بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية بالأسلوب الوعظيّ في قوله تعالى:" قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ (15) " سورة الأعلى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وقد دلنا صلى الله عليه وسلم على طرق الفوز والفلاح، وحذرنا من طرق الهلاك والخسران، فمن اتبعه فهو من المفلحين، ومن عصاه كان من الخاسرين ، قال تعالى " فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ" سورة الأعراف.
" قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ (15)"، سورة الأعلى
هذه الآية لها سبب نزول وهو:
نزلت في عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة ، مائلة في دار رجل من الأنصار ، إذا هبت الرياح أسقطت البسر والرطب إلى دار الأنصاري ، فيأكل هو وعياله ، فخاصمه المنافق فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه ، فقال : " إن أخاك الأنصاري ذكر أن بسرك ورطبك يقع إلى منزله ، فيأكل هو وعياله ، فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها " ؟ فقال : أبيع عاجلا بآجل لا أفعل . فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطا من نخل بدل نخلته ففيه نزلت قد أفلح من تزكى . ونزلت في المنافق ويتجنبها الأشقى .
ما معنى الفلاح؟
الفلاح هو الفوز ، ونقول في الآذان حي على الفلاح أي هلم إلى طيق النجاة والفوز بالنعيم وذلك بإقامة الصلاة.
وفي لسان العرب الفَلَح والفَلاحُ : الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير ؛ وفي حديث أَبي الدَّحْداحِ : بَشَّرَك الله بخير وفَلَحٍ أَي بَقاءٍ وفَوْز ، وهو مقصور من الفلاح ، وقد أَفلح .
قال الله عَزَّ من قائل : قد أَفْلَحَ المؤمنون أَي أُصِيرُوا إِلى الفلاح ؛ قال الأَزهري : وإِنما قيل لأَهل الجنة مُفْلِحون لفوزهم ببقاء الأَبَدِ.
تفسير الآيات
قد أفلح من تزكى:
أي قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك وقال : لا إله إلا الله، وطهرها من الظلم ومساوئ الأخلاق ، فكان عمله زاكيا ناميا ، وهذا قول بن عباس وغيره من السلف.
وذكر اسم ربه فصلى :
هناك أقوال في تفسير الآية
• أي قال خرج إلى العيد فصلى ، فكان ابن مسعود يقول : رحم الله امرءا تصدق ثم صلى ، ثم يقرأ هذه الآية ، وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر في تفسير الآياتان ،أن ذلك في صدقة الفطر ، وصلاة العيد .
• الدعاء
• الصلوات الخمس المفروضة قاله بن عباس .
• أي من كان ذكر الله تعالى صبغة له ، لا يفتر قلبه عن ذكر ربه وهذا قول الشيخ السعدي .
وفي هنا ثلاث مسائل نذكرهما:
ثمرة ذكر الله
منها أن من ذكر الله في كل أحواله استشعر نعم الله عليه فشكرها بالعمل بما يرضي الله وبقول ما يرضي الله وبالدعوة إلى ما يرضي الله، خصوصًا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، قال تعالى:" فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" سورة الأعراف.
ومنها عظم الثواب المترتب عليه ،قال تعالى:" اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)" سورة العنكبوت.
ومنها أنه يكون في معية الله تعالى ، فيحسن التوكل على الله في كل أحواله.
ومنها الصبر الجميل عند الشدائد ، والرضا بأقدار الله تعالى.
سبب الفلاح وجزاءوه
يكون الفلاح بصلاح القلب، وتزكية النفس بالأعمال الصالحة، ومن أفلح فاز ففي أوائل سورة البقرة أثنى الله تعالى على المؤمنين بإيمانهم وعملهم الصالح ثم وصفهم بالفلاح ، قال تعالى:
" الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) " سورة البقرة .
وفي سورة المؤمنون ذكر سبحانه جملة من صفاتهم التي بسببها أفلحوا، وكل صفة من هذه الصفات سبب للفلاح، فهم خاشعون محافظون على صلاتهم ، ومن صفاتهم إعراضهم عن اللغو ، ويؤدون الزكاة ، ويحفظون فروجهم وأبصارهم عن ما حرم الله،ويؤدون الأمانات إلى أهلها ،ويوفون بالعهود والعقود ، قال تعالى:
" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) " سورة المؤمنون .
وكلما ثقلت الموازين بالعمل الصالح، وخفت من العمل السيئ تأكد حصول الفلاح، وكان فلاحا كثيرا بأعظم مما في الموازين من صالح العمل ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 102]
كيفية الثبات على الفلاح
لأن الإنسان نفسه يصيبها الملل من العمل ، وقد تزين لصاحبها سوء العمل، فمن أراد الفلاح سايسها، فإن رأى فيها إقبالا تزود من الأعمال الصالحة، وإن رأى فيها إدبارا قصرها على الفرائض وشيء من النوافل حتى لا تسأم وتترك كل العمل، وهذا ما وجهنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "إن لكل عمَلٍ شِرةً، ولكل شِرَّةٍ فترةً، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفْلح، ومن كانتْ فترته إلى غير ذلك فقد هَلكَ" رواه أحمد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك