دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 جمادى الآخرة 1439هـ/18-02-2018م, 02:38 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

تطبيقات على درس الأسلوب البياني
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الآخرة 1439هـ/21-02-2018م, 09:58 PM
فاطمة إدريس شتوي فاطمة إدريس شتوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 311
افتراضي

رسالة تفسيرية في قول الله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ:

روى الواحدي عن ابن عباس أن سبب نزولها: «أن ثابت بن قيس بن شماس كان في سمعه وقر وكان إذا أتى مجلس النبيء صلى الله عليه وسلم يقول: أوسعوا له ليجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول فجاء يوما يتخطى رقاب الناس فقال رجل: قد أصبت مجلسا فاجلس. فقال ثابت: من هذا؟ فقال الرجل: أنا فلان. فقال ثابت: ابن فلانة وذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية، فاستحيا الرجل. فأنزل الله هذه الآية»

وروي في البخاري عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: «فينا نزلت معشر الأنصار» : {ولا تنابزوا بالألقاب} [الحجرات: 11] ، " قدم علينا النبي صلى الله عليه وسلم والرجل منا له الاسمان والثلاثة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما دعاهم ببعض تلك الأسماء فيقال: يا رسول الله، إنه يغضب من هذا "، فنزلت: {ولا تنابزوا بالألقاب}.


قال البقاعي في مناسبة الآية لما قبلها: " لما نهى عن الإسراع بالإيقاع بمجرد سماع ما يوجب النزاع، وختم بما ترجى به الرحمة، نهى عن موجبات الشر التي يخبر بها فتكون سبباً للضغائن التي يتسبب عنها الشر الذي هو سبب للنقمة رحمة لعباد الله وتوقعاً للرحمة منه، فقال على سبيل النتيجة من ذلك". (نظم الدرر).
فحذر مما يوجب العداوة ومن ثم الاقتتال فقلع أسبابه من جذورها.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )

الافتتاح بنداء المؤمنين للتنبيه على أهمية ما يرد بعد ذلك النداء لتترقبه أسماعهم بشوق، ووصفهم بـ"الذين آمنوا" جار مجرى اللقب لهم مع ما يؤذن به أصله من أهليتهم لتلقي هذا النهي بالامتثال. *التحرير والتنوير،
فهذا يشعرنا بما يوجبه إيماننا علينا من التأدب بأدب الله تعالى ،فلنلقي أسماعنا وقلوبنا لهذا النداء ؛ليحصل لنا النفع بالامتثال

( لا يَسْخَرْ )

والسخرية: الاستهزاء. ومنهم من يقول: السخرية الاحتقار
يقال: سخر منه، أي حصلت السخرية له من كذا، فمن اتصالية.
واختير المضارع في يسخر للدلالة على التكرار.

( قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ )

المراد بالقوم: الرجال خاصة، لأنهم القوام بأمور النساء. قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وهو في الأصل جمع قائم، كصوم وزور: في جمع صائم وزائر. أو تسمية بالمصدر.
، واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية فليس لفظ القوم بمتعاط للفريقين، ولكن قصد ذكر الذكور وترك ذكر الإناث لأنهن توابع لرجالهن.
وجاءت قوم نكرة ، والنكرة في سياق النهي تدل على العموم

( وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ )

خص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب العرفي في الكلام، كما يشمل لفظ المؤمنين والمؤمنات في اصطلاح القرآن بقرينة مقام التشريع، فإن أصله التساوي في الأحكام إلا ما اقتضى الدليل تخصيص أحد الصنفين به دفعا لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال إذ كان الاستسخار متأصلا في النساء، فلأجل دفع التوهم الناشئ من هذين السيئين على نحو ما تقدم في قوله من آية القصاص والأنثى بالأنثى في سورة العقود

يقول ابن عثيمين في تفسيره: " إذا جمع بين القوم والنساء فالقوم هم الرجال والنساء هن الإناث، وإن ذكر القوم وحدهم شمل الرجال والنساء"

{عسى أن يكن} أي المسخور منهن {خيرا منهن} أي من الساخرات

قال أبي السعود: "فإن مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب فلا يجترئ أحد على استحقار أحد فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند الله تعالى فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى والاستهانة بمن عظمه الله تعالى" إرشاد العقل السليم

وجملة (عسى أن يكونوا خيرا منهم) مستأنفة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين تفيد المبالغة في النهي عن السخرية بذكر حالة يكثر وجودها في المسخورية، فتكون سخرية الساخر أفظع من الساخر، ولأنه يثير انفعال الحياء في نفس الساخرة بينه وبين نفسه.

وقد أتى الخطاب في الآية للجماعة وليس للفرد وفي ذلك فائدة
قال الزمحشري: "إنما لم يقل: رجل من رجل، ولا امرأة من امرأة على التوحيد:
- إعلاما بإقدام غير واحد من رجالهم وغير واحدة من نسائهم على السخرية، واستفظاعا للشأن الذي كانوا عليه، و
- لأن مشهد الساخر لا يكاد يخلو ممن يتلهى ويستضحك على قوله، ولا يأتى ما عليه من النهى والإنكار، فيكون شريك الساخر وتلوه في تحمل الوزر، وكذلك كل من يطرق سمعه فيستطيبه ويضحك به، فيؤدى ذلك- وإن أوجده واحد- إلى تكثر السخرة وانقلاب الواحد جماعة وقوما" الكشاف.

فلما كانت السخرية تكون بحضرة ناس، قال معبراً بما يفهم أن من شارك أو رضي أو سكت وهو قادر فهو ساخر مشارك للقائل: {قوم}. فلنحذر من أن نكتسب الذنوب بسكوتنا عن المنكر، ونهتم بمجالسنا أن تكون خالية من المنكرات.

إذاً فالله سبحانه حرم السخرية واللمز والتنابز بين المسلمين وأن يعير أخاه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه، منبهاً إلى أن من احتقر وازدرى به وسخر منه قد يكون غالبا خيرا عند الله من المحتقر له وأعظم قدرا؛ ونص على النساء والرجال بالتفصيل، حتى لا يقول أحد: إن هذا خاص بالرجال، لو ذكر الرجال وحدهم، أو خاص بالنساء وحدهن.

ومما يؤيد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) وأشار بأصابعه إلى صدره. أخرجه مسلم،
وقوله صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) أخرجه مسلم.

وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ

اللمز: ذكر ما يعده الذاكر عيبا لأحد مواجهة فهو المباشرة بالمكروه.
فإن كان بحق فهو وقاحة واعتداء،
وإن كان باطلا فهو وقاحة وكذب،
وكان شائعا بين العرب في جاهليتهم قال تعالى: ويل لكل همزة لمزة [الهمزة: 1] يعني نفرا من المشركين كان دأبهم لمز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون بحالة بين الإشارة والكلام بتحريك الشفتين بكلام خفي يعرف منه المواجه به أنه يذم أو يتوعد، أو يتنقص باحتمالات كثيرة، وهو غير النبز وغير الغيبة

قال الألوسي في تفسيره روح المعاني: " ومنهم من يقول: السخرية الاحتقار واللمز التنبيه على المعايب أو تتبعها والعطف من قبيل عطف العلة على المعلول وقيل: اللمز مخصوص بما كان من السخرية على وجه الخفية كالإشارة فهو من قبيل عطف الخاص على العام لجعل الخاص كجنس آخر مبالغة"

وقد سمى الله الأخ المؤمن نفسا لأخيه وذلك لأمرين:
أولًا: لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
ثانيًا: لأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك. وحينئذ تكون كأنك لمزت نفسك.
ومما يؤيد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: (نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) أخرجه مسلم

والنهي يقتضي التحريم وفي هذا تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً، فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خَلْقية أو صفة خُلُقية، أما الصفة الخَلْقية التي تعود إلى الخلقة فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه - عز وجل -، أما عيبه بالخُلُق ربما إذا عبته ابتلاك الله بنفس العيب ، لكن إذا وجدت فيه سوء خُلُق فالواجب النصيحة.


وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ

التنابز بالألقاب: التداعي بها: تفاعل من نبزه، وبنو فلان يتنابزون ويتنازبون ويقال: النبز والنزب: لقب السوء والتلقيب المنهي عنه، وهو ما يتداخل المدعو به كراهة لكونه تقصيرا به وذما له وشينا، فأما ما يحبه مما يزينه وينوه به فلا بأس به. جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث يصفين لك: ود أخيك تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه) ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها وراجع الحق فنهى الله تعالى أن يعير بما سلف من عمله

قال النووي: "اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره سواء كان صفة له أو لأبيه أو لأمه أو غيرهما"

بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ

لفظ الاسم هنا مطلق على الذكر، أي التسمية، كما يقال: طار اسمه، وإيثار لفظ الاسم هنا من الرشاقة بمكان لأن السياق تحذير من ذكر الناس بالأسماء الذميمة إذ الألقاب أسماء فكان اختيار لفظ الاسم للفسوق مشاكلة معنوية.
قال ابن عاشور: " ومعنى البعدية في قوله: بعد الإيمان: بعد الاتصاف بالإيمان، أي أن الإيمان لا يناسبه الفسوق لأن المعاصي من شأن أهل الشرك الذين لا يزعهم عن الفسوق وازع" التحرير والتنوير
وهذا كقول جميلة بنت أبي حين شكت للنبيء صلى الله عليه وسلم أنها تكره زوجها ثابت بن قيس وجاءت تطلب فراقه:
كما جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه، أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة»


وفي قوله بعد الإيمان ثلاثة أوجه:
- أحدها استقباح الجمع بين الايمان وبين الفسق الذي يأباه الإيمان ويحظره، كما تقول: بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة.
- والثاني: أنه كان في شتائمهم لمن أسلم من اليهود: يا يهودى يا فاسق، فنهوا عنه، وقيل لهم: بئس الذكر أن تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد إيمانه، والجملة على هذا التفسير متعلقة بالنهى عن التنابز. والثالث: أن يجعل من فسق غير مؤمن، كما تقول للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة. به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد والخيانة به محرم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث.

