دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثالث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 جمادى الأولى 1443هـ/12-12-2021م, 12:07 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

تطبيقات على درس الأسلوب البياني
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 جمادى الأولى 1443هـ/17-12-2021م, 10:46 PM
محمد حجار محمد حجار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 350
افتراضي

مجلس مذاكرة دروس أساليب التفسير
تطبيق على أسلوب التفسير البياني
رسالة تفسيرية بعنوان لطائف من قوله تعالى( أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ (2) ) [التكاثر: 1-2]
الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله ، و على أله و صحبه و من والاه ، و من استن بسنته و سار على نهجه و اقتفى أثره و اهتدى بهداه
أمَّا بعد .........
فهذه رسالة موجزة أتتبع فيها بعض ما ذكره أهل العلم و التفسير من لطائف بيانية في قوله تعالى ( أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ (2) ) [التكاثر: 1-2] أجمعُ منها ما يسمح به المقام و أُصنفُها و أرتبُها ثمَّ أُقدمُها من غير تفصيل مُمِل و لا اختصار مُخِل عَلَّها تكون عوناً لقارئها على استشعار عظمة القرأن و بلاغته و إعجازه ، و ذلك لأنها دُرَرٌ كامنة خفية لا يستخرجُها إلا من ملك أدواتها ، ذاك أنَّه كلام الله الذي تحدى به خلقه إلى يوم القيامة على أن يأتوا بمثله فقال عزَّ من قائل ( قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ‌ظَهِيرٗا ) [الإسراء: 88] ، و أسأله جلَّ شأنه أن يكون هذا الشعور المحصَّل دافعاً و محركاً لأن يمتثل قارئها لما احتوته هاتين الأيتين من معاني كثيرة و عظيمة فيلتزمها و يطبقها على أكمل وجه ، و بذلك يكون قلبه و بدنه قد انفعل و انتفع بهاتين الأيتين ، فإذا ما حصل هذا الإنفعال و الانتفاع طلب القلب و العقل مزيداً منه فأقبل على القرأن قراءة و فهماً و تدبراً ليستكشف مزيداً من معانيه ليمتثلها فينتفع و ينفع . و اللطائف البيانية التي اشتملت عليها هاتين الأيتين كثيرة منها
1- قوله تعالى ( ألهاكم ) : الإلهاء : هو اشغال المرء بما يدعو إليه الهوى و ما يترتب عليه من نسيان و تفويت أمرٍ أهم مما هو مُنشغل به ، لأنَّ الانشغال بأمر يقتضي الإعراض عن غيره . و هذا حاصل ما ذكره المفسرون في معنى ( ألهاكم ) من حيث اللفظ ، و قال ابن عطية هذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر ، فهو خبر على قراءة الجمهور ، و استفهام إنكاري على قراءتين ، الأولى : على قراءة ابن عامر بقراءة ابن عباس و غيره فقد قُرِأ ( آلهاكم ) ممدودا و قال ابن خالويه النحوي الشافعي أنَّ الألف الأولى للتوبيخ و الثانية للقطع ، و القراءة الثانية : على قراءة الكسائي بقراءة أبي بكر الصديق و غيره فقد قُرأ بهمزتين ( أألهاكم ) ، و أرى أنَّ فيما ذُكر من معنى القراءتين دليلٌ على الإعجاز من جهة تعدد القراءات و المقصود واحد
2- حذف الملهو عنه و هو طاعة الله لظهوره و فيه تعظيمٌ لشأنه والدلالة على أنه ليس غيره مما يؤسف على اللهو عنه
3- قوله تعالى ( التكاثر ) : التكاثر تفاعل عن الكثرة والتفاعل يقع على ثلاثة وجوه ، يحتمل لفظ ( التكاثر ) في الأية اثنين منها ، الأول : أن يكون بين الاثنين فيكون مفاعله فيقول كل واحد لصاحبه ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) ، و الثاني : تكلف الفعل ، و هذا حاصل ما ذكره الرازي ، و المُحب لأمرٍ يتكاثره ، فمن أحبَّ المال تكاثره و كذلك الجاه و كل ماتهواه النفس ، و بهذا يكون اللفظ واقع على معنى التكاثر على المستوى الفردي و ما فيه من اتباع للهوى و إشباع للرغبات و يكون واقع على معنى التفاخر على المستوى الجماعي ، إذ الكثرة مما يُفتخر به مبعثُ التفاخر ، و في هذا دلالةٌ على الإيجاز ، إذ البلاغة في الإيجاز ، و الإيجاز هو اشتمال الألفاظ القليلة على المعاني الكثيرة
4- الألف و اللام في قوله تعالى ( التكاثر ) للعهد و ليست للجنس و الاستغراق ، و دليل ذلك أنَّ بعض التكاثر محمود كاستكثار الطاعات و فعل الخيرات ، و التكاثر في هذه الأية وَرَدَ مورِد الذَّم ، فدلَّ ذلك على العهد و أنَّ المراد هو التكاثر في الدنيا ولذاتها وعلائقها و في شهوات النفس و متطلباتها ، و مردُّ الذَّم في هذا النوع من التكاثر إلى انشغال العبد به عن ما هو أشرف منه و أهم منه ألا و هو الاشتغال بالطاعة و فعل الخير و الاستكثار منه
5- حذف متعلق التكاثر يدلُّ على إطلاق التكاثر المذموم ، و أنَّه يتناول كل ما ألهى عن طاعة الله ، فكل ما ألهى عن طاعة الله فهو تكاثر مذموم ، و كل تكاثرٍ مذموم يُلهي عن طاعة الله
6- قوله تعالى ( زرنم ) فيه دلالة على البعث و النشور ،لأن الزائر منصرف لا مقيم ، و ذُكر أن بعضَ الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية ( حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) فقال : بُعثَ الفوم ورَب الكعبة .
7- التعبير بالفعل الماضي في ( زرتم ) لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لأنه محقق وقوعه
8- وقوله تعالى ( حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ )غاية ، فيحتمل أن يكون غاية لفعل ( ألهاكم ) أي دَام إلهاء التكاثر إلى أن زرتم المقابر ، ويحتمل أن تكون الغاية للمتكاثر بهِ الدالِّ عليه التكاثُر ، أي بكل شيء حتى بالقبور تعدونها . و هذا حاصل ما ذكره ابن عاشور في هذه اللطيفة
9- وقوله تعالى ( حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ ) قال ابن جرير : فيه دليل على صحة القول بعذاب القبر ؛ لأن الله تعالى ذكره ، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر ، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور ، وعيدا منه لهم وتهدّدا .
10- الخطاب في الأيتين للمشركين بقرينة غلظة الوعيد بقوله ( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ) وقوله ( لترون الجحيم ) و دلالته بالنسبة للمؤمنين الحذر من الوقوع فيه ، و ذلك أنَّ التكاثر طبيعة بشرية تشمل المؤمن و الكافر بدليل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلَّم فيما أخرجه مسلم و غيره ( لو كان لابن آدم ‌واد ‌من ‌ذهب أحب أن له واديا آخر. ولن يملأ فاه إلا التراب. والله يتوب على من تاب ) و لفظ ابن أدم في الحديث يشمل المؤمن و الكافر ، و لكن المؤمن يتكاثر من متاع الدنيا و من فعل الخير وفق ضوابط الشرع ، و أما الكافر فيتكاثر من متاع الدنيا بلا مانع و لا رادع
11- ذكر المفسرون في معنى الأيتين وجوهاً سأذكر منها ما قوي دليله و أُعرض عن الباقي ، و أما ما قوي دليله فوجهان ، أحدهما : أنكم إلتهيتم بالتكاثر في العدد و القوة و الجاه إلى أن وصل بكم الأمر أن أدخلتم الموتى في تكاثركم و تفاخركم ، و يشهد لهذا المعنى ما رُويَ قي سبب نزولها و حاصله أنها نزلت في حيين أو قبيلتين تفاخروا بعددهم و وجهائهم حتى أدخلوا الموتى في هذا التفاخر إن على سبيل العدد أو على سبيل الوجاهة و السيادة و الشرف ، و الوجه الثاني أنكم إلتهيتم بتكاثر الأموال و الأولاد و عرض الدنيا و انشغلتم عن أخرتكم حتى أدرككم الموت و صرتم إلى القبور و دفنتم بها
و بعد ......
فإنَّ فيما يسره الله من ذِكرِ بعض اللطائف البيانية التي اشتملت عليها هاتين الأيتين و تقليب وجوه المعاني فيهما لدلالة واضحة بيّنة على عظمة هذا القران و بديع نظمه و سمو بيانه المعجز الذي لا يستطيع الإنس و الجن و لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثل أقصر أية فيه ، فسبحان من أنزله و جعله للعالمين هدىً و نوراً و موعظةً ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، نسأله جلَّ في علاه أن يقسم لنا منه أوفر الحظ و النصيب تلاوة و فهماً و تدبراً و عملاً و حفظاً ، إنه وليُّ ذلك و القادر عليه و الحمد لله ربِّ العالمين و صلى الله و سلَّم على نبينا محمد و على أله و صحبه أجمعين

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 جمادى الأولى 1443هـ/17-12-2021م, 11:24 PM
شريفة المطيري شريفة المطيري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 190
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى ﴿عَمَّ يَتَسَاۤءَلُونَ ۝1 عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ ۝2 ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ ۝3﴾ [النبأ 1-3]

تضمنت هذه الآيات من الأوجه البيانية البديعة، والفوائد العجيبة ما يملأ القلب تعظيماً لكلام الله جلّ وعلا، ويقيناً بحسن بيانه، وأنّه ليس كمثل كلام الله تعالى كلام.
وهذه الرسالة فيها بيان لما في هذه الآيات من الأوجه البيانية ، وبديع اختيار بعض الألفاظ على بعض، وقوّة دلالتها على المعاني المرادة، ، بأبينِ الألفاظ وأجلّ المعاني، وأحسنها أثراً، وأشدّها تأثيراً على من عقل الخطاب وفهم المراد.
• افتتاح الكلام بالاستفهام افتتاح تشويق ثم تهويل ، فهو من الفواتح البديعة، والِاسْتِفْهامُ فيه تنويه بِفَخامَةِ شَأْنِ المَسْؤُولِ عَنْهُ وخُرُوجُهُ عَنْ حُدُودِ الأجْناسِ المَعْهُودَةِ، و فيه إجمال ثم تفصيل حتى يتمكن الخبر من السامع.
• ولَفْظُ (﴿عَمَّ﴾) مُرَكَّبٌ مِن كَلِمَتَيْنِ هُما: حَرْفُ (عَنْ) الجارُّ، و(ما) الَّتِي هي اسْمُ اسْتِفْهامٍ بِمَعْنى: أيُّ شَيْءٍ، ويَتَعَلَّقُ (عَمَّ) بِفِعْلِ (يَتَساءَلُونَ) فَهَذا مُرَكَّبٌ. وأصْلُ تَرْتِيبِهِ: يَتَساءَلُونَ عَنْ ما؛ فَقُدِّمَ اسْمُ الِاسْتِفْهامِ لِأنَّهُ لا يَقَعُ إلّا في صَدْرِ الكَلامِ المُسْتَفْهَمِ بِهِ، وهذا ما ذكره ابن عاشور في تفسيره
• (يتساءلون) التَّساؤُلُ: تَفاعُلٌ، وحَقِيقَةُ صِيغَةِ التَّفاعُلِ تُفِيدُ صُدُورَ مَعْنى المادَّةِ المُشْتَقَّةِ مِنها مِنَ الفاعِلِ إلى المَفْعُولِ، وصُدُورَ مِثْلِهِ مِنَ المَفْعُولِ إلى الفاعِلِ، وتَرِدُ كَثِيرًا لِإفادَةِ تَكَرُّرِ وُقُوعِ ما اشْتُقَّتْ مِنهُ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ: ساءَلَ، بِمَعْنى سَألَ، قالَ النّابِغَةُ:
أُسائِلُ عَنْ سُعْدى وقَدْ مَرَّ بَعْدَنا عَلى عَرَصاتِ الدّارِ سَبْعٌ كَوامِلُ
ويجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً:
1) في حَقِيقَتِها بِأنْ يَسْألَ بَعْضُهم بَعْضًا سُؤالَ مُتَطَلِّعٍ لِلْعِلْمِ؛ لِأنَّهم حِينَئِذٍ لَمْ يَزالُوا في شَكٍّ مِن صِحَّةِ ما أُنْبِئُوا بِهِ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ أمْرُهم عَلى الإنْكارِ.
2) في المَجازِ الصُّورِيِّ؛ يَتَظاهَرُونَ بِالسُّؤالِ وهم مُوقِنُونَ بِانْتِفاءِ وُقُوعِ ما يَتَساءَلُونَ عَنْهُ، فَيَكُونُونَ قَصَدُوا بِالسُّؤالِ الِاسْتِهْزاءَ.
ويجوز حَمْلُ الآيَةِ عَلى كِلْتَيْهِما؛ لِأنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا مُتَفاوِتِينَ في التَّكْذِيبِ، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: (لَمّا نَزَلَ القُرْآنُ كانَتْ قُرَيْشٌ يَتَحَدَّثُونَ فِيما بَيْنَهم؛ فَمِنهم مُصَدِّقٌ ومِنهم مُكَذِّبٌ).
• وضَمِيرُ (يَتَساءَلُونَ) يَجُوزُ أنَّ يَكُونَ ضَمِيرَ جَماعَةِ الغائِبِينَ المراد به المُشْرِكُونَ
• (النبأ):أخص من الخبر ، فهو خبر صادق عن أمرٍ ذي شأن يفيد علماً له أثرٌ على المنبَّأ به، وقالَ الرّاغِبُ: ”النَّبَأُ الخَبَرُ ذُو الفائِدَةِ العَظِيمَةِ، يَحْصُلُ بِهِ عِلْمٌ أوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ، ولا يُقالُ لِلْخَبَرِ نَبَأٌ حَتّى يَتَضَمَّنَ هَذِهِ الأشْياءَ الثَّلاثَةَ ويَكُونَ صادِقًا“ .
• (العظيم): والعَظِيمُ حَقِيقَتُهُ: كَبِيرُ الجِسْمِ ويُسْتَعارُ لِلْأمْرِ المُهِمِّ؛ ووَصْفُ النَّبَأِ بِالعَظِيمِ هُنا زِيادَةٌ في التَّنْوِيهِ بِهِ؛ لِأنَّ كَوْنَهُ وارِدًا مِن عالَمِ الغَيْبِ زادَهُ عِظَمَ أوْصافٍ وأهْوالٍ، فَوُصِفَ النَّبَأُ بِالعَظِيمِ بِاعْتِبارِ ما وُصِفَ فِيهِ مِن أحْوالِ البَعْثِ فِيما نَزَلَ مِن آياتِ القُرْآنِ قَبْلَ هَذا، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هو نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ [ص: 67] ﴿أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: 68] في سُورَةِ ”ص“ .
• التَّعْرِيفُ في (النَّبَأِ) : تَعْرِيفُ الجِنْسِ، فَيَشْمَلُ كُلَّ نَبَأٍ عَظِيمٍ أنْبَأهُمُ الرَّسُولُ ﷺ بِهِ، وأوَّلُ ذَلِكَ إنْباؤُهُ بِأنَّ (القُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ)، وما تَضَمَّنَهُ القُرْآنُ مِن (إبْطالِ الشِّرْكِ)، ومِن (إثْباتِ بَعْثِ النّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ)، فَما يُرْوى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِن تَعْيِينِ نَبَأٍ خاصٍّ يُحْمَلُ عَلى التَّمْثِيلِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: هو القُرْآنُ، وعَنْ مُجاهِدٍ، وقَتادَةَ: هو البَعْثُ يَوْمَ القِيامَةِ.
• ﴿هم فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾: فِيهِ وَجْهانِ :
1)اخْتِلافُهم فِيما يَصِفُونَهُ بِهِ:كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ:( أساطِيرُ الأوَّلِين) وقَوْلِ بَعْضِهِمْ: (كَلامُ مَجْنُونٍ)، وقَوْلِ بَعْضِهِمْ: ( كَذِبٌ)، وبَعْضِهِمْ: ( سِحْرٌ)
2)مُخْتَلِفُونَ في مَراتِبِ إنْكارِهِ: فَمِنهم مَن يَقْطَعُ بِإنْكارِ البَعْثِ، ، ومِنهم مَن يَشُكُّونَ فِيهِ،
وجِيءَ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ في صِلَةِ المَوْصُولِ دُونَ أنْ يَقُولَ: الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، لِتُفِيدَ الجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ أنَّ الِاخْتِلافَ في أمْرِ هَذا النَّبَأِ مُتَمَكِّنٌ مِنهم ودائِمٌ فِيهِمْ، لِدِلالَةِ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلى الدَّوامِ والثَّباتِ.
هذا ما تيسر ذكره عن بلاغة هذه الآيات ، فسبحان من أنزل كلامه فيه روح ونور للمهتدين ، وبلاغة وبيان للسائلين ، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه أجمعين

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14 جمادى الأولى 1443هـ/18-12-2021م, 09:46 AM
جوري المؤذن جوري المؤذن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 215
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله -تعالى- :" يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم (6) فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (8) "

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين .

بين الله -تعالى- حقيقة المعاد والرجوع إليه و ملاقاة الجزاء بصورة بليغة تصوّر المشهد لمن يتأمل و يتفكر في الآيات ، فيكون ذلك سبباً في الاستعداد لهذا اليوم العظيم .
قال -تعالى- : "يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم " :
حقيقة يصدر الناس الخروج من محل اجتماعهم ، يقال : صدر عن المكان إذا تركه وخرج منه ، ومنه الصدر عن الماء بعد الورد ، و أطلق هنا فعل يصدر على خروج الناس إلى الحشر جماعات متفرقة .
و في لفظ الصدر الذي هو مقابل لفظ الوِرْد - وهو الرجوع من شرب الماء - ، إشارة إلى أن الحياة الدنيا مثل مشهد السقاية فهي أقصر ما تكون ، فالدنيا هي المورد والصدر هنا هو قيام الناس للبعث ، و جاء لفظ "يصدر" دون غيره للدلالة على هذ المعنى ، وهذا يستلزم من الإنسان المسارعة في فعل الطاعات واجتناب المعاصي .

" أشتاتاً " ، أي متفرقين ، وفي هذا المعنى أقوال :
القول الأول : متفرقين بحسب طبقاتهم بيض الوجوه آمنين ، سود الوجوه فزعين .
القول الثاني : متفرقين إلى سعيد وأسعد ، وشقي وأشقى .
القول الثالث : مؤمن وكافر .
فوصف الناس بأنهم متفرقين عند بعثهم أدعى للحيرة والخوف والرهبة ، إذ مع الجماعة يكون الأنس و الإلف ، وهذا لا يتاح مع التفرق ولاسيما في يوم الفزع الأكبر .

" ليروا أعمالهم " ، بُني الفعل إلى النائب ؛ لأن المقصود رؤيتهم أعمالهم لا تعين من يريهم إياها .
فالناس سيرون منازل الجزاء على أعمالهم ، فالأعمال لا تُرى ولكن يظهر لأهلها جزاؤها ، فحين يأتي المحسن بحسناته وأعماله الطيبة سيراها متمثلة في نعيم الجنة وملذاتها ، بخلاف أهل الذنوب والمعاصي فإن أعمالهم ستتجسد أمامهم في صورة عذاب .

" فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ، و يجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُجزى بها " صحيح مسلم .
" مَن " ، الظاهر أنها عامة للمؤمن والكافر .
و الآيتين فيها تفصيل لمعنى " ليروا " ، فالذرة هي : النملة الصغيرة الرقيقة ، وقيل : الذر ما يُرى في شعاع الشمس من الهباء . فالمعنى واضح واحد في أقل القلة ، فلو كان العمل مثقال ذرة ، أي ثقله أخف الخفيف فإنه سيُرى يوم القيامة .
و في تقديم عمل الخير دلالة على شرفه و مكانته .
أما في إعادة القول وتكرير أداة الشرط " و من " دون الاكتفاء بحرف العطف " و" يقتضي التغاير بين العاملين ؛ لتكون كل جملة مستقلة الدلالة علي المراد ، ففي الأولى غرضها الترغيب ، والثانية غرضها الترهيب ، فكان من المهم التصريح والإطناب في هذا الموضع .


"نسأل الله -تعالى- أن يرجعنا إليه و هو راضٍ عنا إنه على كل شيء قدير "


-وصلّ اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين - .

(التحرير و التنوير ، 1984م) ( روح المعاني ، 1415 هـ)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 جمادى الأولى 1443هـ/18-12-2021م, 02:33 PM
أفراح قلندة أفراح قلندة غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 141
افتراضي

سورة الذاريات الآية 56:
قال تعالى: ((وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ ))


مناسبة الآية لما قبلها
قال الرازي(1): لها ثلاثة أوجه:
أحدهما: عندما قال تعالى ((وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)) ]الذاريات: ٥٥[، يعني أقصى غاية التذكير وهو أن الخلق ليس إلا للعبادة، فالمقصود من إيجاد الإنسان العبادة فذكرهم به وأعلمهم أن كل ما عداه تضييع للزمان.
والثاني: هو أنا ذكرنا مرارا أن شغل الأنبياء منحصر في أمرين عبادة الله وهداية الخلق، فلما قال تعالى: ((فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ)) [الذاريات: 54] بين أن الهداية قد تسقط عند اليأس وعدم المهتدي، وأما العبادة فهي لازمة والخلق المطلق لها وليس الخلق المطلق للهداية، فما أنت بملوم إذا أتيت بالعبادة التي هي أصل إذا تركت الهداية بعد بذل الجهد فيها.
أما الثالث: هو أنه لما بين حال من قبله من التكذيب، ذكر هذه الآية ليبين سوء صنيعهم حيث تركوا عبادة الله فما كان خلقهم إلا للعبادة.
وقد أيد ابن عاشور الوجه الثالث فقال(2): الأظهر أن هذا معطوف على جملة كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول [الذاريات: 52] الآية التي هي ناشئة عن قوله: ففروا إلى الله إلى ولا تجعلوا مع الله إلها آخر [الذاريات: 50، 51] عطف الغرض على الغرض لوجود المناسبة. فبعد أن نظر حالهم بحال الأمم التي صممت على التكذيب من قبلهم أعقبه بذكر شنيع حالهم من الانحراف عما خلقوا لأجله وغرز فيهم. فقوله: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون خبر مستعمل في التعريض بالمشركين الذين انحرفوا عن الفطرة التي خلقوا عليها فخالفوا سنتها اتباعا لتضليل المضلين .

المفردات
-{ لِيَعْبُدُونِ} العبادة في اللغة: الذل والخضوع والانقياد.(3)

التفسير البياني:
- {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
المقصو بـ( إلا ليعبدون) فيها أقوال منها(4) :
1. إلا ليعبدون أي إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها رواية عن ابن عباس. واختاره ابن جرير.
2. إلا ليعرفون، وقال به مجاهد، وجريج وقال الثعلبي: وهذا قول حسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده.
3. أي إلا للعبادة قال به الربيع بن أنس . وقال السدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك.
4. المراد بذلك المؤمنون، حيث قال القشيري: والآية دخلها التخصيص على القطع، لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة، وقد قال الله تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة على المؤمنين منهم، وهو كقوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا) وإنما قال فريق منهم. ذكره الضحاك والكلبي والفراء والقتبي.
5. إلا لآمرهم وأنهاهم ويدل عليه قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ]التوبة: ٣١ [. روي هن مجاهد واختار هذا الزجاج وقال ابن كثير: أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم.
6. إلا ليخضعوا لي، ويتذللوا. قال به الواحدي، وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله تعالى، مذلل لمشيئته، خلقه على ما أراد، ورزقه كما قضى، لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق

والراجح في معنى الآية -والله أعلم- أن الله تعالى خلق الجن والانس للعبادة تكليفا واختيارا لا إجبار وإكراها. والعبادة تشمل التوحيد واتباع أوامر الله تعالى وجتناب نواهيه ، فمن وفقه الله وسدده قام بواجبات العبادة، ومن أضله الله تعالى ابتعد عن طريق الصواب وارتكب المعاصي واشرك بالله، فكل يعمل لما خلق له ، كما روى البخاري: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له"(5)

البلاغة
- قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، مستأنفة مقررة لما قبلها؛ لأن كون خلقهم لمجرد العبادة مما ينشط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتذكير، وينشطهم للإجابة، أي؛ وما خلقت المؤمنين من الجن والإنس {إلا ليعبدون} أي، إلا ليطيعونني، ويعرفونني.(6)

اللطائف والفوائد
1. قال الرازي(7): " فإن قيل الملائكة أيضا من أصناف المكلفين ولم يذكرهم الله مع أن المنفعة الكبرى في إيجاده لهم هي العبادة ، فما الحكمة فيه؟ نقول: الجواب عنه من وجوه:
الأول: قبح ما يفعله الكفرة من ترك ما خلقوا له مختص بالجن والإنس، ولأن الكفر في الجن أكثر قدمهم على الإنس.
الثاني: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الجن، فلما قال وذكرهم ما يذكر به وهو كون الخلق للعبادة خص أمته بالذكر أي ذكر الجن والإنس.
الثالث: أن عباد الأصنام كانوا يقولون بأن الله تعالى عظيم الشأن خلق الملائكة وجعلهم مقربين فهم يعبدون الله وخلقهم لعبادته ونحن لنزول درجتنا لا نصلح لعبادة الله فنعبد الملائكة وهم يعبدون الله، فقال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولم يذكر الملائكة لأن الأمر فيهم كان مسلما بين القوم فذكر المتنازع فيه.
الرابع: قيل الجن يتناول الملائكة لأن الجن أصله من الاستتار وهم مستترون عن الخلق، وعلى هذا فتقديم الجن لدخول الملائكة فيهم وكونهم أكثر عبادة وأخصلها".
2. غاية التذكير: توجيه الناس إلى عبادة الله وتوحيده والإخلاص له، فلم يخلق الله الخلق إلا للعبادة، فالمقصود من إيجاد الإنسان العبادة، فيكون التذكير بها ضروريا، والاعلام بأن كل ما عداها تضييع للزمان، وفائدة العبادة: التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله. ثم إن مهمة الأنبياء منحصرة في أمرين: عبادة الله، وهداية الخلق. وهناك غرض ثالث آخر من ذكر هذه الآية: وهو بيان سوء صنيع الكفار، حيث تركوا عبادة الله، مع أن خلقهم ما كان إلا للعبادة (8)


-------------------
المصارد والمراجع:
1. الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن مفاتيح الغيب، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت ، الطبعة: الثالثة - ١٤٢٠ هـ (28/192)
2. ابن عاشور ، محمد الطاهر بن محمد، التحرير والتنوير، الناشر : الدار التونسية للنشر – تونس سنة النشر: ١٩٨٤ هـ ،( 27\25)
3. مجمع اللغة العربية بالقاهرة (إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار)، المعجم الوسيط، الناشر: دار الدعوة، (2/579).
4. ينظر ( تفسير ابن كثير (7\396)، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي(17/55)
5. صحيح البخاري ، حديث رقم (4593).
6. الهرري، محمد الأمين بن عبد الله الأرمي ، تفسير حدائق الروح والريحان، إشراف ومراجعة: الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي، الناشر: دار طوق النجاة، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م (28/24).
7. (مفاتيح الغيب للرازي (28/192) ) بتصرف
8. الزحيلي، وهبة، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ، الناشر: دار الفكر (دمشق - سورية)، دار الفكر المعاصر (بيروت - لبنان)، الطبعة: الأولى، ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م (27/50).

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 جمادى الأولى 1443هـ/23-12-2021م, 12:00 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تقويم التطبيقات على درس الأسلوب البياني

1: محمد حجار.أ+
أحسنت جدا بارك الله فيك.
لديك أسلوبك رائع وعبارات علمية قوية ومؤثرة، زادك الله علما ونفع بك.

2: شريفة المطيري.أ
أحسنتِ في رسالتك وبيان الأوجه البيانية في الآيات، إلا أن المأخذ عليها أمرين:
1: عدم توثيق المعلومات المقتبسة.
2: غياب شخصية الكاتب للتعويل على النقل، فيحسن أن يظهر أسلوبك في صياغة المعلومات والربط بينها.

3: جوري المؤذن.أ+
أحسنتِ بارك الله فيكِ.

4: أفراح قلندة.
أحسنتِ بارك الله فيكِ، وأثني على حرصك على التوثيق.
لكن الأسلوب الواضح في رسالتك هو أسلوب التقرير العلمي، ولا يظهر الأسلوب البياني.
أوصيكِ بمراجعة الدرس وبالأخص أدوات الأسلوب البياني المذكورة في مقدمته.

كما أنّ في تطبيقات زملاءك مزيدا من الإفادة.


وفقكم الله لما يحب ويرضى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1443هـ/2-01-2022م, 09:03 AM
دانة عادل دانة عادل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 173
افتراضي

رسالة بيانيّة في قوله تعالى: ﴿قُل أَعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾

الحمدلله الذي أنزل القرآن وخالق الإنسان ومعلمّه البيان وهاديه لسبيل التقى والإحسان.
أما بعد:
فإن القرآن معجزة الله عزوجل في خلقه من أمة محمد فقد تحدّى به وأعجز مشركي قريش على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة واحدة أو بآية وفشلوا وخابوا فمن ذا يحاكي البيان الإلهي؟ هيهات أن يأتوا بكلمة منه!
وعلى أن قريش في الزمن الجاهلي بلغوا أعلى المراتب في الفصاحة والبيان وحسن الإيضاح وبلاغة الألفاظ وبراعة المعاني وما وصل إلينا من بديع القصائد الشعرية كالمعلقات وغيرها إلا أنهم ورغم ذلك استعصى عليهم أن يأتوا بمثل آيات القرآن.. فإن كان البلغاء وفصحاء الناس لم يستطيعوا ذلك فما يدل هذا إلا على أنه من عند ربٍ حكيم عليم ليس بكلام البشر، كما قال الوليد بن المغيرة عند سماعه: "والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر."
فهذا أحد أبناء قريش يصدح ببلاغته وبراعته وأنه ليس من كلام البشر ولا الجن، فالحمدلله الذي أنزل القرآن وعلّم البيان، وهذا في أهمية الجانب البياني في القرآن، وهنا أذكر رسالة بيانية من قوله تعالى: ﴿قُل أَعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾.

سبب النزول:
قال ابن عباس، وعائشة -رضي الله عنهما-: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله ﷺ فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي ﷺ وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم، رجل من يهود، فنزلت السورتان فيه.


توجه الخطاب في الآية:
يتوجه الخطاب للنبي محمد ﷺ فالله تعالى يخاطب نبيّه ﷺ: قل يا محمد أستجير وألجأ برب الفلق.
وكما أن الخطاب متوجه للنبي ﷺ إلا أن أمته تدخل تبعًا له في الخطاب؛ لعدم وجود دليل التخصيص بالنبي ﷺ، ولأن النبي ﷺ أمر بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة.

معنى العوذ:
العوذ هو: أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الالتجاء إلى الشيء، ذكره ابن فارس.
والعوذ يكون فيه التجاء الخائف إلى شيء يقيه مما أخافه، كما يقال: عاذ فلان بفلان، فهو لجوء الخائف لمن يحميه ويقيه.
ولا أعظم من الاستعاذة بالله عزوجل، فالإنسان يخاف من أي شيء ثم يلجأ لربه ليقيه ويحميه مما يخافه ويدفع عنه الشر.

تعليق الاستعاذة بالرب جل وعلا وإضافته للفلق:
فيه فوائد وفرائد بلاغية، منها:
- خروج النور بعد الظلمة فيه إشارة إلى السعة بعد الضيق، وأن الله عزوجل سينجي العائذ به ويحميه مما أخافه.
- فيه مزيد تذكير للعائذ بلزوم قرع باب الالتجاء لله عزوجل.
- فيه تقوية لرجاء العائذ بذكر بعض نظائره.
- القادر على إزالة الظلام وإخراج الصبح قادر على إزالة ما يخافه العائذ.
ذكرها أبو السعود في تفسيره.

معنى الفلق:
معنى الفلق لغةً هو: الشق، فيقال: فلقه يفلقه فلقاً، ومنه قوله تعالى (فالق الحب والنوى) أي: خالقه أو شاقه بإخراج الورق الأخضر منه.
وكذلك قوله تعالى (فالق الإصباح) أي: شاق الصبح ومخرجه.
الفَلَق والفرَق:
يأتيان بمعنى واحد وهو الصبح، لأنه يُفلق عنه الليل ويُفرَق
والفَلَق: يراد به أيضًا الصبح، وفيه تشبيه بكون الليل شبه الشيء المغلق فينفلق عنه الصبح ويخرج، وفيه أيضًا استعارة لظهور الصبح بعد ظلمة الليل، ذكره ابن عاشور.
وورد عن بعض المفسرين بأن المراد بالفلق: هو جب في جهنم أعاذنا الله منها.
وورد عن بعضهم: كل ما فلقه الله عن غيره، كالليل عن الصبح، والحب والنوى عن النبت، والأرض عن النبات، والجبال عن العون، والأرحام عن الأولاد، والسحاب عن المطر.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 جمادى الآخرة 1443هـ/5-01-2022م, 11:24 AM
عزيزة أحمد عزيزة أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 174
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا" وفقا للأسلوب البياني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
نحاول في هذه الرسالة الوقوف على بعض الجوانب اليلاغية في الآية الكريمة، فقد بدأت السورة بهذا الاستفهام التقريري فهل هنا للتقرير وهي بمعنى قد في الخبر
والاستفهام هنا موجه إلى غير معين وعادة الاستفهام أن يكون لطلب الفهم، فاستعمل هنا للتقرير وفيه اقتضاء حصول العلم بذلك التقرير وفيه إشارة إلى استحقاقه تعالى أن يعترف له الإنسان بالربوبية وفيه أن الإنسان الذي كان عدما محضا كيف له أن يعاند ربه ويحيد عن ربوبيته وعبوديته
والمعنى: هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا ومادام معدوما فلا يُذكر وتقدير الجواب: نعم قد أتى ومر على كل إنسان موجود حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا
وفي الآية براعة استهلال بالسؤال التشويقي هل
وهذه الآية تمهيد لما بعدها من خلق الإنسان بعد تقرير أنه كان عدما محضا لا يُذكر
وفي الآية تقديم وتأخير فقدم "على الإنسان " على الفاعل حين وذلك للاهتمام بالمتقدم فهو محور السورة والكلام يدور عنه
كما ورد في الآية الفعل أتى ولم يقل جاء لأن غالب استعمال القرآن للفعل أتى لما هو أيسر من جاء، فالمجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى، قال تعالى " إذا جاء نصر الله والفتح" لأن هذا النصر العظيم لا يأتي بسهولة وإنما بحروب ومعارك وكذلك قوله تعالى " فإذا جاءت الصاخة " لأن أمرها شديد، بخلاف قوله تعالى "هل أتاك حديث الغاشية" فجاء أتى لأنه مجرد حديث ولذلك جاء هنا أتى، فالإنسان في ذلك الوقت نائم يمر عليه الوقت وهو لا يعلم، لم يكن شيئا مذكورا أي قبل وجوده لم يكن شيئا مذكورا
وكلمة الإنسان ذهب بعض المفسرين أن المراد به آدم عليه السلام كما قاله قتادة والثوري وعكرمة والسدي وقال الأكثرون أن المراد به جنس الإنسان كقوله تعالى "والعصر إن الإنسان لفي خسر" وعليه تكون ال في كلمة الإنسان لاستغراق جنس الإنسان
وكلمة حين تشمل القليل والكثير من الزمن، فليس لها مدة محددة، فتشمل كل مدة مرت على الإنسان قبل أن يبدأ تكوينه أو قبل أن يأتي إلى الدنيا كما تشمل قول من قال إنها الأربعون سنة التى مكثها آدم عليه السلام قبل أن ينفخ فيه الروح كما ورد في تفسير القرطبي
وذكر في الآية الدهر ولم يقل الزمن مثلا؛ لأن الزمن يتضمن معنى الوقت فقط خلافا للدهر الذي يعطي مع معنى الوقت معنى الغلبة والقهر، تقول العرب: أصابه الدهر
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: " وسمي الدهر دهرا لأنه يأتي على كل شيء ويغلبه"
وهنا أضاف معنى آخر وهو مدى عجز الإنسان وقهره في ذلك الزمان سواء كان المقصود بالإنسان آدم عليه السلام بعد تكوينه وقبل نفخ الروح فيه أو جنس الإنسان عموما قبل أن يأتي لهذه الدنيا
وقوله تعالى لم يكن شيئا مذكورا، قال القشيري: ما كان مذكورا للخلق وإن كان مذكورا لله
وقال الفراء وثعلب: كان جسدا مصورا ، ترابا وطينا ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به ثم نفخ قيه الروح فصار مذكورا
ولعل هذا ما يفسر قوله تعالى مذكورا ولم يقل: لم يكن شيئا موجودا لوجود آدم عليه السلام وذلك قبل نفخ الروح أو لوجود آدم والذرية في علم الله وفي اللوح المحفوظ ولكن لم يعلمه أحد ولم يذكره أحد
والمعنى كما ذكر القرطبي: قد مضت عليه أزمنة وما كان آدم شيئا ولا مخلوقا ولا مذكورا لأحد من الخليقة
وفي الآية معنى لطيف ينبغي للعبد استشعاره وهو دوام ذكره لربه تعالى، فالعبد في ذلك الحين ما كان يذكره أحد وكان يذكره ربه الذي لا تخفى عليه خافية
فاللهم ذكرنا بك فلا ننساك يا أرحم الراحمين

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 6 جمادى الآخرة 1443هـ/9-01-2022م, 08:32 AM
عبير الغامدي عبير الغامدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 423
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى:( حور مقصورات في الخيام) بالاسلوب البياني.

يبين تعالى في هذه الآية الكريمة صورة رائعة لماينبغي أن تكون عليه المسلمة من صفات ترفعها عند ربها؛ وتسعد بيتها؛ وتستقر وتأمن؛ فقد وصف الله نساء الجنة بأنهن قاصرات أعينهن عن غير أزواجهن؛ وقاصرات أنفسهن في البيوت فلا يخرجن ؛ وهذه صفات المرأة كاملة العقل فهواها تبعا لما جاء به دينها؛ محبة لبيتها ؛
حافظة نفسها وزوجها بالعفاف فلاتنظر إلى ماحرم الله ممن لايحل لها النظر إليه، قال تعالى:( وعندهم قاصرات الطرف عين) .
وفي تصوير الحور بأنهن مختبآت في الخيام ترغيب للنساء في هذا ومنع لهن من الخروج عن بيوتهن فلا تزاحم ولاتخالط الرجال؛ ولا تتشبه بما حرم عليها؛ وهي مع ذلك معتزلة للفتن قارة في دارها لاتخرج إلالحاجة ماسة؛
وأمّا قوله: {مقصوراتٌ}. فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: تأويله أنّهنّ قصرن على أزواجهنّ، فلا يبغين بهم بدلاً، ولا يرفعن أطرافهنّ إلى غيرهم من الرّجال.
[* ] ذكر من قال ذلك:
- عن مجاهدٍ، {مقصوراتٌ في الخيام}. قال: قصرن أنفسهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم.
-تدل كلمة مقصورات على القصر وعدم الاطالة تقول:( قصرت الطرف) أي غضضته ؛ فهي تدل على القناعة والاكتفاء؛وهي صفة النساء الصالحات القانعات برزق الله.
- لم عبر بلفظ الخيمة بدل البيت أو السكن؟
لأن في الجنة خيام مجوفة من لؤلؤ تسكنها الحور ؛
فدل على نسبة الخيام لهن.
والخيمة : السكن البسيط الصغير* غير المتكلف: وخيام الجنة من اللؤلؤ المجوف.
ويؤخذ من الآية أن صفة الحياء من أهم الصفات لصلاح المرأة ، قال تعالى :( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) فلم يصفها بشكل ولابلون بل وصف مشيتها انها مشية امرأة حيية؛ والحياء شعبة من الايمان فهو يقود المرأة لكل خير ويعينها على أمر دينها ؛ وإن من مظاهر عدم الحياء مانراه اليوم من نسائنا - هداهن الله- من عدم الاحتشام في اللباس والحجاب والخروج والكلام مع الرجال الأجانب وهذا كله نهانا الله تعالى عنه وهو سبب لزيغ المجتمع وانحرافه ؛ ولاحول ولاقوة الا بالله.
اسأل الله أن يثبتنا على الدين ويهدينا ويردنا إليه ردا جميلا.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 7 جمادى الآخرة 1443هـ/10-01-2022م, 12:47 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دانة عادل مشاهدة المشاركة
رسالة بيانيّة في قوله تعالى: ﴿قُل أَعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾

الحمدلله الذي أنزل القرآن وخالق الإنسان ومعلمّه البيان وهاديه لسبيل التقى والإحسان.
أما بعد:
فإن القرآن معجزة الله عزوجل في خلقه من أمة محمد فقد تحدّى به وأعجز مشركي قريش على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة واحدة أو بآية وفشلوا وخابوا فمن ذا يحاكي البيان الإلهي؟ هيهات أن يأتوا بكلمة منه!
وعلى أن قريش في الزمن الجاهلي بلغوا أعلى المراتب في الفصاحة والبيان وحسن الإيضاح وبلاغة الألفاظ وبراعة المعاني وما وصل إلينا من بديع القصائد الشعرية كالمعلقات وغيرها إلا أنهم ورغم ذلك استعصى عليهم أن يأتوا بمثل آيات القرآن.. فإن كان البلغاء وفصحاء الناس لم يستطيعوا ذلك فما يدل هذا إلا على أنه من عند ربٍ حكيم عليم ليس بكلام البشر، كما قال الوليد بن المغيرة عند سماعه: "والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر."
فهذا أحد أبناء قريش يصدح ببلاغته وبراعته وأنه ليس من كلام البشر ولا الجن، فالحمدلله الذي أنزل القرآن وعلّم البيان، وهذا في أهمية الجانب البياني في القرآن، وهنا أذكر رسالة بيانية من قوله تعالى: ﴿قُل أَعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾.

سبب النزول:
قال ابن عباس، وعائشة -رضي الله عنهما-: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله ﷺ فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي ﷺ وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم، رجل من يهود، فنزلت السورتان فيه.


توجه الخطاب في الآية:
يتوجه الخطاب للنبي محمد ﷺ فالله تعالى يخاطب نبيّه ﷺ: قل يا محمد أستجير وألجأ برب الفلق.
وكما أن الخطاب متوجه للنبي ﷺ إلا أن أمته تدخل تبعًا له في الخطاب؛ لعدم وجود دليل التخصيص بالنبي ﷺ، ولأن النبي ﷺ أمر بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة.

معنى العوذ:
العوذ هو: أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الالتجاء إلى الشيء، ذكره ابن فارس.
والعوذ يكون فيه التجاء الخائف إلى شيء يقيه مما أخافه، كما يقال: عاذ فلان بفلان، فهو لجوء الخائف لمن يحميه ويقيه.
ولا أعظم من الاستعاذة بالله عزوجل، فالإنسان يخاف من أي شيء ثم يلجأ لربه ليقيه ويحميه مما يخافه ويدفع عنه الشر.

تعليق الاستعاذة بالرب جل وعلا وإضافته للفلق:
فيه فوائد وفرائد بلاغية، منها:
- خروج النور بعد الظلمة فيه إشارة إلى السعة بعد الضيق، وأن الله عزوجل سينجي العائذ به ويحميه مما أخافه.
- فيه مزيد تذكير للعائذ بلزوم قرع باب الالتجاء لله عزوجل.
- فيه تقوية لرجاء العائذ بذكر بعض نظائره.
- القادر على إزالة الظلام وإخراج الصبح قادر على إزالة ما يخافه العائذ.
ذكرها أبو السعود في تفسيره.

معنى الفلق:
معنى الفلق لغةً هو: الشق، فيقال: فلقه يفلقه فلقاً، ومنه قوله تعالى (فالق الحب والنوى) أي: خالقه أو شاقه بإخراج الورق الأخضر منه.
وكذلك قوله تعالى (فالق الإصباح) أي: شاق الصبح ومخرجه.
الفَلَق والفرَق:
يأتيان بمعنى واحد وهو الصبح، لأنه يُفلق عنه الليل ويُفرَق
والفَلَق: يراد به أيضًا الصبح، وفيه تشبيه بكون الليل شبه الشيء المغلق فينفلق عنه الصبح ويخرج، وفيه أيضًا استعارة لظهور الصبح بعد ظلمة الليل، ذكره ابن عاشور.
وورد عن بعض المفسرين بأن المراد بالفلق: هو جب في جهنم أعاذنا الله منها.
وورد عن بعضهم: كل ما فلقه الله عن غيره، كالليل عن الصبح، والحب والنوى عن النبت، والأرض عن النبات، والجبال عن العون، والأرحام عن الأولاد، والسحاب عن المطر.
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
يظهر في تطبيقك أسلوبي التقرير العلمي وهو الأغلب والأسلوب البياني، اعتني بأدوات البيان المذكورة في الدرس لتساعدك على ظهور الأسلوب بشكل أوضح.
الدرجة: ب+

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 7 جمادى الآخرة 1443هـ/10-01-2022م, 01:07 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عزيزة أحمد مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية في قوله تعالى " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا" وفقا للأسلوب البياني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
نحاول في هذه الرسالة الوقوف على بعض الجوانب اليلاغية في الآية الكريمة، فقد بدأت السورة بهذا الاستفهام التقريري فهل هنا للتقرير وهي بمعنى قد في الخبر
والاستفهام هنا موجه إلى غير معين وعادة الاستفهام أن يكون لطلب الفهم، فاستعمل هنا للتقرير وفيه اقتضاء حصول العلم بذلك التقرير وفيه إشارة إلى استحقاقه تعالى أن يعترف له الإنسان بالربوبية وفيه أن الإنسان الذي كان عدما محضا كيف له أن يعاند ربه ويحيد عن ربوبيته وعبوديته
والمعنى: هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا ومادام معدوما فلا يُذكر وتقدير الجواب: نعم قد أتى ومر على كل إنسان موجود حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا
وفي الآية براعة استهلال بالسؤال التشويقي هل
وهذه الآية تمهيد لما بعدها من خلق الإنسان بعد تقرير أنه كان عدما محضا لا يُذكر
وفي الآية تقديم وتأخير فقدم "على الإنسان " على الفاعل حين وذلك للاهتمام بالمتقدم فهو محور السورة والكلام يدور عنه
كما ورد في الآية الفعل أتى ولم يقل جاء لأن غالب استعمال القرآن للفعل أتى لما هو أيسر من جاء، فالمجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى، قال تعالى " إذا جاء نصر الله والفتح" لأن هذا النصر العظيم لا يأتي بسهولة وإنما بحروب ومعارك وكذلك قوله تعالى " فإذا جاءت الصاخة " لأن أمرها شديد، بخلاف قوله تعالى "هل أتاك حديث الغاشية" فجاء أتى لأنه مجرد حديث ولذلك جاء هنا أتى، فالإنسان في ذلك الوقت نائم يمر عليه الوقت وهو لا يعلم، لم يكن شيئا مذكورا أي قبل وجوده لم يكن شيئا مذكورا
وكلمة الإنسان ذهب بعض المفسرين أن المراد به آدم عليه السلام كما قاله قتادة والثوري وعكرمة والسدي وقال الأكثرون أن المراد به جنس الإنسان كقوله تعالى "والعصر إن الإنسان لفي خسر" وعليه تكون ال في كلمة الإنسان لاستغراق جنس الإنسان
وكلمة حين تشمل القليل والكثير من الزمن، فليس لها مدة محددة، فتشمل كل مدة مرت على الإنسان قبل أن يبدأ تكوينه أو قبل أن يأتي إلى الدنيا كما تشمل قول من قال إنها الأربعون سنة التى مكثها آدم عليه السلام قبل أن ينفخ فيه الروح كما ورد في تفسير القرطبي
وذكر في الآية الدهر ولم يقل الزمن مثلا؛ لأن الزمن يتضمن معنى الوقت فقط خلافا للدهر الذي يعطي مع معنى الوقت معنى الغلبة والقهر، تقول العرب: أصابه الدهر
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: " وسمي الدهر دهرا لأنه يأتي على كل شيء ويغلبه"
وهنا أضاف معنى آخر وهو مدى عجز الإنسان وقهره في ذلك الزمان سواء كان المقصود بالإنسان آدم عليه السلام بعد تكوينه وقبل نفخ الروح فيه أو جنس الإنسان عموما قبل أن يأتي لهذه الدنيا
وقوله تعالى لم يكن شيئا مذكورا، قال القشيري: ما كان مذكورا للخلق وإن كان مذكورا لله
وقال الفراء وثعلب: كان جسدا مصورا ، ترابا وطينا ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به ثم نفخ قيه الروح فصار مذكورا
ولعل هذا ما يفسر قوله تعالى مذكورا ولم يقل: لم يكن شيئا موجودا لوجود آدم عليه السلام وذلك قبل نفخ الروح أو لوجود آدم والذرية في علم الله وفي اللوح المحفوظ ولكن لم يعلمه أحد ولم يذكره أحد
والمعنى كما ذكر القرطبي: قد مضت عليه أزمنة وما كان آدم شيئا ولا مخلوقا ولا مذكورا لأحد من الخليقة
وفي الآية معنى لطيف ينبغي للعبد استشعاره وهو دوام ذكره لربه تعالى، فالعبد في ذلك الحين ما كان يذكره أحد وكان يذكره ربه الذي لا تخفى عليه خافية
فاللهم ذكرنا بك فلا ننساك يا أرحم الراحمين
أحسنتِ في رسالتك سددكِ الله.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 7 جمادى الآخرة 1443هـ/10-01-2022م, 01:11 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبير الغامدي مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية في قوله تعالى:( حور مقصورات في الخيام) بالاسلوب البياني.

يبين تعالى في هذه الآية الكريمة صورة رائعة لماينبغي أن تكون عليه المسلمة من صفات ترفعها عند ربها؛ وتسعد بيتها؛ وتستقر وتأمن؛ فقد وصف الله نساء الجنة بأنهن قاصرات أعينهن عن غير أزواجهن؛ وقاصرات أنفسهن في البيوت فلا يخرجن ؛ وهذه صفات المرأة كاملة العقل فهواها تبعا لما جاء به دينها؛ محبة لبيتها ؛
حافظة نفسها وزوجها بالعفاف فلاتنظر إلى ماحرم الله ممن لايحل لها النظر إليه، قال تعالى:( وعندهم قاصرات الطرف عين) .
وفي تصوير الحور بأنهن مختبآت في الخيام ترغيب للنساء في هذا ومنع لهن من الخروج عن بيوتهن فلا تزاحم ولاتخالط الرجال؛ ولا تتشبه بما حرم عليها؛ وهي مع ذلك معتزلة للفتن قارة في دارها لاتخرج إلالحاجة ماسة؛
وأمّا قوله: {مقصوراتٌ}. فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: تأويله أنّهنّ قصرن على أزواجهنّ، فلا يبغين بهم بدلاً، ولا يرفعن أطرافهنّ إلى غيرهم من الرّجال.
[* ] ذكر من قال ذلك:
- عن مجاهدٍ، {مقصوراتٌ في الخيام}. قال: قصرن أنفسهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم.
-تدل كلمة مقصورات على القصر وعدم الاطالة تقول:( قصرت الطرف) أي غضضته ؛ فهي تدل على القناعة والاكتفاء؛وهي صفة النساء الصالحات القانعات برزق الله.
- لم عبر بلفظ الخيمة بدل البيت أو السكن؟
لأن في الجنة خيام مجوفة من لؤلؤ تسكنها الحور ؛
فدل على نسبة الخيام لهن.
والخيمة : السكن البسيط الصغير* غير المتكلف: وخيام الجنة من اللؤلؤ المجوف.
ويؤخذ من الآية أن صفة الحياء من أهم الصفات لصلاح المرأة ، قال تعالى :( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) فلم يصفها بشكل ولابلون بل وصف مشيتها انها مشية امرأة حيية؛ والحياء شعبة من الايمان فهو يقود المرأة لكل خير ويعينها على أمر دينها ؛ وإن من مظاهر عدم الحياء مانراه اليوم من نسائنا - هداهن الله- من عدم الاحتشام في اللباس والحجاب والخروج والكلام مع الرجال الأجانب وهذا كله نهانا الله تعالى عنه وهو سبب لزيغ المجتمع وانحرافه ؛ ولاحول ولاقوة الا بالله.
اسأل الله أن يثبتنا على الدين ويهدينا ويردنا إليه ردا جميلا.
أحسنتِ سددكِ الله.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12 جمادى الآخرة 1443هـ/15-01-2022م, 10:16 PM
هند محمد المصرية هند محمد المصرية غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 203
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى ):إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ(
بالأسلوب البياني.
هنا إقرار بالتوحيد، فلا نعبدك غيرك ولا نستعين إلا بك.
فبعد أن حمد العبد ربه وأتم ذلك، يتوجه له بالإخلاص في العبادة لأنه المستحق أن يعبد وحده، فلا نعبد سواك ولا نستعين بغيرك.
وهنا نلاحظ تغير أسلوب الخطاب ، وهذا يسمى أسلوب الإلتفات، فبعد أن كان الكلام بطريق الغائب، انتقل الخطاب إلى أسلوب المخاطب، ولعل ذلك يثير انتباه القارئ ويجذب انتباهه.
وأسلوب الألتفات من الأساليب البلاغية البديعة في علم نظم الكلام .
وتنوع الأساليب يوحي لك ببلاغة القرآن الذي هو وحي من الله ، تحدى به العرب أهل اللغة والفصاحة.
ولعلنا نلاحظ أسلوب الحصر في تقديم المعمول ( إياك) على الفعل ( نعبد) و (نستعين)
فغاية ذلك الحصر، كأنه يقول نعبدك ولا نعبد سواك، ونستعين بك، ولا نستعين بسواك.
ولأبي حيان قول في التقديم قال: وإنما يكون التقديم للإهتمام والعناية بالمعمول.
فلما ذكر الله أن الحمد لله المتصف بصفات الربوبية والكمال والملك، أقبل الحامد لله مقرا بحمد الله منه ومن غيره، لذلك جاء التعبير بالجمع وليس بالإفراد ( نعبد ) ( نستعين)
فكلنا نعبدك وحدك ونخضع لك ونستعين بك.
فالعبادة أصلها: التذلل والخضوع
والاستعانة : هي طلب العون
وقد قرنت هنا الاستعانة بالعبادة ، ليجمع بين ما يتقرّب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته.
وقد يسأل سائل لما قدمت العبادة على الاستعانة ؟
لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الإجابة إليها
ونلاحظ إطلاق الإستعانة هنا وذلك لإرادة العموم، فيكون المقصود كل ما يستعان فيه.
وهذه الأية العظيمة بلاغتها، تعلمنا أن أهل السعادة حقا هم من حققوا العبودية الحقة مستعين بالله، فيكون جزاءهم الهداية إلى الصراط المستقيم.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 17 جمادى الآخرة 1443هـ/20-01-2022م, 09:37 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هند محمد المصرية مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية في قوله تعالى ):إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ(
بالأسلوب البياني.
هنا إقرار بالتوحيد، فلا نعبدك غيرك ولا نستعين إلا بك.
فبعد أن حمد العبد ربه وأتم ذلك، يتوجه له بالإخلاص في العبادة لأنه المستحق أن يعبد وحده، فلا نعبد سواك ولا نستعين بغيرك.
وهنا نلاحظ تغير أسلوب الخطاب ، وهذا يسمى أسلوب الإلتفات، فبعد أن كان الكلام بطريق الغائب، انتقل الخطاب إلى أسلوب المخاطب، ولعل ذلك يثير انتباه القارئ ويجذب انتباهه.
وأسلوب الألتفات من الأساليب البلاغية البديعة في علم نظم الكلام .
وتنوع الأساليب يوحي لك ببلاغة القرآن الذي هو وحي من الله ، تحدى به العرب أهل اللغة والفصاحة.
ولعلنا نلاحظ أسلوب الحصر في تقديم المعمول ( إياك) على الفعل ( نعبد) و (نستعين)
فغاية ذلك الحصر، كأنه يقول نعبدك ولا نعبد سواك، ونستعين بك، ولا نستعين بسواك.
ولأبي حيان قول في التقديم قال: وإنما يكون التقديم للإهتمام والعناية بالمعمول.
فلما ذكر الله أن الحمد لله المتصف بصفات الربوبية والكمال والملك، أقبل الحامد لله مقرا بحمد الله منه ومن غيره، لذلك جاء التعبير بالجمع وليس بالإفراد ( نعبد ) ( نستعين)
فكلنا نعبدك وحدك ونخضع لك ونستعين بك.
فالعبادة أصلها: التذلل والخضوع
والاستعانة : هي طلب العون
وقد قرنت هنا الاستعانة بالعبادة ، ليجمع بين ما يتقرّب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته.
وقد يسأل سائل لما قدمت العبادة على الاستعانة ؟
لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الإجابة إليها
ونلاحظ إطلاق الإستعانة هنا وذلك لإرادة العموم، فيكون المقصود كل ما يستعان فيه.
وهذه الأية العظيمة بلاغتها، تعلمنا أن أهل السعادة حقا هم من حققوا العبودية الحقة مستعين بالله، فيكون جزاءهم الهداية إلى الصراط المستقيم.
أحسنتِ بارك الله فيكِ، لكن يُؤخذ على التطبيق خلوّه من الإشارة للمراجع.
الدرجة:ب+

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 9 رجب 1443هـ/10-02-2022م, 11:23 PM
دينا المناديلي دينا المناديلي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 231
افتراضي

رسالة تفسيرية في قول الله تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

بالأسلوب البياني.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، أما بعد..
فقد قال تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

يخبر الله تعالى عن انقسام الناس لفريقين لا ثالث لهما، قسم طغى وتكبر وظلم ولم يعبد ربه، هذا القسم الذي آثر الدنيا وشهواتها على الآخرة ونعيمها، يخبرنا الله عن مآله وهو الجحيم
لا سبيل لهؤلاء إلى الجنة، وهذا يجري على كل من هذا وصفه، ويخبرنا عن القسم الآخر وهو قسم الناجين الفائزين المفلحين، الذين انتهوا عن محارم الله وعن معصيته لخوفهم من الجليل،
نهوا أنفسهم عن اتباع الهوى وعن ما لا يرضي الله وهذا هو القسم الفائز الذي مأواه الجنة.
ونشرع في بيان بعض المعاني التي تضمنتها الآيات.

فقد قال تعالى: { فإذا جاءت الطامة الكبرى} ، ويليها من الآيات { فأما من طغى} وجواب إذا في قوله تعالى { فإذا جاءت الطامة الكبرى }
محذوف لأن التقسيم يدل عليه، ويكون التقدير إما ظهور الأعمال أو انقسام الناس إلى قسمين: قسم مأواه الجحيم وقسم مأواه الجنة، ذكره القاسمي والبقاعي والرازي.
وهذا الجواب المحذوف يفيد التهويل من عظم الأمر الذي لم يشاهده الإنسان بعينه، فهو من الشؤون العظيمة، وهو حاصل ما ذكره أبي السعود، والألوسي
وقوله تعالى:{ فأما من طغى}

{فأما} الفاء تربط جواب إذا، (أمّا) حرف تفصيل وشرط بمعنى: مهما يكن شيء، ذكره ابن عاشور.


والطغيان في اللغة: تجاور الحد، والمراد هنا تجاوز العبد حدّه، لكن ما هو حد العبد؟ حدّه الذي ذكره الله في القرآن: { ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ }
فمن طغى على أمر الله ولم يعبد ربه هذا هو الطاغي؛ فالطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة ربه، ذكره ابن عثيمين.

وهنا وصف آخر { وآثر الحياة الدنيا} والإيثارُ: تفضيل شيء على شيء في حال لا يتيسر فيها الجمع بين أحوال كل منهما.
والمراد بإيثار الحياة الدنيا: إيثار منافعها وحظوظها ولذاتها التي لا يكون فيها إيثار للآخرة ، ومرجع ذلك الإيثار إلى الهوى وقد أدى إليه الطغيان.
ومحل الذم هنا إيثار الحياة الدنيا على الآخرة لا الأخذ من منافع الدنيا مع السعي والنظر للآخرة، فهذا غير مذموم
وقد قال تعالى: { ﴿وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ }

فمن آثر الدنيا وقدمّها على الآخرة وجعلها همّه كانت الجحيم مأواه.
وإيثار الدنيا والطغيان وصفان لأهل النار وبين الوصفين تلازم، فمن طغى على أمر الله تحجج بإيثار الدنيا على الآخرة وقد كذّب بالآخرة، فنتيجة الطغيان إيثار الدنيا على الآخرة.
وكل طاغٍ كافر أسرف على نفسه بالظلم والمعاصي فمستقره جهنم.

وهنا مسألة هي المراد بمن طغى وآثر الحياة الدنيا، فقد قيل فيها أنّ المراد النضر وأبوه الحارث على سبيل التخصيص وقيل نزلت في أبي جهل وقيل نزلت في أخ مصعب بن عمير،
لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فوصفهم يدخل ضمن الآية، فالذي يتصف بهذه الصفات يجري عليه نفس الحكم، ذكره الرازي.
وفي قوله تعالى: { فأما من طغى} إشارة إلى فساد القوة النظرية، فمن عرف ربه وقدرته الكاملة عرف نفسه وضعفها فلا يطغى ولا يتكبر ولا يظلم .
وفي قوله تعالى: { وآثر الحياة الدنيا} إشارة إلى فساد حال القوة العملية، فمن هذا حاله يسعى لتحصيل الدنيا وملذاتها لا غير، ذكره الرازي.

{هي المأوى}: المأوى: المنزل والمرجع والمقرّ، وعلى القول بأن الألف واللام عوض عن المضاف إليه الضمير (أي عوض عن الهاء)،
فالمعنى: أي مأواه، وهذا عند الكوفيين، فعلى هذا القول يكون التقدير: فإنّ الجحيم مأواه، وهذا القول ذكره مكي والرازي والزجاج والقنوجي .

أما عند البصريين فإنّ قوله تعالى: {هي المأوى} بمعنى هي المأوى له ويكون التقدير: فإنّ الجحيم هي المأوى له،
ويكون حذف الصلة لأن المعنى واضح والتعريف في { المأوى} للعهد أي مأوى من طغى، وهو يغني عن ذكر ما يضاف إليه (مأوى)كقولك لرجل: غض الطرف أي: غض طرفك،
ويتضح من خلال الآية أن صاحب المأوى هذا هو الطاغي، ذكره مكي والبيضاوي والألوسي و والقنوجي.

وقد ذكر ابن عاشور أن الألف واللام عند نحاة الكوفة عوض عن المضاف إليه وهذه تسمية حسنة لوضوحها واختصارها،
مع أن البصريون يأبون ذلك ومع اختلافهم الضئيل إلا أن المعنى متفق عليه.

وتدل الآية على الحصر؛ فمن اتصف بهذه الصفات كانت الجحيم هي مصيره والمأوى اللائق به لا سواها، ذكره مكي والرازي والألوسي والقنوجي.


وأما من خاف مقام ربه: أما حرف تفصيل وشرط، ومن خاف مقام ربه، مقام الرب قد ورد فيه قولان، أحدهما: القيامة بين يدي ربه للجزاء، قاله أبو الربيع،
وهو مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المُخَوِّفِ ذكره ابن عطية وأبو حيان وابن القيم و ابن عاشور وابن عثيمين .
ويوم القيامة يقرر الله عبده بذنوبه ويقول: عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا، كما جاء في الحديث الصحيح،
فإذا أَقَرَّ قال الله له: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» هذا الذي خاف هذا المقام، ذكره ابن عثيمين.
فتكون إضافة المقام هنا لله فيها من التفخيم والتهويل بهذا الموقف ووقعه على النفوس الشيء العظيم.

والقول الآخر: خاف من اطلاع الله عليه في الدنيا عند المعصية وتذكر مقامه للحساب فانتهى عنها،
وهو من باب إضافة المصدر إلى الفاعل قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل والكلبي، وذكره ابن عطية وأبو حيان وابن الجوزي وابن القيم.


{ونهى النفس} التعريف في النفس للعهد كما هو الحال في مأوى.
{ونهى النفس} معناه هذا أن الخوف من مقام الله عز وجل أدى إلى انكفاف النفس عن ما تحبه وفيه هلاكها خوفا من الجليل سبحانه.
فمن نهى نفسه عن الهوى فقد عصى نفسه وأطاع ربه، وهذا حال الخائف نسأل الله أن يجعلنا منهم.

{ونهى النفس عن الهوى} الهوى ميل النفس إلى الشيء وفعله، وشاع في الهوى المرغوب الذميم.
والناهي نفسه عن الهوي ناهٍ لنفسه عن الشهوات التي تشتهيها النفس، وقد قال بعض الحكماء: إذا أرَدْتَ الصَّوابَ فانْظُرْ هَواكَ فَخالِفْهُ.
وقالَ الفُضَيْلُ: أفْضَلُ الأعْمالِ خِلافُ الهَوى، ذكر ذلك أبو حيان.

{فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى} فالجنة منزله ومستقرّه، والتعريف في المأوى للعهد كما الحال في مأوى الأولى والله أعلم.
وذَكَرَ أنَّها نَزَلَتْ في مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ.

قال ابن عباس: {﴿فَأمّا مَن طَغى﴾} فَهو أخٌ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أُسِرَ فَلَمْ يَشُدُّوا وثاقَهُ، وأكْرَمُوهُ وبَيَّتُوهُ عِنْدَهم، فَلَمّا أصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَبًا، فَقالَ: ما هو لِي بِأخٍ، شُدُّوا أسِيرَكم،
فَإنَّ أُمَّهُ أكْثَرُ أهْلِ البَطْحاءِ حُلِيًّا ومالًا فَأوْثَقُوهُ ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ «فَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وقى رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ تَفَرَّقَ النّاسُ عَنْهُ حَتّى نَفَذَتِ المَشاقِصُ في جَوْفِهِ،
وهي السِّهامُ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ مُتَشَحِّطًا في دَمِهِ قالَ: (عِنْدَ اللَّهِ أحْتَسِبُكَ) وقالَ لِأصْحابِهِ: (لَقَدْ رَأيْتُهُ وعَلَيْهِ بُرْدانِ ما تُعْرَفُ قِيمَتُهُما، وإنَّ شِراكَ نَعْلِهِ مِن ذَهَبٍ»)
وقد قيل أنّ مصعب بن عمير قتل أخاه يوم بدر، ذكره القرطبي وأبو حيان.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ غُلَامٌ يَأْتِيهِ بِطَعَامٍ، وَكَانَ يَسْأَلُهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا،
فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَلْ وَأَكَلَهُ، فَقَالَ لَهُ غُلَامُهُ: لِمَ لَا تَسْأَلْنِي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: نَسِيَتُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الطَّعَامُ. فَقَالَ: تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعْطَوْنِيهِ. فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَتِهِ
وَقَالَ: يَا رَبُّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوقِ فَأَنْتَ حَبَسْتَهُ فَنَزَلَتْ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ. ذكره القرطبي.

هذا والله أعلم.

ملاحظة: لضعف لدي في الناحية اللغوية واللغة العربية التزمت كلام المفسرين خوفا من الخطأ،حاولت الصياغة قدر ما استطعت، وكذلك كان هناك تردد في النقل عن بعض الأشعرية
أو المعتزلة مع أنّ لديهم ما هو جيد في الناحية اللغوية إلا أني خشيت أن أنقل منهم شيئا يمسّ العقيدة ويكون ليس في محله ونسأل الله العفو من عنده.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 11 رجب 1443هـ/12-02-2022م, 11:16 PM
هاجر محمد أحمد هاجر محمد أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 199
افتراضي

قال تعالى (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)
افتتح الله تبارك وتعالى السورة بالثناء عليه تعظيما له وتعليماً لعباده كيف يثنون عليه ، فتبارك الله رب العالمين .
والفعل (تبارك) من صيغ المبالغة تفاعل، وقال ابن عاشور: صورة اشتقاقه يؤذن بإظهار الوصف على صاحبه المتصف به ، ، ومنه تبارك ، أي ظهرت بركته1
و(تبارك) أي تعاظم وكثر خير ربنا عز وجل وعلى هذا أغلب أقوال المفسرين ، وهو مشتق من البركة : وهي الخير والنماء ، فكل خير ونماء حسي أو معنوي له سبحانه وتعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين )
،قال الراغب البَرَكَةُ: ثبوت الخير الإلهي في الشيء.،فكل وفرة وكل خير منه تبارك وتعالى، والبركة : من كلمات التحية ومستعملة في الدعاء.
وقال ابن عطاء : تبارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة 2
وتبارك أبلغ من مبارك، لاختصاص الله به، أما لفظ مبارك فيدخل فيها المخلوقين3
{ بيده الملك } هنا نظير ذكر مثله عقب نظيره في قوله تعالى : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } إلى قوله : { الذي له ملك السماوات والأرض } [ الفرقان : 1 2 ] .
والباء في { بِيَدِهِ } يجوز أن تكون بمعنى ( في ) مثل الباء التي تدخل على أسماء الأمكنة نحو { ولقد نصركم الله ببدر } [ آل عمران : 123 ] وقول امرء القيس :
بسقط اللوى
فالظرفية هنا مجازية مستعملة في معنى إحاطة قدرته بحقيقة المُلك ، والمُلك على هذا اسم للحالة التي يكون صاحبها مَلِكاً . 4
(الملك)، أل للتعريف تفيد الاستغراق فكل شيء له سبحانه وتعالى، فهو الذي يعطي ويمنع ،
وتقديم المسند على المسند عليه في قوله (بيده الملك) يفيد الاختصاص،فالملك بيده هو سبحانه وتعالى وليس لأحد فيه شيء، فلا يعطي ولا يمنع إلا الله تبارك وتعالى، فقال تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ).
وكل مُلك سوى ملك الله فهو ملك ناقص غير تام ، وليس امتلاك صاحبه له على الحقيقة ، والملك الحق هو الله سبحانه وتعالى ،فالكون والأرض ملكه فهو خالقه وصانعه ومدبر أمره كله .
والمُلك بضم الميم تفيد تمام الملكية، فكل (مُلك ) مِلك ، وليس كل مِلك (مُلك)
وقال محمد بن إسحاق: له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وذل بها من خالف أمره
(وهو على كل شيئ قدير)
الشي يطلق في اللغة على مايتصور ويخبر عنه 6
وهو سبحانه وتعالى قادر على كل شيء ، قرن الأولى وهو الملك التام والملكية التامة وكمال التحكم فيه ،بتمام قدرته على التصرف فيه بما شاء سبحانه وتعالى
(وهو على كل شيء قدير) تفيد أيضاً تمام العلم مع تمام القدرة ، فلا يقدر على فعل كل شيء الا العليم علماً كاملاً .
وتقديم المجرور لاهتمام بما فيه من التعميم ، وقيل لإفادة التعظيم فقدته لا يحدها شيء ليعظم الناس الله عز وجل حق تعظيمه فقدرته وعلمه مطلقان لا يحدهما وصف .

المراجع:
1،2،4التحرير والتنوير-تفسير سورة الملك الآية 1
الماوردي-تفسير سورة الملك الآية 1
6 المعجم الوسيط
الألوسي-تفسير سورة الملك الآية 1
معاني النحو
البقاعي -تفسير سورة الملك الآية 1

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 21 رجب 1443هـ/22-02-2022م, 10:59 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا المناديلي مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية في قول الله تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

بالأسلوب البياني.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، أما بعد..
فقد قال تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

يخبر الله تعالى عن انقسام الناس لفريقين لا ثالث لهما، قسم طغى وتكبر وظلم ولم يعبد ربه، هذا القسم الذي آثر الدنيا وشهواتها على الآخرة ونعيمها، يخبرنا الله عن مآله وهو الجحيم
لا سبيل لهؤلاء إلى الجنة، وهذا يجري على كل من هذا وصفه، ويخبرنا عن القسم الآخر وهو قسم الناجين الفائزين المفلحين، الذين انتهوا عن محارم الله وعن معصيته لخوفهم من الجليل،
نهوا أنفسهم عن اتباع الهوى وعن ما لا يرضي الله وهذا هو القسم الفائز الذي مأواه الجنة.
ونشرع في بيان بعض المعاني التي تضمنتها الآيات.

فقد قال تعالى: { فإذا جاءت الطامة الكبرى} ، ويليها من الآيات { فأما من طغى} وجواب إذا في قوله تعالى { فإذا جاءت الطامة الكبرى }
محذوف لأن التقسيم يدل عليه، ويكون التقدير إما ظهور الأعمال أو انقسام الناس إلى قسمين: قسم مأواه الجحيم وقسم مأواه الجنة، ذكره القاسمي والبقاعي والرازي.
وهذا الجواب المحذوف يفيد التهويل من عظم الأمر الذي لم يشاهده الإنسان بعينه، فهو من الشؤون العظيمة، وهو حاصل ما ذكره أبي السعود، والألوسي
وقوله تعالى:{ فأما من طغى}

{فأما} الفاء تربط جواب إذا، (أمّا) حرف تفصيل وشرط بمعنى: مهما يكن شيء، ذكره ابن عاشور.


والطغيان في اللغة: تجاور الحد، والمراد هنا تجاوز العبد حدّه، لكن ما هو حد العبد؟ حدّه الذي ذكره الله في القرآن: { ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ }
فمن طغى على أمر الله ولم يعبد ربه هذا هو الطاغي؛ فالطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة ربه، ذكره ابن عثيمين.

وهنا وصف آخر { وآثر الحياة الدنيا} والإيثارُ: تفضيل شيء على شيء في حال لا يتيسر فيها الجمع بين أحوال كل منهما.
والمراد بإيثار الحياة الدنيا: إيثار منافعها وحظوظها ولذاتها التي لا يكون فيها إيثار للآخرة ، ومرجع ذلك الإيثار إلى الهوى وقد أدى إليه الطغيان.
ومحل الذم هنا إيثار الحياة الدنيا على الآخرة لا الأخذ من منافع الدنيا مع السعي والنظر للآخرة، فهذا غير مذموم
وقد قال تعالى: { ﴿وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ }

فمن آثر الدنيا وقدمّها على الآخرة وجعلها همّه كانت الجحيم مأواه.
وإيثار الدنيا والطغيان وصفان لأهل النار وبين الوصفين تلازم، فمن طغى على أمر الله تحجج بإيثار الدنيا على الآخرة وقد كذّب بالآخرة، فنتيجة الطغيان إيثار الدنيا على الآخرة.
وكل طاغٍ كافر أسرف على نفسه بالظلم والمعاصي فمستقره جهنم.

وهنا مسألة هي المراد بمن طغى وآثر الحياة الدنيا، فقد قيل فيها أنّ المراد النضر وأبوه الحارث على سبيل التخصيص وقيل نزلت في أبي جهل وقيل نزلت في أخ مصعب بن عمير،
لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فوصفهم يدخل ضمن الآية، فالذي يتصف بهذه الصفات يجري عليه نفس الحكم، ذكره الرازي.
وفي قوله تعالى: { فأما من طغى} إشارة إلى فساد القوة النظرية، فمن عرف ربه وقدرته الكاملة عرف نفسه وضعفها فلا يطغى ولا يتكبر ولا يظلم .
وفي قوله تعالى: { وآثر الحياة الدنيا} إشارة إلى فساد حال القوة العملية، فمن هذا حاله يسعى لتحصيل الدنيا وملذاتها لا غير، ذكره الرازي.

{هي المأوى}: المأوى: المنزل والمرجع والمقرّ، وعلى القول بأن الألف واللام عوض عن المضاف إليه الضمير (أي عوض عن الهاء)،
فالمعنى: أي مأواه، وهذا عند الكوفيين، فعلى هذا القول يكون التقدير: فإنّ الجحيم مأواه، وهذا القول ذكره مكي والرازي والزجاج والقنوجي .

أما عند البصريين فإنّ قوله تعالى: {هي المأوى} بمعنى هي المأوى له ويكون التقدير: فإنّ الجحيم هي المأوى له،
ويكون حذف الصلة لأن المعنى واضح والتعريف في { المأوى} للعهد أي مأوى من طغى، وهو يغني عن ذكر ما يضاف إليه (مأوى)كقولك لرجل: غض الطرف أي: غض طرفك،
ويتضح من خلال الآية أن صاحب المأوى هذا هو الطاغي، ذكره مكي والبيضاوي والألوسي و والقنوجي.

وقد ذكر ابن عاشور أن الألف واللام عند نحاة الكوفة عوض عن المضاف إليه وهذه تسمية حسنة لوضوحها واختصارها،
مع أن البصريون يأبون ذلك ومع اختلافهم الضئيل إلا أن المعنى متفق عليه.

وتدل الآية على الحصر؛ فمن اتصف بهذه الصفات كانت الجحيم هي مصيره والمأوى اللائق به لا سواها، ذكره مكي والرازي والألوسي والقنوجي.


وأما من خاف مقام ربه: أما حرف تفصيل وشرط، ومن خاف مقام ربه، مقام الرب قد ورد فيه قولان، أحدهما: القيامة بين يدي ربه للجزاء، قاله أبو الربيع،
وهو مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المُخَوِّفِ ذكره ابن عطية وأبو حيان وابن القيم و ابن عاشور وابن عثيمين .
ويوم القيامة يقرر الله عبده بذنوبه ويقول: عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا، كما جاء في الحديث الصحيح،
فإذا أَقَرَّ قال الله له: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» هذا الذي خاف هذا المقام، ذكره ابن عثيمين.
فتكون إضافة المقام هنا لله فيها من التفخيم والتهويل بهذا الموقف ووقعه على النفوس الشيء العظيم.

والقول الآخر: خاف من اطلاع الله عليه في الدنيا عند المعصية وتذكر مقامه للحساب فانتهى عنها،
وهو من باب إضافة المصدر إلى الفاعل قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل والكلبي، وذكره ابن عطية وأبو حيان وابن الجوزي وابن القيم.


{ونهى النفس} التعريف في النفس للعهد كما هو الحال في مأوى.
{ونهى النفس} معناه هذا أن الخوف من مقام الله عز وجل أدى إلى انكفاف النفس عن ما تحبه وفيه هلاكها خوفا من الجليل سبحانه.
فمن نهى نفسه عن الهوى فقد عصى نفسه وأطاع ربه، وهذا حال الخائف نسأل الله أن يجعلنا منهم.

{ونهى النفس عن الهوى} الهوى ميل النفس إلى الشيء وفعله، وشاع في الهوى المرغوب الذميم.
والناهي نفسه عن الهوي ناهٍ لنفسه عن الشهوات التي تشتهيها النفس، وقد قال بعض الحكماء: إذا أرَدْتَ الصَّوابَ فانْظُرْ هَواكَ فَخالِفْهُ.
وقالَ الفُضَيْلُ: أفْضَلُ الأعْمالِ خِلافُ الهَوى، ذكر ذلك أبو حيان.

{فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى} فالجنة منزله ومستقرّه، والتعريف في المأوى للعهد كما الحال في مأوى الأولى والله أعلم.
وذَكَرَ أنَّها نَزَلَتْ في مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ.

قال ابن عباس: {﴿فَأمّا مَن طَغى﴾} فَهو أخٌ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أُسِرَ فَلَمْ يَشُدُّوا وثاقَهُ، وأكْرَمُوهُ وبَيَّتُوهُ عِنْدَهم، فَلَمّا أصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَبًا، فَقالَ: ما هو لِي بِأخٍ، شُدُّوا أسِيرَكم،
فَإنَّ أُمَّهُ أكْثَرُ أهْلِ البَطْحاءِ حُلِيًّا ومالًا فَأوْثَقُوهُ ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ «فَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وقى رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ تَفَرَّقَ النّاسُ عَنْهُ حَتّى نَفَذَتِ المَشاقِصُ في جَوْفِهِ،
وهي السِّهامُ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ مُتَشَحِّطًا في دَمِهِ قالَ: (عِنْدَ اللَّهِ أحْتَسِبُكَ) وقالَ لِأصْحابِهِ: (لَقَدْ رَأيْتُهُ وعَلَيْهِ بُرْدانِ ما تُعْرَفُ قِيمَتُهُما، وإنَّ شِراكَ نَعْلِهِ مِن ذَهَبٍ»)
وقد قيل أنّ مصعب بن عمير قتل أخاه يوم بدر، ذكره القرطبي وأبو حيان.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ غُلَامٌ يَأْتِيهِ بِطَعَامٍ، وَكَانَ يَسْأَلُهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا،
فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَلْ وَأَكَلَهُ، فَقَالَ لَهُ غُلَامُهُ: لِمَ لَا تَسْأَلْنِي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: نَسِيَتُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الطَّعَامُ. فَقَالَ: تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعْطَوْنِيهِ. فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَتِهِ
وَقَالَ: يَا رَبُّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوقِ فَأَنْتَ حَبَسْتَهُ فَنَزَلَتْ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ. ذكره القرطبي.

هذا والله أعلم.

ملاحظة: لضعف لدي في الناحية اللغوية واللغة العربية التزمت كلام المفسرين خوفا من الخطأ،حاولت الصياغة قدر ما استطعت، وكذلك كان هناك تردد في النقل عن بعض الأشعرية
أو المعتزلة مع أنّ لديهم ما هو جيد في الناحية اللغوية إلا أني خشيت أن أنقل منهم شيئا يمسّ العقيدة ويكون ليس في محله ونسأل الله العفو من عنده.
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
المهم أن يعلم الطالب أدوات كل أسلوب ويحسن استخراجها ويقف عليها، فيظهر ذلك الفهم من خلال تطبيقاته..
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 21 رجب 1443هـ/22-02-2022م, 11:02 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هاجر محمد أحمد مشاهدة المشاركة
قال تعالى (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)
افتتح الله تبارك وتعالى السورة بالثناء عليه تعظيما له وتعليماً لعباده كيف يثنون عليه ، فتبارك الله رب العالمين .
والفعل (تبارك) من صيغ المبالغة تفاعل، وقال ابن عاشور: صورة اشتقاقه يؤذن بإظهار الوصف على صاحبه المتصف به ، ، ومنه تبارك ، أي ظهرت بركته1
و(تبارك) أي تعاظم وكثر خير ربنا عز وجل وعلى هذا أغلب أقوال المفسرين ، وهو مشتق من البركة : وهي الخير والنماء ، فكل خير ونماء حسي أو معنوي له سبحانه وتعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين )
،قال الراغب البَرَكَةُ: ثبوت الخير الإلهي في الشيء.،فكل وفرة وكل خير منه تبارك وتعالى، والبركة : من كلمات التحية ومستعملة في الدعاء.
وقال ابن عطاء : تبارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة 2
وتبارك أبلغ من مبارك، لاختصاص الله به، أما لفظ مبارك فيدخل فيها المخلوقين3
{ بيده الملك } هنا نظير ذكر مثله عقب نظيره في قوله تعالى : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } إلى قوله : { الذي له ملك السماوات والأرض } [ الفرقان : 1 2 ] .
والباء في { بِيَدِهِ } يجوز أن تكون بمعنى ( في ) مثل الباء التي تدخل على أسماء الأمكنة نحو { ولقد نصركم الله ببدر } [ آل عمران : 123 ] وقول امرء القيس :
بسقط اللوى
فالظرفية هنا مجازية مستعملة في معنى إحاطة قدرته بحقيقة المُلك ، والمُلك على هذا اسم للحالة التي يكون صاحبها مَلِكاً . 4
(الملك)، أل للتعريف تفيد الاستغراق فكل شيء له سبحانه وتعالى، فهو الذي يعطي ويمنع ،
وتقديم المسند على المسند عليه في قوله (بيده الملك) يفيد الاختصاص،فالملك بيده هو سبحانه وتعالى وليس لأحد فيه شيء، فلا يعطي ولا يمنع إلا الله تبارك وتعالى، فقال تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ).
وكل مُلك سوى ملك الله فهو ملك ناقص غير تام ، وليس امتلاك صاحبه له على الحقيقة ، والملك الحق هو الله سبحانه وتعالى ،فالكون والأرض ملكه فهو خالقه وصانعه ومدبر أمره كله .
والمُلك بضم الميم تفيد تمام الملكية، فكل (مُلك ) مِلك ، وليس كل مِلك (مُلك)
وقال محمد بن إسحاق: له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وذل بها من خالف أمره
(وهو على كل شيئ قدير)
الشي يطلق في اللغة على مايتصور ويخبر عنه 6
وهو سبحانه وتعالى قادر على كل شيء ، قرن الأولى وهو الملك التام والملكية التامة وكمال التحكم فيه ،بتمام قدرته على التصرف فيه بما شاء سبحانه وتعالى
(وهو على كل شيء قدير) تفيد أيضاً تمام العلم مع تمام القدرة ، فلا يقدر على فعل كل شيء الا العليم علماً كاملاً .
وتقديم المجرور لاهتمام بما فيه من التعميم ، وقيل لإفادة التعظيم فقدته لا يحدها شيء ليعظم الناس الله عز وجل حق تعظيمه فقدرته وعلمه مطلقان لا يحدهما وصف .

المراجع:
1،2،4التحرير والتنوير-تفسير سورة الملك الآية 1
الماوردي-تفسير سورة الملك الآية 1
6 المعجم الوسيط
الألوسي-تفسير سورة الملك الآية 1
معاني النحو
البقاعي -تفسير سورة الملك الآية 1

أحسنتِ في تطبيقك، زادكِ الله علما ونفع بكِ.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir