79- ووضعُوا لِبَعْضِ الأَجْنَاسِ عَلَـمٌ = كعَلَمِ الأشخاصِ لفظًا، وهو عـــمَّ
80- مِنْ ذاك: أُمُّ عِرْيَطٍ للعقـربِ، = وَهَكَذَا ثُعَالَةُ للثعْلـَـــــــبِ
81- ومِثْلُهُ بَرَّةُ لِلْمَبَـــــرَّهْ، = كذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجَــــــرَهْ
(ووضعُوا لبعضِ الأجناسِ) التي لا تُؤَلَّفُ غالبًا كالسباعِ والوحوشِ والأحناشِ (عَلَمْ) عِوَضًا عمَّا فاتَها مِنْ وضعِ الأعلامِ لأَشْخَاصِهَا لعدَمِ الداعِي إليه، وهذا هو النوعُ الثاني مِنْ نوعي العلمِ، وهو(كعَلَمُ الأشخاصِ لفَظًا)؛ فلا يُضَافُ، ولا يدخُلُ عليه حرفُ التعريفِ، ولا يُنْعَتُ بالنكِرَةِ، ويُبْتَدَأُ به، وتُنْصَبُ النكرةُ بعده على الحالِ، ويُمْنَعُ مِنَ الصرفِ مع سببٍ آخرَ غيرِ العلميَّةِ كالتأنيثِ في "أُسَامَةَ"، و"ثُعَالَةَ"، ووزنِ الفعلِ في "بَنَاتِ أَوْبَرَ"، و"ابْنِ آوى"، والزيادةُ في "سُبْحَانَ" علمُ التسبيحِ، و"كيْسَانَ" علمٌ على الغدرِ.
وعلم: مفعولٌ بوضعُوا، ووقَفَ عليه بالسكونِ على لغةِ ربيعةَ. ولفظًا: تمييزٌ، أي: العلمُ الجنسيُّ كالعَلَمِ الشخصيُّ من حيثُ اللفظُ.
(وهو) مِنْ جهةِ المعنى (عمَّ) وشاعَ في أمَّتِه؛ فلا يختصُّ به واحدٌ دونَ آخرَ، ولا كذلك عَلَمُ الشخصِ، لمَا عرَفْتَ، وهذا معنَى ما ذكَرَه الناظمُ في بابِ النكرةِ والمعرفةِ مِنْ (شرحِ التسهيلِ) مِنْ أنَّ"أسامةَ" ونحوَه: نَكِرَةٌ معنَى، معرفةً لفظًا، وأنَّهُ في الشِّياعِ كأسدٍ. وهو مذهبُ قومٍ مِنَ النحاةِ، لكنَّ تفرقةَ الواضعِ بينَ اسمِ الجنسِ وعلمِ الجنسِ في الأحكامِ اللفظيةِ تُؤْذِنُ بالفرقِ بينهما في المعنى أيضًا، وفي كلامِ سيبويهِ الإشارةُ إلى الفرقِ، فإنَّ كلامَهُ في هذا حاصلُه أنَّ هذه الأسماءَ موضوعةٌ للحقائقِ المتحِدةِ في الذهنِ، ومثلُه بالمعهودِ بينَه وبينَ مخاطِبِهِ، فكما صحَّ أن يُعَرَّفَ ذلك المعهودُ باللام، فلا يَبْعُدُ أن يوضَعَ له عَلَمٌ.
قال بعضُهُمْ: والفَرْقُ بينَ "أسدٍ" و"أسامةَ" أن "أسدًا" موضوعٌ للواحدِ مِنْ آحادِ الجنسِ لا بعينِه في أصلِ وضعِه، و"أسامةَ"موضوعٌ للحقيقةِ المتحِدةِ في الذهنِ، فإذا أَطلقْتَ "أسداً" على واحدٍ أَطْلَقْتَه على أصلِ وضعِه، وإذا أَطلَقْتَ "أسامةَ" على واحدٍ فإنما أردْتَ الحقيقةَ ولزِمَ مِنْ إطلاقِه على الحقيقةِ باعتبارِ الوجودِ التعدُّدِ، فجاءَ التعدُّدُ ضمنًا، لا باعتبارِ أصلِ الوضعِ، قال الأندلسيُّ شارحُ الجزوليَّةِ: وهي مسألةُ مشكِلَةٌ.
(مِنْ ذاك) الموضوعُ علمًا للجنسِ (أُمُ عِرْيَطٍ) وشَبْوَةُ (لِلْعَقْرَبِ* وَهَكَذَا ثُعَالَةُ) وأبو الحُصَيْنِ (للثعلبِ)، وأسامةَ وأبو الحارثِ للأسدِ، وذُؤالَةَ وأبُو جَعْدَةَ للذئبِ، (ومثلُه بَرَّةُ) عَلَمٌ (لِلْمَبَرَّهْ) بمعنى البِرِّ، و(كذا فَجَارِ) بالكسرِ كحِذَامِ (علمٌ للفَجَرَهْ) بمعنى الفجورِ، وهو: الميلُ عنِ الحقِّ، وقد جمعَهما الشاعرُ في قولِه [من الكامل]:
75- إِنَّا اقْتَسَمْنَا خُطَّتَيّنَا بَيْنَنَـــا = فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجَـــارِ
ومثلُهُ "كيسانَ"عَلَمُ الغدرِ، ومنه قولُه [من الطويل]:
76- إِذَا مَا دَعُوا كَيْسَانَ كَانَتْ كُهُولُهُمْ = إِلَى الغدرِ أَدْنَى مِنْ شَبَابِهُمُ المُرْدِ
وكذا"أَمُّ قَشْعَمٍ" لِلْمَوْتِ، و"أُمُّ صَبُورٍ" للأمرِ الشديدِ.
فقد عرَفْتَ أنَّ العَلَمَ الجنِسِيَّ يكونُ للذَّوَاتِ والمعانيِ ويكونُ اسمًا وكنيَّةً.
خاتمةٌ: قد جاءَ عَلَمُ الجنسِ لمَا يُؤَلَّفُ، كقولِهم للمجهولِ العينِ والنسبِ : "هَيَّانُ بنُ بَيَّانَ" وللفرسِ: "أبو المضاءِ"، وللأحَمَقِ: "أبو الدَّغْفَاءِ"، وهو قليلٌ.