فالإنسان إذا ارتكب كبيرة واحدة من الكبائر صار فاسقاً، وإذا ارتكب صغيرة وكررها وأصرّ عليها صار فاسقاً، فلا تجعل نفسك بعد الإيمان وكمال الإيمان فاسقاً. والفسق ليس وصفا على اللسان بل يترتب عليه أحكام.
فبئس ما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب. فنستشعر قبح هذه الأفعال ليدعونا للبعد عنها.


وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ

إذ كان كل من السخرية واللمز والتنابز معاصي فقد وجبت التوبة منها فمن لم يتب فهو ظالم: لأنه ظلم الناس بالاعتداء عليهم، وظلم نفسه بأن رضي لها عقاب الآخرة مع التمكن من الإقلاع عن ذلك فكان ظلمه شديدا جدا.
فلذلك جيء له بصيغة قصر الظالمين عليهم كأنه لا ظالم غيرهم لعدم الاعتداد بالظالمين الآخرين في مقابلة هؤلاء على سبيل المبالغة ليزدجروا.
والتوبة واجبة من كل ذنب وهذه الذنوب المذكورة مراتب وإدمان الصغائر كبيرة.
وتوسيط اسم الإشارة لزيادة تمييزهم تفظيعا لحالهم وللتنبيه، بل إنهم استحقوا قصر الظلم عليهم لأجل ما ذكر من الأوصاف قبل اسم الإشارة.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: " فالناس قسمان: ظالم لنفسه غير تائب، وتائب مفلح، ولا ثم قسم ثالث غيرهما "

الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة على ذمه. فالذي لا يتوب يكون ظالماً، وإذا كان المؤمنون يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فهؤلاء الظلمة ليس لهم نور. فإذا استشعرنا ذلك دفعنا لاجتناب السخرية في المستقبل، والتوبة مما فات، وأن ننشغل بعيوب أنفسنا.

ومما قيل في مقصد الآية: ما جاء في أيسر التفاسير : " حرم الله تعالى بهذه الآية على المسلم أن يحتقر أخاه المسلم ويزدريه، وكما حرم السخرية بالمؤمنين والمؤمنات لإفضائها إلى العداوة والشحناء ثم التقاتل حرم كذلك اللمز والتنابز بالألقاب"

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 جمادى الآخرة 1439هـ/23-02-2018م, 02:59 AM
للا حسناء الشنتوفي للا حسناء الشنتوفي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 384
افتراضي

[size="

6"]رسالة تفسيرية في قول الله تعالى : (قد أفلح من زكاها و قد خاب من دسّاها)[/size]

الأسلوب البياني

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على رسول الله محمد الأمين، و آله و صحبه أجمعين ثم أما بعد،

هذه الآية العظيمة في سورة الشمس، جاءت جوابا للقسم، فقد أقسم الله تعالى في هذه السورة بمخلوقاته العظيمة الدالة على وجوده و وحدانيته و قدرته، أن هذه النفس التي يحملها الإنسان بين جنبيه، و التي سوّاها الله تعالى في أحسن تقويم، و أهّلها لقبول الحق بأن خلقها على الفطرة السوية، قابلة للخير و الشر، و أن الإنسان مخيّر في اختيار الطريق التي يوردها فيه، فإن اختار طريق الخير و الطاعة و الإستسلام لرب العالمين، نال الفلاح و الرضا و فاز بالجنان، أما من أهلكها بالمعاصي و رمى بها في طرق الغواية و الضلال، فقد خاب و خسر.

قال المبرد محمد بن يزيد في المقتضب 2/336 337:
"ووقع القسم على قوله تعالى (قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها)، و حُذفت اللام لطول القصة، لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا ترى أن النحويين لا يقولون :قام هند، و ذهب جاريتك، و يجيزون حضر القاضي اليوم امرأةٌ يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام، لأنهم يرون ما زاد عوضا مما حُذف "

الفلاح هو الفوز، و التزكية هي التطهير و التنمية بالطاعة،
قال الألوسي : أي فاز بكل مطلوب و نجا من كل مكروه من أنمى نفسه و أعلاها بالتقوى علما و عملا، و لقد خسر من نقصها و أخفاها بالفجور جهلا و فسوقا.

و للسلف قولين في مرجع الضمير في الآية، فقد ورد عن الحسن قوله : [قد أفلح من زكّى نفسه و أصلحها، و خاب من أهلكها و أضلّها]
و قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه : [قد أفلحت نفس زكّاها الله تعالى، و خابت نفس خيّبها الله من كل خير] الدر المنثور للسيوطي 15/461
و قد جمع العلماء بين هذين القولين، فابتداء الفعل يكون من الله تعالى،هو الذي يوفق عباده للخير إن علم في قلوبهم خيرا، و يزيغ من زاغ منهم و أراد الخسران و العياذ بالله، قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله)،" فأثبت سبحانه للعبد مشيئة، و صرّح بأنه لا مشيئة للعبد إلا بمشيئة الله جل و علا، فكل شيء صادر من قدرته و مشيئته جل و علا "

(قد أفلح )، (قد خاب) : قد تفيد التحقيق، و هذه بشرى للعبد الذي انشغل بإصلاح نفسه و تزكيتها، فقد تحقق له الفلاح، لأن ربنا جل في علاه أوفى من عاهد، قال تعالى :(و من أوفى بعبده من الله )، و في الآية أيضا وعيد شديد لمن شغلها بسفاسف الأمور و رذائل الأعمال، و انشغل بغير ما أمره الله به، فالخيبة و الخسران محققان في حقه و العياذ بالله.

إن في هذه الآية الكريمة محسّن بديعي ظاهر، يتجلى في المقابلة و الطباق، بين الفلاح و الخيبة، و بين التزكية و التدسية، و قد بدأت آيات سورة الشمس بهذا المحسن البديعي الجميل، الدال على جمال معاني القرآن الكريم، و بلاغة أساليبه و تراكيبه، فنجد الشمس و القمر، النهار و الليل، السماء و الأرض، وكتاب الله تعالى زاخر بذلك، يعلو ببيانه على كل بيان، و يفوق ببلاغته كل بلاغة، قال الرماني : قال الرماني:

"إن للكلام ثلاث طبقات ...
عليا... و هي طبقة القرآن..
وسطى و دنيا... و هما طبقتا البلغاء على اختلاف بلاغتهم"

فاختيار المعاني و تقديم الألفاظ بعضها على بعض و كل ما سوى ذلك من أسرار البلاغة في القرآن، تدل على حكيم خبير، (كتاب أُحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير).

و إن في تقديم الفلاح على الخيبة في هذه الآية مناسبة تتجلى لنا في قول ابن عاشور في التحرير و التنوير ، قال رحمه الله تعالى : " و قدّم الفلاح على الخيبة لمناسبته للتقوى، و أردف بخيبة من دسّى نفسه لتهيئته الانتقال إلى الموعظة بما حصل لثمود من عقاب على ما هو أثر التدسية.
و (من) صادقة على الإنسان، أي أن الذي زكى نفسه اختار لها ما به كمالها و دفع الرذائل عنها، فالإنسان و النفس شيء واحد، و نزلا منزلة شيئين باختلاف الإرادة و الاكتساب)

أما مفهوم الفلاح و الخيبة في الآية، فقد قال رحمه الله:
و الفلاح : النجاح بحصول المطلوب، و الخيبة ضده، أي أن يُحرم الطالب مما طلبه.
فالإنسان يرغب في الملائك النافع، فمن الناس من يطلب ما به النفع و الكمال الدائمان، و من الناس من يطلب ما فيه عاجل النفع و الكمال الزائف، فالأول قد نجح في طلبه فهو مفلح، و الثاني يحصل نفعا عارضا زائلا، و كمالا مؤقتا ينقلب انحطاطا، فلذلك لم ينجح في طلبه، فهو خائب، و قد عبّر عن ذلك هنا بالفلاح و الخيبة، كما عبّر عنه في موضع آخر بالربح و الخسارة.
و المقصود هنا : الفلاح في الآخرة و الخيبة فيها." انتهى كلامه رحمه الله.

ثم إن لابن القيم رحمه الله تعالى كلاما جميلا و معنى بليغا في المراد بالتزكية و التدسية :
" والمعنى قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله وأظهرها وقد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية الله، وأصل التدسية الاخفاء منه قوله تعالى ( يدسه في التراب) ، فالعاصي يدس نفسه في المعصية ويخفي مكانها ويتوارى من الخلق من سوء ما يأتي به، قد انقمع عند نفسه وانقمع عند الله وانقمع عند الخلق، فالطاعة والبر تكبر النفس وتعزها وتعليها حتى تصير أشرف شيء وأكبره وأزكاء وأعلاه ، ومع ذلك فهي أذل شيء وأحقره وأصغره لله تعالى وبهذا الذل حصل لها هذا العز والشرف والنمو، فما صغر النفس مثل معصية الله وما كبرها وشرفها ورفعها مثل طاعة الله."

إن ديننا مبني على التحلية و التخلية، فلا تحصل للعبد تزكية ما دام لم يخل قلبه من الشرك و الأهواء و النفاق و رذائل الأعمال، و لم يملأه بعد ذلك بالتوحيد و الانقياد لأوامر خالقه و اتباع نبيه ، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند هذه الآية: ((اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها)).
فنسأل الله تعالى أن يزكي أنفسنا و يعيننا على طاعته.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 جمادى الآخرة 1439هـ/23-02-2018م, 07:39 AM
سارة عبدالله سارة عبدالله غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 438
افتراضي

الاسلوب البياني

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc الاسلوب البياني.doc‏ (30.5 كيلوبايت, المشاهدات 5)
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 جمادى الآخرة 1439هـ/23-02-2018م, 11:37 PM
ابتسام الرعوجي ابتسام الرعوجي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 341
افتراضي

https://1drv.ms/w/s!AiyOjPsqV0_NeTSMVtbHZkYM4rk

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 جمادى الآخرة 1439هـ/24-02-2018م, 02:21 PM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ} الطارق (13-14)
أقسم سبحانه وتعالى في الآيات السابقة لهذه الآية بالسماء ذات السحب والغيوم والأمطار، والأرض ذات التشقق عن النباتات والزروع المختلفة، ومن بينهما تتولد النعم العظيمة، والخيرات العميمة، التي بها بقاء الإِنسان والحيوان، ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه (جواب القسم) بالثناء على كلامه بقوله: {إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وفي بيان أسلوب الآية عدة مسائل كالآتي:

- تأكيد الخبر بـ(إن) واللام، للدلالة على عظمة القرآن، وجلالة قدره، وتقرير لما تضمنه هذا الخبر، وأنه حق لا جدال فيه.

- عود الضمير في (إنه) فيه قولان:
الأول: أنه عائد على القرآن، ذكره الطبري وابن عطية وابن جزي، ورجحه الألوسي، فيكون الضمير عائد على غير مذكور قبله.
والثاني: ما تقدم من الوعيد في هذه السورة، فيكون المعنى أن ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم في اليوم الذي تبلى فيه سرائركم قول فصل وحق، ذكر هذا القول مقاتل، ورجحه الرزاي لكونه أقرب مذكور فهو أولى.
وقد جمع أبو السعود بين القولين بقوله: "أي القرآنَ الذي من جُملته ما تُلي من الآياتِ الناطقةِ بمبدأِ الإنسانِ ومعادِه".

- في إضمار ذكر القرآن قبل القسم، لبيان شدة ظهوره ووضوحه، وتأكيدا على حضوره في الأذهان، لا غيبة له عن شيء منها، كما قال البقاعي: (ولما كانت هذه كلها براهين قاطعة ودلائل باهرة ساطعة على حقية القرآن وإتيانه بأعلى البيان، فكان من المستبعد جداً طعنهم في القرآن بعد هذا البيان).

- والإخبار بلفظ المصدر (الفصل): للمبالغة في وصفه كأنه نفس الفصل، ولبيان أنه خبر حق صدق واضح، وأحكامه كلها عدل.
وهذا يقتضي معنيين:
الأول: أنه بَيِّن، قد بلغ الغايةَ في بيانه وتشريعِه وإعجازه، فبَيَّنَ فيه الحلال والحرام، وما يتقى عنه، وما يؤتى، وبيَّن فيه الصواب من الخطأ، وبيَّن فيه الوعد والوعيد.
الثاني: التفريق، وهو أنه فرق الحق من الباطل؛ فوضع كل شيء موضعه، ولم يخلط أحدهما بالآخر، وحكم يفصل بين الهداية والضلالة، وتنفصل به الحقائق من الأباطيل ويظهر كل منهما، ومنه الفصل بين الخصومات، كما يقال: هذا فصل، أي: قاطع للمراء والنزاع، كما وصف بالفرقان في مواضع أخرى.
فجاء بهذا اللفظ لإصابة كل هذه المعاني وغيرها بإيجاز.

وهذا الوصف مذكور أيضا فيما أخرجه الترمذي والدارمي وابن الأنباري وابن مردويه عن الحارث عن عليّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتاب فيه خَبَر ما قبلكم وحُكْم ما بعدكم، هو الفَصْل، ليس بالهزل، من تركه من جَبَّار قَصَمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله "

- ثم نفى عنه النقص بقوله: {وَما هُوَ بالهَزْلِ}، أي لم ينزل باللعب أو اللهو ولا بالباطل.
والهزل ضد الجد والتشمير في الأمر، كما قال الكميت: يُـجَـدّ بنـا فـي كـلِّ يـومٍ ونَـهْـزِل.
وقال قيس بن رفاعة: وما أدري وسوف أخال أدري أهزل ذا كم أم قول جد

ويطلق الهزل على الكلام الذي ليس له أصل في الفطرة ولا معنى في القلب، ويدل على الكلام الذي لا تقصد به دلالاته ومعانيه.
فمجيء كلمة (الهزل) لإثبات أنه جد محض كله لا هوادة فيه، ولا شائبة فيه من باطل أو عبث.

- وفي تأكيد النفي ب (ما) و الضمير (هو): للتنبيه على شدة إنكار الكافرين للقرآن، وجحدهم بآياته.

- وهذا الوصف للقرآن إثباتا ونفيا يفيد أكثر من معنى:
1. أن يكون معظما في القلوب، ومهيبا في الصدور، مهتما بشأنه، فيتلقاه القارئ والسامع بهذه المكانة الرفيعة، والإجلال لكونه خطاب الله لعباده أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا، فحتى وإن لم تسيطر عليه الخشية والخوف، فأدنى درجة أن يكون جادا في أخذه غير هازل، أو مازح.
2. وتأكيدا على أنه هداية للغواة، وأن خضوع رقاب العتاة له حق.
3. وليبان أن الإصغاء إليه والاستماع له، والاتعاظ بآياته، والاستنارة بتوجيهاته وإرشاداته، والائتمار بأوامره والانتهاء بنواهيه فرض، إذ كيف يكون فصلا ولا طريق إلى معرفة معناه.
4. أنه كلام أحكم الحاكمين، وأن ما أخبر به القرآن وحكم فيه من أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها هو الحق الذي لا مرية فيه والصدق الذي لا كذب معه.

- ومن المناسبة بين الآيتين:
1. أنه بعد أن ذكر وصف القرآن، كانت الآية الثانية تعريضا بالكافرين المعارضين له وموقفهم من القرآن كما في قوله تعالى: {أفمن من هذا الحديث تعجبون وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَـٰمِدُونَ} (النجم: 59 ــ 61).
2. أن البيان الفصل لا يذكر إلا على سبيل الجد والاهتمام بشأنه، وأعلاه أن يكون خاشعا باكيا كما قال تعالى: { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً} (مريم: 58).
3. الرد على المشركين إذ كانوا يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يهزل إذ يخبر بأن الموتى سيحْيَوْن، يريدون تضليل عامتهم حين يسمعون قوارع القرآن وإرشاده وجزالة معانيه يختلقون لهم تلك المعاذير ليصرفوهم عن أن يتدبروا القرآن، مصداقا لقوله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} (فصلت: 26).

المراجع:

جامع البيان للطبري
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
فتح القدير للشوكاني
إرشاد العقل السليم لأبي السعود
التفسير الكبير للرازي
الكشاف للزمخشري
البحر المحيط لأبي حيان
اللباب في علوم الكتاب لابن عادل
التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي
الدر المنثور للسيوطي
محاسن التأويل للقاسمي
روح المعاني للألوسي
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 جمادى الآخرة 1439هـ/25-02-2018م, 12:51 PM
عائشة إبراهيم الزبيري عائشة إبراهيم الزبيري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 328
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ )

هذا القرآن معجز في بيانه وألفاظه وبلاغته وغيره من الأمور، ومن إعجازه أن لكل حرف فيه معنى ومعزى وفائدة من وضعه في موضعه، ولو وضع في غير موضعه لختل النظم البديع المعجز الذي عجزت العرب عن الاتيان بمثله، وفي هذه الرسالة سأبين بعض ما يسره الله لي من الأوجه البيانية البديعية وفوائد واللطائف العجيبة من بعض آيات سورة المعارج، وفقني الله وإياكم للصواب.

ذكرت هذه الآيات بعد ذكره سبحانه وتعالى لقصة أصحاب الأخدود وما حلّ بهم وما هو جزاء الفرقين في الآخرة، وبين أن للمؤمنين منهم الجنة وللكفار المعاندين منهم لهم عذاب جهنم وعذاب الحريق، ثم أتبعه سبحانه بتبيين سبب هذا الجزاء لكلا الفريقين بقوله:
(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ): أي: إن انتقامه وأخذه لمن عصاه وكفر به وكذب رسله وعاند وجحد واستكبر لشديد عظيم قوي، فهو بطش مضاعف غير محدود، فيعذب الكفار المعاندين بهذا البطش، وفي المقابل ينتصر رسله والمؤمنين عليهم ويفرحوا بذلك، ولذلك وجه الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده، ففيه بشارة بنصر الله للمؤمنين، وفيه تثبيت لهم، وكذلك فيه تحذير وإنذار للكفار سواء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أم بعده، والبطش يشمل تعذيبه لهم في النار، وقبل دخولهم النار في الآخرة والقبر، وكذلك في الدنيا.
وقد أكد سبحانه وتعالى هذا البطش ب(إنّ) المشدد، وكذلك باللام في قوله تعالى: (لشديد)، وهي لام توكيد مزحلقه فأصلها -_لبطش ربك شديد_ ولكن لما دخلت إنّ للتوكيد، لم يصح اجتماع مؤكدان اثنان بجانب بعض، فتزحلقت اللام إلى خبر إنّ، وبهذا اجتمع مؤكدان في الآية لئلا يشك في بطش الله شاك، وقد دلت الدلائل الحسية والخبرية على بطشه هذا، فقد أهلك سبحانه وتعالى الأقوام المكذبة المعاندة لرسله في الدنيا وأبقى ما يدل على تعذيبهم وهلاكهم بشتى الطرق للعظة والعبرة، وكذلك تناقلت القبائل الأخبار عما حدث لهذه الأقوام، وجاء القرآن كذلك بأخبار هذه الأقوام وما حل بها وما سيحل بها كذلك، فمن لم يرى سمع فعلم ببطشه سبحانه وتعالى.
والعلم ببطش الله يزيد العبد خوفاً منه، وعباده قد فطروا على الخوف منه ولكن هناك من انتكست فطرته وهناك من استكبر وعاند وهناك من غطت الذنوب والمعاصي على قلبه حتى اصبح لا يخاف منه سبحانه وتعالى إلا نادراً، وهناك المؤمنون حقاً الذين خافون ويخشون من خالقهم أشد الخشية، وذلك لأن العبد كلما زاد علمه عن ربه كلما زاد خوفه وخشيته من ربه، فيتقيه باتقاء المحرمات والمعاصي، وفعل الواجبات والمأمورات، ويطيعه حق الطاعة.

ثم اتبعه سبحانه بقوله: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) وفي معنى هذ الآية قولين لأهل العلم:
1. أنه سبحانه وتعالى يخلق الخلق في الدنيا ثم يعيد إحياءهم في الآخرة، وهو الوحيد القادر على ذلك، ويستشهد لهذا القول كثرة هذا المعنى في القرآن، قال تعالى: (إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده)، وقوله تعالى: (قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده)، وغيرها الكثير من الآيات، فهو المعهود من أسلوب القرآن، وهو قول الجمهور.
ويمكننا ربط هذه الآية بما قبلها على هذا المعنى بعدة روابط منها:
- أنه سبحانه يبطش بهم في البدء والعود أي: في الدنيا والآخرة، فتكون الآية استئنافاً للآية الأولى التي ذكرت البطش في الآخرة وتكون الآية الثانية عن عذاب الدنيا، وبدأ بعذاب الآخرة لأنه أوقع على النفوس والقلوب.
- أن القادر على البدء والعود قادر على البطش فتكون الآية كالتعليل للآية السابقة.
- أن الذي بطشه شديد، قادر على البدء والإعادة، فتدمج الآية الثانية بالأولى للاستلال على البعث والنشور.

2. أنه سبحانه وتعالى يبدأ العذاب ثم يكرره عليهم، وفيه وجهان:
- أن ذلك التكرار واقع في الآخرة، كقوله تعالى: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب)
- أنهم يعذبون في الدنيا ثم يكرر عليهم العذاب في الآخرة، وهو اختيار ابن جرير الطبري رحمه الله، وقال بأنه ما تدل عليه الآيات والسياق، فإنه سبحانه وتعالى ذكر في الآيات السابقة: (فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) أي: في الدنيا، فهو يبدؤهم بالعذاب في الدنيا، ثم وعيده لهم في الآخرة، وكذلك جاءت هذه الآية بعد قوله: (إن بطش ربك لشديد) فجاءت هذه الآية لتبيان شدة بطشه الذي ذكر آنفاً، وهو أشبه بالبيان عما لم يجر له ذكر، وكذلك جاء بعده قوله تعالى: (وهو الغفور الودود) فدل على أن الذي ذكر قبله هو عن عذابه سبحانه وتعالى.
وضمير الفصل (هو) لتأكيد نسبة البداءة والإعادة لله سبحانه وتعالى، فهو لتحقيق الخبر وتقويته، وقيل هو للحصر، فهو سبحانه وتعالى هو وحده القادر على البداءة والإعادة لا أحد غيره يشاركه في ذلك.

ولما كان القادر على البطش والعنف قد لا يقدر على اللطف، وإن قدر فلا يصل إلى الكمال فيه، ولا يقدر على محو الذنوب أعيانها وآثارها بحيث لا يعاقب ولا يعاتب صاحبها من أحد، ذكر سبحانه: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) لينتفي كل ذلك، فهو القادر على كل شيء، (وهو) أي: وحده المتفرد بذلك (الغفور) الذي يغفر ذنوب التائبين فيمحوا أعيانها وآثارها، ويعفو عن سيئات المسيئين إن استغفروا وأنابوا، وكذلك يستر ذنوب عباده فلا يفضحهم بها، وغفور على وزن فعول من صيغ المبالغة، فهو بالغ المغفرة لعبادة.

(الودود) المودة هي المحبة الصافية، وودود كذلك على صيغة المبالغة فعول، وفي معنى هذا الاسم أقوال لأهل العلم:
1. المحب المتودد إلى خلقه، قال تعالى: (يحبهم ويحبونه)، فيضع كل سبب ليحبه عبادة، فيتودد إليهم بصفاته الجميلة وآلائه الواسعة وألطافه الخفية، فيتودد إليهم بمغفرته للذنوب وستره لهم سبحانه وتعالى، فهو الودود بمعنى الوادّ.
2. الذي يوده وحبه أولياه وأصفياءه، فهو سبحانه أحبهم وجعل محبته في قلوبهم، فلما أحبوه أحبهم حباً آخر، فهو الودود بمعنى المودود.
3. الذي لا ولد له، قال الشاعر:
وَأَرْكَبُ فِي الرَّوْعِ عُرْيَانَةً ... ذَلُولَ الْجَنَاحِ لَقَاحًا وَدُودَا
وهذا القول ذكره القرطبي عن المبرد عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، فيكون معنى الآية: إِنَّهُ يَغْفِرُ لِعِبَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنْ أَجَلِهِ، لِيَكُونَ بِالْمَغْفِرَةِ مُتَفَضِّلًا مِنْ غَيْرِ جَزَاءٍ، فيكون في الآية رد على النصارى الذين جعلوا عيسى عليه السلام ابن الله سبحانه وتعالى عن ذلك.
القولين الأولين أشتهر ذكرهما عند العلماء ولا مانع من احتمال الآية لهما معاً، أما القول الثالث فلم يرد عند كثير من العلماء والله أعلم.
وفي ذكره سبحانه وتعالى للودود بعد الرحيم دون غيره من الأسماء سر بديع، ففي إقران هذين الاسمين دلالة على أن أهل الذنوب إن تابوا وأنابوا، فإن الله يغفر لهم ويحبهم، فلا يقال بأنه يغفر لهم ذنوبهم ولا يرجع إليهم الود.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصادر:
1. جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري.
2. الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان للقرطبي.
3. التحرير والتنوير لابن عاشور.
4. تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
5. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي.
6. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي.
7. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي.
8. فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن للسعدي.
9. التسهيل لتأويل التنزيل (تفسير جزء عم) في سؤال وجواب لمصطفى العدوي.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 جمادى الآخرة 1439هـ/1-03-2018م, 10:24 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تقويم تطبيقات على درس الأسلوب البياني

أحسنتم زادكم الله علما ونفع بكم جميعا .

o: فاطمة إدريس شتوي.أ
أحسنتِ وفقكِ الله .
بداية الأسلوب في رسالتك أقرب للتقرير العلمي .

o: للا حسناء الشنتوفي.
أ+
أحسنتِ وفقكِ الله .
- مسألة (قد) مقدّمة على مسألة الفلاح فالترتيب الموضوعي مطلب أساسي ينبغي العناية به .

