دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 ربيع الأول 1438هـ/21-12-2016م, 02:15 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب الحجاج

تطبيقات على درس أسلوب الحجاج
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 ربيع الأول 1438هـ/22-12-2016م, 09:44 PM
رضوى محمود رضوى محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 237
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}.
أي قل يا محمد لليهود والنصارى الذين زعموا أن دينهم خير من دينكم، ونبيهم خير من نبيكم، وأنهم أولى بالله منكم {أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ} أي أتجادلوننا وتخاصموننا في شأن الله في اصطفائه نبيا من العرب وأنه فضله وفضل أمته على العالمين .
والمحاجة هي الحوار بالحجة فكل فريق يأتي بحجة تؤيد قوله والمحاجة تكون بين حق وباطل أو باطل وباطل لأن الحق واحد وطرق الباطل متعددة .
والاستفهام لتوبيخ اليهود والاحتجاج لأهل الإيمان وتحديد الأمر بكلمة (قل) لنلتفت أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم هي البلاغ و الأمر كله من عند الله .
وقد زعم اليهود أنهم أولى بالنبوة ،وأن الأنبياء كلهم منهم، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لو كان نبيا لكان منهم ،وأنهم أولى بالإيمان من العرب الذين عبدوا الأوثان، وكانوا يقولون كما في سورة البقرة { لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى}.
فمحاجتهم سببها الحسد الذي في قلوبهم وتكبرهم واعتقادهم بأن الله اختصهم بالفضل والكرامة دون غيرهم.
{وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} أي نحن وأنتم سواء في الله فهو ربنا وربكم وهو مالك أمرنا وأمركم وهو واحد عدل لا يجور ، فلماذا لا يمن علينا بما من به عليكم؟، قال تعالى:{ يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}،وهذاتأكيد للإنكار عليهم وتوبيخهم وإبطال حجتهم.
{وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} فكل منا له عمله وكل منا مجازى على عمله ونحن أحسن عملا منكم لأنكم مشركون بالله فأنتم تشركون باللهعزيرا والمسيح والأحبار والرهبان ونحن مخلصون له ،والله سبحانه وتعالى ينظر إلى الأعمال وإلى القلوب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لاينظر الى أجسامكم ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم.
{وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} وهذا فيه إظهار أن المسلمين أولى بالله من اليهود وفيه توبيخ لليهود على إشراكهم بالله تعالى فعباد الله الموحدين يخلصون له العبادة وحده .
والإخلاص أن يخلص العبد دينه، وعمله لله تعالى فلا يشرك في دينه ولا يرائي بعمله ،وقال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
فبعد أن بين الله سبحانه وتعالى القدر المشترك بين الفريقين من الربوبية والجزاء على الأعمال ، ذكر ما يتميز به المؤمنون من الإخلاص لله تعالى في العمل والاعتقاد وبذلك يحصل التفضيل فيكونوا بذلك أولى بالله من غيرهم فالإخلاص هو طريق الخلاص.
وفي هذا تنبيه على أن من أخلص لله استحق أن يكون من أهل كرامته.
وفي الآية تبكيت لليهود وإبطال لزعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه وأنه لا ينجو إلا من كان على طريقتهم فالفوز عندهم بعمل أسلافهم وليس بأعمالهم.
المصادر:
المحرر الوجيز لابن عطية
التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري
معالم التنزيل )تفسير البغوي)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي
تفسير الكريم الرحمن للسعدي
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي
التفسير الكبير لفخر الدين الرازي
تفسير الألوسي
تفسير الشعراوي
التفسير الكبير المسمى بالبحر المحيط لأثير الدين الأندلسي
تفسير المنار لمحمد رشيد رضا

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 ربيع الأول 1438هـ/24-12-2016م, 06:15 PM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

رسالة في محاجة موسى عليه السلام لفرعون من الآيات :

(( وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون ، قال رب إني أخاف أن يكذبون ، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ، ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ، قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون ، فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ، أن أرسل معنا بني إسرائيل ، قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ، قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ، ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ، وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ، قال فرعون وما رب العالمين ، قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ، قال للملأ حوله ألا تستمعون ، قال ربكم ورب آبائكم الأولين ، قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ، قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ، قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ، قال أولو جئتك بشيء مبين ، قال فأت به إن كنت من الصادقين )) الشعراء ( 15 - 31 )

إن في قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون ومع قومه لعبرا ، وإن في محطات حياته لفكرا وعلما كثيرا ... وقد اعتنى القرآن الكريم بتفاصيلها أيما عناية ... فنرى الموقف الواحد يورد بصور مختلفة ... يسلط الضوء في كل منها على جانب من جوانب القصة ...ومن أهم تلك الجوانب محاججة كليم الله موسى عليه السلام لفرعون أعتى عتاة الأرض إذ بين القرآن كيف يحاجج صاحب الحق أهل الباطل المعاندين ولو كانوا بلغوا من عتوهم ما بلغوا ... وعَرّف بأساليب الباطل وانتفاشه وتقزمه أمام الحق وضعف حجته ومنطقه ... وكيف يتعامل صاحب الحق معه ...
وكنت سأبدأ بالمحاجة فورا ... لكني وجدت أن من النافع التقديم لها بما سبقها من الآيات لأنها وصف كامل لما يعتري كل داع إلى الحق ... وما يحتاج استصحابه معه ليشد عوده ويقوي حجته ... ( وبالله حولي واعتصامي وقوتي .... ومالي إلا ستره متجللا )
وبيان ذلك فيما يلي :
أولا : جاءت بداية القصة آيات التكليف الرباني لموسى عليه السلام ... بم كلف ،؟ وسمات خصمه الذي كلف بالذهاب إليه ودعوته ، ثم خصائص النفس البشرية وضعفها ... و كيف يستحيل ذاك الضعف قوة عند إدراك العون والتأييد الرباني ...
🔹فالله تعالى يقول ( وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون )
فبين الله لموسى طبيعة القوم المكلف بدعوتهم ( القوم الظالمين ) :
1- فبين أنهم ظالمون وهذا أدعى للحذر منهم ،
2- ثم إنه عرف الصفة والموصوف والتعريف هنا للعهد الذهني ، فكأن موسى لما قال له ربه القوم الظالمين ورد على ذهنه قوم فرعون فأكد الله له ذلك بقوله ( قوم فرعون ) وهي بدل من القوم الظالمين ...
3- واختصاصهم بوصف الظلم حتى كأنه سمتهم زيادة بيان لحالهم ... وجاء وصفهم بالصفة المشبهة لتأكيد ثبوت وملازمة الصفة لهم ، ثم أكده بالبدل استبعادا لأي خيار آخر فهم القوم الظالمون ، مع أن موسى عاش في كنفهم وعرف ظلمهم ، لكن ذلك البيان كان مؤكدا لاستمرار حالهم حتى بعد خروج موسى هاربا ...

🔸ولذلك التقديم أهمية كبرى ... أن يعرف المحاج طبيعة خصمه فلا يستهين به ويهيئ للقاء عدته ويأخذ أهبته ... فهم قوم ظالمون ... ظالمون لأنفسهم بالكفر واتخاذ آلهة دون الله ، وظالمون لغيرهم بالاستعباد والقتل ... (عن ابن عباس قال : الظالمين : الكافرين ) رواه ابن أبي حاتم
أفلا يتقون ... فيرعوون عما هم فيه من ظلم وضلال ... ويخشون ربهم فيؤمنون ...

ثانيا : بعد بيان الله لموسى عليه السلام طبيعة القوم الذين أرسل إليهم بث موسى عليه السلام مخاوفه فقال :
🔹( قال رب إني أخاف أن يكذبون ، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ، ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ) ... فهي ثلاث أمور خشيها موسى عليه السلام :
1- خاف عليه السلام أن يكذبوا دعوى إرساله ثم يكذبوا فحوى تلك الرسالة وما سينتج عن التكذيب من بطش وظلم ... وثم يضيق صدره بتكذيبهم
2- خاف ألا ينطلق لسانه للعقدة التي فيه فلا يقوى على الاسترسال في الكلام ويزداد ذلك مع ضيق الصدر بتكذيبهم ،
3- ثم إنه خشي أن يؤخذ ويقتل بقتله القبطي الذي وكزه عندما استنصره الإسرائيلي عليه قبل ان يبلغ الرسالة ... (( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه )) القصص 15
وقد وردت تلك المخاوف كذلك في موضع آخر في سورة القصص ( قال رب إني قتلت منهم فأخاف أن يقتلون ، وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )33، 34
عن ابن عباس قال ( شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير الكلام فآتاه الله سؤله فحل عقدة لسانه ، وفي قوله فأرسل إلى هارون : سأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردئا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه ) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره .

🔸ويتبين من ذلك ضرورة معرفة صاحب الحق نقاط ضعفه ليقويها قبل لقاء خصمه ... وذلك من وضوح صاحب الحق مع نفسه ... وشعوره بالأمانة الملقاة عليه ، فلا يريد أن يؤتى من قبله لضعف فيه لم يفصح عنه ... فإن لكل إنسان جوانب قوة وجوانب ضعف ، بعضها داخلي وبعضها خارجي ... فأما الداخلي هنا كضيق الصدر وعقدة اللسان ... وأما الخارجي فخوفه أن يؤخذ بمن قتل ويبطش به فلذلك يسأل ربه العون والسند ( فأرسل إلى هارون ) ليكون معه ردءا يصدقه ، ويكون معه ظهيرا وينطق إن عقد لسانه .. وفي ذلك إرشاد أنه ليس ضعفا في المجادل عن الحق أن يطلب عونا ممن يراه أهلا للإعانة والإبانة ... فقد يكون هو المجادل لكن بعض جوانب الجدال ليس بارعا فيها وغيره أبرع منه فيعضده ...

ثالثا : إن من أهم ما يقوي المجادل عن الحق والمنافح عنه معرفته أنه على الحق وأن الله ناصره ومعينه ... فاستشعار المعية الربانية يملأ القلب أنسا وسكينة وطمأنينة وثقة فلا يتزعزع ... ومن ذلك نرى سحرة فرعون لما آمنوا قالوا بعد تهديدهم بالقوة ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) طه 72 ، فهذا الرسوخ وذلك الثبات إنما يجيء باستشعار ذلك العون ...
🔹وكذلك كان لكليم الله ... يجيؤه التطمين الرباني لكل ما خاف منه :
1 - ( قال كلا ) إبطال لما خطر بباله من اقتدارهم عليه ، كلا لن يصلوا إليك ولن يقتلوك ... فهذا التطمين الأول أن القوم لن يصيبوك بأذى فلا تخف ( فلا يصلون إليكما )
2 - والتطمين الثاني : أننا سنرسل معك أخاك عونافيكون معك رسولا ، فاذهبا معا إلى فرعون ( قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما ) 35 ،
3 - والثالث : أن معكما آياتنا الباهرات المبينات فلا يقوم للقوم حجة معكما وستكون لكما الغلبة فلا تخافا بطشا ولا غلبا ... ( بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) القصص35 .. والباء هنا للمصاحبة أي مستصحبان آياتنا معكما ... والغلبة لكم أنتما ومن اتبعكما ... وفي ذلك إشارة أنه سيكون لهم تبع ... وهذا مما يبعث على القوة والنشاط في الدعوة ...
4 - والتطمين الرابع ( إنا معكم مستمعون ) معية الله لهما وإحاطته بما سيجري علما ... وقوله مستمعون وليس" سامعون" يدل على مزيد عناية ... فالاستماع أخص وأبلغ من السماع لكونه مقدما ب( الألف والسين والتاء ) من ( استفعل ) وهي تفيد طلب الشيء والعناية به ...
وبتلك التطمينات زالت المخاوف .... وحلت مكانها قوة الحق وطمأنينة المؤمن الواثق بربه والمستشعر معيته ... والأمانة التي يحملها ويود تبليغها ... ولذلك نرى موسى عليه السلام في كل مناظرته لفرعون ثابت لا يتردد ولا يتلعثم ... وفي أحلك المواقف التي يوقن فيها كل من معه بهلكته يقول ( كلا إن معي ربي سيهدين ) الشعراء 62

🔸وكذلك صاحب الحق ، متى أدرك وأيقن يقينا جازما أن ما معه هو الحق ، وأن الحق لا محالة غالب ، وعلم أنه مؤيد من رب السماء وأنه في معيته ما دام منتصرا للحق منافحا عنه .... فإنه سيسير واثق الخطو رابط الجأش قوي النفس لا يهاب ترهيبا وتخويفا ... فهو في معية من هو أكبر وأعظم جل وعلا ...

وبهذا الحق وذلك السند الأخوي والتأييد الرباني ينطلق موسى عليه السلام إلى فرعون ليدعوه ..

رابعا : أمر موسى عليه السلام بدعوة فرعون إلى أمرين :
🔹( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ، أن أرسل معنا بني إسرائيل )
1 - يدعوه إلى رب العالمين ، إلى عبادته وتوحيده ونفي ما سواه مما يسمى آلهة ، فقد بلغ من طغيان فرعون أنه قال ( أنا ربكم الأعلى ) النازعات 24 ، وقال لقومه حين استخفهم ( ما علمت لكم من إله غيري ) القصص 38 ، وظن أنه بملك مصر قد ملك العالم وتصرف فيه بما يشاء ... فجاءت دعوة موسى لتهدم ذلك ، وكذلك كل دعوات الأنبياء تبدأ بالأساس الذي إذا صلح صلح ما بعده ... توحيد الله وحده بالربوبية والألوهية ونفيها عمن سواه وتنزيهه عن كل مالا يليق به سبحانه ...

2 - وثم يدعوه إلى ترك استعباد بني إسرائيل وإطلاقهم ... فقال تعالى : ( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ، أن أرسل معنا بني إسرائيل ) فلا يستقيم إيمان مع ظلم ... فهؤلاء قوم وقع عليهم ظلم عظيم باستعبادهم سنينا ... ولا بد لتمام الدعوة من الأمرين إيمان ورفع ظلم ...

🔸ولذلك أهمية عظيمة ، وضوح ما يحاجج فيه ويدعو إليه صاحب الحق ... فهذا الوضوح يعيده إلى الأصل والأساس كلما حاول الباطل شده إلى معارك فرعية ... وجدالات في أمور لو بين أساسها وصححه ما احتاج أن يتحدث فيها ...

** وطوى تعالى بلاغ موسى لأنه فهم من السياق أن موسى أتى فرعون وبلغه أنه رسول رب العالمين وأنه يدعوه لعبادة الله وحده وتحرير بني إسرائيل من عبوديتهم ، وجاء بيان ذلك في الأعراف ( وقال موسى يا فرعون إني رسول رب العالمين ، حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق ، قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ) ( 104 - 105 ) ....

🔸 وتنطلق الآيات لذلك المشهد ...الحق في مواجهة الباطل ...

خامسا : كعادة الباطل الذي لا يطيق سماع الحق ويبحث عن مطعن في الدعوة بدأ فرعون ، بانتفاشة باطله واعتداده بنفسه وزهوه وظنه أنه بمقالته سيحرج كليم الله ويعثره فيحار جوابا معه ... ويثير شبهات في ظنه أنها مطعن في أصل الرسالة ... فيعمد إلى محاولة إعثار موسى عليه السلام ... ويلجأ إلى منع المقدمة ابتداء ( وهي كون موسى رسول ) بما ظن هو بعتوه وجهله وقصر نظره أنها ستفحم نبي الله وترده وتثنيه عن رسالته ....فيقول بعد أن سمع مقالة موسى عليه السلام :

🔹( قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ) ؟؟
1 - فيمن عليه بتربيته له وليدا صغيرا وذلك حين وجدوه في اليم وقالت امرأة فرعون ( لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا )القصص 9، فربي في منزل فرعون ... ولبث فيهم عمرا قيل أنها أربعون سنة لقوله تعالى ( ولما بلغ أشده واستوى ) وذلك يقال عند الأربعين ، وقيل أقل من ذلك ... وقال ذلك إما :
- على سبيل التقرير له بالأمر ...فالاستفهام المنفي يحمل معنى التقرير أي يراد تقرير السائل بمحتواه ،
- وقيل بل الاستنكار مما أقبل يدعوه إليه وهو ربيب نعمته ... فكأنه يقول ألست أنت ذلك الوليد الذي وجدناه في اليم فربيناه ومكثت فينا عمرا حتى بلغت أشدك واستويت ... أفهذا رد جميلنا عليك ... أن تأتي بعد هذا العمر فتدعو إلى غيرنا وتجحد نعمتنا وفضلنا ... ويريد بذلك حمل موسى على الإقرار أن نعم أنا ذلك الوليد الذي ربيته ، فيكون ذلك إحراجا له كما ظن عدو الله .

2 - يذكره بلبثه سنين وآنه خلال تلك الفترة لم يسمع أحد بمقالته ولم يدع أحد أنه رسول فكيف جئت أنت بما جئت ومن أين لك هذا
وذلك إنكار لأصل الرسالة ... قبل أن يجادل في فحواها ... ظنا أنه سيحرجه باعتباره جاحدا ...

ثم إن عدو الله ظن أن الحجة ستلزم كليم الله ، ويبكته في ما سيذكره ، فذكره بما اعتقده ناسيا له :
🔹 ( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) ...
3 - فعيره بقتله القبطي ونصره على الإسرائيلي ... وشنع عليه في ذلك فقال تهويلا لفعلته ( وفعلت فعلتك التي فعلت ) فلم يسم فعلته وإنما كنى عنها ونسبها إلى موسى ... كأنه يقول لموسى عليه السلام : نحن لم ننسى فعلتك ، وليست اي فعلة بل هي فعلة غاية في الشناعة ... وهي مشهورة معروفة ... والجميع يعرف أنك فاعلها ... وكأنه بذلك يشير له أنك لم تلق جزاءك عليها ونحن لم ننسها ... وذلك أسلوب في التهويل والتخويف ، وهو كقوله تعالى ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) لعظم ما يغشاها مما لا يناله وصف ، وكذلك ( فغشيهم من اليم ما غشيهم ) لعظم ما غشيهم من اليم وإغراقه لهم ... فاستخدم معه أسلوب التشنيع لفعلته وأن من فعل هذا الفعل كيف يكون رسولا داعيا إلى خير ...

4 - بل زاد في التشنيع عليه فقال ( وأنت من الكافرين )
- أي الجاحدين لنعمتي وتربيتي ورعايتي لك ... فمن حظي مني بما حظيت به من عناية ورعاية ليس له معي إلا الطاعة والخضوع ... فما فعلته معك لا يستلزم إلا ذلك ... عن سعيد بن جبير قال في ذلك ( من فرعون على موسى حين رباه يقول كفرت نعمتي ) رواه ابن أبي حاتم
- وقيل من الكافرين أي حالك يوم قتلت الرجل أنك كنت كافرا كما تصفنا الآن ، فأنت لم تكن يومها على هذا الذي تزعم أنه الحق .... وقتل النفس جرم لا يقبله أحد لعظمه وأنت فعلته ...
قال ذلك تشنيعا عليه وانتقاصا وبيانا لعدم استحقاقه للرسالة ...فاعتبر فرعون موسى جاحدا له ولفضله عليه ... وأن من هذه صفته لا يصح أن يكون داعيا إلى خير كما يزعم ...
فأورد هذه الشبهات عليه وظن أن موسى عليه السلام بذلك سيتلعثم وسيلزم الحجة أمام هذه الحجج القوية - بنظره -... وأنه بذلك أصاب الرسالة في مقتل إذ طعن بشخص المرسل ، ولم يعلم عدو الله أن من كان الله معه فلا شيء يخذله ...

سادسا : بإجابة الواثق الذي لم تهتز له شعرة من كلام فرعون ... وبثبات المؤمن يرد عليه موسى عليه السلام ، فيبدأ بالأهم وهما تهمتا القتل والكفر ...
🔹( قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ) ...
ولعل إجابة موسى نزلت كالصاعقة على فرعون إذ ربما توقع لعثمة وتراجعا واعتذارا ... وربما توقع إنكارا ... لكن الحق حق ... وأهم ميزة فيه أنه ينتصف حتى من نفسه ... وجواب موسى لفرعون جاء صادما مفحما من ناحيتين :
1 - أقر موسى بموجب كلام فرعون ووافقه على مقولته ( قال فعلتها إذن ) فأقر على نفسه بقتله القبطي . وإذن هنا ظرفية ... أي في ذلك الحين ... فانتصف من نفسه ووافق خصمه على طريقة القول بالموجب ... إذ أخذ حجته التي أراد بها دفع إمكانية أن يكون رسولا ، ونقض ما استدل عليه من كونها ناقضة للرسالة ... قال فعلتها إذن ... فاقض ما أنت قاض ... فإني لن أهابك ، والله معي سيحميني ... ولن يمكنك من الوصول إلي أو النيل مني ...

2 - دفع عن نفسه تهمة الكفر ... وقال يصف نفسه وقت الحادث ( وأنا من الضالين ) أي لم أكن كافرا بل كنت من الضالين ... والضلال تأتي بمعنى الجهل ، وقرأ ابن مسعود ( الجاهلين ) وهي تفسيرية ... وتأتي بمعنى فساد الطريق ، وتأتي بمعنى النسيان كقوله تعالى ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )
- فأثبت جهله يومها بما تؤدي إليه وكزته ... فهو لم يكن متعمدا قتله وإنما وكزه فقضى من وكزته ... وجهله حين ارتكبها وقت فورة غضب فذهب عن الصفح والحلم وأخذ بالقوة ، فأدى إلى قتل ولذلك قال ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له )

-وقيل أي أنه لم يكن قد جاءني من الله شيء وقتها، فاعتبر ما قبل الرسالة ضلالا ، ( قال ابن زيد : أي قبل أن يأتيني من الله شيء كان قتلي إياه ضلالة وخطأ ) رواه ابن أبي حاتم ..
فهذه كلها تدل على أنه لم يقتل النفس بقصد القتل ... وإنما كان القتل خطأ ... وشتان بين العمد والخطأ .
عن ابن إسحاق قال : ( قال فعلتها إذن وأنا من الضالين : أي خطأ لا أريد ذلك )
وعن مجاهد قال : ( من الضالين : من الجاهلين ..)
رواه ابن أبي حاتم

3 - ثم استرسل يبين أن الذي ادعى فرعون أنه محبط أصل دعوته قد كان مفتاح خير فيها ... فعارضه بقلب الأمر عليه وبيان بطلان ما استدل به ، فما استدل به لا يقوم مقام الاستدلال لما أراد ... فقال :
🔹( ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين )
- فيخبره موسى أن هذه الحادثة هي التي كانت سبب خروجه من مصر بعد مشورة الرجل الصالح ( إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج ) 20... ( فخرج منها خائفا يترقب )21 القصص
- ثم إنه لما خرج من مصر وهب الله له الحكم وهو النبوة ...
- وألحقه الله بركب الأنبياء قبله ، وجعله من المرسلين ...
فالله أعلم حيث يجعل رسالته ... وليس لك أنت يا فرعون أن تقرر أن هذا يصح أن يحمل رسالة وذاك لا يحق له ... فالله قد غفر له وحمله الأمانة فأعطاها حقها ...( قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ، قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له ) القصص 15، 16
وبذلك نقض عليه ما ادعاه من كونه غير مستحق لأن يكون رسولا ...

4 - ثم كر موسى على قول فرعون الأول بعد أن فرغ من الأهم وأنهى قضية الكفر والقتل ... وهو منه عليه بالتربية ...
🔹 ( وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل )
وفي ذلك وجهان :
أ - فهو إما أنه يقولها تقريرا ... أي يقر على فرعون تربيته له حتى مبلغ مبلغ الرجال ... بمعنى نعم أنت ربيتني ... وكان ذلك في وقت اتخذت بني إسرائيل عبيدا وخدما ... لكنك لم تعبدني معهم ... وتلك نعمة لك علي ... وذلك تسليم بما قال... فكأنه يقول له ونعم ولكن لا تمنع منتك علي أن يكرمني ربي بالرسالة وأن يرشدني إلى الحق ... وتلك هنا عائدة على ( تربيته وليدا عند فرعون )
وأن عبدت بمعنى ( لأنك عبدت ) أي هي نعمة لأنك ربيتني ولم تقتلني فيمن قتلت ولم تستعبدني فيمن استعبدت ...
واعتباره إقرارا هو قول الكوفيين لأنهم رفضوا اعتباره استفهاما محذوف الهمزة ...

ب - وقيل بل قالها على وجه الاستنكار ، وذلك باعتبار التعبير استفهاما إنكاريا( أو تلك نعمة تمنها علي ؟ ) وذلك على رأي البصريين الذين جوزوا حذف همزة الاستفهام مع بقائه استفهاما .... وجعل ( أن عبدت بني إسرائيل ) بدلا من تلك ، أي وهل تعبيدك بني إسرائيل نعمة تستحق أن تمنها علي ، وهل كنت سأربى عندك لو لم تظلم بني إسرائيل وتقتل مواليدهم ؟؟؟ وما حاجة أمي أن تفعل ما فعلت لو لم تخش علي قتلا ؟!!... وهل تربيتك لي وحدي مع قتلك كل المواليد من قومي هو نعمة ؟، فأي نعمة تلك ،!!!. أولم تعلم أن إساءتك لقومي إساءة لي ... ؟؟ والتعبيد التذليل والاستخدام ... كل ذلك إساءة لا تستحق مجازاة عليها بخير كما تدعي ...

🔸وعلى أي الوجهين كان الكلام ففيه نقض لحجة فرعون :
- فعلى الأول أنه إقرار : إنصاف ... وإنصاف خصمك من أكثر ما يؤثر في دعوتك لأنه يعلم أنك تنتصر للحق فقط بلا شخصنة ... وليس غايتك إلا بيان هذا الحق ...

- وعلى الثاني معارضة بقلب الأمر عليه ... فهذا الذي تدعيه وتسميه نعمة ما هو إلا كبير ظلم وبطش منك ... فليس لك عندي فيها فضل ... وليس لك أن تمتن ...
ولعل الثاني أقرب إلى حال موسى مع فرعون وأظهر من الأول ... والله أعلم

سابعا : فلما أسقط في يد عدو الله ... وعم أنه لن يثني موسى عن دعوته ... وأنه لا يستطيع أن يطعن في شخص موسى عليه السلام من ناحية استحقاقه لحمل الحق ؛ عمد إلى مقالة موسى فسأله عنها ... فموسى قال ( إني رسول رب العالمين ) فقال فرعون
🔹 (قال فرعون وما رب العالمين ) وما : للتصور ، ويسأل بها عن الماهية وعن الجنس ... ولأن فرعون لا يؤمن بإله ... ويعتبر نفسه إلها .... فإنه سأل موسى تهكما : وأي شيء هو رب العالمين ... فقيل هو سؤال عن الجنس لا عن الماهية لأن من لايؤمن بشيء ولا يعتقد وجوده لا يسأل عن ماهيته ... وقيل بل هو عن الصفة ... وعلى أي من المعاني فإن إجابة موسى كانت تصحيحا لمسار السؤال وصرف لما يجب أن يسأل عنه فعلا ... فإن الله لا يسأل عن ماهيته ولا عن جنسه ...فقال موسى عليه السلام لما رأى فرعون مستفهما عن الرسالة وترك الحديث عنه ... فقال مبينا ...

🔹( قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) فأرشد بذلك أن الله تعالى يستدل عليه من مخلوقاته ... وأنه تعالى هو رب العالمين ... وبدأ بذكر السماوات والأرض وما بينهما لأنها أعظم ما حولهم من المخلوقات ... ومن تفكر فيها بعقل متبصر أرشده وهداه إلى الله تعالى ... وفي هذا الدليل حقائق منها :
1 - أن الرب هو المربي والمدبر والمتصرف في الأمور كلها ... فإن كنت يا فرعون وأنتم أيها الملأ تزعمون وتدعون له الربوبية فأي شيء من شأن السماوات والأرض ومابينهما دبره وسواه ... فإن عظمتها لا يقدر عليها فرعون ... ففرعون بشر مثلهم لا يقدر على شيء مما ذكر لهم ، فمن أين يكون ربا كما يدعي وهو لا يقدر على تدبير شؤون مملكته دون من سخرهم واستعبدهم وجعلهم لخدمته ...

2 - أن السماوات التي رفعت بغير عمد وزينت بالنجوم وملئت بالكواكب والأجرام ، كل منها يسير بمقدار وفق نظام وسرعات لا تختل ... ولا يغير جرم مساره ، وهي على عظمتها محكمة الصنعة متقنة البناء بلا فطور ولا شقوق ... فإن كان عندكم قلب يوقن بحقائق الآشياء فسيدرك أن رب السماوات هو الواحد القهار .... وإن كنتم توقنون بشيء فالله أحق أن توقنوا به ...

3 - والأرض التي تعيشون عليها تأملوا كيف طحاها وذللها لكم ... وأوجد في باطنها الكنوز التي تستخرجون ... وجعل على ظهرها أوتادا وأنهارا وبحارا ووديانا ... فمن الذي أرساها بالجبال تثبتها لئلا تميد بكم ، وأحاطها بالمياه لا يبغي بحرها على أرضها ... وجعل منها المياه عذبة ومنها مالحة يلتقيان فلا يختلط الماءان... وجعل بحارا وأنهارا وينابيع ووديانا ، وأنبت في الأرض من النباتات التي تسقى بماء واحد ويفضل بعضها على بعض في الأكل ...

4 - ثم إنه ملأ السماوات والأرض وما بينهما بأصناف المخلوقات التي سخرها لكم لتنتفعوا بها ، فسخر لكم الانعام مع ما فيها من فوائد ... والخيل والبغال والحمير لتركبوها ... وجعل الطير مختلفا أشكالها وألوانها ... ومخلوقات البحار لايشبه أحدها أخاه ... وملأ الكون ألوانا زاهية ... لتمتع الناظر لها وتبهج المتأمل ... كل ذلك لو أعملتم عقولكم وأزلتم عنها غشاوة التقليد والانصياع سيرشدكم إلى الرب الواحد ..

5 - أن النظام المحكم والنواميس التي تسير وفقها الخلائق لا تتغير ولا تتبدل ... ولا تخرج عما أمرت به إلا يوم أن يأمر الله الكون لتزول الدنيا بما فيها ... وذلك يدل أن خالقها ومدبرها واحد أحد فرد صمد فهو كما قال تعالى ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء 22 ، وقال ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ) المؤمنون 91 ، فإن وجود أكثر من مدبر لنفس الأمر يفسده لأنه لابد من تنازع واختلاف ... تعالى الله عن ذلك ، فإن أدنى متأمل لها سيدرك أن الصانع واحد ...

🔸فاستحث موسى عليه السلام قلوبهم وعقولهم لتفكر وتتفكر وتعرف من رب كل شيء حولها .... فقال ( إن كنتم موقنين ) أي إن كان عندكم قلب توقنون به حقائق الأشياء وعقل مستبصر فستعلمون أن رب العالمين هو رب السماوات والأرض ومابينهما ...
وذلك كقوله في سورة طه عندما سأله فرعون ( قال فمن ربكما يا موسى ، قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) 49، 50 ، وقال ( ، الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ، كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) 53، 54....

فلما علم عدو الله أن ما قاله موسى الحق ، وخشي أن يؤثر كلامه في الملأ حوله فيتبعوا موسى ،... انتقل إليهم متعجبا من عدم ردهم على موسى أو إنكارهم مقالته فسألهم سؤال المتهم لأسماعهم كيف سمعت - إن كانت سمعت - ولم ترد ، مستنكرا عليهم ذلك ، حاثا لهم على الرد ...
🔹 فقال ( قال لمن حوله ألا تستمعون ) ؟ ألا تستمعون مقالته فتردوا عليها ... أسمعتم كيف ينسب الربوبية لغير فرعون وأنتم ثم صامتون ، ألا تجيبون أم أنكم لا تستمعون أصلا ... وهو بذلك يحاول أن يغلق قلوبهم وعقولهم إن كانت بدأت تتحرك عند سماع حجة موسى عليه السلام ...
- وفيه أيضا تعريض بإجابة موسى عن سؤال فرعون ، إذ الأصل في الجواب مطابقة السؤال ، وأنا سألته عن ربه فأجابني بآثاره

لكن موسى عليه السلام والذي علم أن فرعون لم يحر جوابا ولم يجد ما يقول ، وأنه قال ما قال استنجادا بالملأ حوله ليسعفوه ببعض كلام ويرفعوا عنه تبعة الدفاع عن ربوبيته المزعومة في قوله ( أنا ربكم الأعلى ) ... لم يكترث لفرعون وحول حديثه إلى الملأ علهم يعقلون ...
🔹 ( قال ربكم ورب آبائكم الأولين ) فانتقل من دليل العظمة حولهم إلى أنفسهم هم ... هم وآباؤهم ... وفي هذا الدليل من إثبات الربوبية الكثير منها :
1- أن ربهم الحق هو الذي أوجدهم من العدم وأوجدهم في بطون أمهاتهم وغذاهم ورعاهم وتعهدهم وكلأهم بعنايته ليخرجوا إلى هذا العالم بشرا أسوياء تامي الخلقة ... فمن أين لفرعون ذلك ... وهل رعاهم في بطون أمهاتهم ليكون لهم ربا ...

2- أن فرعون بشر مثلهم جاء من أم وأب ، وولد كما يولد أي طفل ... والرب الحق والإله الواحد لم يلد ولم يولد إذ يستحيل فيه مشابهة المخلوقين ، وإلا بأي شيء سيكون إلها إن كان مثلهم ...

3- أن ربهم الحق هو الذي وهبهم القدرات التي عندهم ، من سمع وبصر ونطق وعقل وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ... وخلقهم في أحسن تقويم مستووا القامة ليسوا كغيرهم ...

4- أن ربهم هو رب آبائهم ... وفي هذا قطع على فرعون بادعاء الربوبية ، فإن الرب باق لا يموت ، وها هو فرعون قد جاء من فرعون سابق ، وقد مات آباؤه ، وأنتم كذلك قد مات آباؤكم فكيف تعبدون من يدركه الفناء ... وأنتم ترون الموت عيانا ماثلا أمامكم كل يوم ... وتعلمون أنه أضعف ما يصل الخلق ، فكيف بمخلوق ضعيف أن يكون ربا من دون الله ...

وقد كانت هذه صفعة لفرعون وضربة قاصمة لعنجهيته وتكبره ... فما كان منه إلا أن فعل ما يفعله كل متكبر ... أن ينتقل من موضوع الرسالة إلى صاحبها ليغمزه ويطعن فيه ... فحاد عن الحجج وقال :
🔹 ( إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ) ... وهو بذلك :
1 - يحاول أن يحافظ على ما تبقى له في نفوس الملأ حوله والذين لو عقلوا كلام موسى آمنوا به وتركوا فرعون وادعاءاته الكاذبة ...
2 - نسب الرسول لهم ( رسولكم ، أرسل إليكم ) وكأنه يرفع من شأن نفسه أنه أعلى من أن يرسل له رسول ، وهذا الرسول إنما جاء لكم أنتم لا لي ...
3 - سماه رسولا مع إنكاره رسالته وذلك تهكما ومحاولة لتضليل من حوله وثني نفوسهم وعقولهم عن التأثر ...
4 - رماه بالجنون مع أن مقالته لا يقولها إلا من أنصف عقله من نفسه ... ولكنه أراد دفع حجته بأي شيء ...

🔸لم يلتفت نبي الله موسى عليه السلام إلى مقالة فرعون واستمر باقيا في حججه ليلزم القوم بها ... ولم ينجر دفاعا عن نفسه كما أراد له فرعون ... فقال :
🔹( رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ) وفي ذلك الحجة من البيان الذي يقطع عليهم كل شيء :
1 - إن كان خلق السماوات والأرض وما بينهما لم يقنعكم بأن ربكم هو الله وحده . وإن كان خلقكم وخلق آبائكم وموتهم وما يتكرر أمامكم من مشاهد الموت والولادة لم تقنعكم فلعل هذا الدليل يفحمكم ، فالله الذي أدعو إليه هو رب المشرق والمغرب ... ورب الشروق ورب الغروب ... وهو مشهد يتكرر أمامكم كل يوم فتشرق الشمس من المشرق وتغرب من المغرب ويشرق القمر خلفها ويغرب ... ويأتي النهار ثم الليل ثم النهار والليل ، وتأتي فصول السنة تبعا لذلك ... وذلك منذ ولدتكم أمهاتكم وقبل مولد فرعون ... منذ أن أوجد الله الخليقة ووضع لها نواميسها ... فإن كان فرعون الذي تتخذونه ربا هو رب ذلك فليغير في النواميس شيئا ... أوليس ربا كما يدعي ... فليرينا قدرته ...

2 - أن الرب الذي أدعو إليه هو رب ما حولكم من الممالك في مشرق الأرض ومغربها ... وفرعون ليس له إلا ملك مصر ، فأين هو من الربوبية وملكه ناقص ... وأين هو عن مشرق الأرض ومغربها وحكمها ... فأي ربوبية تدعون له ....

3 - عارض فرعون في اتهامه له بالجنون فرد عليه باتهامهم في عقولهم إن كانوا لا يؤمنون بالله ... فالمجنون هو من يتخذ بشرا وحجرا وجرما وخلقا آلهة من دون الله ... هذا هو الجنون الحق ... فإن كانت عندكم عقول وتدعون أنكم العقلاء فهذه أدلة العقل بين أيديكم فتأملوا ...

4 - أخشن لهم القول بعد أن لان لهم بداية بقوله ( إن كنتم موقنين ) تحريكا لقلوبهم وعقولهم ، ثم قال لهم أخيرا ( إن كنتم تعقلون ) وذلك ردا على اتهامه بالجنون ، وطرقا على عقولهم علها تعي ... فإن كان لين الجانب لم ينفع معهم فلعل الخشونة توقظهم من سباتهم وتوقظ عقولهم من غفلتها ...

🔹فقال فرعون ( قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) ... وهذا رد من أفلس وانقطع به الجواب ... أن ينتقل من الحجة والمنطق والعقل إلى التهديد بالقوة ... فذلك أبين الانقطاع وأوضحه ... فما بقي له شيء يرد به ولا يحاور فيه فقد قطع عليه الطريق من كل باب .. وفي تهديده ...
- شعر فرعون أن ملكه ينهار أمامه ، وأن جبروته وقوته تضاءلت أمام حجة موسى فحاول منتفشا أن يثبت لنفسه مكانه مرة ثانية فقال ( لئن اتخذت إلها غيري ) وفيه :
1 - القسم ( باللام الموطئة للقسم )
2 - نهي ليس لموسى فحسب ، بل هو تهديد لموسى والملأ الذين يستمعون إذ خشي أن قوة الحجة تلزمهم الإيمان فلجأ إلى التهديد
3 - نسب لنفسه الألوهية هنا - أخزاه الله ولعنه -
4 - مع تعدد آلهة القبط التي يعبدونها لأنهم كانوا وثنيين إلا أنه جعل نفسه فوق كل من سموهم آلهة ونفى وجود غيره ...
5 - قوله ( لأجعلنك من المسجونين ) بدلا من ( لأسجننك ) فيه زيادة تهديد ، ف( ال ) التعريف للعهد ...وهو يدل أن موسى والمستمعون يعرفون تماما حال المسجونين عند فرعون ، فسجن فرعون كان موتا ، إذ يدخل المسجون في مكان مظلم مقطوع عن العالم وتنقطع أخباره فلا يُعرف عنه شيء ولا يعلم هو أطلع عليه نهار أم لا ، فالمسجون عنده ميت قبل أن يموت ... فكأنه يقول لأجعلنك ممن عرفت حالهم وصفتهم من المساجين عندي فاحذر على نفسك ... وأكد تهديده ب( اللام الموطئة للقسم ، اللام الواقعة في جواب الشرط ، نون التوكيد في ( أجعلن ) ، والاسم في ( المسجونين ) ...

🔸فلما علم موسى عليه السلام انقطاع فرعون تماما ... وحيدته إلى لا دليل ... بل إلى تهديد بالقوة ... علم أنه لن تنفعه مزيد حجج ، وأنه لعله تنفعه وقومه المعجزات الحسية ...
🔹فقال ( قال أولو جئتك بشيء مبين ) أي هل ستجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء مبين واضح لا لبس فيه ...
فقال فرعون تهكما واستنفادا ( كما ظن ) لما عند موسى من الأدلة :
🔹 ( قال فائت به إن كنت من الصادقين ) إن كنت صادقا في زعمك أن ما ستأتي به مبين واضح وأنه لن يبقى لنا بعده إلا اتباعك فائت بذلك الشيء ...
وهنا انتقل المشهد إلى المعجزات الحسية ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ) ... وانتقل من الإقناع العقلي إلى الإفحام بالإعجاز وبخرق النواميس الكونية والإتيان بما لا يقدر عليه بشر ...


المصادر والمراجع :
- جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير الطبري ( 310 هـ )
- تفسير ابن أبي حاتم ( 327 هـ )
- النكت والعيون للماوردي ( 450 هـ)
- الكشاف للزمخشري ( 538 هـ )
- المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ )
- زاد المسير في علوم التفسير لابن الجوزي ( 597 هـ)
- كشف المعاني في متشابه المثاني لابن جماعة الكناني ( 733 هـ )
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
- البرهان في علوم القرآن للزركشي ( 794 هـ )
- فتح الرحمن بما يلتبس على قارئ القرآن لأبي زكريا الأنصاري ( 926 هـ )
- عيون المناظرات لأبي علي عمر السكوني ( 1317 هـ )
- محاسن التأويل للقاسمي ( 1332 هـ )
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور ( 1393 هـ )
- آداب البحث والمناظرة للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( 1393 هـ)
- أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة للدكتور حمد بن إبراهيم العثمان

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الأول 1438هـ/25-12-2016م, 12:01 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

قال الله تعالى :{قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) }الجمعة

في الآية إقامة البرهان على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صحة نبوته وإلزام الحجة على اليهود .وبيان كذبهم لما ادعوه..من أنهم أفضل الناس وأنهم أحباء لله ..وأن لهم منزلة و مكانة عند ربهم..وغيرها من الدعوى .فكانوا يفتخرون على الناس بذلك .فأبطل الله قولهم. .بأمور

{ قُلْ يأيها الَّذِينَ هَادُوا}


1-النداء فيه تهكم
هَادُوا هُمُ الْيَهُودُ ؛ كما أنهم تسمية أخرى في القران وهى بني إسرائيل..ونودوا في الآية بيهود دون بني إسرائيل لأن المقام مقام تهمك....
قال ابن عاشور : فَنُودُوا بِهِ هُنَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ الْمَقَامَ لَيْسَ مَقَامَ ثَنَاءٍ عَلَيْهِمْ أَوْ هُوَ تَهَكُّمٌ.

{ إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ}


2- استعمال "إن" الشرطية الدالة على عدم الجزم بتحقق الشرط
إن: بحرف الشرط يفيد عدم الجزم بتحقق الشرط.. وفيه استبعاد وقوع زعمهم لأنه باطل...
3- تسمية دعواهم زعما
.زعمتم : الزَّعْمُ وَالزَّعَمُ لُغَتَانِ:
يقال زعم فلان...في القول الذي لا يتحقق أو يضعف فيه التحقق و تتقوى فيه شبه الإبطال
قَالَ اللَّيْثُ:
أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ زَعَمَ فُلَانٌ إِذَا شَكُّوا فِيهِ فَلَمْ يَعْرِفُوا أَكَذَبَ أَوْ صَدَقَ....ذكره الرازي
وبهذا يتبين أن ادعائهم ولاية و قرب المنزلة.وأنهم أفضل الخلق.. .أمر لا يستند إلى برهان ولا حجة.

