دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 06:47 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ،..........
قوله: «وأقل السنّة بعد الجمعة ركعتان، وأكثرها ست» ، شرع المؤلف في بيان السنن التوابع للجمعة، فأقلها ركعتان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته »، ثبت ذلك عنه في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.وأكثرها ست؛ لأنه ورد عن عبد الله بن عمر بإسناد صححه العراقي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي بعد الجمعة ستاً، فقد كان ابن عمر «إذا صلى في مكة تقدم بعد صلاة الجمعة فصلى ركعتين، ثم صلى أربعاً، وفي المدينة يصلي ركعتين في بيته، ويقول: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله».أما الأربع فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك فقال: «إذا صلّى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً».
فصارت السنة بعد الجمعة، إما ركعتين، أو أربعاً، أو ستاً، ولكن هل هذا مما وردت به السنة على وجوه متنوعة، أو على أحوال متنوعة، فيه أقوال:
القول الأول: أنها على أحوال متنوعة.وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيقال: إن صليت راتبة الجمعة في المسجد فصل أربعاً، وإن صليتها في البيت فصل ركعتين.
القول الثاني: أنها متنوعة على وجوه فصلِّ أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين.
القول الثالث: أنها أربع ركعات مطلقاً؛ لأنه إذا تعارض قول النبي صلّى الله عليه وسلّم وفعله يقدم قوله.والأولى للإنسان ـ فيما أظنه راجحاً ـ أن يصلي أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين.أما الست فإن حديث ابن عمر يدل على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم «كان يفعلها». لكن الذي في الصحيحين أنه كان يصلي ركعتين، ويمكن أن يستدل لذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي في بيته ركعتين، وأمر من صلى الجمعة أن يصلي بعدها أربعاً، فهذه ست ركعات: أربع بقوله وركعتان بفعله، وفيه تأمل.
وعُلم من قول المؤلف: «أقل السنة بعد الجمعة ركعتان» أنه ليس للجمعة سنّة قبلها، وهو كذلك، فيصلي ما شاء بغير قصد عدد، فيصلي ركعتين أو ما شاء، لكن إذا دخل الإمام أمسك.
فإن قال قائل: هل تختارون لي إذا جئت يوم الجمعة أن أشغل وقتي بالصلاة، أو أشغل وقتي بقراءة القرآن؟
فالجواب: نرى أن ركعتين لا بد منهما، وهما تحية المسجد، وما عدا ذلك ينظر الإنسان ما هو أرجح له، فإذا كنت في مسجد يزدحم فيه الناس، ويكثر المترددون بين يديك، فالظاهر أن قراءة القرآن أخشع لقلب الإنسان وأفيد، وإذا كنت في مكان سالم من التشويش، فلا شك أن الصلاة أفضل من القراءة؛ لأن الصلاة تجمع قراءة وذكراً ودعاء وقياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، فهي روضة من رياض العبادات فهي أفضل.
فمثلاً: المسجد الحرام في أيام المواسم إذا صلى الإنسان تعب بمضايقة الناس، فهنا قد تكون قراءة القرآن بتدبر وتمهل يحصل فيها من خشوع القلب، ورقته، وقوة الإيمان ما لا يحصل بالصلاة، لكن لا بد من تحية المسجد. والإمام أحمد ـ رحمه الله ـ سئل عن مسألة من مسائل العلم، فقال للسائل: «انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله»، وهذه كلمة عظيمة، ولا شك أن الإمام أحمد إنما يريد ما لم يرد فيه التفضيل، أما ما ورد فيه التفضيل فالقول ما قال الله ورسوله، لكن مع ذلك نحن نشاهد من فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم وحاله أنه يقدم أحياناً المفضول على الفاضل، فأحياناً يصوم حتى يقال: لا يفطر، وأحياناً يفطر حتى يقال: لا يصوم، وكذلك في قيام الليل، وأحياناً يأتيه الوفود يشغلونه عن الراتبة فيجلس معهم، ولا يصلي الراتبة إلا بعد صلاة أخرى، كما أخر راتبة الظهر إلى ما بعد العصر، فالإنسان العاقل الموفق يعرف كيف يتصرف في العبادات غير الواجبة، فيقارن، ويوازن بين المصالح، ويفعل ما هو أصلح.

وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ،........
قوله: «ويسن أن يغتسل» ، يعبر الفقهاء بيُسن، ويجب، ويشرع.
فإذا قالوا: يشرع فهو لفظ صالح للوجوب، والاستحباب.
وإذا قالوا: يجب فهو للوجوب.
وإذا قالوا: يسن فهو للاستحباب.
والسنّة في تعبير الفقهاء: هي ما أثيب فاعله، ولم يعاقب تاركه، فهي بين الواجب والمباح.
فقوله: «يسن أن يغتسل» أي: أنه إذا اغتسل ليوم الجمعة فهو أفضل، وإن لم يغتسل فلا إثم عليه.
وقوله: «أن يغتسل» لم يبيّن كيفية الاغتسال، ولكنه إذا أطلق في لسان الشارع، أو في لسان أهل الشرع وهم الفقهاء، فإنه يحمل على الاغتسال الشرعي، لا على مجرد أن يغسل الإنسان بدنه، والغسل الشرعي له صفتان:
1 ـ واجبة: وهي أن يعم جميع بدنه بالماء، ولو بانغماس في بركة أو نهر أو بحر.
2 ـ مستحبة: وهي أن يتوضأ أولاً، كما يتوضأ للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، ويخلل شعره ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده.
وقول المؤلف: «يسن أن يغتسل» لم يبيّن متى يكون الاغتسال.
فقال بعضهم: إن أول وقته من آخر الليل.
وقال آخرون: بل من طلوع الفجر؛ لأن النهار لا يدخل إلا بطلوع الفجر.
وقال آخرون: بل من طلوع الشمس؛ لأن ما بين الفجر وطلوع الشمس وقت لصلاة خاصة، وهي الفجر، ولا ينتهي وقتها إلا بطلوع الشمس، وعلى هذا فيكون ابتداء الاغتسال من طلوع الشمس، وهذا أحوط الأقوال الثلاثة؛ لأن من اغتسل بعد طلوع الشمس فقد أتى على الأقوال كلها. وينتهي وقت الاغتسال بوجوب السعي إلى الجمعة على الأقوال كلها.
وقوله: «يسن أن يغتسل» ، لم يبيّن من الذي يغتسل، هل هم الرجال أو النساء؟
والسنّة تدل على أن الاغتسال خاص بمن يأتي إلى الجمعة؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» ، ولقوله: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم»، وكلمة «الجمعة» هنا يحتمل أن يكون المراد بها الصلاة، أو اليوم، لكن قوله: «إذا أتى أحدكم الجمعة» يعين أن المراد بها الصلاة، وعلى هذا فالنساء لا يسنّ لهن الاغتسال، وكذلك من لا يحضر لصلاة الجمعة لعذر، فإنه لا يسنّ له أن يغتسل للجمعة.
وقول المؤلف: «يسنّ أن يغتسل» هو المذهب، وعليه جمهور العلماء.وذهب بعض أهل العلم إلى أن الاغتسال واجب.وهذا القول هو الصحيح لما يلي:
1 ـ قول أفصح الخلق وأنصحهم محمد صلّى الله عليه وسلّم: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» ، فصرّح النبي صلّى الله عليه وسلّم بالوجوب، ومن المعلوم أننا لو قرأنا هذه العبارة في مؤلف كهذا الذي بين أيدينا لم نفهم منها إلا أنه واجب يأثم بتركه، فكيف والتعبير من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي هو أعلم الخلق بشريعة الله وأفصح الخلق وأنصح الخلق وأعلمهم بما يقول؟ ثم إنه علق الوجوب بوصف يقتضي الإلزام، وهو الاحتلام الذي يحصل به البلوغ، فإذا تأملنا ذلك تبيّن لنا ظاهراً أن غسل الجمعة واجب، وأن من تركه فهو آثم، لكن تصح الصلاة بدونه؛ لأنه ليس عن جنابة.
2 ـ أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ دخل وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة، فأنكر عليه تأخّره، فقال: والله يا أمير المؤمنين كنت في شغل، وما زدت على أن توضأت، ثم أتيت، فقال له ـ موبخاً ـ: والوضوء أيضاً؟ ـ أي: تفعل الوضوء أيضاً ـ، وقد علمت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بالغسل، فأنكر عمر ـ رضي الله عنه ـ عليه اقتصاره على الوضوء.وأما ما روي عن سمرة بن جندب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» ، فهذا الحديث لا يقاوم ما أخرجه الأئمة السبعة وغيرهم، وهو حديث أبي سعيد الذي ذكرناه آنفاً: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» ، ثم إن الحديث من حيث السند ضعيف؛ لأن كثيراً من علماء الحديث يقولون: إنه لم يصح سماع الحسن عن سمرة إلا في حديث العقيقة، وإن كنا رجّحنا في المصطلح: أنه متى ثبت سماع الراوي من شيخه، وكان ثقة ليس معروفاً بالتدليس، فإنه يحمل على السماع، على أن الحسن ـ رحمه الله ـ رماه بعض العلماء بالتدليس، ثم إن هذا الحديث من حيث المتن إذا تأملته وجدته ركيكاً ليس كالأسلوب الذي يخرج من مشكاة النبوة «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» ... «بها» أين مرجع الضمير؟ ففيه شيء من الركاكة أي: الضعف في البلاغة «ومن اغتسل فالغسل أفضل» فيظهر عليه أنه من كلام غير النبي صلّى الله عليه وسلّم. فالذي نراه وندين الله به، ونحافظ عليه أن غسل الجمعة واجب، وأنه لا يسقط إلا لعدم الماء، أو للضرر باستعمال الماء، ولم يأت حديث صحيح أن الوضوء كاف، وأما ما ورد في صحيح مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام» ، فإنه مرجوح، لاختلاف الرواة، فبعضهم قال: «من اغتسل» وهذه أرجح، وبعضهم قال: «من توضأ».
مسألة: بقي أن يقال: إذا لم يجد الماء، أو تضرر باستعماله.. فهل يتيمم لهذا الغسل، أو نقول: إنه واجب سقط بعدم القدرة عليه؟
الجواب أن نقول: الثاني، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، ويقول شيخ الإسلام: جميع الأغسال المستحبة إذا لم يستطع أن يقوم بها فإنه لا يتيمم عنها؛ لأن التيمم إنما شرع للحدث؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] .ومعلوم أن الأغسال المستحبة ليست للتطهير؛ لأنه ليس هناك حدث حتى يتطهر منه، وعلى هذا فلو أن الإنسان وصل إلى الميقات وهو يريد العمرة أو الحج، ولم يجد الماء، أو وجده وكان بارداً لا يستطيع استعماله، أو كان مريضاً، فلا يتيمّم بناء على هذا.
والفقهاء رحمهم الله يقولون: يتيمّم، والصحيح خلاف ذلك.

وَتَقَدَّمَ، ...........
قوله: «وتقدم» ، أي: سبق ذكر استحباب الغسل ليوم الجمعة. لكن صاحب الروض قال: «فيه نظر» ، وإذا قال العلماء: «فيه نظر» فيعنون أنه غير مسلم، والعلماء يعبرون أحياناً بقولهم: «فيه شيء»، إذا نقلوا كلام غيرهم. وقولهم: «فيه شيء»، أخف من قولهم: «فيه نظر»، وقول صاحب الروض: «فيه نظر»، أي: في قول الماتن: «وتقدم» نظر، وكأن صاحب الروض غفل عن قول صاحب المتن؛ لأن صاحب المتن في أقسام المياه قال: «وإن استعمل في طهارة مستحبة كتجديد وضوء وغسل جمعة» ، فهذا صريح في أن غسل الجمعة مستحب، وكأن صاحب الروض إنما قال: «فيه نظر» لما رأى المؤلف لم يذكره في باب الغسل، كما جرت به عادة الفقهاء في ذكر الأغسال المستحبة في باب الغسل.

وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ .........
قوله: «ويتنظف» أي: ويسنّ أن يتنظف كما جاءت به السنّة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر...» ، والتنظّف أمر زائد على الاغتسال، فالتنظّف بقطع الرائحة الكريهة وأسبابها، فمن أسباب الرائحة الكريهة الشعور والأظفار التي أمر الشارع بإزالتها، وعلى هذا فيسنّ حلق العانة، ونتف الإبط، وحف الشارب، وتقليم الأظفار، لكن من المعلوم أن هذا لا يكون في كل جمعة، فقد لا يجد الإنسان شيئاً يزيله، من هذه الأمور الأربعة، وقد وقّت النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الأشياء الأربعة ألا تزيد على أربعين يوماً، وقد قال الفقهاء: إن حف الشارب في كل جمعة.
قوله: «ويتطيّب» أي: ويسنّ أيضاً أن يتطيّب، كما جاءت به السنة، بأي طيب سواء من الدهن أو من البخور، في ثيابه وفي بدنه؛ وذلك من أجل اجتماع الناس في مكان واحد؛ لأن العادة أنه إذا كثر الجمع ضاق النفس، وكثر العرق، وثارت الرائحة الكريهة، فإذا وجد الطيب، وقد سبقه التنظّف، فإن ذلك يخفف من الرائحة؛ ولهذا نهى الرسول عليه الصلاة والسلام من أكل بصلاً أو ثوماً أن يقرب المسجد، وكانوا إذا رأوا إنساناً أكل بصلاً أو ثوماً، أمروا به فأخرج من المسجد إلى البقيع، ومن الأسف أن بعض الناس اليوم يأتي إلى الجمعة، وثيابه وجسمه لهما رائحة كريهة، ثم لا يستطيع أحد أن يصلي إلى جنبه، وليس هذا من عند الله، بل من نفسه، فهو الذي يجلب لنفسه الأوساخ والأدران، ولا يهتم بنفسه، وفي هذا أذية للمصلين، وأذية للملائكة.بل إن العلماء قالوا: إن ما كان من الله، ولا صنع للآدمي فيه إذا كان يؤذي المصلين فإنه يخرج، كالبخر في الفم، أو الأنف، أو من يخرج من إبطيه رائحة كريهة، فإذا كان فيك رائحة تؤذي فلا تقرب المسجد.
فإن قال: هذا من الله؟ فيقال: إذا ابتلاك الله به فلا تؤذ العباد، ولا تؤذ الملائكة، وأنت مأجور على الصبر على هذا الشيء واحتساب الأجر من الله، ولست آثماً إذا لم تصل مع الناس؛ لأنك إنما تركت ذلك بأمر الله.
فإذا قال: هذا ينقص إيماني؛ لأن صلاة الجماعة أفضل؟
قلنا: إنك لا تلام على هذا النقص؛ كما أن الحائض لا تصلي، وينقص إيمانها بذلك ولا تلام على النقص؛ لأن النقص الذي ليس بسبب الإنسان لا يلام عليه.

وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا مَاشِياً،..........
قوله: «ويلبس أحسن ثيابه» أي: ويسنّ لبس أحسن ثيابه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يُعد أحسن ثيابه للوفد والجمعة. وانظر كيف كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعامل الناس، فإذا جاء الوفد لبس أحسن ثيابه؛ ليظهر أمام الوفد بالمظهر اللائق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام محذراً من الكبر: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» ، قالوا: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؟ فقال: «إن الله جميل يحب الجمال» ، أي: يحب التجمل، وليس الجمال الطبيعي الخَلْقي؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بنى هذا الكلام على قولهم: «يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً» ؛ ولأن هذا هو الذي يستطيعه الإنسان، فيثاب عليه إذا فعله، أما الجمال الخَلْقي فهذا ليس من اختيار الإنسان. فدل ذلك على أنه ينبغي أيضاً أن يحسّن الإنسان ثيابه، ويحسّن نعله، لكن بشرط ألا يؤدي ذلك به إلى الإسراف والفخر والخيلاء، ولهذا وردت أحاديث تدل على فضل التواضع في اللباس، وهذا في مكانه، أي: لو كان الإنسان يريد أن يأتي إلى قوم فقراء، ويخشى إذا جاء بلباسه الزاهي أن تنكسر قلوبهم، فهنا الأفضل أن يلبس ما يناسب الحال، ويكون مأجوراً على ذلك. قال في الروض: «وأفضلها البياض، ويعتم، ويرتدي» أي: أفضلها البياض، ولا شك أن أفضل الثياب للرجال البياض، لكن أحياناً لا يجد الإنسان البياض مناسباً للوقت، مثل: أيام الشتاء فإنه يندر أن تجد ثياباً بيضاء تناسب الوقت، فهنا نقول: ارفق بنفسك، ويمكن أن تلبس ثياباً متعددة، ويكون الأعلى هو الأبيض.
قوله: «ويعتم» أي: يلبس العمامة.
والعمامة: هي ما يطوى على الرأس، ويكور عليه.
والدليل: فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كان يلبس العمامة، ويمسح عليها، ولكن هل لباسه إياها كان تعبداً، أو لباسه إياها؛ لأنها عُرف؟
الجواب: الثاني هو الصحيح، واتباع العرف في اللباس هو السنة ما لم يكن حراماً؛ لأنّا نعلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما لبس ما يلبسه الناس، والإنسان لو خالف ما يلبسه الناس لكانت ثيابه ثياب شهرة.
قوله: «ويرتدي» أي: يلبس الرداء، وظاهر كلام المؤلف: ولو كان عليه قميص وهذا فيه نظر. لكن بدل الرداء عندنا المشلح، وأكثر الناس اليوم لا يلبسونه، ولو لبسه الإنسان أمام الناس لاستنكروه، بينما كانوا في الأول يستنكرون من لا يلبسه.
قوله: «ويبكّر إليها» أي: يسنّ أن يبكّر إلى الجمعة.
ودليله: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» . وهذا يدل على أن الأفضل التبكير، ولكن بعد الاغتسال، والتنظّف والتطيّب، ولبس أحسن الثياب.
قوله: «ماشياً» ، أي: يسن أن يذهب إلى الجمعة ماشياً على قدميه، ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من غسل واغتسل، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام، ومشى ولم يركب» . فقال: «مشى ولم يركب» ؛ ولأن المشي أقرب إلى التواضع من الركوب، ولأنه يرفع له بكل خطوة درجة، ويحط عنه بها خطيئة، فكان المشي أفضل من الركوب.
ولكن لو كان منزله بعيداً، أو كان ضعيفاً أو مريضاً، واحتاج إلى الركوب، فكونه يرفق بنفسه أولى من أن يشق عليها.

مِنَ الإِمَامِ،...............
قوله: «ويدنو من الإمام» ، وهذا أيضاً من السنّة أن يدنو من الإمام.ودليل ذلك: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ، ولما رأى قوماً تأخروا في المسجد عن التقدم قال: «لا يزال قوم يتأخرون، حتى يؤخرهم الله» ، فأقل أحواله أن يكون التأخّر عن الأول فالأول مكروه؛ لأن مثل هذا التعبير يعد وعيداً من النبي عليه الصلاة والسلام وليس في هذا العمل فقط، بل في جميع الأعمال؛ لأن الإنسان إذا لم يكن في قلبه محبة للسبق إلى الخير بقي في كسلٍ دائماً، كما قال الله عز وجل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *} [الأنعام] . ولهذا ينبغي للإنسان كلما سنحت له الفرصة في العبادة أن يفعل، ويتقدم إليها، حتى لا يعوّد نفسه الكسل، وحتى لا يؤخّره الله عز وجل.
مسألة: دلّت السنّة على أن يمين الصف أفضل من اليسار، والمراد عند التقارب، أو التساوي، وأما مع البعد فقد دلّت السنّة على أن اليسار الأقرب أفضل.
ودليل ذلك: أن الناس كانوا إذا وجد جماعة ثلاثة، فإن الإمام يكون بين الرجلين، ثم نسخ ذلك فصار الإمام يتقدم الاثنين فأكثر، ولو كان اليمين أفضل على الإطلاق لصار مقام الرجلين مع الرجل عن اليمين. وأيضاً لو كان اليمين أفضل مطلقاً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أكملوا الأيمن فالأيمن»، كما كان الصف يكمل فيه الأول فالأول.
فلو فرض أن في اليمين عشرة رجال، وفي اليسار رجلين، فاليسار أفضل، لأنه أقرب إلى الإمام.وطرف الصف الأول من اليمين أو اليسار أفضل من الصف الثاني، وإن كان خلف الإمام. ودليل ذلك: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتراصون، ويتمون الأول فالأول» .وعلى هذا فنكمل الأول فالأول، فالأول قبل الثاني، والثاني قبل الثالث، والثالث قبل الرابع... وهكذا.

وَيَقْرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ فِي يَوْمِهَا .........
قوله: «ويقرأ سورة الكهف في يومها» ، أي: يسنّ أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» وهذا روي مرفوعاً وموقوفاً. وقد أعل بعض العلماء المرفوع بأن الحديث روي موقوفاً.
ونحن نقول: إذا كان الرافع ثقة، فهذه العلة غير قادحة، فلا توجب ضعف الحديث، والذي يوجب ضعف الحديث العلة القادحة، وهذا لا يقدح؛ لأن من روى الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ربما يحدّث به غير منسوب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يقع كثيراً، لا سيما في غير مقام الاستدلال، أما في مقام الاستدلال فلا بد أن يرفعه، وعلى فرض أنه من قول أبي سعيد، فمثل هذا لا يقال بالرأي، فيكون له حكم الرفع؛ لأن أبا سعيد لا يعرف هذا الثواب، فيكون مرفوعاً حكماً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. وسورة الكهف لها مزايا منها: أن من قرأ فواتحها على الدجال عصم من فتنته، والدجال هو الأعور الذي يبعثه الله في آخر الزمان يبقى في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول كسنة، والثاني كشهر، والثالث كجمعة، والرابع كسائر الأيام، فتنته عظيمة جداً، ولهذا ما من نبي إلا أنذر قومه منه، وأمرنا نبينا صلّى الله عليه وسلّم أن نتعوذ بالله من فتنته في كل صلاة بعد التشهد الأخير قبل السلام، وجاء في بعض الأحاديث أن من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنته، وفي بعض روايات الحديث: «من آخر الكهف»، والجمع بينهما: أن يحتاط الإنسان فيقرأ عشراً من أولها، وعشراً من آخرها وفيها عبر:
منها: قصة أصحاب الكهف.
ومنها: قصة الرجلين ذوي الجنتين.
ومنها: قصة موسى مع الخضر.
ومنها: قصة ذي القرنين.
ومنها: قصة يأجوج ومأجوج.
ولهذا ورد الترغيب في قراءتها في يوم الجمعة قبل الصلاة أو بعد الصلاة.

وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ وَيُكْثِرَ الصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم .......
قوله: «ويكثر الدعاء» أي: يسن أن يكثر الدعاء يوم الجمعة؛ وذلك لأن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه؛ [لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه» ]، فينبغي أن يكثر من الدعاء رجاء ساعة الإجابة.
ولم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ نوع الدعاء الذي يكثره فهو راجع إليك، وكل إنسان له حاجات خاصة إلى ربه، فليسأل ربه ما شاء.
قوله: «ويكثر الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» أي: يسن أن يكثر الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة، كما أن الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم مشروعة كل وقت بالاتفاق؛ لأن الله قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم معناها: أنك تسأل الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى.
وقال بعض العلماء: صلاة الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم رحمته إياه، وهذا فيه نظر؛ لأن الله تعالى فرق بين الصلاة والرحمة فقال: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] ، والأصل في العطف المغايرة؛ ولأن العلماء مجمعون على أنه يجوز للإنسان أن يدعو بالرحمة لمن شاء من المؤمنين فيقول: اللهم ارحم فلاناً، ومختلفون في جواز الصلاة على غير الأنبياء، ولو كانت الصلاة هي الرحمة لم يختلف العلماء في جوازها. إذاً فالصلاة أخص من الرحمة، فإذا صلى الإنسان على النبي صلّى الله عليه وسلّم مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فلنكثر من الصلاة على نبينا صلّى الله عليه وسلّم حتى يكثر ثوابنا.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
يوم, سنن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir