التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...)
عناصر الدرس:
●تخريج حديث أبي سعيد الخدري.
●منزلة حديث أبي سعيد الخدري.
●شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده).
*المراد بـ "رأى منكم".
* معنى المنكر.
*أقسام المنكر.
*حكم الإنكار.
*مراتب إنكار المنكر.
*الحامل على تغيير المنكر.
*معنى "فليغيره".
*التغيير لغة.
*التغيير شرعا.
*ضوابط إنكار المنكر.
*حكم التغيير باليد.
*تعليق الأمر بالمنكر دون الواقع فيه.
●شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبلسانه)
*المراد بالاستطاعة المنفية.
*كيفية التغيير باللسان.
*دخول الكتابة في القول.
*ضابط انكار المنكر باللسان.
●شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
*معنى فبقلبه.
*المراد بالتغيير بالقلب.
*معنى وذلك أضعف الإيمان.
*حكم البقاء مع الإنكار القلبي.
*الفرق بين النصيحة والإنكار.
*الإنكار على الولاة.
*الفرق بين منكر ولاة الأمور أمام الناس وبين ما يجري في ولايته.
*هل الإنكار خاص بالعلماء أو أنه عام.
*الإنكار في المسائل الخلافية.
*مراتب احقاق الحق وإبطال الباطل.
●مسائب عقدية:
*للقلب قول وعمل.
*الإيمان عمل ونية.
التلخيص:
●تخريج حديث أبي سعيد الخدري:
هذا الحديث خرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد.
ومن رواية إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد.
وعنده في حديث طارق قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد تُرك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا، فقد قضى ما عليه، ثم روى الحديث.
●منزلة حديث أبي سعيد الخدري:
-هذا الحديث حديث عظيم في بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
●شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده)
* المراد بـ "رأى منكم":
-التقييد بالرؤية البصرية بالعين.
- ينزل السمع المحقق، والخبر اليقين منزلة الرأي بالعين.
-العلم بالمنكر قد لا يدخل في الانكار؛ وإنما يدخل في النصيحة.
* معنى المنكر:
-المنكر اسم لما عرف في الشريعة قبحه والنهي عنه.
-لا يكون المنكر منكرا حتى يكون محرما في الشريعة.
*أقسام المنكر:
قد يكون المنكر:
-منكرا واضحا يتفق عليه الجميع المنكر والمنكر عليه.
-منكرا مبني على قول ضعيف لا وجه له.
-مخالفة مبنية على مسائل الاجتهاد.
*حكم الإنكار:
-يجب الانكار في المنكر المتفق عليه، وكذلك المبني على قول ضعيف لا وجه له.
-لا ينكر على الشخص المخالف في المسائل الخلافية والاجتهادية.
-وجوب الانكار مشروط بالاستطاعة بالإجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم يستطع فبلسانه"، وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
*مراتب إنكار المنكر:
-يكون الإنكار بيد وما كان في حكمه.
-ويكون باللسان وما قام مقامه، إن لم يستطع باليد.
-ويكون بالقلب مع عدم حضور المنكر إن لم يستطع بيده وبلسانه، وذلك أضعف الإيمان.
*الحامل على تغيير المنكر:
-رجاء ثواب الله جل وعلا.
-الخوف من العقاب في تركه.
-الغضب لله جل وعلا على انتهاك محارمه.
-النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم، رجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة.
-إجلال الله جل وعلا وإعظامه ومحبته، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وأن يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال.
*معنى "فليغيره":
-أي يغير هذا المنكر بيده.
-مثاله: من رأى مع ابنه آلة محرمة لا يحل استعمالها أبدا فيكسرها.
*التغيير لغة:
-التغيير لغة الإزالة.
*التغيير شرعا:
-التغيير في الشرع يشمل الإزالة، ويشمل الإنكار باللسان بلا إزالة، ويشمل أيضا الاعتقاد أن هذا منكر ومحرم.
*ضوابط إنكار المنكر:
-لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر، وأن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل، فقد يكون منكرا بحد ذاته لا بالنسبة للفاعل، كالفطر في رمضان لعذر.
-لا يجوز إنكار منكر حتى تتيقن أنه لن ينتقل المنكَر عليه إلى منكر أشد منه، أو منكر آخر لا تدري كيف هو، قال شيخ الإسلام بن تيمية: "ومن أنكر ضانا أنه ينتقل إلى منكر أشد منه فإنه يأثم حتى يتيقن أن إنكاره سينقل المنكر عليه إلى ما هو أفضل"
-الإنكار على منكر ينتقل صاحبه إلى منكر مساوي محد اجتهاد.
- يجب الإنكار على المنكر إذا تيقن أن صاحبه ينتقل إلى خير ودين.
-يتعين الرفق في الإنكار، قال سفيان الثوري: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما ينهى، عدل فيما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى"
*حكم التغيير باليد:
-يجب تغير المنكر باليد، وهذا مقيد بما إذا كان التغيير باليد مقدورا عليه.
لا يجب التغيير باليد إن كان المنكر في ولاية غيرك، بأن لا تدخل القدرة عليه، ولكن تلزم النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيره من هو تحت ولايته.
*تعليق الأمر بالمنكر دون الواقع فيه:
-لا يدخل في تغيير المنكر عقاب فاعل المنكر؛ لأن فاعل المنكر تكتنفه أحوال متعددة، فقد يكون الواجب معه الدعوة بالتي هي أحسن، وقد يكون التنبيه، وقد يكون الحيلولة بينه وبين المنكر والاكتفاء بزجره، وقد يكون بالتعزير، وقد يكون غير ذلك حسب المقام والحكم.
●شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبلسانه)
*المراد بالاستطاعة المنفية:
-المراد بالاستطاعة باليد فمن لم يستطع بيده فليغير بلسانه.
*كيفية التغيير باللسان:
-يكون التغيير باللسان بالبيان وبالتوبيخ، وبالزجر وما أشبه ذلك، مع استعمال الحكمة في ذلك.
-من المعلوم أن اللسان لا يزيل المنكر دائما؛ بل قد يزول معه بحسب اختيار الفاعل للمنكر، وقد لا يزول معه المنكر، فيلزم بيان أن ذلك منكر وحرام، وهذا هو التغيير في حقك.
*دخول الكتابة في القول:
-الكتابة تدخل في تغيير المنكر بالسان؛ بأن يكتب في الصحف أو يِلف كتبا يبين المنكر.
*ضابط انكار المنكر باللسان:
-يجب الإنكار إذا غلب على ظنه أن ينتفع المنكر عليه باللسان.
-لا يجب الإنكار عند بعض أهل إذا غلب على ظنه أنه لا ينتفع، وذلك ظاهر قول الله جل وعلا: {فذكر إن نفعت الذكرى} فأوجب التذكير بشرط الانتفاع.
-جمهور أهل العلم على أنه يجب مطلقا، سواء غلب على الظن أم لم يغلب على الظن؛ لأن إيجاب الإنكار حق لله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبة الظن.
●شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
*معنى فبقلبه:
-يعنى فلينكر المنكر بقلبه وهو التغيير الواجب في حقه.
*المراد بالتغيير بالقلب:
-التغيير بالقلب معناه بغض المنكر وكراهته واعتقاد أنه محرم ومنكر، مع تمني أن لم يكن.
-يلزم مع الإنكار بالقلب العزيمة على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه ويده فعل.
-يلزم التغيير بالقلب تغييرا لازما لك لا ينفك عنك، ولا تعذر بالتخلف عنه.
-يلزم البراءة من الفعل بعدم الرضا به؛ فقد جاء في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُملت الخطيئة كان من غاب عنها ورضيها كمن عملها، وكان من شهدها فلم يفعلها كمن فعلها".
-قال تعالى: {فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم}، وقال: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} فمن جلس في مكان يستهزأ فيه بآيات الله وهو جالس لا يفارق ذلك المكان فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك.
*معنى وذلك أضعف الإيمان:
-يعني هذا أقل درجات الإيمان؛ لأنه هو الذي يجب على كل أحد.
-أضعف الإيمان أي أضعف مراتب الإيمان في هذا باب تغيير المنكر.
-قال صلى الله عليه وسلم: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"، لأن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه مع اعتقاد حرمته فإنه على خطر عظين في إيمانه.
*حكم البقاء مع الإنكار القلبي:
-لا يكفي في إنكار المنكر بالقلب أن يجلس إلى أهل المنكر ويقول: أنا كاره بقلبي، لأنه لو صدق ما بقي معهم ولفارقهم إلا مكرها فيعذر.
*الفرق بين النصيحة والإنكار:
-النصيحة اسم عام يشمل كل أشياء كثيرة منها الإنكار.
- فلما كان الإنكار حالا من أحوال النصيحة؛ كان مقيدا بقيود، وله ضوابط.
-الإنكار الأصل فيه يكون علنا للحديث.
*الإنكار على الولاة:
يدخل في الحديث الإنكار على الولاة، كما يدخل مراتب الإنكار ولكن بقواعد تحكم ذلك.
*الفرق بين منكر ولاة الأمور أمام الناس وبين ما يجري في ولايته:
-الولاة ينكر عليهم إذا فعلوا المنكر بأنفسهم، ورآه من فعل أمامه ذلك الشيء، وعلى هذا يحمل هدي السلف في ذلك وفيه هذا الشرط كحال الأمير الذي قدم خطبتي العيد على الصلاة وكالذي اتى الناس وقد لبس ثوبين وأحوال كثيرة في هذا.
-لم يكن هدي السلف الإنكار على الولي شيئا أجراه في ولايته، ولهذا لما حصل من عثمان رضي الله عنه بعض الاجتهادات، فقيل لأسامة بن زيد رضي الله عنهما: "ألا تنصح لعثمان! ألا ترى إلى ما فعل! قال: "أما إني بذلته له سرا؛ لا أكون فاتح باب فتنة".
-فرق السلف بين حصول المنكر من الولاة أمام الناس علنا وبين ما يجريه في ولايته، فجعلوا ما يجريه في ولايته بابا من أبواب النصيحة، وما يفعله علنا يأتي في حديثنا، مع الحكمة في ذلك.
-قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: ألا آتي الأمير فآمره وأنهاه؟ قال: "لا تفعل، فإن كان ففيما بينك وبينه"، قال: أرأيت إن أمرني بمعصية، قال: "أما إن كان ذاك فعليك إذا"
*هل الإنكار خاص بالعلماء أو أنه عام:
-ولى النبي صلى الله عليه وسلم جميع الأمة دون تخصيص إذا رأت منكرا أن تغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم".
-ولكن رجوعا للقواعد العامة فهذا الأمر ليس لكل إنسان في مثل عصرنا هذا، لأنه لو أنكر كل شخص شيئا يعتقده منكرا فقام بتغييره وقد لا يكون منكرا فتحصل فوضى بين الناس.
-ومع ذلك يلزم من راعي البيت أن يغير بيده ما يراه منكرا، كما أن راعي الرعية الأكبر أو من دونه من يستطيع أن يغير باليد.
-وكذلك يتعين الرفق في الإنكار، قال سفيان الثوري: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما ينهى، عدل فيما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى".
*الإنكار في المسائل الخلافية:
- انكار المنكر يكون في المنكر المجمع عليه، وكذلك المبني على قول ضعيف لا وجه له.
-فإن كان من الأمور الخلافية فإنه لا ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر، إلا إذا كان الخلاف ضعيفا لا قيمة له، فإنه ينكر على الفاعل،
فقد قيل: وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له حظ من النظر.
-أما العوام فسبيلهم سبيل علماء بلدهم.
-العوام سبيلهم سبيل علماء بلدهم.
*مراتب احقاق الحق وإبطال الباطل:
-المراتب ثلاثة: دعوة، أمر، تغيير.
-فالدعوة بأن يقوم الداعي في المساجد، أو في أي مكتن يجمع الناس، فيبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه.
-والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فهو الذي يأمر الناس ويقول: افعلوا، أو ينهاهم ويقول: لا تفعلوا، ففيه نوع إمرة.
-وأما المغير فهو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه.
●مسائل عقدية:
*للقلب قول وعمل:
-فللقلب عمل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم يستطع فبقلبه" عطفا على قوله: "فليغيره بيده"، وهو كذلك، فالقلب له قول وعمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك.
*الإيمان عمل ونية:
-الإيمان عمل ونية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان، والتغيير باليد عمل، وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك.
-فالإيمان بشمل جميع الأعمال وليس خاصا بالعقيدة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو قال: وستون شعبة، أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"، فقول: لا إله إلا الله قول اللسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح، والحياء عمل القلب، فكل هذا من الإيمان.
-الصحابة رضي الله عنهم أشرف الناس وأعلم الناس وأحرص الناس على الخير، وما لم يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه وبخاصة في تفاصيل الإيمان لا نسأل عنه، إذ يسعنا وما وسعهم.
-فما جعله الله تعالى ورسوله شرطا لصحة الإيمان وبقائه فهو شرط، وما لا فلا.
-ما دل الدليل على أن هذا العمل يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطا لصحة الإيمان.
-وما دل الدليل على أنه لا يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطا لكمال الإيمان، وانتهى الموضوع.
وبارك الله في الجميع