{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }


4- إلجاءهم إلى نقض دعواهم..أو الشك فيها.
تمنوا أمر للتعجيز والمعنى اطلبوا الموت لأنفسكم.إن كنتم صادقين في زعمكم .. لتصيروا إلى ما تزعمونه من الكرامة والسعادة ورفعة المنزلة لأن من شأن الولي أن يؤثر الآخرة ونعيمها وراحتها .والموت خير له من الدنيا . ومبدأ ذلك النعيم وطريقه هو الموت ..لا طريق له غيره..فإن كان الرفعة في الدارة الآخرة مطلوبة لكم فليكن الموت مطلوبا لكم.. لأن ما يتوقف عليه المطلوب وجب أن يكون مطلوبا...فإن لم تطلبوا الموت دل ذلك أنكم كاذبون في زعمكم.
قال الرازي: "لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْخَصْمِ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا فَافْعَلْ كَذَا إِلَّا وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُهُ لِيَصِحَّ إِلْزَامُ الثَّانِي عَلَيْهِ.".
وليس لهم بعد الإلجاء والضيق إلا أحد أمرين
- إما أن يؤمنوا بالله ورسوله.
- وإما أن يتمنوا الموت ..
فامتنعوا من ذلك.؛ فظهر عيانا للجميع كذبهم وبهتهم وبغيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم..وظهرت حجة رسول صلى الله عليه وسلم
5-تعليق الأمر على شرط مفقود دليل على عدم تحققه ووجوده
علق طلبهم الموت بشرط صدقهم..وصدقهم منتف مفقود لأن اليهود من شأنهم الكذب والافتراء..فإذا فقد و انعدم الشرط كان ذلك موجبا إلى انعدام المشروط وعدم تحققه.

{ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ }

6-الحكم عليهم أنهم لن يتمنوه أبدا
لن ولا يتمنوه أبدا....خبر قاطع على أنه لا يقطع ذلك أبدا في المستقبل؛ وفيه تحد عظيم لليهود..ذلك أنهم لما يسمعوا هذه الآية " وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا" فهم بأحد حالين
إما أن يتمنوا الموت فيظهر بذلك كذب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "" وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا" وعليه تبطل نبوته ورسالته ؛ وهم كانوا حرصين أشد الحرص على تكذيبه؛ و إلحاق التهم إليه.
وإما أن لا يتمنوا الموت فيظهر بذلك صدق النبي الله عليه وسلم فليزمهم أن الدار الآخرة ليست لهم.
فلم يقدروا على تجاوز هذا الحد رغم أن الطلب هذا سهلا الإتيان به ودواعي تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم قائمة.. فأبان الله بهذا كذبهم و تعنهم
وفي الآية دليل من دلائل النبوة وصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
..لأن قوله " وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا " خبر غيبي ؛ وقع كما أخبر.. لم يقدروا على نقضه رغم أن الأمر كان في وسعهم.فدل ذلك أنه وحى من عند الله.
قال ابن عاشور: وَقَدْ عُدَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي دَلَائِلِ نُبُوَّةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا نَفَتْ صُدُورَ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى أَنْ يُظْهِرُوا تَكْذِيبَ هَذِهِ الْآيَةِ.
وقال .. وَهِيَ أَيْضًا مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَائِلِ عِنْدَ أُولَئِكَ الْيَهُودِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَيْقَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَأَيْقَنَ أَنَّ بَقِيَّةَ قَوْمِهِ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَنَّاهُ أَحَدٌ لَأَعْلَنَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِحِرْصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى إِبْطَالِ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَيُفِيدُ بِذَلِكَ إِعْجَازًا عَامًا عَلَى تَعَاقُبِ الْأَجْيَالِ كَمَا أَفَادَ عَجْزَ الْعَرَبِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ علم جَمِيعُ الْبَاحِثِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. .
"بما قدمت أيديهم" : فلا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم من المعاصي والآثام و الذنوب على اختلاف أنواعها من ذلك تحريف التوراة وتبديلها وتغيير نعت مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام؛ وقتل الأنبياء .
قال ابن جرير: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن اليهود وكراهتهم الموت، وامتناعهم عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمني الموت، لعلمهم بأنهم إن فعلوا ذلك فالوعيد بهم نازل، والموت بهم حال؛ ولمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول من الله إليهم مرسل، وهم به مكذبون، وأنه لم يخبرهم خبرا إلا كان حقا كما أخبر. فهم يحذرون أن يتمنوا الموت، خوفا أن يحل بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب.

{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}
7-تهديد له ووعيد
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" زجر لهم وتهديد لأنه إذا كان عالما بالظالمين فهو قادر عليهم لا يعجزونه ولا يفوتونه سيعاقبهم على ظلمهم.




المراجع
- جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري ( : 310هـ)
-المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ)
-
زاد المسير في علوم التفسير لابن الجوزي ( 597 هـ)
-
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ)
-مفاتيح الغيب = التفسير الكبير لفخر الدين الرازي ( 606ه )
- فتحُ البيان في مقاصد القرآن لأبي الطيب محمد صديق خان بن حسن لقِنَّوجي ( 1307هـ)
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (: 1393هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ربيع الأول 1438هـ/25-12-2016م, 05:59 AM
منى محمد مدني منى محمد مدني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 344
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية في الجدال في قصة إبراهيم بسورة الأنبياء

قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ(62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71) سورة الأنبياء



هذه آيات عظيمة اشتملت على جملة من الحجج البينة الجلية والتي يرد بها على عبدة الأوثان والاصنام ويبين للمجادل الطرق والسبل التي يسلكها في مجادلة هؤلاء ويبين له أسباب تمسكهم بعبادتهم لها وكيف يرد عليهم ..
وقصة إبراهيم وإن كانت قد مرت في غابر الأزمان فإن مافيها من طرق الحجاج والجدال والإفحام وبيان نفسيات المجادلين بالباطل وأفكارهم وما أستقر في نفوسهم هونفسه الواقع اليوم ..
ومن يجادل عبدة الأوثان اليوم في الهند واليابان والصين وغيرها سيجد مصداق ذلك فيجد من أهم أسباب تمسكهم بعبادة الأوثان التقليد الأعمى للآباء والأجداد وسيجد تعصبهم عن قبول الحق وسيعرف مداخل نفسياتهم وكيف يتعامل معهم وماهي ردود الفعل المتوقعة منهم ..
وبناء على ماسبق كان لزاماً على من أراد أن يقتحم باب مجادلة عبدة الأوثان أن يرجع لهذه الآيات المباركة ويستلهم منها الهدايات التي تنير طريقه وتسدد رميه ...
ويتأمل فيها ..
ويدقق النظر ..
ويقف معها طويلاً...
وإبراهيم الخليل هو إمام الموحدين حقق التوحيد ودعا إليه وقاوم الشرك وأهله وجادلهم وبين ماهم عليه من باطل في عبادتهم للأصنام وقد بين الله في كتابه مجادلته لعبدة الأوثان ومنهاآيات في سورة الأنبياء وسورة الشعراء وسورة مريم وسورة البقرة وسورة الصافات وفيها تعريض بكفار قريش الذين عبدوا الأوثان وهذه المجادلة نبع مستمر لكل من أراد مجادلة عبدة الأوثان والأصنام .


(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
آتى الله إبراهيم رشده والمراد بالرشد الهدى والرأي الحق ورؤية ملكوت السماوات والأرض مما يسبب الرشد وذلك على علم من الله بإبراهيم وأنه أهل لذلك الرشد وعليه ينبغي لمن أراد أن يجادل أن يبحث عما يزيد رشده فيتأمل في ملكوت السماوات والأرض ويتعلم أسماء الله وصفاته ويقبل على القرآن والسنة
ومما يستفاد من قوله (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ) أن يحرص الإنسان على طهارة قلبه وأن يخلص لله فيكون قصده بالحجاج وجه الله ورضاه وبيان الحق لا الدنيا ومتى ماعلم الله ذلك منه فتح له أبواب التوفيق والسداد وبارك في دعوته .
( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
في الآية استفهام وسؤال فيه استدراج وتمهيد لبيان ضلالهم فسألهم عن التماثيل التي مثلوها بأيديهم واللفظ فيه دلالة على عجزها وانحطاطها وعدم استحقاقها للعبادة ثم قال التي أنتم لها عاكفون والعُكوفُ المُقَامُ على الشيء وذلك ليبين أنها لا تستحق هذا العكوف عندها وهذا أمر بين لمن تأمل بعقله .
ومن هنا ينبغي لمن يجادل أن يختار الأسئلة والاستفهامات التي يطرحها على الخصم وينتقي كلماتها بحيث يكون في السؤال نفسه دلالة على باطله ، ومن جهة أخرى يكون في السؤال تمهيد واستدراج لنقض باطله فلا تكون أسئلة عشوائية بل دقيقة ومرتبة بحيث تنسف الباطل نسفاً.
( قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)
فيه دلالة على أن عبدة الأوثان ليس عندهم دليل ولابرهان ولا حجة ولاعقل وإنما هو الهوى وتقليد الآباء وهذا الأمر موجود إلى زماننا فمن يعبد الأوثان ويتمسك بها إنما يفعل ذلك تقليداً للآباء وإتباعاً للهوى فيتفطن لذلك
(قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)
أجابهم إبراهيم بقوله (لقد كنتم ) مؤكداً بلام القسم (أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ) بين لهم أن ماعليه الآباء ضلال وهم متبعون لهم في ضلالهم (فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) وفي تفيد الانغماس في الضلال ومبين أي ظاهر لاشبهة فيه
ومن هنا يستفاد أن صاحب الحق يبين ماعليه أهل الباطل من الضلال ويصرح بذلك وإن كان حجتهم إتباع الآباء فيبين لهم خطأ ماكان عليه الآباء وأن لاعذر لهم في إتباعهم الآباء
( قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
وجهوا إلى إبراهيم عليه السلام هذا السؤال شكاً في حاله ولذلك نسبوه للعب والمزاح
(قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
اشتمل جواب إبراهيم عليه السلام على أمور :
· الإضراب عن قولهم (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)بقوله (قَالَ بَلْ)فنفى وأبطل أن يكون من اللاعبين وعليه ينبغي لمن يحاج أن يرد كل تهمة باطلة يتم توجيهها إليه
· في قوله (رَبُّكُمْ)أي خالقكم ورازقكم ومدبر أموركم ومن كانت هذه صفته استحق العبادة وحده فالرب مستحق للعبادة لما له من الكمال والإنعام بخلاف الأصنام الناقصة العاجزة فإنها لاتستحق العبادة ولا أن تكون في مقام الشراكة للرب العظيم
· (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) الرب العظيم خالق السماوات والارض ومدبر أمرهما الذي أوجد مافيها من الشمس والقمر والكواكب العظيمة المسخرة بأمره وحده المستحق للعبادة وهذا الأمر متقرر عن عبدة الأوثان ، وفي الآية دليل عقلي بأن الخالق الرازق المتصف بصفات الكمال هو المستحق للعبادة وهذا الدليل يرد به على من أشرك بالله فعبده وعبد معه الأوثان وأيضاً يخاطب به من عبد الأوثان من دون الله فيقال له :هل الصنم الذي تعبده خلق السماوات والارض وخلقك ،ثم ماهي صفاته ، ثم تذكر أسماء الله وأوصافه وماله من العظمة والكمال والجلال وهذا من انفع الأدلة التي يحاج بها المجادل لأن ربوبية الله من الأمور المستقرة في الفطر فكل النفوس مفطورة على وجود خالق عظيم له صفات الكمال مستحق للعبادة وحده دون سواه
· (وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)بين لهم أنه مرسل من عند الله وأنه يشهد بأن الله وحده هو المستحق للعبادة وهذا دليل سمعي والدليل السمعي هو المنقول عن الرسل عليهم السلام
وعليه ينبغي لمن يجادل أهل الباطل أن لايخلو كلامه من أدلة القرآن والسنة النبوية فإن للنص قوة وسلطان وهيمنة فيجمع بذلك بين الدليل العقلي والدليل السمعي

(وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
انتقل إبراهيم عليه السلام من تغيير المنكر بالقول إلى تغيير المنكر باليد فكسر الأصنام إلا كبيراً لهم وله في ذلك مقصد وهو أن يصل إلى نتيجة وهي إقرارهم بضعف الاصنام ومن ثم عدم استحقاقها للعبادة
ويلاحظ أنه جادلهم ثم كسر الأصنام ، فلا يتهور متهور ويكسر الاصنام بل لابد من التروي والحكمة .
( قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
رموا إبراهيم عليه السلام بالظلم لتكسيره الأصنام وهذا من انقلاب الموازين فسموا تكسير الأصنام الذي هو من أعظم المناقب ظلماً وحقيقة الأمر أن أعظم الظلم هو الشرك بالله
وهنا ينبغي على الداعي أن ينتبه إلى انقلاب الموازين عند أهل الباطل حتى يعرف كيف يجادلهم
( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
أراد إبراهيم عليه السلام أن يكون بيان الحق على مشهد من الناس ليشهدوا الحق فتقوم عليهم الحجة كما قال موسى حين واعد فرعون (موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى)(59:طه)
ويستفاد من هذا أن الداعي إلى الله متى ماعلم قوة حجته وغزارة علمه واستعانته بالله وقدرته على غلبة الخصوم فعليه حينئذ أن تكون مجادلته لأهل الباطل على مجمع من الناس حتى تنكشف الحقائق لان أهل الباطل إذا جادلهم أهل الحق على معزل من الناس وانهزموا أمامهم رفضوا المجادلة أمام جموع الناس
( قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ(62)
استفهام للتقرير يسألونه عن سبب الإقدام على هذا الأمر ؟
(قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
استعمل إبراهيم عليه السلام مع قومه في الجدال هنا طريقة المعارضة فأورد عليهم مايعارض دعواهم في إستحقاق الأصنام للعبادة
فقال((قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)
والجواب على ذلك:
· إما أن يكون كبيرهم فعل ذلك غضباً من مشاركة الأصنام له ويكون ذلك إقرار بقبح الشرك فإذا كان كبيرهم لا يرضى بالشرك فكيف يظنون أن الله يرضى بالشرك
· أن تكون الأصنام عاجزةعن المدافعة عن نفسها وكبير الأصنام كذلك عاجز عن المدافعة عن حاشيته فتبين بذلك عجز الاصنام كلها وبطلان عبادتها
تبين بهذاأن إبراهيم استعمل مع قومه دليل المعارضة وفعله تدرج أراد أن يصل به إلى دليل الوحدانية
قَالَ القُتَيْبِيُّ: مَعْنَاهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ، فَجَعَلَ النُّطْقَ شَرْطًا لِلْفِعْلِ، أَيْ إِنْ قَدَرُوا عَلَى النُّطْقِ قَدَرُوا عَلَى الْفِعْلِ، فَأَرَاهُمْ عَجْزَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَفِي ضِمْنِهِ أَنَا فَعَلْتُ
وفي قوله :(إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) دلالة على عجز الآلهة ونقصها فإن عجزوا عن الدفاع عن أنفسهم والنطق في مثل هذا الموقف فلا يستحقون العبادة وهذا الدليل من أعظم مايرد به على عبدة الأوثان وجاء في مواطن من كتاب الله منها قوله تعالى (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) سورة مريم ،ومنها قوله تعالى (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ(76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) سورة الشعراء


( فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
حصل ما أراده إبراهيم عليه السلام فرجعوا إلى أنفسهم وعلموا ماهم عليه من الظلم والشرك ولكنهم انقلبوا سريعاً
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
وهذا حال أهل الباطل المعاندين والمتكبرين فهم وإن ظهر الحق بأدلته الواضحة يعاندون ويكابرون
(قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)
بين لهم إبراهيم أن من يعبد إلهاً فإن من أهم أغراضه أن يجلب له النفع وأن يدفع عنه الضر وهذه الأصنام لاتملك لنفسها شيئاً فكيف تملكه لغيرها وعليه من أعظم السفه أن يعبد الإنسان ما لايملك له نفعاً وهذه مخاطبة للعقل
(أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
فيه تقريع وتشنيع وتوبيخ لهم على إشراكهم بعد ظهور الأدلة وبيان الحق ، وفي قوله (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) تبكيت لهم
فلابد من إعمال العقل والفكر في عبادتهم ومن تفكر في عبادة الأصنام سيجد :
أن الأصنام تماثيل منحوتة بأيدي الناس
لاتنطق ولاتسمع ولاتبصر
من يعبد إلهاً إنما يريد منه جلب النفع ودفع الضر وأوصاف هذه الأصنام هي أوصاف النقص والعجز بل إن الإنسان أكمل حالاً منها فهو يسمع ويبصر وينطق فكيف لذي عقل أن يعبدها ؟

(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)
لما غلبهم بالحجة أرادوا الانتقام منه وهذه حال أهل الباطل إذا غلبوا حاولوا الانتقام من أهل الحق
(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71)
في الآية دلالة على أن الله ينصر أهل الحق ويدافع عنهم فلا يخاف الداعي إلى الله لأن الله ناصره ومعزه جل في علاه
المراجع :
الكتاب: جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
الكتاب: معاني القرآن وإعرابه
المؤلف: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ)
الكتاب: معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى: 510هـ)
الكتاب: تفسير القرآن العظيم
المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
الكتاب: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)
ـ[التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» ]ـ
المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ربيع الأول 1438هـ/25-12-2016م, 06:58 AM
حنان بدوي حنان بدوي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: إسكندرية - مصر
المشاركات: 392
افتراضي

رسالة في قول الله تعالى :
}وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95){ مريم

قرر الله تعالى من خلال سورة مريم عبودية عيسى عليه السلام وبيان بنوته لمريم من غير أب ثم شرع في الإنكار على من نسب له الولد زعماً وافتراءاً منهم ، فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، فتضمنت الآيات الكريمة بيان شنيع وقبيح ما زعمه اليهود والنصارى وغيرهم ، وتعظيم هذا الافتراء واستنكاره، والرد عليهم بالحجج والبراهين القاطعة ، لإبطال زعمهم ودعواهم الواهية ، ومن تدبر وعقل هذه الآيات تبين له ذلك من عدة وجوه :

"وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا"
- أنه سبحانه لم يصرح على وجه التحديد بفاعل " قالوا " وذلك ليشمل الإنكار على كل من ورد عنه ذلك القول من الكافرين بوحدانية الله تعالى ونسب الولد له سواء كانوا اليهود القائلين أن عزير ابن الله أو النصارى القائلين أن المسيح ابن الله أو من زعم أن الملائكة بنات الله من مشركي العرب أو غيرهم .

- ذكر لهم اسم } الرحمن {برغم انكارهم له وعدم إقرارهم به فقد أخبر الله بذلك عنهم في قوله }{ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن }وذلك لإغاظتهم بذكر اسمه سبحانه الذي أنكروه ، ولبيان تناقض قولهم باتخاذه الولد ، فأنّا للرحمن أن يتخذ ولدا ؟ حيث قال : { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً }.

"لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً "
ابتدأ سبحانة الآية بالتوكيد والتشديد على الإنكار وإظهاراً لبالغ غضبه وسخطه سبحانه { لقد }

- أتى لهم بالالتفات في الخطاب بعد الكناية عنهم إما للمبالغة في الذم وتسجيل وقاحتهم وجهلهم و جرأتهم على الله تعالى ، أو بمعني الأمر لنبيه بإخبارهم بذلك أي { قل لهم يا محمد } ، فلا يكون هناك التفات ، وفي الحالتين بيان شنيع وفظيع مقالتهم .

- عظّم سبحانه مقالتهم بوصفها بـــــ { شيئاً إداً }للمبالغة في بيان بشاعتها ووقاحتها ، فالإد بالفتح والكسر العظيم المنكر والإِدة الشدة والداهية والأمر الفظيع الشنيع ، وآدنى أثقلني وعظم عليَّ.

" تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً "
- فشدد بهذه الآية على وصف مقولتهم أو أن يكون الإتيان بها استئنافاً لتقريعهم وزجرهم وإظهار عظيم شأن مقالتهم وفظاعتها وشناعتها ، مؤكداً بذلك على:
1- وحدانيته و عظمته سبحانه وعظيم قدرته .
2- بيان تغيظ المخلوقات وفزعها وانزعاجها وغضبها من نسب الولد لله تعالى ، وغيرتها على وحدانية ربها تبارك وتعالى ، وفَرَقاً من عظمته سبحانه.
· فقال { تكاد السماوات } أي" تريد " أو " تقرب " على إحكامها وصلابتها وعظمها ، و بعدها من أصحاب هذا القول " يتفطرن " أي ينصدعن ويتشققن إرباً من قولهم ، ويسقطن عليهم ؛ وكيف لا ؟ وهي منزهة عن أن يعصى فيها الله فضلا عن الشرك به سبحانه ، لم يكن لها إلف بالمعصية ، فكل ما فيها وكل من فيها لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،
· و(مِن) في قوله: { منه } لبيان العلة من التفطر والضمير هنا يرجع إلى { شيئاً إداً } ، أو إلى القول المستفاد من { قالوا اتخذ الرحمن ولداً }.
· وقال : { وَتَنْشَقُّ الأرْضُ } أي وتكاد الأرض تنشقّ، فتنصدع من ذلك ، وتنخسف بهم ، واستُعملت المترادفات في الآية لتجنب الثقل في تكرار اللفظ .
· وقال : { وتَـخِرُّ الـجِبـالُ هَدًّا } أي وتكاد الـجبـال أن تنهدّ هداً وتـخرّ وتنقضّ انقضاضاً سريعاً فتنطبق عليهم ، وانتصبت { هَدّاً } على المفعولية المطلقة لبيان نوع الخرور، أي سقوط الهَدم، وهو أن يتساقط شظايا وقطعاً.
وقيل :أنَّ السمواتِ والأرضِ والجبال تكاد أن تفعل ذلك لو عقلت وفهمت هذا القول
وقيل : أن المعنى كادت القيامة أن تقوم فإن هذه الأحوال تكون يوم القيامة بهذه الكيفية ،
وقيل: الكلام كناية عن غضب الله تعالى على القائلين بذلك وأنه لولا حلمه سبحانه وتعالى لوقع ذلك وهلك الجميع .
، فعن ابن عبـاس، قوله: { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَـخِرُّ الـجِبـالُ هَدّاً أنْ دَعُوْا للرَّحْمَنِ وَلَداً } قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والـجبـال، وجميع الـخلائق إلا الثقلـين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان الـمشرك، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الـموحِّدين.
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَقِّنُوا مَوْتاكُمْ شَهادَةَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَها عِنْدَ مَوْتِهِ وَجَبَتْ لَهُ الـجَنَّةُ " قالُوا: يا رسول الله، فمن قالها فـي صحته؟ قال:
- " تلكَ أوْجَبُ وأوْجَبُ " ثم قال: " وَالَّذِي نَفْسِي بـيَدِهِ لَوْ جِيءَ بـالسَّمَوَاتِ والأرَضِينَ وَما فـيهِنَّ وَما بَـيْنَهُنَّ وَما تَـحْتَهُنَّ، فَوُضِعْنَ فـي كِفَّةِ الـمِيزَانِ، وَوُضِعَتْ شَهادَةُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ فِـي الكِفَّةِ الأُخْرَى، لَرَجَحَتْ بِهِنّ "
وعن مـجاهد { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَـخِرُّ الـجِبـالُ هَدًّا } ذُكر لنا أن كعبـاً كان يقول: غضبت الـملائكة، واستعرت جهنـم، حين قالوا ما قالوا. وذكر هذه الآثار ابن جرير رحمه الله .

" أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً "
- فأظهر لهم العلة والحيثية التي من أجلها يكاد الكونُ كلُّه أن يتزلزل، ويثور غاضباً لهذه المقولة الشنيعة ، والدعوة القبيحة ، أي من أجل أن جعلوا ونسبوا وسمّوا للرحمن ولداً .

{ وما يَنْبَغِي للرَّحمنِ أن يتَّخذَ ولداً }
- فأبطل زعمهم الواهي بإدعاء الولد للرحمن مبيناً عدم كون ذلك لائقاً به سبحانه وذلك من وجوه :
1- لأن اتخاذه الولد يدل نقصه وحاجته وضعفه وهو الغني الحميد القيوم الكبير العلي المتعالي الباقي بعد خلقه .
2- اتخاذه الولد تقتضي مماثلة الولد لوالده وهو الأحد الصمد سبحانه لا شبيه له ولا مثيل ولا سمي ولم يكن له كفوا أحد .

" إنْ كُلّ مَنْ فِـي السَّمَوَاتِ والأرْضِ إلاَّ آتـى الرَّحْمَنِ عَبْداً "
- ثم بصرهم بالأدلة المؤكدة على بطلان زعمهم ، فنفى تبارك وتعالى بــــ" إن " أي : ما ؛ كل علاقة بينه وبين عباده سوى علاقة عبوديتهم له سبحانه فالكل خاضع ذليل منقاد طوعاً أو كرهاً ، " عبدا" ليس له أدني صلاحيات إلا من خلال تشريفه بالعبودية ، فهو مسخر مقهور ، فكيف يكون العبد ولدا ؟ فهناك تنافي بين العبودية والولدية ، فيحيى عبداً ويموت عبداً ويحشر يوم القيامة عبداً ، فالعبودية لا تنفك عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولمَ لا ؟ والملك كله للرحمن والجميع مماليك ، ليس لهم من الأمر شيء ، يتصرف فيهم أنى شاء .

- يجوز في " مَنْ " أن تكون نكرة موصوفة، وصفتها الجار بعدها، ويجوز أن تكون موصولة. قال أبو حيان: ما كُل الذي في السموات، فهي بذلك شاملة لجنس الذي في السموات والأرض.

- والإتيان هنا يجوز أن يكون على الحقيقة يوم القيامة ، ويجوز أن يكون مجازاً بمعني الإقرار والإعتراف والخضوع .

- وكرر عليهم اسم " الرحمن "خصوصاً في هذه الآيات أربع مرات وذلك لعدة مقاصد : ذكرها ابن عاشور بتصرف .
1- ثبوت وصف الرحمن لله تعالى والذي لم ينكر حقيقته المشركون رغم إنكارهم للإسم ينافي ويعارض دعواهم باتخاذ الولد فشمولية رحمته وكثرتها الدال عليها الاسم تقتضي افتقار الجميع لها ولا يتحقق ذلك إلا بتحقيق العبودية للخلق جميعاً ، فلو كان هناك ولد للرب ما احتاج إلى رحمته لأنه سيكون وقتها مساوياً له ، له من الرحمة ما لأبيه ، ويكون بذلك الأب الرب محتاجاً لرحمة ابنه به وبره ، تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيراً .
2- ذكر هذا الوصف عند قوله: { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } وقوله { أن دعوا للرحمن ولداً } تسجيلاً لغباوتهم.
3- وذكره عند قوله: { وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولداً } إيماء إلى دليل عدم لياقة اتخاذ الابن بالله.
4- وذكرُه عند قوله: { إلا آتي الرحمن عبداً } استدلال على احتياج جميع الموجودات إليه وإقرارها له بملكه إياها.

" لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً "
- فبين الرحمن سبحانه مبلغ علمه وسعة إحاطته بخلقه جميعاً تقريعا وتهديداً لهم على ما يقوم في قلوبهم وضمائرهم فضلاً عما بدا على جوارحهم ، من سبّه بنسب الولد له سبحانه ، فأكد وحقّق بــ " لقد " وبالمفعول المطلق " عداًّ " على إحصاء عدد خلقه وأنفاسهم وأيامهم وآثارهم وأفعالهم ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، فكل شيء عنده بمقدار سبحانه .

{ وكُلُّهُمْ آتِـيهِ يَوْمَ القِـيامَةِ فَرْداً }
ثم حذرهم من عاقبة أمرهم ومآل فعلهم عساهم أن يتداركوا أمرهم فأخبر أن الكل مردود له يوم القيامة وحيدا منفردا بلا نصير ولا ظهير ولا مجير ولا شفيع ولا حول ولا قوة ولا مال معه ينفعه فقد برئ منه كل أحد .كما قال تعالى:
{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
فقد بعثه ربه من الموت { فرداً * } ذليلاً ، موروثاً ماله وولده الذي منحه في الدنيا قوة له وعزاً له من غير استحقاق .كما قال :{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}
وفي ذلك تعريض بأنهم آتون لما يكرهون من العذاب والإهانة إتيانَ الأعزل إلى من يتمكن من الانتقام منه والأخذ بنواصيهم .
فيصبحون في قبضة بارئهم ، القوي العزيز الأول والآخر ، فكيف يتصور أن يكون له ولداً أو معه شريكاً ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .


المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري (310هـ)
تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ)
الكشاف للزمخشري ( 538 هـ)
المحرر الوجيز لابن عطية ( 546 هـ)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 671هـ)
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي ( 685ه)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ( 885ه)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي ( 1376ه)
التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ)

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 ربيع الأول 1438هـ/26-12-2016م, 08:50 PM
رشا نصر زيدان رشا نصر زيدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الدوحة قطر
المشاركات: 359
افتراضي التطبيق الرابع

الرد على شبهة أن الإسلام يدعو للعنف ضد المرأة ومنها الضرب:

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (النساء:34)

منذ بدايات عهد الإسلام و نزول الوحي؛و الدين مستهدف بوجه عام و الأسرة و خاصة المرأة بوجه خاص. فلم تعي أعداء الإسلام الحيل و المكائد للكيد بالدين و الأسرة،و كلما تدحض شبهة ،أظهروا شبهة ثانية و هكذا يجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق.و من هذه الإفتراءات هذه الفرية التي فسرت السورة بأهوائهم و أخرجوها من سياقها، و أخذت أبواقهم تدعو بأن القرآن يدعو بالعنف ضد المرأة، و للأسف هناك من هم ضعيفي الإيمان قالوا مثل قولهم.
و نحن بصدد هذه الرسالة في تناول الآية و الرد على هذه الإفتراءات.
و قبل تناول الآية يجب أن نعلم أهداف الآية النفسية والأجتماعية، فالأساس هو أن الزوجين نفس واحدة وعلى كل منهما اختيار من تتوافق معه نفسه، فالآيات كثيرة في القرآن توضح أساس الحياة الزوجية، لكن أصحاب الزيغ ييتبعوا ما تشابه منه ابتغاء تفسيره تبعاً لأهوائهم.

( الرجال قوامون على النساء ) أي : الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت. و القوّام: الذي يقوم على شأن شئ و يُصلحه.ومطلع الآية أصل تشريعي كُلِّيّ تتفرّع عنه الأحكام التي في الآيات بعده ، فهو كالمقدّمة، التي تضع قاعدة و تحدد وظيفة كل من الرجل و المرأة في المجتمع الإسلامي و تنظيم مؤسسة الأسرة و ضبط الأمور.ومعلوم أن كلما كانت المؤسسة عظيمة،كان تنظيم الأمور هام لتفادي خلط و زعزعة المنظومة فما بالك بمجنمع إسلامي؟!

الرجال قوامون على النساء ابتداء وخبر ، أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن ؛ وأيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو ، وليس ذلك في النساء . يقال : قوام وقيم . والآية نزلت في سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها ؛ فقال أبوها : يا رسول الله ، أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال عليه السلام : لتقتص من زوجها . فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال عليه السلام : ارجعوا هذا جبريل أتاني فأنزل الله هذه الآية ؛ فقال عليه السلام : أردنا أمرا وأراد الله غيره.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( الرجال قوامون على النساء ) يعني : أمراء عليها أي تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته : أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله . وكذا قال مقاتل ، والسدي ، والضحاك .ولذلك قال الله تعالى الرجال و ليس الأزواج،لأنه أصل تشريعي كلي تتفرع عنه الأحكام التي في الآيات الأخرى.و خصت المرأة بالاستجابة للرجل و بالسعادة،إذا هي أدخلت السرور على قلبه وكيف لا و قد خلقت منه"و خلق منها زوجها".

بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أوضح الله تعالى أسباب هذه القوامة،و من المعلوم لكل ذي لب أن البنية الجسمية و النفسية للرجل تختلف عنها عن المرأة، و العلم الحديث أثبت هذا،و من تكريم الإسلام للمرأة أنه ضمن لها من يتكفل بنفقتها، سواء كانت أم أو بنت أو زوجة أو أخت فهذا من تكريم الإسلام لها؛فإذا نظرنا لمثيلاتها من النساء في الغرب وجدنا أن الفتاة من عمر الثامنة عشر مطالبة بترك المنزل و التكفل بأمور حياتها،وإذا دفع لها الأب شئ كان لزماً أن ترده فهو بمثابة الدين.فأين هم من هذا التكريم؟! الإسلام كفل للمرأة الاستقلال المالي وألزم وليها بالصرف عليها. ولقد اشار القرآن إلى التناسب في الحقوق و الواجبات بين الرجال و النساء بحيث تحقق العدل و المساواة. "و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" و قال ابن عباس رضي الله عنه:الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة،والتوسع للنساء في المال و الخلق؛أي الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه. هذه ثانية فالأفضلية و القوامة في الإسلام تعني المزيد من المسؤولية.

فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ

الصلاح هو صلاح الدين،و القنوت: الطاعة. ) قال ابن عباس وغير واحد : يعني مطيعات لأزواجهن ( حافظات للغيب ) . قال السدي وغيره : أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله .فأي زوجة تتميز بحياة القلب لا تنام وزوجها غضبان عليها،فأين هؤلاء الأدعياء من هؤلاء الزوجات الصالحات،لماذا تركوا السواد الأعظم و تمسكوا بالنادر وما هو استثناء للقاعدة. وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك قال : وتلا هذه الآية الرجال قوامون على النساء إلى آخر الآية .
فيتبين مما سبق أن عندما أوكلت القوامة و مسؤولية قيادة الأسرة للرجل،و معلوم أن المؤسسات الصناعية و التجارية توكل المسؤولية لما هو أهل لها.فهذا يتماشى مع ما هو معلوم في علوم الإدارة.
و مع هذه المسؤولية، كانت هناك الحدود و القواعد التي تلزمه بالتعامل مع المرأة.

و الغريب أن المرأة إذا عملت في مؤسسة أقل شأنا، وأقل راتباً، أطاعت رئيسها و اتبعت أوامره و لم تجرؤ أن تتفوه بكلمة، و معلوم أن المرأة في الغرب تتقاضى راتباً أقل من الرجل فأين منظة حقوق الإنسان؟! و لكن الأغرب هو رد فعل الزوجة فهي في المؤسسة تنصاع و تسمع و تطيع؛و لكن عند الزوج تتشدق بالحرية و المساواة. أي فكر معوج ينتهجونه؟! صدق الله إذ قال: "أفرءيت من اتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم وختم على سمعه و قلبه و جعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تتذكرون"

وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ

و جاء في مقابل الصالحات القانتات الحافظات للغيب الضد لهؤلاء المؤمنات،و من المعلوم أن لكل صفة و لها ضد، فكيف التصرف مع ممن تصف بهذه الصفة؟! من تدبر القرآن بقلب مبصر،علم أن هذا الكتاب نزل لصلاح البشرية و عماراتها ووضع من القوانين الربانية ما يتيح للإنسان التركيز على الغاية التي خلق من أجلها ألا و هي عبادة الله"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"؛ و الغاية الثانية عمارة الأرض "و إذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة". فالقرآن وقاية و علاج.

فجعل أهم مؤسسة فيه الأسرة و ووضع لها القواعد والأسس من حسن اختيار الزوجة، و حسن المعاشرة و حسن تربية الأبناء. فماذا عن من شذ عن القطيع؟ قال تعالى"ما فرطنا في الكتاب من شئ" وضع العلاج لهذه الحالة، ألا و هي النشوز.
قال ابن عباس : تخافون بمعنى تعلمون وتتيقنون.
النشوز؛ لغة: هو ما ارتفع عن الأرض، و اصطلاحاً: هن المستعليات على طاعة أزواجهن، فلا ينبغي ان يترك الأمر حتى يستفحل و تنقسم الأسرة إلى معسكريين، يتجاذب كل طرف فيه السلطة التنفيذية،و يضيع الأبناء بيننهم و قد يصل إلى التمرد؛لذلك أمر القرآن الزوج أن يسلك مع المرأة الناشز التعليمات الربانية بالتدرج و الحكمة:

وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

الإجراء الأول: الموعظة؛: فعظوهن أي بكتاب الله ؛ أي ذكروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج ، والاعتراف بالدرجة التي له عليها ، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . وقال : لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب . وقال : أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح في رواية حتى تراجع وتضع يدها في يده . وما كان مثل هذا .والوعظ لا حد،أي لا وقت له.

الإجراء الثاني: : واهجروهن في المضاجع، حيث التربية النفسية، فالمرأة الناشز المتعالية على الزوج، لديها اعتقاد بأن الزوج لن يستطيع مقاومتها،فكيف بها إذا وجدت الزوج قد قهرها في امضى أسلحتها؟ في أغلب الحالات تنتهي المشكلة هنا و تلين المرأة.و لكن السؤال هنا هل هذه الخطوة لم يضع لها التشريع ضوابط؟ لا بل وضع لها و هي "في المضاجع"؛ أي في المكان الخاص بالزوجين بعيداً عن أعين الأبناء حفاظاً أولا على كرامة الزوجة،فهي وإن كانت ناشز مستعلية على الزوج إلا أن المشرع سبحانه و تعالى كفل لها صون كرامتها،و ذلك حتى تلين،و حفاظا على مشاعر الأبناء حتى لا يكونوا فريسة للامراض و الصراعات. فأي قانون وضعي يكفل للمرأة هذه المكرمة؟!
وأيضاً الهجر فشرطه أن لا يخرج إلى حدّ الإضرار بما تجده المرأة من الكمد ، وقد قدّر بعضهم أقصاه بشهر .و دليله، أن الرسول صل الله عليه و سلم اعتزل نسائه قرابة شهر، عندما أفشت أمنا حفصة سر رسول الله صل الله عليه وسلم.
فإذا لم ينجح أي الإجرائيين هل تترك الأسرة للتتهاوى؟ لا فهناك حائط صد أخير، و قد يلجأ الطبيب إلى قرار بتر العضو الذي أصيب بالغرغرينا لانقاذ حياة إنسان فهل نتهمه بالعنف و القسوة؟ !

الإجراء الثالث: فقد أذن الله بضرب الزوجة الناشز إن لم تنفع معها الموعظة ثم الهجر، فيضربها ضرباً غير مبرح. و استصحاب الهدف من التأديب ألا و هو الحفاظ على كيان الأسرة،فعندما يدرك الزوج الهدف من اقدامه على هذه الخطوة، فلن يطغى و يتجبر.فهذا الضرب هو ضرب التأديب و ليس الانتقام و التشفي.قال صل الله عليه و سلم: :((..فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..))

فكل اجراء من هذه الإجراءات وضع لها التحذيرات ورسم لها الحدود من السنة النبوية.و لذلك قال الله تعالى:

" فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"،أي بمجرد حصول الغاية فلا تتجبروا و تعتدوا فالله لا يحب المعتدين،و لذلك ختمت الآية بإسمي الله العلي الكبير، فإذا تخيلنا هذه الصراعات النفسية و الاحتدامات و العناد و التعالي،فإذا تذكر كل من الزوجين أن الله هو العلي الكبير،خاف كل منهما و اتبع أمر الله تعالى. فأين هؤلاء المتشدقين بعنف الإسلام ضد المرأة، ومعلوم أن في الغرب أن كل خمسة دقائق تتعرض المرأة لعنف جسدي قد يودي بحياتها.فليتدبروا هذه الآية و ليطبقوها في حياتهم لعلهم تنصلح حياتهم.
الحمد لله على نعمة التشريع الرباني.

المراجع:

•تفسير جامع البيان عن تأويل القرآن (الطبري ت 310ه)
•تفسير الجامع لأحكام القرآن (القرطبيت 671ه
•تفسير القرآن العظيم ابن كثير (ت 774ه)
• تفسير التحرير و التنوير ابن عاشور (ت 1393ه)
•التفسير الموضوعي لسورة النساء للدكتور مصطفى مسلم

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 ربيع الأول 1438هـ/29-12-2016م, 03:53 AM
مريم أحمد أحمد حجازي مريم أحمد أحمد حجازي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 308
افتراضي

*بسم الله الرحمن الرحيم *
قال تعالى : } أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) {
هذه الآيات الكريمات فيها ردٌّ على شبهة من ينكرون البعث ،و توبيخًا لهم على وقاحتهم و كفرهم بنعمة ربّهم ، والردِّ عليهم بأوضح الألفاظ و أبينها وأبلغها ، مع إيجازها و اختصارها و صحة البرهان بها ، و ظهور عجز المنكر أمامها و الردِّ عليها ...و إقامة الدليل القاطع ، و البرهان الساطع ،على البعث و النشور
*فقد افتتح سبحانه و تعالى هذه الحجّة بسؤالٍ أورده المنكر ؛ و قد روي أنه جاء أبي بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و في يده عظم رميم و هو يفتته و يذريه في الهواء ، و يقول : يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال : (( نعم ، يميتك الله ثم يبعثك ، ثم يحشرك إلى النار )) قاله مجاهد ، و عكرمة ، و عروة بن الزبير ، و السدي ،و قتادة . - و روى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس : أن العاص بن وائل أخذ عظمًا من البطحاء ففتته بيده ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أيحيي الله تعالى هذا بعد ما أرى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( نعم ، يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنّم )) . قال : و نزلت الآيات من آخر (يس)
و سواء نزلت هذه الآيات في أبي بن خلف ، أو في العاص بن وائل ، أو فيهما فهي عامة في كل من ينكر البعث ، و (ال) في قوله تعالى : } أولم ير الإنسان { للجنس يعم كل منكر للبعث .
و قد أورد سبحانه عدة أدلة على البعث و النشور :
*أولها : ذكر مبدأ خلقه ليدلَّه على النشأة الثانية ؛ قال : } أولم ير الإنسان أنّا خلقناه من نطفة { فهذا المنكر ألم يستدل على البعث بالبدء على الإعادة ، فإن الله تعالى ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين ، فخلقه من شيء ضعيف حقير ،كما قال تعالى : } ألم نخلقكم من ماء مهن * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم { ] المرسلات :20إلى22[ و قال : } إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه { ] الإنسان:2[ أي من نطفة من أخلاط متفرقة ، فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس يقادر على إعادته بعد موته ؟ كما روى الإمام أحمد في مسنده عن بسر بن جحّاش ؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بصق يومًا في كفه ، فوضع عليها أصبعه ، ثم قال : (( قال الله تعالى : ابن آدم ، أنّى تعجزني و قد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سوّيتك و عدلتك ، مشيت بين برديك و للأرض منك وئيد ، فجمعت و منعت ، حتى إذا بَلَغَتِ التراقي قلت : أتصدق وأنّى أوان الصدقة ؟))
}فإذا هو خصيم مبين { مخلوق من نطفة ، ثم يخاصم ، فكيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع الخصومة ؟ فإن مشاهدة خلقهم لأنفسهم من أضعف الأشياء و أخسّها ، على هذه الصفة من البداية إلى النهاية ، مستلزمه للاعتراف بقدرة القادر الحكيم على ما هو دون ذلك من بعث الأجسام و ردّها كما كانت ، فقد قامت فيه عليهم الحجج ، و شهدت بصحته و تحققه مبدأ الفطر . و لهذا قال :
} و ضرب لنا مثلاً و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم {
ثم أخبر عن هذا الجاحد لو ذكر خلقه لما ضرب هذا المثل العجيب، لكن لمّا نَسيَ خلقه ضرب هذا المثل الذي لا ينبغي لأحد أن يضربه ، و هو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق ، و الله تعالى يقول : } و لا تضربوا لله الأمثال { . فأظهر للناس و أتى لهم بتشبيه حال قدرة الله تعالى بحال عجز الناس فقال :} من يحيي العظام و هي رميم {الاستفهام للإنكار ؛ أي لا أحد يحيي العظام و هي رميم ،فشمل عموم إنكارهم إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة التي خلقت كل شيء ، و نسي خلق نفسه ، وأن الله خلقه من عدم ، و لم يهتد أن ذلك أعجب من إعادة عظمه كقوله تعالى :} أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد{ فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده و أنكره و جحده ؛ ففيه الجواب و الحجة و إزالة الشبهة ، لولا ما أراد الله تعالى من تأكيد حجته و زيادة تقريرها ، و ذلك أنه تعالى أخبر أن هذا السائل لو تبين خلق نفسه و بدء كونه لكانت فكرته فيه كافية .
ثم أوضح سبحانه ما تضمنه قوله ( و نسي خلقه) و صرح به جوابًا له عن مسألته بجواب شافٍ كاف ؛بقوله : } قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرة { فاحتج بالابتداء على الإعادة ، و بالنشأة الأولى على الأخرى ،إذ كل عاقل يعلم ضرورة أن من قدر على الأولى قدر على الثانية ، وأنه لو كان عاجزًا عن الثانية عجز عن الأولى .
فكان الجواب على طريقة الأسلوب الحكيم بحمل استفهام القائل على خلاف مراده
لأنه لما قال : ( من يُحيي العظام و هي رميم) لم يكن قاصدًا تطلب تعيين المحيي ، و إنما أراد الاستحالة ، فأجيب جواب من هو متطلب علمًا ، فقيل : ( يحييها الّذي أنشأها أوّل مرة ) أي ابتدأها و خلقها من غير شيء
و لما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على مخلوقه و علمه بتفاصيل خلقه اتبع ذلك بقوله : } و هو بكلّ خلقٍ عليم { فهو عليم بالخلق الأول و تفاصيله و مواده و صورته و كذلك عليم بالخلق الثاني ، فعلمه محيط بجميع مخلوقاته ، لا يخفى عليه خافية ، و لا يخرج عن علمه خارج ، يعلم العظام في سائر أقطار الأرض و أرجائها ،أين ذهبت و أين تفرقت و تمزقت ، روى أحمد في مسنده عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (( إن رجلاً حضره الموت ، فلما أيس من الحياة أوصى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا جزلاً ، ثم أوقدوا فيه نارًا ، حتى إذا أكلت لحمي و خلصت إلى عظمي فامتُحِشْتُ فخذوها فذروهَا في اليم .ففعلوا ، فجمعه الله إليه فقال له : لم فعلت ذلك؟ قال : من خشيتك . فغفر له ))
و أخرجاه في الصحيحين ، من حديث عبد الملك بن عمير ، بألفاظ كثيرة منها : (( أنه أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ، ثم يذروا نصفه في البر و نصفه في البحر ، في يوم رائح -أي كثير الهواء- ففعلوا ذلك . فأمر الله البحر فجمع ما فيه ، و أمر البر فجمع ما فيه ، ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم . ثم قال له : ما حملك على ما صنعت؟ قال : مخافتك و أنت أعلم . فما تلافاه أن غفر له ))
*ثم ذكر دليلاً آخر : }الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ {
نبّه تعالى على وحدانيّته و دلّ على قدرته على إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج النار المحرقة من العود الندي الرطب ، ذلك أن الشجر المعروف بالمرخ و الشجر المعروف بالعفار إذا قطع منهما عودان و ضرب أحدهما على ا لآخر انقدحت منهما النار و هما أخضران ، فالذي يخرج الشيء من ضده هو الّذي يفعل ما أنكره الجاحد من إحياء العظام و هي رميم .
وقيل : الذي خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرًا نضرًا ذا ثمر ، ثم أعاده إلى أن صار حطبًا يابسًا ، توقد به النار ، كذلك هو فعّال لما يشاء ، قادرٌ لا يمنعه شيء . فالذي أخرج النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه .
*ثم ذكر دليلاً آخر بالتنبيه على أن من قدر على الشيء الأعظم الأكبر فهو على ما دونه أقدر و أقدر فقال تعالى : } أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ { الهمزة للإنكار
فأخبر تعالى أن الذي أبدع السموات و الأرض على عظمهما و كبر أجسامهما و سعتهما و عجيب خلقهما ، أقدر على أن يخلق عظامًا صارت رميمًا ، فيردّها إلى حالتها الأولى ؛ كما قال تعالى : } لخلق السموات و الأرض أكبر من خلق النّاس و لكنّ أكثر الناس لا يعلمون { ]غافر:57[ و قال تعالى : } أولم يروا أن الله الذي خلق السموات و الأرض و لم يعي بخلقهنّ بقادرٍ على أن يحي الموتى بلى إنّه على كلّ شيءٍ قدير { ] الأحقاف:33[
*ثمّ بيّن بيانًا آخر يتضمن مع إقامة الحجة دفع شبه كل منكر و جاحد ، ما يدل على كمال قدرة الله تعالى و تيسير المبدأ و الإعادة عليه ، و أنه ليس في فعله بمنزلة غيره فقال تعالى : } إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {
أي : إنما شأنه إذا تعلقت إرادته بشيء من الأشياء أن يقول له : (كن فيكون) أمرًا واحدًا ، لا يحتاج إلى تكرار ، و لا يحتاج إلى آلات ، و لا كلفة ، و لا تعب ، و لا مشقة ، و من غير توقف على أي شيء آخر . فأخبر أن نفوذ إرادته و مشيئته و سرعة تكوينه و انقياد الكون له .
*ثم ختم هذه الحجة بتنزيه نفسه عن أن يوصف بغير القدرة فقال : } فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { فنزه نفسه عمّا نطق به الجاحدون المنكرون للمعاد معظمًا لها بأن ملك كلّ شيء بيده يتصرف فيه تصرف الملك الحق في ملكه الذي لا يمكنه الامتناع عنه ، فالله تعالى الملك المالك لكل شيء في السماوات و الأرض . إذا ظهر كل ما سمعتم من الدلائل على عظيم قدرة الله و تفرده بالإلهية و أنه يعيدكم بعد الموت فينشأ تنزيهه عن أقوالهم المؤدية إلى نقص عظمته لأن بيده الملك الأتم لكل موجود .
ثم ختم السورة بقوله : } و إليه ترجعون{ كما أنهم ابتدأوا منه سبحانه فكذلك مرجعهم إليه ، فمنه المبدأ و إليه المعاد ، فإليه صائرون غير خارجين من قبضة ملكه و ذلك بالإعادة بعد الموت .
فجاء التأكيد على البعث و الجزاء في هذه الآيات و التدليل عليها بعدة أدلة:
الأول : خلق الإنسان من نطفة
الثاني : خلق النار من الشجر الأخضر
الثالث: خلق السموات و الأرض
• هذا و الله أعلم و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
**المراجع :
*جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت(310 هـ)
*المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت(542هـ)
*التحرير و التنوير لابن عاشور ت ( هـ13903)
*معاني القرآن و إعجازه للزجاج ت (311 هـ)
*تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت(774 هـ)
*فتح القدير للشوكاني ت (1250هـ)
*فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق بن حسن القنوجي البخاري
*زاد المسير لابن الجوزي
*محاسن التأويل للقاسمي ت (1332هـ)
*تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبد الرحمن السعدي
*التفسير الموضوعي
* تفسير البغوي
*تفسير القيم لابن القيم
*تفسير ابن عرفة
ملاحظة : أكتب في الوورد بالألوان و لكن عند النسخ و اللصق هنا لا تظهر الكتابة ملونة ؟

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 ربيع الثاني 1438هـ/31-12-2016م, 09:27 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم تطبيقات أسلوب الحجاج الشرعي


أحسنتم، بارك الله فيكم ونفعكم بما تعلمتم ونفع بكم.
لا شكّ أن أسلوب الحجاج من الأساليب التي تحتاج لصبر وتأمّل واطّلاع حتى يتمهّر فيه الطالب بإذن الله، ولكننا نؤكّد على أمر أصيل يجب أن يستصحبه الكاتب أثناء كتابة رسالته وقد أشرنا إليه سابقا ألا وهو الاهتمام ببيان المحاجّة وأدوات الحجاج في الآية وأثر كل أداة على مجرى المناظرة وتحقيق الغرض منها وهو دحض الباطل وتزييف شبهاته.
فكتابة الرسالة بأسلوب الحجاج يتخطّى مرحلة التفسير إلى مرحلة التعرّف على أدوات الحجاج في الآية وإحسان البيان عنها.



1: رضوى محمود أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- اعتني بتوثيق الآثار الواردة في رسالتك.

2: هناء محمد علي أ+
ما شاء الله، أثابك الله وشكر جهدك وأعلى همّتك.

3: عقيلة زيان ب+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- في المسألة الأولى لم تبيّني وجه التهكّم في النداء بوصف التهوّد، ولو بيّنتِ معنى اللفظ لظهر لك .
- الملاحظ على الرسالة عموما أن التفسير غلب فيها على بيان المحاجّة -وإن لم تخل في مواضع مهمّة منها-، والغرض كما قلنا من هذ النوع من الرسائل بيان أدوات الحجاج التي اشتملت عليها الآيات، وأثر ذلك في نفس الخصم وكشف زيف باطله.
لذا أوصيك بمراجعة هذه الرسالة والوقوف مع تفسير الآيات أكثر، وملاحظة أدوات الحجاج فيها، ولعل الاستعانة بنظائرها في سورة البقرة يكون معينا -إن شاء الله- على ذلك.

4: منى محمد مدني أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- يلاحظ جمعك بين أسلوب الحجاج والأسلوب الاستنتاجي، وقد أحسنتِ فيما ذكرتيه من فوائد، ولكنها أثّرت على بيان المحاجّة في الآية، وفات بسبب ذلك بيان بعض أدوات الحجاج المهمّة المستعملة في الآية، فاجعلي مقصودك الأول من تفسير الآية وألفاظها بيان ما اشتملت عليه من أدوات الحجاج وأثرها في تحقيق الغرض من المجادلة، ثم لا بأس من استخراج الفوائد آخرا.

5: حنان علي محمود أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.


6: رشا نصر زيدان أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- اعتني بتوثيق النقول، فهذا مأخذ مهمّ على الرسالة، ويؤثّر لا شكّ على التقويم.

7: مريم أحمد حجازي ب+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- ورسالتك قيّمة -بارك الله فيك- وأبانت عن كثير من الحجج التي ردّت على منكري البعث، ولكن غلب عليها النقل من التفاسير وغياب أسلوبك فيها، ولو لخّصتِ أساليب المحاجّة في الآية بأسلوبك وأبرزتيها أكثر -ولو باختصار- لكان ذلك أنفع لك في تقوية ملكة الكتابة لديك وأفيد لرسالتك.



أسأل الله لكم التوفيق والثبات على ما يحبه ويرضاه، وأن ينفع بكم العباد ويصلح بكم البلاد.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 4 ربيع الثاني 1438هـ/2-01-2017م, 12:18 AM
سناء بنت عثمان سناء بنت عثمان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 286
افتراضي

تطبيق على درس أسلوب الحجاج.
قال تعالى:(وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم* أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون*) سورة الزخرف



إن المتأمل في القرآن وما جاء فيه من الشبه التي يأتي بها المعارضون لهذه الرسالة المحمدية، والتي يعارضون بها التوحيد والوحي والقرآن وغيرها، وكيف رد عليهم القرآن بالحجج والبراهين الساطعة التي تقتلع كل شك وريب في صدورهم وتبين لهم كل ما ادعوه من أقاويل كاذبة وشبه باطلة أوضح البيان وأظهره ولا يملك القارئ إلا أن يقول سبحان الله أنى يصرفون.
وبعد هذه المقدمة اليسيرة نقف مع بعض الشبه التي وردت في القرآن، وكيف كان الخطاب الإلهي في الرد عليها.
أول ذي بدء نقف مع ِشبهة الكفار، دوافع هذه الشبه ومقصودها ودلالتها باختصار.
v (وقالوا) الواو استئنافية دلالة على أنه كانت لهم أقوال سابقة وشبه باطلة، فكانت الحجج الإلهية التي قطعت عليهم كل طريق وبينت لهم الحق أوضح بيان.
وذكر الشنقيطي في كتابه أضواء البيان: أن الكفار أنكروا أن يكون رسول الله من البشر، فلما جاءتهم الأدلة بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة أن الله لم يبعث رسولا إلى البشر إلا من البشر أنفسهم، فتنازلوا عن ذلك واقترحوا هذا الاقتراح الوارد في الآية.
(قالوا) فيها بيان عن قهرهم، وذلك لقوة الحجج والبراهين في الرد عليهم في دعاويهم، مما زاد عن قهرهم وضعفهم في مواجهة الحق، فكان منهم هذا القول في محاولة تبين جهلهم وعنادهم وكل ذلك هروبا من اتباع الحق.
v (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) هذه المقالة فيها تهكم واستحقار واستخفاف بشأن هذا النبي الكريم، وما جاء به من الوحي العظيم، وفيه دلالة أيضا على جهلهم وسخافة عقولهم ويظهر ذلك في عدد من النقاط:
1/ قول الله تعالى على لسانهم:(هذا القرآن) ومعنى قولهم: أي: هذا القرآن الذي تسميه أنت وكما تدعيه وتزعمه.
2/ (رجل من القريتين عظيم) هم يعلمون مقام محمد صلى الله عليه وسلم فيهم قبل الرسالة وقد تولى الله أمره وأصلح شأنه من أول أيام حياته فكان ذو نسب وفيه كل الخصال الجليلة والشمائل الكريمة التي لم توجد في أحد من عظمائهم كما يسمونهم، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان يلقب بالأمين، وفيه من الخصال الجليلة والشمائل الكريمة التي شهد له به الأباعد قبل الأقارب، وصاحبيهما الذين نعتوهما بهذه الصفات ووصفوهما بها، بعيدان عن خصال العظمة والرجولة فشتان بين من ترعرع في بيئة جاهلية تقوم على القتل والغناء والفجور وعبادة الأصنام لا تعرف ذكاء للروح ولا طهارة للنفس، وإنما قصدوا بالعظمة المال والنسب والسن، وفاتهم أنما العظمة بكرم الأخلاق وطهارة النفس والخصال الجليلة وهي كلها قد اجتمعت في النبي عليه الصلاة والسلام. لكنه الكفر والجهل أعماهم عن الحق.
والقريتين المقصود بها مكة والطائف على قول جمهور المفسرين، والرجلين الذين عنوهما في الآية: اختلف المفسرين فيهما، ولا حاجة لذكرهما ما دام القرآن لم يذكرهما.
فكان رد القرآن قويا ساطعا بيّن فيه سخافة عقولهم وجهلهم بأسلوب يناسب أسلوبهم من الاستخفاف والاستهزاء وقلبهم للموازين،
وفي هذه الآيات دلالات كثيرة تناسب استخفافهم وتزيد عليه، وتقطع عليهم كل حجة.
1/ الاستفهام في قوله:(أهم) استفهام إنكاري دل على التجهيل والتعجب من جرأتهم أن يتحكم عقلهم في أمر النبوة والرسالة والتي من اختصاص الملك سبحانه. فيجعلونها فيمن شاءوا من خلقه وهو دال على عجزهم كذلك.
2/ وجاء بقوله:(يقسمون) التي تفيد التجدد والاستمرار.
3/ وقوله:(رحمت ربك) تحويل الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واضافة الضمير إليه سبحانه، فيه تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم ورفعة قدره ومكانته.
واختلف في المراد بالرحمة ها هنا: على أقوال:
أ/ النبوة وإنزال الوحي. وهو قول ابن عباس. ذكره صاحب كتاب زاد المسير.
ب/ الجنة. قاله السدي. ذكره صاحب كتاب زاد المسير.
وقال الثعالبي أن الرحمة عامة تشمل النبوة وغيرها.
v وهذه الحجة الربانية تتضمن ردا أنهم لا يملكون شيئا من ذلك بل كله مرده إلى الله عزوجل وهو من اختصاصه جل وعلا.
4/ (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) يسوق الله مثالا لتقريب الحق لهم وقطعا لشبهاتهم واقتراحاتهم الباطلة. وفيها مسائل:
أ/ أن الدنيا على حقارتها تولى الله عزوجل أمرها فقسمها بين عباده، فمن باب أولى أن تكون النبوة التي هي أعظم ويترتب عليها سعادة الناس في دنياهم وآخرتهم إلى الله وحده، فلا يحق لكم أن تتكلموا فيها بوجه من الوجوه.
ب/ أن تفاوت الناس في المال ليس دليلا على أفضليتهم أو عظيم مكانتهم، بل تفضل من الله محض، ليس لهم سابق فيه احسان. وكذلك النبوة يجعلها الله فيمن شاء من خلقه، وإن كان الله عزوجل يختار لها خيرة البشر وأفضلهم.
ج/ إذا كنتم لا تملكون من أمر الدنيا شيئا، فأنتم أبعد عن أمر النبوة التي هي أشرف أعظم من أن تخوضوا فيها.
5/ (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) ثم يأتي البيان من الله سبحانه وتعالى أن هذا التفاوت بينهم في كل أسباب المعيشة والتي منها المال والعلم وسائر أنواع الرزق الذي هو من الله وحده لحكم عظيمة وهي أن تقوم أمور الخلق وتسير الحياة بأمان وهدوء وانتظام، وأنه لولا هذا التفاوت لكان الناس سواسية وفي ذلك خراب للدنيا.
6/ (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) واللام هنا للتعليل. ذكره ابن عاشور. و(وسخريا)
من التسخير ذكره الشنقيطي.
والمعنى: أي: فعلنا ما فعلنا من هذا التفاوت، ليس لعظمة أو مكانة أو فضيلة وإنما ليسخر بعضهم في خدمة بعض، فيحتاج الغني للفقير، والجاهل للعالم، والضعيف للقوي. فليفهمه هؤلاء.
7/ (ورحمت ربك خير مما يجمعون) أي: النبوة والتي يترتب عليها هداية الخلق الذي يفضي بهم إلى خيري الدنيا والآخرة خير مما يجمع الناس من حطام الدنيا الفاني. وفيه بيان لحقارة الدنيا كلها وليس الأموال التي يراها الكفرة أنها ميزان كرم أو شرف أو عظمة.



هذا ما تيسر لي، والحمد لله على توفيقه.
وقد بذلت جهدا كبيرا ووقتا طويلا في فهم المادة.


المراجع:
_جامع البيان عن تأويل آي القرآن. ابن جرير الطبري.
_تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
_البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي.
_الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل. أبو القاسم الزمخشري.
_ روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني. محمود شهاب الدين الألوسي
_التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
__مفاتيح الغيب. فخر الدين الرازي.
_محاسن التأويل للقاسمي.
_نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. برهان الدين البقاعي.
_الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي.
_أضواء البيان للشنقيطي

ومصادر أخرى:
_الحجاج في القرآن. عبد الله صولة.
_آليات الحجاج في خطاب القرآني. الأستاذ مفلاح بن عبد الله.
_استخراج الجدال من القرآن الكريم. لابن رجب الحنبلي.
_أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة. للدكتور إبراهيم بن حمد العثمان.




رد مع اقتباس
  #11  
قديم 12 ربيع الثاني 1438هـ/10-01-2017م, 03:11 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويمات أسلوب الحجاج الشرعي


سناء بنت عثمان أ+
أحسنت جدا بارك الله فيك ونفع بك وزادك من فضله.
وبذلك الجهد في دراسة الأسلوب آتى ثماره والحمد لله، وفقك الله وتقبل منك.




رد مع اقتباس
  #12  
قديم 19 ربيع الثاني 1438هـ/17-01-2017م, 10:46 AM
ندى علي ندى علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 311
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تطبيق على أسلوب الحجاج (الرد على شبهة الشريك والولد)

قال تعالى :(بلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90)مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) ) سورة المؤمنون



في هذه الآيات نفى الله - سبحانه وتعالى- ما زعم المشركون من أنّ له ولد أو معه إله يشاركه وأثبت وحدانيته سبحانه , وردّ عليهم زعمهم الباطل من عدة أوجه :
أحدها : أن الله – عز وجل – أكدّ أنّ القرآن الذي أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - الدالّ على وحدانية الله وألوهيته وتعاليه عن الشريك والولد , وما يتضمنه من الحقوق الواجبة والأخبار الصادقة هو الحق , وأما ما يزعمه هؤلاء المشركون من وصف الله بما لا يليق به أو وصف رسوله أو القرآن بما ليس فيهما , فإنما هو كذب وباطل محض مخالف لما أخبر به سبحانه من الحق , فقال – عز وجل – (بلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90)) فكيف يزعم هؤلاء أن ما يخبرون به هو الحق , بل هو افتراء على الله ومخالفة لما أخبر به .

وثانيها : أن الله – عز وجل – نفى ما زعم هؤلاء بما النافية فقال : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) فأجابهم على زعمهم بدلالة التمانع, فأخبر أنه يمتنع أن يكون له ولد كما زعم بعضهم من أن الملائكة بنات الله أو يكون معه شريك في الألوهية كالأصنام كما زعموا , فإنه – سبحانه – المتفرد بالخلق والألوهية غني عما سواه , وعلى فرض التسليم بأن قُدِّر أن يكون معه إله – سبحانه - لفسد نظام الكون واختل توازنه, كما قال تعالى في موضع آخر (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء , ولاستقل كل إله بما يملك من الخلق , وغلب وقهر بعضهم بعض إذ لو اختلفت إرادة كل إله اختلاف تضاد, فعجز كل منهما عن إنفاذ إرادته لوصفا بالعجز جميعا وهذا نقص مناف للألوهية , ويمتنع إنفاذ الإرادتين لتضادهما , فتعين إنفاذ إرادة أحدهما دون الآخر , فغلب القوي منهم الضعيف ؛ والضعيف المقهور لا يصلح أن يكون إلها , فتعين أن يكون الإله واحد , وهذا ممتنع وغير حاصل أيضا لاتساق الكون وجريان الأمور على نظام واحد محكم بديع وسنن واحدة بلا خلل ولا تناقض ولا معارضة .
ثم إن الله تعالى استدل على شبهة الآلهة دون شبهة الولد لكونها أعم , فنفي الأعم يقتضي انتفاء الأخص إذ أنه لو قدّر أن يكون لله ولد – سبحانه- لكان إلها اتباعا للأصل كما قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) الزخرف , لكن هذا ممتنع لامتناع الأعم .
وقد رد - سبحانه وتعالى- أيضا على زعمهم أن له ولد بدلالات أخرى إضافة إلى دليل التمانع في غير هذا الموضع , منها ما جاء في سورة الأنعام من قوله تعالى : ( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم (101)) فأجابهم هنا بدلالة المعارضة , فإن كانوا يزعمون أن له ولد , فمعلوم أن الولد يستلزم وجود الصاحبة وهذا ممتنع بحق الله – عز وجل- فعارض زعمهم بما يبين بطلان دعواهم .

وثالثها : أن الله – عز وجل – أخبر أنه هو المتصف بكمال العلم فقال : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وقرئت عالمِ بالجر على أنها صفة , وبالرفع على أنه خبر , والمعنى أن علمه - سبحانه- محيط بكل شيء كما دلت عليه لام التعريف الدالة على الاستغراق , فهو – سبحانه- يعلم كل ما يغيب عن المخلوقات و كل ما يشاهدونه , فإن كان الله - عز وجل - عالم الغيب والشهادة أخبر بأنه منزه عن الشريك والولد , أفَهُم يزعمون خلاف ذلك أفَهُم أعلم أم الله ؟ بل إنما صدر هذا منهم عن جهل وقول على الله بغير علم .

ورابعها: أن الله – عز وجل – متصف بصفات الكمال منزه عن كل ما لا يليق به , وهذا الزعم الباطل من اتخاذ الشريك والولد منافٍ لما عليه الله من صفات الكمال , إذ يلزم من قولهم هذا الحاجة والافتقار إلى الغير , وعدم كمال الملك , والله – عز وجل منزه عن ذلك كله مترفع عنه , ولذلك قال : (سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) أي عما يصفه به المشركون الظالمون , وقال: (فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي ترفع سبحانه وتنزه عن ذلك .


هذا ما تيسر جمعه وبيانه – والله تعالى أعلم




المراجع:
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310ه)
تفسير الماتريدي لمحمد الماتريدي ت (333ه)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت (542هـ)
زاد المسير في علم التفسير لجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي ت (597هـ)
الجامع لأحكام القرآن لأبو عبد الله محمد القرطبي ت (671هـ)
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم)لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ت (751هـ)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن السعدي ت (1376هـ)
التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي ت ( 1393هـ)

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 24 ربيع الثاني 1438هـ/22-01-2017م, 05:01 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى علي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

تطبيق على أسلوب الحجاج (الرد على شبهة الشريك والولد)

قال تعالى :(بلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90)مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) ) سورة المؤمنون



في هذه الآيات نفى الله - سبحانه وتعالى- ما زعم المشركون من أنّ له ولد أو معه إله يشاركه وأثبت وحدانيته سبحانه , وردّ عليهم زعمهم الباطل من عدة أوجه :
أحدها : أن الله – عز وجل – أكدّ أنّ القرآن الذي أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - الدالّ على وحدانية الله وألوهيته وتعاليه عن الشريك والولد , وما يتضمنه من الحقوق الواجبة والأخبار الصادقة هو الحق , وأما ما يزعمه هؤلاء المشركون من وصف الله بما لا يليق به أو وصف رسوله أو القرآن بما ليس فيهما , فإنما هو كذب وباطل محض مخالف لما أخبر به سبحانه من الحق , فقال – عز وجل – (بلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90)) فكيف يزعم هؤلاء أن ما يخبرون به هو الحق , بل هو افتراء على الله ومخالفة لما أخبر به .

وثانيها : أن الله – عز وجل – نفى ما زعم هؤلاء بما النافية فقال : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) فأجابهم على زعمهم بدلالة التمانع, فأخبر أنه يمتنع أن يكون له ولد كما زعم بعضهم من أن الملائكة بنات الله أو يكون معه شريك في الألوهية كالأصنام كما زعموا , فإنه – سبحانه – المتفرد بالخلق والألوهية غني عما سواه , وعلى فرض التسليم بأن قُدِّر أن يكون معه إله – سبحانه - لفسد نظام الكون واختل توازنه, كما قال تعالى في موضع آخر (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء , ولاستقل كل إله بما يملك من الخلق , وغلب وقهر بعضهم بعض إذ لو اختلفت إرادة كل إله اختلاف تضاد, فعجز كل منهما عن إنفاذ إرادته لوصفا بالعجز جميعا وهذا نقص مناف للألوهية , ويمتنع إنفاذ الإرادتين لتضادهما , فتعين إنفاذ إرادة أحدهما دون الآخر , فغلب القوي منهم الضعيف ؛ والضعيف المقهور لا يصلح أن يكون إلها , فتعين أن يكون الإله واحد , وهذا ممتنع وغير حاصل أيضا لاتساق الكون وجريان الأمور على نظام واحد محكم بديع وسنن واحدة بلا خلل ولا تناقض ولا معارضة .
ثم إن الله تعالى استدل على شبهة الآلهة دون شبهة الولد لكونها أعم , فنفي الأعم يقتضي انتفاء الأخص إذ أنه لو قدّر أن يكون لله ولد – سبحانه- لكان إلها اتباعا للأصل كما قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) الزخرف , لكن هذا ممتنع لامتناع الأعم .
وقد رد - سبحانه وتعالى- أيضا على زعمهم أن له ولد بدلالات أخرى إضافة إلى دليل التمانع في غير هذا الموضع , منها ما جاء في سورة الأنعام من قوله تعالى : ( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم (101)) فأجابهم هنا بدلالة المعارضة , فإن كانوا يزعمون أن له ولد , فمعلوم أن الولد يستلزم وجود الصاحبة وهذا ممتنع بحق الله – عز وجل- فعارض زعمهم بما يبين بطلان دعواهم .

وثالثها : أن الله – عز وجل – أخبر أنه هو المتصف بكمال العلم فقال : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وقرئت عالمِ بالجر على أنها صفة , وبالرفع على أنه خبر , والمعنى أن علمه - سبحانه- محيط بكل شيء كما دلت عليه لام التعريف الدالة على الاستغراق , فهو – سبحانه- يعلم كل ما يغيب عن المخلوقات و كل ما يشاهدونه , فإن كان الله - عز وجل - عالم الغيب والشهادة أخبر بأنه منزه عن الشريك والولد , أفَهُم يزعمون خلاف ذلك أفَهُم أعلم أم الله ؟ بل إنما صدر هذا منهم عن جهل وقول على الله بغير علم .

ورابعها: أن الله – عز وجل – متصف بصفات الكمال منزه عن كل ما لا يليق به , وهذا الزعم الباطل من اتخاذ الشريك والولد منافٍ لما عليه الله من صفات الكمال , إذ يلزم من قولهم هذا الحاجة والافتقار إلى الغير , وعدم كمال الملك , والله – عز وجل منزه عن ذلك كله مترفع عنه , ولذلك قال : (سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) أي عما يصفه به المشركون الظالمون , وقال: (فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي ترفع سبحانه وتنزه عن ذلك .


هذا ما تيسر جمعه وبيانه – والله تعالى أعلم




المراجع:
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310ه)
تفسير الماتريدي لمحمد الماتريدي ت (333ه)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت (542هـ)
زاد المسير في علم التفسير لجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي ت (597هـ)
الجامع لأحكام القرآن لأبو عبد الله محمد القرطبي ت (671هـ)
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم)لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ت (751هـ)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن السعدي ت (1376هـ)
التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي ت ( 1393هـ)
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
- فاتك بيان بعض أدوات الحجاج الواردة في الآيات.
- خصمت نصف درجة بسبب التأخير.
التقويم: ب+
وفقك الله وسدّدك.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 24 ربيع الثاني 1438هـ/22-01-2017م, 08:01 AM
ندى علي ندى علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 311
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
- فاتك بيان بعض أدوات الحجاج الواردة في الآيات.
- خصمت نصف درجة بسبب التأخير.
التقويم: ب+
وفقك الله وسدّدك.
جزاكم الله عنا خيرا وأحسن إليكم
هل يمكنكم الإشارة فقط إلى اسم ما فات من الأدوات للفائدة أثابكم الله

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir