دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:19 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سورة الجن (الآيات: 11-17)

وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:49 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ}؛ أي: فُسَّاقٌ وفُجَّارٌ وكُفَّارٌ، {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً}؛ أي: فِرَقاً مُتَنَوِّعَةً وأهواءً متَفَرِّقَةً، كلُّ حزْبٍ لِمَا لَدَيْهِم فَرِحونَ.
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً}؛ أي: وأَنَّا في وَقْتِنا الآنَ تَبَيَّنَ لنا كَمالُ قُدرةِ اللَّهِ وكمالُ عَجْزِنا، وأنَّ نَوَاصِيَنا بِيَدِ اللَّهِ، فلنْ نُعْجِزَه في الأرضِ، ولَنْ نُعْجِزَه إنْ هَرَبْنا وسَعَيْنَا بأَسبابِ الفِرارِ والخروجِ عن قُدرتِه، لا مَلجأَ منه إلاَّ إليه.
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى} وهو القرآنُ الكريمُ، الهادِي إلى الصراطِ المُستقيمِ، وعَرَفْنا هِدايتَه وإرشادَه أَثَّرَ في قُلُوبِنا فـ {آمَنَّا بِهِ}، ثم ذَكَرُوا ما يُرَغِّبُ المؤمنَ فقالوا: {فَمَن يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ} إيماناً صادِقاً {فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً}؛ أي: لا نَقْصاً ولا طُغياناً ولا أَذًى يَلْحَقُه.
وإذا سَلِمَ مِن الشرِّ حَصَلَ له الخيرُ، فالإيمانُ سببٌ داعٍ إلى حُصولِ كلِّ خَيْرٍ وانتفاءِ كلِّ شَرٍّ.
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ}؛ أي: الجائِرُونَ العادِلُونَ عن الصراطِ المستقيمِ.
{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً}؛ أي: أَصَابُوا طريقَ الرَّشَدِ، الْمُوَصِّلَ لهم إلى الجَنَّةِ ونَعِيمِها.
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}؛ وذلك جزاءٌ على أعمالِهم، لا ظُلْمٌ مِن اللَّهِ لهم, فإِنَّهم {لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} الْمُثْلَى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}؛ أي: هَنِيئاً مَرِيئاً، ولم يَمْنَعْهُم ذلك إلاَّ ظُلْمُهم وعُدوانُهم {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}؛ أي: لِنَخْتَبِرَهم فيه ونَمْتَحِنَهم لِيَظْهَرَ الصادِقُ مِن الكاذبِ.
{وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً}؛ أي: مَن أَعْرَضَ عن ذِكْرِ اللَّهِ، الذي هو كِتابُه فلم يَتَّبِعْه ويَنْقَدْ له، بل غَفَلَ عنه ولَهَى، يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً؛ أي: شَديداً بَليغاً.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:27 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

11-{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ} أيْ: قالَ بعضُ الْجِنِّ لبَعْضٍ لَمَّا دَعَوْا أصحابَهم إلى الإيمانِ بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: كُنَّا قَبلَ استماعِ القرآنِ مِنَّا الْمَوْصُوفونَ بالصلاحِ.
{وِمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أيْ: قومٌ غيرُ ذلكَ. قيلَ: أَرادَ بالصالحينَ المؤمنينَ، وبِمَنْ هم دُونَ ذلك الكافرينَ.
{كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} أيْ: جَماعاتٍ متَفَرِّقَةً، وأَصنافاً مُخْتَلِفَةً، وأهواءً متَبايِنَةً. وقالَ سعيدٌ: كانوا مُسلمينَ ويَهوداً ونَصارى ومَجوساً.
12- {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ} أيْ: وأَنَّا عَلِمْنَا أنْ لن نَفوتَه إنْ أَرادَ بِنا أمْرًا، {وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا} أيْ: هاربينَ منه.
13-{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى} يَعنونَ القرآنَ, {آمَنَّا بِهِ} صَدَّقْنَا أنه مِن عندِ اللهِ، ولم نُكَذِّبْ به كما كَذَّبَتْ به كَفَرَةُ الإنسِ، {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} والبَخْسُ النُّقصانُ، والرَّهَقُ العُدوانُ والطُّغيانُ.
14-{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} أيْ: الجائرونَ الظالمونَ الذينَ حادُوا عن طريقِ الحقِّ.
{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} أيْ: قَصَدُوا طريقَ الحقِّ والخيرِ واجْتَهَدوا في البحْثِ عنه حتى وُفِّقُوا له.
15-{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} أيْ: وَقُوداً للنارِ تُوقَدُ بهم، كما تُوقَدُ بكَفَرَةِ الإنسِ.
16-{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} المعنى: وأُوحِيَ إليَّ أنَّ الشأنَ أنْ لو استقامَ الجنُّ أو الإنسُ أو كلاهما على طريقةِ الإسلامِ {لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً} أيْ: ماءً كَثيراً لآتَيْنَاهم خَيْراً كَثيراً واسِعاً.
17-{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أيْ: لنَخْتَبِرَهم فنَعْلَمَ كيفَ شُكْرُهم على تلك النِّعَمِ.
{وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} أيْ: ومَن يُعْرِضْ عن القرآنِ أو عن الْمَوْعِظَةِ، يُدْخِلْه عَذاباً شاقًّا صَعْباً.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:29 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أيْ: سِوَى ذلك. قالَ الحسَنُ البَصريُّ: في الْجِنِّ قَدَرِيَّةٌ ومُرْجِئَةٌ ورَوافِضُ وخَوارجُ، وغيرُ ذلك مِن الفِرَقِ، وفيهم العاصي والْمُطيعُ والْمُصْلِحُ، وغيرُ ذلك مِن المؤمنِ والكافِرِ.
وقولُه: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} أيْ: ذا أَهواءٍ مُختلِفَةٍ، وقِدَداً معناه: متَفَرِّقَةً. قالَ الشاعرُ:
القابضُ الباسطُ الهادِي بطَاعَتِه في فِتنةِ الناسِ إذ أَهْوَاؤُهُم قِدَدُ
أيْ: مُتَفَرِّقَةٌ.
قولُه تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ} معنى الظَّنِّ ههنا: اليَقينُ، أيْ: أَيْقَنَّا أنْ لنْ نُعْجِزَه في الأرضِ، أيْ: لن نَفُوتَه، ولا يَعْجِزُ عنا بأَخْذِه إِيَّانا.
وقولُه: {وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً} قد بَيَّنَّا.
قولُه تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} أيْ: بالهدَى، والهدَى هو القرآنُ؛ لأنه يَهدِي الناسَ.
وقولُه: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} أيْ: نُقصاناً مِن حَسناتِه ولا زِيادةً في سَيِّئَاتِه، وقيلَ: أيْ: ظُلْماً.
قولُه تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} أي: الجائرونَ؛ هم الكُفَّارُ، يُقالُ: أَقْسَطَ إذا عَدَلَ، وقَسَطَ إذا جارَ. فمِن أَقْسَطَ مُقْسِطٌ، ومِن قَسَطَ قَاسِطٌ.
قالَ الفَرَزْدَقُ:
قَوْمِي هُمُ قَتَلُوا ابنَ هِندٍ عَنْوَةً عَمْراً وهم قَسَطُوا على النُّعمانِ
أيْ: جَارُوا.
وقولُه: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} أيْ: طَلَبُوا الرَّشَدَ وَتَوَخَّوْا له، والْمُتَحَرِّي والْمُتَوَخِّي بمعنًى واحدٍ.
وقولُه: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} أي: الكافرونَ، وهو في معنى قولِه تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
قولُه تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} في الطريقةِ قَولانِ:
أحَدُهما: أنها الإيمانُ، وهذا قولُ مُجاهِدٍ وقَتادةَ وعِكرمةَ وجَماعةٍ، وهو في معنى قولِه تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا}.
والقولُ الثاني: أنَّ الطريقةَ ههنا طريقةُ الكُفْرِ والضلالةِ، وهذا قولُ أبي مِجْلَزٍ لاحِقِ بنِ حُميدٍ مِن التابعينَ، وهو قولُ الفَرَّاءِ وجماعةٍ، وهو في معنى قولِه تعالى: {وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ} الآيةَ، فجَعَلَ تَمادِيَهم في الكفْرِ سَبباً لتَوسيعِ النِّعَمِ عليهم.
وكذلك قولُه تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} الآيةَ، ومعناه: أبوابَ كلِّ شيءٍ مِن الخيراتِ والنِّعَمِ، قالوا: والقولُ الأوَّلُ أَوْلَى؛ لأنه عَرَّفَ الطريقةَ بالألِفِ واللامِ، فيَنصرِفُ إلى الطريقةِ المعروفةِ الْمَعهودةِ شَرْعاً وهي الإيمانُ.
وقولُه: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} أيْ: كثيراً، تقولُ العرَبُ: فرَسٌ غَيْدَاقٌ، إذا كان كثيرَ الْجَرْيِ واسِعَهُ، ومعناه، أكثَرْنَا لهم المالَ والنعمةَ؛ لأن كثرةَ الماءِ سببٌ لكثرةِ المالِ.
وقولُه: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أيْ: لنَبْتَلِيَهُم فيه، ونَخْتَبِرَهم فيه.
واسْتَدَلَّ بهذا مَن قالَ: إنَّ معنى الطريقةِ هو الكُفْرُ والضلالةُ؛ لأنه قالَ: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}. وهذا لا يَلزمُ مَن قالَ بالقولِ الأوَّلِ؛ لأنَّ كثرةَ النِّعَمِ فِتنةٌ للمؤمنينَ والكَفَرَةِ جَميعاً.
وقولُه: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} أيْ: عن الإيمانِ برَبِّه، {يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} أيْ: شاقًّا، والعذابُ الشاقُّ هو النارُ، ومعناه: يُدْخِلْه النارَ، ومنه قولُ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنه: ما تَصَعَّدَنِي شيءٌ ما تَصَعَّدَتْنِي خِطبةُ النِّكاحِ. أيْ: شَقَّتْ. وعن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ قولَه: {صَعَداً} هو جبَلٌ في جَهنَّمَ. وقيلَ: هو صَخرةٌ مِن نارٍ يُكلَّفُ الصعودَ عليها، فإذا صَعِدَ عليها وقَعَ في الدَّرْكِ الأسفَلِ.

([1] ) كذا بالأصل، ولعلها: " ذوي " .


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 11:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول مخبرًا عن الجنّ: أنّهم قالوا مخبرين عن أنفسهم: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك} أي: غير ذلك، {كنّا طرائق قددًا} أي: طرائق متعدّدةً مختلفةً وآراء متفرّقةً.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وغير واحدٍ: {كنّا طرائق قددًا} أي: منّا المؤمن ومنّا الكافر.
وقال أحمد بن سليمان النّجاد في أماليه، حدّثنا أسلم بن سهلٍ بحشل، حدّثنا عليّ بن الحسن بن سليمان -هو أبو الشّعثاء الحضرميّ، شيخ مسلمٍ-حدّثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: تروّح إلينا جنّيٌّ، فقلت له: ما أحبّ الطّعام إليكم؟ فقال الأرز. قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللّقم ترفع ولا أرى أحدًا. فقلت: فيكم من هذه الأهواء الّتي فينا؟ قال: نعم. قلت: فما الرّافضة فيكم ؟ قال شرّنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجّاج المزّي فقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ إلى الأعمش.
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العبّاس بن أحمد الدّمشقيّ قال سمعت بعض الجنّ وأنا في منزلٍ لي باللّيل ينشد:
قلوبٌ براها الحبّ حتى تعلّقت = مذاهبها في كلّ غرب وشارق...
تهيم بحبّ اللّه، والله ربّها = معلّقةٌ باللّه دون الخلائق
وقوله: {وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه في الأرض ولن نعجزه هربًا} أي: نعلم أنّ قدرة اللّه حاكمةٌ علينا وأنّا لا نعجزه في الأرض، ولو أمعنّا في الهرب، فإنّه علينا قادرٌ لا يعجزه أحدٌ منّا.
{وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به} يفتخرون بذلك، وهو مفخرٌ لهم، وشرفٌ رفيعٌ وصفةٌ حسنةٌ.
وقولهم: {فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} قال ابن عبّاسٍ، وقتادة، وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيّئاته، كما قال تعالى: {فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا} [طه: 112]
{وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون} أي: منّا المسلم ومنّا القاسط، وهو: الجائر عن الحقّ النّاكب عنه، بخلاف المقسط فإنّه العادل، {فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدًا} أي: طلبوا لأنفسهم النّجاة،
{وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبًا} أي: وقودًا تسعّر بهم.
وقوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا لنفتنهم فيه} اختلف المفسّرون في معنى هذا على قولين:
أحدهما: وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمرّوا عليها، {لأسقيناهم ماءً غدقًا} أي: كثيرًا. والمراد بذلك سعة الرّزق. كقوله تعالى: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [المائدة: 66] وكقوله: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض} [الأعراف: 96] وعلى هذا يكون معنى قوله: {لنفتنهم فيه} أي: لنختبرهم، كما قال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: {لنفتنهم} لنبتليهم، من يستمرّ على الهداية ممّن يرتدّ إلى الغواية؟.
ذكر من قال بهذا القول: قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} يعني بالاستقامة: الطّاعة. وقال مجاهدٌ: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} قال: الإسلام. وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وسعيد بن المسيّب، وعطاءٌ، والسّدّيّ، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ.
وقال قتادة: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} يقول: لو آمنوا كلّهم لأوسعنا عليهم من الدّنيا.
وقال مجاهدٌ: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} أي: طريقة الحقّ. وكذا قال الضّحّاك، واستشهد على ذلك بالآيتين اللّتين ذكرناهما، وكلّ هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: {لنفتنهم فيه} أي لنبتليهم به.
وقال مقاتلٌ: فنزلت في كفّار قريشٍ حين منعوا المطر سبع سنين.
والقول الثّاني: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} الضّلالة {لأسقيناهم ماءً غدقًا} أي: لأوسعنا عليهم الرّزق استدراجًا، كما قال: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] وكقوله: {أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} [المؤمنون: 55، 56] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد؛ فإنّه في قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} أي: طريقة الضّلالة. رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، وحكاه البغويّ عن الرّبيع بن أنسٍ، وزيد بن أسلم، والكلبي، وابن كيسان. وله اتجاه، وتيأيد بقوله: {لنفتنهم فيه}
وقوله: {ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا} أي: عذابًا شاقًّا شديدًا موجعًا مؤلمًا.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، وابن زيدٍ: {عذابًا صعدًا} أي: مشقّةً لا راحة معها.
وعن ابن عبّاسٍ: جبلٌ في جهنّم. وعن سعيد بن جبيرٍ: بئرٌ فيها). [تفسير القرآن العظيم: 8/241-243]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجن, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir