دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الأول 1443هـ/16-10-2021م, 01:44 PM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

حل التكليف السابع

تحرير القول في المراد ب "لهو الحديث" في قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا".


اختلف العلماء في المراد ب "لهو الحديث" على أقوال:
القول الأول: الغناء وآلاته من طبل ومزامير ومعازف وترهات وبسابس والاستماع له أو إلى مثله من الضلالة والخوض في الباطل وشراء المغني والمغنية وكل لعب ضار يلهي عن ذكر الله.

وهو قول عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجابر، إبراهيم النخعي، مجاهد، عكرمة، الحسن، ابن جريج، مكحول، قتادة.
وروي عن أبي أمامة، وعطاء.

- ترجم البخاري في الأدب المفرد (باب) كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك، وقوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا".
- قال ابن بطال في شرحه للبخاري في الأدب المفرد: (ولذلك ترجم البخاري باب كل لهو باطل).
- قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (هو الحديث الْمُنْكَرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ السَّمَرِ بِالْأَسَاطِيرِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالتَّحَدُّثُ بِالْخُرَافَاتِ وَالْمَضَاحِيكِ وَالْغِنَاءُ وَتَعَلُّمُ الْمُوسِيقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).
- قال ابن جرير: (الأولى عندي أن يكون الشراء بالثمن لذات اللهو للمغنيات والغناء وغيرها).
- قال الثعلبي: (وكلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله إلى ما نهى عنه فهو لهو ومنه الغناء وغيره.)
- قال الزمخشري: (اللهو هو كل باطل ألهى عن الخير وعما يعنى ولَهْوَ الْحَدِيثِ نحو السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرافات والمضاحيك وفضول الكلام، وما لا ينبغي من كان وكان، ونحو الغناء وتعلم الموسيقار وما أشبه ذلك)
- قال القرطبي: (القول الأول وهو الغناء أولى ما قيل به في هذا الباب; للحديث المرفوع فيه، وقول الصحابة والتابعين فيه).
- كما بوب (البوصيري تحت هذه الآية: بَابُ مَا جَاءَ فِي ذم الملاهي من المعازف والمزامير وَنَحْوِهَا).
- قال البقاعي: (ما يُلْهِي مِنَ الأشْياءِ المُتَجَدِّدَةِ الَّتِي تَسْتَلِذُّ فَيَقْطَعُ بِها الزَّمانَ مِنَ الغَناءِ والمُضْحِكاتِ وكُلِّ شَيْءٍ لا اعْتِبارَ فِيهِ، فَيُوصِلُ النَّفْسَ بِما أوْصَلَها إلَيْهِ مِنَ اللَّذَّةِ إلى مُجَرَّدِ الطَّبْعِ البَهِيمِيِّ فَيَدْعُوها إلى العَبَثِ مِنَ اللَّعِبِ كالرَّقْصِ ونَحْوِهِ مُجْتَهِدًا في ذَلِكَ مُعْمِلًا الخَيْلَ في تَحْصِيلِهِ بِاشْتِراءِ سَبَبِهِ، مُعْرِضًا عَنِ اقْتِناصِ العُلُومِ وتَهْذِيبِ النَّفْسِ بِها عَنِ الهُمُومِ والغُمُومِ، فَيَنْزِلُ إلى أسْفَلِ سافِلِينَ كَما عَلا الَّذِي قَبْلَهُ بِالحِكْمَةِ إلى أعْلى عِلِّيِّينَ، ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ عاقِبَةَ هَذِهِ المَلاهِي الضَّلالُ، بِانْهِماكِ النَّفْسِ في ذَلِكَ، لِما طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْوَةِ لِمُطْلَقِ البِطالَةِ، فَكَيْفَ مَعَ ما يُثِيرُ ذَلِكَ ويَدْعُو إلَيْهِ مِنَ اللَّذاذَةِ، فَتَصِيرُ أسِيرَةَ الغَفْلَةِ عَنِ الذِّكْرِ، وقَبِيلَةَ الإعْراضِ عَنِ الفِكْرِ، وكانَ المُخاطَبُ بِهَذا الكِتابِ قَوْمًا يَدَّعُونَ العُقُولَ الفائِقَةَ، والأذْهانَ الصّافِيَةَ الرّائِقَةَ).
- قال أبو السعود: (ولَهْوُ الحَدِيثِ ما يُلْهِي عَمّا يُعْنى مِنَ المُهِمّاتِ كالأحادِيثِ الَّتِي لا أصْلَ لَها، والأساطِيرِ الَّتِي لا اعْتِدادَ بِها، والمُضاحِكِ، وسائِرِ ما لا خَيْرَ فِيهِ مِن فُضُولِ الكَلامِ).
- قال ابن عاشور: (واللَّهْوُ: ما يُقْصَدُ مِنهُ تَشْغِيلُ البالِ وتَقْصِيرُ طُولِ وقْتِ البِطالَةِ دُونَ نَفْعٍ، لِأنَّهُ إذا كانَتْ في ذَلِكَ مَنفَعَةٌ لَمْ يَكُنِ المَقْصُودُ مِنهُ اللَّهْوَ بَلْ تِلْكَ المَنفَعَةُ، ولَهْوُ الحَدِيثِ ما كانَ مِنَ الحَدِيثِ مُرادًا لِلَّهْوِ)

التخريج:
- أما قول عبد الله بن مسعود فرواه عبد الله بن وهب وابن أبي شيبة وابن جرير والحاكم والثعلبي والبيهقي والبغوي من طريق أبي معاوية البجلي (وهو عمار الدهني)، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، عنه بذات المعنى.
ورواه البيهقي من طريق أبو الحسين بن الفضل القطان عن علي بن عبد الرحمن الكوفي عن أحمد بن حازم عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبيه عنه بلفظ مقارب.
ورواه وابن أبي الدنيا عنه بذات المعنى كما في الدر المنثور.

- أما قول ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق أبي ليلى عن الحكم أو مقسم عن مجاهد عنه بذات المعنى،
ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير والبخاري في غير صحيحه والثعلبي من طريق سعيد بن جبير عنه بذات المعنى،
ورواه ابن جرير من طريق ليث عن الحكم عنه بلفظ مقارب،

- أما قول جابر فرواه ابن أبي جرير من طريق سفيان عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه بذات المعنى.
قال حكمت بشير إسماعيل بأن أسانيد هذا القول هنا يقوي بعضها بعضا.

- أما قول إبراهيم النخعي فرواه عنه ابن أبي الدنيا كما في الدر المنثور بلفظ مقارب.

- أما قول مجاهد رواه مجاهد في تفسيره بذات المعنى،
ورواه عبد الله بن وهب وابن جرير من طريق أبي نجيح، عنه بذات المعنى،
ورواه يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة وابن جرير من طريق ليث عنه بذات المعنى،
ورواه يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة من طريق المعلى عن أبي يحيى عنه بذات المعنى،
ورواه عبد الرزاق والثوري وابن جرير عن عبد الكريم البصري عنه بذات المعنى،
ورواه سفيان الثوري وابن أبي شيبة وابن جرير من طريق حبيب بن أبي ثابت عنه بذات المعنى،
ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق شعبة عن الحكم عنه بذات المعنى،
ورواه مسلم بن خالد الزنجي في جزء تفسيره عنه بذات المعنى،
ورواه ابن جرير من طريق ابن جريج عنه بلفظ مقارب،
ورواه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور.

- أما قول عكرمة فرواه ابن أبي شيبة وابن جرير والبخاري في غير صحيحه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن شعيب عنه بذات المعنى، وقد حكم عليه سليم الهلالي وآل نصر بالضعف.
ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق أسامة بن زيد عنه بذات المعنى،
ورواه وابن أبي الدنيا عنه بلفظ مقارب كما في الدر المنثور،

- وذكر ابن أبي حاتم والماوردي والقسطلاني عن الحسن دونما إسناد.

- ذكر الثعلبي والعيني عن ابن جريج دونما إسناد.

- أما قول مكحول فرواه ابن عساكر عنه بلفظ مقارب،

- أما قول قتادة فرواه يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة عنه بلفظ مقارب،
ورواه عبد الرزاق من طريق معمر عنه بذات المعنى،
ورواه ابن جرير عن يزيد وسعيد عنه بلفظ مقارب،
ورواه ابن أبي حاتم عنه بلفظ مقارب كما في الدر المنثور.

وفيما يخص الأقوال الضعيفة:
- أما قول أبي أمامة فقد رواه الترمذي وابن جرير وابن حجر والقسطلاني وابن أبي حاتم والثعلبي والماوردي وابن حزم والواحدي والبغوي والزمخشري وابن الأثير والقرطبي عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن عنه بذات المعنى، وهو حديث ضعيف كل من رواه نبه على ضعفه.

- أما قول عطاء فهو في تفسيره، وقد ضعفه سليم الهلالي وآل نصر.
ورواه يحيى بن أبي سلام بن أبي ثعلبة من طريق خالد عن ليث عنه بلفظ مقارب،

الحجج والاعتراضات:
- قال ابن حزم الأندلسي: (وَمَا ذَمَّ قَطُّ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لَا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا عَنْ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالًا بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَمَنْ نَوَى بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ فَاسِقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً، فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الْإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لَازَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ).
وقد رد ابن حجر العسقلاني في تغليق التعليق على ابن حزم الأندلسي في تضعيفه لحديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ رَجُلُ الْحَاجَةِ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ الله وَيَضَع الْعلم وَيمْسَح آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وبعد أن ذكر الحديث من تسعة طرق عن هشام متصلا قال: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح لَا عِلّة لَهُ وَلَا مطْعن لَهُ وَقد أعله أَبُو مُحَمَّد بن حزم بالانقطاع بَين البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد وبالاختلاف فِي اسْم أبي مَالك وَهَذَا كَمَا ترَاهُ قد سقته من رِوَايَة تِسْعَة عَن هِشَام مُتَّصِلا فيهم مثل الْحسن بن سُفْيَان وعبدان وجعفر الْفرْيَابِيّ وَهَؤُلَاء حفاظ أثبات، وذكر أن الصحابة كلهم عدول وإن اختلف في اسم الصحابي في الاسناد.
- كما رجح هذا القول ابن عطية، مع عدم نفيه للقول الأول بعكس ابن حزم الذي نفى القول الأول.

التوجيه:
وهذا القول محمول على أن المراد ب "يشتري" أي بالثمن، كشراء آلات الغناء والمعازف والمغني والمغنية، أي الشراء بالثمن.
وقال النحاس: والتقدير: من يشتري ذا لهو أو ذات لهو مثل "واسأل القرية".
وقال الخفاجي: لا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ ذاتٍ، لِأنَّهُ لَمّا اشْتُرِيَتِ المُغَنِّيَةُ لِغِنائِها، فَكَأنَّ المُشْتَرى هو الغِناءُ نَفْسُهُ.
أقول: وهو يناسب ما قيل في أحد أسباب نزول الآية أنها نزلت في شراء القيان والمغنيات.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق كما ينبت النبات الزرع. وقد تواترت الأدلة على تحريم آلات اللهو والمعازف وغناء المغنيات والمغنيين. فالغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب، وفي ذلك الزجر الشديد للأشقياء المعرضين عن الانتفاع بسماع كلام الله المقبلين على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب وحديث الباطل المشغل عن ذكر الله. وقَدْ تَضافَرَتِ الآثارُ وكَلِماتُ كَثِيرٍ مِنَ العُلَماءِ الأخْيارِ عَلى ذَمِّهِ.
كما يجوز أن يحمل على الشراء مجازا وهو استحباب الغناء وتفضيله واختياره على ذكر الله على تفسير ابن عباس ل "سبيل الله": قراءة القرآن وذكر الله. فقد قال مطرف: شراء لهو الحديث استحبابه. وقال قتادة: ولعله لا ينفق فيه مالا، ولكن سماعه شراؤه.
فقد تحمل الآية على أهل الإسلام الذين يستحبون مزامير الشيطان على مزامير الرحمن، فيكون استحبابهم هذا ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر، ولا ليتخذوا الآيات هزوا، ولا عليهم هذا الوعيد، بل ليعطل عبادة، ويقطعهم زمنا بمكروه، ولكونهم من جملة العصاة.

القول الثاني: الشرك والجدال في الحق والدين.
وهو قول يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة، الضحاك، ابن زيد، سهل بن عبد الله.
ذكرها ابن جرير والعيني بصيغة التمريض.
- قال ابن حزم الأندلسي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلَا خِلَافٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ - تَعَالَى – هُزُوًا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى -،

- قال ابن عطية: والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو حديث مضاف إلى كفر، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: {ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا} والتوعد بالعذاب المهين.

التخريج:

- أما قول ابن زيد فرواه ابن جرير من طريق يونس عن ابن وهب عنه مثله.
وذكره الماوردي بدون إسناد.

- أما قول الضحاك فرواه الثعلبي عن عبيد عنه مثله.
ورواه ابن جرير بصيغة التمريض بقوله (حدثت) من طريق الحسين عن أبي معاذ عن عبيد عنه مثله.

- أما قول يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة فرواه هو في تفسيره بلفظ مقارب.

- أما قول سهل ابن عبد الله فذكره الماوردي دونما إسناد.

- أخرج العيني في عمدة القاري بصيغة التمريض بقوله: وقيل الشرك.

التوجيه:
وهذا القول محمول على أن المراد ب "يشتري" أي بمعنى الاستحباب والاختيار.
كقوله تعالى: "اشتروا الكفر بالإيمان".
وكقوله تعالى: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى"
وقد يحمل على الشراء حقيقة، كما جاء في القول الثاني من أسباب نزول الآية، أنها نزلت في النضر حين اشترى كتب الأعاجم ليصد المسلمين عن "سبيل الله" أي دين الله الإسلام. فتكون الآية محمولة على أهل الكفر في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الباطل لصد الناس عن دين الله.

الدراسة:
كلا القولين صحيحان، ودلالة الآية عليهما صحيحة أيضا. فالراجح أن الآية تشمل القولين: لأن "لهو الحديث" يحتملهما، كما قال ابن جرير: " والصّواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل اللّه، ممّا نهى اللّه عن استماعه أو رسوله، لأنّ اللّه تعالى عمّ بقوله {لهو الحديث} ولم يخصّص بعضًا دون بعضٍ، فذلك على عمومه، حتّى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشّرك من ذلك.".
وقد عمّم ابن حجر في فتح الباري تعليقا على قول البخاري (باب كل لهو باطل): إِذَا شَغَلَهُ أَيْ شَغَلَ اللَّاهِيَ بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَي كمن النَّهْي بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَنِ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ بِتِلَاوَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ تَفَكُّرٍ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ مَثَلًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الضَّابِطِ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا الْمَطْلُوبِ فِعْلُهَا فَكَيْفَ حَالُ مَا دُونَهَا.
وقد أكد السعدي ذلك بقوله: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، والفسوق، والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.
فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث، عن هدي الحديث ﴿لِيُضِلَّ﴾ الناس ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي: بعدما ضل بفعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشئ عن الضلال.
وإضلاله في هذا الحديث؛ صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم.
ولا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق، والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، ولا يعرف حقيقته.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 ربيع الأول 1443هـ/19-10-2021م, 03:37 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيمان جلال مشاهدة المشاركة
حل التكليف السابع

تحرير القول في المراد ب "لهو الحديث" في قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا".


اختلف العلماء في المراد ب "لهو الحديث" على أقوال:
القول الأول: الغناء وآلاته من طبل ومزامير ومعازف وترهات وبسابس والاستماع له أو إلى مثله من الضلالة والخوض في الباطل وشراء المغني والمغنية وكل لعب ضار يلهي عن ذكر الله. [راجعي الملحوظة الأولى في التعليقات أدناه]

وهو قول عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجابر، إبراهيم النخعي، مجاهد، عكرمة، الحسن، ابن جريج، مكحول، قتادة.
وروي عن أبي أمامة، وعطاء.

- ترجم البخاري في الأدب المفرد (باب) كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك، وقوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا".
- قال ابن بطال في شرحه للبخاري في الأدب المفرد: (ولذلك ترجم البخاري باب كل لهو باطل).
- قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (هو الحديث الْمُنْكَرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ السَّمَرِ بِالْأَسَاطِيرِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالتَّحَدُّثُ بِالْخُرَافَاتِ وَالْمَضَاحِيكِ وَالْغِنَاءُ وَتَعَلُّمُ الْمُوسِيقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).
- قال ابن جرير: (الأولى عندي أن يكون الشراء بالثمن لذات اللهو للمغنيات والغناء وغيرها).
- قال الثعلبي: (وكلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله إلى ما نهى عنه فهو لهو ومنه الغناء وغيره.)
- قال الزمخشري: (اللهو هو كل باطل ألهى عن الخير وعما يعنى ولَهْوَ الْحَدِيثِ نحو السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرافات والمضاحيك وفضول الكلام، وما لا ينبغي من كان وكان، ونحو الغناء وتعلم الموسيقار وما أشبه ذلك)
- قال القرطبي: (القول الأول وهو الغناء أولى ما قيل به في هذا الباب; للحديث المرفوع فيه، وقول الصحابة والتابعين فيه).
- كما بوب (البوصيري تحت هذه الآية: بَابُ مَا جَاءَ فِي ذم الملاهي من المعازف والمزامير وَنَحْوِهَا).
- قال البقاعي: (ما يُلْهِي مِنَ الأشْياءِ المُتَجَدِّدَةِ الَّتِي تَسْتَلِذُّ فَيَقْطَعُ بِها الزَّمانَ مِنَ الغَناءِ والمُضْحِكاتِ وكُلِّ شَيْءٍ لا اعْتِبارَ فِيهِ، فَيُوصِلُ النَّفْسَ بِما أوْصَلَها إلَيْهِ مِنَ اللَّذَّةِ إلى مُجَرَّدِ الطَّبْعِ البَهِيمِيِّ فَيَدْعُوها إلى العَبَثِ مِنَ اللَّعِبِ كالرَّقْصِ ونَحْوِهِ مُجْتَهِدًا في ذَلِكَ مُعْمِلًا الخَيْلَ في تَحْصِيلِهِ بِاشْتِراءِ سَبَبِهِ، مُعْرِضًا عَنِ اقْتِناصِ العُلُومِ وتَهْذِيبِ النَّفْسِ بِها عَنِ الهُمُومِ والغُمُومِ، فَيَنْزِلُ إلى أسْفَلِ سافِلِينَ كَما عَلا الَّذِي قَبْلَهُ بِالحِكْمَةِ إلى أعْلى عِلِّيِّينَ، ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ عاقِبَةَ هَذِهِ المَلاهِي الضَّلالُ، بِانْهِماكِ النَّفْسِ في ذَلِكَ، لِما طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْوَةِ لِمُطْلَقِ البِطالَةِ، فَكَيْفَ مَعَ ما يُثِيرُ ذَلِكَ ويَدْعُو إلَيْهِ مِنَ اللَّذاذَةِ، فَتَصِيرُ أسِيرَةَ الغَفْلَةِ عَنِ الذِّكْرِ، وقَبِيلَةَ الإعْراضِ عَنِ الفِكْرِ، وكانَ المُخاطَبُ بِهَذا الكِتابِ قَوْمًا يَدَّعُونَ العُقُولَ الفائِقَةَ، والأذْهانَ الصّافِيَةَ الرّائِقَةَ).
- قال أبو السعود: (ولَهْوُ الحَدِيثِ ما يُلْهِي عَمّا يُعْنى مِنَ المُهِمّاتِ كالأحادِيثِ الَّتِي لا أصْلَ لَها، والأساطِيرِ الَّتِي لا اعْتِدادَ بِها، والمُضاحِكِ، وسائِرِ ما لا خَيْرَ فِيهِ مِن فُضُولِ الكَلامِ).
- قال ابن عاشور: (واللَّهْوُ: ما يُقْصَدُ مِنهُ تَشْغِيلُ البالِ وتَقْصِيرُ طُولِ وقْتِ البِطالَةِ دُونَ نَفْعٍ، لِأنَّهُ إذا كانَتْ في ذَلِكَ مَنفَعَةٌ لَمْ يَكُنِ المَقْصُودُ مِنهُ اللَّهْوَ بَلْ تِلْكَ المَنفَعَةُ، ولَهْوُ الحَدِيثِ ما كانَ مِنَ الحَدِيثِ مُرادًا لِلَّهْوِ)

التخريج:
- أما قول عبد الله بن مسعود فرواه عبد الله بن وهب وابن أبي شيبة وابن جرير والحاكم والثعلبي والبيهقي والبغوي من طريق أبي معاوية البجلي (وهو عمار الدهني)، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، عنه بذات المعنى. [مخرج الأثر سعيد بن جبير، وأي معنى؟ ]
ورواه البيهقي من طريق أبو الحسين بن الفضل القطان عن علي بن عبد الرحمن الكوفي عن أحمد بن حازم عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبيه عنه بلفظ مقارب.
ورواه وابن أبي الدنيا عنه بذات المعنى كما في الدر المنثور.

- أما قول ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق أبي ليلى عن الحكم أو مقسم عن مجاهد عنه بذات المعنى، [أي معنى؟ فالعبارة أعلاه بها أكثر من معنى؟]
ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير والبخاري في غير صحيحه والثعلبي من طريق سعيد بن جبير عنه بذات المعنى،
ورواه ابن جرير من طريق ليث عن الحكم عنه بلفظ مقارب،

- أما قول جابر فرواه ابن أبي جرير من طريق سفيان عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه بذات المعنى.
قال حكمت بشير إسماعيل بأن أسانيد هذا القول هنا يقوي بعضها بعضا.

- أما قول إبراهيم النخعي فرواه عنه ابن أبي الدنيا كما في الدر المنثور بلفظ مقارب.

- أما قول مجاهد رواه مجاهد في تفسيره بذات المعنى،
ورواه عبد الله بن وهب وابن جرير من طريق أبي نجيح [ابن أبي نجيح] ، عنه بذات المعنى،
ورواه يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة وابن جرير من طريق ليث عنه بذات المعنى،
ورواه يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة من طريق المعلى عن أبي يحيى عنه بذات المعنى،
ورواه عبد الرزاق و [سفيان] الثوري وابن جرير عن عبد الكريم البصري عنه بذات المعنى،
ورواه سفيان الثوري وابن أبي شيبة وابن جرير من طريق حبيب بن أبي ثابت عنه بذات المعنى،
ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق شعبة عن الحكم عنه بذات المعنى،
ورواه مسلم بن خالد الزنجي في جزء تفسيره عنه بذات المعنى،
ورواه ابن جرير من طريق ابن جريج عنه بلفظ مقارب،
ورواه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور.

- أما قول عكرمة فرواه ابن أبي شيبة وابن جرير والبخاري في غير صحيحه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن شعيب عنه بذات المعنى، وقد حكم عليه سليم الهلالي وآل نصر بالضعف.
ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق أسامة بن زيد عنه بذات المعنى،
ورواه وابن أبي الدنيا عنه بلفظ مقارب كما في الدر المنثور،

- وذكر ابن أبي حاتم والماوردي والقسطلاني عن الحسن دونما إسناد.

- ذكر الثعلبي والعيني عن ابن جريج دونما إسناد.

- أما قول مكحول فرواه ابن عساكر عنه بلفظ مقارب،

- أما قول قتادة فرواه يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة عنه بلفظ مقارب،
ورواه عبد الرزاق من طريق معمر عنه بذات المعنى،
ورواه ابن جرير عن يزيد وسعيد عنه بلفظ مقارب،
ورواه ابن أبي حاتم عنه بلفظ مقارب كما في الدر المنثور.

وفيما يخص الأقوال الضعيفة:
- أما قول أبي أمامة فقد رواه الترمذي وابن جرير وابن حجر والقسطلاني وابن أبي حاتم والثعلبي والماوردي وابن حزم والواحدي والبغوي والزمخشري وابن الأثير والقرطبي عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن عنه بذات المعنى، وهو حديث ضعيف كل من رواه نبه على ضعفه.
[هذا ليس قول أبي أمامة وإنما حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض من ذكرتيهم لم يرووه بإسنادهم وإنما نقلوه فينبغي تمييز ذلك]
- أما قول عطاء فهو في تفسيره، وقد ضعفه سليم الهلالي وآل نصر.
ورواه يحيى بن أبي سلام بن أبي ثعلبة من طريق خالد عن ليث عنه بلفظ مقارب،

الحجج والاعتراضات:
- قال ابن حزم الأندلسي: (وَمَا ذَمَّ قَطُّ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لَا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا عَنْ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالًا بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَمَنْ نَوَى بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ فَاسِقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً، فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الْإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لَازَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ).
وقد رد ابن حجر العسقلاني في تغليق التعليق على ابن حزم الأندلسي في تضعيفه لحديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ رَجُلُ الْحَاجَةِ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ الله وَيَضَع الْعلم وَيمْسَح آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وبعد أن ذكر الحديث من تسعة طرق عن هشام متصلا قال: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح لَا عِلّة لَهُ وَلَا مطْعن لَهُ وَقد أعله أَبُو مُحَمَّد بن حزم بالانقطاع بَين البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد وبالاختلاف فِي اسْم أبي مَالك وَهَذَا كَمَا ترَاهُ قد سقته من رِوَايَة تِسْعَة عَن هِشَام مُتَّصِلا فيهم مثل الْحسن بن سُفْيَان وعبدان وجعفر الْفرْيَابِيّ وَهَؤُلَاء حفاظ أثبات، وذكر أن الصحابة كلهم عدول وإن اختلف في اسم الصحابي في الاسناد.
- كما رجح هذا القول ابن عطية، مع عدم نفيه للقول الأول بعكس ابن حزم الذي نفى القول الأول. [لا يتضح من هذه العبارة قصدكِ بترجيح ابن عطية، وقد تطرقتِ لمسألة فرعية، وهي حكم الغناء، وليست المقصودة من بحث مسألة ( المراد بلهو الحديث )]

التوجيه:
وهذا القول محمول على أن المراد ب "يشتري" أي بالثمن، كشراء آلات الغناء والمعازف والمغني والمغنية، أي الشراء بالثمن.
وقال النحاس: والتقدير: من يشتري ذا لهو أو ذات لهو مثل "واسأل القرية".
وقال الخفاجي: لا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ ذاتٍ، لِأنَّهُ لَمّا اشْتُرِيَتِ المُغَنِّيَةُ لِغِنائِها، فَكَأنَّ المُشْتَرى هو الغِناءُ نَفْسُهُ.
أقول: وهو يناسب ما قيل في أحد أسباب نزول الآية أنها نزلت في شراء القيان والمغنيات.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق كما ينبت النبات الزرع. وقد تواترت الأدلة على تحريم آلات اللهو والمعازف وغناء المغنيات والمغنيين. فالغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب، وفي ذلك الزجر الشديد للأشقياء المعرضين عن الانتفاع بسماع كلام الله المقبلين على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب وحديث الباطل المشغل عن ذكر الله. وقَدْ تَضافَرَتِ الآثارُ وكَلِماتُ كَثِيرٍ مِنَ العُلَماءِ الأخْيارِ عَلى ذَمِّهِ.
كما يجوز أن يحمل على الشراء مجازا وهو استحباب الغناء وتفضيله واختياره على ذكر الله على تفسير ابن عباس ل "سبيل الله": قراءة القرآن وذكر الله. فقد قال مطرف: شراء لهو الحديث استحبابه. وقال قتادة: ولعله لا ينفق فيه مالا، ولكن سماعه شراؤه.
فقد تحمل الآية على أهل الإسلام الذين يستحبون مزامير الشيطان على مزامير الرحمن، فيكون استحبابهم هذا ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر، ولا ليتخذوا الآيات هزوا، ولا عليهم هذا الوعيد، بل ليعطل عبادة، ويقطعهم زمنا بمكروه، ولكونهم من جملة العصاة.

القول الثاني: الشرك والجدال في الحق والدين.
وهو قول يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة، الضحاك، ابن زيد، سهل بن عبد الله.
ذكرها ابن جرير والعيني بصيغة التمريض.
- قال ابن حزم الأندلسي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلَا خِلَافٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ - تَعَالَى – هُزُوًا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى -،

- قال ابن عطية: والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو حديث مضاف إلى كفر، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: {ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا} والتوعد بالعذاب المهين.

التخريج:

- أما قول ابن زيد فرواه ابن جرير من طريق يونس عن ابن وهب عنه مثله.
وذكره الماوردي بدون إسناد.

- أما قول الضحاك فرواه الثعلبي عن عبيد عنه مثله.
ورواه ابن جرير بصيغة التمريض بقوله (حدثت) من طريق الحسين عن أبي معاذ عن عبيد عنه مثله.

- أما قول يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة فرواه هو في تفسيره بلفظ مقارب.

- أما قول سهل ابن عبد الله فذكره الماوردي دونما إسناد.

- أخرج العيني في عمدة القاري بصيغة التمريض بقوله: وقيل الشرك. [هذا ليس تخريج وإنما نقل للقول، ولا تفيد هذه العبارة صيغة التمريضفي هذا المقام]

التوجيه:
وهذا القول محمول على أن المراد ب "يشتري" أي بمعنى الاستحباب والاختيار.
كقوله تعالى: "اشتروا الكفر بالإيمان".
وكقوله تعالى: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى"
وقد يحمل على الشراء حقيقة، كما جاء في القول الثاني من أسباب نزول الآية، أنها نزلت في النضر حين اشترى كتب الأعاجم ليصد المسلمين عن "سبيل الله" أي دين الله الإسلام. فتكون الآية محمولة على أهل الكفر في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الباطل لصد الناس عن دين الله.

الدراسة:
كلا القولين صحيحان، ودلالة الآية عليهما صحيحة أيضا. فالراجح أن الآية تشمل القولين: لأن "لهو الحديث" يحتملهما، كما قال ابن جرير: " والصّواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل اللّه، ممّا نهى اللّه عن استماعه أو رسوله، لأنّ اللّه تعالى عمّ بقوله {لهو الحديث} ولم يخصّص بعضًا دون بعضٍ، فذلك على عمومه، حتّى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشّرك من ذلك.".
وقد عمّم ابن حجر في فتح الباري تعليقا على قول البخاري (باب كل لهو باطل): إِذَا شَغَلَهُ أَيْ شَغَلَ اللَّاهِيَ بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَي كمن النَّهْي بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَنِ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ بِتِلَاوَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ تَفَكُّرٍ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ مَثَلًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الضَّابِطِ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا الْمَطْلُوبِ فِعْلُهَا فَكَيْفَ حَالُ مَا دُونَهَا.
وقد أكد السعدي ذلك بقوله: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، والفسوق، والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.
فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث، عن هدي الحديث ﴿لِيُضِلَّ﴾ الناس ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي: بعدما ضل بفعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشئ عن الضلال.
وإضلاله في هذا الحديث؛ صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم.
ولا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق، والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، ولا يعرف حقيقته.

بارك الله فيكِ ونفع بكِ، أحسنتِ تصنيف المسألة واختيار المراجع وترتيب عرض محاور تحريرك للمسألة، والحرص على تخريج الأقوال وبيان الدراسة والجمع بين الأقوال.
لكنكِ وقعتِ في خطأ أثّر على كامل تحريركِ للمسألة، وهو من أكثر الأسباب التي أدت إلى ظهور الأقوال الخاطئة في التفسير ونسبتها للسلف وعند التحقق لا نجد أنها مروية عنهم.

قلتِ في القول الأول:

اقتباس:
القول الأول: الغناء وآلاته من طبل ومزامير ومعازف وترهات وبسابس والاستماع له أو إلى مثله من الضلالة والخوض في الباطل وشراء المغني والمغنية وكل لعب ضار يلهي عن ذكر الله.

هذه العبارة تتضمن عدة أقوال، منها الغناء، ومنها آلات الغناء، ويمكن التسامح في جمعهما معًا

لكن قول: (الاستماع إلى مثله من الضلالة) هذا معنى أعم من الغناء، بل هو واسع جدًا، وكذلك الخوض في الباطل، وقول (كل لعب ضار يلهي عن ذكر الله)

كما ترين هذه أقوال مختلفة بمعان مختلفة، لا يصح عند بداية التحرير جمعها في عبارة واحدة، ثم قول: قال بهذا القول فلان وفلان وفلان من السلف

وعند العودة لقول السلف نجد مثلا أن ابن مسعود قال: الغناء، وفي روايات أخرى ذكر بعض ما يتعلق بالغناء مثل شراء المغنية، لكن لم يقل: كل لعب ضار.

ويمكنكِ قياس هذا المثال على غيره من الأقوال.

لهذا عند التحرير نفصل الأقوال، ونميزها هل هي مختلفة معنىً؟ أو مختلفة في اللفظ دون المعنى؟

إن كانت مختلفة معنى وجب فصل كل قول، ثم عند الدراسة نبين هل هناك وجه للجمع بينها أو الخلاف خلاف تضاد ويجب الترجيح.

إن كانت مختلفة لفظًا دون المعنى يمكن صياغتها في عبارة واحدة، وراجعي المهارات الأساسية في التفسير لمزيد تفصيل.


الملحوظة الثانية: بالنسبة للتخريج:

راجعي ملحوظات التخريج على التطبيق السادس، واقرأي التعليقات على جميع التطبيقات للفائدة.
- التخريج يبدأ من مخرج الأثر، مثلا قول ابن مسعود من طريق سعيد بن جبير عن أبي الصهباء عن ابن مسعود.
- لا ننقل عن المصادر الناقلة، طالما توفر الأثر في مصدر مسند.
- ما رواه الثعلبي بإسناده هو حديث أبي أمامة المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الأقوال عن الصحابة والتابعين فمنقولة، فلا يصح قول: (رواه الثعلبي) وقيسي على ذلك جميع المصادر الناقلة.


١.تصنيف المسألة وتعيين المراجع: 10 / 10 ٪
٢.استيعاب الأقوال في المسألة وتحريرها: 15 / 30٪
٣.تخريج الأقوال: 10 / 20 ٪
٤. توجيه الأقوال: 5 / 5%
٥. الدراسة وبيان الراجح أو الجمع بين الأقوال 20 / 20٪

٦. مراعاة ظهور شخصية الطالب في واجبه، ومراعاة جودة الإنشاء والصياغة والعرض. 10/ 15٪
[يكفي أن ننقل من أقوال المفسرين عبارات يسيرة تؤكد ما وصلنا إليه، وقمنا بصياغته بأسلوبنا، سواء في التعبير عن القول أو التوجيه أو الصياغة، دون الاستطراد بنقل أقوال عدد منهم]
التقويم: ج
بارك الله فيكِ ونفع بكِ وزادكِ توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir