى حصول اختصار شديد في بيان المطلوب.
ولوحظت كثير من الأخطاء الكتابية التي أثّرت على المعنى في بعض المواضع، فيرجى مراجعة الرسالة جيدا قبل اعتمادها.
كما أوصيك بمطالعة النماذج الجيدة التي كتبت بهذا الأسلوب وملاحظتها جيدا والاجتهاد في محاكاتها، وفقك الله ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 22 ذو القعدة 1438هـ/14-08-2017م, 01:53 AM
مها محمد مها محمد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 251
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الأسلوب المقاصدي
رسالة في تفسير قوله تعالى: {خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ}.
هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف سيقت بالأوامر والتوجيهات للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم من بعده ؛ لتضع لهم منهجاً ربانياً في معاملة الناس ، قال أهل العلم عنها أنها جمعت مكارم الأخلاق ، فهي آية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم ، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير قال :{ما أنزل الله ذلك إلا في أخلاق الناسوعن جعفر الصادق: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.
فالتعامل بين الناس بعضهم بعضا غالباً ما يشوبه ما يكدره ، فمن أخذ بهذه الوصية فقد أخذ بجميع مكارم الأخلاق، ووصل إلى الدرجة العالية من الخصال الحميدة الطيبة.
وبيان ذلك:
يقول الله تعالى: { خُذِ العَفو } معناه اقبل من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفواً دون تكلف، والذي تهيأ دون تحرج، وتسهل من غير كلفة، ولا تداقهم، ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا، كما ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا".
فالعفو هنا الفضل و هو ما سمحت به نفوس الناس، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا تكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل تشكر من كل أحد ما قابلك به، من قول وفعل جميل، أو ما هو دون ذلك، وتتجاوز عن تقصيرهم وتغض الطرف عن نقصهم، ولا تتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل تعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له الصدور.
فنحن في احتكاكنا بالناس نتعامل مع أناس مختلفي الطباع ، فهذا يهش في وجهك وآخر لا يفعل ، وهذا يتلطف معك وآخر شديد في التعامل معي، والآية توصينا بقبول الناس وأحوالهم والتماس الأعذار لهم ،وعدم التجسس لمعرفة تغير أحوالهم ، وحمل أمورهم على المحامل الحسنة.
وقوله { وأمر بالعرف } معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة، والعرف: المعروف والجميل من الأفعال ، وكل خصلة حسنة ترتضيها العقول، وتطمئن إليها النفوس، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف، ويدخل في ذلك جميع الطاعات.
قال الشاعر:
من يفعل الخير لا يَعْدَم جَوازِيَه

لا يذهب العُرْف بين الله والناس
والمعاملة بالمعروف تكون للقريب والبعيد، فالعبد يجعل ما يأتي إلى الناس منه، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية.
{ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } أي لا تكافىء السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عنهم، وأغض على ما يسوؤك منهم ، فإذا أقمت الحجة في أمرهم بالمعروف فلم يفعلوا، فأعرض عنهم ولا تمارهم ولا تسافههم مكافأة لما يصدر منهم من المراء والسفاهة ، بل احلم عليهم ، وهذه الآية كقوله تعالى: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} .
فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه .
وقد فسرها جبريل عليه السلام عندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عنها بقوله "يا محمد هو أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك ".
وروى البخاري عن ابن عباس أن عيينة بن حصين قال لعمر بن الخطاب: هي يا ابن الخطاب! فوالله، ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر، حتى همّ أن يوقع به. فقال له الحرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } ، وإن هذا من الجاهلين.
قال ابن عباس: والله! ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب الله عز وجل.
فإن اردت أن تعلم معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فتدبر هذه الآية لأن فضائِل الأخلاق لا تعدُو إلا أن تكون عفواً عن اعتداء فتدخل في { خذ العفو } ، أو إغضاءً عما لا يلائم فتدخل في { وأعرض عن الجاهلين } ، أو فعلَ خير واتساماً بفضيلة فتدخل في { وأمر بالعرف } ، وقد جمع الله في هذه الآية كل خلق عظيم، لأن في أخذ العفو صلة القاطعين والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله وصلة الأرحام وغض البصر، وفي الإعراض عن الجاهلين الحلم وتنزيه النفس عن ممارات السفيه وعن منازعة اللجوج .
ودعونا نتخيل لو تخلق الناس بآداب هذه الآية الكريمة، وعملوا بمقتضاها ، كيف يكون الود والصفاء في المجتمع المسلم؟! ، وكيف ستضمحل المشاكل فيه؟!.
اللهم زينا بكل خلق حسن وارزقنا العمل بما علمنا.

المراجع
- بحر العلوم للسمرقندي ت (375).
- الكشاف للزمخشري ت (538).
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ).
-
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
-مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ)
-
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
- اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ).
-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) .
-
التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ).
--------

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 5 ذو الحجة 1438هـ/27-08-2017م, 05:58 PM
عباز محمد عباز محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 309
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية لقوله تعالى:{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ(37)} سورة الأنبياء

بعد أن بين سبحانه حال الكفار و أنهم كلما آتاهم الله تعالى بآية كفروا بها، وكلما توعدهم بالعذاب كذبوا به وقالوا تهكما وإنكارا: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ أتبع ذلك بنهيهم عن العجلة وبين أن ما توعدهم به آت لا محالة، فقال سبحانه: { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.
و المراد من هذه الآية و المقصد منها بيان ما جُبل عليه الإنسان من وصف العجلة و ضرورة تزكية النفس من هذه الصفة المذمومة.

{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} المراد بالإنسان: جنسه، أما {من عجل} فالمراد بالعَجل هنا العجلة و هي طلب الشيء قبل أوانه، ومعلوم أن الإنسان خلق من نطفة، وأن أصله من طين في خلق أبينا آدم صلى الله عليه وسلم، ولكن العرب قد تعبر بمثل هذا في ذكر الأوصاف لبيان شدة رسوخها وتعلقها، وملازمتها لهذا الإنسان، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء: خلقت منه، كما تقول العرب: خلقت في لعب، وخلقت من غضب، يراد المبالغة في وصفه بذلك، يدل على هذا قوله تعالى: {وكان الإنسان عجولا} فلشدة تمكن العجلة فيه كأنه قد خلق منها، و هذا كقوله تعالى:{خلقكم من ضعف} أي: خلقكم ضعفاء.

فليس بعجيب من المشركين أن يستعجلوا عذاب الله ونزول نقمته بهم، وقد كان من الحق عليهم أن يتلبّثوا قليلا، فإن الله سينزل بهم من سخطه مثل ما أنزل بالمكذبين قبلهم، ويحلّ بهم من العذاب ما لا قبل لهم بدفعه، وهذا ما أشار إليه بقوله:
{سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} أي: إن نقمي و عقابي و انتقامي سيصيبكم لا محالة، فلا تتعجلوا عذابي قبل وقته، واصبروا حتى يأتي وعد الله، إن الله لا يخلف الميعاد. و المقصد تهديد وزجر لأولئك الكافرين الذين كانوا يستعجلون العذاب.

و قيل: أن المشركين كانوا يستعجلون الآيات و الخوارق كتلك التي نزلت على الأنبياء السابقين: كناقة صالح و عصا موسى...إلخ، فرد الله عليهم {سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} وذلك بما يظهره الله عز وجل على يد رسوله صلى الله عليه وسلم من دلائل صدقه، من الحجج والبراهين الدامغة التي لا تترك في الحق لبساً.

و قيل: أن الخطاب في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} للصحابة الذين كانوا يستعجلون نزول العذاب بالمشركين و يستبطئون حلول الوعيد بهم، فنهاهم الله عن العجلة و على ضرورة تزكية نفوسهم منها و أن يوكلوا الأمر إلى الله، ف {سَأُرِيكُمْ آياتِي} أي: انتقامي على من عصاني {فلا تستعجلون}.

فمن طبع الإنسان استعجال وقوع الأمور المحبوبة إليه، و استعجال زوال الأمور المكروهة إليه، ونحوه قوله تعالى : { وكان الإنسان عَجولاً }.
فالعجلة صفة مذمومة في الإنسان قد ذمها القرآن، و قد عد ابن حجر العجلة من الكبائر، وهي من الشيطان كما قال عليه الصلاة والسلام: (التأني من الله، والعجلة من الشيطان) أخرجه البيهقي وحسنه الألباني، وكثير من الناس يقع في أخطاء وتصرفات خاطئة، ولو تأمل لوجد أن أصل ذلك كله العجلة.

و من صور العجلة: قوله تعالى:{كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة * وَتَذَرُونَ الآخرة } بيان لما جبل عليه كثير من الناس، من إيثارهم منافع الدنيا العاجلة، وقيل للدنيا عاجلة لسرعة انقضائها، وتحولها، فهي لا شيء بالنسبة للآخرة، فنتج عن حبهم للدنيا استعجالهم للذات و النعيم قبل أوانه فعوقبوا بحرمانه، فهؤلاء استعجلوا الخمر واللذات، واستعجلوا معاصي الله -عز وجل- في الدنيا، {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} ، فالإنسان هذه طبيعته يؤثر الفاني على الباقي، وينظر نظرا قريبا يريد أن يحصل شيئا قريبا في متناوله، ويترك الأمور العظيمة إذا كانت بعد حين، فهذا من عجلته.

و قد تطغى العجلة على المرء حتى في اللحظات الحرجة التي يدعوا فيها ربه فيستعجل و يترك الدعاء و يُحرم بذلك الإجابة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) رواه الشيخان.

لقد نسي المتعجلون ما وعظنا الله به عن نبيه ذي النون عليـه الصلاة والسلام، إذ غضب من قومه إذ لـم يستجيبوا له، فلما هجرهم وترك الدعـوة، جعله في ضيق الظلمات، وكذلك يفعل الله تعالى ... وحيـن أدرك هذا النبي الكريم أمره، تاب إلى ربه، وعاد صابرا داعيا لقومه، فقال الله عز وجل مذكرا نبيه صلى الله عليه و سلم بذلك: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ}.

و علاج هذا الداء - داء العجلة - يكمن في قوله تعالى:{و لربك فاصبر}، فالصبر هو وقود كل شيء في دين ودنيا، إنه وقود طلب العلم والعمل، ووقود الدعوة والجهاد، وهو وقود الحياة الزوجية، ومعاشرة الناس.

و لكن العجلة في الخير والمسارعة في الطاعات محمودة قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}، وقال تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}، وقال: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، و قال عليـه الصلاة والسلام:(التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) رواه أبو داود و الحاكم و صححه.

المراجع:

- معاني القرآن للفراء ت (207 هـ)
- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310 هـ)
- معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ)
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774 هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور ت(1393هـ)
- تفسير الوسيط للطنطاوي ت (1431ه )

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 14 ذو الحجة 1438هـ/5-09-2017م, 02:24 PM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي رسالة تفسيرية تطبيقية على الأسلوب المقاصدي

رسالة تفسيرية في مقاصد قوله تعالى : { وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة إبراهيم


بسم الله الرحمن الرحيم.... الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الأمين وأهله وأصحابه أجمعين....أما بعد..
إن علم مقاصد السور من أجلّ علوم القرآن التي تتعلق ببيان مقاصد السور ومحاورها التي تدور حولها مواضيع السورة بما فيها من أمثال وقصص وغيرها فكأنها بمثابة العقدة التي تجمع جميع خيوط السورة إليها ، ومن هذه المقاصد ما يكون واضح جليّ ومنه ما يكون خفيّ وقد يكون هناك مقصد خاص بكل آية يتسق مع المقصد العام للسورة كلها ، وأيضا مع مقاصد القرآن بوجه عام ،
ومن هذه المقاصد الخاصة ؛ المقصد الخاص للآيتين من سورة إبراهيم موضوع رسالتنا وهذا المقصد الخاص هوالبراءة من الشرك وأهله وتحقيق التوحيد الخالص كما جاء في دعاء إبراهيم عليه السلام " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " ، ومن المقاصد أيضا في هاتين الآيتين:
- الاحتجاج على مشركي العرب من قريش الذين زعموا أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام بأن البلد الحرام وهي مكة المكرمة وُضعت أول ما وُضعت على عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} ، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه آهلةً تبرأ ممن عبد غير الله.
- المراد بِسياق قول إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع بيان كُفر قريش بالنِعم الخاصة بِهم وهي إسكانهم مكة وجعلها حرما آمنا لهم كما قال تعالى :{أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويُتخطف الناس من حولهم} ، وقال تعالى : { ...ومن دخله كان آمنا} –كما أوردنا سابقا- وذلك بعد ما بيّن كفرهم بالنعم العامة في الآيات التي قبلها.
- تنبيه مشركي قريش بمكة الذين جحدوا نعم الله عليهم وبدلوها كفرا - كما جاء الإشارة لذلك في بعض الآيات التي قبلها في قوله تعالى : {ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار . جهنم يصلونها وبئس القرار} - بأن من الواجب عليهم أن يعودوا إلى رشدهم، وأن يستجيبوا لدعوة الحق، وأن يقتدوا بإبراهيم - عليه السلام - فى إيمانه وتوحيده وشكره لخالقه - سبحانه.
- وأيضا قد يكون ورود هذه الآيات هنا بما فيها من الدعاء بالتوحيد من إبراهيم عليه السلام وذريته جاء تطبيقا أو نموذجا لمثل الكلمة الطيبه التي وردت في الآية {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} ومن المعلوم أن الكلمة الطيبة هنا المقصود بها كلمة التوحيد كما ذكره المفسرون.
وقوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً }هو دعاء من إبراهيم عليه السلام لمكةأن يجعله آمنا، أي: ذا أمن، وقد سبق أن دعا إبراهيم عليه السلام بنفس الدعاء في سورة البقرة في قوله تعالى " { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا } [البقرة: 126] والفرق بين هذا الدعاء الذي جاء فيه البلد نكرة وبين الدعاء هنا في سورة إبراهيم الذي جاء فيه البلد معرفه بأل هو أنه قد سأل فى الأول أن يجعله من جملة البلاد التى يأمن أهلها ولا يخافون، وسأل فى الثانى أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمن أي أن المطلوب هنا مجرد الأمن للبلد، والمطلوب هنالك البلدية والأمن ؛ فتبيّن من ذلك أن دعاء إبراهيم هنا كان بعد بناء الكعبة ؛ ولذلك كتبالكرخي هناك "أي في البقرة " "ما نصه نكر البلد هنا وعرفه في إبراهيم لأن الدعوة هنا كانت قبل جعل المكان بلداً فطلب من الله أن يجعل ويصير بلداً آمناً وثم كانت بعد جعله بلداً " انتهى ؛ فيقتضي أن هذا الدعاء وقع مرتين مرة قبل بنائها ومرة بعده .
- أو أن المراد جعل أهل هذا البلد آمنين، وهذا الوجه عليه أكثر المفسرين وغيرهم، وهذا الأمن حاصل بحمد الله بمكة وحرمها إلى الآن ، قال السيوطي: "وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرماً لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه".
؛ والسبب في أنه جعل الدعاء بالأمن في مقدمة أدعيته لأنها أعظم أنواع النعم، ولأنها إذا فقدها الإِنسان، اضطرب فكره، وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس مطمئنة، وبقلب خال من المنغصات والمزعجات.
قال الإِمام الرازى: " سُئِل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ولا يمنعها هذا الكسر من الإِقبال على الرعى والأكل والشرب.
ولو أنها ربطت - وهى سليمة - فى موضع، وربط بالقرب منها ذئب، فإنها تمسك عن الأكل والشرب، وقد تستمر على ذلك إلى أن تموت.
وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد.

وفي قوله تعالى :{ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}دعاء آخر من جملة الأدعية التي تضرع بها إبراهيم عليه السلام إلى ربه ، والمراد ب { واجنبني } يقال: جنبته كذا، وأجنبته وجنبته، أي: باعدته عنه، ثلاثياً ورباعياً وهي لغة نجد، وجنبه إياه مشدداً وهي لغة الحجاز وهو المنع وأصله من الجانب والمعنى: باعدنيوباعد بنيَّ عن عبادة الأصنام ، والمراد ببنيه:
قيل أراد بنيه من صلبه وكانوا ثمانية،
وقيل أراد من كان موجوداً حال دعوته من بنيه وبني بنيه،
وقيل أراد جميع ذريته ما تناسلوا ، قيل ويؤيد ذلك ما قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنماً ؛ وعن مجاهد قال: "فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته ".
وقال القنوجي في تفسيره فتح البيان :" والتأييد هذا يستقيم على القولين الأولين، وأما القول الثالث فلا يستقيم فقريش من أولاد إسماعيل وقد عبدوا الأصنام بلا شك،
وقال الواحدي: المعنى وبنيّ الذين أذنت لي في الدعاء لهم، وقد كان من بنيه من عبد الصنم، فيكون هذا الدعاء من العام المخصوص.
وقيل هذا مختص بالمؤمنين من أولاده بدليل قوله في آخر الآية فمن تبعني فإنه مني وذلك يفيد أن من لم يتبعه على دينه فليس منه"
والمراد ب " الأصنام " جمع صنم وهو التمثال الذي كان أهل الجاهلية من مشركو العرب يصنعونه من الحجر ونحوه ليعبدونه من دون الله.
وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي لكلِ داعٍ أن لا يكتفي بالدعاء لنفسِه فقط ولكن يدعو لوالِديه وذريّته أيضًا.

وقوله تعالى في الآية التي تليها : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} هذه الجملة تعليل لدعائه لربه بأن يعصمه وذريّته من عبادة الأصنام ، وإعادة النداء لتأكيد النداء وكثرة الابتهال والتضرع ، وأسند الإضلال إلى الأصنام مع أنها جمادات لا تعقل ؛ لأنها كانت سببا فى إضلال كثير من الناس، فكأنها أضلتهم، فنسبة الإضلال إليها مجازية من باب نسبة الشئ إلى سببه، كما يقال: فلان فتنته الدنيا وأضلته، وهو إنما فتن وضل بسببها.

وقوله - سبحانه - { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بيان لموقفه عليه السلام ممن اتبعه على التوحيد ونبذ الشرك وممن عصاه وأصرّ على شِركه ومعصيته ، والمعنى : : فمن تبعنـي علـى ما أنا علـيه من الإيـمان بك وإخلاص العبـادة لك وفِراق عبـادة الأوثان، فإنه منـي: يقول: فإنه مستنّ بسنَّتِـي، وعامل بـمثل عملـي ؛ أي: من أهل ديني، جعل أهل ملته كنفسه مبالغة ، { وَمَنْ عَصَانِـي فإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } يقول: ومن خالف أمري فلـم يقبل منـي ما دعوته إلـيه، وأشرك بك أي : فلم يتابعني ويدخل في ملتي { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }قادر على أن تغفر له قيل قال هذا قبل أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك ،
قاله ابن الأنباري، قيل المراد عصيانه هنا فيما دون الشرك قاله مقاتل،
وقيل أن هذه المغفرة مقيدة بالتوبة من الشرك، قاله السدي،
وقيل تغفر له بأن تنقله من الكفر إلى الإيمان والإسلام وتهديه إلى الصواب .....والراجح والله أعلم أن المقصود بها تفويض أمر العصاة ورد أمرهم إلى الله - تعالى - إن شاء غفر لهم ورحمهم، وإن شاء عذبهم ،
كقول عيسى عليه السلام
{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }
المائدة 118
وليس فيه أكثر من الرد إلى مشيئة الله تعالى، لا تجويز وقوع ذلك وذلك ما ذكره ابن كثير والطنطاوي في الوسيط ،
وقال القنوجي في فتح البيان " والأول أولى".
وأورد ابن كثير هنا رواية عن عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ } الآية، وقول عيسى عليه السلام
{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ }

المائدة 118 الآية، ثم رفع يديه، ثم قال " اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي " وبكى، فقال الله اذهب يا جبريل إلى محمد، وربك أعلم، وسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فقال الله اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
فدل ذلك وما قبله من دعاء إبراهيم عليه السلام للعصاة من قومه على رقة قلوب الأنبياء وشفقتهم على العصاة من أقوامهم من الوقوع فى العذاب الأليم.
وبعد ما تبيّن من المعاني في تفسير الآيتين تبيّن موافقتهما للمقصد العام لسورة إبراهيم وهو الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحدة وإثبات الرسالة والبغث والجزاء وذكر القيامة وأهوالها والنار وعذابها والجنة ونعيمها ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية والآيات الكونية.
ومما هو جدير بالذكر موافقة المقصد الخاص لهاتين الآيتين أيضا للمقصد العام للقرآن الكريم عامةً والذي جاء في مواضع كثيرة من كتاب الله ومنها قوله تعالى : {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }سورة الأنعام.
وقوله تعالى في آخر آية من سورة الكهف : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً}.
وقوله تعالى في سورة الأنبياء : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
وفي نهاية نفس السورة جاء قوله تعالى :{ قل إنما يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون }.
وفي خواتيم سورة المؤمنون جاء قوله تعالى : { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم . ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}.
وحتى هدهد سليمان عليه السلام في سورة النمل أدرك حقيقة التوحيد الخالص والبراءة من الشرك التي لم يجدها عندما تفقد مملكة سبأ ووجدهم يسجدون للشمس من دون الله فقال : { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون . الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم}.
وفي سورة القصص : { وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون}.
، وخُتمت نفس السوة بقوله تعالى : { ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون}....وفي الآيات السابقة دلالة واضحة على أن الرسالة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء من قبله هي الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة من سواه ونبذ الشرك وأهله.
وغير هذه المواضع كثير جدا فلا يكاد يخلو القرآن من سورة أو مجموعة آيات تدعو لهذا المقصد الجليل الذي هو مقصد رئيس من مقاصد القرآن العظيم الذي هو الرسالة الخاتمة للنبي الخاتم التي نسخت كل الرسالات وكل الكتب قبلها وجاءت لترسيخ التوحيد على مدار ما يقرب من ثلاثة وعشرين عاما دعا خلالها النبي صلى الله عليه وسلم قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة من سواه من الأصنام والأوثان وكل ما يُعبد من دون الله وهي المكملة للدين الحنيف ملة أبينا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وإمام الموحدين وهو من دعا بأن يعصمه الله وذريَّته من بعده من عبادة الأصنام ودعا بأن يبعث الله في ذريته وأمته من بعده من يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة ويُزكَّيهم بالتوحيد والإسلام وما يدعو إليه من المباديء السامية والأخلاق الرفيعة وقد استجاب الله دعوته فأرسل خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم...
المصادر:
تفسير الطبري
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير .
تفسير فتح القدير/ الشوكاني.
تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي.
تفسير الوسيط للطنطاوي.
التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم " إعداد نخبة من علماء التفسير وعلوم القرآن".

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 15 ذو الحجة 1438هـ/6-09-2017م, 01:07 PM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي رسالة تفسيرية تطبيقية على الأسلوب المقاصدي

رسالة تفسيرية في مقاصد قوله تعالى : { وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة إبراهيم


بسم الله الرحمن الرحيم.... الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الأمين وأهله وأصحابه أجمعين....أما بعد..
إن علم مقاصد السور من أجلّ علوم القرآن التي تتعلق ببيان مقاصد السور ومحاورها التي تدور حولها مواضيع السورة بما فيها من أمثال وقصص وغيرها فكأنها بمثابة العقدة التي تجمع جميع خيوط السورة إليها ، ومن هذه المقاصد ما يكون واضح جليّ ومنه ما يكون خفيّ وقد يكون هناك مقصد خاص بكل آية يتسق مع المقصد العام للسورة كلها ، وأيضا مع مقاصد القرآن بوجه عام ،
ومن هذه المقاصد الخاصة ؛ المقصد الخاص للآيتين من سورة إبراهيم موضوع رسالتنا وهذا المقصد الخاص هوالبراءة من الشرك وأهله وتحقيق التوحيد الخالص كما جاء في دعاء إبراهيم عليه السلام " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " ، ومن المقاصد أيضا في هاتين الآيتين:
- الاحتجاج على مشركي العرب من قريش الذين زعموا أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام بأن البلد الحرام وهي مكة المكرمة وُضعت أول ما وُضعت على عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} ، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه آهلةً تبرأ ممن عبد غير الله.
- المراد بِسياق قول إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع بيان كُفر قريش بالنِعم الخاصة بِهم وهي إسكانهم مكة وجعلها حرما آمنا لهم كما قال تعالى :{أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويُتخطف الناس من حولهم} ، وقال تعالى : { ...ومن دخله كان آمنا} –كما أوردنا سابقا- وذلك بعد ما بيّن كفرهم بالنعم العامة في الآيات التي قبلها.
- تنبيه مشركي قريش بمكة الذين جحدوا نعم الله عليهم وبدلوها كفرا - كما جاء الإشارة لذلك في بعض الآيات التي قبلها في قوله تعالى : {ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار . جهنم يصلونها وبئس القرار} - بأن من الواجب عليهم أن يعودوا إلى رشدهم، وأن يستجيبوا لدعوة الحق، وأن يقتدوا بإبراهيم - عليه السلام - فى إيمانه وتوحيده وشكره لخالقه - سبحانه.
- وأيضا قد يكون ورود هذه الآيات هنا بما فيها من الدعاء بالتوحيد من إبراهيم عليه السلام وذريته جاء تطبيقا أو نموذجا لمثل الكلمة الطيبه التي وردت في الآية {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} ومن المعلوم أن الكلمة الطيبة هنا المقصود بها كلمة التوحيد كما ذكره المفسرون.
وقوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً }هو دعاء من إبراهيم عليه السلام لمكةأن يجعله آمنا، أي: ذا أمن، وقد سبق أن دعا إبراهيم عليه السلام بنفس الدعاء في سورة البقرة في قوله تعالى " { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا } [البقرة: 126] والفرق بين هذا الدعاء الذي جاء فيه البلد نكرة وبين الدعاء هنا في سورة إبراهيم الذي جاء فيه البلد معرفه بأل هو أنه قد سأل فى الأول أن يجعله من جملة البلاد التى يأمن أهلها ولا يخافون، وسأل فى الثانى أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمن أي أن المطلوب هنا مجرد الأمن للبلد، والمطلوب هنالك البلدية والأمن ؛ فتبيّن من ذلك أن دعاء إبراهيم هنا كان بعد بناء الكعبة ؛ ولذلك كتبالكرخي هناك "أي في البقرة " "ما نصه نكر البلد هنا وعرفه في إبراهيم لأن الدعوة هنا كانت قبل جعل المكان بلداً فطلب من الله أن يجعل ويصير بلداً آمناً وثم كانت بعد جعله بلداً " انتهى ؛ فيقتضي أن هذا الدعاء وقع مرتين مرة قبل بنائها ومرة بعده .
- أو أن المراد جعل أهل هذا البلد آمنين، وهذا الوجه عليه أكثر المفسرين وغيرهم، وهذا الأمن حاصل بحمد الله بمكة وحرمها إلى الآن ، قال السيوطي: "وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرماً لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه".
؛ والسبب في أنه جعل الدعاء بالأمن في مقدمة أدعيته لأنها أعظم أنواع النعم، ولأنها إذا فقدها الإِنسان، اضطرب فكره، وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس مطمئنة، وبقلب خال من المنغصات والمزعجات.
قال الإِمام الرازى: " سُئِل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ولا يمنعها هذا الكسر من الإِقبال على الرعى والأكل والشرب.
ولو أنها ربطت - وهى سليمة - فى موضع، وربط بالقرب منها ذئب، فإنها تمسك عن الأكل والشرب، وقد تستمر على ذلك إلى أن تموت.
وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد.

وفي قوله تعالى :{ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}دعاء آخر من جملة الأدعية التي تضرع بها إبراهيم عليه السلام إلى ربه ، والمراد ب { واجنبني } يقال: جنبته كذا، وأجنبته وجنبته، أي: باعدته عنه، ثلاثياً ورباعياً وهي لغة نجد، وجنبه إياه مشدداً وهي لغة الحجاز وهو المنع وأصله من الجانب والمعنى: باعدنيوباعد بنيَّ عن عبادة الأصنام ، والمراد ببنيه:
قيل أراد بنيه من صلبه وكانوا ثمانية،
وقيل أراد من كان موجوداً حال دعوته من بنيه وبني بنيه،
وقيل أراد جميع ذريته ما تناسلوا ، قيل ويؤيد ذلك ما قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنماً ؛ وعن مجاهد قال: "فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته ".
وقال القنوجي في تفسيره فتح البيان :" والتأييد هذا يستقيم على القولين الأولين، وأما القول الثالث فلا يستقيم فقريش من أولاد إسماعيل وقد عبدوا الأصنام بلا شك،
وقال الواحدي: المعنى وبنيّ الذين أذنت لي في الدعاء لهم، وقد كان من بنيه من عبد الصنم، فيكون هذا الدعاء من العام المخصوص.
وقيل هذا مختص بالمؤمنين من أولاده بدليل قوله في آخر الآية فمن تبعني فإنه مني وذلك يفيد أن من لم يتبعه على دينه فليس منه"
والمراد ب " الأصنام " جمع صنم وهو التمثال الذي كان أهل الجاهلية من مشركو العرب يصنعونه من الحجر ونحوه ليعبدونه من دون الله.
وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي لكلِ داعٍ أن لا يكتفي بالدعاء لنفسِه فقط ولكن يدعو لوالِديه وذريّته أيضًا.

وقوله تعالى في الآية التي تليها : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} هذه الجملة تعليل لدعائه لربه بأن يعصمه وذريّته من عبادة الأصنام ، وإعادة النداء لتأكيد النداء وكثرة الابتهال والتضرع ، وأسند الإضلال إلى الأصنام مع أنها جمادات لا تعقل ؛ لأنها كانت سببا فى إضلال كثير من الناس، فكأنها أضلتهم، فنسبة الإضلال إليها مجازية من باب نسبة الشئ إلى سببه، كما يقال: فلان فتنته الدنيا وأضلته، وهو إنما فتن وضل بسببها.

وقوله - سبحانه - { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بيان لموقفه عليه السلام ممن اتبعه على التوحيد ونبذ الشرك وممن عصاه وأصرّ على شِركه ومعصيته ، والمعنى : : فمن تبعنـي علـى ما أنا علـيه من الإيـمان بك وإخلاص العبـادة لك وفِراق عبـادة الأوثان، فإنه منـي: يقول: فإنه مستنّ بسنَّتِـي، وعامل بـمثل عملـي ؛ أي: من أهل ديني، جعل أهل ملته كنفسه مبالغة ، { وَمَنْ عَصَانِـي فإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } يقول: ومن خالف أمري فلـم يقبل منـي ما دعوته إلـيه، وأشرك بك أي : فلم يتابعني ويدخل في ملتي { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }قادر على أن تغفر له قيل قال هذا قبل أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك ،
قاله ابن الأنباري، قيل المراد عصيانه هنا فيما دون الشرك قاله مقاتل،
وقيل أن هذه المغفرة مقيدة بالتوبة من الشرك، قاله السدي،
وقيل تغفر له بأن تنقله من الكفر إلى الإيمان والإسلام وتهديه إلى الصواب .....والراجح والله أعلم أن المقصود بها تفويض أمر العصاة ورد أمرهم إلى الله - تعالى - إن شاء غفر لهم ورحمهم، وإن شاء عذبهم ،
كقول عيسى عليه السلام
{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }
المائدة 118
وليس فيه أكثر من الرد إلى مشيئة الله تعالى، لا تجويز وقوع ذلك وذلك ما ذكره ابن كثير والطنطاوي في الوسيط ،
وقال القنوجي في فتح البيان " والأول أولى".
وأورد ابن كثير هنا رواية عن عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ } الآية، وقول عيسى عليه السلام
{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ }

المائدة 118 الآية، ثم رفع يديه، ثم قال " اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي " وبكى، فقال الله اذهب يا جبريل إلى محمد، وربك أعلم، وسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فقال الله اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
فدل ذلك وما قبله من دعاء إبراهيم عليه السلام للعصاة من قومه على رقة قلوب الأنبياء وشفقتهم على العصاة من أقوامهم من الوقوع فى العذاب الأليم.
وبعد ما تبيّن من المعاني في تفسير الآيتين تبيّن موافقتهما للمقصد العام لسورة إبراهيم وهو الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحدة وإثبات الرسالة والبغث والجزاء وذكر القيامة وأهوالها والنار وعذابها والجنة ونعيمها ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية والآيات الكونية.
ومما هو جدير بالذكر موافقة المقصد الخاص لهاتين الآيتين أيضا للمقصد العام للقرآن الكريم عامةً والذي جاء في مواضع كثيرة من كتاب الله ومنها قوله تعالى : {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ}سورة الأنعام.
وقوله تعالى في آخر آية من سورة الكهف : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً}.
وقوله تعالى في سورة الأنبياء : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
وفي نهاية نفس السورة جاء قوله تعالى :{ قل إنما يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون }.
وفي خواتيم سورة المؤمنون جاء قوله تعالى : { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم . ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}.
وحتى هدهد سليمان عليه السلام في سورة النمل أدرك حقيقة التوحيد الخالص والبراءة من الشرك التي لم يجدها عندما تفقد مملكة سبأ ووجدهم يسجدون للشمس من دون الله فقال : { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون . الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم}.
وفي سورة القصص : { وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون}.
، وخُتمت نفس السوة بقوله تعالى : { ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون}....وفي الآيات السابقة دلالة واضحة على أن الرسالة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء من قبله هي الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة من سواه ونبذ الشرك وأهله.
وغير هذه المواضع كثير جدا فلا يكاد يخلو القرآن من سورة أو مجموعة آيات تدعو لهذا المقصد الجليل الذي هو مقصد رئيس من مقاصد القرآن العظيم الذي هو الرسالة الخاتمة للنبي الخاتم التي نسخت كل الرسالات وكل الكتب قبلها وجاءت لترسيخ التوحيد على مدار ما يقرب من ثلاثة وعشرين عاما دعا خلالها النبي صلى الله عليه وسلم قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة من سواه من الأصنام والأوثان وكل ما يُعبد من دون الله وهي المكملة للدين الحنيف ملة أبينا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وإمام الموحدين وهو من دعا بأن يعصمه الله وذريَّته من بعده من عبادة الأصنام ودعا بأن يبعث الله في ذريته وأمته من بعده من يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة ويُزكَّيهم بالتوحيد والإسلام وما يدعو إليه من المباديء السامية والأخلاق الرفيعة وقد استجاب الله دعوته فأرسل خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم...
المصادر:
تفسير الطبري
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
تفسير فتح القدير/ الشوكاني
تفسير الوسيط للطنطاوي:
تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 15 ذو الحجة 1438هـ/6-09-2017م, 01:14 PM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي تصحيح

أعتذر عن إعادة الإرسال لوجود عطل أمس بالشبكة فظننت أن الرسالة لم تُرسل من قبل

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 16 ذو الحجة 1438هـ/7-09-2017م, 05:51 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب المقاصدي


مها محمد أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- اعتني بتوثيق الأحاديث والآثار، وفقك الله.

عباز محمد أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 16 ذو الحجة 1438هـ/7-09-2017م, 11:20 PM
الصورة الرمزية محمد عبد الرازق جمعة
محمد عبد الرازق جمعة محمد عبد الرازق جمعة غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 510
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


تطبيق على الأسلوب المقاصدي


تفسير قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)


في البداية نتعرف على سورة الفاتحة السورة التي تنتمي إليها الآية موضوع التطبيق، فهي فاتحة الكتاب وهي أم القرآن وتسمى بسورة الحمد، افتتحها الله بالحمد فقال: (الحمد لله رب العالمين) والسورة كلها تدور حول حمده سبحانه وتعالى فله الحمد في الأولى والآخرة، والحمد يدور على خمسة معاني:

· حمده على ربوبيته
· حمده على ألوهيته
· حمده على أسمائه وصفاته
· حمده على إحداثه وإبداعه للكائنات
· حمده على شرعه وكتابه

والحمد هو: إثبات أنواع الكمالات للمحمود.

والآن نأتي للآية موضوع التطبيق وهي قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) ففي (إياك نعبد) حمده على ألوهيته وفي (إياك نستعين) حمده على ربوبيته، وفيها حمده على قدره لأن الاستعانة بمن يعين بما يحدث في ملكوته.
وهذا خلاصة ما قاله الشيخ/ صال آل الشيخ في المقاصد العامة لآيات سورة الفاتحة فهذه السورة يمكن الكتابة فيها مجلدا كاملا للكلام عما فيها من مقاصد وهذه الآية خاصة يمكن أن نكتب في مقاصدها الشرعية والدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره في تطبيق فسوف أختصر الأمر قدر المستطاع مع الحفاظ على ما يجمع القول في مقاصد هذه الآية.

ويقول بن القيم في كتابه (مدارج السالكين) أن سر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب ينتهي إلى هاتين الكلمتين، وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين، فنصفها له تعالى (إياك نعبد) ونصفها لعبده (إياك نستعين).

والعبادة: تجمع أصلين غاية الحب بغاية الذل والخضوع. فالحب بغير خضوع ليس عبادة والخضوع بغير حب ليس عبادة.

والاستعانة: تجمع أصلين الثقة بالله والاعتماد عليه. فالثقة بدون اعتماد ليست استعانة والاعتماد بدون ثقة ليس استعانة.

والتوكل يتكون من الثقة والاعتماد فهو يلتئم من هذين الأصلين.
والتوكل (إياك نستعين) والعبادة (إياك نعبد)

وهذين الأصلين (التوكل والعبادة) قد ذكرا في القرآن في عدة مواضع:
1. قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)
2. قوله تعالى: (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)
3. قوله تعالى: (إليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه)
4. قوله تعالى: (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير)
5. قوله تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا)
6. قوله تعالى: (قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب)

وتقدمت العبادة على الاستعانة في (إياك نعبد وإياك نستعين) لتقديم الغايات على الوسائل، فالعبادة الغاية التي خلق الله العباد من أجلها والاستعانة هي الوسيلة إلى هذه الغاية.

وتقدم المعبود والمستعان على العبادة والاستعانة للأدب مع الله بتقديم اسمه تعالى على فعل الخلق وفيه شدة الاهتمام والعناية والحصر فالمعنى: (لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك).

وفي إعادة (إياك) دلالة على تعلق الفعلين بواحد فقط وهو الله ففي إعادة الضمير من قوة الاقتضاء ما ليس في حذفه.

ويقول شيخ الإسلام بن تيمية: تأملت أنفع الدعاء: فإذا هو سؤال العون على مرضاة الله ثم رأيته في الفاتحة في (إياك نعبد وإياك نستعين).

فالناس بين العبادة والاستعانة أربعة أقسام:
1. أهل العبادة والاستعانة وهم أفضلهم
2. من لا عبادة له ولا استعانة وهم الكفار
3. من له عبادة وليس له استعانة وهم كالقدرية
4. من لا عبادة له وله استعانة كالملوك الظلمة والأغنياء الكفرة

ولتحقيق العبادة وجب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإخلاص لله تعالى.

المراجع:
مقاصد السور وأثر ذلك في فهم التفسير للشيخ صالح آل الشيخ
مدارج السالكين لابن قيم الجوزية
تفسير بن كثير
تفسير بن عاشور
تفسير السعدي


رد مع اقتباس
  #23  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 08:54 PM
هدى محمد صبري عبد العزيز هدى محمد صبري عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق على الأسلوب المقاصدى

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله



تفسير سورة الكوثر :
(إنا أعطيناك الكوثر – فصل لربك وانحر – إن شانئك هو الأبتر )


(إنا أعطيناك الكوثر)
" الكوثر " : فوعل من الكثرة والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر كوثرا .
واختلف العلماء فى المراد بالكوثرالذى أعطيه النبى إلى عدة أقوال منها :
- أنه نهر في الجنة
روى الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الكوثر : نهر في الجنة , حافتاه من ذهب , ومجراه على الدر والياقوت , تربته أطيب من المسك , وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ) . حديث حسن صحيح .
- حوض النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف
وفي صحيح مسلم عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة , ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت علي آنفا سورة - فقرأ - بسم الله الرحمن الرحيم : " إنا أعطيناك الكوثر .
قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل , عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم , فيختلج العبد منهم فأقول إنه من أمتي , فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك .
- أن الكوثر النبوة والكتاب
- القرآن
- الإسلام
- تيسير القرآن وتخفيف الشرائع
- هو كثرة الأصحاب والأمة والأشياع.
- أنه الإيثار.
- أنه رفعة الذكر .
- أنه نور في قلبك دلك علي , وقطعك عما سواي .
- هو الشفاعة.
- معجزات الرب هدي بها أهل الإجابة لدعوتك
- هو لا إله إلا الله محمد رسول الله .
- الفقه في الدين .
- الصلوات الخمس
وأصح هذه الأقوال الأول والثاني لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نص في الكوثر ويمكن الجمع بين كل هذه اللقوال بانه الخير الكثير والفضل الغزير الذي من جملته ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من النهر الذي يقال لهالكوثر ومن الحوض .
** ويسمى ذلك النهر أو الحوض كوثرا , لكثرة الواردة والشاربة من أمة محمد عليه السلام هناك ولما فيه من الخير الكثير والماء الكثير .
** وافتتح - سبحانه - الكلام بحرف التأكيد ، للاهتمام بالخبر ، وللإِشعار بأن المعطى شئ عظيم
ومقصد الآية :
1- بيان إمتنان الله عزوجل على الرسول وعلى أمته ببيان الخير الكثير والفضل الكبير الذى أعطاه الله لنبيه فى الدنيا من القرءان والرسالة وفى الآخرة با لشفاعة والحوض ونهر الكوثر فعلينا أن نحمد الله عزوجل على منته وعلى نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
2- الأمر بإتباع سنة النبى صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم - قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )
فنحن مأمورون باتباع سنة النبى صلى الله عليه وسلم والإلتزام بما جاء به من شرع والحذر من البدع والضلالات واتباع الهوى والشهوات ومن غير فى سنته وابتدع ترده الملائكة من على الحوض ولا ينال الشرف بأن يشرب من يد النبى صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا يظمأ بعدها أبدا
عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما إما قال لهم وإما قالوا له لم ضحكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إنه أنزلت علي آنفا سورة"فقرأ"بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر"حتى ختمها فقال"هل تدرون ما الكوثر؟"قالوا الله ورسوله أعلم قال"هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" رواه الإمام أحمد
اللهم اجعلنا ممن يَردون الحوض فلا يُرَدَّون .
(فصل لربك وانحر )
اختلف العلماء فى المراد بالآية على عدة أقوال :
- يقصد بالصلاة الصلاة المكتوبة وأمر الله عزوجل النبى بالمداومة عليها و النحر :الذبح
- صلاة العيد ويوم النحر
- صلاة الصبح فى المزدلفة ثم نحر البدن
- وضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة.
- يرفع يديه أول ما يكبر للإحرام إلى النحر.
- ارفع يدك بالدعاء إلى نحرك.
- استقبل بنحرك القبلة .
و خص الله عزوجل هاتين العبادتين بالذكر لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات .
ولأن الصلاة تتضمن خضوع القلب والجوارح لله وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد وإخراج للمال على حبه وشح النفس .
مقصد الآية :
1- الأمر بشكر الله عزوجل على نعمه (فصل تفيد ترتيب ما قبلها على ما بعدها) والشكريكون بالقلب واللسان والجوارح وبأن نهتدى بهديه ونلتزم بشرعه وأوامره و نؤدى ما علينا من حقوق وواجبات .
2- الأمر بإلإخلاص وإفراد العبادة لله عزوجل وحده لا شريك له دون غيره (لربك تفيد الإختصاص ) وأن صرفها إلى غيره شرك .
قال تعالى"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
(إن شانئك هو الأبتر )
: مبغضك وذامك ومنتقصكشانئك
الأبتر : المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر
وقد توهم الكفار بعد موت ابناء النبى الذكور أنه انقطع ذكره حاش وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد وأوجب شرعه على رقاب العباد مستمرا على دوام الآباد إلى يوم المحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد.
وذكر العلماء فى سبب نزول الآية أقوالا منها :
نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من باب المسجد، وهو يدخل، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المساجد، فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تتحدث معه؟ قال: ذلك الأبتر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها. وذكر محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فإنه رجل أبتر، لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السورة.
وقال عكرمة عن ابن عباس: نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش، وذلك أنه لما قدم كعب مكة قالت له قريش: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل المدينة، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه؟ فقال: بل أنتم خير منه، فنزلت: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" الآية، ونزل في الذين قالوا إنه أبتر: "إن شانئك هو الأبتر" أي المنقطع من كل خير.
مقصد الآية :
1- بشارة للنبى صلى الله عليه بعدم إنقطاع ذكره فقد قرن الله عزوجل اسمه معه فى الشهاد ة وفى الآذان (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) خمس مرات يوميا إلى يوم تقوم الساعة وذلك تشريفا منه للنبى وتكريما له .
2- أخبرتعالى أن مُبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقلّ الأذلّ, المنقطع عقبه, فذلك صفة كل من أبغضه من الناس, وإن كانت الآية نـزلت في شخص بعينه.

والمقصد العام للسورة :
هو امتنان الله عزوجل علي النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بالخير الكثير والفضل الكبير فى الدنيا الآخرة والأمر بشكر الله عزوجل على هذه النعم بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله تعالى وصرف العبادة له وحده دون غيره واتباع سنة النبى صلى الله عليه وسلم وحبه وعدم الإبتداع فى الدين بعده .

نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا الإخلاص وأن يجعلنا من أهل شفاعته يوم القيامة وأن يجعلنا ممن يردون الحوض فلا يردون وأن يرزقنا من يد النبى صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
________________________________________________________

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 08:57 PM
هدى محمد صبري عبد العزيز هدى محمد صبري عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 164
افتراضي

المراجع :
تفسير الطبرى
تفسير ابن كثير
تفسير القرطبى
تفسير البغوى
تفسير السعدى
تفسير الوسيط لطنطاوى

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 20 ذو الحجة 1438هـ/11-09-2017م, 12:46 PM
زينب الجريدي زينب الجريدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 188
افتراضي

الأسلوب المقاصدي

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه أجعين، أما بعد فبين يدينا اليوم آية كريمة من سورة الحديد فيها من المعاني و الفوائد الكثيرة، و سورة الحديد سورة مدنية جاءت تحث المؤمنين على التحلي بالقوة الإيمانية و القوة المادية التي تعينهم على بناء دولة الإسلام و على تخلي النفوس من عوائقها من حب الدنيا و الركون إليها، لذلك جاءت تحث على الجهاد و الإنفاق و الزهد في الدنيا.
و جاءت هذه الآية { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ. لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } تقوي المقصد الرئيسي للسورة ألا وهو تثبيت القوة الإيمانية و المادية للمومن، فاعتنت بركن من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقضاء و القدر و ما يحصل معه من فوائد في تزكية المسلم و تثبيت إيمانه.

{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ}
و في تفسير هذه الآية قال بعض المفسرين
ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الأرض بجدوبها وقحوطها، وذهاب زرعها وفسادها وزلازلها و بركينها { وَلا فِي أنْفُسِكُمْ } بالأوصاب والأوجاع والأسقام و فقد الولد { إلاَّ فِي كِتابٍ } يعني إلا في أمّ الكتاب أي إلا مكتوبا عند الله تعالى { مِنْ قَبْل أنْ نَبْرأها } : من قبل أن نخلق الأرض و من عليها.
و قال الألوسي كل ما يصيب الإنسان من خير و شر و لم يوقف المصيبة على معنى الشر.

و المعنى أن ما يصيب النفس من شر أو خير هو مكتوب عند الله منذ الأزل، قال تعالى:"و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو و يعلم ما في البر و البحر و ما تسقط من ورقة إلا يعلمها و لا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين"، و هذا يضفي على النفس الطمأنينة و الراحة ، و الحكمة و الرصانة في التعامل مع الحوادث و المصائب الدنيوية.
و قد أورد الألوسي حديثين في بيان هذه الآية:
أخرج الديلمي عن سليم بن جابر الجهيمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيفتح على أمتي باب من القدر في آخر الزمان لا يسدّه شيء يكفيكم منه أن تلقوه بهذه الآية { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } "
وأخرج الإمام أحمد في قصة قارون:
عن أبـي حسان " أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالا: إن أبا هريرة يحدث أن نبـي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار فقالت: والذي أنزل القرآن على أبـي القاسم صلى الله عليه وسلم ما هكذا كان يقول، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار " ، ثم قرأت { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } الآية.

*لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }
أورد الطبري في تفسير هذه الآية بعض أقوال السلف:
عن ابن عباس { لِكَيْلا تَأْسَوْا على ما فاتَكُمْ } من الدنيا { وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ } منها.
عن عكرِمة، عن ابن عباس { لِكَيْلا تَأْسَوْا على ما فاتَكُمْ } قال: ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبراً، ومن أصابه خير فجعله شكراً.

و المعنى أي أننا أعلمناكم بذلك لئلا تحزنوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ من نعم الدنيا وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا أعطاكم الله تعالى منها فإن من علم أن كل شيء يأتي و يذهب بقدر فلن يحزن الحزن المذموم -الذي فيه تسخط على قدر الله و عدم صبر ورضا على ما قضاه الله- ولا يفرح الفرح المذموم الذي فيه كبر و بطر و خيلاء و عدم شكر مثل فرح قارون الذي ذمه الله فقال:"{ إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين }.
فأما الحزن الذى لا يكاد الإِنسان يخلو منه مع الاستسلام، والسرور بنعمة الله، والاعتداد بها مع الشكر، فلا بأس بهما.ذكره الزمخشري

ملاحظة مهمة و لفتة لابن عاشور:
"وفيه تنبيه على أن مقام المؤمن من الأدب بعد حلول المصيبة وعند انهيال الرغيبة، هو أن لا يحزن على ما فات ولا يبطر بما ناله من خيرات، وليس معنى ذلك أن يترك السعي لنوال الخير واتقاء الشر قائلاً: إن الله كتب الأمور كلها في الأزل، لأن هذا إقدام على إفساد ما فَطر عليه الناس وأقام عليه نظام العالم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذين قالوا أفلا نَتَّكِل " اعمَلوا فكل ميسَّر لما خُلق له ".
"إن لا يحب كل مختال فخور"
و هذا الخلق ناتج عن ما قبله من الفرح المذموم، فإن من جاوز الحد في فرحه فسيصبح من خلقه الفخر و الكبر و الاختيال الذي هو مذموم عند الله تعالى.
و قال بن عاشور:"ومن لم يتخلق بخلُق الإسلام يتخبط في الجزع إذا أصابه مصاب ويُستطار خُيلاء وتطاولاً إذا ناله أمر محبوب فيخرج عن الحكمة في الحالين".


و نتبين من خلال تفسير هذه السورة الكريمة مقصدا رئيسيا و هو تقرير عقيدة القضاء والقدرعند المؤمن و بيان الحكمة في معرفة القضاء و القدر و الإيمان به؛ من رضا و صبر و عدم حزن و جزع على المصائب و شكر على النعم، و يقين في القلب بالتوكل على الله في كل شيء و أخذ الأسباب المادية مع عدم تعلق القلب بها لأن كل شيء مكتوب عند الله،و هذه المقاصد ينجر عنها فوائد عظيمة منها:
*حسن الخلق لأن من استوى عنده وجود الدنيا من عدمها لن يحسد و لن يبخل و لن يغضب و لن يتكبر إلى غير ذلك من الأخلاق الذميمة التي أصلها حب الدنيا.
*الزهد في الدنيا و عد الركون لها لعلمه بأنها فانية زائله لا محالة.
*تعظيم الله تعالى و الدار الآخرة لعلمه بأنها دار البقاء و كل ما فيها من النعم خالدة بإذنه تعالى.

المراجع
جامع البيان في تفسير القرآن للطبري
الكشاف للزمخشري
مجمع البيان في تفسير القرآن للطوسي
روح المعاني للألوسي
التحرير و التنوير لابن عاشور
أيسر التفاسير للجزائري
المختصر في التفسير لمركز تفسير للدؤاسات القرآنية

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir