دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 محرم 1438هـ/4-10-2016م, 04:51 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي

تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 محرم 1438هـ/4-10-2016م, 08:54 AM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

قال تعالى :
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
قال أهل العلم أن هذه الآية أخر مانزل من القرآن ، وذكر ذلك أبو جعفر الطبري –رحمه الله – فقال : وقيل في هذه الآية أنها آخر مانزل من القرآن، وممن ذكر ذلك :
عن عكرمة عن ابن عباس قال : آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .ورواه عن ابن عباس الضحاك ، وابن جريج ، وابن جبير ، ومقاتل .ورواه البخاري عن ابن عباس ، ونزلت مع آيات الربا والدين ، وأنه صلى الله عليه وسلم قال : اجعلوها بين آية الربا والدين ، وحكى مكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جاءني جبريل فقال : اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية .
وفي مقصد هذه الآية يقول الطبري – رحمه الله - : قال الطبري : يعني جل ثناؤه : واحذروا أيها الناس – يوما ترجعون فيه إلى الله – فتلقونه فيه ، أن تردوا عليه بسيئات تهلككم ، أو بمخزيات تخزيكم ، أو بفاضحات تفضحكم ، فتهتك أستاركم ، أو بموبقات توبقكم ، فتوجب لكم من عقاب الله ما لا قبل لكم به ، وإنه يوم مجازاة بالأعمال ، لا يوم استعتاب ، ولا يوم استقالة وتوبة وانابة ، ولكنه يوم جزاء وثواب ومحاسبة ، توفى فيه كل نفس أجرها على ماقدمت واكتسبت من سيئ وصالح ، لا تغادر فيه صغيرة ولا كبيرة من خير وشر إلا أحضرت ، فوفيت جزاءها بالعدل من ربها وهم لا يظلمون ، وكيف يظلم من جوزي بالإساءة مثلها ، وبالحسنة عشر أمثالها ، كلا ، بل عدل عليك أيها المسيئ ، وتكرم عليك فأفضل وأسبغ أيها المحسن ، فاتقى امرؤ ربه ، وأخذ منه حذره ، وراقبه أن يهجم عليه يومه ، وهو من الأوزار ظهره ثقيل ، ومن صالحات الأعمال خفيف ـ فإنه عز وجل حذر فأعذر ، ووعظ فأبلغ
وقفة مع وقت نزول الآية :
إن المتأمل بعين البصيرة إلى حكمة الله تعالى في جعل هذه الآية خاتمة كتابه الكريم الذي حوى الهداية وأسبابها ، والفلاح وطرقه ، والفوز وسبيله ، وحذر من مضاداتها ومعوقاتها ، يختمه تعالى بهذه الآية العظيمة التي كانت تذييلا لمجموعة من الأحكام العظام الهامة في جسد الأمة الاسلامية لتحفظ كيانها ووحدتها في الدنيا ، وتكون نقظة واضحة في العدل بين الأفراد في الدنيا - خاصة الضعفاء ذوي الحاجة والمسكنة - الذي يمتد طريقه إلى يوم القيامة ، وكأنه تعالى يشير إلى أهمية العدل والاحسان اللذين هما روح الإيمان ، ثم يمضي كل إنسان بما عمل .
قال صاحب الظلال : هو تعقيب يتناسق مع جو المعاملات. جو الأخذ والعطاء. جو الكسب والجزاء.. إنه التصفية الكبرى للماضي جميعه بكل ما فيه. والقضاء الأخير في الماضي بين كل من فيه. فما أجدر القلب المؤمن أن يخشاه وأن يتوقاه
مابين أول آية وآخر آية:
بدأ الله تعالى نزول بكتابه بقوله ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم )
في هذه الآية بدأت طريقة الهداية والعلم والمعرفة ، وكرر فعل القراءة للتأكيد ، وأشار إلى العلم النافع ، ليكون الانسان على نور وبصيرة ... ثم ختم هذا الكتاب الكريم بقوله ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) ليبين أن الحياة ليست مستقر ، بل هي مقر للأعمال يجمعها الانسان معه في كل حركاته وسكناته وهمساته ونظراته و... على علم ونور وبصيرة ،ثم يأتي يوم القيامة ليلقى ما قدم .

لطائف واشارات :
1-جاءت هذه الآية للتذكير بيوم القيامة داعية لاتقائه والحذر منه واتخاذ الأسباب للسلامة فيه والنجاح بإيجاز حمل عظيم المعاني ، قال الطاهر بن عاشور : جيء بقوله واتقوا يوما تذييلا لهاته الأحكام لأنه صالح للترهيب من ارتكاب مانهي عنه والترغيب في فعل ما أمر به أو ندب إليه ، لأن ترك في ترك المنهيات سلامة من آثامها ، وفي فعل المطلوبات استكثارا من ثوابها ، والكل يرجع إلى اتقاء ذلك اليوم الذي تطلب فيه السلامة وكثرة أسباب النجاح .
قال سيد قطب : واليوم الذي يرجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت يوم عسير، له في القلب المؤمن وقع; ومشهده حاضر في ضمير المؤمن، وله في ضمير المؤمن هول. والوقوف بين يدي الله في هذا اليوم خاطر يزلزل الكيان!.
2-ترفق الله تعالى في التذكير بيوم الحساب حيث قال ( واتقوا يوما ... ) ففيه التذكير والوعظ والترفق ، قال ابن جني : كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة ، إذ هي مما ينفطر لها القلوب فقال لهم : واتقوا يوما ، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقة بهم
3-قال تعالى : ( واتقوا يوما ) وقد جاء بكلمة التقوى لما فيها من الحذر من الوقوع فيما نهى الله عنه ، والسعي للعمل بما أمر الله به عن رغبة وحب وخوف ورجاء ، والتقوى محلها القلب ، والقلب سيد الأعضاء ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : ( ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) ، وقال صاحب الظلال :
(إن التقوى هي الحارس القابع في أعماق الضمير يقيمه الإسلام هناك لا يملك القلب فرارا منه لأنه في الأعماق هناك)
4-( ترجعون في إلى الله ) فالرجعة حقيقية بالذوات والأعمال ، وجاء بلفظ الاسم ( الله ) الاسم العلم لله تعالى كما قال الامام البقاعي : (الله الذي لا يحصر عظمته وصف ولا يحيط بها حد، فيكون حالكم بعد النقلة من الدنيا كحالكم قبل البروز إليها من البطن لا تصرف لكم أصلا ولا متصرف فيكم إلا الله ويكون حالكم في ذلك اليوم الإعسار، لأنه لا يمكن أحد أن يكافئ ما لله سبحانه وتعالى عليه من نعمه، فمن نوقش الحساب عذب; فإن كنتم تحبون المجاوزة عنكم هنالك فتجاوزوا أنتم عن إخوانكم اليوم، وتصدقوا ما دمتم قادرين على الصدقة، واتقوا النار في ذلك اليوم ولو بشق تمرة; وأشار سبحانه وتعالى إلى طول وقوفهم ذلك الموقف في مقام الهيبة وتمادي حبسهم في مشهد الجلال والعظمة فأتى بأداة التراخي ( ثم ) )
وفي هذا تحذير من صعوبة الموقف وتهويل لما يحدث هناك من طول قيام وانتظار ومحاسبة ، فكأنه يعطي صورة تتمثل أمام الناظر رأي عين ، فيتحرك القلب خوفا من ذلك اليوم ورجاء للوقاية مما فيه من أهوال وأمور عظام ، وحبا لله تعالى الذي أكرمه في هذ الدنيا ثم هو يدعوه للحذر مما قد يناله عن اساء العمل
5-( ثم توفى ) جاء بكلمة التوفية لبيان أن الله تعالى العدل لن يظلم عباده ، قال البقاعي :
( توفى: أي تعطى على سبيل الوفاء كل نفس ما كسبت من خير وشر. قال الحرالي: جاء بصيغة فعل المشعر بجري العمل على غير تكلف وتحمل، ففي إشعاره أنها توفى ما كسبت من الخير وما كونت: له من الشر وأن ما تكلفته من الشر وفي دخلتها كراهية ربما غفر لها حيث لم تكن توفى ما كسبت وما اكتسبت كما قال في الآية التي بعدها ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت )
6-( كل نفس ماكسبت) وأعاد الضمير على لفظ النفس تأكيدا على العدل الرباني وتوفية العمل للعامل سواء ماكان منه ظاهرا أو باطنا ، ( والله يعلم مايسرون وما يعلنون ) ، ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يعلمه الله ) وفي الآية تأكيد على أن الانسان هو الذي يكسب العمل ويجازى على ما كسب ، قال تعالى : ( وما ربك بظلام للعبيد ) وقال تعالى : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه )
7-(وهم لا يظلمون ) : قال ابن الجوزي في يزاد المسير : ( أي : لا ينقصون مما يكون جزاء العمل الصالح من الثواب ، ولا يزادون على جزاء العمل السيء من العقاب) .
وجاء بضمير الفصل ( هم ) لبيان وتأكيد أن العبد هو يعمل فإما محسنا لنفسه أو مسيئا لها ، قال تعالى : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا )

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 4 محرم 1438هـ/5-10-2016م, 05:05 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء : 16].
عباد الله: يقول الله تعالى- في كتابه العظيم: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء : 16]. إن هذه الآية العظيمة تبين أن الله -سبحانه وتعالى- إذا أراد أن يهلك قرية ويقضي على أهلها، وينزل عذابه عليهم، عدلاً منه بسبب ظلمهم وما اقترفوه من العصيان والبعد عن منهج الله ، كثّر فيهم المترفين وأمّرهم عليهم وسلط شرارهم عليهم فطغوا وأسرفوا وفجروا ، فإذا انتشر شرهم، وانفجر فجورهم، وسكت الناس عنهم،فلم يأخذوا على يد الظالم ولما ينهوه عن منكره حل بالجميع عذاب الله.
وجاء في معنى ( أَمَرنا) أقوال مشهورة عن السلف
القول الأول منها : أنه من الأمر ، وفي الكلام إضمار ، تقديره : أمرنا مترفيها بالطاعة ، ففسقوا وبالتقوى ففجروا، وبالإيمان فكفروا؛ فاستحقوا العقوبة فدمرهم الله عز وجل . وهذا القول مروي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير . قال الزجاج : ( ومثله في الكلام : أمرتك فعصيتني ؛ فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر .)

القول الثاني : كثَّرنا يقال : أمرت الشيء وآمرته ، أي: كثَّرته . وهو قول أبي عبيدة، وابن قتيبة . ويؤيد هذا القول قراءة : ﴿ آمَرنا ﴾. وبهذا المعنى رويت الأقوال في تفسير الآية عن ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد .
أي: أن الترف لم يكن في فئة خاصة، ولم يكن في القصور فقط، ولم يكن في الأغنياء فقط، وهذا ماحدث في هذا الزمان فإن هذا الترف لم يعد مقصوراً على جهة خاصة، أو طبقة خاصة، بل تحول الترف إلى ديدن للشعوب كلها، فأفسد الناس، وخرب الضمائر، وأمات القلوب.

القول الثالث : أنَّ معنى أَمرنا : أمّرنا ، يقال : أَمَرْت الرجل ، بمعنى : أمّرته . والمعنى : سلّطنا مترفيها بالإمارة . ويؤيد هذا القول قراءة : » أَمَّرنا « ، وعلى هذه القراءة جاء تفسير ابن عباس ، حيث قال : » أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا « سلطنا أشرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب ، وهو قوله : ﴿ وكذلكَ جَعَلنا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ﴾( الأنعام :123) . فإذا أراد الله عز وجل إهلاك أمة أو شعب أمّر مترفيها وولاهم وسلطهم، حتى يفسدوا ويفسدوا فحينئذ يحق القول عليهم.

ومثله قول مجاهد : بعثنا ، وقول الربيع بن أنس : سلّطنا .

والمراد بالمترفين هم المتنعمون الذين قد ابطرتهم النعمة وسعة العيش.

وخص المترفين لأن عصيانهم الأمرَ الموجه إليهم هو سبب فسقهم وفسق بقية قومهم إذ هم قادة العامة وزعماء الكفر فالخطاب في الأكثر يتوجه إليهم ، فإذا فسقوا عن الأمر اتبعهم الدهماء فعم الفسق أو غلب على القرية فاستحقت الهلاك .
وقوله- سبحانه-: {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً}
بيان لما نزل بهذه القرية وأهلها من عذاب محاها من الوجود، إذ التدمير هو الإهلاك مع طمس الأثر، وهدم البناء.وأكد- سبحانه- فعل التدمير بمصدره، للمبالغة في إبراز شدة الهلاك الواقع على تلك القرية الظالم أهلها.
قال الآلوسى ما ملخصه: والآية تدل على إهلاك أهل القرية على أتم وجه، وإهلاك جميعهم، لصدور الفسق منهم جميعا، فإن غير المترف يتبع المترف عادة ...فالمترفون هم الذين يقودون ركب الأمم إلى هاوية الفساد والضياع والانحراف.
وقيل: هلاك الجميع لا يتوقف على التبعية فقد قال- تعالى-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً....}الآية
وقد صح عن أم المؤمنين زينب بنت جحش أنها قالت: قلت، يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث .

وهذه سنة من سنن الله عز وجل: أن الله إذا أهلك قوم أهلكم عن آخرهم ثم يبعثون على نياتهم، لماذا ذلك؟ لأن الله تعالى يهلك الأمم لأنها تستسلم للمترفين، إن المترفين لا يكثرون في الأمة ويزدادون فيها إلا إذا تم السكوت على آثامهم، والتغافل عن فسادهم، وتمرير شرورهم وفجورهم، حينما لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ولا يقول الناس للظالم ياظالم، وللفاسد أنت مفسد، وللمجاهر بالمعاصي أنت مخطئ، فهنا يكثر الشر، ويزيد الفساد، ويستفحل الفجور، فيقع العذاب، ويأتي الدمار والهلاك.
وأيضاً إن الله لا يسلط المترفين على الأمم إلا إذا كانوا ظالمين، فإذا ظلمت الشعوب، سلط الله تعالى عليها من هو أظلم، كما قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأنعام:129] أي نجعل بعض الظالمين أولياء، ولاة على بعض؛ بما كانوا يكسبون.فإن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع
ْواليوم -للأسف الشديد- صار حالنا قريباً من هذا الحال.
فإن النعم تدر علينا ليل نهار, ونحن نتمادى في المعاصي، ونكثر من الذنوب، ونقصر في طاعة الله، وهذا -والله- ينذر بالخطر الجسيم والعذاب الأليم، لا سيما مع كثرة النعم, والانغماس في الترف, يقول الله -سبحانه وتعالى- محذراً لنا من الوصول إلى هذا الحال،: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16].فعلينا أن نحذر من الترف والإنغماس في الملذات التي توقعنا بالغفلات والبعد عن رب البريات فإنها مهاو سحيقة الدركات ، وإذا كثر المترفون ، وزاد ترفهم من المشروع إلى الممنوع ومن الحلال إلى الحرام فقد استحقوا العقاب والعذاب .
لإن الأمم التي تبطر معيشتها، وتعيش في الترف وتنهمك في الملذات، وتقارف الآثام والذنوب، لابد أن يصيبها العقاب ويحل عليها العذاب، يقول عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: "توشك القرى أن تخرب وهي عامرة قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارها أبرارها وساد القبيلة منافقوها" [ الجواب الكافي (53) ].
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 4 محرم 1438هـ/5-10-2016م, 08:02 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى :" يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسحبوه بكرة وأصيلاا" الأحزاب.
قوله : ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا" أمر سبحانه وتعالى عباده بأن يستكثروا من ذكره بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير وكل ما هو ذكر لله تعالى .
وذلك بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم ،فلا تخلو أبدانهم من ذكره في حال من أحوالهم .
وفسر ذكر الله في هذه الآية بأنه :
1 : اذكروه بالقلب ذكرا مستديما يؤدي إلى طاعته واجتناب معصيته .
2 : اذكروا الله باللسان ذكرا كثيرا ، قاله السدي . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عجز عن الليل أن يكابده ، وجبن عن العدو أن يجاهده ، وبخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله عز وجل) وفي ذكره هنا وجهان :
أحدها : الدعاء له والرغبة إليه ، قاله ابن جبير
الثاني : الإقرار له بالربوبية والاعتراف له بالعبودية .
وعن ابن عباس في قوله ( اذكروا الله ذكرا كثيرا ) يقول : لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، قال ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) بالليل والنهار في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال . وقال : ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) فإذا فعلتم ذلك ؛ صلى عليكم هو وملائكته ، قال الله عز وجل : ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته "
والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله كثيرة و منها :
في سورة النساء قال تعالى : ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) وهنا يحثنا الحق سبحانه وتعالى على ذكره في جميع أحوالنا .
وكذلك قوله تعالى :" والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما " فبين سبحانه أجر الذكر وثوابه الكبير وذلك بحصول المغفرة والأجر العظيم .
وعن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ " قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : " ذكر الله عز وجل "

وعن عمرو بن قيس قال : سمعت عبد الله بن بسر يقول : جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهما : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ قال : " من طال عمره وحسن عمله " . وقال الآخر : يا رسول الله ، إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا ، فمرني بأمر أتشبث به . قال : " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله " .
وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما ، ومن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب الأذكار للشيخ محيي الدين النووي ، رحمه الله تعالى.

ثم ههنا لطيفة كما ذكر الرازي :وهي أن المؤمن قد ينسى ذكر الله فأمر بدوام الذكر ، أما النبي لكونه من المقربين لا ينسى ولكن قد يغتر المقرب من الملك بقربه منه فيقل خوفه فقال : ( اتق الله ) فإن المخلص على خطر عظيم ، وحسنة الأولياء سيئة الأنبياء ، وقوله : ( ذكرا كثيرا ) قد ذكرنا أن الله في كثير من المواضع لما ذكر الذكر وصفه بالكثرة إذ لا مانع من الذكر على ما بينا .
وقوله تعالى :"وسبحوه بكرة "وأصيلا قال قتادة : صلاة الصبح والعصر ، قال الأخفش : والأصيل ما بين العصر والليل . وقال الكلبي : الأصيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء . وفي التسبيح هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه التسبيح الخاص الذي هو التنزيه ،وقال مجاهد : يعني : قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فعبر بالتسبيح عن أخواته .
الثاني: الصلاة
الثالث: الدعاء
وجاءت أحاديث كثيرة تحثنا على فضل التسبيح وجزيل ثوابه :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال في يوم مائة مرة : سبحان الله وبحمده . حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"
وعن سعد قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة؟ فقال رجل : كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال : يسبح الله مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، ويحط عنه ألف خطيئة .
فتأملي أختي الفاضلة حفظني الله وإياك فضل الذكر وأنه سبب للقرب من الله سبحانه وتعالى وأنه الجالب لمحبته ورعايته وهو لا يستلزم منا جهدا ولا مالا ولا وقتا كبيرا ولا هيئة معينة فيمكننا أن نذكر الله في كل أحوالنا ، جعلني الله وإياكن من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ووفقنا لذلك .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 4 محرم 1438هـ/5-10-2016م, 08:26 PM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

تفسير قوله عز وجل: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (110)}
يحثّ الله تعالى عباده على الاشتغال بما ينفعهم وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة، من إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة، حتّى يمكّن لهم اللّه النّصر في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد {يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار}[غافر: 52]؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ} يعني: أنّه تعالى لا يغفل عن عمل عاملٍ، ولا يضيع لديه، سواءٌ كان خيرًا أو شرًّا، فإنّه سيجازي كلّ عاملٍ بعمله.
فإيقام الصلاة يعني أداؤها بحدودها وفروضها في الأوقات المحددة لها ، على الوجه المشروع.
والصلاة صلة بين العبد وربه ، فعندما يقف المؤمن المصلي بين يدي الله تعالى يحس بعظمة الخالق تعالى ويحسُّ بصغر حجمه وقوته أمام هذا الإله العظيم ، فيخشع في صلاته ويقيمها كما أمر الله تعالى ، هذا الإحساس يساعد المؤمن على إزالة كل ما ترسب في باطنه من اكتئاب وقلق ومخاوف وانفعالات نفسية لأنها تزول جميعاً بمجرد أن يتذكر المؤمن أنه يقف بين يدي الله وأن الله معه ليس بينه وبينه ترجمان ، فالله سبحانه سميع يسمع كل شيء بصير يبصر حاله ويعلم به لن يتركه أبداً ما دام مخلصاً في عبادته لله عز وجل ، فإقامة الصلاة تحتاج إلى حضور قلب وصدق مع الله وخشوع واستحضار عظمة الله.. ما قدرنا الله حق قدره
فكلمة أن تقيم الصلاة ليس معناها أن تصلي، بل إقامة الصلاة قدر زائد على مجرد الصلاة وهي الصلاة التي قال الله تعالى عنها :{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ }العنكبوت:45.

و معنى إيتاء الزّكاة إعطاء الصدقة المفروضة بطيب نفسٍ على ما فرضت ووجبت.
وأصل الزّكاة: نماء المال وتثميره وزيادته، ومن ذلك قيل: زكا الزّرع: إذا كثر ما أخرج اللّه منه؛ وزكت النّفقة: إذا كثرت. فالزكاة سبب لكثرة المال وزيادته والبركة فيه ، لأنها تجارة مع الله والتجارة معزالله لا تبور بل كلها زيادة ونماء وبركه متى ما أخلص العبد لله وصدق معه.

{وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه} وبعد أن خص الله تعالى الصلاة التي فيها زكاة النفس ، والزكاة التي فيها نماء وتزكية للمال عمّ بذكره كل عمل صالح يقدمه المرء في هذه الحياة ذخرًا لنفسه في معاده ، فإنه يجد ثوابه عند ربه يوم القيامة، فيجازيه به.
والخير: هو العمل الّذي يرضاه اللّه.
وإنّما قال: {تجدوه} والمعنى: تجدوا ثوابه.
وفي قوله {من خير}
فمن تفيد استغراق الأجزاء الصغيرة، فإنه مهما بدا لك الخير قليلاً فله عند الله أجرٌ كبير، وهذا مصداق قوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه}

وهذا الخبر من اللّه للّذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنّهم مهما فعلوا من خيرٍ أو شرٍّ، سرًّا أو علانيةً، فهو به بصيرٌ لا يخفى عليه منه شيءٌ، فيجزيهم بالإحسان خيرًا، وبالإساءة مثلها.
قال الطبري: وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر، فإنّ فيه وعدًا ووعيدًا وأمرًا وزجرًا. وذلك أنّه أعلم القوم أنّه بصيرٌ بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته إذ كان ذلك مدّخرًا لهم عنده، حتّى يثيبهم عليه، كما قال: {وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه} وليحذروا معصيته.
قوأمّا قوله: {بصيرٌ} فهو سبحانه بصير بحجم عملك، بصير بالنوايا التي وراء عملك، بصير بحجم التضحية التي ضحيت بها من أجل هذا العمل ، بصير بكل شيء صغيرًا كان أو كبيرًا ظاهرًا كان أم باطنًا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

كما أنه حري بالمؤمن إذا علم معنى هذه الآية وغيرها من الآيات الدالة على عظيم فضل الله وكرمه ومنته وعطاءه ورحمته ودقة علمه وبصره وسمعه أن يعظم الله في قلبه تعظيمًا يظهر على جوارحه وعمله ، فيراقب الله دائمًا ويسعى ويجتهد لنيل رضاه بالعمل الصالح بكل أنواعه صغيرًا كان أو كبيرًا لا يحقر شيء ، فرب صغير في عينه عظيم عند الله بسبب نيته الصالحه والعكس ... وفقني الله وإياكم لما فيه خيري الدنيا والآخرة وجعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ، هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 5 محرم 1438هـ/6-10-2016م, 01:47 PM
نبيلة الصفدي نبيلة الصفدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 508
افتراضي

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
قوله تعالى: يا أيتها النفس المطمئنة اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال .
أحدها: في حمزة بن عبد المطلب لما استشهد يوم أحد، قاله أبو هريرة، وبريدة الأسلمي .
والثاني: في عثمان بن عفان حين أوقف بئر رومة، قاله الضحاك .
والثالث: في خبيب بن عدي لما صلبه أهل مكة، قاله مقاتل .
والرابع: في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه الماوردي .
والخامس:في جميع المؤمنين، قاله عكرمة .
والصحيح أنها عامة في كل نفس مؤمن مخلص طائع

قال عمرو بن العاص: إذا توفي المؤمن أرسل الله إليه ملكين، وأرسل معهما تحفة من الجنة، فيقولان لها: اخرجي أيتها النفس المطمئنة راضية مرضية، مرضياً عنكِ، اخرجي إلى روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك وجد أحد من أنفه على ظهر الأرض

 معنى " المطمئنة " أقوال :
- النفس المطمئنة " الساكنة الموقنة أيقنت أن الله ربها ، فأخبتت لذلك قاله مجاهد وغيره .
- وقال ابن عباس : أي المطمئنة بثواب الله . وعنه المؤمنة .
- وقال الحسن : المؤمنة الموقنة .
- وعن مجاهد أيضا : الراضية بقضاء الله ، التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها ، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها .
- وقال مقاتل : الآمنة من عذاب الله .
- وقيل : التي عملت على يقين بما وعد الله في كتابه .
- وقال ابن كيسان : المطمئنة هنا : المخلصة .
- وقال ابن عطاء : العارفة التي لا تصبر عنه طرفة عين . وقيل : المطمئنة بذكر الله تعالى بيانه الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله .
- وقيل : المطمئنة بالإيمان ، المصدقة بالبعث والثواب .
واختلفوا في أي حين يقال لها ذلك على قولين .
أحدهما: عند خروجها من الدنيا، قاله الأكثرون .
والثاني: عند البعث يقال لها: ارجعي إلى صاحبك، وإلى جسدك، فيأمر الله الأرواح أن تعود إلى الأجساد،

وفي قوله تعالى: ارجعي إلى ربك راضية أربعة أقوال .
أحدها: ارجعي إلى صاحبك الذي كنت في جسده
والثاني: ارجعي إلى ربك بعد الموت في الدنيا، إلى ربك الذي رباك بنعمته، وأسدى عليك من إحسانه ما صرت به من أوليائه وأحبابه
والثالث: ارجعي إلى ثواب ربك،
والرابع: يا أيتها النفس المطمئنة [إلى الدنيا] ارجعي إلى الله تعالى بتركها،
قوله تعالى: فادخلي في عبادي وادخلي جنتي وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة، وتخاطب به وقت السياق والموت ، أي: ادخلي في جملة عبادي المصطفين .
النفس المطمئنة .. وهي الهدف الأسمى ..
هي نفسٌ قد لجأت إلى الله تعالى واطمأنت إليــه ورضيت عنه، فأثابها الكريـــم سبحـــانه بأبلغ ثواب وأجزل عطـــاء بما تُغْبَط عليه في الدنيــا والآخرة.
وهذه هي مرحلة الصدق مع النفس (الاطمئنـان) .. التي يهفو إليها جميع البشر وليس المسلمون منهم فحسب، ولا ينال النفس المطمئنة إلا المؤمن الموحد ولا يحصل عليها كــافرٌ أو مجرمٌ بعيد عن الله سبحانه وتعالى.
لأن دين الإسلام هو الدين الوحيـــد الذي يمازج بين متطلبات العقل والروح ..
أما البعيدون عن طريق الله سبحانه وتعالى فإنهم يقومون بإلهاء أنفسهم بشتى الطرق؛ حتى لا تصطدم نفسه بعقله الراكد في شهوات الحس ويحدث بينهما صراع.

كيفية الوصول إلى النفس المطمئنة

إن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة النفس المطمئنة لن يكون بمعزلٍ عن الخطايــا؛ لأن كل بني آدم يعتريهم النقص والخطأ .. إنما إذا سعيت للتحلي بصفــات أصحاب النفس المطمئنة، ستنــال الاطمئنان النفسي في الدنيـــا والراحــــة الأبديـــــة في الآخـــرة
..
صفـــات أصحــاب النفس المطمئنــة
الصفة الأولى: الإخــلاص ..
وللإخلاص علامات ابحث عنها في نفسك لتعلم أأنت مخلصٌ أم لا، وهي:
1) أن يكون في عناية الله تعالى ومعيته .. أي إنه ليس كثيــر التعثُر وأحواله ليست مضطربة أو متباينة، كما قال ابن الجوزي ".. إنما يتعثر من لم يخلص" [صيد الخاطر (1:119)]
2) بـذل المجهود في الطــاعة ..
3) أن يكون حريصًا على إسرار الأعمال .. إلا على ما ينبغي إظهاره، مثل: الصلاة والدعوة والجهاد.
4) الحرص الشديــد على إصلاح العمل وإتقانه وإحسانه .. لأنه يعيش لله لا لنفسه، فكل ما يفعله يبذله لوجه الله .
5) وجل القلب وخوفه من عدم القبــول ..
واعلم أنه لن يُنجيــك إلا الصدق والإخلاص،،
الصفة الثانية: المتابعة لهدي النبي ..
فصاحب النفس المطمئنة يتبع النبي حذو القُذة بالقُذة، حتى تطغى محبته للنبي على حب المال والولد وحتى النفس .. عن أنس قال: قال رسول الله "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" [متفق عليه]
وعلامة الإتبــــــــاع:: شدة الحرص على معرفة سُنَّتِهِ وأحواله وسيـرته، والإقتــداء به .

الصفة الثالثة: الرضــا عن الله تعالى ..
فعندما يذوق طعم الإيمان يمر عليه البلاء وهو مطمئنٌ ساكنٌ هاديء .. عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا" [رواه مسلم]

الصفة الرابعة: شدة محبة الله تعالى وتعظيمه ..
فقد صُبِغَت حياته بصبغة جميلة من حسن الظن بالله تعالى، إذا ابتلاه يصبر ويرضى وإذا أنعَمَ عليه يشكره ربِّه ويحمده على نِعَمهِ .. فهو سبحــانه ربٌّ ودودٌ يتودد إلى عبــاده الصالحين، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم: 96]
وعلامات محبتك لله تعالى هي:
1) الأنس بالله تعالى في الخلوة ..
2) التلذذ بتلاوة كلام الله ..
3) كثرة اللهج بذكر الله ..
4) موافقة العبد ربَّه فيما يُحب ويكره ..

الصفة الخامسة: الصدق ..
ولن ينفعك في التعامل مع الله سوى الصدق، والصدق هو ما يجعلك تعيش مطمئنًا .. عن رسول الله قال "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة" [رواه أحمد وصححه الألباني، مشكاة المصابيح (2773)]
وللصدق أنـــواع، هي:
- الصدق مع الله تعالى، ويكون .. صدقًا في الأقوال؛ فلا ينطق لسانك إلا صدقًا .. وصدقًا في الأحوال؛ فلا تراوغ ولا تتلوَّن .. وصدقًا في الأعمال؛ بأن تكون مُخلصًا لله تعالى مُتبعًا لهدي النبي في أعمالك.
- الصدق مع النفس .. بأن يكون بينه وبين نفسه مصالحة فيما يعتقده وما يفعله .. وأن ينصح نفسه؛ حتى لا تميـل مع الشهوات وتركن إليها .. فيُحاسب نفسه قائلاً:
يـــا نفسُ، أخلصي تتخلصي ... واصدقي تصلي إلى شواطيء الطمأنينة وتبتعدي عن الريب والشكوك،،
- الصدق مع النــاس .. فلا يظهر أمام الناس بوجه مُختلف عن الوجه الذي بينه وبين الله تعالى.

الصفة السادسة: التقوى ..
الصفة السابعة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
الصفة الثامنة: الإحسان إلى عبـــاد الله ..
الصفة التاسعة: الولاء والبــراء ..
الصفة العاشرة: حُسن الخُلُق ..

والحمد لله وادعو كما كان يدعو السلف " اللهم هبّ لي نفساً مطمئنة إليك "

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 5 محرم 1438هـ/6-10-2016م, 05:42 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

رسالة تفسيرية فى قوله تعالى{يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}

الصدق فى اللغة:أى مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلم ،والصدق :الصلابة والشدة والصدق الأمر الصالح لا شية فيه من نقص أو كذب
وسمى الصدق بذلك لقوته فى نفسه ولأن الكذب لاقوة له بل هو باطل وأصل هذا من قولهم شىء صدق بتسكين الدال أى :صلب
والصديق:الملازم للصدق الذي يصدق قوله بالعمل

وفى الاصطلاح:فقد تنوعت عبارات السلف فى تعريف الصدق والقصد واحد فمنها:
هو الوفاء لله بالعمل،وقيل استواء السر والعلانية وقيل القول بالحق فى مواطن الهلكة وقيل أن تصدق فى موضع لا ينجيك منه إلا الكذب وقيل ألا يكون فى احوالك شوب ولا فى اعتقادك ريب ولا فى أعمالك عيب .

والصديق :هو الذى لم يدع شيئا مما أظهره باللسان إلا حققه بقلبه وعمله.
وحقيقة الصدق :بذل العبد جهده فى امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه والاستعداد للقاء الله وترك العجز وترك التكاسل عن طاعة الله وإمساك النفس بلجام التقوى عن محارم الله وطرد الشيطان عنه بالمداومة على ذكر الله والإستقامة على ذلك كله ما استطاع؛فإذا اجتمعت النية الصالحة والعزيمة الصادقة فى هذا العبد قام بعبادة الله عزوجل .

يخاطب الله تعالى المؤمنين بهذه الآية آمرا إياهم بتقواه باجتناب كل رذيلة خاصة رذيلة الكذب وذلك معنى قوله {وكونوا مع الصادقين} فإن الكذب أسوأ الرذائل وأقبحها لكونه ينافي المروءة وقد قيل (لا مروءة لكذوب) إذ المراد من الكلام إخبار الغير عما لا يعلم فإذا كان الخبر غير مطابق لم تحصل فائدة النطق وحصل منه اعتقاد غير مطابق وذلك من خواص الشيطنة فالكاذب شيطان ،وكما أن الكذب أقبح الرذائل فالصدق أحسن الفضائل وأصل كل حسنة ومادة كل خصلة محمودة وملاك كل خير وسعادة .

قال نافع والضحاك ما معناه أن اللفظ فى الآية أعم من صدق الحديث وهو بمعنى الصحة فى الدين والتمكن فى الخير كما تقول العرب رجل صدق .
وأصله:الصدق فى عهد الله تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة أو نفسه كما قال تعالى {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } أى فى عقد العزيمة ووعد الخليقة وكما قال فى اسماعيل {إنه كان صادق الوعد}
ويتبع ذلك الصدق مع الناس والصدق مع النفس .

وأما قوله تعالى {وكونوا مع الصادقين}أى الصادقين فى أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم الذين أقوالهم صدق وأعمالهم وأحوالهم كذلك خلية من الكسل والفتور،سالمة من المقاصد السيئة مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة،وأما الكذب فهو مجانب للإيمان فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا ؟قال :نعم فقيل :أيكون المؤمن بخيلا ؟قال:نعم فقيل:أيكون المؤمن كذاب؟ قال:لا

وقد أخبر تعالى فى قوله{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }،{ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} عن تمام حكمته وأن حكمته تقتضي أن كل من قال (إنه مؤمن)وادعى لنفسه الإيمان أن يبقوا فى حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه فإنهم لو كان الأمر كذلك لم يتميز الصادق من الكاذب والمحق من المبطل ولكن سنته وعادته سبحانه فى الأولين وفى هذه الأمة أن يبتليهم بالسراء والضراء والعسر واليسر والمنشط والمكره والغنى والفقر وإدالة الأعداء عليهم بعض الأحيان ونحو ذلك من الفتن التى ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة والشهوات المعارضة للإرادة ؛فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصى يعمل بمقتضى الإيمان ويجاهد شهوته دل ذلك على صدق إيمانه وصحته ،ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر فى قلبه شكا وريبا وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات دل ذلك على عدم صدق إيمانه والناس فى هذا المقام درجات لا يحصيها إلا الله فمستق ومستكثر فالإبتلاء والإمتحان للنفوس بمنزلة الكير يخرج خبثها وطيبها .

قال ابن القيم رحمه الله فى كلام له عن معنى الصدق وأقسامه فى قوله تعالى {وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق} قال بعد أن ذكر مواطن أخرى للصدق :وهذه خمسة أشياء مدخل الصدق،ومخرج الصدق ولسان الصدق وقدم الصدق ومقعد الصدق .

وحقيقة الصدق فى هذه الأشياء هو الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال وجزاء ذلك فى الدنيا والآخرة
فمدخل الصدق ومخرج الصدق أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا بالله ولله وفى مرضاته وذلك كمدخله المدينة ومخرجه يوم بدر فكان ذلك بالله ولله ابتغاء مرضات الله فاتصل به الظفر والتأييد،وما خرج أحد من بيته ودخل سوقه أو أى مدخل آخر إلا بصدق أو كذب.وأما مدخل الكذب فكالذى رام أعداؤه صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب فإنه لم يكن بالله ولا لله بل كان محادة لله ورسوله فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار وأما مخرج الكذب فكمخرج أعدائه يوم بدر.

وأما لسان الصدق فهو الثناء الحسن بالصدق ليس ثناء بالكذب كالثناء عليه صلى الله عليه وسلم من سائر الأمم وكما قال عن إبراهيم عليه السلام وذريته {وجعلنا لهم لسان صدق عليا}
وأما قدم الصدق:ففسر بالجنة وفسر بالنبى وفسر بالأعمال الصالحة ،وحقيقة القدم ،ما قدموه ويقدمون عليه يوم القيامة وهم قدموا الإيمان والأعمال الصالحة ويقدمون على الجنة التى هى جزاء ذلك
وأما مقعد الصدق فهو الجنة عند الرب
ووصف ذلك كله بالصدق مستلزم لثبوته واستقراره وأنه حق مستلزم لدوامه ونفعه وكمال عائدته فإنه متصل بالحق سبحانه كائن به وله فهو صدق غير كذب وحق غير باطل ودائم غير زائل ونافع غير ضار وما للباطل ومتعلقاته إليه سبيل ولامدخل.

وثمرة الصدق تعود على الصادقين خاصة يوم القيامة كما قال تعالى {قال ذلك يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}

وهذه الآية موضوع الرسالة بمنزلة التذييل للقصة المشتملة على ذكر قوم اتقوا الله فصدقوا فى إيمانهم وجهادهم فرضى الله عنهم وذكر قوم كذبوا فى ذلك واختلقوا المعاذير وحلفوا كذبا فغضب الله عليهم فلما كان سبب فوز الفائزين فى هذه الأحوال كلها هو الصدق لا جرم أمر المؤمنين بتقواه وبأن يكونوا فى زمرة الصادقين مثل أولئك الصادقين الذين تضمنتهم القصة .

وإذا روعى الصدق فى المواطن كلها حتى الخاطر والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات والأحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات كأنه أصل شجرة الكمال وبذر ثمرة الأحوال.
نسأل الله بفضله ومنه وكرمه أن يجعلنا صادقين وأن يحشرنا فى زمرة الصادقين .

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 5 محرم 1438هـ/6-10-2016م, 10:28 PM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

رسالة تفسيريةفي قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}


هي سورة قال العلماء فيها : إنها تشمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد ،والأحكام ، والجزاء ، وطرق بني آدم ،وغير ذلك ؛ ولذلك سميت "أم القرآن"، روي البخاري في صحيحه في كتاب الآذان:
"الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني"
هي سورة الفاتحة سميت بذلك ؛ لأنه افتتح بها القرآن الكريم ؛ وقيل :إنها أول سورة نزلت كاملة .
فضائل السورة:
*أنها ركن من أركان الصلاة التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين
"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ،و عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «من صلّى صلاةً لم يقرأ فيها أمّ القرآن فهي خداج -ثلاثًا- غير تمامٍ»؛ وعن أبي هريرة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «قال اللّه عزّ وجلّ: [قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل]، فإذا قال العبد:{الحمد للّه ربّ العالمين} [الفاتحة: 2]، قال اللّه: [حمدني عبدي]، وإذا قال: {الرّحمن الرّحيم}[الفاتحة: 3]، قال اللّه: [أثنى عليّ عبدي]، فإذا قال:{مالك يوم الدّين}[الفاتحة: 4]، قال: [مجّدني عبدي] -وقال مرّةً: [فوّض إليّ عبدي]- فإذا قال: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}[الفاتحة: 5]، قال: [هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل]، فإذا قال:{اهدنا الصّراط المستقيم* صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}[الفاتحة: 6، 7]، قال: [هذا لعبدي ولعبدي ما سأل]»..
*وأنها رقية : إذا قرئ بها على المريض شُفي بأذن الله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قرأ على اللديغ ،فبرئ :"وما يدريك أنها رقية".
*وأنها نور بشر به النبي صلي الله عليه وسلم؛ عن ابن عبّاسٍ، قال: «بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده جبريل، إذ سمع نقيضًا فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السّماء، فقال: هذا بابٌ قد فتح من السّماء، ما فتح قطّ. قال: فنزل منه ملكٌ، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، ولن تقرأ حرفًا منهما إلّا أوتيته».
مقصد السورة:
تحقيق التوجه لله عزوجل بكمال العبودية له وحده.
المعنى الأجمالي:
اشتملت هذه الآيات الكريمة ، على حمد اللّه وتمجيده والثّناء عليه، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدّين.
قوله تعالى :{الحمد لله رب العالمين}
(الحمد):وصف المحمود بالكمال مع المحبة ،والتعظيم،فكمال الله عزوجل كمال ذاتي ووصفي وفعلي ،فهو الكامل في ذاته ،في وصفاته وأفعاله ،ولابد له من قيد وهو "المحبة والتعظيم"،
والألف واللام في الحمد لاستغراق الجنس من المحامد، وهو أعم من الشكر،
مسألة:الفرق بين الحمد والشكر والمدح
الحمد:الحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئا.
الشكر:الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر.
المدح:المدح فهو أعمّ من الحمد؛ لأنّه يكون للحيّ وللميّت وللجماد -أيضًا-كما يمدح الطّعام والمال ونحو ذلك، ويكون قبل الإحسان وبعده.
اختلف العلماءفي أيّهما أعمّ، الحمد أو الشّكر؟ على قولين، والتّحقيق أنّ بينهما عمومًا وخصوصًا، فالحمد أعمّ من الشّكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنّه يكون على الصّفات اللّازمة والمتعدّية، وهو أخصّ لأنّه لا يكون إلّا بالقول، والشّكر أعمّ من حيث ما يقعان عليه، لأنّه يكون بالقول والعمل والنّيّة، ، وهو أخصّ لأنّه لا يكون إلّا على الصّفات المتعدّية، هذا حاصل ما حرّره بعض المتأخّرين، واللّه أعلم.
{رب العالمين}والرّبّ هو: المالك المتصرّف، ويطلق في اللّغة على السّيّد، وعلى المتصرّف للإصلاح،وهو الذي لا جوف له ،وكل هذه المعاني جائزة في حق الله تعالى.
[ولا يستعمل الرّبّ لغير اللّه، بل بالإضافة تقول: ربّ الدّار ربّ كذا، وأمّا الرّبّ فلا يقال إلّا للّه عزّ وجلّ، وقد قيل: إنّه الاسم الأعظم]
أنوع الربوبية:
ربوبية الله نوعان :
1-ربوبية عامة ،لكل خلقة ،فكل فكل ما سوى الرب فهو مربوب له سبحانه.
2- ربوبية خاصة ،لأوليائه بالهداية والتوفبق والإصلاح والإرشادوالحفظ.
{العالمين}: جمع عالم ،وكل ما سوى الله فهو عالم.
عن ابن عبّاسٍ: {الحمد للّه ربّ العالمين} الحمد للّه الّذي له الخلق كلّه، السّماوات والأرضون، ومن فيهنّ وما بينهنّ، ممّا نعلم، وما لا نعلم.
وقيل:العالم مشتقٌّ من العلامة (قلت): لأنّه علمٌ دالٌّ على وجود خالقه وصانعه ووحدانيّته.
أقوال العلماء في العالمين:
القول الأول: جميع العالمين قاله قتادة وجمهور المفسرين وذكره ابن عطية وابن كثير .
القول الثاني: الأنس والجن ،في رواية سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «ربّ الجنّ والإنس»،قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وذكره ابن كثير.
والراجح القول الأول لقول الله تعالى :{ قال فرعون وما رب العالمين .قال رب السماوات والأرض وما بينهما} الشعراء
وفي هذه الآية بيان أن الله وحده هو المستحق للحمد في جميع الأحوال ومن جميع الوجوه ،ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أذا أصابه سراء قال "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " وإذا أصابته ضراء قال:"الحمد لله على كل حال".
وفيها أيضا عموم ربوبيته سبحانه على خلقه العامة والخاصة,التي تستوجب محبته سبحانه والأخبات له والأنابة له .
وقوله تعالى{الرحمن الرحيم}
{الرحمن }صفة للفظ الجلالة ومعناه ذو الرحمة الواسعة،ولا يجوز أن يقال " الرحمن " إلّا للّه، وإنما كان ذلك لأن بناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، ألا ترى أنك إذا قلت (غضبان)، فمعناه: الممتلئ غضباً، فـ"رحمن" الّذي وسعت رحمته كل شى .
{الرحيم} صفة أيضا للفظ الجلالة ومعناه ذو الرحمة الواصلة للمرحومين،وهي على وزن فعيل ،وفعيلٌ قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول
قال أبو عليٍّ الفارسيّ: الرّحمن: اسمٌ عامٌّ في جميع أنواع الرّحمة يختصّ به اللّه تعالى، والرّحيم إنّما هو من جهة المؤمنين، قال اللّه تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43]، وقال ابن عبّاسٍ: «هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر»، أي أكثر رحمةً،
وفي هذه الآية أثبات هذين الأسمين الكريمين لله عزوجل ،وأثبات ما تضمناه من الرحمة التي هي وصف لازم له تعالى.
وفيها أن ربوبية الله عزوجل مبنية على الراحمة الواسعة الواصلة للخلق؛
ولأنه تعالى لما قال :{رب العالمين} كأن سائلا يسأل :"مانوع هذه الربوبية؟ هل هي ربوبية خذ وانتقام أم ربوبية رحمة وإنعام؟ فأعقبه تعالى بقوله {الرحمن الرحيم} ليشعر العبد برحمته وإنعامه وفضله وكرمه ،وكل هذه المشاعر يتولد عنها الرجاء في الله {يرجون رحمته} ،فالكل يطمع في كرم الله ويرجو رحمته.
وقوله تعالى:{مالك يوم الدين}
القراءات في الآية:
قرأ بعض القرّاء: (ملك يوم الدّين) وقرأ آخرون: (مالك). وكلاهما صحيحٌ متواترٌ في السّبع.
ومعني القرأتان:
الملك أي ذو الملك وهو كمال التصرف والتدبير ونفوذ أمره علي مماليكه ،وإضافة الملك إلى" يوم الدين " تفيد الاختصاص ،لأن هذا اليوم لا ملك فيه إلا لله.
أما المالك فهو الذي يملك كل شئ يوم الدين ،ويظهر في هذا اليوم عظمته وتفرده بالملك التام.
وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي لأن من الخلق من يكون ملكاً ولا يكون مالكاً ،وقد يسمى ملكاًاسما وليس له من التدبير شيئاً،ومن الناس من يكون مالكاً ولا يكون ملكاً،ولكن الرب عز وجل وعلا مالك ملك سبحانه.
وقوله {يوم الدين} هو يوم القيامة ،
و{الدين} هنا بمعنى الجزاء ،
ماذا أفاد الأضافة في {مالك يوم الدين}:
يكون معنى الأضافة بمعنى "في" فهو الملك في يوم الدين ،
أو بمعنى" اللام " أي هو المالك ليوم الدين
يعني أنه سبحانه وتعالى مالك لذلك اليوم الذي يجازي فيه الخلائق فلا مالك غيره .
وفي هذه الآية إثبات البعث والحساب والجزاء،وإثبات ملك الله عزوجل وملكوته ليوم الدين ،وأن في ذلك اليوم تتلاشى جميع الملكيات،وفيها أثبات صفة الملك لله التي تقتضي تمجيد الله وتعظيمه والتفويض إليه،ويحصل الخوف من الجليل مالك يوم الدين ؛
وفي هذه الآيات الثلاث جمع الله سبحانه وتعالى الأركان التي تبنى عليها كل العبادات ؛الحب والرجاء والخوف ؛فقد سماها شيخ الإسلام محركات القلوب ،فنحن نصلي حباً في الله ونرجو ثوابه ونخاف عقابه ونصوم لهذا ونزكي لهذا ونحج لنفس الأسباب.
وفيها حث الأنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يحاسب فيه العاملون،{لمثل هذا فليعمل العاملون}الصافات

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 12:06 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

رسالة في تفسير قوله (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)
الحمد لله رب العالمين ، أمر بالإحسان ، وأخبر أنه يحب المحسنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المحسنين ، وصلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
أمر الله سبحانه عباده بالإحسان ، وقد أحسن إليهم فقال تعالى : (وأحسن كما أحسن الله إليك) ، والإحسان يعد أفضل مراتب العبودية : وهو أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
قال ابن القيم في منازل إياك نعبد وإياك نستعين : "منزلة الإحسان؛ وهي لبُّ الإيمان وروحه وكماله، وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل، فجميعها منطوية فيها"
تفسير الآية :
تبدأ الآية بقوله (هل ) وهي أداة استفهام لها عدة معان ، وأهم المعاني المناسبة للموضوع كما ذكر المفسرون : هو الاستفهام التقريري ، فيكون المعنى : من البديهي أن يكون جزاء الإحسان هو الإحسان ، فلا يجد المسئول بدا من القول والاعتراف بذلك .
معنى الإحسان :
الإحسان : أي جاء بفعل حسن ، وهو ضد الإساءة
المراد بالإحسان في الآية :
ورد في تفسير الإحسان في الآية عدة وجوه منها :
- هل جزاء من قال لا إله إلا الله إلا الجنة ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها أنه قال : هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة .
- هل جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن له في الآخرة .
- هل جزاء من أنعمت عليه في الأزل إلا حفظ الإحسان عليه في الأبد .
- هل جزاء من أحسن إليكم في الدنيا بالنعم ، وفي العقبى بالنعيم إلا أن تحسنوا إليه في العبادة والتقوى .
والأقرب أن الآية عامة : فثواب خوف مقام الله لمن خافه فأحسن في الدنيا عمله وأطاع ربه إلا أن يحسن إليه ربه في الآخرة .
قال قتادة : "عملوا خيرا فجوزوا خيرا" .
والإحسان من العبد هو دون الإحسان الذي وعد الله به ، لأنه سبحانه كريم في غاية الكرم ، غني في نهاية الغنى ، فيعطي فوق ما يشتهي العبد ويطلب ، كما قال النبي صلى الله (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) .
شروط الفعل الحسن :
ينبغي التنبيه إلى أن الفعل الحسن من العبد ليس كل ما يستحسنه هو ، بل الفعل الحسن هو ما استحسنه الله وطلبه منه ، فيجب على العبد أن يؤدي العمل موافقا للشرع وفق ما أمره الله به ، وليس وفق ما يراه حسنا ، وأن يكون مخلصا فيه لله وحده ليكون مقبولا عند الله سبحانه ، ويكون الحُسن من الله هو كل ما يأتي به مما يطلبه العبد وزيادة ، كما قال تعالى : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)
وقد أوضح لنا سبحانه أنه يحب المحسنين في أكثر من آية ، فقال : (إن الله يحب المحسنين) ، وبشرهم بقوله (وبشر المحسنين) .
فهل جزاء التوحيد إلا الجنة ، وهل جزاء الاستغفار إلا المغفرة ، وهل جزاء التوبة النصوح إلا القبول ؟ كما قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم)، وهل جزاء الشكر إلا الزيادة ؟ كما قال تعالى : (ولئن شكرتم لأزيدنكم)، وهل جزاء الدعاء إلا الإجابة ؟ كما قال تعالى : (وقال ربكم ادعوني استجب لكم)
أنواع الإحسان :
- الإحسان في عبادة الخالق سبحانه .
- الإحسان في حقوق الخلق وبذل المنافع لأي مخلوق .
ومن هذا يتضح لنا أن الإحسان يحيط بالحياة كلها ، فهو موجود في علاقة العبد بربه ، وبالأسرة والمجتمع ، بل وفي علاقة العبد بجميع المخلوقات ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن بغيا سقت كلبا كان قد أدلع لسانه من العطش في يوم حار ، فشكر الله لها صنيعها وغفر لها .
كما نبه محمد بن الحنفية والحسن أن هذه الآية عامة لا تخصيص فيها فهي تشمل المؤمن والكافر والبر والفاجر فقالا : هي مسجلة للبر والفاجر .
أي على الكافر في الدنيا ، والبر في الآخرة ، وعليه فمن صنع لك معروفا فعليك مكافئته وشكره .
أثر الإحسان على العبد :
قال ابن القيم رحمه الله : "الإحسان يفرح القلب ويشرح الصدر ويجلب النعم ويدفع النقم ، وتركه يوجب الضيم والضيق ويمنع وصول النعم إليه ، فالجبن : ترك الإحسان بالبدن ، والبخل : ترك الإحسان بالمال "
وقال أيضا : "مفتاح حصول الرحمة : الإحسان في عبادة الخالق، والسعي في نفع عبيده"
وعليه فإن الإحسان يجلب للعبد كل الخير ، ويبعد عنه كل الشر ، إذ هو جالب للرحمة والسكينة وانشراح الصدر .

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 04:43 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

قال تعالى "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا."
يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وغيره أسوة به في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين الذين يدعون ربهم دعاء مسألة ودعاء عبادة أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله فوصفهم بالعبادة والاخلاص فيها
وفي الآية اثبات صفة الوجه لله تعالى كما يليق بجلاله
وقد أجمع على ذلك علماء أهل السنة والجماعة بأدلة كثيرة من القرآن والسنة
وفي الآية الأمر بصحبة الأخيار ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم وان كانوا فقراء فان في صحبتهم من الفوائد العظيمة في الدنيا والآخرة ما لا يحصل في غيرها
جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "ان الله أذا أنزل أهل الجنة الجنة وتمتعوا بما فيه من نعيم
قالو يا ربنا كيف نتمتع بالنعيم واخواننا يعذبون.....
من أخوانهم؟؟؟ اناس كانوا في الدنيا يعملون السيئات ولكنه كان مع الصالحين
فيأذن الله بالشفاعة فلا يزال الرجل يشفع حتى يشفع للرجل الذي جلس معه لحظة في ذكر الله."
فهذه من خيرات الجلوس مع الصالحين
ومن فوائد الصحبة الصالحة
أن القلوب تنشرح وتطمئن بذكر الله عزوجل
فتجد الذي يجلس مع الصالحين قلبه ونفسه معلقة بالله وطاعة الله ويريد أن يفعل كل ما يقربه من الله
وما جلس الانسان مع صديق صالح الا دله على الله
الصديق الصالح الذي تقوم من عنده وحالك أصلح من حالك عند جلوسك معه
بعض الناس تقوم من عنده وقلبك معلق بالله ويريد أن يزداد قربا من الله والبعض حينما تجلس معهم تريد فقط خصلة من خصال الخير تقربك من الله
الصديق الصالح لا يدعو الا الى خير بخلاف قرين السوء فهو الذي يدعو الى محارم الله
ولو سال الانسان نفسه عن أي معصية عملها لوجد أن وراءها صديق سوء.
قال الحسن البصري رحمه الله "استكثروا من الأصحاب الصالحين في الدنيا فانهم ينفعون يوم القيامة قيل له كيف ينفعون قال بينما أهل الجنة في الجنة اذ تذاكروا أصحابهم في الدنيا
فيقول قائلهم ما فعل صديقي فلان فيقال هو في النار فيقول المءمن يا رب لا تكتمل لذتي في الجنة الا اذا كان معي فلان
عندها يأمر الله تعالى فيخرج صديقه من النار الى الجنة فيقول اهل النار عجبا من شفع له أبوه شهيد فيقال لا أخوه شهيد فيقاللالا فيقال شفعت له الملائكة الأنبياء فيقال انما شفع له صديقه فلان
عندها يقول أهل النار "فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المحسنين ."
يتمنون العودة للدنيا ليعيدوا النظر في أصحابهم
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في أروع مثل نبوي يتضح فيه الفرق بين الصديق الصالح وصديق السوء
"مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحام المسك ونافخ الكير فحامل المسك ام أن تبتاع منه واما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك وأما أن تجد منه ريحا خبيثة".
هذه بعض فوائد الصحبة الصالحة وما لها من الفضائل في الدنيا والآخرة فعلى العبد أن يحرص عليهم ويستكثر منهم.
ثم قال تعالى "ولا تعد عيناك عنهم
أي لا تجاوزهم بصرك وترفع عنهم نظرك
تريد زينة الحياة الدنيا فان هذا ضار غير نافع وقاطع عن المصالحالدينية الدينية فان ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا وتزول من القلب الرغبة في الآخرة فان زينة الدنيا تروق للناظر وتسحر القلب فيغفل القلب عن ذكر الله ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته وينفرط أمره فيخسر الأبدية ويندم حين لا ينفع الندم ولهذا قال
"ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا."
غفل عن الله فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
"واتبع هواه." أي صار تبعا لهواه حيث ما اشتهت نفسه فعل ولو كان فيه هلاكه وخسرانه فهو قد اتخذ الهه هواه
فهو كما قال تعالى "أفرأيت من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم."
"وكان أمره." أي مصالح دينه ودنياه
"فرطا." ضائعة معطلة
فمثل هذاقد نهى الله عن طاعته لأن طاعته تدعو الى الاقتداء به ولأنه لا يدعو الا بما هو متصف به
ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يطاع ويكون اماا للناس هو من امتلأ قلبه بمحبة وفاض ذلك على لسانه فلهج بذكره واتبع مراد ربه فقدمها على هواه فحفظ بذلك وقته وصلحت أحواله واستقامت أفعاله
فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل اماما
وفي الآية استحباب الذكر والدعاء طرفي النهار لأن الله مدح ذلك الفعل وكل فعل مدحه الله دل على محبة الله له واذا كان يحبه فانه يأمر به ويرغب فيه.
وفيها أيضا اشارة الى أهمية حضور القلب عند ذكر الله وأن الانسان الذي يذكر الله بقلبه دون لسانه تنزع البركة من أعماله وأوقاته فيضيع منه الشيء الكثير دون فائدة
بخلاف من كان أمره مع الله تحصل له البركة في جميع الأعمال.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 07:19 PM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي التطبيق الثاني : ( الأسلوب الوعظي)

تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
التطبيق الثاني : ( الأسلوب الوعظي)
وقفات مع قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)). سورة آل عمران


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
إن ما فيه المسلمين اليوم من محنٍ وبلايا ، فهنا احتلال واغتصاب وهناك تقتيل وتدمير، فالمسلمون أهل الحق إما مهددون بالقتل أو التنكيل والعذيب ، أو التهجير والتشريد ، فضلاً عن ضيق العيش والتجويع المتعمد ، والتهميش الظاهر حتى إن الحيوان ليهتم به أكثر من الإنسان المسلم ، ولهذا أسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا ن ولكن لنعلم من هذا أمرين مهمين:
الأول: أن كل ما يحدث فهو بقدر الله لا يخرج عن مشيئته .
الثاني: أن كل ذلك يحصل بعمد من أعداء الإسلام ، وهى حرب مقصدها زرع اليأس في النفوس ، والتهوين من قيمة المسلم ودينه ، والتهويل من قدرات الأعداء .
وفي هذه الأوقات العصيبة التي تمر بنا يعيشها كل مسلم غيور محب لدينه وأمته في قلقٍ وخوف وآلام وحزن ، حتى لا يهنأ المرء بعيش ، ولا يستقر له قرار ن فما المطلوب منا ؟ وما الدور الذي يجب علينا القيام به؟ أسئلة كثيرة تدور ، ولكن هل نستسلم لهذا العدو ونيأس من روح الله ؛لا وربي فـ {إنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، بل نحن بإيماننا وديننا وعقيدتنا أعلى وأفضل من الأعداء فلنقف ملياً مع قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
فهذه الآية تضمنت مبشرات عظيمة ، ومحفزات كبيرة لمن يتدبرها ويعقل معانيها ، وخاصة إذا عرفت سبب ووقت نزولها ، وعلى أي حالٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينما نزلت ؛ فقد نزلت بعد موقعة أحد وما حدث للمسلمين فيها، فقد ذكر الوَاحِدِيُّ في أسباب النزول عن ابن عباس أنه قال: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فبينا هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا يعلون علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر))فأنزل الله تعالى هذه الآيات وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك قوله تعالى: {وَأَنتُم الأَعلونَ}.
وهى أحسن ما يواسى به ، وفيها تشجيعاً للمؤمنين، وتقويةً لعزائمهم وشحذاً لهممهم: فقد أخرج الطبري من طريق ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال كثر في أصحاب محمد القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم اليأس فأنزل الله تعالى القرآن فآسى فيه المؤمنين بأحسن ما أسى به قوما من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية فقال {ولا تهنوا ولا تحزنوا} إلى قوله تعالى {لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}.


فقوله تعالى: وَلَا تَهِنُوا: أي لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح ، والوهن : الضعف ، وأصله ضعف الذات ، وهو هنا مجاز في خور العزيمة وضعف الإرادة وانقلاب الرجاء يأساً ، والشَّجاعة جبناً ، واليقين شكّاً ، ولذلك نهوا عنه.


وَلَا تَحْزَنُوا : الحزن هو شدّة الأسف البالغة حدّ الكآبة والانكسار.
· والوهن يكون في البدن أما الحزن فيكون في القلب. فموضعهما النفس ، وسببهما اعتقاد الخيبة والرزء ، ويترتّب عليهما الاستسلام وترك المقاومة،ولذك يحرص الأعداء دائماً على أن يكون المؤمن في وهن وحزن.


وَأَنتُمُ :أي أيها المؤمنون ، والواو للعطف وهذه بشارة لهم بالنَّصر المستقبل .


الْأَعْلَوْنَ: أي الظاهرون عليهم ،أصحاب العقبى والنصر والظفر، الأعلون بإيمانكم ، ، والعلوّ هنا علوّ مجازيّ وهو علوّ المنزلة .


إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ: وهنا علق سبحانه ما سبق من العلو والظفر بشرط وهو الإيمان به ، قصد به تهييج غيرتهم على الإيمان ،فهم مؤمنون ، ولكنَّهم لمّا لاح عليهم الوهن والحزن من الغلبة ، كانوا بمنزلة من ضعف يقينه فقيل لهم : إن علمتم من أنفسكم الإيمان ، وجيء بإن الشرطية الَّتي من شأنها عدم تحقيق شرطها ، إتماماً لِهذا المقصد .

فأنظر بعد تأملك لمعاني ومراد هذه الآية إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بعد ذلك ، ثم أنظر إلى ما حدث لهم من النصر والتمكين ؛ قال تعالى:
{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ(172 ) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( 173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ( 174) إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( 175) } سورة آل عمران، وهنا تقارن حالك بحالهم ، وتعلم سبب بعدنا عن النصر ، وسبب نصرة الله لنا ، فالله نسأل أن يرزقنا من الإيمان والعمل الصالح الذي ينصرنا به على عدونا ، ونساله برحمته أن يرحم حال المسلمين في كل مكان.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 10:32 PM
عابدة المحمدي عابدة المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 483
افتراضي

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن الله عز وجل
أمر المؤمنين بتقواه والاستعداد للقياه والتزود من التقوى لينجو في يوم طويل شديد حره (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )
فما هي التقوى التي أمر الله بها؟
هي فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وزجر. وعرفها علي بن أبي طالب بأن التقوى هي الخوف من الجليل ,والعمل بالتنزيل ,والقناعة بالقليل ,والاستعداد ليوم الرحيل,وقال عمر بن الخطاب حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا,وهذا معنى قول الله تعالى (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) فإن الباب مفتوح للرجوع مادام في العمر بقيه وقبل أن تطلع الشمس من مغربها
فالله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دويه مهلكة,معه راحلته,وعليها زاده وطعامه وشرابه ,فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده وفي زيادة : ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح "
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مره وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما بالكم بنا نحن وقد كثرت ذنوبنا, ولا سبيل للنجاة يوم القيامة إلا بالتوبة وإن الله ليبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل
ولنستعين بالله عز وجل في حصول التقوى في قلوبنا بكثرة الدعاء فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك فمن هذه الأدعية الشاملة (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى )
والتزود من العمل الصالح فإن القبور ضيقه تتسع بالأعمال الصالحة,وموحشة يأنس صاحبها بالقران إذا كان من أهل القرآن ,ولنتذكر أن الله لم يخلقنا عبثا بل للابتلاء قال تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
وأن العمر قصير والنعم سرعان ما تزول فهنيئا لمن قيل له عند موته (أبشر بروح وريحان ورب راض غير غضبان )
فا لبدار البدار بالرجوع إلى الله عز وجل فإنه لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافيه.
وفي هذه الآية لطائف وإشارات :
- أن الله عز وجل أمر بتقواه ثم أكد هذا الأمر بلام الأمر في قوله (ولتنظر)
- أن (نفس) جاءت نكره لتدل على قلة من يفعل ذلك من الناس وذلك لاستحواذ الشيطان عليهم وانغماسهم في ملذات الدنيا ونسيانهم اليوم الآخر.
- وأيضا إن تنكير نفس دل على العموم أي على كل نفس أن تستعد لما بعد الموت.
- إن الله عبر بلفظ (غد) ليدل على قرب وقوعه فلا يغتر بطول الإمهال.
- جاءت (غد) نكره لتهويل هذا اليوم وتعظيمه لأنه لا يعرف أحد كنهه.
- جاءت لام التعليل في قوله (لغد) ليدل على أنه لا ينفع المرء يوم القيامة إلا ما قدمه من عمل صالح في الدنيا, فلنكثر أحبتي مما ينفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
- إن الله كرر الأمر بالتقوى تأكيدا للأمر الأول .
- ختم الله الآية بقوله (إن الله خبير بما تعملون) أي مطلع على خفايا أعمالكم وسيحاسبكم عليها .

اسأل الله أن ينفعنا بما قلنا وأن يختم بالصالحات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى اللهم على سيدنا محمد عدد ماذكره الذاكرون وصلى اللهم على سيدنا محمد عدد ما غفل عن ذكره الغافلون

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 05:32 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :

من بلاغة القرآن الكريم وكمال موعظته للعباد أن بين الله تعالى لنا فيه أوصاف دار النعيم وأوصاف أهلها كما بين الله تعالى لنا أوصاف دار الجحيم وأوصاف أهلها فقد ضرب الأمثال وقص القصص وفصل في الأوامر والنواهي وذكر العاقبة والمآل على كل الأحوال فبين الحق بدلائله وبين الباطل بدلائله وما على العباد إلا تأمل كلام ربهم والجهاد للثبات حتى الممات .
وفي الآية الكريمة التى سنتكلم عنها بإذن الله وصف بليغ لنعيم أهل الجنة مقابلة بجحيم أهل النار والعياذ بالله
قال تعالى { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ( 15 ) محمد

{ مثل الجنة } أي صفة الجنة ، نعتها ، شكلها
{ التى وعد} أي التى وعد الله تعالى بها المتقون من عباده فالواعد هو الله جل وعلا
وقول الله تعالى حق ووعد الله تعالى حق قال تعالى {وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم
وقد تعدد وعد الله تعالى لعباده المؤمنين في أكثر من موضع ومنها :
{ والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } النساء
{ وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } المائدة

{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } أي المتقون فقط هم الموعودون بذلك فتلك الجنة بما فيها من نعيم خاص بالمتقين دون غيرهم فيالفوزهم ويا لسعادتهم من هم المتقون إذن لعلنا نكون منهم إن شاء الله ولكي نعرف ذلك نفهم أصل كلمة التقوى أولًا مشتقة من ماذا ؟
التقوى مأخوذة من الوقاية ، وهي أن تجعل وقاية وحاجزا وسدا بينك وبين ما يؤذيك وما يضرك
فالتقي : هو الذي اتقي مواضع الضر والأذى بأن جعل بينها وبينه حاجزا يمنع وصولها إليه ويمنع وصوله لها .
فلم يكتفي بالابتعاد عنها فقط بل جعل بينها وبينه حاجزًا فانتبه يا عبد الله .
ولا شك أن كل عاقل حريص على أن يتجنب ما يضره وحريص على أن يقبل على ما ينفعه وهذا حالنا دومًا في أمور الدنيا فما بالنا لو طبقناه في أمور الآخره
والمتقون الذين وعدهم الله تعالى : هم عباد الله الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه .
والمتقون هم عباد الله الذين خافوا من الجليل وعملوا بالتنزيل .
والمتقون هم عباد الله الذين عملوا بأمره واجتنبوا نهيه .
والمتقون هم الذين خافوا الله تعالى في السر والعلن .
والمتقون هم عباد الله تعالى الذين فعلوا السنن وتركوا المكروهات .
والمتقون هم الذين أقبلوا بقلوب خاشعة خاضعة على ما يحبه الله راجية ثواب الله .
والمتقون هم الذين نفروا بقلوب خائفة وجلة مما يغضب الله فاجتنبوا محارم الله .
فأين نحن من تلك القلوب وأين نحن من صفات المتقون فمقل ومستكثر فليحاسب كل منا نفسه وليتأمل صفته عند ربه وكما قال تعالى { بلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ( 14 ) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } القيامة

{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ }

فيها أنهار من ماء غير آسن أي: غير متغير، لا بوخم ولا بريح منتنة، ولا بمرارة، ولا بكدورة، بل هو أعذب المياه وأصفاها، وأطيبها ريحا، وألذها شربا. السعدي
( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ) أي : بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة . وفي حديث مرفوع : " لم يخرج من ضروع الماشية" . ابن كثير
وأنهار من خمر لذة للشاربين أي: يلتذ به شاربه لذة عظيمة،لا كخمر الدنيا الذي يكره مذاقه ويصدع الرأس، ويغول العقل بل حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل ، كما قال تعالى ( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات ، وقال تعالى ( لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) [ الواقعة. ابن كثير والسعدي
( وأنهار من عسل مصفى ) يقول : وفيها أنهار من عسل قد صفي من القذى ، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية ، إنما أعلم - تعالى ذكره - عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلا جاريا سيل الماء واللبن المخلوقين فيها ، فهو من أجل ذلك مصفى ، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية ؛ لأنه كان في شمع فصفي منه . الطبري

ولهم فيها من كل الثمرات من نخيل، وعنب، وتفاح، ورمان،وتين، وغير ذلك من كل ما تشتهيه الأنفس أصناف لا حد لها ونعيم لا ينقطع وليس بين تلك الثمرات في الدنيا والآخره إلا الأسماء فقط فيراها المؤمنون ويظنونها كثمرة الدنيا فيجدونها خلاف ذلك ففي الجنة نعيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما قال تعالى { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } نسأل الله من فضله

طيب هذا الشراب نعيم أهل الجنة أنهار تجري لا انقطاع لها من أفضل أنواع الأشربة وكذلك من كل الثمرات تمتعوا وهل يقتصر نعيم أهل الجنة على الطعام والشراب لا فالله تعالى غني كريم لا تنفض خزائنه ولا تحصر عطاياه قال تعالى { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ }

( ومغفرة من ربهم }قال المفسرون في ذلك :
أي ومع ذلك كله عفو من الله تعالى لهم عما أسلفوه في الدنيا.
- تجاوز عنهم ، أي إطلاق في أعمالهم لا تكليف عليهم في الجنة
- وقد تكون المغفرة كناية عن الرضوان عليهم كما قال - تعالى - ورضوان من الله أكبر .
فيزول عنهم كل مرهوب فلا يخافون شيئًا بعد هذا النعيم ولا يتكلفون شيئَا ويحل عليهم رضوان ربهم ولهم المزيد بالنظر إلى وجهه الكريم جل وعلا فنعيم لا ينفد وعطاء لا حد له ،
وفي مقابل ذلك { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ( 15 ) محمد
يقول - تعالى ذكره - : وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطع ذلك الماء من شدة حره أمعاءهم والعياذ بالله.

فلنتأمل مقابل تلك الأنهار الأربعة لأهل الجنة من ماء ولبن وخمر وعسل لذة للشاربين في المقابل لأهل الجحيم ماءًا حارًا يقطع الأمعاء فأي عذاب هذا نسأل الله العافية
وأي شىء في الدنيا يستحق أن نقدمه على نعيم الآخره
وأي شىء في الدنيا يستحق أن نتنعم به مقابل عذاب الآخره
وفي الحديث الشريف عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط )
فمهما اشتد حرمانك أخي المؤمن في الدنيا فتذكر نعيم الآخره
واستعن بالصبر والصلاة على شهوات الدنيا وتزود بالتقوى فأهلها هم الموعودون حقًا
فمهما اشتد عطشك من صيام فتذكر أنهار الجنة
ومهما اشتد جوعك من فقر فتذكر ثمار الجنة
وقس على ذلك كل المحرمات فمقابلها نعيم لا ينفد فاصبر واحتسب
ولينتبه العصاة لربهم الخارجون عن طاعته بالفسق والطغيان فالدنيا فانية وجنة الله هي الباقية وعذاب الله شديد فأقبل على ما ينفعك حقا تكن من السعداء الفائزين .

والحمد لله رب العالمين .

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12 محرم 1438هـ/13-10-2016م, 05:16 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

تقويم التطبيق الثاني


أحسنتم جميعاً بارك الله فيكم ونفع بكم.

ملحوظات عامة:
1. الإكثار من النقول العلمية يضعف الأسلوب الوعظي، ولذلك ينبغي أن يكون الأسلوب الوعظي ظاهرا في الرسالة، ويمكن أن تُحلَّى الرسالة ببعض النقول بشرط أن لا تغلب على الرسالة، ولا تخرجها عن موضوعها الوعظي.
2. الأحاديث والآثار التي تذكر في الرسالة لا بد من تخريجها.
3. الأقوال التفسيرية التي تنسب إلى الصحابة والتابعين تعزى إلى مصادرها.
4. مما يعين على تحسين الأسلوب الوعظي استخراج الفوائد السلوكية بدقة ثم تضمينها في الرسالة في المواضع المناسبة.
5. مما يقوّي تأثير الرسالة التفسيرية تحليتها بالعبارات الموجزة التي تنتقى من كلام أهل العلم وحكمهم ووصاياهم، وكذلك القصص والأخبار من غير إكثار.


كوثر التايه: ب+
أحسنت بارك الله فيك
- ما يزال يغلب عليك الأسلوب العلمي وإن تضمنت رسالتك عبارات وعظية لكن الغالب عليها الأسلوب العلمي.
- واصلي التدرب على إظهار أسلوبك الوعظي بطريقة أفضل، وعرض المسائل بتركيز أجود.

مضاوي الهطلاني: أ
أحسنت بارك الله فيك.
- أسلوبك الوعظي ممتاز، واصلي التدرب عليه حتى تزدادي فيه مهارة بإذن الله.

فاطمة الزهراء: ب+
أحسنت بارك الله فيك.
- ما يزال يغلب عليك الأسلوب العلمي، والاشتغال بتلخيص أقوال العلماء، وفي الأسلوب الوعظي يحتاج المفسر إلى الانطلاق في التعبير بأسلوب يؤثر به على المتلقي ترغيبا أو ترهيبا أو تبصيراً بالهدى.
- واصلي التدرب على إظهار أسلوبك الوعظي بطريقة أفضل.

تماضر: أ+
أحسنت بارك الله فيك
أسلوبك الوعظي ممتاز، واصلي التدرب عليه حتى تزدادي فيه مهارة بإذن الله.

نبيلة الصفدي: ب+
أحسنت بارك الله فيك
- ما يزال يغلب عليك الأسلوب العلمي، والاشتغال بتلخيص أقوال العلماء، وفي الأسلوب الوعظي يحتاج المفسر إلى الانطلاق في التعبير بأسلوب يؤثر به على المتلقي ترغيبا أو ترهيبا أو تبصيراً بالهدى.
- واصلي التدرب على إظهار أسلوبك الوعظي بطريقة أفضل.

أمل يوسف: أ
أحسنت بارك الله فيك
أسلوبك الوعظي ممتاز، واصلي التدرب عليه حتى تزدادي فيه مهارة بإذن الله.

مها شتا: ب+
أحسنت بارك الله فيك
- ما يزال يغلب عليك الأسلوب العلمي، والاشتغال بتلخيص أقوال العلماء، وفي الأسلوب الوعظي يحتاج المفسر إلى الانطلاق في التعبير بأسلوب يؤثر به على المتلقي ترغيبا أو ترهيبا أو تبصيراً بالهدى.
- واصلي التدرب على إظهار أسلوبك الوعظي بطريقة أفضل.

هناء هلال: أ
أحسنت بارك الله فيك
أسلوبك الوعظي ممتاز، واصلي التدرب عليه حتى تزدادي فيه مهارة بإذن الله.

شيماء طه: أ+
أحسنت بارك الله فيك
أسلوبك الوعظي ممتاز، واصلي التدرب عليه حتى تزدادي فيه مهارة بإذن الله.

هلال الجعدار: أ+
أحسنت بارك الله فيك
أسلوبك الوعظي ممتاز، واصل التدرب عليه حتى تزداد فيه مهارة بإذن الله.

عابدة المحمدي: أ+
أحسنت بارك الله فيك
أسلوبك الوعظي ممتاز، واصلي التدرب عليه حتى تزدادي فيه مهارة بإذن الله.

الشيماء وهبة: أ+
أحسنت بارك الله فيك
أسلوبك الوعظي ممتاز، واصلي التدرب عليه حتى تزدادي فيه مهارة بإذن الله.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 21 محرم 1438هـ/22-10-2016م, 10:02 PM
ريم الحمدان ريم الحمدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي رسالة تفسيرية في قوله تعالى :(وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم )

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) .

الآية 21 من سورة الحجر تدل على سعة ملك الله عز وجل ، ( وإن من شيء ) أي وما من شيء ذكره البغوي ،
والمقصود بقوله تعالى ( وما من شيء الإ عندنا خزائنه ) :
1- المطر ، قال ذلك كثير من المفسرين .
2- الأرزاق قاله القرطبي .
3- جميع الأرزاق والأقدار قاله السعدي .
4-الخزائن المفاتيح ، مفاتيح الرزق ذكره القرطبي نقلاً عن الكلبي .
5- كلام الله ، أورد ابن كثير في تفسيره حديثاً يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( خزائن الله كلام الله ،فإذا أراد شيئاً قال له كن فكان ) . إسناده ليس بالقوي .
6-ما من شيء في هذا الكون التي ينتفع الناس بها ، قاله طنطاوي في الوسيط .

والخزائن جمع خزانة وهي مشتقة من خزن يخزن ، وهي ما يستر الإنسان بها ماله ،
و( ما ننزله ) الإنزال بمعنى الإيجاد والإنشاء كقوله تعالى :( ونزلنا الحديد فيه بأس شديد ) ، وقيل بمعنى الإعطاء ، وسمي إنزالاً لأن أحكام الله تنزل من السماء .
من فوائد الآية الكريمة :
1- اليقين بأن لكل عبد رزق مكتوب ومعلوم فلن يمنع أحد أحداً نفعاً كتبه الله له ، فبذلك تطمئن النفس وترضى بما قسمه الله لها .
2- زيادة محبة الله في قلب المؤمن إذا علم سعة ملكه وسعة قدرته وحكمته في إنزال الأقدار فكل شيء محسوب بدقة متناهية ولحكمة باهرة .
3- يتعلم المرء أن لكل شيء قدر يناسبه ، فإن لله الملك والتصرف التام ومع ذلك فهو سبحانه ينزله بقدر والقدر الذي يأمر به الله
هو ما يصلح حال العباد برحمته ورأفته ، قال تعالى :( ولو فتح الله الرزق لعباده لطغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء) .
4- اعدل أيها العبد مع غيرك واعلم أن ربك وإلهك عدل ويأمر بالعدل ومن عدله سبحانه ،مراعاة أحوال الخلق فيقدر لهم ما يناسبهم .
5- تعظيم الله عز وجل ، فهو سبحانه له مقاليد كل شيء وبيده الأمر وله الحكم وله الملك وهو رحيم بعباده لطيف بهم .
6- لا تحزن إن رأيت غنياً قد فتح الله له رزقه واعلم أن الرزق بيد الله وحده ،يرزق من يشاء ويمنع عمن يشاء لحكمة بالغة.
7- إحصاء الله للأقدار والارزاق بما في ذلك المطر دليل على دقة ربانية وحكمة إلهية .
8- إذا تعسر عليك أمراً من أمور الدنيا فاطلبه من الملك القدوس والجأ إليه فهو الذي يرزق ويقدر . واصدقه الدعاء فهو الوهاب .

استغفر الله واتوب إليه

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 22 محرم 1438هـ/23-10-2016م, 05:28 PM
عائشة أبو العينين عائشة أبو العينين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 600
افتراضي

رسالة فى قول الله تعالى:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)(سورة الزلزلة)




بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخوانى واخواتى معنا اليوم أيتين كريمتين عظيمتين من كلام رب العالمين من القرآن العظيم هاتان الآيتان روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الفاذة الجامعة وقال عنهما الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إنها أحكم آية في القرآن
وسمع هذه الآية صعصعة بن عقال التيمي عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها ، وسمعها رجل عند الحسن ، فقال : انتهت الموعظة ، فقال الحسن : فقه الرجل
قال الله تعالى وجل وعلا فى سورة الزلزلة
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
فتعالوا معاً اخوانى واخواتى نتدبر سوياً كلام ربنا جل وعلا واسأل الله أن يشرح صدرى وصدوركم ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه
سورة الزلزلة تصف لنا مشاهد يوم القيامة
وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم
فتندك جبالها، وتسوى تلالها، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت وتخرج ما في بطنها، من الأموات والكنوز

فإذا الأنسان رأى ما عراها من الأمر العظيم قال مستعظمًا لذلك: ما لها أي شيء عرض لها؟.
يومئذ الأرض تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم، ذلك لان الله رب العالمين أمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصى لأمره ويخرج الناس من موقف القيامة، حين يقضي الله بينهم فرقًا متفاوتين. ليريهم الله ما عملوا من الحسنات والسيئات، ويريهم جزاءه موفرًا.
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } وهذا شامل عام للخير والشر كله من يعمل مثقال ذرة من خير او شر يراه يوم القيامه
{ فمن يعمل } من محسن أو مسيء مسلم أو كافر { مثقال } أي مقدار وزن الذرة من خير يراه حاضراً لا يغيب عنه شيء منه لأن الذى يحاسبه هو الله الملك العظيم رب العالمين المحاسب له هو الله الذى له كمال الإحاطة علماً وقدرة
فهل كل الناس ترى اعمالها المؤمن منهم والكافر ؟
قال العلماء
الكافر يوقف على أنه جوزي به في الدنيا أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان ، فهو صورة بلا معنى ليشتد ندمه ويقوى حزنه وأسفه ، والمؤمن يراه ليشتد سروره به .
{ ومن يعمل } أي كائناً من كان { مثقال ذرة شراً } أي من جهة الشر { يره } فما فوقه ، فالمؤمن يراه ويعلم أنه قد غفر له ليشتد فرحه ، والكافر يراه فيشتد حزنه
فما معنى الذرة؟
ذكر بعض أهل اللغةِ : أن الذَّرَّ : أن يضرب الرَّجل بيده على الأرض ، فما علق بها من التراب فهو الذَّر ، وكذا قال ابن عباس : إذا وضعت يدك على الأرض ، ورفعتها ، فكل واحد مما لزق به من التراب ذرة .
وقيل : الذر نملة صغيرة
وقيل المعنى إن الله تعالى لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة ، ولا كبيرة وهو مثل قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ]
أرئيتم إخوانى واخواتى
وزن الذرة....... فلا يضيع عند الله ذرة من خير ولذلك لما استطعم مسكيناً ام المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وبين يديها عنب ، فقالت لإنسان : خذ حبة وأعطه إياها ، فجعل ينظر إليها ويتعجب ، فقالت عائشة : أتعجب ، كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة .( رواه مالك فى الموطأ)
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : « اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشقِّ تَمرةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلمَةٍ طيِّبةٍ » .
فلا نستقل ابداً العمل الصالح فمهما كان صغيرا ....... فهو بأذن الله خير وسنراه
ولعل عملاً صغيراً فى أعيننا مثل الذرة نراه يوم القيامة فيكون سبب النجاة
فقد تجاوز الله عن بغى وأدخلها الجنة بسقيا كلب
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا» (رواه مسلم).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقا على قصة هذه المرأة: فهذا لما حصل في قلبها من حسن النية والرحمة
ولا نتهاون فى الذنب فمهما كان صغيراً ...... فهو إن لم يغفره الله لنا برحمته شر نراه
فقد دخلت امرأة النار بسبب قطة حبستها لا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من الأرض
عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض".رواه البخاري
ومثقال الذرة يعامل به المؤمن والكافر ولا يظلم الله أحداً
فأما الكافر فيأخذ جزاء الخير الذى فعله فى الدنيا فقط
ولأن للتوحيد والأيمان بركاته وفضله والمؤمن الذى يلقى الله مؤمناً به لا يشرك به أحداً يرحمه ويلطف بهفيأخذ ثوابه عن مثقال الذرة من الخير ومن لطف الله به أن يبتليه فى الدنيا ليكفر عنه ما فعل من الشرولذلك
قال محمد بن كعب القرظي :فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر ، يرى ثوابه في الدنيا ، في نفسه وماله وأهله ووطنه ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا ، وليس له عند الله شر
وروى أنس - رضي الله عنه - « أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم [ وأبو بكر يأكل فأمسك ، وقال : يا رسول الله ] ، وإنا لنرى ما عملنا من خير وشر؟ قال النبي : » يا أبا بكر ، مَا رأيْتَ في الدُّنيا مِمَا تكرَهُ فَهُوَ مَثَاقيلُ ذر الشر ، ويدخر لكم مثاقِيلُ ذرِّ الخَيْرِ ، حتَّى تُعطوهُ يَوْمَ القِيَامَةِ « »

فما ينالنا فى هذه الدنيا من مصائب وابتلاءات فهى كفارات فاذا علمنا ذلك اذا اصابتنا المصائب صبرنا ورضينا فيكفر الله بها السيئات ويرفع بها الدرجات
وفى خاتمة هذه الكلمة القصيرة
أسال الله أن يرزقنا تدبر وفهم كتابة والعمل به وان يغفر لنا ذنوبنا وان يتقبل منا اعمالنا ويجعل مثقال الذرة من ذنوبنا مغفورا ومثقال الذرة من اعمالنا الصالحة مقبولا .

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 26 محرم 1438هـ/27-10-2016م, 02:13 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

رسالة في قوله تعالى :
{ولاتَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
فهذه كلمات قليلة حول هذه الآية الجليلة اسأل الله إن ينفع بها كاتبها وقارئها

هذه الآية الكريمة، تتضمنت نهياً، وتعليلاً، وتقريراً، أما النهي فقوله تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا}، وأما التعليل فقوله سبحانه: {لنفتنهم فيه}، وأما التقرير فختام الآية بقوله عزوجل: {ورزق ربك خير وأبقى}.

ولخطورة زينة هذه الحياة الدنيا وملهياتها وكثرة الواقعين فيها وجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق وأفضلهم وأبعدهم عنها،لينتبه للخطاب،وليهتمّ به ويعرف المراد منه،لأن فتنتها شديدة ومغرياتها متنوعه،
كما قال تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ...} والمؤمن الموفق إذا علم أمر الله ونهيه توقف عنده وفتح له قلبه ،ونظر إليه بعين البصيرة،فإما خيراً يأمر به فيسارع إليه ، وإما نهياً فيتقرب إلى الله بتركه، فهو بين أمرٍ ونهي، يسوق نفسه ويقوم اعوجاجها،ويأطرها على الخير
أطرا ،ويجاهد شيطانه الذي يريد أن يغويه ويهلكه بوسوسته وتزيينه،كما قال تعالى :{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين }،وكذلك حوله من المغريات والمؤثرات من انفتاح دنيا، وأصحاب هوى وملذات ،ممن حوله من أهلٍ وخلان، مما يجعله يحتاج إلى مجاهدة عظيمة للنجاة من هذه المهالك المجتمعة ،ولا ينجيه من هذا كله إلا صدق التجأه لربه وحسن التوجه إليه وسؤاله النّجاة ،وكذلك تبصير نفسه بحقيقة هذه الدنيا ومألها، والغاية التي استخلفه الله فيها،فهي كما عبر الله عنها كزهره تفتحت تعجب من ينظر إليها،وبعد لحظات تذبل وتسقط ولا يبقى لها أثر وفي التعبير بـ (الزهرة) كما قال " القاسمي" إشارة لسرعة الاضمحلال، لأن متاع الدنيا قليل، وأجلها قريب،وقد وصفهاالله في آيات عديدة منها،
قوله تعالى ((إنماالْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الأنعَامُ حَتَّى إذا أخذ تْ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أنهم قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أو نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكّرون )) . وقال تعالى: (( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا، ))
فمن عرف حقيقتها نجى منها وجعلها زاداً يتزود به للدّار الأخرة ،كما قال تعالى( وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )
أي ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا أولى ؛ لأنه يبقى والدنيا تفنى، ومن فتح لها قلبه ،وعلق بها ناظره اغتر بها ووقع في اسرها،ومما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له،وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم شديد النهي عن الاغترار بها والنظر إلى زخرفها ، روى سلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: (أخوف ما أخاف عليكم ما يُخْرِج الله لكم من زهرة الدنيا)، قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟!، قال: (بركات الأرض) وقال عليه الصلاة والسلام ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله تعالى )

فاللعن هنا بمعنى الذم، يعني مذمومة الدنيا،لأن أكثر من فيها اشتغلوا بها عن الآخرة، وصدتهم عنها بزخرفها وشهواتها،

لاتـأسـفـن عــلــى الـدنـيــا ومـافـيـهـا ... .. فـالـمـوت لاشـــك يفـنـيـنـا ويفـنـيـهـا
ومــن يـكـن هـمــه الـدنـيـا ليجمـعـهـا.... .. فـسـوف يـومـا عـلـى رغـــم يخلـيـهـا
لاتشـبـع النـفـس مــن دنـيـا تجمـعـهـا......وبلـغـة مــن قـــوام الـعـيـش تكفـيـهـا
أعمـل لـدار البـقـاء رضــوان خازنـهـا...... .الــجــار احــمــد والـرحـمــن بانيها


ولأبن القيم ،كلام بديع في الإغترار بالدنيا وترك الأخرة حيث قال (فإن الراغب في الدنيا الحريص عليها المؤثر لها إما أن يصدّق بأن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى, وإما أن لا يصدّق, فإن لم يصدق بذلك كان عادما للإيمان رأسا، وإن صدّق بذلك ولم يؤثره كان فاسد العقل سيء الاختيار لنفسه....)،
والله عز وجل يقول ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَليهم ع حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يصنعون ))ا
وقال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
فهذا وعيد من الله عز وجل لمن آثر الدنيا على الأخرة ورضي بها، والنجاة والخلاص يكون بالتبصر وتجديد الإيمان وتقوية اليقين بموعد ربّ العالمين والتأمل والتفكر في آياته ومخلوقاته والنظر قي العاقبة والمآل وما يكون فيها من حُسنِ أو سوء حال وليعلم العبد أنه على قدر إيمانه ويقينه يكون اقباله وإدباره ،يقول الله تعالى ((وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا))


اللهمّ اجعلنا من أراد الأخرة وسعى لها سعيها ،وتخفف من أوزار الدنيا وعرف حقيقتها
وأسعدته بمنّك وفضلك بالفوز بجنّتك
.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 23 ربيع الأول 1438هـ/22-12-2016م, 12:57 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
-خارطة الطريق-
- و قوله جلّ وعلا :(( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43))-

بين زخارف الدنيا ومفاتنها وأمواج الفتن المتلاطمة من كل صوب،وحال الفرقة بين أهل الإسلام والتناحر فيما بينهم ،تأتي دعوة لتدبر الرسائل الربانية التي لا تخلو من العبر والوصايا لأهل الأرض، هي دعوة ليست بجديدة ،لكن لنعتبرها كنداء عاجل لا يحتمل التأخير، هي وصية كأنها أنزلت اليوم، وأسباب نزولها أحداث اليوم ..

يقول تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته تبعا لذلك :" فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ".
الأمر (فاستمسك ) ؛ أمر أفاد معنى التأكيد بإضافة السين والتاء للفعل؛ ولا يعني هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متمسك بما أوحي إليه ، بل هو تأكيد لفعل يقوم به .
هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده، تبين لنا ذلك من خلال الآية التي تليها حيث قال تعالى :"وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون "، لكن ما هو الأمر المأمور بالتمسك به ؟ يقول جل وعلا :" فاستمسك بالذي أوحي إليك "، أي خذ يا محمد بالقرآن الذي أُنزل على قلبك ، قال الله تعالى :" نزل به الروح الأمين (139)على قلبك لتكون من المنذرين (140)" الشعراء
ذكر الطبري جملة من الأقوال في المراد بالروح الأمين كلها تعود إلى جبريل عليه السلام ، تلا القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى وعاه ،ليكون نذيرا لقومه وللناس أجمعين.

هذا القرآن الذي أوحاه تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، ليكون للأمة من بعده دستورا ومنهجا لحياتهم ،هو خارطة الطريق هو الهدى والمرشد لكل ما فيه صلاحهم ،وكما قال تعالى :" ألم*ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" البقرة 1/2، وقوله تعالى :"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " البقرة /185
وقال تعالى :" هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ال عمران /138، فما بال حال الناس اليوم طلبوا الهدى من غيره أنسوا قول الله تعالى :" فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى* قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلم أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " طه/124/125/126

يأمر تعالى نبيه بالتمسك بما أوحي إليه،في وقت اشتد عليه الأذى والتكذيب ؛فقال له استمسك بالوحي وخذه بقوة فعلا واتصافا كما أمر الأنبياء من قبلك ، فانظر لخطاب الله تعالى لنبيه يحيى عليه السلام :"يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا"، وها هو نبي الله موسى عليه السلام أيضا يُؤمر بذلك أيضا ؛قال تعالى :"وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين " الأعراف/145 ؛ثم يجدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوصية في حجة الوداع ؛ فيروي لنا عبدالله بن عباس قول النبي صلى الله عليه وسلم :" تركت فيكم أيها الناس ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة نبيه .."(1)

فإن كانت هذه الدعوة للأنبياء والرسل وهم أكمل الناس دينا وتقوى له تعالى بالتمسك بما أوحي إليهم؛ فمن باب أولى أن نتمسك نحن بالأمر، فكيف وقد فتحت لنا الدنيا أبوابها وغرنا زخرفها ، وهذا ما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته فقال :"ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم" ذكره البخاري في صحيحه ، فهذا والله ما وقعنا به ،نسأل الله السلامة .

قال ابن عاشور في تفسير الأمر بالتمسك لمن هو مُتلبس به أنه لا يكون لطلب الفعل بل لمعنى آخر؛ وهو هنا طلب الثبات على التمسك بما أوحي إليه كما دلّ عليه قوله:"إنك على صراط مستقيم" فتمسك به.

ثم يطمئن تعالى نبيه فيقول :"إنك على صراط مستقيم "
الصراط في اللغة هو الطريق ووصفه تعالى بالمستقيم الذي لا اعوجاج فيه؛ وهذا الطريق هو الإسلام ،هو الدين الذي ارتضاه تعالى لعباده ؛ فقال تعالى :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " هذا الدين الذي رضيه لهم ولن يقبل غيره منهم ؛قال تعالى :" ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة لمن الخاسرين " ال عمران /85 .

ولأن الهداية لخارطة الطريق المستقيم الموصل لدار الله وكرامته هدف للجميع أوصى تعالى عباده بسؤاله هذا الطريق بشكل ملّح ،فنحن إذ نسأله تعالى ذلك في كل يوم 17 عشرة مرة في صلواتنا .

فيا من أسلم وجهه لله بالتوحيد وانقاد إليه بالطاعة ،اثبت على صراط الله الذي ارتضاه لك ،وأبشر بأخذك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفق طريق سلف الأمة أنك على الطريق السليم ، ولا يغرنك كثرة الطرق ، وتذكر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا ذلك ،فقد روى الدارمي في سننه حديثا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ،عن عبدالله بن مسعود قال : خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ، ثُمَّ قَالَ : " هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ " ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ، وَقَالَ : " هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ " وَقَرَأَ : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ " الآيَةَ .

نسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين و يهديهم الصراط المستقيم ويبلغهم إياه .


______________________________
1- [صحيح] أخرجه الحاكم في ((المستدرك))، والمروزيُّ في ((السُّنة)) (68)، والعُقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (2/250)، (318)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (5/449).

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 13 ربيع الثاني 1438هـ/11-01-2017م, 03:31 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الوعظي

1: ريم الحمدان ه
الرسالة ليست مكتوبة بالأسلوب الوعظي، بل أولها مكتوب بالأسلوب العلمي وآخرها بالأسلوب الاستنتاجي، وأظنك قد حاكيت فيها رسالة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير آية الكرسي رغم أنها مصنّفة ضمن هذين الأسلوبين، فأرجو إعادة كتابة الرسالة بعد قراءة الدرس جيدا والاطّلاع على النماذج الموضوعة للأسلوب الوعظي، بارك الله فيك.
وأنت بالفعل متميّزة في الأسلوب الوعظي، وأعرف عنك ذلك من أعمالك السابقة، وأوصيك بمراجعة تطبيقات الزملاء لتقريب الصورة، وفقك الله.

2: عائشة أبو العينين ج

بارك الله فيك ونفع بك.
- يبدو أن هذه الرسالة قد أعدّت على عجالة، وهي بحاجة إلى تخطيط أفضل وتحديد للعناصر التي ستتناولها، ولعلك تراجعينها لاحقا -إن شاء الله- بالإضافة والتحسين.
- وقد أحسنتِ في الشطر الثاني من الرسالة- بارك الله فيك- ولكن يلاحظ ضعف في التحرير العلمي للآية، ولم تحسن الاستفادة منه جيدا في صياغة الخطاب الوعظي وتحديد عناصر الرسالة.
- يلاحظ عدم تخريجك للأحاديث والآثار في كثير من المواضع.
- قولك: (
فهل كل الناس ترى اعمالها المؤمن منهم والكافر ؟)، يفهم من كلامك أن المراد بها الأعمال الصالحة، فيجب التنبيه.

3: منيرة محمد أ

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأسلوبك الوعظي مؤثّر جميل كما تعودنا منك، ورسالتك رائعة، زادك الله من فضله.
والملاحظ على الرسالة عدم تغظيتها لجميع مسائل الآية المتعلّقة بمقصدها وهو النهي عن التعلّق بالدنيا، فقولنا (رسالة تفسيرية) أي أن تفسير الآية هو عماد الرسالة، وقولنا (مكتوبة بالأسلوب الوعظي) أي أننا نخاطب القلب ترغيبا وترهيبا بما ورد من هدايات في الآية نفسها، أما أن نذهب بالرسالة بعيدا عن الآية فهذا ليس جيدا، بل نغطي مسائلها التي تتعلّق بمقصد الرسالة، ونضيف عليها -كما تفضّلتِ- بما يثريها من الشواهد القرآنية والأحاديث والنقول النافعة لأهل العلم.
ومن المسائل المهمة التي تفيد -بإذن الله- دلالة قوله: {ولا تمدّن عينيك}، ومنها أيضا التعبير بوصف "الدنيا" ومنها معنى قوله تعالى: {لنفتنهم فيه}، فهذه المسائل وثيقة الصلة بموضوع الرسالة لا يحسن إغفالها.

4: هبة الديب أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
والرسالة الوعظية وسائر أنواع الرسالات يكون الأصل في إعدادها هو استخلاص مسائل الآية، وفي الخطاب الوعظي قد نتجاوز بعض المسائل التي لا تتعلّق كثيرا بمقصد الرسالة.
ومن مسائل الآية مسائل مهمّة تفيد كثيرا في مقصد الرسالة، كالتعبير عن القرآن بالوحي ولم يقل: استمسك بالقرآن، وما في ذلك من الإشارة إلى كماله وشموله لأنه نازل من الحكيم الخبير، والتوكيد في قوله: {إنك على صراط مستقيم} وما في استعمال حرف "على" من إفادة العلوّ، وما في تنكير الصراط من الفخامة المؤكدة لعظمته المطمئنة لسالكه، والإشارة إليها لها أثر كبير في نفوس السامعين، ويبقى محور الرسالة حول: لماذا أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بالقرآن؟


وفقكم الله لما يحب ويرضى.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir