دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الفتوى الحموية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 محرم 1432هـ/10-12-2010م, 01:00 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي 10: كلام الإمام المالكي ابن أبي زمنين

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَِمَنِِينَ - الإِمَامُ الْمَشْهُورُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ - فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي ( أَصُولِ السُّنَّةِ ) قَالَ فِيهِ:
بَابُ الإِيمَانِ بِالْعَرْشِ
قَالَ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْعَرْشَ وَاخْتَصَّهُ بِالْعُلُوِّ وَالارْتِفَاعِ فَوْقَ جَمِيعِ مَا خَلَقَ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ } فَسُبْحَانَ مَنْ بَعُدَ وَقَرُبَ بِعِلْمِهِ، فَسَمِعَ النَّجْوَى. وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ؟ قَالَ: ( فِي عَمَاءٍ، مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ). قَالَ مُحَمَّدٌ: الْعَمَاءُ: السَّحَابُ الْكَثِيفُ الْمُطْبِقُ، فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ.
وَذَكَرَ آثَارًا أُخَرَ، ثُمَّ قَالَ: بَابُ الإِيمَانِ بِالْكُرْسِيِّ(1)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ الْكُرْسِيَّ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، وأنَّه مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ الَّذِي فِيهِ التَّجَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الآخِرَة وَفِيهِ ( فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ هَبَطَ مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ يَحُفُّ بالْكُرْسِيِّ مَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالْجَوَاهِرِ، ثُمَّ يَجِيءُ النَّبِيُّونَ فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا ).
وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ سَالمٍ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ الْمَشْهُورِ: حَدَّثَنِي الْعلاء بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: ( إِنَّ الْكُرْسِيَّ الَّذِي وَسِعَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ لَمَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلا يَعْلَمُ قَدْرَ الْعَرْشِ إِلاَّ الَّذِي خَلَقَهُ ).
وَذَكَرَ من حَدِيثَ أَسَدِ بْنِ مُوسَى قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( مَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَالْمَاءِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ).
ثُمَّ قَالَ: في بَابِ الإِيمَانِ بِالْحُجُبِ
قَالَ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الله بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ بِالْحُجُبِ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا } وَذَكَرَ آثَارًا فِي الْحُجُبِ(2).
ثُمَّ قَالَ: فِي بَابِ الإِيمَانِ بِالنُّزُولِ.
قَالَ: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَيُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُدُّوا فِيهِ حَدًّا(3).
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَخْبَرَنَي وَهْبٌ، عَنِ ابْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ الزهري عن ابْنِ عَبَّادٍ قَالَ: ومَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الْمَشَايِخِ - مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَعِيسَى وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٌ - كَانُوا يَقُولُونَ: إن النُّزُولُ حَقٌّ.
قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: وسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنِ النُّزُولِ، قَالَ: ( نَعَمْ، أُؤْمِنُ بِهِ وَلاَ أَحَدُّ فِيهِ حَدًّا ) وَسَأَلْتُ عَنْهُ ابْنَ مَعِينٍ، فَقَالَ: (نعم أُقِرُّ بِهِ وَلاَ أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا )(4).
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى العَرْشِِ فِي السَّمَاءِ دُونَ الأَرْضِ، وَهُوَ أيضًا بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، قَالَ الله تَعَالَى:{يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } وَقَالَ تَعَالَى: {ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ }، وَقَالَ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وَقَالَ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ }، وَقَالَ تَعَالَى: {يا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } وَقَالَ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ }.
وَذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ قَوْلَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِلْجَارِيَةِ " أَيْنَ اللَّهُ؟ " قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: " مَنْ أَنَّا؟ " قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. قَالَ: " فَأَعْتِقْهَا فأنَّها مُؤْمِنَةٌ ".
قَالَ وَالأَحَادِيثُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَسُبْحَانَ مَنْ عِِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاءِ كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(5).
وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الإِيمَانِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ قَالَ: وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ، يَرَوْنَ الْجَهْلَ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ عِلْمًا، وَالْعَجْزَ عَنْ مَا لَمْ يَدْعُ إِلَيْهِ إِيْمَانًا، وأنَّهمْ إِنَّمَا يَنْتَهُونَ مِنْ وَصْفِهِ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ إِلَى حَيْثُ انْتَهَى فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ(6).
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: - وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ -: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ }، وَقَالَ: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } وَقَالَ: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي }، وَقَالَ: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }، وَقَالَ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَقَالَ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالأَرْضُ جَمِيعـًا قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَقَالَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
فَهُوَ تُبَارَكَ وَتَعَالَى نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَهُ وَجْهٌ وَنَفْسٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَيَسْمَعُ وَيَرَى وَيَتَكَلَّمُ، هو الأَوَّلُ وَلا شَيْءَ قَبْلَهُ، والآخِرُ الْبَاقِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَلا شَيْءَ بَعْدَهُ، وَالظَّاهِرُ الْعَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَالْبَاطِنُ بَطَنَ عِلْمَهُ بِخَلْقِهِ فَقَالَ: {وَهُوَ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ }، قَيُّومٌ حَيٌّ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ.
وَذَكَرَ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ صِفَاتُ رَبِّنَا الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَحْدِيدٌ وَلا تَشْبِيهٌ وَلا تَقْدِيرٌ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ فَتَحُدَّهُ كَيْفَ هُوَ، وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ فِي حَقَائِقِ الإِيمَانِ. أ هـ.


  #2  
قديم 4 محرم 1432هـ/10-12-2010م, 01:07 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تعليق سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله

(1) هذا الحديثُ ((فِي عَمَاءٍ)) روَاه الإمامُ أحمدُ وجماعةٌ، وهو مِن طريقِ وَكِيعِ بنِ حُدُسٍ، ويُقَالُ: ابنِ عُدُسٍ، وهو ليسَ بذاكَ المشهورِ. وذَكَرَ بعضُهم - كالحافظِ - أنَّه مقبولٌ، فليسَ بذاكَ المشهورِ مِن جِهَةِ السَّنَدِ، لكن لو صَحَّ فهذه أمورٌ تَوْقِيفِيَّةٌ، فإنْ لم يَصِحَّ فالقولُ فيه كالقولِ في غيرِه، اللَّهُ أعلَمُ سبحانه وتعالى. أخْبَرَنَا أنَّه فوقَ العرشِ، وأنَّه اسْتَوَى على العرشِ بعدَما خَلَقَ السماواتِ والأرضَ، وأمَّا ما قبلَ ذلك فإنْ صحَّ حديثُ أبي رَزِينٍ، فالأمرُ فيه واضحٌ، وإلاَّ فالجوابُ فيه: اللَّهُ أعلمُ.
وحديثُ وَكِيعِ بنُ حُدُسٍ ليسَ مِن الأحاديثِ القويةِ التي يَحْسُنُ الاعتمادُ عليها في الأصولِ، ولكن يُمْكِنُ أنْ يكونَ له طُرُقٌ أخرَى , وشَوَاهِدُ أخرَى تُعَضِّدُهُ وتُقَوِّيهِ. يَنْبَغِي التأمُّلُ فيه , ومُرَاجَعَةُ رِوايةِ أبي رَزِينٍ في المُسْنَدِ وفي مُسْنَدِ أبي داودَ الطَّيَالِسِيِّ، وغيرِهما.
(2) وهذا مثلُ ما جاءَ مِن حديثِ أبي موسى في الصحيحِ: ((حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) سبحانه وتعالى، ومثلُ ما جاءَ في حديثِ أبي ذَرٍّ عندَ مسلمٍ: قِيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ رَبَّكَ؟ قال: ((رَأَيْتُ نُوراً)). وفي لفظٍ: ((نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ)).
فاللَّهُ جلَّ وعلا له مِن الحُجُبِ العظيمةِ والأهوالِ العظيمةِ ما لا يُحْصِيهِ إلاَّ اللَّهُ، ولا يَعْلَمُهُ إلاَّ هو سبحانه وتعالى، لكن يومَ القيامةِ يَكْشِفُ الحِجَابَ جلَّ وعلا عن وَجْهِهِ الكريمِ فيَرَاه المؤمنونَ في عَرَصَاتِ القيامةِ , وفي الجنَّةِ، وهو أعلى نَعِيمِهم.
(3) (لاَ يَحُدُّوا فِيهِ حَدًّا) يعني: على ما جاءَ في النصوصِ: يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغِيثُنِي فَأُغِيثَهُ, حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ)). وفي اللفظِ الآخَرِ: ((هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْلَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابَ عَلَيْهِ)) فأهلُ السنَّةِ يُمِرُّونه كما جاءَ مِن غيرِ تغييرٍ ولا تفسيرٍ ولا حَدٍّ، أمَّا مَن قالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا، أي: يَنْزِلُ ثَوَابُه أو أمْرُه أو مَلَكٌ مِن الملائكةِ. هذا تأويلٌ باطلٌ، هذا إلحادٌ في الحديثِ.
(4) يعني: لا أقولُ: يَنْزِلُ كذا ولاَ كذا، لا أُكَيِّفُ، يَنْزِلُ كما يَشَاءُ سبحانه وتعالى، لا يَعْلَمُ كيفَ يَنْزِلُ إلاَّ هو، كما أنَّه اسْتَوَى على العرشِ كما يَشَاءُ، لا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ استوائِه إلاَّ هو سبحانه وتعالى، وهكذا بَقِيَّةُ الصفاتِ، لا يَعْلَمُ كيفَ يَرَى ولا كيفَ يَغْضَبُ ولا كيفَ يَجِيءُ يومَ القيامةِ، ولا كيفَ يَضْحَكُ، إلا هو سبحانه وتعالى.
فالكيفيَّةُ إليه سبحانه وتعالى، هو أعلمُ بها جلَّ وعلا، إنَّما علينا الإيمانُ بما أَخْبَرَنا به مِن ضَحِكٍ ورِضًا وغَضَبٍ ورحمةٍ وعِلْمٍ وسمعٍ وبصرٍ ونزولٍ واستواءٍ، نُؤْمِنُ بها كما جاءَتْ، على الوجهِ الذي يَلِيقُ باللَّهِ سبحانه وتعالى، لا يَعْلَمُ كيفَ صِفاتُه إلا هو سبحانه وتعالى.
(5) وهذا وَصْفُه جلَّ وعلا عندَ جميعِ أهلِ السنَّةِ: العُلُوُّ، وهو صفةُ ذاتٍ، أَجْمَعَ عليها العلماءُ ودَلَّتْ عليها الفِطْرَةُ، فقد فَطَرَ اللَّهُ العِبادَ على الإيمانِ بعلوِّ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وأنَّه فوقَ الجميعِ جلَّ وعلا، حتى البهائِمُ فَطَرَها على رَفْعِ رَأْسِها إلى السماءِ عندَما يَحْزُبُها شيءٌ.
والمقصودُ أنَّ الفِطْرَةَ دَلَّتْ على عُلُوِّهِ، وجاءَتِ النصوصُ بذلك، جاءَ الكتابُ العظيمُ والسنَّةُ المُطَهَّرَةُ، وجاءَ الأنبياءُ جميعاً بالإيمانِ بعلوِّ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وأمَّا الاستواءُ فهو ثابتٌ بالنصِّ، اسْتِوَاؤُه على العرشِ جاءَتْ به النصوصُ النقليَّةُ السمعيَّةُ، فالاستواءُ والعلوُّ كلاهما صفتانِ عظيمتانِ ثابتتانِ للهِ سبحانه وتعالى، أمَّا العلوُّ فبالفِطْرَةِ، والعقلِ وبالنصِّ جميعاً، وأمَّا الاسْتِوَاءُ فبالسمعِ كما جاءَتْ به النصوصُ في الكتابِ والسنَّةِ.
(6) وهذا هو البَصِيرَةُ وهذا هو الحقُّ، وهذا هو مُقْتَضى العقلِ السليمِ، الجهلُ بما لم يُخْبِرْ به عِلْمٌ، والعجزُ عن إدراكِ ذلك هو الحقيقةُ التي يَجِبُ أنْ يُقِرَّ بها العبدُ، وأنَّه عاجزٌ لا يَعْلَمُ عن ربِّه إلا ما جاءَتْ به النصوصُ، ولا يَسْتَطِيعُ أنْ يقولَ عن ربِّه سِوَى ما جاءَتْ به النصوصُ، فالجهلُ بما لم يُخْبِرْ به عن نفسِه هو العلمُ في الحقيقةِ.
يقولُ العبدُ: لا أعلمُ، اللَّهُ أعلمُ، لا أَدْرِي عن هذا، إنَّما نَعْلَمُ ما جاءَتْ به النصوصُ، وما دَلَّتْ عليه النصوصُ، فنَصِفُ اللَّهَ بما أخْبَرَ به عن نفسِه فيها، ونَسْكُتُ عمَّا سِوَى ذلك.
وهذا هو العلمُ، وهذا هو مُقْتَضى الإيمانِ، العَجْزُ عن إدراكِ ما لم يُخْبِرْ به هو الإيمانُ الصحيحُ، أما التكلُّفُ ودَعْوَى أشياءَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بها مِن سُلطانٍ، فهذا هو الجهلُ.

سؤالٌ: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}؟
الجوابُ: هذا واضحٌ، يعني: بمَرْأَى مِن اللَّهِ ومَسْمَعٍ مِنه سبحانه وتعالى، اللَّهُ سبحانه وتعالى هو الذي يُسَدِّدُهُ ويُسَهِّلُ أمرَه، وفيه إثباتُ العينِ؛ لئلا يُقالَ: هذا لمَن لا عينَ له ولا سمعَ ولا بَصَرَ. السفينةُ تجري بعينِه: يعني برعايتِه سبحانه وتعالى، وفيه إثباتُ العينِ. {ولِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} لأنَّه رُبِّيَ على عينِه سبحانه وتعالى، يعني: بتوفيقِ اللَّهِ لمَن رَبَّاهُ حتى صارَ في أحسنِ حالةٍ. ومعَ ذلكَ فيه إثباتُ العينِ للهِ عزَّ وجلَّ، وجاءَتْ به النصوصُ في قِصَّةِ الدجَّالِ: ((إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى)). ففيه إثباتُ العينِ وإثباتُ الرعايةِ مِن اللَّهِ للسفينةِ ولموسى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.

سؤالٌ: إثباتُ صفةِ الاستهزاءِ في قولِه تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}؟
الجوابُ: يَسْتَهْزِئُ بهم ويَمْكُرُ بهم كما فعلوا، مكرٌ بحقٍّ واسْتِهْزَاءٌ بحقٍّ، يُوصَفُ به سبحانه وتعالى، المذمومُ الاستهزاءُ بالباطلِ والمكرُ بالباطلِ، أما اسْتِهْزَاؤُه بهم فهو في مُقابِلِ استهزائِهِم، لمَّا اسْتَهْزَؤُوا اسْتُهْزِئَ بهم ومُكِرَ بهم، وكِيدُوا وخُدِعُوا، وهو بحقٍّ، يُوصَفُ به ؛ لأنَّه وَصْفُ حقٍّ للهِ سبحانه وتعالى، على الوجهِ اللائقِ باللَّهِ جلَّ وعلا.

سؤالٌ: هل صفةُ الكلامِ للهِ ذاتيَّةٌ فعليَّةٌ؟
الجوابُ: يجوزُ أنْ يُقالَ: ذاتِيٌّ؛ لأنَّه مِن صفاتِ الذاتِ يَتَكَلَّمُ بذاتِه سبحانه وتعالى، ويُقالُ: فعليٌّ؛ لأنه بالاخْتِيَارِ، يَقَعُ عن المشيئةِ.

سؤالٌ آخَرُ عن قولِه تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}؟
الجوابُ: يعني ذاتَه سبحانه وتعالى بوجهِه الكريمِ، عُبِّرَ بالوجهِ ؛ لأنَّه هو الأشرفُ، والمقصودُ أنَّه يَبْقَى بوجهِه الكريمِ، صِفَةُ الوجهِ معَ بقائِه سبحانه وتعالى، عُبِّرَ بالوجهِ ؛ لأنَّه مِن الصفاتِ العظيمةِ، ولهذا قالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}، يعني: بوجهِه وذاتِه جميعاً، ليسَ الوجهُ وحدَه، عُبِّرَ بالوجهِ عن الذاتِ كلِّها؛ لأنَّه موصوفٌ بوجهِه سبحانه وتعالى. وهذا من طريقةِ العربِ، يَبْقَى وَجْهُ فلانٍ، يعني: كلُّ فلانٍ، لا يُرِيدُونَ أنَّ وَجْهَه الباقي وسائِرَ جسدِه معدومٌ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
10, كمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفقيه الزاهد ابن أبي زَمَنِين المالكي - توفي 399 هـ أم عبد الله بنت علي سير العلماء 0 28 شوال 1431هـ/6-10-2010م 05:03 PM
المقرئ الحافظ أبو عمر الطلمنكي الأندلسي المالكي توفي 429 هـ أم عبد الله بنت علي سير العلماء 0 6 شوال 1431هـ/14-09-2010م 12:37 PM


الساعة الآن 05:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir