المجموعة الثالثة:
س1: ما الجواب عما روي عن عثمان رضي الله عنه مما يفهم منه الاجتهاد في ترتيب الآيات؟
أولا : أصل هذا الخبر ما رواه عمر بن شبّة في تاريخ المدينة من طريق ابن وهب قال: أخبرني عمر بن طلحة الليثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: قام عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: «من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به« وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شاهدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين من كتاب الله لم تكتبوهما !
قال: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر السورة، قال عثمان: «وأنا أشهد إنهما من عند الله، فأين ترى أن نجعلهما؟«
قال: اختم بهما ، قال: فختم بهما) .
ورواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف بسياق أتمّ فقال: حدثنا أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمر بن طلحة الليثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: " من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان فقتل وهو يجمع ذلك إليه فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى آخر السورة.
قال عثمان: فأنا أشهد أنهما من عند الله فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بها آخر ما نزل من القرآن فختمت بها براءة).
ثانياً : من جهة السند ، هذا الخبر تفرّد به عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي عن ابن عمّه محمّد بن عمرو بن علقمة وكلاهما متكلّم فيهما.
قال أبو بكر بن أبي خيثمة: سُئل يحيى بن معين عن محمد بن عمرو، فقال: ما زال الناس يتقون حديثه. قيل له: وما علة ذلك؟
يحيى بن عبد الرحمن لم يدرك عمر بن الخطاب، قال ابن سعد وأبو حاتم: (ولد في خلافة عثمان).
وإذ كان مولده في خلافة عثمان فهو إما لم يكن قد ولد زمن الجمع، وإما رضيع؛ فروايته لهذا الخبر مرسلة، وقد قيل: إنه أدرك رؤية عثمان في آخر خلافته لكن أكثر روايته عن عثمان بواسطة أبيه.
وعلى هذا فالخبر من حيث الإسناد ضعيف لا يحتجّ به.
ثالثا ً: من جهة المتن ، فالمتن فيه نكارة ومخالفات توجب ردّه، منها:
1- أنّ الجمع كان أوّله في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنّ جمع عثمان إنما كان إنفاذا لما شرع فيه عمر، وقد تقدّم من الآثار الصحيحة في أسباب الجمع العثماني ما يفيد خلاف ذلك.
2- أنّ قصة آخر آيتين من سورة التوبة كانت في جمع عثمان، وهذا مخالف لما صحّ من أنّها كانت في جمع أبي بكر رضي الله عنهما.
3- قوله: (فأين ترى أن نجعلهما؟) مخالف لقول زيد بن ثابت الصحيح عنه: (فألحقناها في سورتها في المصحف).
4- قوله: (اختم بها آخر ما نزل من القرآن؛ فختمت بها براءة) وهذه مخالفة لقول أبيّ بن كعب رضي الله عنه لما بلغوا الآية التي قبلهما: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى {وهو رب العرش العظيم}). فهو دليل على أنه يعرف موضعهما، وأنّ ذلك كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وتعليم منه، وقد كان هذا الخبر في جمع أبي بكر رضى الله عنه .
· هذه المخالفات والعبارات المنكرة الواردة في هذا الخبر دليل على أنّ رواته لم يضبطوه مع ما عرف عنهم من خفة الضبط وتعدد مخالفاتهم لروايات الثقات فاستحقّت روايتهم الردّ.
· في صحيح البخاري من حديث ابن أبي مليكة عن ابن الزبير أنه قال: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} إلى قوله: {غير إخراج} قد نسختها الأخرى، فلم تكتبها؟
قال: (تدعها يا ابن أخي، لا أغير شيئا منه من مكانه).
ابن الزبير من كَتَبة المصاحفِ، وهو أخبر بشأن المصحف وترتيب الآيات من رواة الخبر المنكَر.
س2: ما سبب ترك كتابة البسملة في أوّل سورة براءة؟
سبب ترك كتابة البسملة في أوّل سورة براءة لأنه ثبت بالتلقّي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايةً ، وكذلك الإجماع على ترك القراءة بما خالف المصاحف العثمانية .
· قال ابن الباذش في كتابه "الإقناع في القراءات السبع": (أجمعوا على تركها بين الأنفال وبراءة اتباعاً لمصحف عثمان رضي الله عنه المجمع عليه، إلا أنه رُوي عن يحيى وغيره عن أبي بكر عن عاصم أنه كان يكتب بينهما التسمية، ويُروى ذلك عن زرّ عن عبد الله، وأنه أثبته في مصحفه، ولا يؤخذ بهذا).
· ذكر مكيّ بن أبي طالب في الهداية عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (آخر ما نزل "براءة " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر في أول كل سورة بـ: {بسم الله الرحمن الرحيم}، ولم يأمر في سورة " براءة " بشيء).
· قال القشيري: (الصّحيح أن البسملة لم تكتب فيها لأن جبريل عليه السّلام ما نزل بها فيها).
س3: لخّص القول في مصحف ابن مسعود، وبيّن أنواع ما ينسب إليه.
· عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من كبار قرّاء الصحابة رضي الله عنهم وأفاضلهم، وكان من المعلّمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي معلّماً للقرآن بعده حتى مات رضي الله عنه .
· بعثه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى الكوفة معلّماً ووزيراً، فكان يعلّمهم القرآن، ويفتيهم، ويأخذون من علمه وأدبه وسمته، وربّما أملى عليهم المصاحف فكتبوا.
· روى الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات؛ فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه!!
فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شُعبتي الرَّحْل !
فقال: ومن هو ويحك؟!
قال: عبد الله بن مسعود
فما زال يطفأ ويسرَّى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: "ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه"). رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وغيرهم.
فكان غضبه من خشية أن يكون المتصدّي لهذا الأمر جلل من ليس له بأهل؛ فلمّا علم أنّه ابن مسعود سكن جأشه، وذهب ما في نفسه.
· كان في الكوفة مصاحف كُتبت على ما كان يعلّمهم ابن مسعود من القراءة، وكان منهم من يعرض عليه المصحف فيقيم له فيه ما يكون من الخطأ في الكتابة.
· كان في مسجده موضع مخصص لعرض المصاحف، كما دلّ عليه ما رواه محمّد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة من طريق شعبة، عن عاصم ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: كان عبد الله رضي الله عنه يعجبه أن يقعد حيث تُعرض المصاحف فجاءه ابن الحضارمة رجل من ثقيف فقال: أي درجات الإسلام أفضل؟ قال: «الصلاة على وقتها من ترك الصلاة فلا دين له».
· لما كان الجمع العثماني حصل من ابن مسعود من المعارضة في أوّل الأمر ثمّ إنه رجع إلى ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم من الاجتماع على حرف واحد ومصحف إمام لا تختلف فيه هذه الأمة ، وأقام مصحفَه على المصحف الإمام الذي بعث به عثمان إلى الكوفة، وأمر أن يقيموا مصاحفهم عليه، وأن تترك القراءة بما خالفه، وأن تسلّم المصاحف المخالفة للرسم العثماني.
· هناك مصاحف منسوبة إلى ابن مسعود رضي الله عنه لا يوقف لها على إسناد متّصل إلى ابن مسعود، وهي معدودة من الوجادات الضعيفة .
أنواع ما يُنسب إلى مصحف ابن مسعود مما يُخالف المصاحف العثمانية:
النوع الأول : ما صحّ إسناده إلى مَن قرأ على ابن مسعود قبل الجمع العثماني مما يخالف رسم المصاحف العثمانية ، وهذا النوع يُستدلّ به في التفسير واللغة ولا يُقرأ بما فيه، ويستدلّ بما لم يُنسخ منه في الأحكام، ويُعتقد صحته وأنّه مما تركت القراءة به من الأحرف المخالفة للرسم العثماني.
النوع الثاني: ما روي عمّن لم يقرأ على ابن مسعود زمن الجمع العثماني، وإنما اطّلع على مصاحف منسوبة إلى ابن مسعود؛ فهذا النوع لا يُعتمد عليه في الرواية، ولا يُحتجّ به في الأحكام، وقد يُستفاد منه في التفسير واللغة، ولذلك يعتني بذكره بعض المفسّرين، ومن أمثلة ذلك:
1-قول عبد الله بن وهب: أخبرني جرير بن حازم قال: (قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود: {فاذكروا اسم الله عليها} صوافن).
2-قال هشيم بن بشير: أنا داود بن أبي هند، قال: (هي في مصحف عبد الله: [وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بأمهاتهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم]). رواه سعيد بن منصور وابن جرير.
لكن ينبغي أن يُتنبّه إلى أنّ تلك المصاحف غير متحقق صحّة نسبتها إلى ابن مسعود رضي الله عنه، ومن دلائل ذلك ما أضيف إليها من أسماء السور وما وقع بينها من الاختلاف. النوع الثالث :
س4: ما تقول فيما روى أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: سألتُ عائشة عن لَحْنِ القرآن: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، و{إن هذان لساحران}؛ فقالت: «يا ابن أختي، هذا عَمَلُ الكُتَّاب، أخطأوا في الكِتَاب»؟
أولاً : من جهة المتن ، فالمتن منكر جداً، يبعد أن يصدر عن مثل عائشة رضي الله عنها، وهي تقرأ هذه الآيات كما يقرؤها المسلمون، وتعلم أنَّ الأصل في القراءة الرواية مشافهة، وتعلم أيضاً أنّ كتابة المصاحف كانت عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، وأن الذين انتدبوا لكتابته ومراجعته جماعة يستحيل تواطؤهم على الخطأ واللحن.
ثانيا : من جهة السند فالذين رووا هذا الحديث عن هشام بن عروة عراقيّان، وحديث العراقيين عن هشام بن عروة متكلّم فيه ، فقد ذكر الذهبي عن عبد الرحمن بن خراش أنه قال: (بلغني أن مالكا نقم على هشام بن عروة حديثه لأهل العراق، وكان لا يرضاه).
قال يعقوب بن شيبة: (هشام ثبت لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه بما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه).
ومثل هذه الأخطاء قد تقع من بعض الثقات بسبب دخول بعض المرويات بعضها في بعض؛ فيدخل ما أجاب به بعضهم برأيه بما أسنده غيرهم.
وعلى هذا فالحديث مما أخطأ فيه هشام بن عروة؛ فرواه عن أبيه من غير ذكر الواسطة ، وهذه العلّة مع نكارة المتن كافية في ردّه.
على فرض صحة المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها : فالجواب عنه أن تخطئتها للكتّاب اجتهاد منها إذْ تركوا القراءة التي كانت تقرأ بها وتعرفها واختاروا غيرها، وقولهم مقدّم على قولها في ذلك، لكثرتهم واجتماعهم وشدّة عنايتهم بالقراءة والإقراء، وقد ينكر المرء ما يخالف قراءته فإذا تبيّن له أنّه صحيح أقرّ به، كما وقع من إنكار ابن مسعود رضى الله عنه لكتابة المعوذتين في المصحف ثمّ إقراره بكتابتهما.
أيضاً القراءة الموافقة للرسم العثماني صحيحة لغةً لا لحنَ فيها، وهي مقدّمة على غيرها لاختيار قرّاء الصحابة لها على غيرها.
س5: بيّن أهمّ الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "جمع القرآن"
من الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "جمع القرآن" :
1- الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان رضى الله عنهما .
2- معرفة مسائل جمع القرآن، وتاريخ تدوين المصاحف .
3- معرفة بعض كتّاب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم.
4- معرفة مصاحف الصحابة رضي الله عنهم وما نقل عنها.
5- معرفة أقوال العلماء في مسألة ترتيب الآيات والسور في المصحف.
6- كشف شبهات الطاعنين في جمع القرآن والرد عليها.