عامّ لجميع الطلاب)
اذكر ثلاث فوائد سلوكية وبيّن وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12
)}.
- قد يلتبس الحق بالباطل و يظن العبد فيظن العبد أنه على خير و ممثل لشرع الله وهو في الحقيقة قد جانب الحق وابتعد عليه كبعد السماء من الأرض
فالحرص اللبيب على كثرة الدعاء وطلب من الله أن يبصره الحق و أن يوفقه لإتباعه كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم :{" اللهم أرنا الحق حق و ارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه}..
وجهه أن هؤلاء كانوا يفسدون من حيث لا يشعرون بل يظنون أن فعلهم هو عين الصلاح
- تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستفاد من قوله { وإذا قيل لهم لا تفسدوا}
-عدم الاغترار بالأعمال و كثرتها..فقد تكون غير موافقة للشرع..فالحري بالعبد قبل أن يقوم بأي عمل أن يسأل عن مشروعيته
وجهه أن هؤلاء افتخروا وادعوا لأنفسهم الصلاح وهم في غاية الفساد
- سمى الله المعاصي فسادا ... مفهومه أن صلاح الأرض يكون بالطاعة . فيجب ترك المعاصي حتى يقل الفساد و القيام بالطاعات حتى يحصل الصلاح
المجموعة الثالثة:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى
:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12
)}.
يخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم إذا نهوا عن الفساد في الأرض بالكفر و النفاق والشك في دين و القيام بالمعاصي وتضيع فرائض الله و مولاة الكفار ؛بإفشاء أسرار المؤمنين إلى الكفار وإغرائهم بالمؤمنين، وتنفيرهم من إتباع محمد صلى الله عليه وسلم لم يقبلوا النصيحة و {قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أي لا شأن لنا إلا الإصلاح، فنحن بعيدون عن شوائب الإفساد؛ فهم يحسبون أنّهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها.
قائمون بالاصلاح بين المؤمنين و الكفار؛ فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض، وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح،
فتكفل الله عزوجل بالرد عليهم فقال (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) أي هم وحدهم هم المفسدون و لكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا لهذا قال (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) لأنه أصبح غريزة .
2. حرّر القول في
:معنى استهزاء الله تعالى بالمنافقين.
استهزاء الله بالمنافقين قد يكون في الدنيا و قد يكون في الآخرة
- أما في الدنيا فهو أنواع
1-أن استهزاءه : استدراجه إياهم .من حيث لا يعلمون، كما قال عزّ وجلّ:{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}...
ذلك أنهم بدرور نعم الله الدنيوية عليهم يظنون أنه راض عنهم وهو تعالى قد حتم عذابهم، فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء.
-2 أن استهزاءه على سبيل الجواب، كقول الرّجل لمن يخدعه إذا ظفر به: أنا الّذي خدعتك، ولم تكن منه خديعةٌ، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه، قالوا: وكذلك قوله: {ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين}[آل عمران: 54]و{اللّه يستهزئ بهم}على الجواب، والله لا يكون منه المكر ولا الهزء، والمعنى: أنّ المكر والهزء حاق بهم.
3- أن الاستهزاء من الله توبيخه إيّاهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه، والكفر به. فمعناه : الله يوبخهم على فعلهم ، ويلومهم على الإقامة على كفرهم .
:4-أنه لما أظهروا من أحكام إسلامهم في الدنيا خلاف ما أبطن لهم في الآخرة ، كان كالاستهزاء بهم .أن أظهر لهم من أحكامه في الدنيا من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف ما لهم في الآخرة. يعني من العذاب والنّكال.
ورجحه ابن جرير ونصره وعلل ذلك أن المكر والخداع والسّخرية على وجه اللّعب والعبث منتفٍ عن اللّه، عزّ وجلّ، بالإجماع، وأمّا على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك...واستدل لما ذهب إليه بقول ابن عباس رواه بسنده عنه أنه قال في قوله تعالى:{اللّه يستهزئ بهم} قال: «يسخر بهم للنّقمة منهم».
**فأما في الآخرة فهو أيضا أنواع
-أن الاستهزاء بهم : إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب، باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، فيبقون في الظلمة، فيقال لهم:{ ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً } [ الحديد:13 ] أخبر اللّه تعالى أنّه فاعلٌ بهم ذلك يوم القيامة، دكره ابن جرير.
*-أن المراد به: يجازيهم على استهزائهم، فقوبل اللفظ بمثله لفظاً وإن خالفه معنى، فهو كقوله تعالى: { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى : 40 ] وقوله: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [ البقرة : 194 ]
فالسيئة الثانية ليست سيئة في الحقيقة، ولكنها سميت سيئة لازدواج الكلام.والاعتداء الثاني ليس بظلم، ولكنه جيء في اللغة باسم الذنب؛ ليعلم أنّه عقاب عليه وجزاء به،
والعرب كثيرا ما تسمى العقوب باسم الذنب
قال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا ... فنجهلَ فوق جهل الجاهلينَا
وهذا القول هو اختيار الزجاج
*
*-أنه إذا كان يوم القيامة جمدت النَّار لهم كما تجمد الإِهالة في القدر ، فيمشون فتنخسف بهم . .
-وقيل أنه تفتح لهم أبواب النار م فيذهبون ويسارعون إلى الخروج،فتغلق عليهم . نحا هذا المنحى ابن عباس والحسن،
هذا تلخيص أقوال المفسرين الثلاثة.
3. بيّن ما يلي:
أ: معنى اشتراء الضلالة بالهدى، ومناسبة استعمال وصف الشراء.
معنى اشتراء الضلالة بالهدى
الضلالة والضلال: التلف نقيض الهدى الذي هو الرشاد إلى المقصد.
والمراد بالضلالة الكفر و بالهدى الايمان قاله ابن عباس
روى السدى بسنده عن ابن عبّاسٍ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} «أي: الكفر بالإيمان .
وفي معنى قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بالهدى} أوجه
-أولا: استحبوا الضلالة على الهدى قاله قتادة
وهو يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى}[فصّلت: 17].
وعبر عنه بالشراء , لأن الشراء يكون فيما يستحبه مشتريه.
الثاني : أنه بمعنى أخذوا الضلالة وتركوا الهدى قال به ابن مسعودٍ، وناسٍ من الصّحابة
الثالث: الشراء هنا استعارة وتشبيه، لما تركوا الهدى وهو معرض لهم ووقعوا بدله في الضلالة واختاروها شبهوا بمن اشترى فكأنهم دفعوا في الضلالة هداهم إذ كان لهم أخذه.
الرابع : أنه على حقيقة الشراء فهم الذين أمنوا ثم كفروا كما قال مجاهد في قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بالهدى} قال : «آمنوا ثمّ كفروا" ذكره ابن كثير عنه
فمن آمن ثم كفر فقد باع إيمانه وأخذ عوضا عنه الكفر
والمعاني كلها صحيحه كما قال ابن كثير:أنّ المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضّلال، واعتاضوا عن الهدى بالضّلالة، وهو معنى قوله تعالى: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى}أي بذلوا الهدى ثمنًا للضّلالة، وسواءٌ في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثمّ رجع عنه إلى الكفر، كما قال تعالى فيهم: {ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم}[المنافقون: 3]، أو أنّهم استحبّوا الضّلالة على الهدى، كما يكون حال فريقٍ آخر منهم، فإنّهم أنواعٌ وأقسامٌ
ومناسبة استعمال وصف الشراء.
ووسمي أخذهم وإتباعهم الضلال والكفر شراء..كناية عن شدة تمسكهم به و رغبتهم فيه والحرص عليه والزهد في غيره فإن العرب تقول لمن تمسك بشيء و رغب فيه قد اشتراه. وأيضا فيه إشارة إلى تركهم الهدى مع تمكنهم منه
فإن الذي اشترى شيئا قد دفع عوضا وثمنا . كان في يده و في ملكه .
ب:المراد بالحجارة في قوله تعالى: {فاتّقوا النار التي وقودها الناس والحجارة}.
ورد في دلك قولان:
- حجارة الكبريت و قاله به ابن مسعود ومجاهد و أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّوابن جريج وعمرو بندينار ذكر هذا القولالمفسرون الثلاثة
وروى ابن جرير بسنده عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله تعالى: {وقودها النّاس والحجارة}قال: «هي حجارةٌ من كبريتٍ، خلقها اللّه يوم خلق السّماوات والأرض في السّماء الدّنيا، يعدّها للكافرين».رواه ابن جريرٍ. ذكره ابن كثير
وخصت حجارة الكبريت بذلك لأنها تزيد على جميع الأحجار بأنواع من العذاب :
سواد لونها
سرعة الاتقاد.
نتن الرائحة ،بل هي انتن من الجيفة
-كثرة الدخان
-شدة الالتصاق بالأبدان .
-قوة حرها إذا حميت .
- وتعتبر أصلب وأعظم من بقية أنواع الحجارة
. أجارنا اللّه منها. ملخص كلام ابن عطية و ابن كثير
حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله..ذكره ابن كثير
واستدل له بقوله تعالى :{إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم}الآية[الأنبياء: 98]، وحكاه عن القرطبيّ وفخر الدّين
الترجيح
رجح القول الثاني فخر الدين الرازي وعلل ذلك أن ّ أخذ النّار في حجارة الكبريت ليس بمنكرٍ فجعلها هذه الحجارة أولى.
ورجح القول الأول ابن كثير والقرطبي ولم يذكرالزجاج وابن عطية غيره
وحجة ابن كثير أن هذا هو القول الذيورد عن السلف
فقد ذكر السلف ": أنّها حجارةٌ من كبريتٍ معدّةٌ لذلك
وأيضا أن النّار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشدّ لحرّها وأقوى لسعيرها و لهبها فيكون ذلك أشدّ عذابًا لأهلها كما قال{{كلّما خبت زدناهم سعيرًا}[الإسراء: 97].
وأيضا أن الله بين وعرف لهم العذاب بالشيء الذي يعرفونه وهو مشاهد عندهم
فهذا الجصّ يكون أحجارًا فتعمل فيه بالنّار حتّى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النّار وتحرقها.
وتعقب على ترجيح فخر الرازي بقوله : وهذا الّذي قاله ليس بقويٍّ.
الله أعلم