دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الأيمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 03:46 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب جامع الأيمان

بابُ جامعِ الأَيمانِ
يُرْجَعُ في الْأَيمانِ إلى نِيَّةِ الحالِفِ إذا احْتَمَلَها اللفظُ، فإن عُدِمَت النِّيَّةُ رُجِعَ إلى سببِ اليمينِ وما هَيَّجَها، فإن عُدِمَ ذلك رُجِعَ إلى التعيينِ، فإذا حَلَفَ: " لا لَبِسْتُ هذا القميصَ" فجَعَلَه سراويلَ أو رِداءً أو عمامةً ولَبِسَه , أو: "لا كَلَّمْتُ هذا الصبِيَّ" فصارَ شيخًا , أو: "زوجةَ فلانٍ هذه، أو صديقَه فلانًا، أو مَملوكَه سعيدًا" فزَالَت الزوجيَّةُ والْمِلْكُ والصداقَةُ ثم كلَّمَهم، أو: " لا أَكَلْتُ لحمَ هذا الْحَمَلِ" فصارَ كَبْشًا , أو: " هذا الرُّطَبَ " فصارَ تَمْرًا أو دِبْسًا أو خَلًّا , أو: " هذا اللبنَ " فصارَ جُبْنًا أو كِشْكًا أو نحوَه , ثم أَكَلَه حَنِثَ في الكُلِّ، إلا أن يَنْوِيَ ما دامَ على تلك الصفةِ.
( فصلٌ ) فإن عُدِمَ ذلك رَجَعَ إلى ما يَتناولُه الاسمُ، وهو ثلاثةٌ: ( شرعيٌّ ) و ( حقيقيٌّ ) و ( عُرْفِيٌّ ). فالشرعيُّ: ما له مَوضوعٌ في الشرْعِ وموضوعٌ في اللغةِ، فالمطلَقُ يَنصرِفُ إلى الموضوعِ الشرعيِّ الصحيحِ، فإذا حَلَفَ لا يَبيعُ أو لا يَنْكِحُ فعَقَدَ عقدًا فاسدًا لم يَحْنَثْ، وإن قَيَّدَ يمينَه بما يَمْنَعُ الصحَّةَ كأَن حَلَفَ لا يَبيعُ الْخَمْرَ أو الحُرَّ حَنِثَ بصورةِ العَقْدِ.
والحقيقيُّ: هو الذي لم يَغْلِبْ مَجازُه على حقيقتِه كاللحمِ، فإن حَلَفَ لا يَأكلُ اللحمَ فأَكَلَ شَحْمًا أو مُخًّا أو كَبِدًا، ونحوَه لم يَحْنَثْ، وإن حَلَفَ لا يَأكُلُ أَدَمًا حَنِثَ بأَكْلِ البيضِ والتمرِ والْمِلحِ والزيتونِ ونحوِه وكلِّ ما يُصْطَبَغُ به، ولا يَلبَسُ شيئًا فلَبِسَ ثوبًا أو دِرْعًا أو جَوْشَنًا أو نَعْلًا حَنِثَ، وإن حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسانًا حَنِثَ بكلامِ كلِّ إنسانٍ، ولا يَفعلُ شيئًا فوَكَّلَ مَن فَعَلَه حَنِثَ، إلا أن يَنْوِيَ مُباشَرَتَه بنفسِه.
والعرفيُّ: ما اشْتَهَرَ مَجازُه فغَلَبَ الحقيقةَ كالراويةِ والغائطِ ونحوِهما، فتَتَعَلَّقُاليمينُ بالعُرْفِ، فإذا حَلَفَ على وَطْءِ زوجتِه أو وَطْءِ دارٍ تَعَلَّقَتْ يمينُه بجِمَاعِها وبدخولِ الدارِ، وإن حَلَفَ لا يأكُلُ شَيْئًا فأَكَلَه مستَهْلَكًا في غيرِه كمَنْ حَلَفَ لا يأكلُ سَمْنًا فأَكَلَ خَبيصًا فيه سَمْنٌ لا يَظْهَرُ فيه طَعْمُه، أو لا يَأكُلُ بيضًا فأَكَلَ ناطفًا لم يَحْنَثْ، وإن ظَهَرَ طعمُ شيءٍ من المحلوفِ عليه حَنِثَ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

..........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ جامعِ الأَيْمَانِ
المَحْلُوفِ بها
(يُرْجَعُ في الأَيْمَانِ إلى نِيَّةِ الحَلِفِ إذا احْتَمَلَها اللَّفْظُ)؛ لقولِهِ عليه السلامُ: ((وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)). فمَن نَوَى بالسَّقْفِ أو البِنَاءِ السماءَ، أو بالفِرَاشِ والبِساطِ الأرضَ، قُدِّمَتْ على عُمُومِ لَفْظِهِ، ويَجُوزُ التعريضُ في مُخَاطَبَةٍ لغيرِ ظالِمٍ، (فإنْ عُدِمَتِ النيَّةُ، رُجِعَ إلى سَبَبِ اليَمِينِ وما هَيَّجَهَا)؛ لدَلالةِ ذلك على النيَّةِ، فمَن حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْداً حَقَّه غَداً، فقَضَاهُ قبلَه، لم يَحْنَثْ إذا اقْتَضَى السببُ أنَّه لا يَتَجَاوَزُ غَداً، وكذا لَيَأْكُلَنَّ شَيئاً أو لَيَفْعَلَنَّهُ غَداً، وإنْ حَلَفَ لا يَبِيعُهُ إلاَّ بِمِائَةٍ، لم يَحْنَثْ إلاَّ إنْ بَاعَهُ بأقلَّ مِنها، وإنْ حَلَفَ لا يَشْرَبُ له الماءَ مِن عَطَشٍ، ونِيَّتُه أو السببُ قَطْعُ مِنَّتِهِ، حَنِثَ بأكلِ خُبْزِهِ، واستعارةِ دَابَّتِهِ، وكلِّ ما فيه مِنَّةٌ.
(فإنْ عُدِمَ ذلكَ)؛ أي: النيَّةُ وسببُ اليمينِ الذي هَيَّجَهَا؛ (رُجِعَ إلى التعيينِ)؛ لأنَّه أبلغُ مِن دَلالةِ الاسمِ على المسمَّى؛ لأنَّه يَنْفِي الإبهامَ بالكُلِّيَّةِ، (فإذا حَلَفَ: لا أَلْبَسُ هذا القميصَ. فجَعَلَه سَرَاوِيلَ، أو رِدَاءً أو عِمَامَةً ولَبِسَه)، حَنِثَ، (أو: لا كَلَّمْتُ هذا الصبِيَّ. فصَارَ شَيْخاً) وكَلَّمَه، حَنِثَ، (أو) حَلَفَ: لا كَلَّمْتُ (زوجةَ فلانٍ هذه، أو صديقَه فلاناً) هذا (أو مَمْلُوكَه سعيداً) هذا، (فزَالَتِ الزوجيَّةُ والمِلْكُ والصداقةُ ثُمَّ كَلَّمَهُم) حَنِثَ، (أو) حَلَفَ: (لا أَكَلْتُ لَحْمَ هذا الحَمَلِ، فَصَارَ كَبْشاً) وأَكَلَه، حَنِثَ، (أو) حَلَفَ: لا أَكَلْتُ (هذا الرُّطَبَ. فَصَارَ تَمْراً أو دِبْساً أو خَلاًّ) وأَكَلَه، حَنِثَ، (أو) حَلَفَ: لا أَكَلْتُ (هذا اللبنَ. فصارَ جُبْناً أو كِشْكاً ونحوَه، ثُمَّ أَكَلَهُ، حَنِثَ في الكُلِّ)؛ لأنَّ عينَ المحلوفِ عليه باقيةٌ؛ كحَلِفِهِ: لا لَبِسْتُ هذا الغَزْلَ. فصارَ ثَوْباً، وكذا حَلِفُه لا يَدْخُلُ دارَ فُلانٍ هذه، فدَخَلَها وقد باعَها، أو وهي فَضَاءٌ أو مَسْجِدٌ أو حَمَّامٌ ونحوُه، (إلاَّ أنْ يَنْوِيَ) الحالِفُ أو يكونَ سببُ اليمينِ يَقْتَضِي (ما دامَ) المحلوفُ عليه (على تلك الصفةِ)، فتُقَدَّمُ النيَّةُ وسببُ اليمينِ على التعيينِ كما تَقَدَّمَ.
فصلٌ
(فإنْ عُدِمَ ذلكَ)؛ أي: النيَّةُ والسببُ والتعيينُ، (رُجِعَ) في اليمينِ (إلى ما يَتَنَاوَلُهُ الاسمُ، وهو)؛ أي: الاسمُ (ثلاثةٌ: شَرْعِيٌّ وحقيقيٌّ وعُرْفِيٌّ)، وقد لا يَخْتَلِفُ المُسَمَّى كالأرضِ والسماءِ والإنسانِ والحيوانِ ونحوِها، (فالشرعيُّ) مِن الأسماءِ: (ما له موضوعٌ في الشرْعِ وموضوعٌ في اللُّغَةِ)؛ كالصلاةِ والصومِ والزكاةِ والحَجِّ والبيعِ والإجارةِ، فالاسمُ (المُطْلَقُ) في اليمينِ، سواءٌ كانَتْ على فِعْلٍ أو تَرْكٍ، (يَنْصَرِفُ إلى الموضوعِ الشرعيِّ الصحيحِ)؛ لأنَّ ذلك هو المُتَبَادَرُ إلى الفَهْمِ عندَ الإطلاقِ، إلاَّ الحَجَّ والعُمْرَةَ فيَتَنَاوَلُ الصحيحَ والفاسدَ؛ لِوُجُوبِ المُضِيِّ فيه كالصحيحِ، (فإذا حَلَفَ لا يَبِيعُ أو لا يَنْكِحُ، فعَقَدَ عَقْداً فاسداً) من بيعٍ أو نِكاحٍ، (لم يَحْنَثْ)؛ لأنَّ البيعَ والنِّكَاحَ لا يَتَنَاوَلُ الفاسِدَ، (وإنْ قَيَّدَ) الحالِفُ (يَمِينَهُ بما يَمْنَعُ الصحَّةَ)؛ أي: بما لا تُمْكِنُ الصحَّةُ معَه؛ (كأنْ حَلَفَ لا يَبِيعُ الخَمْرَ أو الخِنْزِيرَ، حَنِثَ بصُورَةِ العَقْدِ)؛ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ يَمِينِهِ على عَقْدٍ صحيحٍ، وكذا إنْ قالَ: إنْ طَلَّقْتُ فُلانةَ الأجنبيَّةَ، فأنتِ طالقٌ. طَلَقَتْ بِصُورَةِ طَلاقِ الأجنبيَّةِ. (و) الاسمُ (الحقيقيُّ) هو الذي لم يَغْلِبْ مَجَازُهُ على حقيقتِهِ كاللَّحْمِ، (فإذا حَلَفَ لا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فأَكَلَ شَحْماً أو مُخًّا أو كَبِداً أو نَحْوَه) ككُلْيَةٍ وكِرْشٍ وطِحَالٍ وقلبٍ ولحمِ رأسٍ ولِسانٍ، (لم يَحْنَثْ)؛ لأنَّ إطلاقَ اسمِ اللَّحمِ لا يَتَنَاوَلُ شَيئاً من ذلك إلاَّ بِنِيَّةِ اجتنابِ الدَّسَمِ. (ومَن حَلَفَ لا يأكُلُ أُدْماً، حَنِثَ بأكلِ البيضِ والتمرِ والمِلْحِ والخَلِّ والزيتونِ ونحوِهِ) كالجُبْنِ واللَّبَنِ، (وكلِّ ما يُصْطَبَغُ ‌به) عادَةً؛ كالزَّيْتِ والعَسَلِ والسمنِ واللحمِ؛ لأنَّ هذا معنى التأَدُّمِ، (و) إنْ حَلَفَ (لا يَلْبَسُ شَيئاًَ، فلَبِسَ ثَوْباً أو دِرعاً أو خوشناً) أو عِمَامةً أو قَلَنْسُوَةً (أو نَعْلاً، حَنِثَ)؛ لأنَّه ملبوسٌ حقيقةً وعُرْفاً، (وإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنساناً، حَنِثَ بكلامِ) كُلِّ (إنسانٍ)؛ لأنَّه نكرةٌ في سِيَاقِ النفيِ، فيَعُمُّ، حتَّى (ولو قالَ له: تَنَحَّ. أو: اسْكُتْ. أو: لا كَلَّمْتُ زيداً.) فكَاتَبَه أو رَاسَلَهُ، حَنِثَ ما لم يَنْوِ مُشَافَهَتَهُ.
(و) إنْ حَلَفَ (لا يَفْعَلُ شيئاً فوَكَّلَ مَن فَعَلَه، حَنِثَ)؛ لأنَّ الفعلَ يُضافُ إلى مَن فَعَلَ عنه، قالَ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ}، وإِنَّما الحالِقُ غيرُهم، (إلاَّ أنْ يَنْوِيَ مُبَاشَرَتَه بنفسِهِ)، فتُقَدَّمَ نِيَّتُهُ؛ لأنَّ لفظَه يَحْتَمِلُه.
(و) الاسمُ (العُرْفِيُّ ما اشْتَهَرَ مَجَازُهُ فَغَلَبَ) على الحقيقةِ؛ (كالراويةِ) في العُرْفِ للمَزَادَةِ، وفي الحقيقةِ للجملِ الذي يُسْتَقَى عليه، (والغائِطِ) في العُرْفِ للخارِجِ المُسْتَقْذَرِ، وفي الحقيقةِ لِفِنَاءِ الدارِ وما اطْمَأَنَّ من الأرضِ (ونحوِها)؛ كالظَّعِينَةِ والدابَّةِ والعَذِرَةِ، (فتُعَلَّقُ اليمينُ بالعُرْفِ) دونَ الحقيقةِ؛ لأنَّ الحقيقةَ في نحوِ ما ذَكَرَ صَارَتْ كالمهجورةِ، ولا يَعْرِفُها أكثرُ الناسِ، (فإنْ حَلَفَ على وَطْءِ زَوْجَتِهِ، أو) حَلَفَ على (وَطْءِ دارٍ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِها)؛ أي: جِماعِ مَن حَلَفَ على وَطْئِها؛ لأنَّ هذا هو المَعْنَى الذي يَنْصَرِفُ إليه اللفظُ في العُرْفِ، (و) تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ (بدُخولِ الدارِ) التي حَلَفَ لا يَطَؤُها؛ لِمَا ذَكَرَ، (وإنْ حَلَفَ لا يأكُلُ شيئاً فأَكَلَه مُسْتَهْلَكاً في غيرِهِ؛ كمَن حَلَفَ: لا آكُلُ سَمْناً. فأَكَلَ خَبِيصاً فيه سَمْنٌ لا يَظْهَرُ فيه طَعْمُهُ)، لم يَحْنَثْ، (أو) حَلَفَ (لا يأكُلُ بيضاً، فأَكَلَ نَاطِفاً، لم يَحْنَثْ)؛ لأنَّ ما أَكَلَه لا يُسَمَّى سمناً ولا بَيْضاً، (وإنْ ظَهَرَ طَعْمُ شيءٍ مِن المَحْلُوفِ عليه) فيما أَكَلَه، (حَنِثَ)؛ لأكلِهِ المحلوفَ عليه.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب جامع الأيمان المحلوف بها([1])

(يرجع في الأيمان، إلى نية الحالف، إذا احتملها اللفظ)([2]) لقوله عليه الصلاة والسلام: «وإنما لكل امرئ ما نوى»([3]) فمن نوى بالسقف أو البناء السماء([4]) أو بالفراش أو البساط الأرض([5]) قدمت على عموم لفظه([6]) ويجوز التعريض في مخاطبة لغير ظالم([7]).

(فإن عدمت النية، رجع إلى سبب اليمين، وما هيجها)([8]) لدلالة ذلك على النية([9]) فمن حلف ليقضين زيدا حقه غدا، فقضاه قبله، لم يحنث إذا اقتضى السبب، أنه لا يتجاوز غدا([10]) وكذا ليأكلن شيئا، أو ليفعلنه غدا ([11]) وإن حلف لا يبيعه إلا بمائة، لم يحنث إلا إن باعه بأقل منها([12]).

وإن حلف لا يشرب له الماء من عطش، ونيته أو السبب: قطع منته حنث بأكل خبزه، واستعارة دابته، وكل ما فيه منه([13]) (فإن عدم ذلك) أي النية وسبب اليمين الذي هيجها (رجع إلى التعيين) لأنه أبلغ من دلالة الاسم على المسمى، لأنه ينفي الإبهام بالكلية([14]) (فإذا حلف لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء، أو عمامة ولبسه، حنث([15]) أولا كلمت هذا الصبي، فصار شيخا) وكلمه حنث([16]).

(أو) حلف لا كلمت (زوجة فلان) هذه (أو صديقة فلانا) هذا (أو مملوكة سعيدا) هذا (فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم) حنث([17]).
(أو) حلف (لا أكلت لحم هذا الحمل، فصار كبشا) وأكله حنث([18]).
(أو) حلف لا أكلت (هذا الرطب) فصار تمرا أو دبسا أو خلا وأكله حنث([19]).
(أو) حلف لا أكلت (هذا اللبن فصار جبنا، أو كشكا ونحوه، ثم أكله حنث في الكل)([20]) لأن عين المحلوف عليه باقية([21]) كحلفه لا لبست هذا الغزل، فصار ثوبا([22]).

وكذا حلفه لا يدخل دار فلان هذه، فدخلها وقد باعها، أو وهي فضاء أو مسجد، أو حمام ونحوه([23]) (إلا أن ينوي) الحالف([24]) أو يكون سبب اليمين يقتضي (ما دام) المحلوف عليه (على تلك الصفة) فتقدم النية وسبب اليمين على التعيين كما تقدم([25]).


فصل([26])

(فإن عدم ذلك) أي النية والسبب، والتعيين (رجع) في اليمين (إلى ما يتناوله الاسم([27]) وهو) أي الاسم (ثلاثة شرعي، وحقيقي، وعرفي)([28]) وقد لا يختلف المسمى، كالأرض والسماء والإنسان والحيوان، ونحوها([29]) (فالشرعي) من الأسماء (ماله موضع في الشرع وموضوع في اللغة) كالصلاة والصوم([30]) والزكاة والحج، والبيع والإجارة([31]) (فـ) الاسم (المطلق) في اليمين سواء كانت على فعل أو ترك([32]).

(ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح) لأن ذلك هو المتبادر، أي المفهوم عند الإطلاق([33]) إلا الحج والعمرة، فيتناول الصحيح والفاسد([34]) لوجوب المضي فيه، كالصحيح([35]) (فإذا حلف لا يبيع، أو لا ينكح، فعقد عقدا فاسدا) من بيع أو نكاح (لم يحنث)([36]) لأن البيع والنكاح لا يتناول الفاسد([37]).
(وإن قيد) الحالف (يمينه بما يمنع الصحة) أي بما لا تمكن الصحة معه (كأن حلف لا يبيع الخمر، أو الخنزير حنث بصورة العقد)([38]) لتعذر حمل يمينه على عقد صحيح([39]).

وكذلك إن قال: إن طلقت فلانة الأجنبية، فأنت طالق، طلقت بصورة طلاق الأجنبية([40]).
(و) الاسم الحقيقي: هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم([41]) فإذا حلف لا يأكل اللحم، فأكل شحما أو مخا، أو كبدا أو نحوه ككلية وكرش وطحال، وقلب ولحم ولسان (لم يحنث)([42]) لأن إطلاق اسم اللحم، لا يتناول شيئًا من ذلك([43]) إلا بنية اجتناب الدسم([44]) (ومن حلف لا يأكل أدما، حنث بأكل البيض، والتمر والملح، والخل والزيتون ونحوه) كالجبن واللبن([45]).

(وكل ما يصطبغ به) عادة([46]) كالزيت والعسل، والسمن واللحم، لأن هذا معنى التأدم([47]).
(و) إن حلف (لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا)
أو عمامة أو قلنسوة (أو نعلا، حنث)([48]) لأنه ملبوس حقيقة وعرفا([49]).

(وإن حلف لا يكلم إنسانا، حنث بكلام كل إنسان)([50]) لأنه نكرة في سياق النفي، فيعم([51]) حتى ولو قال: تنح أو اسكت([52]).

أولا كلمت زيدا، فكاتبه أو راسله حنث([53]) ما لم ينو مشافهته([54]).
(و) إن حلف (لا يفعل شيئا فوكل من فله حنث)([55]) لأن الفعل يضاف إلى من فعله عنه([56]) قال تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} وإنما الحالق غيرهم([57]) (إلا أن ينوي مباشرته بنفسه) فتقدم نيته لأن لفظه يحتمله([58]).

(و) الاسم (العرفي ما اشتهر مجازه فغلب) على (الحقيقة([59]) كالرواية) في العرف للمزادة، وفي الحقيقة: الجمل الذي يستقى عليه([60]) (والغائط) في العرف للخارج المستقذر، وفي الحقيقة لفناء الدار، وما اطمأن من الأرض (ونحوهما)([61]) كالظعينة، والدابة والعذرة([62]) (فتتعلق اليمين بالعرف)([63]) دون الحقيقة لأن الحقيقة في نحو ما ذكر صارت كالمهجورة، ولا يعرفها أكثر الناس([64]).

(فإذا حلف على وطء زوجته أو) حلف على (وطء دار، تعلقت يمينه بجماعها) أي جماع من حلف على وطئها لأن هذا هو المعنى الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف([65]).
(و) تعلقت يمينه (بدخول الدار) التي حلف لا يطؤها لما ذكر([66]) (وإن حلف لا يأكل شيئا، فأكله مستهلكا في غيره([67]) كمن حلف لا يأكل سمنا، فأكل خبيصا فيه سمن، لا يظهر فيه طعمه) لم يحنث([68]).
(أو) حلف (لا يأكل بيضا، فأكل ناطفا لم يحنث)([69]) لأن ما أكله لا يسمى سمنا، ولا بيضًا([70]).
(وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه) فيما أكله (حنث) لأكله المحلوف عليه([71]).


([1]) أي مسائلها.
([2]) أي احتمل لفظ الحالف نيته، فتتعلق يمينه بما نواه، دون ما لفظ به اتفاقا.
([3]) فيرجع في كلام المتكلم على ما أراده، ويقبل منه حكما، مع قرب الاحتمال من الظاهر، لا مع بعده، فتقدم نيته على عموم لفظه.
([4]) يرجع فيها إلى نيته وقدمت على عموم لفظه، حيث احتملها اللفظ قال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} وقال: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} وقال: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}.
([5]) أي فمن نوى بالفراش أو البساط الأرض قدمت على عموم لفظه، فيرجع فيها إلى نيته، حيث احتملها اللفظ قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا} وقال: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا}.
([6]) حيث احتملها اللفظ، ونوى ذلك به.
([7]) للحاجة على الصحيح عندهم من المذهب، وقيل: لا يجوز ذكره
الشيخ، واختاره لأنه تدليس كتدليس المبيع اهـ فإنه كان ظالما لم يجز قولا واحدا، والمنصوص: أنه لا يجوز التعريض مع اليمين.

([8]) أي: لأن السبب يدل على النية، وعنه: يقدم عموم لفظه على سبب اليمين احتياطا وقال الزركشي، اعتمد عامة الأصحاب تقديم النية على السبب.
([9]) أي لدلالة سبب اليمين، وما هيجها على النية، وقال ابن القيم: من عرف مراد المتكلم، بدليل من الأدلة، وجب اتباع مراده، والألفاظ لم تقصد لذواتها وإنما هي أدلة يستدل بها على مراد المتكلم، فإذا ظهر مراده، ووضح بأي طريق كان عمل بمقتضاه سواء كان بإشارة، أو كتابة، أو دلالة عقلية أو قرينة حالية أو عادة له مطردة... إلخ.
([10]) أو كان السبب يقتضي التعجيل فإن عدما لم يبرأ إلا بالقضاء في الغد.
([11]) كأشتريه غدا، أو لأبيعنه غدا، وقال الشيخ: إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه، إذا قصد إكرامه، لا إلزامه به، لا حنث عليه، لأنه كالأمر، ولا يجب الأمر إذا فهم منه الإكرام، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف.
([12]) لمخالفته ما حلف عليه، وإن حلف لا يبيعه بمائة، حنث إن باعه بها، وبأقل منها.
([13]) قال ابن القيم: ولو من عليه غيره بإحسانه، فقال: والله لا أكلت له لقمة، ولا شربت له ماء، يريد خلاصه من منته عليه، ثم قبل منه الدراهم والدنانير والشاء، ونحوها لعدة العقلاء واقعا فيما هو أعظم مما حلف عليهن ومرتكبا لذروة سنامه، ولولامه عاقل على كلامه، لمن لا يليق به محادثته، ومن امرأة أو صي، فقالك والله لا كلمته، ثم رآه خاليا به، يؤا كله ويشاربه ويعاشره ولا يكلمه، لعدوه مرتكبا لأشد مما حلف عليه وأعظم وهذا ما فطر الله عليه عباده.
([14]) أي: لأن التعيين بالإشارة ينفي الإبهام فهو مقدم على الاسم والصفة، والإضافة كأن يشهد على عين شخص، ثم ذكر ما لو تغيرت صفة التعيين.
([15]) لفعله المحلوف عليه، لأنه لبسه.
([16]) لأنه كلم الشخص المحلوف على عدم تكليمه، فحنث، عملا بالتعيين، قال الشيخ: فلو حلف لا أكلم هذا الصبي فتبين شيخا، أولا أشرب من هذا الخمر فتبين خلا فالأشبه أنه لا يحنث، إذ الاعتبار بما قصد في قلبه، وهو قصد معينا موصوفا ليس هو هذا العين.
([17]) لأنه إذا قدم التعيين على الاسم فلأن يقدم على الإضافة أولى.
([18]) إذا لم يكن له نية، ولا سبب يخص الحالة الأولى، والحمل، بفتح الحاء المهملة والميم.
([19]) ما لم يكن له نية ولا سبب يخص حالته الأولى، لبقاء عين المحلوف عليه.
([20]) مما رجع فيه إلى التعيين ونحو الكشك الأقط وغيره، مما يعمل من اللبن.
([21]) فحنث بفعل ما حلف على تركه.
([22]) فهو يحنث بذلك، للبسه عين ما حلف على ترك لبسه.
([23]) كخان حنث.
([24]) بيمينه في شيء من هذه الأشياء، ما دام على تلك الصفة والإضافة، أو ما لم يتغير.
([25]) أي من قوله: فإن عدمت النية وسبب اليمين الذي هيجها رجع إلى التعيين.
([26]) فيما يتناوله الاسم، الدال على إرادة المسمى إذ لا معارض له، فوجب الرجوع إليه.
([27]) لأنه مقتضاه ولا صارف عنه.
([28]) ويقدم عنه الإطلاق، إذا اختلف الأسماء، شرعي فعرفي فلغوي.
([29]) كرجل فينصرف اليمين إلى مسماه بلا خلاف.
([30]) فإذا قال الشارع: صل تعين فعل الصلة، المشتملة على الأفعال، وكذا الصوم وأما الطواف فقال: المجد والقاضي وغيرهما، ليس بصلاة في الحقيقة ولأنه أبيح فيه الكلام والأكل.
([31]) وكالوضوء والغسل، والتيمم والاعتكاف.
([32]) من صلاة أو صوم، أو بيع أو نكاح أو غيرها.
([33]) ولذلك حمل علي كلام الشارع، حيث لا صارف له عن موضوعه الشرعي.
([34]) فإذا حلف لا يحج، فحج حجا فاسدا، حنث وكذا العمرة.
([35]) أي فيما يحل ويحرم، ويجب من الفدية وغيرها.
([36]) وكذا إن حلف، ما بعت ولا نكحت وقد فعله فاسدا، لم يحنث لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} وإنما أحل الصحيح منه وكذا النكاح.
([37]) فلا يحنث إلا بالبيع الصحيح، والنكاح الصحيح، إذا حلف لا يفعل ذلك ففعله.
([38]) وكذا لو حلف لا يبيع الحر، أو ما باع الخمر، أو الخنزير أو ما باع الحر، حنث بصورة العقد.
([39]) فتعين كون صورة ذلك محلا له.
([40]) لتعين زوجته بتلك الصورة، لتعذر حمل يمينه على طلاق واقع، فتعين كون صورة ذلك محلا له.
([41]) أي: والثاني من أقسام الاسم الثلاثة، الحقيقي وهو اللغوي، وهو الذي لم يغلب مجازه عندهم، أي العرفي، على حقيقته اللغوية، كاللحم، فهو اسم حقيقة والحقيقة: اللفظ المستعمل في وضع أول.
([42]) أي بأكل شيء من الشحم وما عطف عليه، لأن مطلق اللحم لا يتناول شيئا من ذلك، وكذا لا يحنث بأكل إليه، ومصران ومرق لحم، ونحو ذلك.
([43]) كما أنه لو حلف لا يأكل شحما، لم يحنث بأكل لحم أحمر.
([44]) فيحنث بذلك كله، وكذا لو اقتضاه السبب، فيحنث لما فيها من الدسم ويحنث بأكل لحم سمك، ولحم محرم لدخوله في مسمى اللحم.
([45]) سواء كان من بهيمة الأنعام، أو من الصيد، أو لبن آدمية، حليبا كان أو رائبا أو مائعا أو مجمدا حنث لأن الجميع لبن.
([46]) أي من كل ما يغمس فيه الخبز قال تعالى: {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ}.
([47]) وكذا كل ما جرت العادة بأكل الخبز ونحوه به، للأخبار، فمنها ما رواه ابن ماجه: «سيد إدامكم اللحم» وله ائتدموا بالزيت، وحديث نعم الإدام الخل، وغير ذلك.
([48]) الجوشن: الصدر، والدرع، وقيل: الدرع، وقيل: الذي يجعل على الصدر، ولا يدخل العقيق، والسبح في مطلق الحلف، على لبس الحلي، إلا من عادته التحلي به، وكيفما لبس الثوب، أو تعمم به، أو ارتدى بسراويل حنث لا بطيه أو افتراشه.
([49]) كالثياب، وقيل: لابن عمر إنك تلبس هذه النعال، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها.
([50]) ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا، حرا أو رقيقا.
([51]) وقد فعل المحلوف عليه.
([52]) أو زجره بكل لفظ، لأنه كلام فيدخل فيما حلف على عدمه.
([53]) لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} وحديث ما بين دفتي المصحف كلام الله، وصحح في الشرح والمبدع، أن هذا ليس بتكليم، لكن إن نوى ترك مواصلته، أو سبب يمينه يقتضي هجرانه حنث.
([54]) أي بالكلام، فلا يحنث بالمكاتبة، ولا المراسلة، لعدم المشافهة فيهما.
([55]) أي الحالف، إذا فعل الوكيل ذلك الشيء، المحلوف على تركه.
([56]) المحلوف على تركه، وأمر به، كما لو حلف لا يحلق رأسه، فأمر من حلقه.
([57]) أي فدلت الآية: على أن فعل من وكله، كفعله.
([58]) وإلا ففعل وكيله كفعله، وقال ابن القيم: ومن الحيل الباطلة، ما لو حلف لا يفعل شيئا، ومثله لا يفعله بنفسه أصلا، كالسلطان لا يبيع كذا، ولا يحرث هذه الأرض، ولا يزرعها، ولا يخرج هذا من بلده، ونحو ذلك، فالحيلة أن يأمر من يفعل ذلك، ويبر في يمينه إذا لم يفعله بنفسه، وهذا من أبرد الحيل وأسمجها وأقبحها وفعل ذلك، هو الحنث الذي حلف عليه بعينه، ولا يشك في أنه حانث أحد من العلماء، ولا أحد من العقلاء.
([59]) أي اللغوية حيث أنه لا يعلمها أكثر الناس، فاللفظ قد يكون حقيقة في معنى، ثم يغلب على معنى عرفي.
وقال الشيخ: اللفظ المطلق الذي له حد في العرف، وقد علم أنه لم يزدد
فيما يتناوله الاسم، فإنه ينزل على ما وقع من استعمال الشرع، وإن كان اتفاقيا.

([60]) ذكره في المبدع وغيره، وقال الشارح في موضع، اسم لما يستقى عليه من الحيوانات، والمزادة في العرف: شكل الرواية.
([61]) مما غلب العرف فيه على حقيقته.
([62]) أي في العرف، وفي الحقيقة فناء الدار، قال علي: ما لكم لا تنظفون عذراتكم يريد أفنيتكم، والظعينة في العرف، المرأة، قال الجوهري: الظعينة المرأة ما دامت في الهودج، وفي الحقيقة: الناقة التي يظعن عليها، والدابة لغة، كل ما دب ودرج وعرفا، الخيل والبغال والحمير.
([63]) لأن الحالف لا يريد غيره، فصار كالمصرح به.
([64]) فيرجع فيما ذكر إلى العرف، كما بنى عليه فيما مثل.
([65]) وكذا لو حلف على ترك وطء زوجته، أكثر من أربعة أشهر، كان موليا.
([66]) أي من أن هذا المعنى: هو الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف، ويفرق بين أن يكون المقصود، تحريم البقعة على الرجل، فيحنث بإدخال بعض جسده إلى بعضها، لمباشرته بعض المحرم، وبين أن يكون مقصوده، التزام بقعته فإذا خرج بعضه لم يحنث كما في المعتكف.
([67]) لم يحنث، حيث أن المستهلك، لا يظهر فيه طعم المحلوف عليه.
([68]) أو حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا، لا يظهر فيه طعم اللبن لم يحنث.
([69]) أو حلف لا يأكل شحما، فأكل اللحم الأحمر، لم يحنث.
([70]) ولا شحما فلم يحنث، لأن المستهلك في الشيء وجوده كعدمه.
([71]) كما لو أكله منفردا وذلك كظهور السمن في الخبيص أو البيض في الناطف ونحو ذلك، ولو حلف لا يشارك فلانا، ففسخا الشركة، وبقيت بينهما ديون مشتركة، أوأعيان فقال الشيخ: تنحل اليمين بانفساخ عقد الشركة.
وإن حلف لا يشم وردا، ولا بنفسجا، فشم دهنهما أو ماء الورد، فقال الشيخ: يتوجه أن يحنث بالماء دون الدهن، وكذلك ماء البان، والينوفر، لأن الماء، هو الحامل لرائحة الورد، ورائحته فيه، بخلاف شجره، فإنه يضاف إلى الورد، ولا تظهر فيه الرائحة كثيرا.

  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 11:40 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ جَامِعِ الأَيْمَانِ

يُرْجَعُ فِي الأَْيْمَانِ إِلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إِذَا احْتَمَلَهَا اللَّفْظُ،..................
قوله: «يُرجع في الأيمان إلى نية الحالف» والدليل على ذلك الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: {{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ}} [المائدة: 89] ووجه الدلالة من الآية أنه إذا رُجِع إلى النية في أصل اليمين، هل هي يمين منعقدة أو غير منعقدة؟ فلأن يرجع إليها في المراد باليمين من باب أولى.
وأما من السنة فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [(137)]. وما أعظم هذا الحديث.
لكن اشترط المؤلف: «إذا احتملها اللفظ» يعني بأن كان هذا اللفظ يمكن أن يراد به ما نواه الحالف، فإن لم يمكن لم يقبل منه؛ لأن هذه النية معاندة للفظ مضادة له، فلا تقبل.
مثال النية التي يحتملها اللفظ: إذا قال: والله لا أنام الليلة إلا على فراش ليِّن، فخرج ونام في الصحراء على الرمل، فلما أصبح قيل له: كفِّر، فقال: لا أكفِّر؛ لأني نويت بالفراش الأرض، فيصح هذا؛ لأن اللفظ يحتمله، قال الله تعالى: {{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا}} [البقرة: 22] ، والرمل لين، فصار اللفظ يحتمل هذا وصالحاً له، وعليه فلا شيء عليه. أما إذا نوى شيئاً لا يحتمله اللفظ فإنه لا يقبل.
ولو قال: والله لأبيتن الليلة على وتد، فذهب إلى جبل وبات عليه، فقلنا له: كفِّر، فقال: لقد بت على الوتد، وقد أردت بالوتد الجبل، فلا شيء عليه؛ لأن اللفظ يحتمله.
ولو حلف ألا ينام إلا تحت سقف، ثم خرج إلى البر ووضع فراشه ونام وليس فوقه إلا السماء، فقيل له: عليك أن تكفر؛ لأنك لم تنم تحت سقف، فقال: أردت السماء، فهذا يصح؛ لقوله تعالى: {{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}} [الأنبياء: 32] ، فاللفظ يحتمله.
مثال النية التي لا يحتملها اللفظ، إذا قال: والله لا أشتري اليوم خبزاً، فذهب إلى الفرَّان ووقف عنده واشترى، فقيل له: كفِّر عن يمينك، فقال: أنا أردت بقولي: والله لا أشتري اليوم خبزاً، والله لا أكلم فلاناً، فهذا لا يصح، واللفظ لا يحتمله إطلاقاً، فلا يقبل لأنه ليس هناك ارتباط بين اليمين والمحلوف عليه.

فَإِنْ عُدِمَتِ النِّيَّةُ رُجِعَ إِلَى سَبَبِ اليَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا، ...............
قوله: «فإن عُدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيَّجها» هيجها يعني: أثارها أي: إذا لم يكن للحالف نية، نرجع إلى سبب اليمين فنحمل اليمين عليه.
مثال ذلك: رجل قيل له: إن ابنك يصاحب الأشرار، فقال: والله لا أكلمه ما حييت، بناءً على أنه يصاحب الأشرار، فجاء إليه رجل، وقال له: لماذا لا تكلمه؟ فقال: لأنه يصاحب الأشرار، فلاناً، وفلاناً، فقال له: هؤلاء أناس طيبون جداً ومن أحسن الشباب، فكيف تمنعه؟! قال: قال لي فلان: إنهم أشرار، قال: نعم، هم أشرار عنده؛ لأنهم أخيار وهو شرٌّ، والشرُّ يرى الأخيارَ أشراراً، فهل إذا كلَّمه أبوه في هذه الحال عليه الكفارة؟ ليس عليه الكفارة؛ لأنه معروفٌ قصده، وسبب اليمين أن ابنه يصاحب الأشرار، فكأن هذا الحالف قال: إن كان ابني مصاحباً للأشرار فلا أكلمه، وهو وإن لم يقل هذا الشرط بلفظه فهو مضمر له في نفسه.
ولو قيل له: اذهب معنا، نريد أن نسافر إلى بلدٍ ما، فقال: البلد الفلاني؟ قالوا: نعم، قال: والله ما أسافر إليه؛ لأنه كان يعلم أنها بلد تشرب فيها الخمور، ويعصى فيها الله ـ عزّ وجل ـ علانية، ولا يُحكم فيها بما أنزل الله، فقيل له: الحكم تغير، تولاها رجل مؤمن صالح، فأزال الظلم وحكم بشريعة الله، واختفى الفُسَّاق، فلو سافر إليها أعليه كفارة؟ لا؛ لأننا علمنا أن سبب يمينه هذا البلاء الذي في هذا البلد، فكأنه قال: والله لا أسافر إليه ما دام كذلك، والآن زال هذا الأمر فله أن يسافر.
ولو قال: والله لا أكلم زيداً؛ بناءً على أنه سمع أن زيداً رجل وضيع، لا ينبغي لمثله أن يكلمه، فتبين له أن زيداً رجل شريف فكلمه، فهنا نقول: لا حنث عليه؛ لأن السبب الذي جعله يحلف تبين عدمه.
ولو قال: يعلم الله أنني لا أكل هذا،فهل يُعد يميناً؟
الجواب: نعم، هذا يمين أو أبلغ من اليمين لأنه إذا قال هذا الكلام ثم أكل فإن كلامه يتضمن معنى باطلاً في حق الله جل وعلا وهو الجهل.

فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ رُجِعَ إِلَى التَّعْيِينِ، فَإِذَا حَلَفَ لاَ لَبِسْتُ هَذَا الْقَمِيصَ، فَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ، أَوْ رِدَاءً، أَوْ عِمَامَةً، وَلَبِسَهُ، أَوْ لاَ كَلَّمْتُ هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخَاً، أَوْ زَوْجَةَ فُلاَنٍ هَذِهِ، أَوْ صَدِيقَهُ فُلاَناً، أَوْ مَمْلُوكَهُ سَعِيداً، فَزَالَتْ الزَّوْجِيَّةُ وَالْمُلْكُ وَالصَّدَاقَةُ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ،.......
قوله: «فإن عُدم ذلك رُجع إلى التعيين» هذه المرتبة الثالثة، فإذا لم يكن له نية، ولم يكن لليمين سبب، رُجع إلى التعيين، أي: إلى عين المحلوف عليه، فإذا عين شيئاً تعلق الحكم به على أي صفةٍ كان.
قوله: «فإذا حلف لا لبستُ هذا القميص» هنا الحلف فيه تعيين، وطريقه الإشارة، قال: والله لا ألبس هذا القميص، وليس له نية، ولا سبب، فهنا تتعلق اليمين بعين ذلك القميص.
قوله: «فجعله سراويل أو رداءً أو عمامة ولبسه» «سراويل» مفرد، قال ابن مالك:
ولسراويل بهذا الجمعِ
شَبَهٌ اقتضى عمومَ المنعِ
وبعضهم يقول: إنها جمع سروال، وجمع سراويل سراويلات، كما جاء في الحديث: «لا يلبس السراويلات» [(138)]. فإذا شقق القميص وجعله سراويل ولبسه فإنه يحنث؛ لأنه عينه، فهذا المحلوف عليه هو عين هذا الشيء، أو شققه وجعله رداءً يرتديه، كرداء الإحرام فإنه يحنث؛ لأنه عينه، أو جعله عمامة ولبسه فإنه يحنث اعتباراً بالتعيين؛ لأن هذا الرجل ليس عنده نية ولا سبب، وقد عين هذا الشيء، وقال: لا ألبسه فتتعلق اليمين بهذا الشيء على أي صفة كان.
قوله: «أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً» «كلم» فعل ماضٍ لكن إذا دخلت عليها «لا» النافية في القسم قلبتها إلى مستقبل، وهذا أحد المواضع الذي ينقلب فيه الفعل الماضي مستقبلاً، فكما ينقلب بالشرط مثل: إن قام زيد قمت، كذلك ينقلب هنا في باب اليمين، فمعنى لا كلمت، أي: لا أكلم، فلو قال: والله لا كلمت هذا الصبي، ثم هذا الصبي كَبر، وصار شيخاً كبيراً، فكلمه فإنه يحنث بناءً على التعيين.
قوله: «أو» قال: لا كلمت «زوجة فلان هذه» فعينها.
قوله: «أو» قال: لا كلمت «صديقه فلاناً» أي: هذا.
قوله: «أو مملوكه سعيداً» أي: هذا.
قوله: «فزالت الزوجية، والملك، والصداقة ثم كلمهم» فزالت الزوجية بالطلاق، أو الموت وأصبحت غير زوجة له، فكلمها فإنه يحنث بناءً على التعيين، وكذلك صديقه إذا زالت الصداقة، بأن كان هذا الرجل صديقاً لفلان، فقال: والله لا أكلم صديق الرجل هذا، ثم صار غير صديق له وكلمه فإنه يحنث.
وكذلك المُلْك، فلو أن هذا الرجل باع العبد الذي حلف أن لا يكلمه ثم كلمه فإنه يحنث.

أَوْ لاَ أَكَلْتُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ، فَصَارَ كَبْشاً، أَوْ هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْراً، أَوْ دِبْساً أَوْ خَلاًّ، أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْناً، أَوْ كِشْكاً، أَوْ نَحْوَهُ، ثُمَّ أَكَلَهُ حَنِثَ فِي الْكُلِّ، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ.
قوله: «أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشاً» «الحمل» هو الصغير من أولاد الضأن؛ فإذا صار كبشاً زال وصف الحمل، لكنه عينه فيحنث.
قوله: «أو هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلاً» فإذا صار تمراً أو دبساً أي: ينعصر فيخرج منه الدبس، فأكل من دبسه فإنه يحنث.
وقوله: «أو صار خلاً» الخل أن يوضع الرطب في الماء ويبقى لمدة يوم أو يومين، ثم يُشرب فالماء يكتسب حلاوة من التمر، والتمر يمتص الرواسب غير الطيبة التي في الماء، وكان الناس يستعملونه قديماً، وكان طعمه من أطيب وأحسن ما يكون، فحل محله الشاي، فلو صار الرطب خلاًّ وشربه يحنث؛ لأن طعم الرطب موجود في الماء.
قوله: «أو هذا اللبنَ فصار جبناً أو كشكاً أو نحوه ثم أكله حنث في الكل» قال في الروض: «أو حلف لا أكلت»[(139)] هذا اللبن، فإن قال قائل: كيف يؤكل اللبن؟ قلنا: يجب أن يُقدر فعل يناسبه، ويكون التقدير لا شربت هذا اللبن، على حد قول الشاعر:
علفتها تبناً وماءً بارداً
أي: سقيتها ماءً بارداً.
أو صار هذا اللبن جبناً، وأَكَلَ الجبن فإنه يحنث؛ لأنه عينه، أو صار كَشكاً وهو البُر المطبوخ باللبن، ويسمى عندنا جريشاً، وبعضهم يسميه برغلاً، فإذا قال: والله لا شربت هذا اللبن وجعله كشكاً وأكله يحنث؛ لأن طعم اللبن موجود مع أن الكشك لا يسمى لبناً، إلا أن طعمه موجود فيه.
وقوله: «ثم أكله حنث في الكل» أي: في المسائل الثماني التي سبقت، بناء على التعيين.
قوله: «إلا أن ينوي ما دام على تلك الصفة» فإذا نوى ما دام على تلك الصفة، فقد سبق أن النية هي المرجع الأول في الأيمان، فإذا قال: أنا قلت: والله ما ألبس هذا القميص، ما قصدي عين هذا القميص لكن قصدي صفته، أي: لا ألبسه ما دام قميصاً، فشقَّقه، وجعله سراويل، فلا حنث عليه.
ولو قال: لا كلمت هذا الصبي، وقال: لم أقصد عينه، لكن قصدت ما دام على صباه، ثم كلمه بعدما صار شيخاً فلا يحنث، أو قال: لا شربت هذا اللبن، ونيتي ما دام لبناً، أما إذا تغير فأنا ما نويت هذا، فلا يحنث، والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [(140)]، فما دمت قد نويت على تلك الصفة فلك نيتك؛ والتعليل أن المرجع في الأيمان قبل كل شيء إلى نية الحالف.
ولو قال: والله لا أكلم زوجة فلان هذه؛ لأني أعرف أن فلاناً ذو غيرةٍ شديدة، فلو يسمعني أكلم زوجته آذاني، وربما اتهمني، وربما قتلني، فإذا زالت الزوجية زالت هذه النية، ولم يحنث، ولم يذكر المؤلف السبب، لكن نقول أيضاً: ما لم ينوِ ما دام على تلك الصفة، أو يكن السبب يقتضي ما دام على تلك الصفة، كالمثال الذي ذكرته أخيراً، وإنما أضفنا: أو لم يكن السبب؛ لأن السبب مقدم على التعيين.
فالخلاصة: أن المراتب التي ذكرها المؤلف في هذا الفصل ثلاث:
النية، ثم السبب، ثم التعيين، فالتعيين يستمر مع هذا المعين، وإن تغيرت صفته، ما لم ينوِ ما دام على تلك الصفة، أو يكن السبب ما دام على تلك الصفة.
* * *
فَصْلٌ
فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ رُجِعَ إِلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الاسْمُ، وَهُوَ ثَلاَثَةٌ: شَرْعِيٌّ، وَحَقِيقِيٌّ، وَعُرْفِيٌّ،....
قوله: «فإن عدم ذلك رجع إلى ما يتناوله الاسم» هذه المرتبة الرابعة، يعني إذا لم تكن نية، ولا سبب، ولا تعيين، نرجع إلى ما يتناوله الاسم، ومعنى ما يتناوله، أي: ما يدل عليه الاسم، والمراد بالاسم هنا ليس ما يقابل الحرف، بل المراد بالاسمِ المحلوفُ عليه، أي: اللفظ الذي وقع الحلف عليه، فيرجع إلى ما يتناوله الاسم في ذلك المحلوف عليه.
قوله: «وهو ثلاثة: شرعي، وحقيقي، وعُرفي» الاسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شرعي، ولغوي، وعرفي، فالأسماء إما أن يكون لها مدلول شرعي، أو مدلول لغوي، أو مدلول عرفي.
وأحياناً تتفق المدلولات في الكلمة الواحدة، فتكون الكلمة معناها واحد، في اللغة، والشرع، والعرف، وأحياناً يكون معناها في اللغة غير معناها في الشرع، ومعناها في العرف غير معناها في الشرع واللغة.
والمراد باللغة هنا اللغة العربية، والمراد بالعرف اللغة العرفية.
وقوله: «وهو ثلاثة: شرعي، وحقيقي، وعرفي» إذا اتفقت هذه الثلاثة في مدلول الكلمة فلا إشكال، لكن الإشكال إذا اختلفت، فأيها يقدم؟ سيبيِّن ذلك المؤلف.
فالسماء مدلولها اللغوي، والشرعي، والعرفي واحد، والبيضة مدلولها الشرعي، واللغوي، والعرفي واحد، والأرض لها مدلول واحد، وأمثال هذا كثير، فهناك كلمات لا يختلف فيها الشرع، والعرف، واللغة، وهذه الأمر فيها واضح، فإذا حلف تحمل الكلمة على مدلولها وهو لا يختلف، ولكن إذا اختلف، فهل نقدم الشرعي، أو العرفي، أو اللغوي؟ سيأتي في كلام المؤلف.

فالشَّرْعِيُّ مَا لَهُ مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ، وَمَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ،..............
قوله: «فالشرعي ما له موضوعٌ في الشرع وموضوع في اللغة» أي: ما له مدلول في الشرع، ومدلول في اللغة، فكأن المؤلف يقول: الشرعي ما اختلفت فيه اللغة والشرع، مثل البيع، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، والوقف، وأشياء كثيرة، هذه يختلف فيها الشرع واللغة، ولهذا نقول: الطهارة لغة كذا، وشرعاً كذا، الصلاة لغة كذا، وشرعاً كذا، الزكاة لغة كذا، وشرعاً كذا، الحج لغة كذا، وشرعاً كذا، البيع لغة كذا، وشرعاً كذا، فهذه الأشياء التي اختلف فيها الشرع واللغة، ما دمنا مؤمنين فإن كلامنا يحمل على المعنى الشرعي عند إطلاقه، أي إن كان لا يوجد سبب ولا نية فهو يحمل على المعنى الشرعي، فإذا قال قائل: والله لأصلينَّ قبل أذان العشاء، ثم مدّ يديه إلى السماء وجعل يدعو حتى أذن العشاء، فقلنا له: يا رجل، لماذا لم تصلِّ؟ قال: أنا صليت، فهنا إن كان ليس له نية ولا سبب، فإنه يحنث؛ لأن كلامه يحمل على المعنى الشرعي، صحيح أن الصلاة في اللغة الدعاء، لكن نحن المسلمين يحمل كلامنا على الأمر الشرعي.
وإذا قال: والله لأحجن اليوم، وكانت الليلة الرابعة عشرة من شهر جمادى الأولى، ثم ذهب إلى صديق له وغابت الشمس، فهذا لا يحنث لأن في كلامه ما يمنع حمله على المعنى الشرعي، وهو قوله: اليوم.
أما لو قال: والله لأحجّن، وأَطْلق، ثم ذهب إلى صديق له؛ وقال: هذا الحج، فالحج في اللغة القصد وأنا قصدت، فنقول له: لا يمكن؛ لأن الحج عند الإطلاق ـ ما دام ليس لك نية ولا يوجد سبب ـ يُحمل على المعنى الشرعي، فهنا يحنث؛ لأنه لم يحج، فإذا كانت الكلمة لها معنى شرعي، ومعنى لغوي، فإنها تحمل على المعنى الشرعي، ولهذا قال المؤلف:

فالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ، فَإِذَا حَلَفَ لاَ يَبِيعُ أَوْ لاَ يَنْكِحُ، فَعَقَدَ عَقْداً فَاسِداً لَمْ يَحْنَثْ،.....................................
«فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح، فإذا حلف لا يبيع أو لا ينكح فعقد عقداً فاسداً لم يحنث» فالاسم المطلق يحمل على المعنى الشرعي الصحيح؛ لأن الشرعي لمَّا شاع بين المسلمين صار كالعرفي، فالوضوء مثلاً في اللغة النظافة، وفي الشرع غسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة تعبداً لله عزّ وجل، فإذا قال إنسان: والله لا أتوضأ، ثم ذهب إلى الحمام ونظف جسمه كله، فهو من جهة الشرع لم يتوضأ فلا يحنث.
مثال آخر: رجل قال: والله لا أصلي قبل الظهر، فدعا، فقيل له: حنثت؛ لأن الصلاة في اللغة الدعاء، نقول: لا يحنث؛ لأن الصلاة في الشرع التعبد لله ـ عزّ وجل ـ بالأقوال والأفعال المعلومة، وعلى هذا فنقول لهذا الرجل: أنت لم تحنث؛ لأن الشيء المطلق يحمل على الشرع.
كذلك ـ أيضاً ـ قال: والله لا أبيع شيئاً فأجَّر إنساناً سيارتَه؛ فإنه لا يحنث؛ لأن الأجرة ليست ببيع شرعاً، أو باع دخاناً فإنه لا يحنث؛ لأن هذا ليس بيعاً شرعيّاً، بل هو بيع فاسد باطل، أو باع خمراً، فإنه لا يحنث، أو باع حملاً في بطن فإنه لا يحنث، لأن هذا وإن سمي بيعاً في اللغة، لكنه في الشرع لا يسمى بيعاً فلا يحنث.

وَإِنْ قَيَّدَ يَمِينَهُ بِمَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَأَنْ حَلَفَ لاَ يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوِ الْحُرَّ حَنِثَ بِصُورَةِ الْعَقْدِ، ..........
قوله: «وإن قيد يمينه بما يمنع الصحة، كأن حلف لا يبيع الخمر أو الحر حنث بصورة العقد» يعني إذا حلف أن لا يفعل شيئاً، وقيده بلفظ يدل على الفساد، فإنه يحنث وإن كان فاسداً، مثل أن يقول: والله لا أبيع الخمر، ثم باع، فهذا من الناحية الشرعية ليس ببيع؛ لأنه فاسد، لكن الرجل لم يأت به مطلقاً، بل قيده بأمر تنتفي معه الصحة، حيث قال: والله لا أبيع الخمر، فإذا باعه حنث.
فإن قال قائل: كيف تحنثونه وهذا التصرف ليس ببيع شرعي؟!
قلنا: إنه قيده بأمر معين، فبمجرد وجود ذلك الأمر المعين يحنث، ولهذا قال المؤلف: «حنث بصورة العقد» ؛ لأن هذا عقد صوري، والمؤلف قيد يمينه بأمر صوري، فكلمة «لا أبيع الخمر» لا يمكن أن توافق من الناحية الشرعية؛ لأن الخمر شرعاً لا يباع، فإذا تعذر حمله على الحقيقة والمعنى حملناه على الصورة، فنقول: بمجرد أن يبيع الخمر يحنث، وبناء عليه فالمثال الذي ذكرناه آنفاً وهو بيع الدخان، إذا قال: والله لا أبيع الدخان فباعه، فإنه يحنث، لا لأنه بيع، ولكن لأنه صورة ما حلف عليه، ولو قال: والله لا أبيع بربا، فذهب وباع بالربا فإنه يحنث؛ لأنه قيد اليمين بشيء يمنع الصحة، فيحمل على الصورة.
أما لو قال: والله لا أبيع، فباع ديناراً بدينارين، فإنه لا يحنث؛ لأنه أطلق والمطلق يطلق على الشرعي الصحيح.
وقال بعض العلماء: إنه لا يحنث إذا باع ما يحرم بيعه، ولو قيده بما يمنع الصحة؛ لوجود التناقض؛ لأن قوله: لا أبيع الخمر، كلمة (أبيع) تناقض الخمر، وعلى هذا فنقول: هذا وإن باع الخمر فليس ببيع، فمن نظر إلى الصورة حنَّثه، ومن نظر إلى الحقيقة لم يحنثه. والمسألة فيها قولان للعلماء وعلى المذهب إنه يحنث بصورة العقد.
ولو قال: والله لا أبيع حمل بعيري الذي في بطنها، ثم باعه فعلى المذهب يحنث؛ لأنه يحنث بصورة العقد؛ لأنه قيد يمينه بما يمنع الصحة، أي: قرنه بشيء لا يمكن أن يصح معه العقد، فيحمل على الصورة.
مثال آخر: تأجير الدكان لشخص ليعمل فيه محرماً، مثل أن يؤجره له ليتعامل فيه بالربا فهذا حرام، والعقد غير صحيح، فإذا قال: والله لا أؤجر دكاني لمن يتعامل فيه بالربا، ثم أجره، فعلى المذهب يحنث بصورة العقد؛ لأنه قيدها بما يمنع الصحة، وعلى القول الثاني: لا يحنث؛ لأن هذا ليس بإجارة فهو وإن سماه إجارة فإنه شرعاً لا يسمى إجارة، لكن المذهب يغلبون الصورة ويؤاخذونه بلفظه، وهذا القول الثاني يغلب المعنى ويقول: هذا ليس بإجارة شرعية.

وَالْحَقِيقِيُّ هُوَ الَّذِي لَمْ يَغْلِبْ مَجَازُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَاللَّحْمِ، فَإِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ فَأَكَلَ شَحْمَاً، أَوْ مُخًّا، أَوْ كَبِداً، أوَ نَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ أُدُماً، حَنِثَ بِأَكْلِ الْبَيْضِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالْخلِّ، وَالزَّيْتُونِ ................
قوله: «والحقيقي هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم» يجب أن نعرف أن العلماء ذكروا أن من العيب التعريف بالعدم، أو بالنفي؛ لأن التعريف بالعدم أو بالنفي ما يعطي الصورة؛ لأنه يقتضي رفع هذا المنفي، ولكن ما الذي يحل محله؟! فقوله: «لم يغلب مجازه على حقيقته» هذا تعريف بالنفي، وهو لا يحدد المُعرَّف، والمُعرَّف لا بد أن يكون عن طريق الإثبات والإيجاب، أما النفي فإنه كما قيل: نفي وعدم، ولهذا التعريف الصحيح للحقيقة أن يقال: هو اللفظ المستعمل في حقيقته اللغوية، أو إن شئت فقل: اللفظ الذي استعمل فيما وضع له لغة.
فإذا لم يكن لهذا اللفظ حقيقة شرعية حملناه على الحقيقة اللغوية، مثاله:
قوله: «كاللحم» وهي حقيقةً الهَبْرُ في اللغة، أما الكرش والكبد، والطحال، والشحم، والودك وما أشبه ذلك، فليس بلحم حسب اللغة العربية، ولهذا قال المؤلف:
«فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل شحماً، أو مخاً، أو كبداً أو نحوه لم يحنث» قال: والله لا آكل لحماً أبداً، فجاءوا إليه بسنام بعير فأكل حتى شبع، لم يحنث؛ لأن هذا في اللغة العربية ليس بلحم بل شحم، قال الله تعالى: {{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا}} [الأنعام: 146] ، وهذا يقتضي أن الشحوم غير اللحوم، وإنما هي بعض من الحيوان، كذلك لو قال: والله لا آكل لحماً فأكل مخاً، فإنه لا يحنث؛ لأن المخ لا يسمى لحماً، وكذلك لو أكل كبداً، فلا يحنث؛ لأن الكبد في اللغة العربية ليست بلحم.
وقوله: «أو نحوه» مثل الكلية، والكرش، والأمعاء، والطحال ونحو ذلك، فهذه لا تسمى لحماً فلا يحنث تغليباً للحقيقة اللغوية.
لكن لو علم أن غرضه من ذلك تجنب الدسم، أي: كانت نيته تجنب الدسم، فأكل من هذه الأشياء يحنث؛ لأن النية مقدمة.
مثال ذلك: رجل مريض قال له الطبيب: لا تأكل اللحم ليتجنب الدسم، فهذا إذا أكل الشحم صار أشد ضرراً من اللحم، أو المخ أو ما أشبه ذلك، فإذا علم أن المراد تجنب الدسم، فإنه يحنث بأكل هذه الأشياء.
قوله: «وإن حلف لا يأكل أُدُماً حنث بأكل البيض، والتمر، والملح، والخل، والزيتون» قال: والله لا آكل الأُدُم؛ يعني الإدام الذي يؤدم به الخبز، يحنث بهذه الأشياء، فلو قال: والله ما آكل إداماً فأكل بيضاً حنث؛ لأنه يؤتدم به، فالإنسان يغمس الخبز في البيض ويأكل، ولو أكل بيضاً لم يطبخ، ولم يُقلى حنث؛ لأنه يصطبغ به، وهو ظاهر كلام المؤلف؛ لأنه قال: «بأكل البيض» ولم يقل: مطبوخاً أو مقلياً.
ولو قال: والله ما آكل إداماً وأكل تمراً، يحنث؛ لأنه يؤتدم به، وكذلك يحنث بأكل الملح؛ لأنه يؤتدم به، وكذلك الخل وهذا واضح، وفي الحديث: «نعم الإدام الخل»[(141)].
وكذلك الزيتون الصغير والكبير كلاهما يؤتدم به.

وَنَحْوِهِ، وَكُلِّ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ، وَلاَ يَلْبَسُ شَيْئاً فَلَبِسَ ثَوْباً، أَوْ دِرْعاً، أَوْ جوْشَناً، أَوْ نَعْلاً حَنِثَ،.............
قوله: «ونحوه» قال في الروض[(142)]: «كالجبن واللبن» وكلاهما يؤتدم به.
ثم قال المؤلف عبارة عامة:
«وكل ما يصطبغ به» أي: يؤتدم به، يعني يجعل إداماً، قال الله تعالى: {{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ }} [المؤمنون:20] .
وسُمي الإدام صبغاً؛ لأنه يصبغ الطعام، فإنك إذا غمسته في شيء أسود صار أسود، وفي شيء أحمر صار أحمر، وهكذا، فهو صبغ للطعام الذي يؤتدم به فيه.
ولننظر هل هناك أشياء غير هذه يصطبغ بها؟ نعم مثل: الزيت، والعسل، والأقط، والمربى، والقرع، وغيرها.
قوله: «ولا يلبس شيئاً» «شيئاً» نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
قوله: «فلبس ثوباً» أو لبس سروالاً أو تُبَّاناً يحنث والتُّبان بسروال قصير ليس له أكمام.
قوله: «أو درعاً» يحنث، والدرع يلبسونه في الحرب، قال الله تعالى: {{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ}} [الأنبياء: 80] ، وقال تعالى: {{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ}} [سبأ: 11] يعني دروعاً سابغات، والدرع عبارة عن ثوب منسوج من حلق الحديد، يلبسه الإنسان ليتقي به الرماح والسكاكين، وغير ذلك.
قوله: «أو جوشناً» الجوشن نوع من الدروع، لكنه على صفة خاصة، كذلك لو لبس طاقية أو غترة حنث.
قوله: «أو نعلاً حنث» وكذلك الجوارب، إذن كل ما يلبس يحنث به.
مسألة: لو صلى على حصير فهل يحنث أو لا؟ وإذا كان لا يحنث، فكيف نجيب عن حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ: «فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس»[(143)]، وفي رواية: «لبث»[(144)]؟ قال العلماء: إن اللباس هنا بمعنى الاستعمال، فلباس كل شيء بحسبه، ولكنه في اللغة العربية لا يسمى لباساً.
وَإِنْ حَلَفَ لاَ يُكَلِّمُ إِنْسَاناً حَنِثَ بِكَلاَمِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَلاَ يَفْعَلُ شَيْئاً فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ حَنِثَ، إِلاَّ أنْ يَنْوِيَ مُبَاشَرَتَهَ بِنَفْسِهِ،.............................
قوله: «وإن حلف لا يكلم إنساناً حنث بكلام كل إنسان» لننظر هل هذه الكلية عائدة على الإنسان، أو عائدة على الكلام؟ هل المعنى بكل كلام إنسان؟ أو المعنى بكلام كل إنسان؟
مراده الأول؛ لأنه قال: حلف لا يكلم إنساناً، فلا يحتاج أن يقول: كل إنسان، اللهم إلا أن يريد أن يبين أن «إنساناً» هنا نكرة في سياق النفي فتعم.
وقوله: «حنث بكلام كل إنسان» فيحنث بكل ما يسمى كلاماً، سواء كلم إنساناً كبيراً، أو صغيراً، أو ذكراً، أو أنثى، أو حراً، أو عبداً، فلو قال: يا فلان، حنث، ولو قال: فلان، حنث، ولو قال: قِ، فعل أمر من وقى يقي، حنث.
ولو قال: أح، لم يحنث، لأنه ليس كلاماً.
ولهذا لو قال هذا في الصلاة ما بطلت صلاته، والرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» [(145)]، وقد كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتنحنح لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ إذا دخل عليه[(146)].
ولو أشار، لم يحنث؛ لأن الإشارة ليست كلاماً.
قوله: «ولا يفعل شيئاً فَوَكَّلَ من فعله حنث» لأن الوكيل قائم مقام المُوكل، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وكّلَ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن ينحر إبله التي أهداها[(147)]، فلو قال: والله لا أبيع بيتي، فوكل شخصاً يبيع البيت، فإنه يحنث؛ لأن الوكيل قائم مقام الموكل، ولو قال: والله لا أذبح بعيري، فوكل إنساناً يذبحه، حنث، ولو قال: والله لا أركب السيارة، فوكل شخصاً يركبها، لم يحنث؛ لأن هذا ليس بفعله، إلا إذا كان قصده: والله لا أركب السيارة زائراً فلاناً، فوكل شخصاً يركبها ليزور فلاناً، فهنا يحنث.
قوله: «إلا أن ينوي مباشرته بنفسه» قال: والله لا أبيع بيتي، ناوياً لا أباشر بيعه بنفسي، فهنا إذا وكل من يبيعه لا يحنث؛ لأن النية مقدمة كما سبق.
لكن قد يقول قائل: ما فائدته من هذا، إذا قال: نويت أن لا أباشر البيع بنفسي، فهل له غرض؟ نقول: نعم، ربما يكون له غرض، مثلاً يرى أنه لو باعه هو بنفسه لتهاون بعض الناس في إيفاء الثمن، ويقول: هذا رجل طيب، متى ما رزقني الله وفيته، لكن إذا وكل آخر يبيعه سيلحُّ عليه ويقول: أعطني القيمة.
كذلك لو قال: والله لا أشتري سيارة فلان، ووكل واحداً يشتريها، وقال: أنا نويت لا أباشر الشراء، نقول في هذه الحال: لا يحنث.
فإذا قال قائل: ما غرضه؟
نقول: قد يخشى أنه إذا ذهب إلى فلان وقال له: بع سيارتك عليَّ، يقول: خذها بدون ثمن، أو أنها تساوي عشرة ويقول: أبيعها عليك بثمانية، لكن إذا أخذها من طريق آخر، فإن البائع سوف يستوفي الثمن كاملاً.
المهم أنه إذا حلف أن لا يفعل شيئاً فوكل من يفعله حنث، إلا أن ينوي مباشرته بنفسه. ولو قال: والله لا أصلي الضحى ركعتين ثم وكل شخصاً يصلي عنه فهنا لم تصح الوكالة أصلاً ولو صلى هذا الرجل عنه لم يحنث لأنه لا يستفيد من هذه الصلاة شيئاً.

وَالْعُرْفِيُّ مَا اشْتَهَرَ مَجَازُهُ فَغَلَبَ الْحَقِيقَةَ، كَالرَّاوِيَةِ وَالْغَائِطِ، وَنَحْوِهِمَا، فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْعُرْفِ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَطْءِ دَارٍ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا، وَبِدُخُولِ الدَّارِ،........................................
قوله: «والعرفي ما اشتهر مجازه فغلب الحقيقة، كالراوية والغائط ونحوهما، فتتعلق اليمين بالعرف» ليت المؤلف قدم العرف.
فقوله: «ما اشتهر مجازه فغلب الحقيقة» يعني الذي استعمله الناس في عرفهم، فتحمل اليمين على العرف مُقدماً على اللغة إذا اشتهر بين الناس، وغلب على الحقيقة، ومراد المؤلف بالحقيقة هنا الحقيقة اللغوية، فإذا اشتهر هذا المعنى بين الناس، وهجرت الحقيقة اللغوية، يقول المؤلف: «فتتعلق اليمين بالعرف» ، ويحمل اللفظ على معناه العرفي، حتى وإن كان له في اللغة معنى، ولكنه هجر واشتهر بين الناس المعنى العرفي فإنه يقدم.
إذاً يقدم الشرع، ثم العرف، ثم اللغة؛ لأن الناس يعاملون بنياتهم، ولا شك أن العامي إذا أطلق الكلمة فإنما يريد معناها العرفي، فالعامي لا يعرف اللغة العربية الفصحى، فيكون العرف مقدماً؛ لأنه هو المنوي ظاهراً، مثاله الرَّاوية، وتطلق في اللغة العربية على التي تحمل الماء، وهي البعير التي يسقى عليها، ومنه التسمية العامية «الرَّوَّاية» وهي المرأة التي تُرَوِّي الماء، لكنه في العرف تطلق الرَّاوِية على المَزَادَةِ، وهي عبارة عن جلد يشق، ويؤتى بجلد آخر مثله، ويخاط بعضهما ببعض، فبدل ما كان قربةً واحدة يكون قربتين.
فإذا قال: والله لا أشتري راوية، فذهب، واشترى الراوية التي هي القربة الكبيرة، يحنث؛ لأن هذا هو العرف، ولو اشترى بعيراً لم يحنث، إلا إن نوى فالنية مقدمة.
كذلك أيضاً «الغائط» وهو في اللغة المكان المطمئن يعني المنخفض، وعندنا الآن يقولون: ماء غويط، يعني عميق، وفي العرف الغائط هو الخارج المستقذر من الدبر.
فإذا قال قائل: والله لا أنظر إلى غائط، وذهب إلى مكان منخفض ينظر إليه، فلا يحنث؛ لأن العرف نقل الحقيقة إلى الخارج المستقذر.
وقوله: «ونحوهما» مثل الشاة، فالشاة عندنا في العرف هي الأنثى من الضأن، وفي اللغة العربية أعم من هذا، ولهذا لو جاء رجل بعَنْزٍ وقال: هذه شاة، لأنكر عليه العوام، لكن في اللغة يطلق عليها شاة، فإذا قال: والله لأشترين لضيوفي شاةً، ثم ذهب واشترى عنزاً، يحنث؛ لأنه ما بَرَّ بيمينه؛ لأن الشاة في العرف هي أنثى الضأن.
مثال ثانٍ: الدابة وهي في اللغة لكل ما دب على الأرض، سواء كان له رجلان أو أربعة، أو كان مما يمشي على بطنه، ودليل ذلك قول الله تعالى: {{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}} [النور: 45] ، فهذه الدابة تعم كل شيء، وقال الله تعالى: {{وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}} [هود: 6] .
فما هي الدابة في العرف؟
ذوات الأربع على عرف، وعلى عرف آخر الحمار خاصة، فإذا قال: أنت دابة، يعني أنت حمار.
إذن فتتعلق اليمين بالعرف؛ لأنه هو الغالب وهو المعروف عند العامة، وإذا كان هو الغالب المعروف عند العامة، فإن النية تنصرف إليه.
وقد تتفق اللغة، والعرف، والشرع، وإذا اتفقت فالأمر واضح، وإذا اختلفت قدم الشرع، ثم العرف، ثم اللغة.
قوله: «فإذا حلف على وطء زوجته، أو وطء دار، تعلقت يمينه بجماعها، وبدخول الدار» كرجل قال: والله لا أطأ زوجتي، فذهب وجامعها، نقول له: حنثت، فإذا قال: كيف أحنث، والوطء أن أطأها بقدمي؟! نقول: لكن العرف غلب على اللغة.
ولو قال: والله لأطأن زوجتي، فقالت له زوجته: ما فعلت شيئاً، فقال: ألم أطأ على قدمك؟
نقول: ما بر بيمينه؛ لأن الحكم يتعلق بالجماع؛ إذ إن الحقيقة وهي الوطء بالقدم هُجِرت، وصار العرف أن وطء الزوجة جماعها.
ووطء الدار دخولها، والظاهر أنه كذلك حتى في اللغة العربية، فمتعذر أن يطأ الإنسان الدارَ كلها بقدمه؛ لأن الدار أكبر من القدم، فإذا قال: والله لا أطأ هذه الدار، ثم دخلها فإنه يحنث.
وإذا دخلها محمولاً فإنه يحنث، أما إذا كان له نية فهذا شيء آخر لكن إذا لم يكن له نيةً فنقول: إذا دخلتها، سواء دخلت برجلك، أو محمولاً، أو على أي وجه كنت فإنك تحنث؛ لأن هذا هو معنى وطء الدار، وهذا مشهور عند الناس، يقول أحدهم: والله ما أطأ هذا المحل، والله ما أطأ دار فلان، والله ما أطأ دكان فلان، فيتعلق بدخوله.

وَإِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ شَيْئاً فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكاً فِي غَيْرِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ سَمْناً فَأَكَلَ خَبِيصاً فِيهِ سَمْنٌ لاَ يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ، أَوْ لاَ يَأْكُلُ بَيْضاً فَأَكَلَ نَاطِفاً لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُ شَيْءٍ مِنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ.
قوله: «وإن حلف لا يأكل شيئاً فأكله مُسْتَهْلَكاً في غيره» لم يحنث، وهذا فيه فائدة عظيمة، قال: والله لا آكل شيئاً، فخُلِط هذا الشيء في شيء آخر، لكن اسْتَهْلَكَ واضمحل ولم يبقَ له أثر، ولا طعم، ولا ريح، ولا تأثير، فإنه لا يحنث، مثل أن يُجعل جزءاً من مائة جزء، أو جزأين من مائة، أو ثلاثة من مائة، أو ما أشبه ذلك، بحيث لا يؤثر فإنه لا يحنث، ولنفرض أنه قال: والله لا أشرب هذا الشيء، فخلطه بماء، واضمحل هذا الشيء في الماء؛ لأن الشيء قليل والماء كثير، فاضمحل ولم يصر له أثر إطلاقاً فلا يحنث؛ لأنه استهلك وزال أثره وطعمه ولونه، ودليل ذلك قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على طعمه، أو لونه، أو ريحه بنجاسة تحدث فيه» [(148)]. ومن هنا نعرف أن ما يقال عنه من الأطياب: إنه قد خُلط بكحول ـ بأشياء مسكرة ـ أنه إذا كان هذا الخلط جُزءاً يسيراً فإنه لا أثر له، فلا يجعله خمراً ولا نجساً ـ على رأي من ينجسه ـ وإن كان الصواب أن الخمر أصلاً ليس بنجس.
فإذا قال قائل في المسألة الأخيرة: ماذا نصنع بقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «ما أسكر كثيرهُ فقليله حرام» [(149)]، وقوله: «ما أسكر منه الفَرَقُ فملء الكف منه حرام» [(150)].
نقول: معنى الحديث: أنه لو كان هناك شراب، إن شربت قليلاً منه لم تَسكر، وإن شربت كثيراً سكرت، فإنه يحرم عليك القليل والكثير، حتى القليل الذي لا يسكرك يحرم عليك؛ لأن شرب هذا القليل الذي لا يسكر يتدرج به الإنسان إلى أن يشرب كثيراً فيسكر، وليس معنى الحديث ما اختلط فيه قليل من مسكر فإنه يحرم، ولا يمكن أن يفهم الحديث على هذا الوجه، بل معنى الحديث أن هذا الشراب إن كنت إذا أكثرت منه سكرت فقليله حرام، فإن كان إذا شربت منه القليل سكرت فمن باب أولى.
يقال: إن البيرة الموجودة بالسوق فيها خلط من الكحول، فنبنيها على هذه المسألة، إن كان الخلط يسيراً بحيث يستهلك في الشعير الذي فيها فإنه لا يؤثر، وإن كان كثيراً فإنه يحرم قليلها وكثيرها، ولو قال قائل: إن الإنسان لو شرب منها خمسة قوارير تسترخي أعصابه.
نقول: هذا ليس دليلاً على أنه يسكر؛ لأن الإنسان إذا شرب كثيراً حتى من الماء تسترخي أعصابه، وعلى كل حال الميزان لهذه المسألة هو أنه إذا اختلط شيء بآخر واستهلك فيه، ولم يظهر له أثر فوجوده كعدمه.
قوله: «كمن حلف لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه» خبيص بمعنى مخبوص، وهو شيء يخبص من القرصان أو شبهه يجعل فيه السمن، لكن لا يظهر فيه أثر السمن، فإن قال: والله لا آكل سمناً، فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه، لم يحنث.
قوله: «أو لا يأكل بيضاً فأكل نَاطِفاً لم يحنث» والناطف طعام أضيف إليه بيض، فإذا صار أكثره طحيناً وانغمس فيه البيض واستهلك فإنه لا يحنث؛ لأنه لا يسمى بيضاً، وأما إذا كان أكثره بيضاً، أو ظهر فيه أثره، فإنه يحنث.
قوله: «وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه حنِث» لأنه فعل ما حلف عليه فيكون حانثاً. وإذا حلف رجل أن لا يكلم فلاناً، فكلمه بغضب، ولم ينو؟ فإنه حسب نيته، إن كانت نيته أن لا يكلمه برضى فإن كلام التوبيخ لا يحنث به، ولهذا فإن أهل النار ـ نعوذ بالله من حالهم ـ يكلمهم الله عزّ وجل، يقول: {{اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}} [المؤمنون: 108] مع أنه لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم يعني لا يكلمهم كلام رحمة ورضى.
خلاصة هذا الفصل: أنه إذا لم توجد مرتبة من المراتب الثلاث السابقة في الفصل الأول، نرجع إلى ما يتناوله الاسم في حقيقته، وهو ثلاثة أقسام: شرعي، وعرفي، ولغوي، فيقدم الشرعي، ثم العرفي، ثم اللغوي.



[137] سبق تخريجه ص(153).
[138] أخرجه البخاري في الحج/ باب ما لا يلبس المحرم من الثياب (1542)، ومسلم في الحج/ باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة (1177) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[139] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/483).
[140] سبق تخريجه ص(153).
[141] أخرجه مسلم في الأشربة/ باب فضيلة الخل والتأدم به (2051) عن عائشة رضي الله عنها.
[142] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/487).
[143] أخرجه البخاري في الصلاة/ باب الصلاة على الحصير... (380) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة/ باب جواز الجماعة في النافلة... (658).
[144] أخرجه البخاري في الأذان/ باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل... (860).
[145] أخرجه مسلم في المساجد/ باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته (537) (33).
[146] أخرجه الإمام أحمد (1/77)، والنسائي في السهو/ باب التنحنح في الصلاة (3/12)، وابن ماجه في الأدب/ باب الاستئذان (3708)، قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: «قال البيهقي: هذا مختلف في إسناده ومتنه». «التلخيص» (452).
[147] أخرجه مسلم في الحج/ باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم (1218) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[148] أخرجه ابن ماجه في الطهارة وسننها/ باب الحياض (521)، والطبراني في الكبير (8/104)، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وأخرجه الدارقطني من حديث ثوبان بدون «أو لونه» (1/28)، انظر: التلخيص الحبير (1/15)، والخلاصة (1/8).
[149] أخرجه أحمد (2/91)، والنسائي في الأشربة/ باب تحريم كل شراب أسكر كثيره (8/300، 301)، وأبو داود في الأشربة/ باب النهي عن المسكر (3681)، والترمذي في الأشربة/ باب ما جاء ما أسكر كثير فقليله حرام (1865)، وابن ماجه في الأشربة/ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام (3392)، والحاكم (3/467)، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (5358) وكذا الألباني في الإرواء (2375). وانظر: التلخيص (1787).
[150] أخرجه أحمد (6/71)، وأبو داود في الأشربة/ باب ما جاء في السكر (3687)، والترمذي في الأشربة/ باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (5359) ط/الدولية، وابن الملقن كما في الخلاصة (2444)، وصححه في الإرواء (2376).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, جامع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir