دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > الدورات العلمية العامّة > معالم العلوم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ربيع الأول 1441هـ/3-11-2019م, 10:51 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس الثاني: معالم العلوم في زمن الصحابة رضي الله عنهم

معالم العلوم في زمن الصحابة رصي الله عنهم

عناصر الدرس:
1. بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم
2. عناية الصحابة رضي الله عنهم بالعلم
3. علماء الأمصار من الصحابة رضي الله عنهم
4. كثرة المقبلين على العلم في زمن الصحابة رضي الله عنهم
5. العلوم التي عُني بها الصحابة رضي الله عنهم

بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم
الصحابة رضي الله عنهم هم صفوة هذه الأمة وخيرها، وهم خير أصحاب الأنبياء، قد اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم وزكّاهم، وجعلهم هداة إلى الحقّ، وقال الله تعالى في شأن أهل الكتاب: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} وهذا يدلّ بدلالة الالتزام على أنّ الصحابة رضي الله عنهم مهتدون، وأنّهم محلٌّ للاقتداء.
وأمر الله باتّباع سبيلهم، وحذّر من مخالفته؛ فقال تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}.
وقد أثنى الله عليه في كتابه في غير ما آية
فقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)}
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}
وورد في فضلهم أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليهم وسلم:
- منها حديث إبراهيم النخعي عن عَبيدةَ السلماني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته» رواه البخاري ومسلم.
- وحديث زهدم بن مضرب قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»
قال عمران: (لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة). رواه البخاري

- وحديث السدي، عن عبد الله البهي، عن عائشة، قالت: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟
قال: « القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث » رواه مسلم.
-وحديث أبي الزبير، عن جابر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« يأتي على الناس زمان، يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل، فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به ». رواه مسلم.
- ومنها: حديث عبد الله بن العلاء قال: حدثنا عبد الله بن عامر، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصَاحَبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصَاحَب مَن صَاحَبَني » رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي عاصم في السنة وابن السمّاك، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

- وقال عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: «إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا، فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ» رواه أحمد والبزار والطبراني وغيرهم.
- وقال نسير بن ذعلوق الثوري: سمعت ابن عمر يقول «لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعين سنة» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة، ونسير ثقة.
- وقال أبو صخر حُميد بن زياد: قلت لمحمد بن كعب القرظي يوما: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان من رأيهم؟ وإنما أريد الفتن.
فقال: (إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم).
قلت: في أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟
فقال: (سبحان الله ألا تقرأ قوله: {والسابقون الأولون ...} إلى آخر الآية؛ فأوجب الله لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطا لم يشرطه عليهم).
قلت: وما اشترط عليهم؟
قال: (اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بأعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك).
قال أبو صخر: (فو الله لكأني لم أقرأها قط، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب). رواه ابن عساكر.
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما منَّ الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى)ا.هـ.

والصحابة رضي الله عنهم هم أقرب الأمّة لحسن فهم القرآن؛ واتّباع هداه، فقد علّمهم النبي صلى الله عليه وسلّم الكتاب والحكمة كما أمره الله، وأرشدهم وزكّاهم، وأدّبهم أحسن التأديب؛ فظهرت عليهم آثار هذا التعليم النبوي وبركاته، وفتحوا الفتوح وأقاموا الدين، وعلّموا العلم، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، حتى لقوا ربّهم جلّ وعلا.
وكان لصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وشهودهم وقائع التنزيل، ونزول القرآن بلسانهم العربيّ المبين، على ما يعهدون من فنون التخاطب، أثر كبير في معرفتهم بمعاني القرآن وفقههم في الدين.

عناية الصحابة رضي الله عنهم بالعلم
كان الصحابة رضي الله عنهم على قدر عالٍ من العناية بالعلم والتفقّه في الدين، وكانت مجالسهم عامرة بالعلم، وساورا في تعلّمهم وتعليمهم على الطريقة التي كانوا يعهدونها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- فكان تعليمهم للقرآن تعليماً لحروفه وحدوده ومعانيه وهداياته؛ لم يكن تعليماً للحروف مجرّدة عن المعاني والهدايات، ولا يتخلف فيه العمل عن العلم.
ولذلك قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فينا) رواه الإمام أحمد، وأصل الحديث في الصحيحين.
(جَدَّ فينا) أي: عظم شأنه، وارتفع قدره.
وذكر مالك في الموطّأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر «مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها»
ولذلك كان القرّاء هم الفقهاء والمفتون، والذين يُستشارون في النوازل، ويُصدر عن رأيهم في المعضلات، ويُختار منهم القضاة.
وكانت مجالس الخلفاء مجالس علم وفقه ومدارسة للقرآن، وكان القرّاء هم خاصّة أصحاب عمر رضي الله عنه.
وكان علماء الصحابة يُعلّمون الناس، ويعظونهم بالقرآن، ويُفتونهم فيما يستفتون، ويجيبون السائلين، ويبيّنون لهم ما أشكل عليهم، وكانوا ينبّهون على خطأ من يخطئ في تأويل القرآن، ويدحضون شبهات المشبّهين، ويناظرون المخالفين.
وكان بعضهم يبتدئ أصحابه بالسؤال ليستظهر ما عندهم من العلم؛ ثمّ يبيّن لهم الجواب الصحيح.
وكان لبعضهم مجالس في الوعظ والتذكير والتعليم؛ فكان لابن مسعود مجلس كلّ خميس، وكان لتميم الداري مجلس كلّ أسبوع في زمن عمر، ثمّ زاده عثمان مجلساً آخر في الأسبوع، وهو أوّل من قصَّ بالمدينة.
وكان التابعون يزدحمون على أبيّ بن كعب يحدثّهم ويسألونه حتى ربما صعد لهم على ظهر بيت من كثرتهم.
وكانت مجالس ابن عباس عامرة بالعلم والإفتاء وإجابات أسئلة السائلين.
وكان هذا الشأن شائعاً في مجالس الصحابة رضي الله عنهم كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدوا يتحدثون كان حديثهم الفقه، إلا أن يأمروا رجلاً فيقرأ عليهم سورة، أو يقرأ رجلٌ سورة من القرآن» رواه ابن سعد في الطبقات.
وفقههم إنما هو في نصوص الكتاب والسنة.
وكانوا يتذاكرون مسائل العلم، وربما كتب بعضهم إلى بعض، وربما رحل بعضهم إلى بعض ليسأله عن حديث أو مسألة.

- قال الحسن البصري: تذاكر سمرة وعمران فحدَّث سمرة أنه حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءته، [وفي رواية إذا قال: {ولا الضالين}]
فأنكر ذلك عمران بن حصين، فكتبوا إلى أبي بن كعب يسألونه عن ذلك، فكتب أن صدق سمرة). رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داوود والترمذي وغيرهم.

- ورحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس وكان في الشام مسيرة شهر ليسأله عن حديث في القصاص.
- ورحل أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر بمصر ليسأله عن حديث واحد فسأله ثم انصرف من حينه، وكان الحديث الذي سأله عنه حديث: «من ستر مؤمنا في الدنيا على عورة ستره الله يوم القيامة».

وكان من الصحابة من يقرأ القرآن لأصحابه ويفسّره لهم، ومنهم يُقرأ عليه القرآن ويفسّره.
- قال عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه (كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف فقرؤوا، وفسَّر لهم). رواه أبو عبيد وصححه ابن كثير.
- وقال مسروق بن الأجدع: (كان عبدُ الله [ بن مسعود ] يقرأ علينا السُّورة، ثم يحدِّثنا فيها ويفسِّرها عامَّةَ النهار). رواه ابن جرير.
- وقال أبو وائل شقيق بن سلمة: (حججت أنا وصاحبٌ لي، وابنُ عباس على الحجّ، فجعل يقرأ سورة النور ويفسّرها؛ فقال صاحبي: (يا سبحان الله، ماذا يخرج من رأسِ هذا الرجل، لو سمعت هذا التركُ لأسلمت). رواه الحاكم في المستدرك وصححه.

وكانوا يتدارسون القرآن، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ويثوّرون علومه، وكانت المساجد مجمعاً للناس يتحلقون فيها للعلم وتلاوة القرآن؛ ويجلس فيها العلماء للإفتاء والتعليم وإقراء الناس.
وإذا قدم الرجل إلى بلدٍ وجد في المسجد بغيته من خيرة أهل البلد من علمائها وقرائها.
فظهر بكّل ما تقدّم أنواع من الأساليب في تعلّم العلم وتعليمه.

علماء الأمصار من الصحابة رضي الله عنهم
وكان الخلفاء الراشدون أفضل الصحابة وأعلمهم بالقرآن، وأحسنهم هدياً في تعلّمه والعمل به وتعليمه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنّتهم، واجتناب ما يخالفها.
وقد أخذ الخلفاء الراشدون بسنّة النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم القرآن والتفقيه في الدين وبعث البعوث لأجل ذلك:
فكان من المعلّمين في المدينة في زمن الخلفاء الراشدين: عثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو أيّوب الأنصاري، وعائشة، وحفصة، وأمّ سلمة، وأبو هريرة، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وسهل بن سعد الساعدي وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة رضي الله عنهم.
وفي مكة جماعة من علماء الصحابة منهم: عتّاب بن أسيد الأموي، وهو أوّل أمير لمكة بعد الفتح، ولّاه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فبقي فيهم أميراً ومعلّماً وقاضياً حتى توفي في اليوم الذي توفّي فيه أبو بكر رضي الله عنه، ثمّ ولى عمرُ نافع بن عبد الحارث الخزاعي، وكان نافع ربما استخلف عبد الرحمن بن أبزى على مكة وكان قارئاً للقرآن عالماً بالفرائض، فعزل عمر نافعاً وولّى خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي، فبقي عليها أميراً إلى أوّل خلافة علي بن أبي طالب فعزله عليّ وولّى أبا قتادة الأنصاري، ثمّ عزل أبا قتادة وولّى قُثم بن العباس فبقي أميراً عليها حتى قتل علي رضي الله عنه.
فهؤلاء أمراء مكة في عهد الخلفاء الراشدين وكلهم من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وكانوا على عناية حسنة بإقامة الصلاة والحجّ وتعليم القرآن وبثّ العلم.
وكان الأمراء هم أئمة الناس في المسجد الحرام في الصلوات المفروضة، وكان مؤذّن المسجد الحرام أبو محذورة واسمه أوس بن معير الجمحي، وكان أبو محذورة نديّ الصوت جهيراً، علّمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان منصرفَه من حُنين، ودعا له، وعيَّنه على الأذان في المسجد الحرام؛ فبقي على عمله حتى توفي سنة 59هـ في آخر خلافة معاوية، ثم بقي الأذان في آل أبي محذورة إلى القرن الثالث الهجري.
وكان عمر قد بعث إلى أهل مكة عبد الله بن السائب المخرومي ليعلّمهم القرآن ويفتيهم، وأمره أن يؤمّ الناس في قيام رمضان، وكان عبد الله من قرّاء الصحابة قرأ على أبيّ بن كعب؛ فكان يصلّي بهم خلف المقام، وبقي على الإمامة حتّى توفي زمن ابن الزبير رضي الله عنهم جميعاً.
وعبد الله ابن عباس انتقل إلى مكة عام الجماعة، ومكث بها نحواً من خمس وعشرين سنة يبثّ العلم، ويفتي، ويجيب على أسئلة السائلين، ويُرشد القضاة، ويُكتب إليه في النوازل؛ حتى انتفع الناس بعلمه انتفاعاً عظيماً.
وعبد الله بن الزبير انتقل إلى مكة في أوّل خلافة يزيد بن معاوية، ومكث بها إماماً وخطيباً ومفتياً إلى سنة 73هـ.
وجاور بمكة جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم جابر بن عبد الله جاور بها ستة أشهر في أخريات حياته، وحمل عنه أهل مكة علماً كثيراً، وكُتب عنه إذ ذاك الصحيفة التي عرفت باسم صحيفة جابر.
وجاورت عائشة رضي الله عنها شهراً بمكة، وجاور بها عبد الله بن عمر ستة أشهر، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وغيرهم، وكانت مكّة مجمعاً للعلماء في الحجّ.

ثمّ كان آخر الصحابة موتاً مطلقاً أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني(ت:110هـ) وقد انتقل إلى مكة بعد مقتل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حتى مات بها؛ فتكون مدة مكثه بمكة نحواً من سبعين سنة، وكانت بركة بقائه بمكة عظيمة على المسلمين؛ فكلّ من رآه قبل موته من أهل مكة وممن يفد إليها للحجّ والعمرة وغيرهما من المسلمين فهو من التابعين.

وفي الطائف: عثمان بن أبي العاص، وأخوه الحكم بن أبي العاص، وعروة بن مسعود الثقفي، وسفيان بن عبد الله الثقفي، وأبو رزين العقيلي، وعبد الله بن عمرو بن العاص انتقل إليها في آخر حياته، وابن عباس انتقل إليها في آخر حياته وتوفي فيها، رضي الله عنهم.
وفي الكوفة: سعد بن أبي وقاص وهو أوّل أمير على أهل الكوفة، وعبد الله بن مسعود، ومجمّع بن جارية الأوسي، وقرظة بن كعب الخزرجي، وعمار بن ياسر تولى إمارتها سنة، وأبو موسى الأشعري تولى إمارتها والإقراء بها سنة، ثمّ علي بن أبي طالب انتقل إليها في أول خلافته،
والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن حُريث المخزومي، وأبو قتادة الأنصاري، والبراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وعبد الله بن أبي أوفى وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة رضي الله عنهم.
وفي البصرة: عتبة بن غزوان المازني، وعبد الرحمن بن سهل الأنصاري، وأبو موسى الأشعري،
وعثمان بن أبي العاص الثقفي انتقل إليها سنة 17هـ، وعبد الله بن مغفّل المزني، وعمران بن الحصين، وأبو بكرة الثقفي، ثمّ ابن عباس في خلافة علي، ثم سمرة بن جندب، ومعقل بن يسار، وأنس بن مالك وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة جماعةً من المعلّمين إلى العراق وشيّعهم حتى خرجوا من المدينة وأوصاهم.
- قال قرظة بن كعب الأنصاري رضي الله عنه: بعثني عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار؛ فمشى معنا حتى بلغ مكانا قد سماه، ثم قال: (هل تدرون لم مشيت معكم؟)
قالوا: لحقّ صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق الأنصار.
قال: (لا، ولكن مشيت معكم لحديثٍ أردتُ أن أحدّثكموه؛ فأردتُ أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم دويٌّ كدوي النحل؛ فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد؛ فأقلّوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
أراد أن لا يكثروا من الحديث فيقع الخطأ بسبب الإكثار، وأن يقتصروا على قليل متقن خير من كثير يقع فيه الغلط.
- وقال الحسن البصري: (كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس، وكان من نقباء أصحابه، وكان له سبعة أولاد)

وفي الشام وأطرافها: أبو عبيدة عامر بن الجراح الفهري(ت:18هـ)، ومعاذ بن جبل الخزرجي(ت:18هـ)، وبلال بن رباح الحبشي(ت:20هـ)، وعمير بن سعد بن شُهيد الأوسي(ت:30هـ تقريباً)، وأبو الدرداء عويمر بن زيد الخزرجي(ت:32هـ)،وعبادة بن الصامت الخزرجي(ت:34هـ)، وعمرو بن عبسة السلمي(ت: 35ه تقريباً)، وتميم بن أوس الداري(ت:40هـ)، والنواس بن سمعان الكلابي(ت:45هـ)، وفضالة بن عبيد الأوسي(ت:53هـ)، وشداد بن أوس بن ثابت(ت:58هـ)، ومعاوية بن أبي سفيان الأموي(ت:60هـ)، والنعمان بن بشير الخزرجي(ت:65هـ)، وأبو نجيح العرباض بن سارية السلمي(ت:75هـ)، وأبو ثعلبة الخشني(ت:75هـ)، وواثلة بن الأسقع الليثي(ت:85هـ)، وأبو أمامة صُديّ بن عجلان الباهلي(ت:86هـ)، وعبد الله بن بسر المازني(ت:88هـ)، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة رضي الله عنهم.



وفي اليمن: المهاجر بن أبي أمية المخزومي أخو أمّ المؤمنين أم سلمة، وزياد بن لبيد الأنصاري، وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، ويعلى بن أمية التميمي، وعمرو بن حزم النجاري، وسعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي، وعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، والسائب بن خلاد الخزرجي، وغيرهم رضي الله عنهم.

وفي اليمامة: أبان بن سعيد بن العاص، وثمامة بن أثال الحنفي، وطلق بن عليّ السحيمي الحنفي، ورافع بن خديج تولّى إمارتها في زمن عثمان، وعلي بن شيبان الدؤلي، والهرماس بن زياد الباهلي، وغيرهم رضي الله عنهم.

وفي البحرين: العلاء بن الحضرمي، وأنس بن مالك بعثه أبو بكر، وعثمان بن أبي العاص جمع له عمر إمارة البحرين وعمان، وأخوه الحكم بن أبي العاص، وأبو هريرة ولاه عمر مدة، وقدامة بن مظعون، والمغيرة بن شعبة مدّة، وغيرهم.



وفي عمان: حذيفة بن اليمان الأزدي من أزد عمان وهو غير حذيفة بن اليمان العبسي وكان هو الذي يلي صدقاتهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له فيأخذها من أغنيائهم ويردّها على فقرائهم، ثم عكرمة بن أبي جهل ولي إمارتها في عهد أبي بكر مدّة وقاتل المرتدين، وعثمان بن أبي العاص تولّى إمارة عمان والبحرين نحواً من سنتين في صدر خلافة عمر، وغيرهم.

وفي مصر وإفريقية: عمرو بن العاص وابنه عبد الله، وعقبة بن عامر، ودحية الكلبي، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وقيس بن سعد بن عبادة تولّى إمارتها في خلافة عليّ ثم انتقل إلى خراسان بعد مقتل عليّ بن أبي طالب، والمستورد بن شداد الفهري، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، ومسلمة بن مخلد بن الصامت الخزرجي، وغيرهم رضي الله عنهم.

وفي فارس وخراسان: عبد الله بن عامر بن كريز أمير خراسان في صدر خلافة عثمان، ثم خالد بن غلاب النصري في آخر خلافة عثمان، ثم جعدة بن هبيرة المخزومي أمير خراسان في خلافة خاله علي بن أبي طالب، وهو ابن أمّ هانئ، ثم عبدالرحمن بن أبزى الخزاعي في خلافة عليّ أيضاً، وأبو برزة الأسلمي، وبريدة بن الحصيب، وقيس بن سعد بن عبادة انتقل إليها بعد مقتل عليّ بن أبي طالب، والحكم بن عمرو الغفاري أمير خراسان في خلافة معاوية، ومعاوية بن حيدة القشيري، وعمرو بن أخطب الخزرجي، والسائب بن الأقرع الثقفي، وأبو رفاعة العدوي، وغيرهم رضي الله عنهم.

والصحابة الذين غزوا في خراسان أو وفدوا إليها يتعسّر حصرهم، والذين أقاموا بها بعد ما فتحت جماعة كثيرة.


وعامّة هؤلاء من علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ممن أقاموا في تلك الأمصار؛ فعلّموا الناس القرآن، وبلّغوهم سنّة نبيّهم صلى الله عليه وسلم، وفقهوهم في شرائع الدين، وساسوا الناس بما تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم.

كثرة المقبلين على العلم في زمن الصحابة رضي الله عنهم
أقبل الناس في زمن الصحابة رضي الله عنهم على العلم إقبالاً عظيماً؛ وكان أكثر عنايته بتعليم القرآن تعليماً شاملاً لحروفه وحدوده وهداياته، حتى أحصي في حلق ابن مسعود مئات القراء.
- وبعث أبو موسى الأشعري مَرَّةً وهو بالبصرة إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل كلهم قد قرأوا القرآن.
- وأمر أبو الدرداء رضي الله عنه مرة أن يُحصى الذين يتعلمون القرآن في مجالسه فكانوا نحو ألف وستمائة، وكان يجعل كلّ عشرة في حلقة، ويجعل عليهم عريفاً؛ فإذا أحكم الرجل منهم انتقل إلى أبي الدرداء فعرض عليه.
- وأمرَ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه مناديا ينادي بالكوفة زمن فتنة الخوارج أن لا يدخل عليه إلا من حمل القرآن؛ فامتلأ الدار من حملة القرآن؛ فذكّرهم ووعظهم وبصّرهم بفتنة الخوارج؛ ثمّ بعث ابن عباس إلى الخوارج فناظرهم فيما اشتبه عليهم من القرآن؛ وكانوا نحو ستة آلاف فرجع منهم نحو ألفين.
وكان عمر بن الخطاب يحضّ الولاة على العناية بتعليم القرآن، وإكرام معلّمي القرآن، وتقريب منازلهم من المساجد ليكون ذلك أيسر لهم وأقرب لطالبيهم ومن يحتاج إلى علمهم، وهذه العناية الحسنة كان لها آثار مباركة في انتشار العلم وتفقّه الناس في الدين، وتعلّمهم تعلّماً صحيحاً على أيدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

العلوم التي عُني بها الصحابة رضي الله عنهم
كانت العلوم التي عني بها الصحابة رضي الله عنهم امتداداً للعلوم التي تعلموها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعلّموها كما تعلّموها.
وكانت أكثر العناية بالقرآن الكريم وعلومه وسنة النبي صلى لله عليه وسلم وأحاديثه وبهما قامت العلوم الجليلة من العقيدة والفقه والسلوك وغيرها.
وظهر في عصرهم علوم فرعية وأصلية:
- ففي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن كان متفرقاً في صحف، ثم اتخذ الناس مصاحف لهم، وكان ابن مسعود يملي المصاحف عن ظهر قلب في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واتّخذ مكاناً في مسجده بالكوفة لعرض المصاحف، وشاع فيهم استنساخ المصاحف.
- وفي عهد عمر ظهرت كثير من أبواب السياسة الشرعية؛ فنظّم شؤون الدولة الإسلامية، وولّى الولاة، وعرّف العرفاء، وأنشأ الدواوين، وعيّن القضاة، وأقام الحسبة، وفرض الأعطيات.
- وفي مصنف ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لمّا ولي عمر الخلافة فرض الفرائض، ودوَّن الدواوين، وعرَّف العرَفاء)
قال: (فعرَّفني على أصحابي). رواه ابن أبي شيبة، وعرَّفني أي جعلني عريفاً.
وروي أنّ عمر بن الخطاب همّ أن يجمع السنة واستخار في هذا الأمر ثم تركه خشية أن يفتتن به الناس عن القرآن.
- وفي عهد عثمان جمع الناس على مصحف إمام ، وبعث إلى الأمصار بنسخٍ منه، وأمرهم أن يقوّموا مصاحفهم عليها، فكثر استنساخ المصاحف.
- وبعد مقتل عثمان وقعت الفتنة واقتتلت طائفتان من المؤمنين؛ واختلفت مذاهب الصحابة رضي الله عنهم في هذه الفتنة على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: اعتزال الفتنة، وهو مذهب جمهور الصحابة رضي الله عنهم، وعلى رأسهم سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد.
قال محمد بن سيرين: (هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما خفَّ فيها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين). رواه الإمام أحمد في كتاب العلل.
والمذهب الثاني: القتال مع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
والمذهب الثالث: القتال مع معاوية بن أبي سفيان.
غفر الله لهم جميعاً ورضي عنهم، وكان في تقدير هذه الحادثة في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم عظيمة لم يزل العلماء إلى عصرنا هذا ينتفعون بدروسها وعبرها.
وكانت مواقفهم مبنية على أصل مهمّ له اتصال بكثير من أبواب علم السلوك.

- وفي عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ظهرت الخوارج والسبئية فأمر بمناظرة الخوارج، ثمّ قاتلهم لما بدأوا بسفك الدماء، وأمر بقتل الذين غلوا فيه وادّعوا فيه الألوهية.
وفي عهد عليّ رضي الله عنه نشأ علم النحو؛ فقد روي أنه أملى على أبي الأسود الدؤليّ طرفا منه ثم قال انح هذا النحو.
- روى سعيد بن سَلْم بن قتيبة بن مسلم الباهلي عن أبيه عن جدّه عن أبي الأسود، قال: دخلتُ على عليّ فرأيته مطرقا، فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟
قال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا أحييتَنا، فأتيته بعد أيام؛ فألقى إليَّ صحيفة فيها: (الكلام كلُّه: اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل).
ثم قال: (تَتَبَّعْهُ وزِدْ فيه ما وقع لك، فجمعت أشياء، ثم عرضتها عليه). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
وقال الذهبي: (أَمَرَهُ علي رضي الله عنه بوضع النحو، فلما أراه أبو الأسود ما وضع، قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، ومن ثَمَّ سُمِّيَ النَّحْو نحواً) ا. هـ.
ثم ظهر النقط والشكل للمصاحف في أواخر عهد الصحابة.
وفي أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم ظهرت المرجئة والقدرية وكانت لهم شبهات وحجج فردّ الصحابة عليهم وحذروا منهم.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir