دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > أصول الاعتقاد > كتاب التوحيد لابن خزيمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 جمادى الآخرة 1434هـ/24-04-2013م, 11:28 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي باب ذكر أخبارٍ رويت أيضًا في حرمان الجنّة على من ارتكب بعض المعاصي الّتي لا تزيل الإيمان بأسره وجهل معناها المعتزلة والخوارج

قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت: 311هـ): (باب ذكر أخبارٍ رويت أيضًا في حرمان الجنّة على من ارتكب بعض المعاصي الّتي لا تزيل الإيمان بأسره وجهل معناها المعتزلة، والخوارج، فأزالوا اسم المؤمن عن مرتكبها ومرتكبي بعضها أنا ذاكرها بأسانيدها ومبيّنٌ معانيها، ومؤلّفٌ بين معانيها ومعاني الأخبار الّتي قدّمنا ذكرها الّتي احتجّ بها المرجئة وتوهّمت أنّ مرتكب هذه الذّنوب والخطايا كامل الإيمان لا نقص في إيمانهم إن وفّق اللّه ذلك وشاء
[التوحيد: 2/857]
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن أبان، قالا: ثنا محمّدٌ، قال: ثنا شعبة، عن منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن نبيطٍ، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة منّانٌ ولا عاقٌّ، ولا مدمن خمرٍ»
[التوحيد: 2/858]
حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: ثنا سفيان، عن الزّهريّ، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة قاطعٌ» خرّجت طرق هذين الخبرين في كتاب البرّ والصّلة، وبعض طرق خبر عبد اللّه بن عمرٍو في كتاب الأشربة
[التوحيد: 2/859]
حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، قال: ثنا أخي، عن سليمان بن بلالٍ، عن عبد اللّه بن يسارٍ الأعرج، أنّه سمع سالم بن عبد اللّه، يحدّث عن أبيه، عن عمر، أنّه كان يقول: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثةٌ لا يدخلون الجنّة: العاقّ لوالديه، والدّيّوث، ورجلة النّساء "
[التوحيد: 2/859]
حدّثنا محمّد بن يحيى، في مسند ابن عمر بهذا الإسناد، بإسقاط عمر، وقال: إنّه سمع سالمًا يحدّث عن أبيه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قال: «ثلاثةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة عاقٌّ والديه، ومدمن خمرٍ، ومنّانٌ بما أعطى»
[التوحيد: 2/860]
حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمر بن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن يسارٍ، أنّه سمع سالم بن عبد اللّه، يقول: قال عبد اللّه بن عمر: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة العاقّ لوالديه، ومدمن الخمر، والمنّان بما أعطى» حدّثنا محمّدٌ، قال: ثنا أيّوب بن سليمان بن بلالٍ، قال: حدّثني أبو بكر بن أبي أويسٍ، عن سليمان بن بلالٍ، بهذا الإسناد الثّاني، سواءٌ: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنّة، العاقّ لوالديه، والدّيّوث، ورجلة النّساء» قال لنا محمّد بن يحيى: بهذا الإسناد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمثل حديث ابن أبي أويسٍ يريد: «ثلاثةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة» ،
[التوحيد: 2/861]
حدّثنا عبد الجبّار بن العلاء، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا الزّهريّ، وثنا يونس بن عبد الأعلى، وسعيد بن عبد الرّحمن، قالا: ثنا سفيان، عن الزّهريّ، بمثل حديث عمرو بن عليٍّ، عن ابن عيينة
[التوحيد: 2/862]
وحدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل الجنّة قاطعٌ» قال: يريد الرّحم
[التوحيد: 2/862]
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا يونس، عن الحكم بن الأعرج، عن الأشعث بن ثرملة، عن أبي بكرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قتل نفسًا معاهدةً بغير حقّها حرّم اللّه عليه أن يشمّ ريحها» قال أبو بكرٍ: الحرف الصّحيح ما قال رواة هذا الخبر «أن يشتمّ ريحها» قال أبو بكرٍ: خرّجت طرق هذا الخبر في كتاب الجهاد في التّغليظ في قتل المعاهد
[التوحيد: 2/863]
حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: ثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة ولد زنيةٍ» قال أبو بكرٍ: ليس هذا الخبر من شرطنا، ولا خبر نبيطٍ عن جابان؛ لأنّ جابان مجهولٌ، وقد أسقط عليٌّ من هذا الإسناد نبيطًا
[التوحيد: 2/864]
وقد رواه عن رجلٍ، من آل سهل بن حنيفٍ، غير مسمًّى، عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسرٍ، عن عمّارٍ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة ديّوثٌ ولا مدمن خمرٍ» حدّثناه بندارٌ، قال: ثنا أبو داود وقال: ثنا شعبة، قال: سمعت رجلًا من آل سهل بن حنيفٍ
[التوحيد: 2/865]
حدّثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن سالمٍ يعني ابن أبي الجعد، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة مدمن خمرٍ، ولا منّانٌ ولا عاقٌّ لوالديه ولا ولد زنيةٍ»
[التوحيد: 2/865]
حدّثنا أبو موسى، قال: ثنا مؤمّلٌ، قال: ثنا سفيان، عن منصورٍ، عن سالمٍ، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة عاقٌّ ولا منّانٌ، ولا مدمن خمرٍ، ولا ولد زنًا، ولا من أتى ذات محرمٍ» حدّثنا أبو موسى، قال: ثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: ثنا شعبة، عن منصورٍ، عن سالمٍ، عن نبيطٍ، عن جابان، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوه
[التوحيد: 2/866]
وفي خبر داود بن صالحٍ، عن سالمٍ، عن أبيه، في بعثهم الرّسول إلى عبد اللّه بن عمر للمسألة عن أعظم الكبائر، قال: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من أحدٍ يشربها فتقبل له صلاةٌ أربعين ليلةً ولا يموت في مثانته شيءٌ إلّا حرّمت عليه بها الجنّة» قال أبو بكرٍ: قد أمليتها بتمامها مع التّغليظ في شرب الخمر في كتاب الأشربة حدّثنا محمّد بن عمرو بن تمامٍ، قال: ثنا ابن أبي مريم وثنا ابن أبي زكريّا، قال: أخبرنا ابن أبي مريم، قال: ثنا الدّراورديّ قال: أخبرنا داود بن صالحٍ
[التوحيد: 2/867]
قال أبو بكرٍ: معنى هذا الخبر إن ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قد أعلمت أصحابي منذ دهرٍ طويلٍ، أنّ معنى الأخبار إنّما هو على أحد معنيين: أحدهما: لا يدخل الجنّة: أي بعض الجنّان، إذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أعلم أنّها جنانٌ في جنّةٍ، واسم الجنّة واقعٌ على كلّ جنّةٍ منها، فمعنى هذه الأخبار الّتي ذكرنا: من فعل كذا، لبعض المعاصي، حرّم اللّه عليه الجنّة، أو لم يدخل الجنّة، معناها: لا يدخل بعض الجنان الّتي هي أعلى وأشرف وأنبل وأكثر نعيمًا وسرورًا وبهجةً وأوسع، لا أنّه أراد لا يدخل شيئًا من تلك الجنان الّتي هي في الجنّة، وعبد اللّه بن عمرٍو قد بيّن خبره الّذي روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة عاقٌّ، ولا منّانٌ ولا مدمن خمرٍ» أنّه إنّما أراد حظيرة القدس من الجنّة على ما تأوّلت أحد المعنيين
[التوحيد: 2/868]
حدّثنا بهذا الخبر محمّد بن بشّارٍ، قال: ثنا محمّد بن جعفرٍ ،
[التوحيد: 2/868]
وثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: ثنا خالدٌ يعني ابن الحارث قال: ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن نافع بن عروة بن مسعودٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، أنّه قال: «لا يدخل حظيرة القدس سكّيرٌ ولا عاقٌّ ولا منّانٌ» غير أنّ ابن عبد الأعلى قال: «سكّيرٌ ولا مدمنٌ، ولا منّانٌ» والصّحيح ما قاله بندارٌ والمعنى الثّاني: ما قد أعلمت أصحابي ما لا أحصي من مرّةٍ، أنّ كلّ وعيدٍ في الكتاب والسّنّة لأهل التّوحيد فإنّما هو على شريطة أي إلّا أن يشاء اللّه أن يغفر ويصفح ويتكرّم ويتفضّل، فلا يعذّب على ارتكاب تلك الخطيئة، إذ اللّه عزّ وجلّ قد خبّر في محكم كتابه أنّه قد يشاء أن يغفر ما دون الشّرك من الذّنوب في قوله تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]
[التوحيد: 2/869]
قد أمليت هذه المسألة في كتاب معاني القرآن، والكتاب الأوّل، واستدللت أيضًا بخبرٍ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على هذا المعنى، لم أكن ذكرته في ذلك الموضع أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّما أراد بقوله: «من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينٍ حرّم اللّه عليه الجنّة» أي إلّا أن يشاء اللّه أن يعفو عنه فلا يعاقبه
[التوحيد: 2/870]
حدّثنا محمّد بن معمرٍ القيسيّ قال: ثنا الحجّاج بن منهالٍ، قال: ثنا حمّاد بن سلمة، عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص، قال: حدّثني قيس بن محمّدٍ، عن محمّد بن الأشعث، أنّ الأشعث وهب له غلامًا فغضب عليه وقال: واللّه ما وهبت لك شيئًا، فلمّا أصبح ردّه عليه، وقال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف على يمينٍ صبرًا ليقتطع مال امرئٍ مسلمٍ لقي اللّه يوم القيامة وهو مجتمعٌ عليه غضبان، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه»
[التوحيد: 2/870]
قال أبو بكرٍ: فاسمعوا الخبر المصرّح بصحّة ما ذكرت أنّ الجنّة إنّما هي جنانٌ في جنّةٍ، وأنّ اسم الجنّة واقعٌ على كلّ جنّةٍ منها على الانفراد، لتستدلّوا بذلك على صحّة تأويلنا الأخبار الّتي ذكرنا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من فعل كذا وكذا لبعض المعاصي لم يدخل الجنّة، إنّما أراد بعض الجنّان الّتي هي أعلى وأشرف وأفضل وأنبل وأكثر نعيمًا وأوسع إذ محالٌ أن يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من فعل كذا وكذا لم يدخل الجنّة، يريد لا يدخل شيئًا من الجنّان، ويخبر أنّه يدخل الجنّة، فتكون إحدى الكلمتين دافعةً للأخرى، وأحد الخبرين دافعًا للآخر؛ لأنّ هذا الجنس ممّا لا يدخله التّناسخ، ولكنّه من ألفاظ العامّ الّذي يراد بها الخاصّ
[التوحيد: 2/871]
حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: ثنا الحسين بن محمّدٍ أبو أحمد، قال: ثنا شيبان يعني ابن عبد الرّحمن النّحويّ، عن قتادة، قال: ثنا أنس بن مالكٍ، أنّ أمّ الرّبيع بنت البراء، وهي أمّ حارثة بن سراقة، أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا نبيّ اللّه، ألا تحدّثني عن حارثة بن سراقة، وكان قتل يوم بدرٍ أصابه سهمٌ غربٌ، فإن كان في الجنّة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه الثكل قال: " يا أمّ حارثة: إنّها جنانٌ، وإنّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى "
[التوحيد: 2/872]
حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا أبان يعني ابن يزيد العطّار وثنا محمّدٌ، قال: ثنا سليمان بن حربٍ قال: ثنا أبو هلالٍ قال: ثنا قتادة، عن أنسٍ، فذكر محمّد بن يحيى أحاديثهم مرفوعةً، كلّها بهذا المعنى
[التوحيد: 2/873]
حدّثنا عليّ بن الحسين الدّرهميّ قال: ثنا أميّة يعني ابن خالدٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: خرج ابن عمّتي حارثة يطارد يوم بدرٍ، فأصابه سهمٌ غربٌ فأتت أمّه الرّبيع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه: إن كان حارثة في الجنّة فسأصبر، وإن كان غير ذلك فسترى، قال: «يا أمّ حارثة إنّها جنانٌ، وإنّ حارثة في الفردوس الأعلى»
[التوحيد: 2/873]
حدّثنا أبو موسى محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني عبّاس بن الوليد، قال: ثنا يزيد بن زريعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، قال: ثنا قتادة، عن أنسٍ، أنّ الرّبيّع أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللّه: أنبئني عن حارثة أصيب يوم بدرٍ، فإن كان في الجنّة صبرت واحتسبت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، فقال: «يا أمّ حارثة، إنّها جنانٌ في جنّةٍ، وإنّه أصاب الفردوس الأعلى» قال أبو بكرٍ: قد أمليت أكثر طرق هذا الخبر في كتاب الجهاد، وقد أمليت في كتاب ذكر نعيم الجنّة ذكر درجات الجنّة، وبعد ما بيّن الدّرجتين، وأمليت
[التوحيد: 2/874]
أخبار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " أنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف، كما تراءون الكوكب الدّرّيّ في أفقٍ من آفاق السّماء لتفاضل ما بينهما، وقول بعض أصحابه: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى، رجالٌ آمنوا باللّه، وصدّقوا المرسلين «وأمليت أخبار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» بين كلّ درجتين من درج الجنّة مسيرة مائة عامٍ " فمعنى هذه الأخبار الّتي فيها ذكر بعض الذّنوب الّتي يرتكبها بعض المؤمنين فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعني قال: إنّ مرتكبها لا يدخل الجنّة، معناها أنّه لا يدخل العالي من الجنّان الّتي هي دار المتّقين الّذين لم يرتكبوا تلك الذّنوب والخطايا والحوبات، وقد كنت أقول وأنا حدثٌ: جائزٌ أن يكون معنى أخبار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل النّار من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ» : أي لا يدخل النّار دخول الأبد، كدخول أهل الشّرك والأوثان، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون» الأخبار الّتي قد أمليتها بتمامها، أو يكون معناها أي: لا يدخلون النّار موضع الكفّار والمشركين من النّار، إذ اللّه عزّ وجلّ قد أعلم أنّ للنّار سبعة أبوابٍ، وأخبر أنّ لكلّ بابٍ منهم جزءًا مقسومًا، فقال: {لها سبعة أبوابٍ} [الحجر: 44]،
[التوحيد: 2/875]
فمعنى هذا الخبر: قد يكون أنّهم لا يدخلون النّار موضع الكفّار منها؛ لأنّ العلم محيطٌ أنّ من لم يدخل موضعًا ولم يقل لم يخرج، قد أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الأخبار المتواترة الّتي لا يدفعها عالمٌ بالأخبار أنّه يخرج من النّار من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ، فإذا استحال أن يخرج من موضعٍ لم يدخل فيه، ثبت وبان وصحّ أن يخرج من النّار ممّن كان في قلبه ذرّةٌ من إيمانٍ إنّما أخرج من موضع النّار غير الموضع الّذي خبّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه لا يدخل ذلك الموضع من النّار فالتّأليف بين الأخبار المأثورة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على ما قد بيّنّا، وبيقينٍ يعلم كلّ عالمٍ بلغة العرب أنّ جائزًا أن يقول القائل: لا أدخل الدّار إنّما يريد بعض الدّور، كذلك يقول أيضًا: لا أدخل دار فلانٍ، ولفلانٍ دورٌ ذوات عددٍ، إنّما يريد أنّي لا أدخل بعض دروه، لا أنّه إنّما يريد لا أدخل شيئًا من دور فلانٍ، والصّادق عند السّامع الّذي لا يهتمّ بكذبٍ إذا سمعه يقول: لا أدخل دار فلانٍ، ثمّ يقول بعد مدّةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ أدخل دار فلانٍ، لم يتوهّم من سمع من الصّادق هاتين اللّفظتين أنّ إحداهما خلاف الأخرى، إذا كان المتكلّم بهاتين اللّفظتين عندهم ورعًا ديّنًا فاضلًا صادقًا، ويعلم من سمعه ممّن يعلم أنّه لا يكذب أنّه إنّما أراد بقوله: لا أدخل دار فلانٍ، إذا سمع اللّفظة الثّانية: أدخل دار فلانٍ أنّه أراد بالدّار الّتي ذكر أنّه لا يدخلها غير الدّار الّتي ذكر أنّه يدخلها، فإذا كان معلومًا
[التوحيد: 2/876]
عند السّامعين إذا سمعوا الصّادق البارّ عندهم يتكلّم بهاتين اللّفظتين أنّهما ليستا بمتناقضتين ولا متهاترتين، وأنّهم يحملون اللّفظتين جميعًا على الصّدق، ويؤلّفون بينهما أنّه إنّما أراد بالدّار الّتي ذكر أنّه لا يدخلها غير الدّار الّتي ذكر أنّه يدخلها، وجب على كلّ مسلمٍ يقرّ بنبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويستيقن أنّه أبرّ الخلق، وأصدقهم وأبعدهم من الكذب، والتّكلّم بالتّكاذب والتّناقض أن يعلم ويستيقن أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل النّار من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ» يريد: لا يدخل شيئًا من المواضع الّتي يقع عليها اسم النّار، ثمّ يقول: «يخرج من النّار من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ» لأنّ اللّفظتين اللّتين رويتا عنه إذا حملتا على هذا: كانت إحداهما دافعةً للأخرى، فإذا تأوّلتا على ما ذكرنا كانتا متّفقتي المعنى، وكانتا من ألفاظ العامّ الّتي يراد بها الخاصّ فافهموا هذا الفصل، لا تخدعوا فتضلّوا عن سواء السّبيل ونقول أيضًا: معلومٌ متيقّنٌ عند العرب أنّ المرء قد يقول: لا أدخل موضع كذا وكذا، ولا يدخل فلانٌ موضع كذا وكذا: يريد مدّةً من المدد ووقتًا من الأوقات قد يجوز أن يقول صلّى الله عليه وسلّم من فعل كذا وكذا لم يدخل الجنّة: يريد لم يدخل الجنّة في الوقت الّذي يدخلها من لم يرتكب هذه الحوبة؛ لأنّه يحبس عن دخول الجنّة، إمّا للمحاسبة على الذّنب، أو لإدخال النّار ليعذّب بقدر ذلك الذّنب، إن كان ذلك الذّنب ممّا يستوجب به المرتكب النّار إن لم يعف اللّه ويصفح ويتكرّم، فيغفر ذلك الذّنب ،
[التوحيد: 2/877]
فمعنى هذه الأخبار لم يخل من أحد هذه المعاني؛ لأنّها إذا لم تحمل على بعض هذه المعاني كانت على التّهاتر والتّكاذب، وعلى العلماء أن يتأوّلوا أخبار رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على ما قال عليّ بن أبي طالبٍ: «إذا حدّثتم عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فظنّوا به الّذي هو أهناه وأهداه وأتقاه»
[التوحيد: 2/878]
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: ثنا يحيى بن سعيدٍ، عن شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختريّ، عن أبي عبد الرّحمن وهو السّلميّ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه قال: " إذا حدّثتم عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فظنّوا به الّذي هو أهناه وأهداه وأتقاه، وخرج عليٌّ وقد ثوّب بالصّلاة فقال: نعم ساعة الوتر هذه "
[التوحيد: 2/878]
وثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: ثنا يحيى بن سعيدٍ، ومحمّد بن جعفرٍ، قالا: ثنا شعبة بهذا الإسناد مثله، وقال: عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ قال: وخرج عليٌّ حين ثوّب المثوّب للصّلاة، فقال: «أين السّائل عن الوتر؟ هذا حين وترٍ حسنٍ»
[التوحيد: 2/879]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ذكر, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir