اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين
بسم الله الرحمن الرحيم
حديثنا اليوم عمن قالوا فيه قبل إسلامه :(... لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب) , وجاء فيه ما رواه الترمذي من قول النبي عليه الصلاة والسلام : (اللَّهمَّ أعزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذينِ الرَّجُلَيْنِ إليكَ بأبي جَهْلٍ أو بعُمرَ بنِ الخطَّابِ) قالَ: وَكانَ أحبَّهما إليهِ عمرُ.
وكان أحبهما إليه عمر...
فأسلم عمررضي الله عنه وأرضاه.
وقال لمن قال عنه صبأ : كذب ، ولكني قد أسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .
أسلم وأعز الله به الإسلام حتى قال ابن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب .
وقال: إن إسلام عمر كان فتحاً ، وإن هجرته كانت نصراً ، وإن إمارته كانت رحمة ، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما اسلم عمر ؛ قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه .
وقال له صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا، إلا سلك فجًا غير فجك).
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي.
و يجتمع نسبه مع الرسول محمد في كعب بن لؤي بن غالب.
ولد-رضي الله عنه- بعد عام الفيل، وبعد مولد الرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- بثلاث عشرة سنة.
هو ثاني الخلفاء الراشدين, ومن العشرة المبشرين بالجنة.
كان من أعلم الصحابة وأفقههم وقد شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام -بذلك فقال فيما رواه الشيخان: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي و عليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل دون ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص اجتره" قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين".
وقال عنه: ( لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر).
وقال عليه الصلاة والسلام:(بينا أنا نائم، إذ رأيت قدحا أتيت به فيه لبن، فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب» قالوا: فما أولت ذلك؟ يا رسول الله قال: «العلم»).
وهذه شهادة وأي شهادة!!.
شهادة من خاتم النبيين له بأن كلامه ملهم من ربه , موافق للصواب , وهذه هي عين الحكمة , كما قال تعالى:{وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.
وهذا مما لم يكن بخافيا على أحد من الصحابة, حتى قال عنه ابن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح بهم علم عمر.
ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم.
وقد كان كذلك-رضي الله عنه- فقد كانت أقواله وأفعاله وكأنها تخرج من مشكاة الوحي , وهذا حال من كان في تقوى عمر, وحال من كان في علم عمر, وحال من كان في خشية عمر وزهد عمر, وحال من كان الله ورسوله أحب إليه من نفسه وماله وولده كما كان حال عمر.
وقد كان حريصًا أشد الحرص على حضور مجلس الرسول-صلى الله عليه وسلم- لينال حظه من العلم , وكان لا يترك شيئا منها يفوته, لذلك تعاهد مع جاره الأنصاري على تناوب الحضور إلى مجلس النبي-صلى الله عليه وسلم- لينقل كل واحد للآخر ما فاته.
وقد جاء عنه أنه قال:("وافقت ربي في ثلاث فقلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله - عز وجل-: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾,وآية الحجاب قلت: يا رسول الله لو أمرت نسائك أن يحتجبن؟ فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي في الغيرة عليه فقلت لهن: ﴿ عسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ فنزلت هذه الآية.
بل موافقات عمر لكلام ربه تزيد عن هذه الثلاثة, فقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين كما ذكر ذلك السيوطي.
فمنها موافقته في أسارى بدر، وفي تحريم الخمر , وفي ترك الصلاة على المنافقين، وفي غيرها من المواضع.
لذلك ألهمه الله وسدده فيما كان من جمع القرآن الجمع الأول , فقد جمع أبو بكر-رضي الله عنه- القرآن بإشارة من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رأى كثرة من قُتِل من القراء في وقعة اليمامة، وقد انقطع الوحي وزال السبب المانع من جمعه في مصحف واحد.
قال أبو بكر رضي الله عنه: « إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن».
قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال عمر: «هذا والله خير» فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
تولى عمر الخلافة بعد أبي بكر-رضي الله عنهما- وكان توليه باستخلاف أبي بكر إياه قبل وفاته بخمسة عشر يوماً, لما أحس بدنو أجله- رضي الله عنه- عهد في أثناء مرضه بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب, وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .
وقد كان-رضي الله عنه- عالما بكتاب الله , حريصا عليه , فاهما لمقاصده ولمراد الله تعالى , يظهر أثر فهم القرآن عليه عند تلاوته إياه , فقد فال علقمة بن وقاص: كانَ عمر يقرأ في العشاء الآخرة بسورة يوسف، وأنا في مؤخر الصف، حتى إذا ذكر يوسف سمعت نشيجه.
وكان لا يتكلف في كتاب الله ما ليس له به علم , ومما يبين لنا ذلك ما رواه الطبري بإسناد عن أنس أنه قال: عن أنس، قال: قرأ عمر: ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) ومعه عصا في يده، فقال: ما الأبّ، ثم قال: بحسبنا ما قد علمنا، وألقى العصا من يده.
لذلك كان لا يتردد في التأديب على القول في تفسيره بغير علم، ولا في تأديب من تنطع وتكلف في السؤال فيه , وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب غنية عن التعريف , فقد بلغ عمر بأن صبيغ يسأل عن متشابه القرآن , حتى رآه عمر , فسأل عمر عن (الذاريات ذروا) فقال: ما اسمك؟
قال: عبدالله صبيغ.
فقال عمر: وأنا عبدالله عمر , وضربه الضرب الشديد على ما كان منه من تكلف وتنطع , ولما علمه من إن غرضه كان ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام .
وقد كان ابن عباس بعد ذلك اذا ألح عليه رجل فى مسألة من هذا الجنس يقول: ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ.
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد أن رجلا جاء إلى عمر وهو بعرفات فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل.
فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها.
وكان-رضي الله عنه- يحث الناس على طلب العلم فيقول:(تفقهوا قبل أن تسودوا).
وكان مجلسه لا يخلو من تدارس كتاب الله والتفقه فيه , فكان يحضره أكابر الصحابة , وكان-رضي الله عنه- حريصا على حضور من كان عالما في القرآن ولو صغر سنه , لذلك كان يدخل ابن العباس -رضي الله عنهما- إلى مجلسه مع أشيخ بدر , فكأنهم استنكروا عليه ذلك , فقال لهم عمر: إنه من حيث علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، ثم قال قال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح}؟
فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لابن عباس: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقال : لا. قال فما تقول؟ قال : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه له قال {إذا جاء نصر الله والفتح} وذلك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} فقال عمر رضي الله عنه: ما أعلم منها إلا ما تقول.
ومن علمه بكتاب الله علمه بأسباب النزول وأماكنها , لذلك لما قال له اليهودي عن قوله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد.
فقال له عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله ، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله، عشية عرفة في يوم جمعة.
ومنه ما رواه الطبري من تفسيرعمر -رضي الله عنه- لقوله تعالى: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ), قال: هما الرجلان يعمَلان العمل الواحد يدخلان به الجنة، ويدخلان به النار .
كذلك ما رواه أيضا لما سأله نفر من أهل نجران عن قوله تعالى: {وجنة عرضها السموات والأرض} فقالوا: فأين النار؟ فقال عمر: «أرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟» فقالوا: نزعت مثلها من التوراة).
توفي رضي الله عنه وأرضاه- شهيدا على يد أبي لؤلؤة المجوسي في سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وهو يؤم الناس لصلاة الفجر، طعنه بسكين ذات شقين مسمومة,
فقال لهم رضي الله عنه: "لا تعجلوا على الذي قتلني. فقيل: إنه قتل نفسه. فاسترجع عمر؛ فقيل له: إنه أبو لؤلؤة؛ فقال: الله أكبر.
فمن كعمر, رضي الله عن عمر وجعلنا ممن سار على طريقهم وجمعنا معهم في جناته, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
طبقات الرواة عنه في التفسير:
الأولى: طبقة الصحابة رضي الله عنهم، أمثال: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وابن عباس.
الثانية: طبقة كبار التابعين، أمثال: قيس بن أبي حازم، وعلقمة بن وقاص الليثي، ومولاه أسلم العدوي، وعمرو بن ميمون الأودي، وشريح القاضي، وزر بن حبيش، وأبو ميسرة عمرو بن شراحيل الهمدانيوغيرهم الكثير.
الثالثة: طبقة كبار التابعين الذين في سماعهم منه خلاف، أمثال: سعيد بن المسيب، وعبيدة بن عمرو السلماني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
الرابعة: طبقة التابعين الذين لهم رواية عنه لكنها منقطعة كونهم لم يدركوه أو أدركوه لكن لم يسمعوا منه فروايتهم عنه مرسلة، أمثال: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعامر الشعبي، وزيد بن أسلم، والحسن البصري، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى بن عباس، وسعيد بن جبير.
|
انتبهت الآن لسؤال الفوائد:
أهم ما استفدته من سيرة عمر رضي الله عنه:
- عدم الحكم على الناس بعدم الصلاح أو الهداية أو حتى الإيمان حتى نرى ما يختم لهم به.
- الإقبال على القرآن تعلما وفهما وتدبرا , فبه تنار بصيرة القلب ويعرف الفرق بين الحق والباطل.
- التكلم بعلم والسكوت بعلم.
- حب الصحابة من الإيمان , خاصة العمرين.
- الاقتداء بما ورد من محاسن أفعالهم وأخلاقهم على قدر الاستطاعة, والسير على طريقهم.
- دعاء الله أن نحشر معهم :{وحسن أولئك رفيقا}.
- القوة في الحق وعدم مخافة الناس فيه .
- نصرة ضعفاء المجتمع على اختلاف أنواعهم , لأن الله سائل العبد عما أعطاه من قوة وجاه : ماذا فعل بها.
- حب الله-عز وجل- وحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أعظم ما يتقرب به إلى الله.
- حرص العبد على ترك علم ينتفع به بعد موته , فلا يبقى في الأذهان إلا من خدم هذا الدين وعمل له.