o: سارة عبدالله.
ب+
أحسنتِ وفقكِ الله .
- يحسن الجمع بين قول ابن جرير وابن كثير وصياغته بأسلوبك لبيان صورة المثل وأركانه من المشبه والمشبه به ووجه الشبه لتتضح الصورة للقارئ ، والوقوف على أركان المثل من جلّ الأوجه البيانية .


o: ابتسام الرعوجي.
أ+
أحسنتِ وفقكِ الله .
- انتبهي لهمزة الوصل في مصدر الفعل الماضي الخماسي اختلاف ، التزام ، اختيار.
وهمزة القطع في أذكر .

o: هيثم محمد.أ+
أحسنت بارك الله فيك ، وقفت على أغلب الأوجه البيانية في تفسير الآية ، لكن فاتك ذكر وجه المناسبة بين المقسم به وهو السماء والمقسم عليه وهو القرآن في مقدمة رسالتك
والتي ذكرها ابن عاشور في تفسيره.

o: عائشة إبراهيم الزبيري.ب
أحسنتِ وفقكِ الله.
- لختل الصواب لاختلّ فأصلها اختلّ مبدوءة بهمزة وصل وأُدخل عليها حرف الجر.
رسالتك يغلب عليها التقرير العلمي والوقفات البيانية قليلة جدا أو بالأحرى ذُكرت مجملة في السياق ولم تحظى بوقوف خاص عليها مثلا:
- دلالة التعبير بلفظة البطش.
- استخدام ضمير الفصل هو في قوله تعالى :{إنّه هو يُبدئ ويعيد}.
- الطباق في قوله تعالى يبدئ ويعيد... وغير ذلك .


تم بفضل الله
وفقكم الله وسددكم

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 جمادى الآخرة 1439هـ/3-03-2018م, 09:25 PM
إجلال سعد علي مشرح إجلال سعد علي مشرح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 275
افتراضي

الأسلوب البياني
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي هدى والصلاة والسلام على رسول الهدى ،اما بعد فإن الآية المختارة لهذا الأسلوب هي قوله تعالى :{إذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة -1.
هذا الآية مع إجازها ودقة ألفاظها إلا أنها تحمل الكثير من المعاني البيانية ولبيان ذلك ،نتطرق بإجمال لبيان إيجاز هذا السورة ثم التعرض لتفاصيل هذه الآية .
اولاً: من الملاحظ البيانية العامة في هذه السور:
- أن آياتها قصاروويلاحظ في هذا القصر ما فيه من القوة والجزم، بما يلقى في نفس السامع من جدية الموقف الحاسم وخطره، بحيث لا يحتمل الإطالة والتأني.
- ويلاحظ ظاهرة التكرارفي آياتها ، ومع أن التكرار مألوف في مواقف الإطناب والإطالة، إلا أنه في مواقف الإيجاز الحاسمة، يكون لافتاً ومثيراً، كما في هذه السورة من إيجازها وقسر آياتها، نجد التكرار في ثمانية مواضع.
وهذه ظاهرة أسلوبية في القرآن الكريم، يعمد إلى التكرار مع الإيجاز والقصر، ترسيخاً وتقريراً وإقناعاً.
والدارسة النفسية قد انتهت بعد طول التجارب، إلى أن مثل هذا الأسلوب هو أقوى أساليب الترسيخ والإقناع، وأشدها إيحاء بالحسم والجد.
- ويلاحظ في هذه السورة وغيرها من السور أن القرآن الكريم يصرف الحدث عمداً عن محدثه، فلا يسنده إليه، وإنما يأتي به مبنياً للمجهول، أو مسنداً إلى غير فاعله، على المطاوعة أو المجاز كما في قوله تعالى :
• {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.
• {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً....}.
• {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}.
• {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا....}.
• {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ.....}.
• {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}.
• {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}.
• {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} .
• {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} .
• {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} .
• {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} .
• {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} .

فهذا الأسلوب البياني يبين أن البناء للمجهول تركيز للإهتمام بالحدث، بصرف النظر عن محدثه، وفي الإسناد المجازي أو المطاوعة، تقرير لوقوع الأحاث في طواعية تلقائية، إذ الكون مهيأ للقيامة على وجه التسخير، والأحداث تقع تلقائياً لا تحتاج إلى أمر أو فاعل.
هذا ما يتعلق بالسورة إجمالاً .
أما ما يتعلق بالآية من الأساليب البيانية على وجه الخصوص ،في قوله تعالى : {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.(1)
افتتاح الكلام بظرف الزمان للتشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس التوقيت بل الإِخبارَ عن وقوع البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت.
معنى { زلزلت } : حُركت تحريكاً شديداً حتى يخيل للناس أنها خرجت من حيزها لأن فعل زلزل مأخوذ من الزّلل وهو زَلَق الرِّجلين ، فلما عَنَوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل للدلالة بالتضعيف على شدة الفعل.
وبُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأن فاعله معلوم وهو الله تعالى.
وانتصب { زلزالها } على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله إشارة إلى هول وشدة ذلك الزلزال.
وأضيف { زلزالها } إلى ضمير الأرض لإفادة تمكّنه منها وتكرره حتى كأنه عرف بنسبته إليها لكثرة اتصاله بها.(2)

وردت في القرآن الكريم، لفظة الزلزلة، فعلاً ومصدراً في ست مرات: منها في وصف يوم الهول الأكبر:
- في قوله تعالى :{إذا زلزلت الأرض زلزالها}الزلزلة -1.
وقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}الحج-1.
وأخرى في موقف الشدة والذعر :
كما في هول الحرب بآيات الأحزاب 11: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيد}.
والبقرة 214: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}.
وفي المرات الثلاث التي استعمل فيها الفعل، جاء ماضياً مبنياً للمجهول ،وقد سبق بيان بنيانه على المجهول.


المراجع :
(1) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور.بتصرف
(3) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف




هذا والحمدلله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1439هـ/3-03-2018م, 09:26 PM
إجلال سعد علي مشرح إجلال سعد علي مشرح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 275
افتراضي

الأسلوب البياني
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي هدى والصلاة والسلام على رسول الهدى ،اما بعد فإن الآية المختارة لهذا الأسلوب هي قوله تعالى :{إذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة -1.
هذا الآية مع إجازها ودقة ألفاظها إلا أنها تحمل الكثير من المعاني البيانية ولبيان ذلك ،نتطرق بإجمال لبيان إيجاز هذا السورة ثم التعرض لتفاصيل هذه الآية .
اولاً: من الملاحظ البيانية العامة في هذه السور:
- أن آياتها قصاروويلاحظ في هذا القصر ما فيه من القوة والجزم، بما يلقى في نفس السامع من جدية الموقف الحاسم وخطره، بحيث لا يحتمل الإطالة والتأني.
- ويلاحظ ظاهرة التكرارفي آياتها ، ومع أن التكرار مألوف في مواقف الإطناب والإطالة، إلا أنه في مواقف الإيجاز الحاسمة، يكون لافتاً ومثيراً، كما في هذه السورة من إيجازها وقسر آياتها، نجد التكرار في ثمانية مواضع.
وهذه ظاهرة أسلوبية في القرآن الكريم، يعمد إلى التكرار مع الإيجاز والقصر، ترسيخاً وتقريراً وإقناعاً.
والدارسة النفسية قد انتهت بعد طول التجارب، إلى أن مثل هذا الأسلوب هو أقوى أساليب الترسيخ والإقناع، وأشدها إيحاء بالحسم والجد.
- ويلاحظ في هذه السورة وغيرها من السور أن القرآن الكريم يصرف الحدث عمداً عن محدثه، فلا يسنده إليه، وإنما يأتي به مبنياً للمجهول، أو مسنداً إلى غير فاعله، على المطاوعة أو المجاز كما في قوله تعالى :
• {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.
• {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً....}.
• {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}.
• {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا....}.
• {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ.....}.
• {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}.
• {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}.
• {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} .
• {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} .
• {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} .
• {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} .
• {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} .

فهذا الأسلوب البياني يبين أن البناء للمجهول تركيز للإهتمام بالحدث، بصرف النظر عن محدثه، وفي الإسناد المجازي أو المطاوعة، تقرير لوقوع الأحاث في طواعية تلقائية، إذ الكون مهيأ للقيامة على وجه التسخير، والأحداث تقع تلقائياً لا تحتاج إلى أمر أو فاعل.
هذا ما يتعلق بالسورة إجمالاً .
أما ما يتعلق بالآية من الأساليب البيانية على وجه الخصوص ،في قوله تعالى : {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.(1)
افتتاح الكلام بظرف الزمان للتشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس التوقيت بل الإِخبارَ عن وقوع البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت.
معنى { زلزلت } : حُركت تحريكاً شديداً حتى يخيل للناس أنها خرجت من حيزها لأن فعل زلزل مأخوذ من الزّلل وهو زَلَق الرِّجلين ، فلما عَنَوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل للدلالة بالتضعيف على شدة الفعل.
وبُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأن فاعله معلوم وهو الله تعالى.
وانتصب { زلزالها } على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله إشارة إلى هول وشدة ذلك الزلزال.
وأضيف { زلزالها } إلى ضمير الأرض لإفادة تمكّنه منها وتكرره حتى كأنه عرف بنسبته إليها لكثرة اتصاله بها.(2)

وردت في القرآن الكريم، لفظة الزلزلة، فعلاً ومصدراً في ست مرات: منها في وصف يوم الهول الأكبر:
- في قوله تعالى :{إذا زلزلت الأرض زلزالها}الزلزلة -1.
وقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}الحج-1.
وأخرى في موقف الشدة والذعر :
كما في هول الحرب بآيات الأحزاب 11: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيد}.
والبقرة 214: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}.
وفي المرات الثلاث التي استعمل فيها الفعل، جاء ماضياً مبنياً للمجهول وقد سبق بيان بنيانه على المجهول.(3)


المراجع :
(1) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور.بتصرف
(3) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف




هذا والحمدلله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 17 جمادى الآخرة 1439هـ/4-03-2018م, 09:10 AM
رشا عطية الله اللبدي رشا عطية الله اللبدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 340
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى : ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً )

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا .

قال تعالى في أول آية من سورة الإنسان : ( هل أتى على الإنسان حيناً من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) أي زمناً طويلاً لم يكن شيئاً يذكر .

ثم ذكر سبحانه أول نعمة امتن بها عليه وهي نعمة الخلق والإيجاد وبين له بداية خلقته من ماء مهين على الوصف الذي ذكر (من نطفة أمشاج ) ثم مازال ينتقل طوراً من بعد طور إلى أن جعله ( سميعاً بصيرا) , سمعاً يسمع به آيات الله المتلوة ويدرك به حقائق الأمور وبصيراً يبصر آيات الله الكونية وآثار وحدانيته وقدرته . فقال سبحانه وتعالى : ( إنا خلقناه من نطفة أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا )

وجاءت هذا الكلمة ( نبتليه ) بين أحوال الإنسان المختلفة بين قوله : (من نطفة أمشاج ) وقوله : ( فجعلناه سميعاً بصيراً )

أي جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه , أي : مريدين ابتلائه . فقد أعطيناه ما يصح معه الاختبار من السمع والبصر .
ولعل المسألة التي ترد هنا : ما الحكمة من التقديم والتأخير؟ , لما لم يقل : ( فجعلناه سميعاً بصيراً نبتليه ), و الابتلاء والتكليف لا يكون إلى بعد اكتمال إدراك نصوص الوحي بحاستي السمع والبصر والبلوغ ؟

ذكر ابن عاشور : " وقد وقعت هذه الحال " يقصد نبتليه " بين جملة ( خلقنا ) وبين ( فجعلناه سميعاً بصيراً ) , لأن الإبتلاء أي التكليف الذي يظهر به امتثاله أو عصيانه إنما يكون بعد هدايته إلى سبيل الخير , فكان مقتضى الظاهر أن يقع ( نبتليه ) بعد جملة ( إنا هديناه السبيل ) , ولكنه قدم للاهتمام بهذا الابتلاء الذي هو سبب السعادة والشقاوة "

ثم ذكر سبحانه ثاني أعظم نعمة أنعم بها عليه وهي نعمة الهداية فقال سبحانه : ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً )
والهداية في القرآن تتناول أمران :
1) هداية بيان وإرشاد , ومنها قوله تعالى في سورة فصلت : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى )

2) هداية الإلهام والتوفيق وهي المقصودة في طلب الهداية في سورة الفاتحة في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم )
والسبيل هو : الطريق
وابن السبيل : المسافر .
والإنسان ابن سبيل مسافر إلى ربه مطيته الليل والنهار وطريقه منهج الله وسنة نبيه يقتدي بأثر الرسول وصحبه يدعو كل يوم مفتقر إلى ربه ( اهدنا الصراط المستقيم ) . يخشى التيه والضياع .
والمراد بالهداية هنا : ( إنا هديناه السبيل ): هداية البيان والإرشاد والدلالة .
والمراد بالسبيل في الآية :
قال الفراء : " هديناه السبيل , وإلى السبيل , وللسبيل , كل ذلك جائز في اللغة . "
والسبيل اسم لجنس الطريق ( طريق الخير والشر والهدى والضلال والسعادة والشقاوة ) قال تعالى في سورة النحل : ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر )

أو هو طريق الهدى فقط , يقول الرازي صاحب كتاب التفسير الكبير : " لأنها هي الطريقة المعروفة المستحقة لهذا الاسم على الإطلاق , فأما سبيل الضلالة فإنما هي سبيل الإضافة , ألا ترى إلى قوله تعالى : (إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا ) وإنما أضلوهم سبيل الهدى . "
وقوله تعالى : ( إما شاكراً وإما كفوراً )
ففيها أوجه :
1) إما أن تكون حال منصوبة للمفعول هديناه , وهي في بيان حال الإنسان من هذا البيان والهداية , إما شاكراً مطيعاً مستجيباً للبيان أو كفوراً جاحداً لهذه النعمة عاصياً لأمر ربه معرضاً مستكبراً .

2) أو قد يكون حالين من السبيل , سبيلاً شاكراٍ وسبيلاً كفورا . ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز .

3) وقرأ أبو السمال بالفتح ، ( أما وأما ) للتقسيم , يحتمل في هذا أن تكون للجزاء ( إما سبيلاً شاكراً فمثاب , وإما سبيلاً كفوراً فمعاقب . وهذه الأقوال جميعها أوردها أهل التأويل في كتبهم .

وجاءت ( كفورا) على وزن فعول من صيغة المبالغة, دون ( شاكرا) فلم يقل ( شكورا ) كا ( كفورا )
ذلك أن من طبع الإنسان الجحود والكفران ولا يوفق للشكر إلا القليل ( وقليل من عبادي الشكور ) .
وهذه اللفتات البيانية في الآية بعض ما فتح الله به على أهل العلم وتيسر لنا جمعه ولا شك أن خزائن كتاب الله ملئ وكنوزه وخيراته لا تنفذ .
المراجع :
تفسير الطبري
تفسير القرطبي
التحرير والتنوير لابن عاشور
الكشاف للزمخشري
التفسير الكبير للرازي
نظم الدرر للبقاعي
أضواء البيان للشنقيطي

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 17 جمادى الآخرة 1439هـ/4-03-2018م, 12:12 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إجلال سعد علي مشرح مشاهدة المشاركة
الأسلوب البياني
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي هدى والصلاة والسلام على رسول الهدى ،اما بعد فإن الآية المختارة لهذا الأسلوب هي قوله تعالى :{إذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة -1.
هذا الآية مع إجازها ودقة ألفاظها إلا أنها تحمل الكثير من المعاني البيانية ولبيان ذلك ،نتطرق بإجمال لبيان إيجاز هذا السورة ثم التعرض لتفاصيل هذه الآية .
اولاً: من الملاحظ البيانية العامة في هذه السور:
- أن آياتها قصاروويلاحظ في هذا القصر ما فيه من القوة والجزم، بما يلقى في نفس السامع من جدية الموقف الحاسم وخطره، بحيث لا يحتمل الإطالة والتأني.
- ويلاحظ ظاهرة التكرارفي آياتها ، ومع أن التكرار مألوف في مواقف الإطناب والإطالة، إلا أنه في مواقف الإيجاز الحاسمة، يكون لافتاً ومثيراً، كما في هذه السورة من إيجازها وقسر آياتها، نجد التكرار في ثمانية مواضع.
وهذه ظاهرة أسلوبية في القرآن الكريم، يعمد إلى التكرار مع الإيجاز والقصر، ترسيخاً وتقريراً وإقناعاً.
والدارسة النفسية قد انتهت بعد طول التجارب، إلى أن مثل هذا الأسلوب هو أقوى أساليب الترسيخ والإقناع، وأشدها إيحاء بالحسم والجد.
- ويلاحظ في هذه السورة وغيرها من السور أن القرآن الكريم يصرف الحدث عمداً عن محدثه، فلا يسنده إليه، وإنما يأتي به مبنياً للمجهول، أو مسنداً إلى غير فاعله، على المطاوعة أو المجاز كما في قوله تعالى :
• {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.
• {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً....}.
• {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}.
• {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا....}.
• {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ.....}.
• {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}.
• {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}.
• {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} .
• {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} .
• {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} .
• {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} .
• {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} .

فهذا الأسلوب البياني يبين أن البناء للمجهول تركيز للإهتمام بالحدث، بصرف النظر عن محدثه، وفي الإسناد المجازي أو المطاوعة، تقرير لوقوع الأحاث في طواعية تلقائية، إذ الكون مهيأ للقيامة على وجه التسخير، والأحداث تقع تلقائياً لا تحتاج إلى أمر أو فاعل.
هذا ما يتعلق بالسورة إجمالاً .
أما ما يتعلق بالآية من الأساليب البيانية على وجه الخصوص ،في قوله تعالى : {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.(1)
افتتاح الكلام بظرف الزمان للتشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس التوقيت بل الإِخبارَ عن وقوع البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت.
معنى { زلزلت } : حُركت تحريكاً شديداً حتى يخيل للناس أنها خرجت من حيزها لأن فعل زلزل مأخوذ من الزّلل وهو زَلَق الرِّجلين ، فلما عَنَوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل للدلالة بالتضعيف على شدة الفعل.
وبُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأن فاعله معلوم وهو الله تعالى.
وانتصب { زلزالها } على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله إشارة إلى هول وشدة ذلك الزلزال.
وأضيف { زلزالها } إلى ضمير الأرض لإفادة تمكّنه منها وتكرره حتى كأنه عرف بنسبته إليها لكثرة اتصاله بها.(2)

وردت في القرآن الكريم، لفظة الزلزلة، فعلاً ومصدراً في ست مرات: منها في وصف يوم الهول الأكبر:
- في قوله تعالى :{إذا زلزلت الأرض زلزالها}الزلزلة -1.
وقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}الحج-1.
وأخرى في موقف الشدة والذعر :
كما في هول الحرب بآيات الأحزاب 11: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيد}.
والبقرة 214: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}.
وفي المرات الثلاث التي استعمل فيها الفعل، جاء ماضياً مبنياً للمجهول وقد سبق بيان بنيانه على المجهول.(3)


المراجع :
(1) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور.بتصرف
(3) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف




هذا والحمدلله رب العالمين.

أحسنتِ وفقكِ الله وسددكِ.
الدرجة :أ
تم خصم نصف درجة على التأخير.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 24 جمادى الآخرة 1439هـ/11-03-2018م, 09:38 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا عطية الله اللبدي مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية في قوله تعالى : ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً )

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا .

قال تعالى في أول آية من سورة الإنسان : ( هل أتى على الإنسان حيناً من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) أي زمناً طويلاً لم يكن شيئاً يذكر .

ثم ذكر سبحانه أول نعمة امتن بها عليه وهي نعمة الخلق والإيجاد وبين له بداية خلقته من ماء مهين على الوصف الذي ذكر (من نطفة أمشاج ) ثم مازال ينتقل طوراً من بعد طور إلى أن جعله ( سميعاً بصيرا) , سمعاً يسمع به آيات الله المتلوة ويدرك به حقائق الأمور وبصيراً يبصر آيات الله الكونية وآثار وحدانيته وقدرته . فقال سبحانه وتعالى : ( إنا خلقناه من نطفة أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا )

وجاءت هذا الكلمة ( نبتليه ) بين أحوال الإنسان المختلفة بين قوله : (من نطفة أمشاج ) وقوله : ( فجعلناه سميعاً بصيراً )

أي جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه , أي : مريدين ابتلائه . فقد أعطيناه ما يصح معه الاختبار من السمع والبصر .
ولعل المسألة التي ترد هنا : ما الحكمة من التقديم والتأخير؟ , لما لم يقل : ( فجعلناه سميعاً بصيراً نبتليه ), و الابتلاء والتكليف لا يكون إلى بعد اكتمال إدراك نصوص الوحي بحاستي السمع والبصر والبلوغ ؟

ذكر ابن عاشور : " وقد وقعت هذه الحال " يقصد نبتليه " بين جملة ( خلقنا ) وبين ( فجعلناه سميعاً بصيراً ) , لأن الإبتلاء أي التكليف الذي يظهر به امتثاله أو عصيانه إنما يكون بعد هدايته إلى سبيل الخير , فكان مقتضى الظاهر أن يقع ( نبتليه ) بعد جملة ( إنا هديناه السبيل ) , ولكنه قدم للاهتمام بهذا الابتلاء الذي هو سبب السعادة والشقاوة "

ثم ذكر سبحانه ثاني أعظم نعمة أنعم بها عليه وهي نعمة الهداية فقال سبحانه : ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً )
والهداية في القرآن تتناول أمران :
1) هداية بيان وإرشاد , ومنها قوله تعالى في سورة فصلت : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى )

2) هداية الإلهام والتوفيق وهي المقصودة في طلب الهداية في سورة الفاتحة في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم )
والسبيل هو : الطريق
وابن السبيل : المسافر .
والإنسان ابن سبيل مسافر إلى ربه مطيته الليل والنهار وطريقه منهج الله وسنة نبيه يقتدي بأثر الرسول وصحبه يدعو كل يوم مفتقر إلى ربه ( اهدنا الصراط المستقيم ) . يخشى التيه والضياع .
والمراد بالهداية هنا : ( إنا هديناه السبيل ): هداية البيان والإرشاد والدلالة .
والمراد بالسبيل في الآية :
قال الفراء : " هديناه السبيل , وإلى السبيل , وللسبيل , كل ذلك جائز في اللغة . "
والسبيل اسم لجنس الطريق ( طريق الخير والشر والهدى والضلال والسعادة والشقاوة ) قال تعالى في سورة النحل : ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر )

أو هو طريق الهدى فقط , يقول الرازي صاحب كتاب التفسير الكبير : " لأنها هي الطريقة المعروفة المستحقة لهذا الاسم على الإطلاق , فأما سبيل الضلالة فإنما هي سبيل الإضافة , ألا ترى إلى قوله تعالى : (إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا ) وإنما أضلوهم سبيل الهدى . "
وقوله تعالى : ( إما شاكراً وإما كفوراً )
ففيها أوجه :
1) إما أن تكون حال منصوبة للمفعول هديناه , وهي في بيان حال الإنسان من هذا البيان والهداية , إما شاكراً مطيعاً مستجيباً للبيان أو كفوراً جاحداً لهذه النعمة عاصياً لأمر ربه معرضاً مستكبراً .

2) أو قد يكون حالين من السبيل , سبيلاً شاكراٍ وسبيلاً كفورا . ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز .

3) وقرأ أبو السمال بالفتح ، ( أما وأما ) للتقسيم , يحتمل في هذا أن تكون للجزاء ( إما سبيلاً شاكراً فمثاب , وإما سبيلاً كفوراً فمعاقب . وهذه الأقوال جميعها أوردها أهل التأويل في كتبهم .

وجاءت ( كفورا) على وزن فعول من صيغة المبالغة, دون ( شاكرا) فلم يقل ( شكورا ) كا ( كفورا )
ذلك أن من طبع الإنسان الجحود والكفران ولا يوفق للشكر إلا القليل ( وقليل من عبادي الشكور ) .
وهذه اللفتات البيانية في الآية بعض ما فتح الله به على أهل العلم وتيسر لنا جمعه ولا شك أن خزائن كتاب الله ملئ وكنوزه وخيراته لا تنفذ .
المراجع :
تفسير الطبري
تفسير القرطبي
التحرير والتنوير لابن عاشور
الكشاف للزمخشري
التفسير الكبير للرازي
نظم الدرر للبقاعي
أضواء البيان للشنقيطي

أحسنتِ بارك الله فيكِ.
الدرجة :أ
تم خصم نصف درجة على التأخير.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 1 رجب 1439هـ/17-03-2018م, 09:46 PM
عبدالعزيز ارفاعي عبدالعزيز ارفاعي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله ((والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر))
الأسلوب البياني

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلاة على أشرف الأنبياء والمرسيلن نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فهذه السورة مع أنها من أقصر سور القرآن وكونها ثلاث آيات فقط إلا أنها قد حوت أسباب السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة وبينت أسباب الخسارة والشقا, وهذا الأمر يدل على بلاغة هذه السورة وحسن بيانها مع وجازتها فقد ذكر ابن كثير في تفسيره ذاكر فضائلها قول عمرو بن العاص لمسيلمة الكذاب" لقد أنزل عليه – يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم- سورة وجيزة بليغة ثم تلا السورة , وذكر الطبراني من طريق حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن عبيد اللّه بن حصنٍ أبي مدينة، قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا التقيا لم يفترقا إلاّ على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثمّ يسلّم أحدهما على الآخر, وقد قال الشافعي رحمه الله :لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم"" ,فبداء الله هذه السورة بالإقسام بالعصر ,ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته وليس للمخلوق أن يقسم إلا بخالقه ,والقسم بالعصر هنا لدلالة عليه والتنبه على أهميته ,فما المراد بالعصر ,إن اطلاق كلمة عصر ,إما يدل على اسم ذات أو يدل على اسم معنى ,فإن دل على اسم ذات فإما يدل على الصلاة (أي صلاة العصر ) وهذا سائغ في العربية تسمية المظروف بظرفه, او تكون الذات هي الزمن نفسه فإما أن يكون خاصاً ومحدد وهو من زوال النهار إلى غروب الشمس أو يكون مطلقاً فيكون وكل هذا ورد فيه أقوال عن المفسرين على النحو التالي :
1- صلاة العصر قاله مقاتل و اختاره الزمخشري وذكر الرازي الأدلة على ذلك بدليل قوله تعالى: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله". ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجارتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بمعايشهم"
2- العشي وهو آخر النهار قاله قتادة والحسن وقال ابن عطية في تفسيره عن أبي بن كعب ورجحه ابن عاشور في تفسيره.
3- الدهر أو الوقت الذي فيه حركات ابن آدم من خير وشر وهو ما اختاره ابن جرير وتبعه ابن كثير وابن القيم والسعدي والأشقر .
((إن الانسان لفي خسر)) أي أن جنس الانسان في نقص وخسارة ,وهذا جواب القسم وقد جاء مؤكدا بثلاث تؤكيدات :
1- كونه جواب للقسم.
2- تصدريه بحرف إن وهو حرف توكيد ونسخ.
3- دخول حرف اللام على الخبر في جملة جواب القسم.
وهذا تنبيه على أهمية جواب القسم كما أن دخول الواو على القسم نفسه في قوله ((والعصر)) تنبيه أيضا على أهمية القسم نفسه
((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) استثنى من جنس الانسان عن الخسران من اتصف بأربع صفات ,صفتين يكمل بهما نفسه وأخريين يكمل بهما غيره ,فالأوليان هما صفة العلم والعمل أي الإيمان والتصديق بالقلب وبأركان الايمان الستة والعمل الصالح الذي لابد له من الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ,والصفتان الأخريان التي يكمل بهما غيره هي التواصي الحق الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه الشرعية والتواصي بالصبر فمن يقوم بواجب الدعوة والبلاغ لا بد له أن يحصل له من الأذى والكيد ما يحتاج معه إلى صبر ومن الصبر أيضا الصبر على طاعة الله والصبر عن معاصي الله والصبر على أقدار الله المؤلمة ,فمن حقق هذه الصفات الأربع حتما لابد له أن يكون في الجهة المقابلة للخسر وهي الفوز بالمثوبة والأجر والنجاح والفلاح .
بقي أن نذكر من بلاغة هذه السورة أنها اشتملت على
1- الشروط الأربعة للنجاة وكأنها الجهات الأربع محيطة بالانسان من كل جانب
ف"الإيمان "اختبار للقلب
و"العمل" اختبار للجسد
و"الحق" اختبار للعقل
و"الصبر" اختبار للنفس.
2- الشروط واقعة على كل المجالات:
المجال الباطني والظاهري
المجال العلمي والعملي
المجال الفردي والجماعي..

3- ملاحظة صيغة قولوه تعالى((وتواصوا)) فهي من التفاعلية التي ليس فيها تميز أحد عن أحد أو أن الأمر بالعروف والنهي عن المنكر خاص بناس عن ناس وكذلك الصبر بل بعضهم في عون بعض وفي هذا حثا على الحياة المجتمعة وعدم الانعزال والعيش كالجسد الواحد.
4- أنها تشمل جميع أصناف الناس فهم على فريقين إما خاسرون ,وإما رابحون فائزون بما عند الله ,وهم الأقل بدليل أنهم المستثنى وفي قواعد اللغة المستثنى دائما أقل من المستثنى منه وفي هذا تصديق قوله تعالى ((وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ))

هذا والله أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
المراجع:
تفسير ابن كثير
تفسير ابن عطية
تفسر الزمخشري
تفسير ابن عاشور
تفسير ابن الجوزي
تفسير السعدي
تفسير الأشقر
التفسير البياني
تفسير بياني لسورة العصر من موقع أهل التفسير









شكر الله لكم كادت أن تصيبني الدهشة وأنا أنتقل هنا وهناك محاولا الكتابة في الموضوع ليزداد يقيني بعظمة هذا القرآن وكيف أنه لا تنقضي عجائبه فيا لله ما أبعد النعجة وكم بيننا وبين معانيه وعجائبه وكنوزه من مفاوز وقفار فإلى الله المشتكى

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 2 رجب 1439هـ/18-03-2018م, 09:21 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالعزيز ارفاعي مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية في قوله ((والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر))
الأسلوب البياني

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلاة على أشرف الأنبياء والمرسيلن نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فهذه السورة مع أنها من أقصر سور القرآن وكونها ثلاث آيات فقط إلا أنها قد حوت أسباب السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة وبينت أسباب الخسارة والشقا, وهذا الأمر يدل على بلاغة هذه السورة وحسن بيانها مع وجازتها فقد ذكر ابن كثير في تفسيره ذاكرا فضائلها قول عمرو بن العاص لمسيلمة الكذاب" لقد أنزل عليه – يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم- سورة وجيزة بليغة ثم تلا السورة , وذكر الطبراني من طريق حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن عبيد اللّه بن حصنٍ أبي مدينة، قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا التقيا لم يفترقا إلاّ على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثمّ يسلّم أحدهما على الآخر, وقد قال الشافعي رحمه الله :لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم"" ,فبداء الله هذه السورة بالإقسام بالعصر ,ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته وليس للمخلوق أن يقسم إلا بخالقه ,والقسم بالعصر هنا لدلالة عليه والتنبه على أهميته ,فما المراد بالعصر ,إن اطلاق كلمة عصر ,إما يدل على اسم ذات أو يدل على اسم معنى ,فإن دل على اسم ذات فإما يدل على الصلاة (أي صلاة العصر ) وهذا سائغ في العربية تسمية المظروف بظرفه, او تكون الذات هي الزمن نفسه فإما أن يكون خاصاً ومحدد وهو من زوال النهار إلى غروب الشمس أو يكون مطلقاً فيكون وكل هذا ورد فيه أقوال عن المفسرين على النحو التالي :
1- صلاة العصر قاله مقاتل و اختاره الزمخشري وذكر الرازي الأدلة على ذلك بدليل قوله تعالى: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله". ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجارتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بمعايشهم"
2- العشي وهو آخر النهار قاله قتادة والحسن وقال ابن عطية في تفسيره عن أبي بن كعب ورجحه ابن عاشور في تفسيره.
3- الدهر أو الوقت الذي فيه حركات ابن آدم من خير وشر وهو ما اختاره ابن جرير وتبعه ابن كثير وابن القيم والسعدي والأشقر .
((إن الانسان لفي خسر)) أي أن جنس الانسان في نقص وخسارة ,وهذا جواب القسم وقد جاء مؤكدا بثلاث تؤكيدات :
1- كونه جواب للقسم.
2- تصدريه بحرف إن وهو حرف توكيد ونسخ.
3- دخول حرف اللام على الخبر في جملة جواب القسم.
وهذا تنبيه على أهمية جواب القسم كما أن دخول الواو على القسم نفسه في قوله ((والعصر)) تنبيه أيضا على أهمية القسم نفسه
((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) استثنى من جنس الانسان عن الخسران من اتصف بأربع صفات ,صفتين يكمل بهما نفسه وأخريين يكمل بهما غيره ,فالأوليان هما صفة العلم والعمل أي الإيمان والتصديق بالقلب وبأركان الايمان الستة والعمل الصالح الذي لابد له من الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ,والصفتان الأخريان التي يكمل بهما غيره هي التواصي الحق الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه الشرعية والتواصي بالصبر فمن يقوم بواجب الدعوة والبلاغ لا بد له أن يحصل له من الأذى والكيد ما يحتاج معه إلى صبر ومن الصبر أيضا الصبر على طاعة الله والصبر عن معاصي الله والصبر على أقدار الله المؤلمة ,فمن حقق هذه الصفات الأربع حتما لابد له أن يكون في الجهة المقابلة للخسر وهي الفوز بالمثوبة والأجر والنجاح والفلاح .
بقي أن نذكر من بلاغة هذه السورة أنها اشتملت على
1- الشروط الأربعة للنجاة وكأنها الجهات الأربع محيطة بالانسان من كل جانب
ف"الإيمان "اختبار للقلب
و"العمل" اختبار للجسد
و"الحق" اختبار للعقل
و"الصبر" اختبار للنفس.
2- الشروط واقعة على كل المجالات:
المجال الباطني والظاهري
المجال العلمي والعملي
المجال الفردي والجماعي..

3- ملاحظة صيغة قولوه تعالى((وتواصوا)) فهي من التفاعلية التي ليس فيها تميز أحد عن أحد أو أن الأمر بالعروف والنهي عن المنكر خاص بناس عن ناس وكذلك الصبر بل بعضهم في عون بعض وفي هذا حثا على الحياة المجتمعة وعدم الانعزال والعيش كالجسد الواحد.
4- أنها تشمل جميع أصناف الناس فهم على فريقين إما خاسرون ,وإما رابحون فائزون بما عند الله ,وهم الأقل بدليل أنهم المستثنى وفي قواعد اللغة المستثنى دائما أقل من المستثنى منه وفي هذا تصديق قوله تعالى ((وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ))

هذا والله أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
المراجع:
تفسير ابن كثير
تفسير ابن عطية
تفسر الزمخشري
تفسير ابن عاشور
تفسير ابن الجوزي
تفسير السعدي
تفسير الأشقر
التفسير البياني
تفسير بياني لسورة العصر من موقع أهل التفسير









شكر الله لكم كادت أن تصيبني الدهشة وأنا أنتقل هنا وهناك محاولا الكتابة في الموضوع ليزداد يقيني بعظمة هذا القرآن وكيف أنه لا تنقضي عجائبه فيا لله ما أبعد النعجة وكم بيننا وبين معانيه وعجائبه وكنوزه من مفاوز وقفار فإلى الله المشتكى
زادك الله علما ونفع بك .
الدرجة: أ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir