دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > أصول الاعتقاد > الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 رجب 1434هـ/19-05-2013م, 07:23 PM
أم صفية أم صفية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 212
افتراضي باب التّحذير من استماع كلام قومٍ يريدون نقض الإسلام، ومحو شرائعه فيكنّون عن ذلك بالطّعن على فقهاء المسلمين، وعيبهم بالاختلاف

قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (باب التّحذير من استماع كلام قومٍ يريدون نقض الإسلام، ومحو شرائعه فيكنّون عن ذلك بالطّعن على فقهاء المسلمين، وعيبهم بالاختلاف فإن قال قائلٌ: قد ذكرت نهي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الفرقة، وتحذيره أمّته ذلك، وحضّه إيّاهم على الجماعة والتّمسّك بالسّنّة، وقلت: إنّ ذلك هو أصل المسلمين، ودعامة الدّين، وأنّ الفرقة النّاجية هي واحدةٌ، والفرق المذمومة نيفٌ وسبعون فرقةً، ونحن نرى أنّ هذه الفرقة النّاجية أيضًا فيها اختلافٌ كثيرٌ، وتباينٌ في المذاهب، ونرى فقهاء المسلمين مختلفين، فلكلّ واحدٍ منهم قولٌ يقوله، ومذهبٌ يذهب إليه وينصره، ويعيب من خالفه عليه، فمالك بن أنسٍ رحمه اللّه إمامٌ، وله أصحابٌ يقولون بقوله، ويعيبون من خالفهم، وكذلك الشّافعيّ رحمه اللّه، وكذلك سفيان الثّوريّ رحمه اللّه، وطائفةٌ من فقهاء العراق، وكذلك أحمد بن حنبلٍ رحمه اللّه كلّ واحدٍ من هؤلاء له مذهبٌ يخالف فيه غيره. ونرى قومًا من المعتزلة والرّافضة، وأهل الأهواء يعيبوننا بهذا الاختلاف، ويقولون لنا: الحقّ واحدٌ، فكيف يكون في وجهين مختلفين، فإنّي أقول له في جوّاب هذا السّؤال: أمّا ما تحكيه عن أهل البدع ممّا يعيبون به أهل التّوحيد، والإثبات من الاختلاف، فإنّي قد تدبّرت كلامهم في هذا المعنى، فإذا
[الإبانة الكبرى: 2/551]
هم ليس الاختلاف يعيبون، ولا له يقصدون، وإنّما هم قومٌ علموا أنّ أهل الملّة وأهل الذّمّة والملوك والسّوقة والخاصّة والعامّة وأهل الدّنيا كافّةً إلى الفقهاء يرجعون، ولأمرهم يطيعون، وبحكمهم يقضون في كلّ ما أشكل عليهم، وفي كلّ ما يتنازعون فيه، فعلى فقهاء المسلمين يعولون في رجوع النّاس إلى فقهائهم، وطاعتهم لعلمائهم ثباتٌ للدّين، وإضاءةٌ للسّبيل، وظهورٌ لسنّة الرّسول، وكلّ ذلك، ففيه غيظٌ لأهل الأهواء، واضمحلالٌ للبدع، فهم يوهون أمر الفقهاء، ويضعّفون أصولهم، ويطعنون عليهم بالاختلاف لتخرج الرّعيّة عن طاعتهم، والانقياد لأحكامهم، فيفسد الدّين، وتترك الصّلوات والجماعات، وتبطل الزّكوات والصّدقات والحجّ والجهاد، ويستحلّ الرّبا والزّنا والخمور والفجور، وما قد ظهر ممّا لا خفاء به على العقلاء. فأمّا أهل البدع يا أخي رحمك اللّه فإنّهم يقولون على اللّه ما لا يعلمون، ويعيبون ما يأتون، ويجحدون ما يعلمون، ويبصرون القذى في عيون غيرهم، وعيونهم تطرف على الأجذال، ويتّهمون أهل العدالة والأمانة في النّقل، ولا يتّهمون آراءهم وأهواءهم على الظّنّ، وهم أكثر النّاس اختلافًا، وأشدّهم تنافيًا وتباينًا، لا يتّفق اثنان من رؤسائهم على قولٍ، ولا يجتمع رجلان من أئمّتهم على مذهبٍ. فأبو الهذيل يخالف النّظّام،
[الإبانة الكبرى: 2/554]
وحسينٌ النّجّار يخالفهما، وهشامٌ الفوطيّ يخالفهم، وثمامة بن أشرس يخالف الكلّ، وهاشمٌ الأوقص وصالح بن قبّة يخالفانهم، وكلّ واحدٍ منهم قد انتحل لنفسه دينًا ينصره، وربًّا يعبده، وله على ذلك أصحابٌ يتبعونه، وكلّ واحدٍ منهم يكفّر من خالفه، ويلعن من لا يتبعه، وهم في اختلافهم وتباينهم كاختلاف اليهود والنّصارى، كما قال اللّه تعالى: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيءٍ وقالت النّصارى ليست اليهود على شيءٍ} [البقرة: 113] . فاختلافهم كاختلاف اليهود والنّصارى، لأنّ اختلافهم في التّوحيد، وفي صفات اللّه، وفي الكيفيّة، وفي قدرة اللّه، وفي عظمته، وفي نعيم الجنّة، وفي عذاب النّار، وفي البرزخ، وفي اللّوح المحفوظ، وفي الرّقّ المنشور، وفي علم اللّه،
[الإبانة الكبرى: 2/555]
وفي القرآن، وفي غير ذلك من الأمور الّتي لا يعلمها نبيٌّ مرسلٌ، إلّا بوحيٍ من اللّه، وليس يعدم من ردّ العلم في هذه الأشياء إلى رأيه، وهواه، وقياسه، ونظره، واختياره من الاختلاف العظيم، والتّباين الشّديد. وأمّا الرّافضة فأشدّ النّاس اختلافًا وتباينًا وتطاعنًا، فكلّ واحدٍ منهم يختار مذهبًا لنفسه يلعن من خالفه عليه، ويكفّر من لم يتبعه، وكلّهم يقول: إنّه لا صلاة، ولا صيام، ولا جهاد، ولا جمعة، ولا عيدين، ولا نكاح، ولا طلاق، ولا بيع، ولا شراء إلّا بإمامٍ، وإنّه من لا إمام له فلا دين له، ومن لم يعرف إمامه فلا دين له، ثمّ يختلفون في الأئمّة، فالإماميّة لها إمامٌ تسوّده وتلعن من قال: إنّ الإمام غيره، وتكفّره، وكذلك الزّيديّة لها إمامٌ غير إمام الإماميّة، وكذلك الإسماعيليّة، وكذلك الكيسانيّة والبتريّة، وكلّ طائفةٍ تنتحل مذهبًا وإمامًا، وتلعن من خالفها عليه، وتكفّره، ولولا ما نؤثره من صيانة العلم الّذي أعلى اللّه أمره، وشرّف قدره، ونزّهه أن يخلط به نجاسات أهل الزّيغ وقبيح أقوالهم ومذاهبهم الّتي تقشعرّ الجلود من ذكرها، وتجزع النّفوس من استماعها، وينزّه العقلاء ألفاظهم وأسماعهم عن لفظها لذكرت من ذلك ما فيه عبرةٌ للمعتبرين، ولكنّه.
[الإبانة الكبرى: 2/556]
693 - قد روي عن طلحة بن مصرّفٍ، رحمه اللّه قال: لولا أنّي على طهارةٍ لأخبرتكم بما تقوله الرّوافض
694 - وقال ابن المبارك رحمه اللّه: إنّا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنّصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهميّة، ولولا أنّك قلت إنّ أهل الزّيغ يطعنون على أئمّتنا، وعلمائنا باختلافهم، فأحببت أن أعلّمك أنّ الّذي أنكروه هم ابتدعوه، وأنّ الّذي عابوه هم استحسنوه، ولولا اختلافهم في أصولهم وعقودهم وإيمانهم ودياناتهم لما دنّسنا ألفاظنا بذكر حالهم. فأمّا الاختلاف فهو ينقسم على وجهين: أحدهما اختلافٌ الإقرار به إيمانٌ ورحمةٌ وصوابٌ، وهو الاختلاف المحمود الّذي نطق به الكتاب، ومضت به السّنّة، ورضيت به الأمّة، وذلك في الفروع والأحكام الّتي أصولها ترجع إلى الإجماع، والائتلاف. واختلافٌ هو كفرٌ وفرقةٌ وسخطةٌ وعذابٌ يئول بأهله إلى الشّتات والتّضاغن والتّباين والعداوة واستحلال الدّم والمال، وهو اختلاف أهل الزّيغ في الأصول والاعتقاد والدّيانة. فأمّا اختلاف أهل الزّيغ، فقد بيّنت لك كيف هو، وفيما اختلفوا فيه. وأمّا اختلاف أهل الشّريعة الّذي يئول بأهله إلى الإجماع والألفة والتّواصل والتّراحم، فإنّ أهل الإثبات من أهل السّنّة يجمعون على الإقرار بالتّوحيد وبالرّسالة بأنّ الإيمان قولٌ وعملٌ ونيّةٌ، وبأنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ، ومجمعون على أنّ ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لا يكون، وعلى أنّ اللّه خالق الخير والشّرّ ومقدّرهما، وعلى أنّ اللّه يرى يوم القيامة، وعلى أنّ الجنّة والنّار مخلوقتان باقيتان ببقاء اللّه، وأنّ اللّه على عرشه بائنٌ من خلقه، وعلمه محيطٌ بالأشياء، وأنّ اللّه قديمٌ لا بداية له ولا نهاية ولا غاية، بصفاته التّامّة لم يزل عالمًا، ناطقًا، سميعًا، بصيرًا، حيًّا، حليمًا، قد علم ما يكون قبل أن يكون، وأنّه قدّر المقادير قبل خلق
[الإبانة الكبرى: 2/557]
الأشياء، ومجمعون على إمامة أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ عليهم السّلام، وعلى تقديم الشّيخين وعلى أنّ العشرة في الجنّة جزمًا وحتمًا لا شكّ فيه، ومجمعون على التّرحّم على جميع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والاستغفار لهم، ولأزواجه، وأولاده، وأهل بيته، والكفّ عن ذكرهم إلّا بخيرٍ، والإمساك وترك النّظر فيما شجر بينهم، فهذا وأشباهه ممّا يطول شرحه لم يزل النّاس مذ بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى وقتنا هذا مجمعون عليه في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها وسهلها وجبلها يرويه العلماء رواة الآثار، وأصحاب الأخبار، ويعرفه الأدباء والعقلاء، ويجمع على الإقرار به الرّجال والنّسوان والشّيب والشّبّان والأحداث، والصّبيان في الحاضرة والبادية، والعرب، والعجم، لا يخالف ذلك ولا ينكره، ولا يشذّ عن الإجماع مع النّاس فيه إلّا رجلٌ خبيثٌ زائغٌ مبتدعٌ محقورٌ مهجورٌ مدحورٌ، يهجره العلماء، ويقطعه العقلاء، إن مرض لم يعودوه، وإن مات لم يشهدوه. ثمّ أهل الجماعة مجمعون بعد ذلك على أنّ الصّلاة خمسٌ، وعلى أنّ الطّهارة والغسل من الجنابة فرضٌ، وعلى الصّيام والزّكاة والحجّ والجهاد، وعلى تحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير والرّبا والزّنا وقتل النّفس المؤمنة بغير حقٍّ، وتحريم شهادة الزّور، وأكل مال اليتيم، وما يطول الكتاب بشرحه. ثمّ اختلفوا بعد إجماعهم على أصل الدّين، واتّفاقهم على شريعة المسلمين اختلافًا لم يصر بهم إلى فرقةٍ، ولا شتاتٍ، ولا معاداةٍ، ولا تقاطعٍ، وتباغضٍ، فاختلفوا في فروع الأحكام والنّوافل التّابعة للفرائض، فكان لهم وللمسلمين فيه مندوحةٌ، ونفسٌ، وفسحةٌ، ورحمةٌ، ولم يعب بعضهم على بعضٍ ذلك، ولا أكفره، ولا سبّه، ولا لعنه، ولقد اختلف أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الأحكام اختلافًا ظاهرًا علمه بعضهم من بعضٍ، وهم القدوة والأئمّة والحجّة. فكان أبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه يقول: إنّ الجدّ يرث ما يرثه الأب، ويحجب من يحجبه الأب، فخالفه على ذلك زيد بن ثابتٍ، وخالفهما عليّ بن أبي طالبٍ، وخالفهم ابن مسعودٍ، وخالف ابن عبّاسٍ جميع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مسائل من الفرائض، وكذلك اختلفوا في
[الإبانة الكبرى: 2/558]
أبوابٍ من العدّة والطّلاق، وفي الرّهون، والدّيون، والوديعة، والعارية، وفي المسائل الّتي المصيب فيها محمودٌ مأجورٌ، والمجتهد فيها برأيه المعتمد للحقّ إذا أخطأ فمأجورٌ أيضًا غير مذمومٍ، لأنّ خطأه لا يخرجه من الملّة، ولا يوجب له النّار، وبذلك جاءت السّنّة عن المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم
[الإبانة الكبرى: 2/559]
695 - حدّثنا أبو بكرٍ عبد اللّه بن محمّد بن زيادٍ النّيسابوريّ، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، والثّوريّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن أبي بكر بن محمّدٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران اثنان، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ»
[الإبانة الكبرى: 2/559]
696 - حدّثنا أبو العبّاس عبد اللّه بن عبد الرّحمن، ختن زكريّا العسكريّ قال: حدّثنا الحسن بن سلّامٍ، قال: حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، قال: حدّثنا حيوة، قال: حدّثني ابن الهاد، عن محمّد بن إبراهيم، عن بسر بن سعيدٍ، عن أبي قيسٍ مولى عمرو بن
[الإبانة الكبرى: 2/559]
العاص، عن عمرو بن العاص، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ» قال: فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمر بن حزمٍ، فقال: هكذا حدّثني أبو سلمة، عن أبي هريرة قال الشّيخ: وكذلك اختلف الفقهاء من التّابعين، ومن بعدهم من أئمّة المسلمين في فروع الأحكام، وأجمعوا على أصولها، وتركت الاستقصاء على شرحها لطولها، فكلٌّ احتجّ بآيةٍ من الكتاب تأوّل باطنها، واحتجّ من خالفه بظاهرها، أو بسنّةٍ عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، كان صواب المصيب منهم رحمةً ورضوانًا، وخطأه عفوًا وغفرانًا، لأنّ الّذي اختاره كلّ واحدٍ منهم ليس بشريعةٍ شرعها ولا سنّةٍ سنّها، وإنّما هو فرعٌ اتّفق هو ومن خالفه فيه على الأصل كإجماعهم على وجوب غسل أعضاء الوضوء في الطّهارة، كما سمّاها اللّه في القرآن، واختلافهم في المضمضة والاستنشاق، فبعضهم ألحقها بالفرائض، وألحقها الآخرون بالسّنّة. وكإجماعهم على المسح على الخفّين، واختلافهم في كيفيّته، فقال بعضهم: أعلاه وأسفله، وقال آخرون: أعلاه دون أسفله، ونظائر لهذا كثيرةٌ، كاختلافهم في ترجيع الأذان، واختلافهم في التّشهّد، وافتتاح الصّلاة، وتقديم أعضاء الطّهور، وأشباهٌ لذلك كثيرةٌ المصيب فيها مأجورٌ، والمخطئ غير مأزورٍ، وما فيهم مخطئٌ إن شاء اللّه، ولقد أخبر اللّه عزّ وجلّ في كتابه عن نبيّين من أنبيائه بقضيّةٍ قضيا جميعًا فيها بقضاءين
[الإبانة الكبرى: 2/560]
مختلفين، فأثنى على المصيب، وعذر المجتهد، ثمّ جمعهما في الثّناء عليهما، ووصف جميل صنعه بهما، فقال عزّ وجلّ: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين ففهّمناها سليمان وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا} . فأخبرنا عزّ وجلّ أنّ الّذي فهم عين الإصابة من القضيّة أحدهما، ثمّ أثنى عليهما
[الإبانة الكبرى: 2/560]
697 - حدّثني أبو حفصٍ عمر بن الحسين بن خلف بن البختريّ قال: حدّثنا سعدان بن يزيد، قال: حدّثنا سنيد بن داود، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن بسطام بن مسلمٍ، عن عامرٍ الأحول، عن الحسن، قال: واللّه " لولا ما ذكر اللّه عزّ وجلّ من هذين الرّجلين لرأيت أنّ القضاة قد هلكوا، فإنّه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده، فإن قال قائلٌ: فاذكر لنا القضيّة كيف كانت، فإنّا نحبّ أن نعرفها "
[الإبانة الكبرى: 2/561]
698 - حدّثني أبو محمّدٍ عبد اللّه بن جعفرٍ الكفّيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن زنجويه، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن مرّة، عن مسروقٍ، في قوله عزّ وجلّ: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} .
[الإبانة الكبرى: 2/561]
قال: " كان حرثهم عنبًا، فنفشت فيه الغنم ليلًا، فقضى داود بالغنم لهم، فمرّوا على سليمان، فأخبروه الخبر، فقال: أو غير ذلك، فردّهم إلى داود، فقال: ما قضيت بين هؤلاء؟ فأخبره، فقال سليمان: لا، ولكنّي أقضي بينهم أن يأخذ أصحاب الحرث غنمهم، فيكون لهم لبنها وصوفها ومنفعتها، ويقوم هؤلاء على حرثهم، حتّى إذا عاد كما كان ردّوا عليهم غنمهم، ويأخذ هؤلاء حرثهم، فذلك قوله: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] فهذا قضاء داود وسليمان عليهما السّلام، واختلافهما قد أنبأك اللّه عنهما، فقال: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] ولم يقل: وأخطأ داود، ولا كفر داود، ولكنّه قال: {وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 79] . ولقد جاءت السّنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمثل اختلافهما في نحو هذه القضيّة أيضًا "
[الإبانة الكبرى: 2/562]
699 - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن سلمٍ المحرميّ قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح الزّعفرانيّ، قال: حدّثنا شبابة بن سوارٍ، وحدّثنا إسماعيل بن العبّاس الورّاق، قال: حدّثنا عبّاسٌ الدّوريّ، - وهذا لفظه - قال: حدّثنا شبابة بن سوارٍ، قال: حدّثنا ورقاء بن عمر، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " بينما امرأتان معهما ابناهما، إذ جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت كلّ واحدةٍ لصاحبتها: إنّما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود عليه السّلام، فقضى به للكبرى، فمرّتا على سليمان بن داود، فقصّتا عليه القصّة، فقال: إيتوني بالسّكّين
[الإبانة الكبرى: 2/562]
أشقّه بينهما، فقالت الصّغرى: يرحمك اللّه هو ابنها، فقضى به للصّغرى. قال أبو هريرة: فواللّه ما سمعت بالسّكّين إلّا يومئذٍ كنّا نسمّيه المدية " قال الشّيخ: فهذا رحمك اللّه اختلاف الأنبياء عليهم السّلام في الأحكام نطق به الكتاب، وجاءت به السّنّة، فماذا عسى أن يقوله أهل البدع في اختلافهم
[الإبانة الكبرى: 2/563]
699 - وأمّا الخلاف بين الصّحابة والتّابعين فقد
700 - حدّثني أبو صالحٍ محمّد بن أحمد بن ثابتٍ قال: حدّثنا أبو الأحوص، وحدّثنا أبو عليٍّ الحسين بن صفوان البرذعيّ، قال: حدّثنا أبو إسماعيل محمّد بن إسماعيل السّلميّ قال: حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن زيدٍ العمّيّ، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن عمر بن الخطّاب، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «سألت ربّي عزّ وجلّ فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي» قال: فقال لي: يا محمّد إنّ أصحابك عندي بمنزلة النّجوم في السّماء بعضها أضوأ من بعضٍ، فمن أخذ بشيءٍ ممّا هم عليه من اختلافهم، فهو عندي على هدًى "
[الإبانة الكبرى: 2/563]
701 - وحدّثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف قال: حدّثنا
[الإبانة الكبرى: 2/563]
أبو القاسم عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز البغويّ، قال: حدّثنا عمرٌو النّاقد، قال: حدّثنا عمرو بن عثمان، قال: حدّثنا أبو شهابٍ، عن حمزة الجزريّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّما أصحابي بمنزلة النّجوم، فأيّهم أخذتم بقوله اهتديتم»
[الإبانة الكبرى: 2/564]
702 - وحدّثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف قال: حدّثنا أبو يحيى زكريّا بن يحيى السّاجيّ قال: حدّثنا موسى بن إسحاق الأنواريّ، قال: حدّثنا أحمد بن يونس، قال: حدّثنا أبو شهابٍ، عن
[الإبانة الكبرى: 2/564]
حمزة بن أبي حمزة، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّما أصحابي كالنّجوم، فبأيّهم اقتديتم اهتديتم»
[الإبانة الكبرى: 2/565]
703 - حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ قال: حدّثنا أبو نصرٍ عصمة بن أبي عصمة قال: حدّثنا الفضل بن زيادٍ، قال: حدّثنا أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، أنّ عمر بن عبد العزيز، كان يقول: «ما يسرّني لو أنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يختلفوا، لأنّه لو لم يختلفوا لم تكن رخصةً»
[الإبانة الكبرى: 2/565]
704 - حدّثنا أبو حفص بن رجاءٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو همّامٍ، قال: حدّثنا ضمرة، عن رجاء بن حميدٍ الأيليّ، قال: اجتمع عمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمّدٍ فجعلا يتذاكران العلم قال: فجعل عمر ربّما جاء بالشّيء يخالف به القاسم قال: فجعل ذلك يشقّ على القاسم قال: فتبيّن ذلك لعمر، فقال له عمر: «لا تفعل فما أحبّ أنّ لي باختلافهم حمر النّعم»
[الإبانة الكبرى: 2/565]
705 - حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا أبو داود السّجستانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن عثمان، قال: حدّثنا بقيّة، عن أرطاة، قال: حدّثني المعلّى بن إسماعيل، قال: «ربّما اختلف الفقهاء، وكلا الفريقين مصيبٌ في مقالته»
[الإبانة الكبرى: 2/565]
706 - حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا
[الإبانة الكبرى: 2/565]
عمرو بن عثمان قال: حدّثنا بقيّة، عن أرطاة، قال: حدّثني أبو عونٍ، قال: «ربّما اختلف النّاس في الأمر، وكلاهما له الحقّ» قال الشّيخ: فاختلاف الفقهاء يا أخي رحمك اللّه في فروع الأحكام، وفضائل السّنن رحمةٌ من اللّه بعباده، والموفّق منهم مأجورٌ، والمجتهد في طلب الحقّ إن أخطأه غير مأزورٍ، وهو يحسن نيّته، وكونه في جملة الجماعة في أصل الاعتقاد والشّريعة مأجورٌ. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «بعثت بالحنيفيّة السّمحة»، وإن تأوّل متأوّلٌ من الفقهاء مذهبًا في مسألةٍ من الأحكام خالف فيها الإجماع، وقعد عنه فيها الاتباع، كان منتهى القول بالعتب عليه: أخطأت لا يقال له: كفرت، ولا جحدت ولا ألحدت، لأنّ أصله موافقٌ للشّريعة، وغير خارجٍ عن الجماعة في الدّيانة
[الإبانة الكبرى: 2/566]
707 - حدّثنا ابن مخلدٍ، حدّثنا الرّماديّ، حدّثنا يزيد بن حكيمٍ، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن عوفٍ، عن عمر بن عبد العزيز، قال: «ما أحبّ أنّ لي باختلاف أصحاب محمّدٍ حمر النّعم»
[الإبانة الكبرى: 2/566]
707 - حدّثنا ابن مخلدٍ، حدّثنا الرّماديّ، حدّثنا حسين بن عليٍّ الجعفيّ، عن
[الإبانة الكبرى: 2/566]
موسى الجهنيّ قال: كان إذا ذكر عند طلحة الاختلاف قال: " لا تقولوا: الاختلاف، ولكن قولوا: السّعة "
[الإبانة الكبرى: 2/567]
708 - حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن سليمان قال: حدّثنا محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا المسيّب بن عبد الملك الحشّاش، قال: حدّثنا مسلم بن سالمٍ، عن زيد بن رفيعٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من عمل للّه في الجماعة فأصاب تقبّل اللّه منه، وإن أخطأ غفر اللّه له، ومن عمل للّه في الفرقة فأصاب لم يقبل اللّه منه، وإن أخطأ فليتبوّأ مقعده من النّار» قال الشّيخ: فالإصابة في الجماعة توفيقٌ ورضوانٌ، والخطأ في الاجتهاد عفوٌ وغفرانٌ، وأهل الأهواء اختلفوا في اللّه وفي الكيفيّة، وفي الأبنية، وفي الصّفات، وفي الأسماء، وفي القرآن، وفي قدرة اللّه، وفي عظمة اللّه وفي علم اللّه، تعالى اللّه عمّا يقول الملحدون علوًّا كبيرًا
[الإبانة الكبرى: 2/567]
باب إعلام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأمّته ركوب طريق الأمم قبلهم، وتحذيره إيّاهم ذلك
[الإبانة الكبرى: 2/568]
709 - حدّثنا أبو القاسم عبيد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عليّ بن الجعد، قال: حدّثنا عبد الحميد بن بهرام، قال: حدّثنا شهر بن حوشبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن غنمٍ، أنّ شدّاد بن أوسٍ، حدّثه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليحملنّ شرار هذه الأمّة على سنن الّذين خلوا من قبلهم حذو القذّة بالقذّة»
[الإبانة الكبرى: 2/568]
710 - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الرّيّان السّبتيّ قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب الدّيريّ، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سنان بن أبي سنانٍ الدّيليّ،
[الإبانة الكبرى: 2/568]
عن أبي واقدٍ اللّيثيّ، قال: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل حنينٍ، فمررنا بالسّدرة، فقلت: أي رسول اللّه اجعل لنا هذه ذات أنواطٍ، كما للكفّار ذات أنواطٍ، وكان الكفّار ينوطون سلاحهم بسدرةٍ، ويعكفون حولها، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " اللّه أكبر هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ} [الأعراف: 138]، إنّكم تركبون سنن الّذين من قبلكم "
[الإبانة الكبرى: 2/569]
711 - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبّادٍ، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن زيد بن أسلم، عن رجلٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لتتّبعنّ
[الإبانة الكبرى: 2/569]
سنن بني إسرائيل شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتّى لو كان رجلٌ من بني إسرائيل دخل جحر ضبٍّ لتبعتموه»
[الإبانة الكبرى: 2/570]
712 - حدّثنا أبو بكرٍ عبد اللّه بن محمّد بن زيادٍ النّيسابوريّ، قال: حدّثنا أبو حميدٍ المصّيصيّ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني زياد بن سعدٍ، عن محمّد بن زياد بن المهاجر، عن أبي سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لتتّبعنّ سنن الّذين من قبلكم شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، وباعًا بباعٍ، حتّى لو دخلوا جحرًا لضّبٍّ لدخلتموه»
[الإبانة الكبرى: 2/570]
713 - حدّثني أبو صالحٍ، قال: حدّثنا أبو الأحوص محمّد بن الهيثم قال: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، قال: حدّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لتأخذنّ أمّتي بأخذ الأمم والقرون قبلها شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ»، قيل: يا رسول اللّه كما فعلت فارس والرّوم؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ومن النّاس إلّا أولئك؟»
[الإبانة الكبرى: 2/570]
714 - حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن محمّد بن إسماعيل المقرئ قال: حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد اللّه بن يزيد، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سيأتي على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل مثلًا بمثلٍ، حذو النّعل بالنّعل»
[الإبانة الكبرى: 2/571]
715 - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الرّيّان المصريّ قال: حدّثنا إسحاق بن عبّادٍ الدّيريّ، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، أنّ حذيفة، قال: " لتركبنّ سنن بني إسرائيل حذو القذّة بالقذّة، وحذو الشّبر بالشّبر، حتّى لو فعل رجلٌ من بني إسرائيل كذا وكذا فعله رجلٌ من هذه الأمّة، فقال له رجلٌ: قد كان في بني إسرائيل قردةٌ وخنازير قال: وهذه الأمّة سيكون فيها قردةٌ وخنازير "
[الإبانة الكبرى: 2/571]
716 - حدّثنا أبو الحسن إسحاق بن أحمد الكاذيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عبد الملك بن عمرٍو، قال: حدّثنا عكرمة، عن أبي عبد اللّه الفلسطينيّ، قال: حدّثني عبد العزيز، أخو حذيفة، عن حذيفة بن اليمان، قال: «أوّل ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصّلاة، وليصلّينّ النّساء وهنّ حيّضٌ، ولينقضنّ الإسلام عروةً عروةً، ولتركبنّ طريق من كان قبلكم حذو النّعل بالنّعل، وحذو القذّة بالقذّة، لا تخطئون طريقهم، ولا يخطأ بكم» قال الشّيخ: فلو أنّ رجلًا عاقلًا أمعن النّظر اليوم في الإسلام وأهله لعلم أنّ أمور النّاس تمضي كلّها على سنن أهل الكتابين وطريقتهم
[الإبانة الكبرى: 2/571]
وعلى سنّة كسرى وقيصر، وعلى ما كانت عليه الجاهليّة، فما طبقةٌ من النّاس وما صنفٌ منهم إلّا وهم في سائر أمورهم مخالفون لشرائع الإسلام، وسنّة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم مضاهون فيما يفعل أهل الكتابين والجاهليّة قبلهم، فإن صرف بصره إلى السّلطنة وأهلها وحاشيتها، ومن لاذ بها من حكّامهم وعمّالهم وجد الأمر كلّه فيهم بالضّدّ ممّا أمروا به، ونصّبوا له في أفعالهم وأحكامهم وزيّهم، ولباسهم، وكذلك في سائر النّاس بعدهم من التّجّار والسّوقة، وأبناء الدّنيا وطالبيها من الزّرّاع والصّنّاع والأجراء والفقراء والقرّاء والعلماء إلّا من عصمه اللّه. ومتى فكّرت في ذلك وجدت الأمر كما أخبرتك في المصائب والأفراح وفي الزّيّ واللّباس والآنية والأبنية والمساكن والخدّام والمراكب والولائم والأعراس والمجالس والفرش والمآكل والمشارب، وكلّ ذلك فيجري خلاف الكتاب والسّنّة بالضّدّ ممّا أمر به المسلمون، وندب إليه المؤمنون، وكذلك من باع واشترى وملك واقتنى واستأجر وزرع وزارع، فمن طلب السّلامة لدينه في وقتنا هذا مع النّاس عدمها، ومن أحبّ أن يلتمس معيشةً على حكم الكتاب والسّنّة فقدها، وكثر خصماؤه وأعداؤه ومخالفوه ومبغضوه فيها، فاللّه المستعان فما أشدّ تعذّر السّلامة في الدّين في هذا الزّمان، فطرقات الحقّ خاليةٌ مقفرةٌ موحشةٌ قد عدم سالكوها واندفنت محاجّها، وتهدّمت صواياها وأعلامها، وفقد أدلاؤها وهداتها، قد وقفت شياطين الإنس والجنّ على فجاجها وسبلها تتخطّف النّاس عنها، فاللّه المستعان، فليس يعرف هذا الأمر ويهمّه إلّا رجلٌ عاقلٌ مميّزٌ، قد أدّبه العلم وشرح اللّه صدره بالإيمان
[الإبانة الكبرى: 2/572]
717 - حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثنا أبو المغيرة، قال: حدّثنا صفوان بن
[الإبانة الكبرى: 2/572]
عمرٍو، قال: حدّثني يزيد بن خميرٍ الرّحبيّ، قال: سألت عبد اللّه بن بسرٍ صاحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: كيف حالنا من حال من كان قبلنا قال: سبحان اللّه «لو نشروا من القبور ما عرفوكم إلّا أن يجدوكم قيامًا تصلّون»
[الإبانة الكبرى: 2/573]
718 - حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن توبة العكبريّ قال: حدّثنا أبو إبراهيم التّرجمانيّ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن المعلّى بن زيادٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: «ما من شيءٍ كنت أعرفه على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا قد أصبحت له منكرًا، إلّا أنّي أرى شهادتكم هذه ثابتةً» قال: فقيل: يا أبا حمزة فالصّلاة قال: قد فعل فيها ما رأيتم
[الإبانة الكبرى: 2/573]
719 - حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا بكر بن خلفٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، قال: أخبرنا عثمان بن أبي روّادٍ، قال: سمعت الزّهريّ، يقول: دخلت على
[الإبانة الكبرى: 2/573]
أنس بن مالكٍ بدمشق وهو يبكي، قلت: وما يبكيك؟ قال: «ما أعرف شيئًا ممّا كنّا عليه، إلّا هذه الصّلاة، وقد ضيّعت»
[الإبانة الكبرى: 2/574]
720 - حدّثنا أبو الحسين الكارزيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أمّ الدّرداء، قالت: دخل أبو الدّرداء وهو غضبان، قلت له: ما أغضبك؟ قال: واللّه «ما أعرف فيهم من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، إلّا أنّهم يصلّون جميعًا»
[الإبانة الكبرى: 2/574]
721 - حدّثنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن أبي سهلٍ الحربيّ قال: حدّثنا أحمد بن مسروقٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا محمّد بن حميدٍ، عن جريرٍ، وحدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن محمّد بن السّريّ الكوفيّ قال: حدّثنا إسحاق بن محمّدٍ السّمّاكيّ، قال: حدّثنا يوسف بن موسى القطّان، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يتمثّل بهذا البيت: «
[البحر الطويل]
فما النّاس بالنّاس الّذين عهدتهم ... ولا الدّار بالدّار الّتي كنت تعرف»
هذا يا إخواني رحمنا اللّه وإيّاكم قول أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن بسرٍ، وأنس بن مالكٍ، وأبي الدّرداء، وابن عبّاسٍ، ومن تركت أكثر ممّن ذكرت، فيا ليت شعري كيف حال المؤمن في هذا الزّمان، وأيّ عيشٍ له مع أهله، وهو لو عاد عليلًا لعاين عنده، وفي منزله، وما أعدّه
[الإبانة الكبرى: 2/574]
هو وأهله للعلّة والمرض من صنوف البدع ومخالفة السّنن، والمضاهاة للفرس والرّوم وأهل الجاهليّة ما لا يجوز له معه عيادة المرضى، وكذلك إن شهد جنازةً، وكذلك إن شهد إملاك رجلٍ مسلمٍ، وكذلك إن شهد له وليمةً، وكذلك إن خرج يريد الحجّ عاين في هذه المواطن ما ينكره ويكربه ويسؤه في نفسه وفي المسلمين ويغمّه، فإذا كانت مطالب الحقّ قد صارت بواطل، ومحاسن المسلمين قد صارت مفاضح، فماذا عسى أن تكون أفعالهم في الأمور الّتي نطوي عن ذكرها، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون، ما أعظم مصائب المسلمين في الدّين، وأقلّ في ذلك المفكّرين
722 - أنشدني شيخٌ من أهل العلم بالبصرة في جامعها:
[البحر البسيط]
الطّرق شتّى وطرق الحقّ مفردةٌ ... والسّالكون طريق الحقّ آحاد
لا يطلبون ولا تبغى مآثرهم ... فهم على مهلٍ يمشون قصّاد
والنّاس في غفلةٍ عمّا يراد بهم ... فكلّهم عن طريق الحقّ حوّاد
غمر النّاس يا إخواني البلاء، وانغلقت طرق السّلامة والنّجاء ومات العلماء والنّصحاء وفقد الأمناء، وصار النّاس داءً ليس يبريه الدّواء نسأل اللّه التّوفيق للرّشاد والعصمة والسّداد
[الإبانة الكبرى: 2/575]
723 - حدّثنا أبو محمّدٍ يحيى بن محمّد بن صاعدٍ قال: حدّثنا عبد الجبّار بن العلاء، قال: حدّثنا سفيان، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، أو غير مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: «يأتي على النّاس زمانٌ يمتلئ فيه جوف كلّ امرئٍ شرًّا، حتّى يجري الشّرّ، ولا يجد مفصلًا، ولا يجد جوفًا يلج فيه لا جعلنا اللّه وإيّاكم من أهل الشّرّ، ولا جعل لأهل الشّرّ علينا سبيلًا»
[الإبانة الكبرى: 2/575]
724 - حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا أبو داود السّجستانيّ، قال: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال أبو الدّرداء: «لو أنّ رجلًا، كان يعلم الإسلام وأهمّه، ثمّ تفقّده اليوم ما عرف منه شيئًا»
[الإبانة الكبرى: 2/576]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التّحذير, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir