576- وعن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: ((إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا)). رواه الخمسةُ، واسْتَنْكَرَهُ أحمدُ.
* درجةُ الحديثِ:
الحديثُ ضعيفٌ.
الحديثُ استَنْكَرَهُ الإمامُ أحمدُ؛ لأنه تَفَرَّدَ به العلاءُ بنُ عبدِ الرحمنِ، قالَ بعضُهم: هو مِن رجالِ مسلمٍ، وقالَ الحافِظُ في (التقريبِ): إنه صَدُوقٌ، وربما وَهِمَ.
قالَ أحمدُ وابنُ مَعينٍ: إنه مُنْكَرٌ، وقد استَدَلَّ البَيهقيُّ والطحاويُّ على ضَعْفِه بحديثِ أبي هُريرةَ في الصحيحينِ: ((لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ)).
قالَ الشوكانِيُّ: جُمهورُ العُلماءِ ضَعَّفُوا هذا الحديثَ.
* مُفرداتُ الحديثِ:
- إذا انْتَصَفَ شَعبانُ: أيْ: إذا مَضَى نِصْفُه، وبَقِيَ نِصْفُه.
- لا تَصُومُوا: (لا) ناهيةٌ، والفعْلُ بعْدَها مجزومٌ بِحَذْفِ النونِ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- مِن مَقاصِدِ الشرْعِ الشريفِ تمييزُ العباداتِ بعضِها عن بعضٍ، ولذا جاءَ في صحيحِ مُسْلِمٍ: "أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمَرَ ألاَّ نُوصِلَ صلاةً بصلاةٍ حتى نَتَكَلَّمَ، أو نَخْرُجَ" وهذه هي حِكمةُ النِّيَّةِ التي تُمَيِّزُ العادةَ عن العِبادةِ، وتُمَيِّزُ العباداتِ بعضَها عن بعضٍ.
2- مِن هذا الْهَدَفِ- واللهُ أَعْلَمُ- نُهِيَ عن الصيامِ إذا انْتَصَفَ شعبانُ؛ ليكونَ صيامُ شهْرِ رمضانَ مُنْفَصِلاً مُسْتَقِلاًّ وَحْدَه.
3- ولعلَّ مِن الحكمةِ أيضًا: حُصولَ الاستجمامِ لصومِ رمضانَ، فلا يَأتِي صومُه والمسلِمُ في حالِ مَلَلٍ وكَسَلٍ عن الصيامِ، وإنما يُقْبِلُ عليه برَغبةٍ وشَوْقٍ إليه، وهذا التعليلُ لا يُنافِي حَدِيثَيْ عائشةَ وأمِّ سَلمةَ في صيامِ شَعبانَ كلِّه أو أَكْثَره، فالنفوسُ على الامتثالِ على العبادةِ ليستْ واحدةً، والحكْمُ يكونُ للغالِبِ.
4- النهيُ عن هذا الصيامِ مُقَيَّدٌ بما في الصحيحين عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ))، فمَن كانَ له صَوْمٌ مُعتادٌ فصادَفَ ما بعدَ النصْفِ مِن شعبانَ فلْيَصُمْهُ، فإنه لم يَدْخُلْ في النهيِ.
5- النهيُ عن صيامِ النصْفِ الأخيرِ مِن شَعبانَ، هذا في حالِ إذا ابْتَدَأَ بالنصْفِ فما بعدَه، أمَّا إذا كان يَصومُ قبلَ النصْفِ، ثم استَمَرَّ إلى آخِرِ الشهْرِ، فإنَّ النهيَ لا يَشْمَلُه؛ لئلاَّ يَتعارَضَ مع ما جاءَ في البخاريِّ (1834)، ومسلِمٍ (1957) مِن حديثِ عائشةَ قالتْ: "لم يكن النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يصومُ شَهْرًا أكثَرَ مِن شعبانَ؛ فإنه كان يَصومُه كلَّه".
* خِلاَفُ العُلماءِ:
اخْتَلَفَ العُلماءُ: هل النهيُ للتنزيهِ، أو للتحريمِ؟
فذَهَبَ كثيرٌ مِن الشافعيَّةِ إلى: أنَّ النهيَ للتحريمِ.
وذَهَبَ بعضُهم إلى: أنه للتنزيهِ، وهذا هو المشهورُ مِن مَذْهَبِ الإمامِ أحمدَ؛ وذلك لِمَا جاءَ في (المسنَدِ) (25434) مِن حديثِ أمِّ سَلمةَ: "أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يكنْ يصومُ مِن السنَةِ شَهْرًا تامًّا، إلاَّ شَعبانَ، يَصِلُ به رَمضانَ".
وحديثُ أمِّ سَلمةَ لا يُنافِي حديثَ أبي هُريرةَ، الذي رواه البخاريُّ (1781) ومسلمٌ (1812) أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: ((لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، وَلاَ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ))؛ فهذا مِن الصَّوْمِ الذي لم يُقْصَدْ به تَقَدُّمُ رمضانَ باليومِ، أو اليومينِ.