دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > القصاص والحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:19 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الحدود

13-كِتَـابُ الْحُــدُودِ
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: (( قَدِمَ ناسٌ مِن عُكَلٍ - أَو عُرَيْنَةَ - فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ: أَنْ يَشْرَبُوا مِن أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ في أَوَّلِ النَّهارِ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَتُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَلاَ يُسْقَوْنَ )) .
قالَ أبو قِلابَةَ : فَهؤلاَءِ سَرَقُوا، وَقَتلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ. أخرجهُ الجماعةُ .

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 06:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

عُكَلُ وعُرَيْنَةُ : قبيلتان معروفتان .
اجْتَوَوا المدينةَ.
بضمِّ الواوِ الثانيةِ ضميرُ جَمْعٍ يعودُ على العُرَنِيِّين قالَ بعضُهم : اجْتَوَوا ونحوُه فيه ثلاثُ واواتٍ لأن أصلَه اجْتَوَوْا والْتَوَوْا فالأَوْلَى أن تُحذَفَ واحدةٌ وتَبقَى اثنان ومن كتَبَها بواحدةٍ فقد أخَطأَ وأجْحَفَ بالكلمةِ وكذلك ما يُرْوَى فيه ثلاثُ واواتٍ ومعناه استَوْخَمُوها مشتَقٌّ من الْجَوَى وهو داءٌ يصيبُ الجوْفَ قالَ أبو عُبيدٍ والجوهريُّ وغيرُهما : اجْتَوَيْتُ البلدَ إذا كَرِهْتُ الْمُقامَ بها .
اللِّقاحُ : بكسْرِ اللامِ .
الإبلُ بأعيانِها قالَه الْجَوهريُّ ، قال: والواحدُ لَقُوحٌ وهي الْحَلوبُ كقَلوصٍ وقِلاصٍ ، وفي ( البحر ِ) للرويانيِّ أن واحدتَها لَقحةٌ وذكَرَ الْهَرويُّ في شرْحِ ( الفصيحِ ) الأمرين قالَ : وهى التي نَتَجَتْ حديثًا فهي لَقوحٌ شهرين أو ثلاثةً ثم هي لَبونٌ بعدَ ذلك .
قولُه : فأرسَلَ في أثَرِهم .
هو بكسْرِ الهمزةِ وإسكانِ الثاءِ ويَجوزُ بفتحِهما حكاهما صاحبُ ( المُجْمَلِ ) .
قولُه : وسَمَّرَ أعينَهم .
قال النووى : معظَمُ نسَخِ مسلِمٍ وسَمَلَ باللامِ وفي بعضِها بالراءِ وضبطناه في بعضِ المواضعِ من البخاريِّ سَمَّرَ بتشديدِ الميمِ بمعنى سَمَلَ باللامِ أنه فَقَأَها وأذْهَبَ ما فيها ومعنى سَمَّرَها أنه كَحَّلَها بمساميرَ محميَّةٍ وقيلَ : هما بمعنًى واحدٍ ، وقالَ المنذرِيُّ : سَمَّرَ أعينَهم بتخفيفِ الميمِ أي كحَّلَها بالمساميرِ وشدَّدَ بعضُهم الميمَ والأوَّلُ أشهَرُ وأوْجَهُ ورُوِيَ سَمَلَ باللامِ ومعناه فَقَأَها بالشوْكِ أو بغيرِه ، وقيلَ : هما بمعنًى واحدٍ والراءُ تُبدَلُ من اللامِ .
قالَ النوويُّ في ( مختَصَرِ المبهَماتِ ) : ومن الفوائدِ أن عددَ العُرنيِّين ثمانيةٌ .
ذكَرَه أبو يَعْلَى الْمَوْصليُّ في ( مسنَدِه ) .
قلت : لا حاجةَ لذلك فهي ثابتةٌ في الصحيحين .

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كتابُ الحُدُودِ

الْحَدِيثُ الْحَادِي والأربعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((قَدِمَ ناسٌ مِنْ عُكْلٍ- أَو عُرَيْنَةَ- فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ: أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ في أَوَّلِ النَّهارِ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِم فَقُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَتُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَلَا يُسْقَوْنَ)).
قالَ أبو قِلابَةَ: فَهؤلَاءِ سَرَقُوا، وَقَتلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. أخرجهُ الجماعةُ.

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (اجْتَوَوُا المَدِينَةَ). بالجِيمِ، اسْتَوْخَمُوهَا وكَرِهُوهَا لِدَاءٍ أَصَابَهُم في أَجْوَافِهِم يُقَالُ لهُ (الجَوَى).
قَوْلُهُ: (بِلِقَاحٍ). جمعُ لِقْحَةٍ، وهيَ الناقةُ الحَلُوبُ.
قَوْلُهُ: (النَّعَمَ). هيَ الإبلُ.
قَوْلُهُ: (آثَارِهِمْ). جمعُ أَثَرٍ.
قَوْلُهُ: (مِنْ خِلَافٍ). قُطِعَت اليَدُ اليُمْنَى والرجلُ اليُسْرَى.
قَوْلُه: (سُمِّرَتْ أَعْيُنُهُم). كُحِّلَتْ بِمَسَامِيرَ مُحْمَاةٍ بالنَّارِ.
قَوْلُهُ: (الحَرَّةِ). هيَ الأرضُ التي تَعْلُوهَا حجارةٌ سودٌ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: هذا العِقَابُ الشديدُ الذي صَبَّهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هؤلاءِ المُفْسِدِينَ معَ أنَّهُ نَهَى عن المثلةِ جزاءً لِمَا فَعَلُوهُ منْ عَظَائِمِ الأمورِ من الإشراكِ باللَّهِ والخيانةِ بقتلِ الراعِي الذي يَخْدُمُهُم وسرقةِ إبلِ الصدقةِ (التي انْتَفَعُوا بِدَرِّهَا) ، وكُفْرِهِم نعمةَ اللَّهِ عليهم بالعافيةِ بعدَ المرضِ، لذا كانَ جَزَاؤُهُم عَظِيمًا يُنَاسِبُ أَفْعَالَهُم الشَّنِيعَةَ.
الثَّانِيَةُ: (مَشْرُوعِيَّةُ) التَّدَاوِي، وأنَّهُ مِنْ فِعْلِ الأسبابِ المشروعةِ التي لا تُنَافِي الإيمانَ.
الثَّالِثَةُ: طَهَارَةُ أبوالِ الإبلِ حيثُ أَبَاحَ لهم شُرْبَهَا، ولم يَأْمُرْ بِغَسْلِ أفواهِهِم، وتأخيرُ البيانِ عنْ وقتِ الحاجةِ لا يَجُوزُ.

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 07:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كتَابُ الحُدُودِ(167)

الحَديثُ الثالِثُ والأَرْبَعُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
343- عن أَنَسِ بْنِ مالِكٍ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قَدِمَ ناسٌ مِنْ عُكْلٍ - أَوْ عُرَيْنَةَ- فَاجْتَوَوا المَدِينَةَ، فأَمَرَ لَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُم أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ في أَوَّلِ النَّهارِ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بهم, فَقَطَعَ أَيْدِيَهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِن خِلافٍ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَتُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَلاَ يُسْقَوْنَ.
قالَ أبو قِلابَةَ: فَهؤلاَءِ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ. أَخْرَجَهُ الجَماعَةُ.
اجْتَوَيْتَ الْبِلاَدَ : إِذَا كَرِهْتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً. وَاسْتَوْبَأْتَهَا : إذَا لَمْ تُوَافِقْكَ (168)
_________________
(167) الحُدودُ: جَمْعُ ((حَدٍّ))، وأَصْلُ الحَدِّ المَنْعُ، وهُوَ ما يَحْجِزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَمَنَعَ اخْتِلَاطَهُما، ومِنْهُ أُخِذَ مَعْنى هذا.
وأمَّا الحُدودُ - اصْطِلَاحًا - فَهِيَ عُقوباتٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا؛ لِتَمْنَعَ مِن الوُقُوعِ في مِثْلِ ما ارْتُكِبَ مِن المَعاصي.
والحُدودُ ثابِتَةٌ بالكِتابِ، والسُّنَّةِ، وإجْماعِ العُلَماءِ في الجُمْلَةِ، ويَقْتَضِيها القِياسُ الصَّحِيحُ، فَهِيَ جَزاءٌ لِما انْتَهَكَهُ العاصِي مِن مَحارِمِ اللهِ تعالى.
حِكْمَتُها التَّشْرِيعِيَّةُ:
لها حِكَمٌ جَليلَةٌ، ومَعانٍ سامِيَةٌ، وأَهْدافٌ كَريمَةٌ.
ولِهذا يَنْبَغي إقامَتُها، لِداعي التأْدِيبِ، والتطْهِيرِ، والمُعالَجَةِ، لا لِغَرَضِ التَّشَفِّي والانْتِقامِ؛ لِتَحْصُلَ البَرَكَةُ والمَصْلَحَةُ، فَهِيَ نِعْمَةٌ مِن اللهِ تعالى، كَبيرَةٌ على خَلْقِهِ.
فَهِيَ للمَحْدودِ طُهْرَةٌ عن إثْمِ المَعْصِيَةِ، وكَفَّارَةٌ عن عِقابِها الأُخْرَوِيِّ.
وهِيَ لهُ ولِغَيْرِهِ رادِعَةٌ وزاجِرَةٌ عن الوُقوعِ في المَعاصِي.
وهِيَ مانِعَةٌ وحاجِزَةٌ مِن انْتِشارِ الشُّرُورِ والفَسادِ في الأرْضِ.
فَهِيَ أَمانٌ وضَمانٌ للجُمْهُورِ على دِمائِهِمْ، وأَعْراضِهِمْ، وأمْوالِهِمْ.
وبإقامَتِها يَصْلُحُ الكَوْنُ، وتَعْمُرُ الأرْضُ، ويَسُودُ الهُدوءُ والسكُونُ، وتَتِمُّ النِّعْمَةُ بانْقِماعِ أَهْلِ الشَّرِّ والفَسادِ.
وبِتَرْكِها - والعِياذُ باللهِ- يَنْتَشِرُ الشَّرُّ، ويَكْثُرُ الفَسادُ فَيَحْصُلُ مِن الفَضائِحِ والقَبائِحِ، ما مَعهُ يَكونُ بَطْنُ الأرْضِ خَيْرًا مِن ظَهْرِها.
ولا شَكَّ أنَّها مِن حِكْمَةِ اللهِ تعالى ورَحْمَتِهِ، واللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ.
على أنَّ الشارِعَ الرَّحِيمَ حِينَ شَرَعَ الحُدُودَ، سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ فِيها عِقَابَهُ.
فَعَفَا عن الصِّغَارِ، وذاهِبِي العُقولِ، والذينِ فَعَلُوها لِجَهْلٍ بِحَقِيقَتِها.
وصَعَّبَ أيْضًا ثُبُوتَها، فاشْتَرَطَ في الزِّنا أَرْبَعَةَ رِجالٍ عُدُولٍ، يَشْهَدونَ بِصَرِيحِ وقُوعِ الفاحِشَةِ، أو اعْتِرافًا مِن الزَّانِي بِلا إكْرَاهٍ، وبَقاءً مِنهُ على اعْتِرافِهِ، حتَّى يُقامَ علَيْهِ الحَدُّ.
وفي السَّرِقَةِ لا قَطْعَ إلَّا بالثبُوتِ التامِّ، وانْتِفاءِ الشُّبْهَةِ، وتَمامٍ لِشُروطِ القَطْعِ، إلى غَيْرِ ذلكَ ممَّا هُوَ مَذْكورٌ في بابِهِ.
وأَمَرَ بِدَرْءِ الحُدودِ بالشُّبُهاتِ، كُلُّ هذا لِتَكونَ تَوْبَةُ العَبْدِ بَيْنَهُ وبَيْنَ نَفْسِهِ، واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

(168) الغَريبُ:
عُكْلٌ : بِضَمِّ العَيْنِ المُهْمَلَةِ، وسُكونِ الكافِ: [قَبِيلَةٌ عَدْنانِيَّةٌ].
عُرَيْنَةُ: بِضَمِّ العَيْنِ، وفَتْحِ الراءِ، وسُكونِ التحْتِيَّةِ، وفَتْحِ النونِ: [قَبِيلَةٌ قَحْطانِيَّةٌ].
اجْتَوَوا المَدينَةَ: بالجِيمِ الساكِنَةِ، وفَتْحِ التاءِ الفَوْقِيَّةِ، وفَتْحِ الواوِ أيْضًا، وضَمِّ الثانِيَةِ. وهِيَ فاعِلٌ: كَرِهُوها لِداءٍ أَصابَهُمْ في أَجْوافِهِمْ، يقالُ لهُ: [الجَوَى]. فاشْتُقَّ مِنْهُ هذا الفِعْلُ.
بِلِقاحٍ: بِكَسْرِ اللامِ، بَعْدَها قافٌ، وبَعْدَ الألِفِ حاءٌ. جَمْعُ ((لِقْحَةٍ))، وهِيَ الناقَةُ الحَلوبُ.
النَّعَمُ : بِفَتْحِ النونِ والعَيْنِ، واحِدُ الأنْعامِ، وهِيَ الإبِلُ.
آثارِهُمْ: بالمَدِّ، جَمْعُ أَثَرٍ.
مِن خِلافٍ: فَتُقْطَعُ اليَدُ اليُمْنَى, والرِّجْلُ اليُسْرَى.
سُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ: بِضَمِّ السينِ وكَسْرِ المِيمِ، مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ، أَيْ: كُحِّلَتْ أَعْيُنُهُمْ بِمَسامِيرَ مُحْمَاةٍ بالنارِ.
الْحَرَّةِ: بِفَتْحِ الحاءِ والراءِ المُشَدَّدَةِ، هِيَ الأرْضُ التي تَعْلُوها حِجارَةٌ سُودٌ، وهِيَ أَرْضٌ خارِجُ المَدينَةِ.
قِلَابَةَ: بِكَسْرِ القافِ، هُوَ عَبْدُ اللهِ الجَرْمِيُّ.
المَعْنَى الإجْمالِيُّ:
قَدِمَ أُناسٌ إلى المَدينَةِ مِن البادِيَةِ فَأَسْلَمُوا، وحِينَ اخْتَلَفَ عَلَيْهِم الْجَوُّ والمُناخُ، مَرِضُوا، فضاقَتْ أَنْفُسُهُمْ بالمُقامِ في المَدِينَةِ.
فَطَبِيبُ الأدْيانِ والأبْدانِ، عَرَفَ دَاءَهُمْ، ودَوَاءَهُمْ، فَأَمَرَهُمْ أنْ يَعُودوا إلى ما أَلِفَتْهُ أَجْسامُهُمْ، فَيَذْهَبُوا إلى حَيْثُ الهواءُ الطَّلْقُ، ويَشْرَبُوا مِن ألْبانِ الإبِلِ وأبْوالِها، فَفَعَلُوا.
فلمَّا صَحُّوا، طَغَوْا وبَغَوْا، فقَتَلُوا الراعِيَ الذي معَ الإبِلِ بِسَمْلِ عَيْنَيْهِ، وارْتَدُّوا عن الإسْلَامِ، وهَرَبُوا بالإبِلِ التي مُنِحُوا ألْبانَها،
فجاءَ خَبَرُهُمْ إلى النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَبَعَثَ إليْهِمْ مَن جاءَ بِهِمْ.
فَلَمَّا أَقْدَمُوا على هذه القَبائِحِ العَظيمَةِ التي هِيَ كمَا قالَ أَبُو قِلَابَةَ: السَّرِقَة،ُ والخِيانَةُ، والقَتْلُ، والكُفْرُ باللهِ تعالى، ومُحارَبَةُ اللهِ ورَسولِهِ بِقَطْعِ الطرِيقِ، فكانَ نَكَالُهُمْ عَظيمًا، وتَعْزِيرُهُمْ بَلِيغًا، فَقُطِّعَتْ أيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ مِن خِلافٍ، وفُضِخَتْ أَعْيُنُهُمْ بالمَسامِيرِ المُحْمَاةِ، وأُلْقُوا في الحَرَّةِ يَطْلُبونَ الماءَ فلا يُسْقَوْنَ، فما زَالُوا في هذا العَذابِ حتَّى ماتُوا.
فهكذا جَزاءُ مَنْ حَارَبَ اللهَ ورَسُولَهُ، وسَعَى في الأَرْضِ فَسادًا، وكُفْرًا بأنْعُمِ اللهِ، لِيَرْتَدِعَ مَن خَبُثَتْ نِيَّتُهُ، فَأَرادَ أنْ يَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ.
ما يُسْتَفادُ مِن الحَديثِ:
1- هذا العِقابُ الذي صَبَّهُ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هَؤلاءِ المُفْسِدينَ، عِقابٌ شَديدٌ ومُثْلَةٌ, وقَدْ نَهَى النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن المُثْلَةِ، وقَدْ أَمَرَ أيْضًا بِإحْسانِ القَتْلِ والذَّبْحِ، فَمِنْ أَجْلِ هذا اخْتَلَفَ العُلَماءُ في حُكْمِ هَؤلاءِ.
فَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بالنَّهْيِ عن المُثْلَةِ، وهَؤلاءِ مُحْتاجُونَ إلى بَيانِ تارِيخِ ناسِخِهِ، ولا بَيانَ.
وبَعْضُهُمْ قالَ: هذا الحُكْمُ قَبْلَ أنْ تَنْزِلَ الحُدودُ.
وقالَ ابْنُ سِيرينَ: وفِيهِ نَظَرٌ، فإنَّ قِصَّتَهُمْ مُتَأَخِّرَةٌ.
وبَعْضُهُمْ قالَ: لم يَسْمُلْ أَعْيُنَهُمْ، وإنَّما هَمَّ بِها، وفيهِ نَظَـرٌ أيْضًا، فقَدْ صَحَّ [أنَّهُ سَمَلَ], [وأَنَّهُ سَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ].
وأجابُوا بِغَيْرِ ذلكَ، وكُلُّها أَجْوِبَةٌ لا تَسْتَقِيمُ لِأَصْحابِها.
والذي أَرَى: أنَّ هذه العُقوبَةَ مِن بابِ التعْزِيرِ.
والتعْزِيرُ: هُوَ التأْدِيبُ، ومَرْجِعُهُ إلى اجْتِهادِ الإمامِ ونَظَرِهِ، فَقَدْ يَكونُ خَفيفًا، وقَدْ يَكونُ شَديدًا، فَيُؤَدَّبُ بالعِقابِ والتأنِيبِ، ويُؤَدَّبُ بالحَبْسِ، ويُؤَدَّبُ بما يَراهُ مِن الجَلْدِ، ويُؤَدَّبُ بالقَتْلِ، ويُؤَدَّبُ بِأَخْذِ المالِ، وكُلُّها لها سَنَدٌ مِن السُّنَّةِ الحَكيمَةِ.
وهَؤلاءِ الأعْرابُ عَمِلُوا أعْمالًا شَنِيعَةً، دَلَّتْ على فَسادِ قُلوبِهِمْ، وخُبْثِ طَوِيَّتِهِمْ.
فَقَد ارْتَدُّوا عن الإسْلامِ، وجَزاءُ المُرْتَدِّ القَتْلُ، وقَتَلُوا الراعِيَ القائِمَ بِخِدْمَتِهِمْ، وسَمَلُوا عَيْنَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وسَرَقُوا الإبِلَ التي هِيَ لِعامَّةِ المُسْلِمينَ، فَهَذا غُلُولٌ، وسَرِقَةٌ، وخِيانَةٌ, وحارَبُوا اللهَ ورَسولَهُ، بِقَطْعِ الطرِيقِ، والإفْسادِ في الأرْضِ، وكَفَرُوا نِعْمَةَ اللهِ تعالى - وهِيَ العافِيَةُ - بَعْدَ المَرَضِ، والسِّمَنُ بَعْدَ الهُزالِ. فكَانوا بهذا مُسْتَحِقِّينَ لِعذابٍ يُقابِلُ فِعْلَهُمْ لِيُرْدَعَ مَن لم يَدْخُل الإيمانُ قَلْبَهُ مِن الجُفاةِ.
أمَّا حَديثُ النَّهِيِ عن المُثْلَةِ، والأمْرِ بإحْسانِ القِتْلَةِ والذِّبْحَةِ ونَحْوِ ذلكَ، فَهُوَ بَاقٍ في حالِ مَن لم يَرْتَكِبْ مِثْلَ هذه الجرائِمِ العِظامِ. واللهُ المُوَفِّقُ، وهُوَ العَليمُ الحَكيمُ. وقَدْ سَمَلَ هَؤلاءِ عَيْنَي الراعِي، ورَمَوْهُ في الشمْسِ حتَّى ماتَ عَطَشًا, فَفَعَلَ بِهِم النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثْلَ ذلكَ قِصاصًا، وقَدْ مَرَّ بِنا أنَّ مَذْهَبَ كِثيرٍ مِن العُلَماءِ هُوَ قَتْلُ الجانِي بِمِثْلِ ما قَتَلَ بِهِ؛ لقولِهِ تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ). وسَيَأْتِي حَديثُ الصَحِيحَيْنِ: ((ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ )).
2- في الحَديثِ مَشْروعِيَّةُ التدَاوي، وفِعْلِ الأسْبابِ، وأنَّ مِن العِلاجِ الرُّجُوعَ إلى ما أَلِفَتْهُ الأبْدانُ، مِن المَأْكَلِ، والمَشْرَبِ، والجَوِّ، والابْتِعادَ عن الأرَاضِي المَوْبُوءَةِ، والأَهْوِيَةِ الردِيئَةِ.
3- طَهارَةُ أَبْوالِ الإبِلِ، ووِجْهَتُهُ أنَّ التدَاوِيَ بالنَّجِسِ والمُحَرَّمِ لا يَجُوزُ.
ولَوْ فُرِضَ أنَّ النبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَذِنَ لَهُمْ في شُرْبِها للضَّرُورَةِ، فإنَّهُ لم يَأْمُرْهُمْ بِغَسْلِ أفْوَاهِهِمْ وأَوَانِيهِمْ. و((تَأْخِيرُ البَيانِ عَنْ وَقْتِ الحاجَةِ لا يَجوزُ ))، ويُقاسُ على الإبِلِ، سائِرُ الحَيَواناتِ المُباحَةِ الأكْلِ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 07:27 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

كِتَابُ الْحُدُودِ
349 - الحديثُ الأوَّلُ: عن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قَدِمَ ناسٌ من عُكْلٍ -أو عُرَيْنَةَ- فَاجْتَوَوا المدينةَ، فأمرَ لهم النبيُّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ بِلِقَاحٍ، وأمرَهم أن يشرَبُوا من أبوالِها وألبانِهَا، فانطلقوا. فلما صَحُّوْا قتلُوا راعِيَ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ. فجاءَ الخبرُ فى أوَّلِ النهارِ، فبعثَ في آثارِهِم. فلما ارتفعَ النهارُ جِيءَ بهم، فأمرَ بهم فَقُطِّعَتْ أيدِيهم وأرجلُهم من خلافٍ، وَسُمِرَتْ أعينُهم، وَتُرِكُوا فى الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فلا يُسْقَوْنَ.
قالَ أبو قِلَابَةَ: فهؤلاءِ سرقوا وقتلوا وكفروا بعدَ إيمانِهم، وحاربوا اللَّهَ ورسولَهُ. أخرجَهُ الجماعةُ.
"اجْتَوَيْتَ البلادَ" إذا كَرِهْتَهَا.وإن كانت موافقةً , "واستَوبأنَّها" إذا لم توافقك .
استُدِلَّ بالحديثِ على طهارةِ أبوالِ الإبلِ، للإِذْنِ في شُرْبِهَا. والقَائلونَ بنجَاسَتِهَا، اعتذَرُوا عن هذا بأنَّهُ للتَّدَاوِي. وهو جائزٌ بجميعِ النجاساتِ إلا بالخمرِ.
واعترضَ عليهم الأوَّلُونَ بأنَّها لو كانتْ مُحرَّمَةَ الشُّربِ لَمَا جازَ التداوي بها؛ لأنَّ اللَّهَ لم يجعلْ شفاءَ هذهِ الأُمَّةِ فيما حَرَّمَ عليها. وقد وقعَ في هذا الحديثِ التمثيلُ بِهِمْ. واختلفَ الناسُ في ذلكَ، فقالَ بعضُهم: هوَ منسوخٌ بالحُدودِ. فعن قَتَادَةَ أنَّهُ قالَ: فحدَّثَنِي محمَّدُ بنُ سِيرِينَ أنَّ ذلكَ قبلَ أنْ تنزلَ الحدودُ. وقالَ ابنُ شهابٍ -بعدَ أنْ ذكرَ قصَّتَهُم- وذَكَرُوا أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ نَهَى بعدَ ذلكَ عن الْمُثْلةِ بالآيَةِ التي في سورةِ المائدةِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيةَ والتي بعدَها. ورَوَى محمَّدُ بنُ الفضلِ -بإسنادٍ صحيحٍ منهُ إلى ابنِ سيرينَ- قالَ: كانَ شأنُ الْعُرَنِيِّينَ قبلَ أنْ تنزلَ الحدودُ التي أنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ فى المائدةِ من شأنِ المحاربينَ؛ أنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا، فكانَ شأنُ الْعُرَنِيِّينَ منسوخًا بالآيةِ التي يصفُ فيها إقامةَ حُدودِهِم. وفى حديثِ أبي حمزةَ عن عبدِ الكريمِ، وَسُئِلَ عن أبوالِ الإبلِ فقالَ: حدَّثني سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ عن المُحَارِبينَ -فذكرَ الحديثَ- وفي آخرِهِ: فَمَا مثَّلَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قبلُ ولا بعدُ، ونَهَى عن الْمُثْلَةِ وقالَ: “لَا تُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ". وفى روايةِ إبراهيمَ بنِ عبدِ الرحمنِ عن محمَّدِ بنِ الفضلِ الطَّبَرِيِّ بإسنادٍ فيهِ موسى بنُ عُبَيْـدَةَ الرَّبَـذِيُّ بسنَـدِه إلى جـريرِ بنِ عبدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بقصَّتِهِـم وفى آخـرِهِ: فَكَـرِهَ رسـولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ سَمْلَ الأَعْيُنِ، فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ فيهم هذهِ الآيةَ (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الآيةَ. وروى ابنُ الْجَوْزِيِّ فى كتابِهِ حديثًا من روايةِ صالحِ بنِ رُسْتُمَ، عن كثيرِ بنِ شِنْظِيرٍ، عن الحسنِ، عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ: ما قامَ فينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ خطيبًا إلا أَمَرَنَا بالصَّدقةِ، ونهانا عن الْمُثْلَةِ. وقالَ: قالَ ابنُ شاهينَ: هذا الحديثُ يَنْسَخُ كُلَّ مُثْلَةٍ كانتْ فى الإسلامِ. قالَ ابنُ الجَوْزيِّ: وادِّعَاءُ النسخِ مُحْتَاجٌ إلى تاريخٍ. وقدْ قالَ بعضُ العلماءِ: إنَّمَا سَمَلَ أَعْيُنَ أولئكَ؛ لأنَّهُم سَمَلُوا أعْيُنَ الرُّعَاةِ، فاقتصَّ منهم بمثلِ ما فعلوا والحكمُ ثابتٌ.
قلتُ: هنا تقصيرٌ؛ لأنَّ الحديثَ وردَ فيه المُثْلَةُ من جهاتٍ عديدةٍ، وبأشياءَ كثيرةٍ. فهَبْ أنَّهُ ثبتَ القصاصُ فى سَمْلِ الأعْيُنِ، فماذا يصنعُ بِبَاقِي ما جرى من المُثْلَةِ؟ فلا بُدَّ فيهِ من جوابٍ عن هذا، وقدْ رأيتُ عن الزُّهْرِيِّ فى قصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ أنَّهُ ذَكَرَ أنَّهم قَتَلُوا يَسَارًا مَوْلَى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ، ثم مَثَّلوا بهِ. فلوْ ذَكَرَ ابنُ الجَوْزيِّ هذا كانَ أقربَ إلى مقصودِهِ ممَّا ذَكَرَهُ من سَمْلِ الأعْيُنِ فقطْ، على أنَّهُ أيضًا بعدَ ذلكَ يبقى نظرٌ فى بعضِ ما حُكِيَ فى القِصَّةِ.
و"عُكْلٌ" بضَمِّ العَيْنِ المُهمَلَةِ، وسُكُونِ الكافِ، وآخرُهُ لامٌ. و"عُرَيْنَةُ" بضمِّ العينِ المهملةِ، وفتحِ الراءِ المهملةِ، وسكونِ آخرِ الحروفِ بعدَها نونٌ. وقالَ بعضُهُم: هم ناسٌ من بني سُلَيْمٍ، وناسٌ من بنِي بَجِيلَةَ، وبنِي عُرَيْنَةَ. و"اللِّقَاحُ" النُّوقُ ذواتُ اللَّبنِ.

  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 07:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

. . .
وعدم جسمهم فتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا، لأنهم قتلوا الراعي واستاقوا الإبل، وسملوا أعين الراعي أيضاً، يعني أساؤوا إليه، مثلوا به فلهذا سمَّر أعينهم النبي صلى الله عليه وسلم جزاء وفاقا، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وتركهم حتى ماتوا عملاً بقوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) فهو قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وتركهم حتى ماتوا، فصار بذلك قتلهم حسم… وشرهم، فدل ذلك على أن من فعل مثل فعلهم يعامل بمثل هذا العمل، لردته وعدوانه وتعديه على الراعي، فهم قتلوا ومثلوا واعتدوا على المال (الإبل)، فجمعوا بين القتل والعدوان والسرقة فاستحقوا العقوبة. والقاعدة أن ولي الأمر/ له الخيار في مثل هؤلاء، إن رأى قتلهم قتلهم وإن رأي تصليبهم صلَّبهم وإن رأى قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فعل ذلك وإن رأى نفيهم من الأرض نفاهم على حسب اختلاف جرائمهم.
وقال بعض أهل العلم إن قَتلوا قُتلوا، وإن أخذوا المال مع القتل قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا نفوا؛ بأن يشردوا فلا يتركون يأوون إلى بلد.
وقال آخرون: معنى (ينفوا) أي يحبسون حتى يزلوا من الأرض فنفيهم حبسهم.
والصواب في هذا أن (أو) للتخيير، وأن ولي الأمر ينظر الأصلح والأدرأ به فيفعله، لا بالهوى، بل ينظر الأصلح، فإذا رأى القتل وحده قتل، وإن رأى القتل مع التقطيع كما فعل النبي بهؤلاء قطع أيديهم وأرجلهم وتركهم يموتون صلبهم مع القتل، حتى يشتهر أمرهم، نسأل الله السلامة والعافية.

  #7  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 05:10 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

كتا ب الحدود
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم ناس من عكل أو عرينة ، فاجتووا المدينة , فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح ، وأمرهم أن يشربوه , وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ، فانطلقوا ، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم ، فجاء الخبر أول النهار ، فبعث في آثارهم ، فلما ارتفع النهار جيء بهم ، فأمر بهم فقطعت أيديهم، وأرجلهم ، وسمرت أعينهم ، وتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون ، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا ، وقتلوا ، وكفروا بعد إيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله)) . أخرجه الجماعة .
اجتويت البلاد: إذا كرهتها وإن كانت موافقة . واستوبأتها: إذا لم توافق .
الشيخ:الحديث الأول في المحاربين , فيه حكم الحرابة ، وحكم المحاربين ، وقد ذُكر المحاربون في القرآن , قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا}... إلى آخر الآية ، قال ابن عباس رضي الله عنه: إن قتلوا وأخذوا المال قتلوا ثم صلبوا , وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطع من كل واحد منهم يدمن جانب ورجل من جانب , وإن أخافوا السبيل نفوا من الأرض . وقيل: إن نفيهم الحبس , أن يسجنوا . وهم الذين يعترضون الناس في الطرق ، وفي البراري ، يعترضون المسافر ، فيقطعون عليه سيره ، فإما أن يقصدوا المال الذي معه ، ويقاتلونه لأجل أن يأخذوا ما معه من مال إن كان , وإما أن يقصدوا فعل جريمة الزنا بمحارمه إذا كان معه محارم , وهكذا فهذا هؤلاء هم المحاربون . وقد دخل فيهم أهل هذه القصة .
في هذه القصة أن هؤلاء قوم ، قيل عددهم ثمانية من قبيلتين: قبيلة عكل ، وقبيلة عرينة ، أي بعضهم من عكل وبعضهم من عرينة ، قبيلتان من قحطان وعدنان ، جاءوا إلى المدينة وأظهروا أنهم أسلموا , وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم, ولما أقاموا في المدينة أياما اصفرت ألوانهم , وتغيرت عليهم البيئة والمكان ، والطعام والشراب , وانتفخت بطونهم بمرض يسمى الجراء ، اجتووا المدينة ، فلما رأى تغير حالتهم رحمهم ، ورفق بهم ، وعرف أنهم كانوا أهل دواب وأهل أغنام وأهل إبل ، عاشوا عليها ,وأن أحسن حالهم أن يرجعوا إلى التغذي بألبان الإبل ونحوها ، فأرسلهم إلى إبل الصدقة ، إبل كانت ترعى في طرف المدينة ، أمرهم بأن يتغذوا بألبانها ، ويتعالجوا بأبوالها ، يشربوا الأبوال علاجا ودواء ، ويشربوا الألبان غذاء , ففعلوا , ذهبوا مع تلك الإبل ، واستمروا في هذا العمل يشربون ، ويتعالجون ، حتى صحوا وعادت إليهم صحتهم ، وسمنوا وقووا .
فعند ذلك خطر عليهم الكفر ، أن يكفروا بعد إسلامهم ، وأن يستبدوا بهذه الإبل ، التي وجدوا منها هذه المنفعة ، فقتلوا الراعي الذي كان يرعى تلك الإبل , راعيا مسلما ، ومثلوا به ، جدعوا أنفه ، وفقأوا عينيه ،مثلا , وبقروا بطنه، وقطعوا أطرافه ، ثم هربوا بالإبل محاربين لله ولرسوله .
جاء الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما فعلوه من هذا الجرم وكفران النعم ، فبعث في آثارهم من يردهم ، روي أن جرير بن عبد الله البجليكان أميرا على السرية التي بُعثت في آثارهم ، أدركهم الطلب في أثناء الطريق وهم هاربون مشتدون في الهرب ، فأسروهم وجاءوا بهم ، ولما جاءوا بهم وكانَتْ جريمتهم جريمة شنيعة عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعقوبة شنيعة ، تماثل جريمتهم ، فقطع أيديَهم وأرجلَهم ، وترك الدم يسيل منهم ، لم يحسمهم حتى يتوقف الدم ، وأمر بمسامير من حديد فأحميت في النار فكحلت بها أعينهم ، وهومعنى[1]سمل أعينهم ، وكان ذلك عقابا لهم ؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي ، وتركهم في الحرة حرة المدينة الشرقية ، يستسقون فلا يسقون ، حتى ماتوا وهم على تلك الحال ، هكذا جريمتهم . وبعد الأذان نتكلم على بعض الأحكام .
روي أن الحجاجَ أمير العراق المشهور لما سمع هذا الحديث أخذ يستدل به على عقوبته لبعض المجرمين ،ويقولُ: انظروا إلى عقوبةِ النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأشخاصِ ، وما ذنبهم إلا أنهم أخذوا زودا من الإبلِ لا تساوي إلا عدة دنانير ، عاقبَهم بهذه العقوبةِ الشنيعة . حتى أنهم لاموا بعض المحدثين الذين حدثوا الحجاج بهذا الحديث ، وبهذه القصة ؛ لأنه سار يستدل بها على سفكه ، سفكه للدماء ، وتجاريه فيها بأدنى شبهة.
ولما اشتهر استدلاله بذلك اعتذر عن هذا الحديث أبو قلابة, الذي روى هذا الحديث عن أنس ، فقال: هؤلاء - يعني هؤلاء الذين أذنبوا هذا الذنب - سرقوا ، أي سرقوا الإبل ، وقتلوا ذلك الراعي ، وحاربوا الله ورسولَه ، أي نصبوا الحرب للرسولِعليه الصلاة والسلام ,وارتدوا بعد إسلامهم ، أي كفروا ؛ لأن فعلهم هذا ردَّة حيث أنهم هربوا إلى الكفار، ففعلهم هذا ردة ، لا أنهم هربوا للمسلمين ، أي لم يبقوا على إسلامهم ، فكانت هذه عقوبة لهم .
وبلا شك أن المحاربَ الذي يقطع الطريق على المسلمين ويقتل لأجل أخذ المال ، وينهب المال بقوة ، ويفعل ما يقدر عليه- أن رده وصده واجب على المسلمين ؛ حتى لا تكثر الفوضى ، وحتى لا تشتد المنكرات ، وحتى لا يكون الضعيف نهبة للقوي ، وحتى لا تسفك دماء المسلمين وتنتهك أعراضهم ، ويفعل الزنا والفواحش وما أشبهها ، فلأجل ذلك يؤخذ على أيدي هؤلاء المحاربين ، ويعاقبون بما يرتدعون به ، ومن ذلك عقوبة هؤلاء المحاربين الذين في هذا الحديث ، فإن من عقوبتهم القتل ؛ لأنهم قتلوا , لما أنهم قتلوا ذلك الراعي بغير حق قتلوا .
وقد اجتمع أو اتفق جمهور العلماء على أن الجماعة إذا قتلوا واحدا قتلوا كلهم ، هؤلاء ثمانية قتلوا واحدا، وهو الراعي ، فقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم به قصاصا ، وإن كانوا قُتلوا لأجل أنهم مرتدون ، ولكن لما كان فيهم هذا القتل قتلوا ، ومثل بهم . المثلة قد ورد النهي عنها ، ولكن الصحيح أنها تجوز على وجه المقابلة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة((اغزوا ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا)) . أي لا تمثلوا بالقتلى ، أي لا تشوهوا منظر القتيل بقطع أنفه مثلا ، أو بشق شدقيه ، أو بفقأ عينيه ، أو بقطع مذاكيره ، أو ببقر بطنه ، أو بإخراج حشوته ، أو نحو ذلك , ما دام أنه قتل ومات فلا تمثلوا به هذا التمثيل .
ولكن إذا رؤي أن في ذلك زجر لأمثالهم ، إذا رأوا هذا الفعل بهم انزجر أمثالهم فلا يفعلون كفعلهم ، جاز بقدر الحاجة ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا مثل بهم أي فقأ أعينهم بهذا الحديد المحمى ، وكذلك قطع أيديهم وأرجلهم ، أي قطع من كل منهم يدا ورجلا ، أو يدين ورجلينِ ، وكذلك لم يحسمهم , لم يحسمهم ، الحسم: هو أن يكوى طرف اليد المقتولة ؛ حتى يتوقف الدم ، بأن يغلى زيت , وإذا غلي واشتد حره غمست فيه اليد بعدما تقطع , تقطع اليد من المفصل ، وتغمس في ذلك الزيت ؛ حتى يتوقف الدم ؛ لأنها إذا لم تحسم استمر خروج الدم إلى أن يموت الذي قطعت يده ، بخلاف ما إذا حسمت ، فهو عليه السلام ما حسمهم , كذلك تركهم في الحرة يستسقون ، يطلبون ماء ويطلبون طعاما ، فلم يسقوا وتركوا تجري دماؤهم إلى أن ماتوا .
ولا شك أن هذه العقوبة البشعة الشنيعة دليل على عظم جرمهم ، فيمكن أنها عقوبة على خيانتهم ، أو على حربهم لله ورسوله ، أو على قتلهم إنسانا بريئا محسنا إليهم ، أو على ردتهم وارتدادهم عن الإسلام ، وتبديدهم دينهم ، فيدخلون في قوله صلى الله عليه وسلم:((من بدل دينه فاقتلوه)) هؤلاء جمعوا بين هذه الأمور ، ففعلت بهم هذه الأفعال ، جمعوا بين كونهم حاربوا الله ورسوله ، وأصبحوا حربا ، صاروا من المحاربين {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا} , كذلك ارتدوا عن الإسلام ، وردتهم تعتبر كفرا ، وتبديلا للدين ، كذلك كفروا المعروف ، وكفروا العشير ،وكفروا الإحسان وكفروا الفضل والخير الذي حصل لهم ، وجازوا الإحسان إساءة ، فكان ذلك ما يستحقونه من هذه العقوبة.
ولا شك أن الجزاء من جنس العمل ،وأن من فعل مثل هذه الأفعال ، أو قرب منها, يجازى بذلك ، فإذا قدر على هؤلاء السراق الذين ينتهبون أموال الناس في الطرق ، أو قدر على هؤلاء القطاع الذين يقفون في الطرق ، ويخدعون بعض الناس حتى ينخدع معهم ، ويطلبون منه ما معه من المال , أو نحو ذلك ، ويهددونه بالسلاح , وما أشبه ذلك ، إذا قدر عليهم فيجوز للحاكم أن يقتلهم , سيما إذا قامت القرائن على خيانتهم ، وعلى شرهم ، وعلى ضررهم بالمسلمين ، واعترفوا أو قامت قرائن على اعترافهم أنهم يخيفون السبل ، ويخيفون الآمنين ، وأنهم يحاولون الاعتداء بأخذ المال ، وبقتل المسلم بغير حق ؛ ليتمكنوا من ماله ، أو ما أشبه ذلك .
أما إذا حصل ذلك منهم ، فإن عقوبته مثلما قلنا ، إن كان أخذ المال على وجه المغالبة وعلى وجه القهريَّة ، بأن يقولوا: أعطنا ما معك من المال: من النقود مثلا ، أو من الذهب ، أو ما أشبه ذلك ، وإلا قتلناك ، ويخرجون السلاح ويهددونه بإطلاق النار , حتى يعطيهم ليكف شرهم ، فعقوبتهم إذا قدر عليهم: أن يقطع من كل منهم يد ورجل ، ويحسموا حتى لا يموتوا ؛ لأن ذنبهم لا يصل إلى القتل ؛ لكونهم لم يقتلوا , مع استرجاع الأموال التي أخذوها بالمغالبة .
أما إذا كان اعتداؤهم على الأعراض ، بأن فعلوا الفاحشة: جريمة الزنا أو لواط , وقامت البينة على ذلك منهم باعترافهم ، أو بوجود العلامات الظاهرة ، فيقام عليهم الحد , فحد اللواط هو القتل لقوله عليه السلام:((اقتلوا الفاعل والمفعول به)) . يعني المفعول به إذا كان مختارا , وأما حد الزنا فهو الحد المعروف: جلد مائة وتغريب عام إن كان غير محصن، إن كان بكرا . والرجم إذا كان قد تزوج . وهو الذي دلت عليه الأحاديث . والحديث الذي في رجم الزاني ...

[1]قال القارئ: سمرت أعينهم . بالراء .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحدود, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir