دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 شعبان 1443هـ/6-03-2022م, 12:56 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس أداء التطبيق الرابع من تطبيقات مهارات التخريج

مجلس أداء التطبيق الرابع من تطبيقات مهارات التخريج


اختر مجموعة من المجموعات التالية وخرّج الأقوال فيها وبيّن حالها ووجّهها ورجّح ما تراه راجحاً في معنى الآية.

المجموعة الأولى:
( 1 ) قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {تماماً على الذي أحسن} ، قال: على المؤمنين والمحسنين.
( 2 ) قول محمد بن كعب القرظي: ({منادياً ينادي للإيمان}: المنادي القرآن)
( 3 ) قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم )


المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

المجموعة الثالثة:
( 1 ) قول الشعبي في تفسير قول الله تعالى: {تتخذون منه سكراً} السكر: النبيذ).
( 2 ) قول محمد بن سيرين ( {السابقون الأولون} الذي صلوا القبلتين ).
( 3 ) قول عطاء بن أبي رباح: ( التفث: حلق الشعر وقطع الأظفار )






تعليمات:
- ننصح بمراجعة دروس المهارات المتقدمة في التفسير خاصة درس تخريج أقوال المفسرين وتوجيه الأقوال.
- ننصح بقراءة رأس السؤال جيدًا، والمطلوب في التطبيقات يختلف من مجلس لآخر.
- ننصح بمراجعة تطبيقاتكم على دورة المهارات المتقدمة في التفسير، ومراجعة ملحوظات التصحيح واستدراكها في هذه التطبيقات بإذن الله.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد 17 رجب 1443 هـ، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.


تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.


نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 5 شعبان 1443هـ/8-03-2022م, 08:45 PM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

السَّلاَمُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

سأختار المجموعة الأولى بإذن اللهِ

جزاكم الله خيرا

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 شعبان 1443هـ/11-03-2022م, 10:18 PM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
بإذن الله المجموعة الثانية

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 شعبان 1443هـ/15-03-2022م, 07:13 AM
هنادي الفحماوي هنادي الفحماوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 283
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان شاء الله المجموعة الثالثة

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 شعبان 1443هـ/16-03-2022م, 03:15 PM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

اختر مجموعة من المجموعات التالية، وخرج الأقوال فيها، وبين حالها، ووجهها، ورجح ما تراه راجحا في معنى الآية:

المجموعة الأولى:
1) قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: "تماما على الذي أحسن"، قال: على المؤمنين والمحسنين.
التخريج:
رواه ابن جرير من طريق المثنى عن أبي حذيفة عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه مثله.
كما أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن أبي نجيح عنه، كما جاء في الدر المنثور للسيوطي.
وبلفظ: على المؤمنين.
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه.
كما رواه آدم بن أبي إياس بلفظ المفرد (المؤمن) من طريق إبراهيم عن آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه.
وبلفظ: على المحسنين. (على قراءة الحسن)
رواه ابن جرير من طريق محمد بن عمرو عن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عنه.
التوجيه:
يصح تفسير الآية بما فسرها به مجاهد، فتكون "الذي" بمعنى (الذين)، وأحسن فعل ماض صلة (الذين). وتكون "على" هنا بمعنى (لام الجر). كقولك: أتم الله عليه، وأتم الله له.
ذكر قطرب دليلا من اللغة: كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج، تريد الغازين الحاجين، ويجوز أن تأتي "الذي" بمعنى (من).
وهو موافق لقراءة عبد الله بن مسعود في مصحفه: (تماما على الذين أحسنوا). وقد ذكر السيوطي أن قراءة ابن الأنباري عن هارون: "تماما على المحسنين". فتكون "الذي" لجنس المحسنين.
فيكون المعنى: وآتينا موسى الكتاب تفضلا منا على المحسنين من الأنبياء ومن المؤمنين من أهل ملتهم وإتماما للنعمة عندهم.
فموافقة قول مجاهد للقراءة الثابتة عن ابن مسعود، وقبولها من جهة اللغة، ويؤيده ما استدل به ابن كثير، وهو قوله تعالى: ""يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي"، كل هذا يؤيد صحة تفسير مجاهد للآية. والله أعلم.

وقد قال الدكتور عبد اللطيف الخطيب: والأحسن حمل مثل هذه القراءة على التفسير.

تحرير مسألة معنى "تماما على الذي أحسن":
جاء في الآية عدة قراءات، في كل قراءة معنى، وهي:
القراءة الأولى: (تماما على الذين أحسنوا). وهي قراءة عبد الله بن مسعود وابن محيصن. وقرأ الحسن: (تماما على المحسنين).
وعلى هذه القراءة، جاء المعنى:
وآتينا موسى الكتاب تفضلا منا على المحسنين من الأنبياء ومن المؤمنين من أهل ملتهم وإتماما للنعمة عندهم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن مجاهد).
ذكره ابن عطية وابن الجوزي وابن كثير.
ذكره الفراء، وقطرب، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، والنحاس.
. قال البغويّ: والمحسنون: الأنبياء والمؤمنون.
قال النحاس: قال الحسن: كان فيهم محسن وغير محسن، وأنزل الكتاب تماما على الذي أحسن، واستدل بقراءة ابن مسعود.
وعلى هذا القول تكون "الذي" بمعنى (الذين)، وأحسن فعل ماض صلة (الذين). وتكون "على" هنا بمعنى (لام الجر). كقولك: أتم الله عليه، وأتم الله له.
ذكر قطرب دليلا من اللغة: كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج، تريد الغازين الحاجين، ويجوز أن تأتي "الذي" بمعنى (من).
وهو موافق لقراءة عبد الله بن مسعود في مصحفه: (تماما على الذين أحسنوا). وقد ذكر السيوطي أن قراءة ابن الأنباري عن هارون: "تماما على المحسنين". فتكون "الذي" لجنس المحسنين.
الأدلة والشواهد:
استدل ابن كثير بقوله تعالى: "يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي".

القراءة الثانية: (تماما على الذي أحسنُ) بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي هو أحسن. وهي قراءة يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق والحسن والأعمش والسلمي وأبو رزين.
وعلى هذه القراءة، جاء المعنى:
تماما على الذي هو أحسن الأشياء. رواه ابن جرير وذكره ابن عطية وابن كثير.
ذكره الفراء وقطرب، وأجازه الزجاج، وذكره النحاس.
"أحسن" بضم النون لتكون صفة تفضيل، رفعت على خبر ابتداء مضمر تقديره هو.
ولكن أبو الفتح ضعف هذه القراءة لقبح حذف المبتدأ العائد، كما قال ابن جرير بأن هذه القراءة لا يستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجّة مجمعةٌ من قراءة الأمصار. أما المهدوي فقد قال: بأنه فيه بعد، من أجل حذف المبتدأ العائد على "الذي".
الأدلة والشواهد:
قال تعالى: "لننزعن من كل شيعة أيهم أشد". ذكره قطرب.

القراءة الثالثة: (تماما على الذي أحسنَ)، فهو فعل ماض. وهي قراءة الجماعة.
وعلى هذه القراءة، جاء المعنى على ثلاثة أقوال، هما:
القول الأول: "أحسنَ" فعل ماض مبني على الفتح، وهو صلة ل "الذي"، وفيه ضمير يعود على "الذي" تقديره: تماما على المحسن. قاله مكي وذكره الدكتور عبد اللطيف الخطيب.
فالمشار إليه هنا هو (موسى عليه السلام)، والمعنى: تماما على ما أحسن موسى من عبادة ربه والاضطلاع بأمور نبوته، وقيامه بأوامرنا ونواهينا. فقد أحسن موسى فيما أعطاه الله، ومن أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة. قاله قتادة والربيع.
وبتفصيل أكثر: رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم (عن قتادة)، وهو حاصل ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن الربيع) واختاره ابن جرير.
ذكره ابن عطية، وابن كثير.
ذكره الفراء، والنحاس.
قال ابن جرير بأن: "الذي" بمعنى (ما)، وتكون "أحسن" منصوبة لأنها فعل ماض.
الأدلة والشواهد:
ذكر ابن كثير قوله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماما، قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين".
قال ابن كثير: بأن "الذي" بمعنى (ما) المصدرية، كقوله تعالى: "وخضتم كالذي خاضوا" أي كخوضهم.

القول الثاني: "أحسنَ" فعل ماض مبني على الفتح في محل جر على أنها صفة ل "الذي". قال العكبري: وهو ليس بشيء لأن الموصول لابد له من صلة. ذكره الدكتور عبد اللطيف الخطيب. وروى ابن جرير هذا القول.
وهذا الذي ذكره العكبري مذهب الكوفيين، وهو خطأ عند البصريين، وذكر القرطبي هذا مذهبًا للفراء والكسائي فقد أجازاه. وذكر الزجاج أن هذا خطأ فاحش.
ذكره الفراء والزجاج.
قال بعض نحويي الكوفة: أن "أحسن" هي صفة ل "الذي" من حيث قارب المعرفة، إذ لا تدخله الألف واللام، كما تقول العرب: مررت بالذي خير منك، ولا يجوز فالذي عالم. ولكن الزجاج خطأ هذا القول.
تكون "أحسن" في موضع خفض غير أنه نصب، وسبب خفضه: ردا على "الذي" ولكنه لا يجوز خفضه كونه ممنوعا من الصرف، ولكن جاورت "أحسن" "الذي" فعرفت بتعريفها، فكان كالمعرفة. تقول العرب: مررت بالذي خيرٍ منك وشرٍّ منك.
ذكره ابن عطية.

القول الثالث: "أحسنَ" فعل ماض مبني على الفتح والفاعل محذوف، والهاء محذوفة، وتقديره: تماما على الذي أحسنه الله. قاله مكي، وذكره الدكتور الخطيب.
فالمشار إليه هنا هو (الله عز وجل)، والمعنى هنا كما ذكره الماوردي على قولين:
- القول الأول: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه، أي تفضلا وإكمالا على إحسان الله فيه إلى عباده من النبوات والنعم، فقد أحسن الله إلى أنبيائه أن هداهم للإسلام، وآتاهم الكتب تماما لنعمته عليهم وإحسانه عليهم.
- القول الثاني: تماما على إحسان الله إلى موسى، فجاءت التوراة تماما على إحسان الله إلى موسى زيادة على ما أحسن الله إليه. قاله ابن زيد وأبو صخر.
وبتفصيل أكثر: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن ابن زيد)، ورواه ابن أبي حاتم (عن أبي صخر)
ذكره ابن عطية والماوردي وابن كثير.
ذكره قطرب.
"الذي" بمعنى "ما"، و "أحسن" في موضع نصب على أنه فعل ماض. ومعنى "تماما" أي زيادة على ذلك.

التوجيه:
اختار ابن جرير معنى القول الأول من القراءة الثالثة، وأن الله آتى موسى التوراة نعمة منه تعالى عليه لما سلف منه من الأعمال الصالحة وحسن الطاعة.
أما بالنسبة للقراءة الأولى، فهي ثابتة عن ابن مسعود، وهي جائزة عند العرب أن تطلق المفرد على ما تريد من الجمع كقوله تعالى: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر"، فالعرب تفعل ذلك خاصة في "الذي" وفي (الألف واللام) إذا أرادت به الكل والجميع.
اختار قطرب معنى القراءة الأولى، وقال: أتينا موسى الكتاب تتميما منا للأنبياء وللمؤمنين – الكتب. ولم يستبعد أن ينصرف القول أيضا إلى معنى آخر.
ولكن ابن جرير قال بأنه لا دليل عليه من ظاهر فهم الآية، وأن الأولى تأويل الكلام على الظاهر إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه المراد.
وبالنسبة للقول الثالث من القراءة الثالثة: ثم آتى الله موسى الكتاب تماما على الذي أحسنّا، أو تماما على الذي أحسن، وصف تعالى نفسه بإيتائه الكتاب، ثم على هذا القول صرفه الخبر بقوله "أحسن" إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين لدليل واضح على أنه غير المعنى المراد من الآية كما ذكر ابن جرير.
وضعّف ابن جني القراءة الثانية محتجا بعدم جواز حذف المبتدأ العائد على الذي، لأن تقديره: تماما على الذي هو أحسن.
وقال الطبري: (وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح؛ لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قراء الأمصار).
وقال المهدوي: (وفيه بعد، من أجل حذف المبتدأ العائد على الذي).

وعليه: فإن التوجيه السليم للمعنى – والله أعلم – هو:
صحة المعنى المراد من القراءة الأولى لثبوتها، وكذلك صحة القولين الأول والثالث من القراءة الثالثة، على المعاني المذكورة عندها، أي:
- أن الله آتى موسى الكتاب تفضلا منا على المحسنين من الأنبياء ومن المؤمنين من أهل ملتهم وإتماما للنعمة عندهم.
- وأن الله آتى موسى الكتاب تماما على ما أحسن موسى من عبادة ربه والاضطلاع بأمور نبوته، وقيامه بأوامرنا ونواهينا.
- وأن الله آتى موسى الكتاب تماما على إحسان الله إلى موسى زيادة على ما أحسن الله إليه من النبوة.
والله أعلم.

2) قول محمد بن كعب القرظي: "مناديا ينادي للإيمان": المنادي القرآن.
التخريج:
رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي (في المتفق والمفترق) عن موسى بن عبيدة عنه.
ورواه عبد بن حميد عنه كما جاء في الدر المنثور للسيوطي.

التوجيه:
تفسير محمد بن كعب القرظي للمراد بالمنادي أنه القرآن صحيح، كون القرآن هو أصل الإيمان ومصدره الرئيسي. فالمؤمن يستمع للقرآن فيجيب إليها ويحسن فيها فيزيده إيمانا، فالإنس قالوا: "فآمنا"، والجن قالوا: "إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به". فالقرآن ينادي للإيمان: أي إلى الإيمان، وكما استدل على ذلك الفراء: كقوله تعالى: "الذي هدانا لهذا" أي: هدانا إلى هذا و "أوحى لها" يريد إليها.
ومما يدل على صحة التفسير بأنه القرآن، قوله تعالى: "سمعنا مناديا للإيمان" والقرآن يسمع، وكل مؤمن يسمعه، قال تعالى على لسان الجن: "إنا سمعنا قرآنا عجبا".
وقوله تعالى: "أن آمنوا بربكم فآمنا"، فالقرآن مصدر الإيمان بالله والدعوة إليه، ولا يعني أنه لم يدع لبقية أركان الإيمان، قال ابن عثيمين: فمن آمن بالله آمن بكل ما أخبر الله به، ومنه بقية الأصول الستة: ملائكة الله، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فعلى هذا يكون الإيمان بالله متضمنا للإيمان ببقية أركان الإيمان، ويكون ذكرها أحيانا مفصلة من باب التفصيل والبيان، وليس من باب التخصيص، فإن الإيمان بالله يتضمن هذا كله، (( أن آمنوا بربكم فآمنا )) يعني أقررنا بذلك مع الانقياد، مع القبول والإذعان .

تحرير المراد ب "المنادي":
جاء عن أهل التفسير قولان في المراد ب "المنادي"، هما:
القول الأول: القرآن. قاله محمد بن كعب القرظي وقتادة.
وبتفصيل أكثر: رواه الثوري وقتادة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن محمد بن كعب القرظي وعن قتادة) واختاره ابن جرير بأن كل الناس سمعوه، بعكس النبي صلى الله عليه وسلم ليس كل أحد من المؤمنين رآه.
وذكره الماوردي ابن عطية والقرطبي والآلوسي.
الأدلة والشواهد:
قال تعالى: "فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به".

القول الثاني: النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قاله ابن جريج.
وبتفصيل أكثر: رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن ابن جريج)، ورواه ابن أبي زمنين.
وذكره الماوردي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.

التوجيه:
اختار ابن جرير القول الأول، لأن القرآن وصل إلى كل مؤمن، بينما لم ير النبي صلى الله عليه وسلم كل أحد، وهذا لا يعني أن تفسير المراد ب "المنادي" لا يشمل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر القرطبي: أن من سمع القرآن فكأنما لقي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الآلوسي: والقُرْآنُ ظاهِرٌ باقٍ عَلى مَمَرِّ الأيّامِ والدُّهُورِ يَسْمَعُهُ مَن أدْرَكَ عَصْرَ نُزُولِهِ ومَن لَمْ يُدْرِكْ، ولِأهْلِ القَوْلِ الأوَّلِ أنْ يَقُولُوا: مَن بَلَغَهُ بِعْثَةُ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ودَعْوَتُهُ جازَ لَهُ أنْ يَقُولَ: سَمِعْنا مُنادِيًا وإنْ كانَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ التَّجَوُّزِ، وأيْضًا المُرادُ بِالنِّداءِ الدُّعاءُ، ونِسْبَتُهُ إلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أشْهَرُ وأظْهَرُ فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾، ﴿أدْعُو إلى اللَّهِ﴾، ﴿وداعِيًا إلى اللَّهِ﴾ وهي إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَقِيقَةٌ وإلى القُرْآنِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ:
تُنادِيكَ أجْداثٌ وهُنَّ صُمُوتٌ وسُكّانُها تَحْتَ التُّرابِ سُكُوتُ
فيجوز كلا القولين، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن، والقرآن صدّق النبي المرسل محمد صلى الله عليه وسلم.

3) قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم )
التخريج:
رواه ابن جرير عن ابن بشار عن عبد الرحمن عن زمعة عن ابن طاووس عنه.

التوجيه:
وافق قول طاووس في تفسيره لمعنى "حفدة" المعنى اللغوي لها، قال الخليل بن أحمد وقطرب وابن قتيبة: (أصل الحفد: الخفة في العمل ومداركة الخطو والإسراع في المشي).
قال قطرب: (حفد يحفد حفدًا، وحفودًا وحفدانًا؛ وهو الخفة في العمل والخدمة). وهو الغاية من اقتناء الخادم، أن يكون سريعا خفيفا في الحركة.
وقال الخليل بن أحمد عند العرب: (الحفدة الخدم، واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة).
وعليه فإن المعنى الذي ذكره كيسان موافق للمعنى اللغوي، فيكون معنى حفدة، هم الخدم، مهما اختلفت مسمياتهم، فسواء كانوا من الأبناء أولادا وبناتا، أم من أبنائهم، أم من الأصهار والأختان، أم من بني المرأة من غير زوجها، أم الخدم من غير القرابة وهم المماليك، فكلهم داخل في مسمى الخدم. فيكون معنى الآية:
يمتن تعالى على عباده أن جعل لهم من أزواجهم سكنا، ورزقهم منهن الخدم: سواء البنين أو البنات أو أبنائهم، أو الأصهار والأختان أو أبناء المرأة من غير الزوج، نتيجة لهذا التزاوج ولهذه المصاهرة، أو من غير القرابة، فيكون معنى "من أزواجكم" أي من آدم وحواء (أي من جنس البشر) خدما مماليك يخدمونهم ويقضون حوائجهم بالأجرة، فالبشر بجملتهم لا يستغني بعضهم عن بعض. فكل الأقوال لها وجه من الصحة، ومخرج في التأويل، فجاء تفسير طاووس بموافقة المعنى اللغوي للفظة.

تحرير معنى "حفدة"
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال في معنى "حفدة"، يمكن اختصارها إلى خمسة أقوال، هي:
القول الأول: هم الخدم (الأعوان والأنصار من غير القرابة). قاله ابن عباس ومالك والحسن وعكرمة ومجاهد وطاووس وقتادة والضحاك.
وبتفصيل أكثر: رواه ابن وهب (عن مالك)، ورواه عبد الرزاق (عن الحسن)، ورواه مسلم بن خالد الزنجي وابن جرير (عن ابن عباس)، ورواه ابن جرير (عن عكرمة وعن مجاهد وعن طاووس وعن الحسن وعن أبي مالك وعن قتادة والضحاك)، ورواه الحاكم (عن ابن عباس).
وذكره الخليل بن أحمد، ويحيى بن سلام، وابن شكيل، وأبو عبيدة، وقطرب، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وابن قتيبة، والزجاج، والسجستاني، والنحاس، وغلام ثعلب، وابن فارس، وابن سيده، وابن منظور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير.
الأدلة والشواهد:
- قال الشاعر: حَفَدَ الولائدُ بينَهُنَّ وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمالِ
- جاء في القنوت عن عمر رضي الله عنه: (وإليك نسعى ونحفد): أي نأتي بسرعة ونخف في العمل.

القول الثاني: ولد الولد (جمع حفيد). قاله ابن عباس وعكرمة وابن زيد.
وبتفصيل أكثر: رواه عبد الرزاق (عن عكرمة)، ورواه البخاري وابن جرير (عن ابن عباس وعن ابن زيد).
وذكره الخليل بن أحمد وابن فارس وابن سيده وابن منظور وابن عاشور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير.
الأدلة والشواهد:
قال تعالى: "فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب". ذكره ابن عاشور. أن من منة الله على عباده ولد الولد، فسماها الله (بشرى).

القول الثالث: الأصهار والأختان (الأعوان والأنصار من القرابة من أهل الزوج والزوجة). قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وأبو الضحى وأبو إبراهيم وإبراهيم.
وبتفصيل أكثر: ورواه عبد الرزاق (عن عبد الله بن مسعود)، ورواه مسلم بن خالد الزنجي (عن مجاهد)، ورواه ابن جرير (عن عبد الله بن مسعود وعن ابن عباس وعن أبي الضحى وعن أبي إبراهيم وعن سعيد بن جبير وعن إبراهيم وعن الحسن).
وذكره يحيى بن سلام وابن شميل والفراء وعبد الله بن يحيى بن المبارك وابن قتيبة والزجاج والسجستاني وغلام ثعلب وابن فارس وابن سيده وابن منظور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير.

القول الرابع: بنو المرأة من زوجها الأول. رواه ابن جرير (عن ابن عباس).
وذكره السجستاني وابن منظور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي

القول الخامس: البنات.
ذكره الخليل بن أحمد والزجاج.
وذكره ابن عطية.
الأدلة والشواهد:
قال الخليل بن أحمد: البنات هن خدم الأبوين في البيت.

التوجيه:
على القول الأول: بيّن ابن عطية أن "من أزواجكم" بمعنى من آدم وحواء، لعموم اشتراك البشر فيهما، فجعل الله لهم البنين والخدمة من غير القرابة، فمن لم يكن له زوجة، فقد جعل الله له الخدم وحصلت تلك النعمة، فتستقيم لفظة "الحفدة" على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة.
فمن جعل معنى "حفدة" البنين: جعل العطف هو لعطف تغاير الصفات لموصوف واحد. فتكون منة الله أن جعل للناس بنين، وجعلهم خدمة لوالديهم، قد جمعوا بين البنوة والخدمة. وكما ذكر ابن الجوزي: كانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم.
وكأنه قال" بنين وهم حفدة". ويتم توجيه "من أزواجكم" على أنها من الزوجة المباشرة ليكون النسل لهم من البنات والبنين المذكورين في الآية.
وقد وجه بعض المفسرين معنى "الحفدة" هنا بأنها الخدم من ناحية الإعراب: أن هناك انقطاع عما قبله ينوى به التقديم، وكأنه قال: جعل لكم حفدة، وجعل لكم من أزواجكم بنين.
وعلى القول الثاني:
قال ابن عاشور: (والحَفَدَةُ: جَمْعُ حافِدٍ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كامِلٍ، والحافِدُ أصْلُهُ المُسْرِعُ في الخِدْمَةِ، وأُطْلِقَ عَلى ابْنِ الِابْنِ؛ لِأنَّهُ يَكْثُرُ أنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الجَدِّ بِسَبَبِ الكِبَرِ).
وقال أيضا: (فَأنْعَمَ اللَّهُ عَلى الإنْسانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الحَلْقَةِ الأُولى مِنها، وهِيَ كَوْنُ أبْنائِهِ مِن زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أبْناءِ أبْنائِهِ مِن أزْواجِهِمْ، فانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الأنْسابِ بِهَذا النِّظامِ المُحْكَمِ البَدِيعِ، وغَيْرُ الإنْسانِ مِنَ الحَيَوانِ لا يَشْعُرُ بِحَفَدَتِهِ أصْلًا، ولا يَشْعُرُ بِالبُنُوَّةِ إلّا أُنْثى الحَيَوانِ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً مِنَ الإرْضاعِ، والحَفَدَةُ لِلْإنْسانِ زِيادَةٌ في مَسَرَّةِ العائِلَةِ، قالَ تَعالى ﴿فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾)
قال القرطبي نقلا عن المهدوي [وقد بحثت في كتب المهدوي لأجد أصل هذا القول فلم أوفق]: (وهو ظاهر القرآن بل نصه)، وقال: (والظاهر عندي أن "بنين" هم أولاد الرجل لصلبه، و "حفدة" أولاد أولاده، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا، ويكون تقدير الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، ومن البنين حفدة).
وعلى القول الثالث: فقد نقل النحاس عن الأصمعي قوله: (الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبهها، والأصهار من الرجل والمرأة جميعا. يقال: أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر). [وقد بحثت عن أصل كلام الأصمعي منه مباشرة فلم أوفق لذلك]. وقال القرطبي: (يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَبَا الْمَرْأَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقْرِبَائِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ تُزَوِّجُونَهُنَّ، فَيَكُونُ لَكُمْ بِسَبَبِهِنَّ أَخْتَانٌ).
فهذا من عادة القرابة أن يخدم بعضهم بعضا غالبا، وأن "من أنفسكم أزواجا" أنه من الزوج والزوجة مباشرة، فبالمصاهرة تحصل القرابة التي من شأنها أن يخدم بعضهم البعض غالبا.

وعلى القول الرابع: فإن أبناء الزوجة في البيت من غير الزوج عادة ما يكونون ممن يقومون بالخدمة.
وقد تلحق بالأختان والأصهار من قبل أقارب الزوجة.

وعلى القول الخامس: فإن من عادة البنات أن يكنّ خدما لوالديهم في البيت.
فمن فسرها على أنها البنات، جعل العطف في "بنين وحفدة" عطف لتغاير الجنسين، فجنس الإناث يختلف عن جنس الذكور.
ويتم توجيه "من أزواجكم" على أنها من الزوجة المباشرة ليكون النسل لهم من البنات والبنين المذكورين في الآية.
ذكر ابن عطية قول الزهراوي: لأنهن خدم الأبوين، ولأن لفظة "البنين" لا تدل عليهن، واستدل بقوله تعالى: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، وإنما الزينة في الذكور.

فمن الأقوال المذكورة أعلاه نلحظ أن معنى الخدمة والإسراع فيها بيّنا واضحا هنا، وتحته يندرج خدمة البشر بعضهم لبعض مع اختلاف مسمياتهم ودرجة قربهم وبعدهم، ولذلك تبنى بعض اللغويين هذا المعنى، كونه سائغ شرعا.
فتكون كل الأقوال داخلة في معنى "حفدة" وأنها من المنن العظيمة التي امتن الله بها على عباده، أن رزقهم خدمة وأعوان، فكل من أسرع في حاجتك فهو حافد قرابة كان أو غير قرابة: سواء كان من البنين أو البنات، أو أبنائهم، أو أقاربهم من الأصهار والأختان، أو من غير الأقارب كالخدم الذين تدفع لهم الأجرة.
بل وتدخل الزوجة في ذلك: قال القرطبي نقلا عن المهدوي [وقد بحثت في كتب المهدوي لأجد أصل هذا القول فلم أوفق]: (فَقَدْ خَرَجَتْ خِدْمَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَبْدَعِ بَيَانٍ، قاله ابن العربي رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ ﷺ لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ ... الْحَدِيث". وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ بِيَدِي. الْحَدِيثَ). وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: عَلَيْهَا أَنْ تَفْرِشَ الْفِرَاشَ وَتَطْبُخَ الْقِدْرَ وَتَقُمَّ الدَّارَ، بِحَسَبِ حَالِهَا وَعَادَةِ مِثْلِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فكَأَنَّهُ جَمَعَ لَنَا فِيهَا السَّكَنَ وَالِاسْتِمْتَاعَ وَضَرْبًا مِنَ الْخِدْمَةِ بِحَسَبِ جَرْيِ الْعَادَةِ). وأضاف: (وَهَذَا أَمْرٌ دَائِرٌ عَلَى الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَعْرَابِ وسكان البوادي يخدمن أزواجهن (حتى فِي اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ وَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ).
قال ابن جرير: (ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما أجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم).

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 شعبان 1443هـ/19-03-2022م, 10:44 PM
هنادي الفحماوي هنادي الفحماوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 283
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تخريج الأقوال (٤)
١- قول الشعبي في تفسير قوله تعالى (تتخذون منه سكرا) السكر النبيذ
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية المراد بالسكر ولها تعلق بالناسخ والمنسوخ
الأقوال الواردة في المسإلة:
١- خمور الأعاجم وما حرم من شراب الأعناب والنخيل:
أصحاب القول : عمر ،ابن عباس، سعيد بن جبير ، قتادة ، الحسن ، الضحاك ،مجاهد ، أبو رزين
٢- نقيع الزبيب والتمر والعنب (النبيذ)
أصحاب القول: ابن عباس في أحد أقواله ،مجاهد ، الشعبي ، عطاء الخراساني
تخريج قول الشعبي:
رواه الطبري من طرق عن أبي روق ومجالد عن الشعبي.
توجيه الأقوال
السكر لغة على أوجه أربعة :
ما أسكر من الشراب
ما طعم من الطعام
السكون
المصدر من قولهم سكر يسكر سكرا
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة.
وقال ابن عباس الحبشة يسمون الخمر سكرا وقال إن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر وأراد بالسكر الخمر وبالرزق الحسن كل يشرب ويؤكل حلالا من الشجرتين
ونقل يحيى بن سلام البصري عن عمر بن الخطاب قوله: إن هذه الأنبذة تنبذ من خمسة أشياء من التمر والزبيب والعسل والبر والشعير فما خمرتم منه فعتقتم فهو خمر..
وقال الأخفش البلخي : قال تتخذون منه وليس منها لأنه أضمر الشيء كأنه قال ومنها شيء تتخذون منه سكرا..
وقال الثعلبي السكر ما شربت والرزق ما أكلت .
وقال الشعبي ومجاهد السكر المايغ من هاتين الشجرتين كالخل والرب والنبيذ..
فهنا نجد اتجاهين بإن السكر هو المحرم من الشراب فتكون الآية منسوخة
والاتجاه الآخر هو الشراب المتخذ من ثمار هذه الأشجار فتكون الآية غير منسوخة
نقول بداية أن الآية مكية وقد حرمت الخمر في المدينة بنزول آيات سورة المائدة وروى الطبري عن أبي رزين بأن هذه الآية نزلت عليهم وهم يشربون الخمر وقبل تحريمها.
وقد رجح الطبري القول الثاني لان ما ذكر في آية المائدة بتحريم الخمر دليل على أن الخمر غير السكر المذكور في الآية إذ كان السكر أحد معانيه عند العرب ما يطعم ولم يكن ذكر نسخه في التنزيل ولا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
فوجب القول من أن معنى السكر هنا هو كل ما حل شربه مما يتخذ من ثمر النخل والكرم..
وقال ابن عطية إن القول بأن هذه الآية منسوخة بتحريم الخمر فيه درك لأن النسخ يكون في حكم مستقر مشروع وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: حرمت الخمر بعينها والسكر من غيرها..
ولعل أرجح ما يكون أن هو الجمع بين القولين بأن السكر هو النبيذ الذي كانت العرب تنتبذه من التمر والشعير والعنب وكان حلالا كله قبل أن يحرم الله منه الخمر خاصة كما بينه حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما عتق من هذه الأنبذة وأن ما لم يعتق من هذه الأنبذة فهو حلال ليومنا هذا فقول عمر بن الخطاب يبين أن السكر يجمع النوعين الحلال والحرام ولكن بضابط العتق فإن لم يعتق فهو حلال وإن عتق فهو حرام
ومع ذلك يمكن اعتبار أن هذه الآية وإن لم تكن منسوخة فهي ممهدة لتحريم الخمر حيث أن الله مدح الرزق بالحسن وسكت عن السكر فلم يمدحه أو يذمه لان السكر كما اسلفنا يكون حلالا إن لم يعتق وحراما إن عتق
وهذا ما ذكره القسطلاني : أنها وإن سبقت تحريم الخمر إلا أنها دالة على كراهتها وأنها جامعة بين العتاب والمنة .

والله أعلم..
_______________________________
٢- قول محمد بن سيرين (السابقون الأولون) الذين صلوا القبلتين
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية بيان المراد بالسابقين الأولين
الأقوال في المسألة:
١- الذين صلوا إلى القبلتين جميعا وهم أهل بدر:
أصحاب القول: أبو موسى ، سعيد بن المسيب، قتادة، أشعث، ابن سيرين وأحد الروايات عن الشعبي
٢- الذين شهدوا بيعة الرضوان أو أدركوا
أصحاب القول: الشعبي
٣- أبو بكر وعمر وعلي وسلمان وعمار بن ياسر
أصحاب القول: ابن عباس
٤- من شهد بدرا
أصحاب القول : عطاء
تخريج القول عن ابن سيرين:
رواه الطبري عن بشار عن معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين
ورواه المنذر عن محمد بن سيرين كما جاء عند السيوطي.
توجيه الأقوال:
الأقوال جميعها تؤكد على أفضلية السابقين في الإسلام من المهاجرين والأنصار باختلاف تمثيلات المفسرين للمراد بهم :
الشعبي جعل بيعة الرضوان حاكما على الأسبقية فمن أدركها من السابقين ومن جاء بعدها فليس منهم
ومنهم من قال بأنهم من صلى إلى القبلتين أو شهد بدرا
ولكن هذه الأقوال تحصر الأفضلية فيهم..
ولكن الأثر الذي نقله الطبري في أحد طرقه عن محمد بن كعب القرظي عن عمر بن الخطاب انه مر برجل يقرأ هذه الآية (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان) فأنكر عليه القراءة بالواو قبل الذين فلم يقبل حتى سمعها من أبي بن كعب وبين له ان مصداق ذلك في كتاب الله تعالى (وآخرين منهم لمل يلحقوا بهم ) وقوله أيضا (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
وقوله تعالى (والذين آمنوا من بعد وهاجروا معكم فأولئك منكم)
فهذا الأثر يوسع الدائرة ويدخل من أحسن في اتباع منهج المهاجرين والأنصار في الأسبقية .
وهذا ما يترجح لي والله أعلم لعلمنا بفضل الله ومنته وأنه لا يظلم مثقال ذرة ولا يضيع أعمال عباده والله أعلم.
___________________________
٣- قول عطاء بن رباح : التفث حلق الشعر وقطع الأظفار
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية بيان معنى التفث
الأقوال في المسألة:
١- قص الشارب وتقليم الأظفار:
أصحاب القول:مجاهد، عكرمة ،قتادة ، عطاء بن رباح
٢- رمي الجمار وذبح الذبيحة وحلق الرأس والطواف بالبيت (المناسك)
ابن عمر، ابن عباس، القرظي ، مجاهد، ابن جريج ، الحسن
٣- حلق الرأس:
قتادة، الضحاك
تخريج قول عطاء:
رواه يحيى بن سلام البصري عن حماد بن قيس بن سعد عن عطاء
توجيه الأقوال:
التفث لغة: ما يصيب المحرم من ترك الادهان والغسل والحلق وإزالته من مناسك الحج.
وقال الفراء أن التفث فنحر البدن وغيرها من البقر والغنم وحلق الرأس وتقليم الأظفار..
وقال الزجاج : التفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال.
فنقول يمكن الجمع بين القولين باعتبار أن القول أنه أداء المناسك سبب للإحلال فلا يمكن الأخذ من الشعر أو تقليم الأظفار إلا بتمامها.
وكذلك لا يمكن أن يتحلل الحاج من نسكه إلا بها..
والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 شعبان 1443هـ/20-03-2022م, 04:59 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
تخريج قول مجاهد:
*رواه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): في الجامع في علوم القرآن ، فقال : وأخبرني الحارث، عن غالب بن عبيد الله، عن مجاهد، في قول الله: {وأيدناه بروح القدس}، قال: «القدس هو الله.
*و رواه ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ):في تفسيره فقال: حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، ثنا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بروح الْقُدُسِ قَالَ: الْقُدُسُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وغالب متروك الحديث منكر، كما ذكرابن أبي حاتم الرازي في كتابه الجرح و التعديل، و أبو حذيفة متكلم فيه كما في كتب الجرح و التعديل.
يعضد هذا القول ما روي من روايات بألفاظ متقاربة عن كلًا من : أبو جعفر، كعب، ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره، و ذكر ابن جرير أن ابن زيد استشهد بالآية:((هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس) و قال:«القدس والقدّوس واحدٌ .
و اختلف السلف في القدس على أربعة أقوال؛ قولان منهما يعودان للمعنى اللغوي لكلمة( القدس) و هما ؛ المطهر (رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسيره)، و البركة (روى ذلك ابن جرير في تفسيره عن السدي)، و البركة من لازم التطهير.
و القول الثالث؛ الاسم الذي كان عيسى يحي به الموتى رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس، و قد ضعف هذه الرواية ابن حجر في فتح الباري، و حكى ابن أبي حاتم أنه قد روي عن سعيد بن جبير مثله، و قال الزمخشري في الكشاف ( اسم الله الأعظم الذي كان يحي به الموتى).
و القول الرابع و الذي عليه أكثر المفسرين أنه ( الله) ، قاله مجاهد، روى ذلك عنه عبد الله بن وهب المصري و ابن أبي حاتم، و قاله أبو جعفر، و كعب، و ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
و لبيان ما يترجح في المسألة نعرج لبيان المعنى المراد من الروح، و قيل فيه أقوال؛ الأول : الإنجيل، قاله ابن زيد، روى ذلك عنه ابن جرير في تفسيره، و القول الاثني: اسم الله الأعظم الذي كان يحي به عيسى الموتى. رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم عن ابن عباس، و القول الثالث:أَرَادَ بِالرُّوحِ الَّذِي نُفِخَ فِي عيسى، قَالَه الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ كما ذكر البغوي في تفسيره.
القول الرابع :جبريل عليه السلام، قاله كلًأ من: قتادة، الضحاك، السدي، الربيع بن أنس، روى ذلك عنهم ابن جرير، و رواه عن جابر مرفوعًا أبو الشيخ في العظمة.
و وجه إطلاق الروح على كل من هذه الأقوال كما ذكر ابن حيان في تفسيره، ما جمعها؛ أن كلًأ منها سبب للحياة من وجه، فأطلق على كلًا منها الروح مجازًا؛ فَجِبْرِيلُ هو سَبَبٌ لِحَياةِ القُلُوبِ بِالعُلُومِ، والإنْجِيلُ سَبَبٌ لِظُهُورِ الشَّرائِعِ وحَياتِها، والِاسْمُ الأعْظَمُ سَبَبٌ لِأنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إلى تَحْصِيلِ الأغْراضِ.
و مما قاله السمعاني في كتابه تفسير القرآن في وجه تسمية جبريل روحًا: للطافته، أو لمكانه من الوحي الذي هو سبب لحياة القلوب.
و ما يترجح أنه جبريل عليه السلام، و هو اختيار ابن جرير، و ابن عطية و كثير من المفسرين، و بين ابن جرير وجه ذلك؛ فاستشهد بمعنى الآية ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلّم النّاس في المهد وكهلاً وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل )، ففيها ذكر تأييد الله لعيسى بروح القدس، ثم ذكر تعليمه له بالكتاب الذي هو الإنجيل، فلو كان روح القدس و الكتاب واحد لكان تكرار لقول لا معنى له، تنزه الله أن يخاطب عباده بما لا فائدة منه.
و ذكر ابن كثير عددًا من أدلة ترجح القول بأن المراد هو جبريل عليه السلام ، منها: ما نص عليه ابن مسعود في تفسيره لهذه الآية ، و تابعه عليه ابن عباس و محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وإسماعيل بن أبي خالدٍ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وعطيّة العوفيّ، وقتادة
و منها قوله تعالى: (نزل به الرّوح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* ) الشّعراء: 193-195]
و منه ما روته عائشة (رضي الله عنها): أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وضع لحسّان بن ثابتٍ منبرًا في المسجد، فكان ينافح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهمّ أيّد حسّان بروح القدس كما نافح عن نبيّك».
و ما روي عن شهر بن حوشبٍ الأشعريّ: أنّ نفرًا من اليهود سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: أخبرنا عن الرّوح. فقال:«أنشدكم باللّه وبأيّامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنّه جبريل؟ وهو الذي يأتيني؟»، قالوا: نعم.
و قد أيد ابن حيان في تفسيره هذا القول، و ذلك لأن مشابهة جبريل للروح أتم، و التسمية فيه أظهر،كما أن المراد بأيدناه قويناه، و هذا لا يكون على الحقيقة إلا من جبريل عليه السلام، و من الإنجيل و الاسم الأعظم يكون مجازًا، بالإضافة إلى أن اختصاص عيسى عليه السلام بجبريل آكد من أي نبي ؛ و ذلك لأنه هو من بشر مريم و خلق عيسى بنفخه، و غيرها مما ذكر من جبريل عليه السلام مع عيسى عليه السلام.

و عودة للحديث عن المعنى المراد ب(القدس) في الآية، بناء على ما ترجح أنه جبريل عليه السلام؛ فأقوال المفسرين التي سبق ذكرها عن السلف و المفسرين هي من اختلاف التنوع، و لا تضاد، و فيها زيادة معنى، و الآية تحتمل جميع الأقوال.
من فسر القدس بالله؛ فهو تفسير بالاصطلاح، و القدس و القدوس واحد (كما قال ابن زيد)، اسم من أسماء الله الحسنى، و إضافة جبريل له إضافة الملك إلى المالك، المخلوق إلى الخالق؛ و ذلك لأن جبريل من عباد الله تعالى، و في ذلك تشريف و بيان لمكانة جبريل من الله عز و جل، كما أن فيها بيان أنه لا يخرج عن أمره في شيء.
و من فسر القدس بالطهر و البركة فسر بالمعنى اللغوي، و يتوجه المعنى بناء على ذلك: أن جبريل عليه السلام مطهر، فالله خلقه من روح عنده، مطهر من الولادة من الوالد، و الولد كعيسى عليه السلام، مفهوم كلام ابن جرير.
كما أنه لم يقترف ذنبًا قط و كان طاهرًا من الذنوب، ذكر ذلك السمعاني في تفسيره، و طاهر من كل عيب كما قال ابن القيم في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
و التفسير بالبركة هو من لازم التفسير بالطهارة.
و عليه فجبريل عليه السلام عبد لله شرفه الله بإضافة ذكره لاسمه و نال من شرف هذا الاسم التطهير و البركة و هو في ذاته مطهر و مبارك.

( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
المسألة هي ما المعنى المراد بالسحت.
تخريج القول:
رواه بلفظه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): في الجامع في علوم القرآن، فقال: أخبرني أشهل عن قرة بن خالد، عن الحسن في هذه الآية: {أكالون للسحت}، أكالون الرشى). [1/137)
و روى بن جرير في تفسيره و ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبو عقيل عن الحسن، قولًا يشابهه بزيادة تبين من هم الأكالون هم ( الحكام و الملوك).
و روى مثل ذلك عبد ابن حميد كما في الدر المنثور.
و السحت على كلام العرب من سحته و أسحته إذا استأصله، و أهلكه، ذكر ذلك ابن قتيبة في كتابه غريب القرآن و النحاس في كتابه معاني القرآن.
و قال معمر بن المثني في كتابه مجاز القرآن - ما معناه العموم- :أنه كسب ما لا يحل.
و إطلاق السحت على المال الحرام وجوه، أنه على أصله؛ أي أن السحت هو اسم لكسب المال الحرام، و وجه إطلاق السحت عليه ما ذكره ابن عطية في تفسيره؛ أن المال الحرام يذهب و النوب تسأصله، و استشهد بقول الرسول صلى الله عليه سلم : (مَن أصابَ مالًا مِن مَهاوِشَ أذْهَبَهُ اللهُ في نَهابِرَ)،-و هو يقارب قول البقاعي في نظم الدرر: أنه يُسحت البركة،أي يستأصلها-، و ذكر ابن عطية وجهًا آخر عقب عليه بقوله أنه أشبه، نسبه للمهدوي: سُمِّيَ أجْرُ الحَجّامِ "سُحْتًا"؛ لِأنَّهُ يُسْحِتُ مُرُوءَةَ آخِذِهِ.
و من وجوه إطلاق السحت على المال الحرام؛ أن السحت كناية عن أكل المال الحرام؛ و هو ما نسبه السمين الحلبي و الرازي للفراء أن أصل السحت شدة الجوع( كلب الجوع)، و فصل ابن جرير في بيان وجه هذه التسمية فقال: كَلَبُ الجُوعِ؛ يُقالُ: "فُلانٌ مَسْحُوتُ المَعِدَةِ"؛ إذا كانَ لا يُلْفى أبَدًا إلّا جائِعًا؛ يَذْهَبُ ما في مَعِدَتِهِ؛ فَكانَ الَّذِي يَرْتَشِي بِهِ مِنَ الشَرَهِ ما بِالجائِعِ أبَدًا؛ لا يَشْبَعُ.
و هذا القول قد يعود للقول الأول أنه يستأصل كل ما يقع أمامه، كما قال السمين الحلبي في تفسيره أن يرجع للهلكة.
وقد ذكر ابن عطية هذا القول عن ابن جرير، و وصفه بالاضطراب حيث قال أن مسحوت المعدة مأخوذ من الاستئصال و الذهاب و ليس كلب الغرث، و ما وصف به اليهود هو أكلهم للمال الحرام بما يقولون من أباطيل و ما يخدعون به الناس.
و من الوجوه أيضًا التي قيلت في سبب إطلاق السحت على المال الحرام؛ أن السحت هو مجاز عن المال الحرام، ذكر الله عز و جل المآل ( العذاب و الهلكة ) و أراد السبب و هو أكل المال الحرام، و يظهر ذلك في كلام الزجاج في كتابه معاني القرآن: أن المقصود هو أنهم يأكلون ما يكون سببًا في هلاكهم و عذابهم_ و هو المال الحرام الذي لا يحل _ و استشهد بالأيات؛ كَما قالَ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿لا تَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكم بِعَذابٍ﴾ [طه: ٦١]، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ: ﴿إنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نارًا﴾ [النساء: ١٠]، أيْ: يَأْكُلُونَ ما عاقِبَتُهُ النّارُ.
و الأقوال التي ذكرها السلف و المفسرون في المعنى المراد بالسحت متنوعة و تقع جميعها تحت كسب المال الحرام الذي لا يحل و الذي يوجب الهلكة و العذاب و الذي يهلك بالنوب، و هذه الأقوال هي:
القول الأول: الرشوة، و أختلف السلف أي الرشاوي يُراد، فقالوا؛ أما رشوة الحاكم و السلطان: روى ذلك ابن أبي حاتم عن كلًا من : بن عباس (مرفوعًا)، وعن طاووس، أو رشوة في الحكم، رواه ابن أبي حاتم عن مجاهد، و حكى أنه روي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والحَسَنِ، وإبْراهِيمَ، وعِكْرِمَةَ، أو الرشوة في الدين: روى ذلك ابن ابي حاتم عن عبد الله
أما القول الثاني في المراد بالسحت: قبول الهدية و قد أختلف السلف و المفسرين من الذي يقبل الهدية و ممن على أقوال: من قال القاضي على حكم حكمه: رواه ابن أبي حاتم عن مسروق
، و من قال من المعلم على عمل احتسبه: رواه ابن أبي حاتم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ
و من قال مَن شَفَعَ لِرَجُلٍ لِيَدْفَعَ عَنْهُ مَظْلَمَةً أوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَقًّا، رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود
و القول الثالث في المراد بالسحت هو :مَهْرَ البَغِيِّ وثَمَنَ الكَلْبِ والسِّنَّوْرِ وكَسْبَ الحَجّامِ مِنَ السُّحْتِ، رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعًا، و رواه عن عطاء برن رباح بزيادة قال( لِلسُّحْتِ خِصالٌ سِتٌّ: الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ، وثَمَنُ الكَلْبِ، وثَمَنُ المَيْتَةِ، وثَمَنُ الخَمْرِ، وكَسْبُ البَغِيِّ، وعَسْبُ الفَحْلِ).

و الذي يتبين مما سبق؛ أن السحت في الآية يقع تحته كل ما قيل من أقوال؛ و الأقوال التي ذكرنا للسلف كل منها هو قول بالمثال، و يدخل فيه دخولًا أوليًا؛ الرشى التي تكون في الحكم و ذلك للحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه و سلم و لمناسبته لسياق الكلام، فسياق الآيات في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشى ليحكموا بالباطل بين الناس،و يحللوا ما حرم الله، كما ذكر أبو حيان في تفسيره: عَنِ الحَسَنِ: كانَ الحاكِمُ في بَنِي إسْرائِيلَ إذا أتاهُ أحَدُهم بِرِشْوَةٍ جَعَلَها في كُمِّهِ فَأراهُ إيّاها، وتَكَلَّمَ بِحاجَتِهِ، فَيَسْمَعُ مِنهُ ولا يَنْظُرُ إلى خَصْمِهِ، فَيَأْكُلُ الرِّشْوَةَ ويَسْمَعُ الكَذِبَ.

( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
المسألة:
المعنى المراد من (و الأرحام)
تخريج قول عكرمة:
رواه سفيان الثوري في تفسيره و ابن جرير في تفسيره من طريق خصيف عن عكرمة.
ذكر السيوطي في الدر النثور أن عبد بن حميد أخرج عن عكرمة في قوله {الذي تساءلون به والأرحام} قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا وخير لكم في آخرتكم.
و هذا القول فيه بيان لفضل صلة الرحم التي يضيعها قاطع الرحم.
و قد اختلف المفسرون في المعنى المراد ب( و الأرحام) على أقوال، تعود لمعنين هما؛ القسم بالأرحام، و الحض على صلة الرحم و عدم قطعها.
و يكون تقدير الآية على القول أن المراد القسم بالأرحام ؛ واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول:"أسألك به وبالرّحِم" ، روى ذلك ابن جرير في تفسيره عن إبراهيم و مجاهد و الحسن.
و على القول أن المراد صلة الرحم ، يكون التقدير؛ الأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ، ذكره ابن عطية ، أو و اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، روى ذلك ابن جرير في تفسيره، عن ابن عباس و قتادة و السدي، و الحسن و عكرمة .
و هذه الأقوال أصلها بُنيَ على القراءات في الآية، فقد ذكر لها ثلاث قراءات؛ قراءتان غير مشهورتين؛ بالضم و الخفض، و قراءة مشهورة بالنصب.
ذكر ابن عطية في تفسيره أن قراءة عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ "والأرْحامُ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، و عليه يكون المعنى (والأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ)، وقَدَّرَهُ الزمخشري:» والأرحام مِمَّا يتقي» أو «مما يتساءل به» .
و عقب ابن عادل في اللباب على هذا التقدير: وهذا أحسنُ للدلالة اللفظية، والمعنوية، وقَدَّرَهُ أبو البقاء: والأرحام محترمة، أي: واجبٌ حرمتها.
أما قراءة "والأرْحامِ" بِالخَفْضِ، فقد قَرَأ بها حَمْزَةُ وجَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ كما ذكر ابن عطية في تفسيره و قال ابن عادل في اللباب في الكتاب؛ أن هذا الإعراب بالخفض و قراءة الخفض يؤيدها قراءة عبد الله «وبالأرحام» .
و توجيه هذه القراءة على عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الأرحام عطفت على الضمير (به)، فيكون تقدير الجملة، اتقوا الله الذي تساءلون به و تساءلون بالأرحام، و قد ذكر ابن عادل ان من قال بالعطف على الضمير المجرور استشهد بالآية: ﴿وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام﴾ [البقرة: 217
الوجه الثاني: ذكره ابن عادل في اللباب في الكتاب؛ أنه ليس معطوفاً على الضمير المجرور، بل الواو للقسم( قال الألوسي فيه:هو وجْهٌ حَسَنٌ)،
فالخفض هنا بحرف القسم مقسم به، وجوابُ القسمِ ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.
الوجه الثالث: ذكره الألوسي و نسبه إلى ابْنُ جِنِّي في الخَصائِصِ، أنه قال: بابٌ في أنَّ المَحْذُوفَ إذا دَلَّتِ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ كانَ في حُكْمِ المَلْفُوظِ بِهِ، و قال : وعَلى نَحْوٍ مِن هَذا تَتَوَجَّهُ عِنْدَنا قِراءَةُ حَمْزَةَ، وفي شَرْحِ المُفَصَّلِ أنَّ الباءَ في هَذِهِ القِراءَةِ مَحْذُوفَةٌ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِها.
الوجه الرابع: جعل أبو البقاء تقدير الكلام: تُعَظِّمُونه والأرحام، لأنَّ الحَلْفَ به تَعْظِيم له، ذكر ذلك عنه أبو عادل في اللباب.
و قد ردت هذه القراءة من عدد من أهل اللغة و التفسير كالفراء و الزجاج و ابن جرير و ابن عطية و غيرهم؛ و الأسباب التي قرروها هي: أن هذه القراءة لا توافق القواعد العربية في القرآن، و لا توافق أحكام الشريعة.
و فيما يتعلق بعدم موافقتها القواعد العربية:
- فالعرب لا تعطف مخفوض على مخفوض مكنى عنه، و إنما يجوز هذا في الشعر لضيقه، و ذكر الزجاج إجماع أهل النحويين على ذلك، وذكر تفصيل ذلك ابن عادل: ان البصريين هم من لا يجيزوها، و الكوفيون على الكراهة، و لا يذكرون سببًا لذلك.
- القول بأنه ليس معطوفاً على الضمير المجرور، بل الواو للقسم، ذكره ابن عادل ز ضعفه، و السبب :أن قراءتي النصبِ وإظهار حرفِ الجر في ب» الأرحام «يمنعان من ذلكَ، والأصلُ توافق القراءات.
- أن القسم بالأرحام ليس فيه حض على التقوى، فلا يكون ذكر القسم إلا للإخبار، و هذا ليس بفصيح، فالفصاحة تقتضي أن يكون هناك فائدة مستقلة في ذكر القسم بالأرحام، ذكر ذلك ابن عطية.
و أسقط الألوسي هذا السبب؛ و ذلك لِأنَّ التَّقْوى إنْ أُرِيدَ بِها تَقْوى خاصَّةً، وهي الَّتِي في حُقُوقِ العِبادِ، الَّتِي مِن جُمْلَتِها صِلَةُ الرَّحِمِ، فالتَّساؤُلُ بِالأرْحامِ مِمّا يَقْتَضِيهِ بِلا رَيْبٍ، وإنْ أُرِيدَ الأعَمُّ فَلِدُخُولِهِ فِيها.
و ذلك كان رد هذه القراءة من حيث قبحها من جهة العربية ، أما من حيث أنها لا توافق الدين، فذلك بسبب: أنه لا يجوز الحلف بغير الله قال صلى الله عليه و سلم "مَن كانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أو لِيَصْمُتْ"،»
و قد عقب ابن عادل على هذا السبب بما يظهر منه أنه لا يوافقه، أن النهي ورد عن الحلف بالآباء فقط، -و يقصد هنا أبو عادل قول الرسول صلى الله عليه و سلم: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»- وهاهنا ليس كذلك، بل هو حلف باللهِ أولاً، ثُمَّ قرن بِهِ بَعْدَ ذكر الرحم، وهذا لا ينافي مدلول الحديث.
و وافق الالوسي ابن عادل في عدم موافقته لهذا السبب في رد القراءة، بما يتوافق مع مذهبه الشافعي أن هذا مما أختلف فيه، و فصل القول فيه عنده بما خلاصته؛ أن الحلف يجوز إن كان على سبيل التأكيد، ممّا لا بَأْسَ بِهِ؛ فَفي الخَبَرِ: «“أفْلَحَ وأبِيهِ إنْ صَدَقَ» .، و أن قول : أسْألُكَ بِالرَّحِمِ ؛ يعني الاستعطاف و ليس قسمًا.
و مما رد ابن عطية به معنى القسم؛ لعدم مناسبته لنظم الكلام، و المعنى يخرجه؛ إذ كيف يكون القسم بالمخلوق على أمر يتعلق بالله ( إن الله كان عليكم رقيبًا)؟
و ذكر ابن عادل قولًا نسبه لآخرون؛ أن هذا حكاية عن فعل كانوا يفعلونه في الجاهلية؛ لأنهم كانوا يقولون: أسألك بالله وبالرحم، فمجيء هذا الفعل عنهم في الماضي لا ينافي ورود النهي عنه في المستقبل.
و للفرار من هذا السبب في رد القراءة، ذكر ابن عادل في اللباب أن بَعْضهم قدر مضافاً ،فقال: «ورَبِّ الأرحام» ، و أن بعضهم جعل التقدير قسم من الله بالأرحام، و الله يُقسمَ بما يشاء من مخلوقاته [كما أقسم] بالشمس والنجم والليل، و هذا التوجيه ليس مقصودًا من حيث المعنى كما ذكر ابن عادل، و قال : الأولى حمل هذه القراءات على العطف على الضمير، ولا التفات إلى طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فيها.
اختلاف السلف في توجيه القراءة لا يعني أن ترد، فهذه القراءة صحيحة عن حمزة، كما ذكر و بين كلأً من أبو عادل و الألوسي؛ لأن حمزة أحد القراء السبعة، و يبعد أن يكون جاء بها من عند نفسه، بل رواها عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، و ذكر الألوسي سندها ، قال: أخَذَ حمزة هذه القراءة، بَلْ جَمِيعَ القُرْآنِ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مِهْرانَ الأعْمَشِ، والإمامِ ابْنِ أعْيَنَ، ومُحَمَّدِ بْنِ أبِي لَيْلى، وجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ، - وكانَ صالِحًا ورِعًا ثِقَةً في الحَدِيثِ- مِنَ الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ.
لذا قال ابن عادل: أنه يوجب القطع بصحة اللغة، ولا التفات إلى أقيسة النحاة عند وجود السماع، وأيضاً فلهذه القراءة وجهان:
أحدهما: ما تقدم من تقدير تكرير الجر، وإن لم يجزه البصريون فقد أجازه غيرهم.
والثاني: فقد ورد في الشعر
و قال ابن عادل: وحمزة بالرتبة السَّنيَّة المانعةِ له من نقلِ قراءة ضعيفة.
و ذكر مقالة ابن الخطيبِ: «والعَجَبُ من هَؤلاء [النحاة] أنهم يستحسنون إثبات هذه اللغة بهذين البيتين المجهولين، ولا يستحسنوها بقراءة حمزة ومجاهد، مع أنهما كانا من أكابر علماء السلف في علم القرآن» .

و القراءة التي عليها الجمهور هي النصب و هي المشهورة، وهي قِراءَةُ السَبْعَةِ إلّا حَمْزَةَ، وعَلَيْها فَسَّرَ الآية ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ، كما ذكر ابن عطية، و رجح هذه القراءة الزجاج و الفراء و ابن جرير و غيرهم.
و توجيهها أن ( و الأرحام ) تقديرها؛ و اتقوا الأرحام أن تقطعوها، جملة معطوفة على جملة اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام و هو الظاهر كما ذكر ابن عطية.
قال ابن عادل في اللباب في الكتاب: ويقال: إنَّ هذا في الحقيقةِ من عطف الخاصِّ على العام، وذلك أن معنى اتقوا الله؛ اتقوا مخالَفَتَه، وقَطْعُ لأرحام مندرج فيه.
و قد يكون النُصِبَ عَلى العَطْفِ عَلى مَوْضِعِ "بِهِ" لِأنَّ مَوْضِعَهُ نُصِبَ، ذكر ذلك ابن عطية و إن لم يمل إليه.
و ذكر ابن عادل توجيه آخر للقراءة بالنصب نسبها إلى الواحدي، أنه يجوز أن يكون منصوباً بالإغراء، أي: والأرحام احفظوها وصلوها كقولك: الأسدَ الأسدَ، وهذا يَدُلُّ على تحريم قطعيةِ الرحم ووجوب صلته.
و أيد النحاس في كتابه إعراب القرآن هذه القراءة بالاستشهاد بالحديث: عن النذر بن جرير عن أبيه قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى جاء قوم من مصر حفاة عراة فرأيت وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم يتغير لما رأى من فاقتهم ثم صلّى الظهر وخطب الناس فقال: «يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم والأرحام، ثم قال تصدّق رجل بديناره تصدّق رجل بدرهمه تصدّق رجل بصاع تمره»(٦) وذكر الحديث فمعنى هذا على النصب لأنه حضّهم على صلة أرحامهم.
ختامًا: بعدما تبين صحة القراءات جميعًا، و أن مقصود قوله تعالى ب(و الأرحام ) هو الحث على عدم قطع الأرحام، يترجح و الله أعلم أن الأقوال في المعنى المراد ب( و الأرحام) هو من اختلاف التنوع و فيه زيادة معنى، و يجمع بينهم.
فالحث على صلة الرحم يكون بالأمر باتقاء قطعها ؛ كما في قراءة النصب، و بيان أنها أهل أن توصل كما في قراءة الضم، و تعظيم شأن صلة الرحم و ذلك يظهر من توجيه القراءة بالخفض، و الله أعلم.
المراجع : تفسير ابن جرير، تفسير ابن عطية، كتاب اللباب في الكتاب لابن عادل، تفسير روح المعاني للألوسي، كتاب إعراب القرآن للنحاس، كتاب معاني القرآن للزجاج، كتاب معاني القرآن للفراء.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 شعبان 1443هـ/20-03-2022م, 10:25 AM
فروخ الأكبروف فروخ الأكبروف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 302
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله.

المجموعة الثانية:
(1) قول مجاهد: {وأيّدناه بروح القدس}: القدس هو الله).

أخرجه عبد الله بن وهب المصري من طريق غالب بن عبيد الله، وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح، كلاهما عن مجاهد به.
ومعنى القدس لغة: الطهر.
قال الخليل بن أحمد في العين: (القُدسُ: تنزيه الله، وهو القُدّوس والمقدَّس).
وقال الزجاج: (والقدس الطهارة).
قال إسماعيل بن حماد الجوهري في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (القُدْسُ والقُدُسُ: الطُهْرُ، اسمٌ ومصدرٌ).
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة: ((قدس) القاف والدال والسين أصل صحيح، وأظنه من الكلام الشرعي الإسلامي، وهو يدل على الطهر.
ومن ذلك الأرض المقدسة هي المطهرة. وتسمى الجنة حظيرة القدس، أي الطهر. وجبرئيل عليه السلام روح القدس. وكل ذلك معناه واحد. وفي صفة الله تعالى: القدوس، وهو ذلك المعنى؛ لأنه منزه عن الأضداد والأنداد، والصاحبة والولد، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا...)
أما معنى اسم الله القدوس فقد قال ابن أبي زمنين: {القدوس} يعني: الطاهر.
وقال البغوي: {القدوس} الطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به.
قال ابن كثير: {القدوس} أي: المنزه عن النقائص، الموصوف بصفات الكمال.
قال الطاهر بن العاشور: (والقدوس بضم القاف في الأفصح...)
وقول مجاهد مبناه على شيئين:
الأول: أن القدوس من أسماء الله الحسنى، وقد قال تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس} [الحشر: 23].
روى الطبري عن ابن زيد أنه قال: ({وأيدناه بروح القدس}، قال: الله، القدس...قال: نعت الله، القدس. وقرأ قول الله جل ثناؤه: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس}، قال: القدس والقدوس، واحد).
الثاني: قراءة أبي حيوة بذلك. قال ابن عطية: (وقرأ أبو حيوة "بروح القدس" بواو)، وذكرها أيضا أبو حيان، قال: (وقرأ أبو حيوة: القدوس، بواو).
وعلى هذا فالروح فيه قولان:
الأول: أنه جبريل عليه السلام.
قال الشوكاني: (وقيل: القدس هو الله عز وجل، وروحه جبريل).
ودليله قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}.
قال البغوي: (سمي جبريل عليه السلام روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب).
الثاني: أنه الروح الذي نفخ في عيسى عليه السلام.
قال ابن زيد: (الله، القدس، وأيد عيسى بروحه)، رواه الطبري.
وتترتب على هذا مسألتان:
الأولى: معنى الإضافة.
فالإضافة هنا على معنى اللام، فتكون من باب إضافة المملوك إلى مالكه.
قال ابن عطية: (وقال الربيع ومجاهد: الْقُدُسِ اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس، والإضافة على هذا إضافة الملك إلى المالك، وتوجهت لما كان جبريل عليه السلام من عباد الله تعالى).
الثانية: نوع الإضافة.
وعلى كلا القولين المذكورين في المراد بالروح تكون الإضافة إضافة تشريف وتكريم، قال البغوي: (أضافه إلى نفسه تكريما وتخصيصا، نحو: بيت الله، وناقة الله، كما قال: {فنفخنا فيه من روحنا} [12-التحريم]).

والقول الآخر أن القدس صفة للروح، يعني: الروح الطاهرة، فتكون من إضافة الموصوف إلى صفته.
وقد ورد في المراد فيه أقوال:
الأول: هو جبريل عليه السلام. وهو قول قتادة، والسدي، والضحاك، والربيع، وشهر بن حوشب.
وهو اختيار ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والطبري، والزجاج، ومكي، وابن عطية، وابن كثير.
قال الطبري: (وإنما سمى الله تعالى جبريل"روحا" وأضافه إلى"القدس"، لأنه كان بتكوين الله له روحا من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه بذلك"روحا"، وأضافه إلى"القدس" - و"القدس"، هو الطهر - كما سمي عيسى ابن مريم "روحا" لله من أجل تكوينه له روحا من عنده من غير ولادة والد ولده).
قال البغوي: (وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنبا).
الثاني: هو الإنجيل، وهو قول ابن زيد.
الثالث: هو الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى. وهو قول ابن عباس.
وهذا قريب من قول مجاهد؛ إذ يرجع القولان إلى ذات واحد، وهو الله تعالى.
وبين الطبري سبب اختياره، وأنه ضعف القول الثاني؛ لأنه إذا كان الإنجيل لكان قوله تعالى: {إذ أيدتك بروح القدس}، و{إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل}، تكريرا لا معنى له. وعنى به قوله تعالى في سورة المائدة: {إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} الآية.
وقال مكي في ذلك: ((فإن حُمل على أنه أعيد للتأكيد كما قال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، وقال: {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98]، فهو وجه)).

(2) قول الحسن البصري: {أكالون للسحت}: أكالون للرشى).
أخرجه عبد الله بن وهب المصري من طريق قرة بن خالد، والطبري من طريق أبي عقيل، كلاهما عن الحسن البصري، وهذا اللفظ لعبد الله بن وهب المصري.
قال الواحدي في البسيط: (وأجمعوا على أن المراد بالسحت ههنا: الرشوة في الحكم).
والسحت في اللغة اسم لكل حرام.
قال الخليل بن أحمد: (السُّحْتُ: كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار- نحو ثمن الكلب والخمرِ والخنزيرِ. وأَسْحَتَ الرّجلُ: وقع فيه. والسُّحْتُ: جَهْدُ العذاب).
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: (السحت: كسب ما لا يحلّ).
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: (و{للسحت}: الحرام).
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: ((سحت) السين والحاء والتاء أصل صحيح منقاس. يقال سحت الشيء، إذا استؤصل، وأسحت. يقال سحت الله الكافر بعذاب، إذا استأصله. ومال مسحوت ومسحت في قول الفرزدق:
وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلف
ومن الباب: رجل مسحوت الجوف، إذا كان لا يشبع، كأن الذي يبلعه يستأصل من جوفه، فلا يبقى. المال السحت: كل حرام يلزم آكله العار؛ وسمي سحتا لأنه لا بقاء له. ويقال أسحت في تجارته، إذا كسب السحت. وأسحت ماله: أفسده).
قال الراغب الأصفهانى: (السُّحْتُ: القشر الذي يستأصل، قال تعالى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ} [طه/ 61]، وقرئ: فَيَسْحِتَكُمْ يقال: سَحَتَهُ وأَسْحَتَهُ، ومنه: السَّحْتُ والسُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار، كأنه يسحت دينه ومروءته، قال تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة/ 42]، أي: لما يسحت دينهم. وقال عليه السلام: «كلّ لحم نبت من سحت فالنّار أولى به»، وسمّي الرّشوة سحتا لذلك، وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة لا للدّين، ألا ترى أنه أذن عليه السلام في إعلافه الناضح وإطعامه المماليك).

والسحت هنا بمعنى اسم المفعول.
قال أبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة: (والسّحْت والسّحُت لغتان، ويستمر التخفيف والتثقيل في هذا النحو، وهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بالمصدر)
قال ابن عطية: والسّحت والسّحت بضم السين وتخفيف الحاء وتثقيلها لغتان في اسم الشيء المسحوت...
قال الطاهر بن العاشور: (والسحت- بضم السين وسكون الحاء- الشيء المسحوت، أي المستأصل...)
ويكمن أن يكون بمعنى اسم الفاعل، قال الراغب الأصفهانى: (والسُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار، كأنه يسحت دينه ومروءته...وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة).

وفي سبب تسمية الحرام بالسحت أقوال:
الأول: لأنه يسحت- أي: يذهب ويمحق- دين الانسان وطاعاته.
قال النحاس في معاني القرآن: (والسحت في كلام العرب على ضروب، يجمعها أنه ما يسحت دين الانسان، يقال: سحته وأسحته، إذا استأصله).
قال مكي: (والسحت - في اللغة -: كل حرام يسحت الطاعات أي: يذهبها)
وضعفه الراغب الأصفهانى، قال: (وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة لا للدّين...)
وضعفه أيضا ابن عطية فقال: (وهذا مردود؛ لأن السيئات لا تحبط الحسنات)، ثم وجحه فقال: (...اللهم إلا أن يقدر أنه يشغل عن الطاعات فهو سحتها من حيث لا تعمل، وأما طاعة حاصلة فلا يقال هذا فيها).
ولعله يمكن حمل قول النحاس ومكي على الذي يصل إلى درجة الكفر؛ لأن الآية نزلت في اليهود.
قال الكيا الهراسي: (والرشوة هي التي دعت اليهود إلى كتمان ما أنزل الله تعالى من نعوت نبينا على الأنبياء المرسلين، فإنهم آثروا حظهم من الدنيا على اتباعه، فكتموا ما أنزل الله تعالى من نعوته، بعد أن كانوا أغروا به من آبائهم وأبنائهم، وجحدوا بألسنتهم ما استيقنته أنفسهم ظلما وعتوا، فأدّاهم شؤم الارتشاء إلى الكفر بما أنزل الله تعالى، فصاروا إلى محاربة الله ورسوله وعذاب الأبد).
الثاني: لأنه يذهب المروءة.
قال الراغب الأصفهانى: (وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة...).
ونقله ابن عطية عن المهدوي، وحسنه قال: (وهذا أشبه).
واختار القرطبي القول الأول فقال: (والقول الأول أولى، لأن بذهاب الدين تذهب المروءة، ولا مروءة لمن لا دين له).
الثالث: لأنه لا بركة فيه لأهله، فكأنه يذهب البركة.
قال الجصاص في أحكام القرآن: (فسمي الحرام سحتا؛ لأنه لا بركة فيه لأهله ويهلك به صاحبه هلاك الاستئصال).
قال الطاهر بن العاشور: (سمي به الحرام؛ لأنه لا يبارك فيه لصاحبه، فهو مسحوت وممحوق، أي مقدر له ذلك، كقوله: {يمحق الله الربا}، [البقرة: 276])
فالاقوال متلازمة.

وقول الحسن يحمل على إرادة التمثيل، لا التخصيص. وإنما مثل بالرشوة لعظمها.
وهذا يفهم من قول الجصاص: (...واتفقوا على أنه، أي: الرشا، من السحت الذي حرمه الله تعالى).
قال الكيا الهراسي الشافعي: (فأخذ الرشوة على الحكم غاية المحظور من الرشوة).
ونص على ذلك ابن عطية قال: (وكل ما ذكر في معنى السحت فهو أمثلة، ومن أعظمها الرشوة في الحكم والأجرة على قتل النفس، وهو لفظ يعم كل كسب لا يحل).
وقال نحوه الطاهر بن العاشور: (والسحت يشمل جميع المال الحرام، كالربا والرشوة وأكل مال اليتيم والمغصوب).
وأما الأقوال الأخر في السحت فقد قال الماوردي: (فيه أربعة تأويلات.
أحدهما: أن السحت الرشوة، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه الرشوة فى الحكم، وهو قول علي.
والثالث: هو الاستعجال فى القضية، وهو قول أبي هريرة.
والرابع: ما فيه الغار من الأثمان المحرمة: كثمن الكلب، والخنزير، والخمر، وعسب افحل، وحلوان الكاهن).

ويستدل بهذه الأقوال الواردة في المراد بالسحت على حكم الرشوة.
قال الجصاص: (اتفق جميع المتأولين لهذه الآية على أن قبول الرشا محرم، واتفقوا على أنه من السحت الذي حرمه الله تعالى).
الرشوة لها أنواع:
الأول: الرشوة في الحكم.
فهي محرمة على الراشي والمرتشي جميعا.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي).
أخرجه أحمد، والترمذي، والبزار في "مسنده"، وابن الجارود في "المنتقى"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه".
قال ابن قدامة في المغني: (وروى عبد الله بن عمرو قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي.» قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح). ورواه أبو هريرة، وزاد: "في الحكم". ورواه أبو بكر، في "زاد المسافر"، وزاد: "والرائش" وهو السفير بينهما).
ولها حالتان:
الأولى: أن يرشوه ليقضي له بحقه.
قال الجصاص فيه: (فقد فسق الحاكم بقبول الرشوة على أن يقضي له بما هو فرض عليه، واستحق الراشي الذم حين حاكم إليه وليس بحاكم، ولا ينفذ حكمه، لأنه قد انعزل عن الحكم بأخذه الرشوة، كمن أخذ الأجرة على أداء الفروض من الصلاة والزكاة والصوم...)
قال القرطبي: (وهذا لا يجوز أن يختلف فيه إن شاء الله، لأن أخذ الرشوة منه فسق، والفاسق لا يجوز حكمه. والله أعلم).
قال الجصاص: (وفي هذا دليل على أن كل ما كان مفعولا على وجه الفرض والقربة إلى الله تعالى أنه لا يجوز أخذ الأجرة عليه، كالحج وتعليم القرآن والإسلام؛ ولو كان أخذ الأبدال على هذه الأمور جائزا لجاز أخذ الرشا على إمضاء الأحكام، فلما حرم الله أخذ الرشا على الأحكام واتفقت الأمة عليه دل ذلك على فساد قول القائلين: (بجواز أخذ الأبدال على الفروض والقرب)).
الثانية: أن يرشوه ليقضي بما ليس بحق له.
فهذا قد فسق الحاكم من وجهين:
أحدهما: أخذ الرشوة.
والثاني: الحكم بغير حق، ويشاركه في ذلك الراشي.
ذكرهما الجصاص في الأحكام.
النوع الثاني من أنواع الرشوة: أن يرشو السلطان لدفع ظلمه عنه.
فهي محرمة على آخذها، غير محظورة على معطيها.
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال: سمعته يقول: (ما كان شيء أنفع للناس من الرشوة في زمان زياد، أو قال: ابن زياد).
وقد روى الجهضمي عن الحسن أنه قال: (لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي)، قال الجهضمي: (قال الحسن: (ليحق باطلا او يبطل حقا فاما ان تدفع عن مالك فلا باس)).
النوع الثالث: الرشوة في غير الحكم.
وذلك منهي عنه أيضا لأن عليه معونته في دفع الظلم عنه.
ومنه الهدية إلى الرجل ليعينه بجاهه عند السلطان.
ومنه هدية القاضي. قال ابن قدامة في المغني: ((ولا يقبل هدية من لم يكن يهدي إليه قبل ولايته): وذلك لأن الهدية يقصد بها في الغالب استمالة قلبه، ليعتني به في الحكم، فتشبه الرشوة).

ما اختلف في كونه من السحت:
- كسب الحجام.
اختلف أهل العلم في كسب الحجام.
القول الأول: أنه حرام.
ويستدل لهذا بما أخرجه البخاري عن أبي جحيفة أيضا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (نهى عن ثمن الكلب، وعن ثمن الدم، وكسب البغي).
قال ابن عبد البر في التمهيد: (...نهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم ليس من أجرة الحجام في شيء، وإنما هو كنهيه عن ثمن الكلب وثمن الخمر والخنزير وثمن الميتة ونحو ذلك، ولما لم يكن نهيه عن ثمن الكلب تحريما لصيده كذلك ليس تحريم ثمن الدم تحريما لأجرة الحجام لأنه إنما أخذ أجرة تعبه وعمله وكل ما ينتفع به فجائر بيعه والإجارة عليه).
وبما رواه مسلم عن رافع بن خديج، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث)
قال ابن عبد البر في التمهيد بعدما ذكر هذا الحديث: (وهذا الحديث لا يخلو أن يكون منسوخا منه كسب الحجام بحديث أنس وابن عباس، والإجماع على ذلك، أو يكون على جهة التنزه...وليس في عطف ثمن الكلب ومهر البغي عليه ما يتعلق به في تحريم كسب الحجام؛ لأنه قد يعطف الشيء على الشيء وحكمه مختلف...)
قال ابن قدامة: (وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم، فقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الثوم والبصل خبيثين، مع إباحتهما، وإنما كره النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك للحر تنزيها له؛ لدناءة هذه الصناعة).
قال النووي عند شرح هذا الحديث: (فقال الأكثرون من السلف والخلف: (لا يحرم كسب الحجام ولا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد)...وحملوا هذه الأحاديث التي في النهى على التنزيه والارتفاع عن دنئ الأكساب والحث على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور...).
الثاني: أنه مباح.
ويستدل لهذا بما روى البخاري ومسلم عن أبي العالية أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن كسب الحجام فقال: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم واعطاه أجره، ولو كان حراما ما أعطاه).
وروى الإمام مالك في الموطأ عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أنه قال: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة - فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه). قال ابن عبد البر في التمهيد: (هذا يدل على أن كسب الحجام طيب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوكل إلا ما يحل أكله، ولا يجعل ثمنا ولا عوضا ولا جعلا بشيء من الباطل).
قال النووي في المجموع: (واحتج الجمهور بحديث ابن عباس وحملوا الأحاديث الباقية على التنزيه والارتفاع عن دنئ الاكتساب والحث على مكارم الأخلاق).
قال القرطبي: (الصحيح في كسب الحجام أنه طيب، ومن أخذ طيبا لا تسقط مروءته ولا تنحط مرتبته...وحديث أنس هذا ناسخ لما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم من ثمن الدم، وناسخ لما كرهه من إجارة الحجام).
وقال ابن حزم في المحلى: (ولا تجوز الإجارة على الحجامة، ولكن يعطى على سبيل طيب النفس وله طلب ذلك، فإن رضي وإلا قدر عمله بعد تمامه لا قبل ذلك وأعطي ما يساوي).
وقوله هذا مبني على وجوب استعمال الحديثين، قال: (فاستعمال الخبرين واجب فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه عن غير مشارطة فكانت مشارطته لا تجوز، ولأنه أيضا عمل مجهول، ولا خلاف في أن ذلك الحديث ليس على ظاهره؛ لأن فيه النهي عن كسب الحجام جملة وقد يكسب من ميراث، أو من سهم من المغنم، ومن ضيعة، ومن تجارة، وكل ذلك مباح له بلا شك...فصح أن كسبه بالحجامة خاصة هو المنهي عنه فوجب أن يستثنى من ذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون حلالا حسنا ويكون ما عداه حراما).

(3) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
التخريج: أخرجه المروزي في البر والصلة، والطبري، وابن المنذر عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة به.
قال الواحدي في البسيط: وقال أكثر المفسرين: معنى {وَالْأَرْحَامَ} أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وقد يراد باللفظ الواحد المعاني المختلفة، فالتقوى هو القدر المشترك الجامع بين تقوى الله وتقوى الأرحام، وإن اختلف معناهما، كما قاله أبو حيان.
قال الأخفش: (قال الله تعالى {وَالأَرْحَامَ} منصوبة أي: اتقوا الأَرْحام. وقال بعضهم {والأَرْحامِ} جرّ. والأوَّلُ أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور).
وحسن الزجاج القراءة بالنصب، واختارها أيضا الأزهري في معاني القراءات، ومكي في الكشف.
وهذه القراءة أيدها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرحم شجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته".
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو يعلى في "مسنده"، والطبراني في "الأوسط"، والحاكم في "مستدركه"، والبيهقي في "سننه الكبير" عن مُعَاوِيَة بن أبِي مُزَرِّدٍ، عن يَزِيدَ بن رُومَانَ، عن عُرْوَة، عن عَائِشَة، واللفظ للبخاري.
وقطع صلة الرحم من صفات الكافرين، كما بينه تعالى بقوله: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} الآية.

وهذه القراءة تحتمل وجهين:
الأول: أن يكون "الأرحام" عطفًا على اسم الله تعالى، أي: واتقوا اللَّهَ والأرحامَ. ورجحه الشوكاني في تفسيره.
قال أبو حيان: (وفي عطف الأرحام على اسم الله دلالة على عظم ذنب قطع الرحم)، وقدر حذف المضاف، على التقدير: واتقوا الله، وقطع الأرحام، وهذا عنده أيضا من باب عطف الخاص على العام.
الثاني: أن يكون عطفًا على محل الجار والمجرور، وتعضده قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه، كما ذكره الزمخشري: (تَسْأَلون بِهِ وبالأرحامِ) بإعادة الجار.

معنى القراءة بالجر: وهي قراءة حمزة وحده.
روى الطبري عن إبراهيم النخعي أن معناها: أن الرجل يسأل بالله وبالرحم، وفي لفظ: (هو كقول الرجل: أسألك بالله، أسألك بالرحم)، وفي لفظ: (هو قول الرجل: أسألك بالله والرحم) بدون الباء.
وفيه قولان:
الأول: أنه عطفٌ على الضمير المجرور في "به".
وهذه القراءة ضعفها البصريون وعدوها من اللحن، وإنما جوزوا مثلها في الشعر، واستقبحها أيضا بعض الكفيين، قال الفراء: (وفيه قبح؛ لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض وقد كنى عنه).
وبين الزمخشري وجه ضعف هذه القراءة فقال: (لأن الضمير المتصل متصل كاسمه، والجار والمجرور كشيء واحد، فكانا في قولك «مررت به وزيد» و«هذا غلامه وزيد» شديدي الاتصال، فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة، فلم يجز ووجب تكرير العامل، كقولك: «مررت به وبزيد» و «هذا غلامه وغلام زيد» ألا ترى إلى صحة قولك «رأيتك وزيدا» و «مررت بزيد وعمرو» لما لم يقو الاتصال، لأنه لم يتكرر).
وضعفها أيضا الطبري، والزجاج ونقل قول المازني: (الثاني في العطف شريك للأول، فإِن كان الأول يصلح شريكاً للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكاً له. قال: فكما لا تقول مررت بزيد و"ك" فكذلك لا يجوز مررت بك وزيدٍ).
وضعفها أيضا الأزهري في معاني القراءات، ومكي، وابن عطية وبين هذا فقال: (ذكر الأرحام فيما يتساءل به لا معنى له في الحض على تقوى الله، ولا فائدة فيه أكثر من الإخبار بأن الأرحام يتساءل بها، وهذا تفرق في معنى الكلام وغض من فصاحته، وإنما الفصاحة في أن يكون لذكر الأرحام فائدة مستقلة)
قال ابن خالويه: (وليس لحنًا عندي؛ لأن ابن مجاهد حدثنا بإسناد يعزيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {والأرحامِ}، ومع ذلك فإن حمزة كان لا يقرأ حرفًا إلا بأثر. غير أن من أجاز الخفض في {الأرحام} أجمع مع من لم يجز أن النصب هو الاختيار.
ونقل أبو شامة في "إبراز المعاني من حرز الأماني" كلام أبي نصر بن القشيري فيه رد على من أنكر هذه القراءة: (ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين؛ لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تواترًا يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن رد ذلك فقد رد على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه؛ فإنا لا ندعي أن كل القراءات على أرفع الدرجات في الفصاحة).
وقد فصل السمين الحلبي هذه المسألة فقال: (اختلف النحاة في العطفِ على الضمير المجرور على ثلاثة مذاهب:
أحدُها - وهو مذهبُ الجمهور من البصريين -: وجوبُ إعادةِ الجار إلا في ضرورة.
الثاني: أنه يجوزُ ذلك في السَّعَةِ مطلقاً، وهو مذهبُ الكوفيين، وتَبِعهم أبو الحسن ويونس والشلوبيين.
والثالث: التفصيلُ، وهو إنْ أُكِّد الضميرُ جاز العطفُ من غيرِ إعادةِ الخافِض نحو: «مررت بك نفسِك وزيدٍ» ، وإلا فلا يجوزُ إلا ضرورةً، وهو قولُ الجَرْمي).
ورجح بعد ذلك قول الكوفيين مستدلا بثلاثة أوجه:
الأول: كثرة السماعِ الوارد به، وأورد قوله تعالى: {وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين}، قال: فـ «من» عطف على «لكم». وقوله تعالى: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم...} الآية. قال: (وقوله: {ما يتلى عليكم} عطف على «فيهن»)
واستشهد أيضا بقول العباس بن مرداس:

أَكُرُّ على الكتيبةِ لا أُبالي ... أفيها كان حَتْفي أم سواها
قال: (فـ "سواها" عطفٌ على "فيها"). وغيرها من الأبيات.
الثاني: ضَعْفِ دليل المانعين.
وبين وجه ضعفه "أنه كان بمقتضى هذه العلةِ ألاَّ يُعْطَفَ على الضمير مطلقاً، أعنى سواءً كان مرفوعَ الموضعِ أو منصوبَه أو مجرورَه، وسواءً أُعيد معه الخافِضُ أم لا كالتنوين".
الثالث: اعتضاده بالقياس. قال: (وأما القياس فلأنه تابع من التوابع الخمسة فكما يؤكد الضمير المجرور ويبدل منه فكذلك يعطف عليه).

القول الثاني: أنه مُقْسَم به، والواو للقسم. وجوابُ القسم: قوله تعالى: {إنَّ الله كان عليكم رقيبا}.
وهذا مردود؛ لأن الحلف بغير الله منهي عنه. فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان حالفا، فليحلف بالله أو ليصمت).
وضعف هذا أيضا النحاس في إعراب القرآن قال: (فلو كان قسما كان قد حذف منه لأن المعنى: ويقولون بالأرحام أي: وربّ الأرحام، ولا يجوز الحذف إلّا أن لا يصحّ الكلام إلّا عليه).
وذكر ابن عطية أن بعضهم حمله على جهة القسم من الله على ما اختص به من القسم بمخلوقاته، ورده قائلا: (وهذا كلام يأباه نظم الكلام وسرده).
وقال العكبري في التبيان: (التقدير في القسم: وبرب الأرحام)، وبين وجه ضعفه فقال: (هذا قد أغنى عنه ما قبله).
وحمله بعضهم على أنه كان قبل النهي كما قال المنتجب الهمذاني في "الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد": (...لأنّ القوم كانوا يقسمون كثيرًا بالأرحام، فخوطبوا على ما ألفوا من تعظيمها، ثم وردت الأخبار بالنهي عن الحَلِفِ إلَّا بالله تعالى، وهذا الوجه أمتن؛ لأنَّ عطف الظاهر على المضمر المجرور أباه صاحب الكتاب رحمه الله وموافقوه إلّا بإعادة الجار).
وقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت).

وهنا قراءة ثالثة: بالرفع. وهي قراءة عبد الله بن يزيد، قراءة شاذة.
قال ابن عطية: (وذلك على الابتداء والخبر مقدر، تقديره: والأرحام أهل أن توصل).
قال الزمخشري: (والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، كأنه قيل: والأرحام كذلك، على معنى: والأرحام مما يتقى أو والأرحام مما يتساءل به)، وهذا الذي رجحه أبو حيان والسمين الحلبي "للدلالة اللفظية والمعنوية، بخلاف الأول (أي: قول ابن عطية)، فإنه للدلالة المعنوية فقط".

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 شوال 1443هـ/23-05-2022م, 04:43 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيمان جلال مشاهدة المشاركة
اختر مجموعة من المجموعات التالية، وخرج الأقوال فيها، وبين حالها، ووجهها، ورجح ما تراه راجحا في معنى الآية:

المجموعة الأولى:
1) قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: "تماما على الذي أحسن"، قال: على المؤمنين والمحسنين.
التخريج:
رواه ابن جرير من طريق المثنى عن أبي حذيفة عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه مثله.
كما أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن أبي نجيح عنه، كما جاء في الدر المنثور للسيوطي.
وبلفظ: على المؤمنين.
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه.
كما رواه آدم بن أبي إياس بلفظ المفرد (المؤمن) من طريق إبراهيم عن آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه.
وبلفظ: على المحسنين. (على قراءة الحسن)
رواه ابن جرير من طريق محمد بن عمرو عن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عنه.
التوجيه:
يصح تفسير الآية بما فسرها به مجاهد، فتكون "الذي" بمعنى (الذين)، وأحسن فعل ماض صلة (الذين). وتكون "على" هنا بمعنى (لام الجر). كقولك: أتم الله عليه، وأتم الله له.
ذكر قطرب دليلا من اللغة: كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج، تريد الغازين الحاجين، ويجوز أن تأتي "الذي" بمعنى (من).
وهو موافق لقراءة عبد الله بن مسعود في مصحفه: (تماما على الذين أحسنوا). وقد ذكر السيوطي أن قراءة ابن الأنباري عن هارون: "تماما على المحسنين". فتكون "الذي" لجنس المحسنين.
فيكون المعنى: وآتينا موسى الكتاب تفضلا منا على المحسنين من الأنبياء ومن المؤمنين من أهل ملتهم وإتماما للنعمة عندهم.
فموافقة قول مجاهد للقراءة الثابتة عن ابن مسعود، وقبولها من جهة اللغة، ويؤيده ما استدل به ابن كثير، وهو قوله تعالى: ""يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي"، كل هذا يؤيد صحة تفسير مجاهد للآية. والله أعلم.

وقد قال الدكتور عبد اللطيف الخطيب: والأحسن حمل مثل هذه القراءة على التفسير.

تحرير مسألة معنى "تماما على الذي أحسن":
جاء في الآية عدة قراءات، في كل قراءة معنى، وهي:
القراءة الأولى: (تماما على الذين أحسنوا). وهي قراءة عبد الله بن مسعود وابن محيصن. وقرأ الحسن: (تماما على المحسنين).
وعلى هذه القراءة، جاء المعنى:
وآتينا موسى الكتاب تفضلا منا على المحسنين من الأنبياء ومن المؤمنين من أهل ملتهم وإتماما للنعمة عندهم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن مجاهد).
ذكره ابن عطية وابن الجوزي وابن كثير.
ذكره الفراء، وقطرب، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، والنحاس.
. قال البغويّ: والمحسنون: الأنبياء والمؤمنون.
قال النحاس: قال الحسن: كان فيهم محسن وغير محسن، وأنزل الكتاب تماما على الذي أحسن، واستدل بقراءة ابن مسعود.
وعلى هذا القول تكون "الذي" بمعنى (الذين)، وأحسن فعل ماض صلة (الذين). وتكون "على" هنا بمعنى (لام الجر). كقولك: أتم الله عليه، وأتم الله له.
ذكر قطرب دليلا من اللغة: كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج، تريد الغازين الحاجين، ويجوز أن تأتي "الذي" بمعنى (من).
وهو موافق لقراءة عبد الله بن مسعود في مصحفه: (تماما على الذين أحسنوا). وقد ذكر السيوطي أن قراءة ابن الأنباري عن هارون: "تماما على المحسنين". فتكون "الذي" لجنس المحسنين.
الأدلة والشواهد:
استدل ابن كثير بقوله تعالى: "يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي".

القراءة الثانية: (تماما على الذي أحسنُ) بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي هو أحسن. وهي قراءة يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق والحسن والأعمش والسلمي وأبو رزين. [يمكن تقدير المعنى: تمامًا على الدين الذي هو أحسن؛ فيكون الذي صفة لموصوف محذوف تقديره (الدين)، (هو أحسن) مبتدأ وخبر]
وعلى هذه القراءة، جاء المعنى:
تماما على الذي هو أحسن الأشياء. رواه ابن جرير وذكره ابن عطية وابن كثير.
ذكره الفراء وقطرب، وأجازه الزجاج، وذكره النحاس.
"أحسن" بضم النون لتكون صفة تفضيل، رفعت على خبر ابتداء مضمر تقديره هو.
ولكن أبو الفتح ضعف هذه القراءة لقبح حذف المبتدأ العائد، كما قال ابن جرير بأن هذه القراءة لا يستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجّة مجمعةٌ من قراءة الأمصار. أما المهدوي فقد قال: بأنه فيه بعد، من أجل حذف المبتدأ العائد على "الذي".
الأدلة والشواهد:
قال تعالى: "لننزعن من كل شيعة أيهم أشد". ذكره قطرب.

القراءة الثالثة: (تماما على الذي أحسنَ)، فهو فعل ماض. وهي قراءة الجماعة.
وعلى هذه القراءة، جاء المعنى على ثلاثة أقوال، هما:
القول الأول: "أحسنَ" فعل ماض مبني على الفتح، وهو صلة ل "الذي"، وفيه ضمير يعود على "الذي" تقديره: تماما على المحسن. قاله مكي وذكره الدكتور عبد اللطيف الخطيب.
فالمشار إليه هنا هو (موسى عليه السلام)، والمعنى: تماما على ما أحسن موسى من عبادة ربه والاضطلاع بأمور نبوته، وقيامه بأوامرنا ونواهينا. فقد أحسن موسى فيما أعطاه الله، ومن أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة. قاله قتادة والربيع.
وبتفصيل أكثر: رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم (عن قتادة)، وهو حاصل ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن الربيع) واختاره ابن جرير.
ذكره ابن عطية، وابن كثير.
ذكره الفراء، والنحاس.
قال ابن جرير بأن: "الذي" بمعنى (ما)، وتكون "أحسن" منصوبة لأنها فعل ماض. [مبني على الفتح]
الأدلة والشواهد:
ذكر ابن كثير قوله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماما، قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين". [وجه الشاهد؟]
قال ابن كثير: بأن "الذي" بمعنى (ما) المصدرية، كقوله تعالى: "وخضتم كالذي خاضوا" أي كخوضهم.

القول الثاني: "أحسنَ" فعل ماض مبني على الفتح في محل جر على أنها صفة ل "الذي". قال العكبري: وهو ليس بشيء لأن الموصول لابد له من صلة. ذكره الدكتور عبد اللطيف الخطيب. وروى ابن جرير هذا القول.
وهذا الذي ذكره العكبري مذهب الكوفيين، وهو خطأ عند البصريين، وذكر القرطبي هذا مذهبًا للفراء والكسائي فقد أجازاه. وذكر الزجاج أن هذا خطأ فاحش.
ذكره الفراء والزجاج.
قال بعض نحويي الكوفة: أن "أحسن" هي صفة ل "الذي" من حيث قارب المعرفة، إذ لا تدخله الألف واللام، كما تقول العرب: مررت بالذي خير منك، ولا يجوز فالذي عالم. ولكن الزجاج خطأ هذا القول.
تكون "أحسن" في موضع خفض غير أنه نصب، وسبب خفضه: ردا على "الذي" ولكنه لا يجوز خفضه كونه ممنوعا من الصرف، ولكن جاورت "أحسن" "الذي" فعرفت بتعريفها، فكان كالمعرفة. تقول العرب: مررت بالذي خيرٍ منك وشرٍّ منك.
ذكره ابن عطية.

القول الثالث: "أحسنَ" فعل ماض مبني على الفتح والفاعل محذوف، والهاء محذوفة، وتقديره: تماما على الذي أحسنه الله. قاله مكي، وذكره الدكتور الخطيب.
فالمشار إليه هنا هو (الله عز وجل)، والمعنى هنا كما ذكره الماوردي على قولين:
- القول الأول: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه، أي تفضلا وإكمالا على إحسان الله فيه إلى عباده من النبوات والنعم، فقد أحسن الله إلى أنبيائه أن هداهم للإسلام، وآتاهم الكتب تماما لنعمته عليهم وإحسانه عليهم.
- القول الثاني: تماما على إحسان الله إلى موسى، فجاءت التوراة تماما على إحسان الله إلى موسى زيادة على ما أحسن الله إليه. قاله ابن زيد وأبو صخر.
وبتفصيل أكثر: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن ابن زيد)، ورواه ابن أبي حاتم (عن أبي صخر)
ذكره ابن عطية والماوردي وابن كثير.
ذكره قطرب.
"الذي" بمعنى "ما"، و "أحسن" في موضع نصب على أنه فعل ماض. ومعنى "تماما" أي زيادة على ذلك.

التوجيه:
اختار ابن جرير معنى القول الأول من القراءة الثالثة، وأن الله آتى موسى التوراة نعمة منه تعالى عليه لما سلف منه من الأعمال الصالحة وحسن الطاعة.
أما بالنسبة للقراءة الأولى، فهي ثابتة عن ابن مسعود، وهي جائزة عند العرب أن تطلق المفرد على ما تريد من الجمع كقوله تعالى: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر"، فالعرب تفعل ذلك خاصة في "الذي" وفي (الألف واللام) إذا أرادت به الكل والجميع.
اختار قطرب معنى القراءة الأولى، وقال: أتينا موسى الكتاب تتميما منا للأنبياء وللمؤمنين – الكتب. ولم يستبعد أن ينصرف القول أيضا إلى معنى آخر.
ولكن ابن جرير قال بأنه لا دليل عليه من ظاهر فهم الآية، وأن الأولى تأويل الكلام على الظاهر إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه المراد.
وبالنسبة للقول الثالث من القراءة الثالثة: ثم آتى الله موسى الكتاب تماما على الذي أحسنّا، أو تماما على الذي أحسن، وصف تعالى نفسه بإيتائه الكتاب، ثم على هذا القول صرفه الخبر بقوله "أحسن" إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين لدليل واضح على أنه غير المعنى المراد من الآية كما ذكر ابن جرير.
وضعّف ابن جني القراءة الثانية محتجا بعدم جواز حذف المبتدأ العائد على الذي، لأن تقديره: تماما على الذي هو أحسن.
وقال الطبري: (وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح؛ لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قراء الأمصار).
وقال المهدوي: (وفيه بعد، من أجل حذف المبتدأ العائد على الذي).

وعليه: فإن التوجيه السليم للمعنى – والله أعلم – هو:
صحة المعنى المراد من القراءة الأولى لثبوتها، وكذلك صحة القولين الأول والثالث من القراءة الثالثة، على المعاني المذكورة عندها، أي:
- أن الله آتى موسى الكتاب تفضلا منا على المحسنين من الأنبياء ومن المؤمنين من أهل ملتهم وإتماما للنعمة عندهم.
- وأن الله آتى موسى الكتاب تماما على ما أحسن موسى من عبادة ربه والاضطلاع بأمور نبوته، وقيامه بأوامرنا ونواهينا.
- وأن الله آتى موسى الكتاب تماما على إحسان الله إلى موسى زيادة على ما أحسن الله إليه من النبوة.
والله أعلم.
[يُحمل معنى الآية على جميع الأقوال، ما دام يحتملها ولا تضاد بينهم]
2) قول محمد بن كعب القرظي: "مناديا ينادي للإيمان": المنادي القرآن.
التخريج:
رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي (في المتفق والمفترق) عن موسى بن عبيدة عنه.
ورواه عبد بن حميد عنه كما جاء في الدر المنثور للسيوطي.

التوجيه:
تفسير محمد بن كعب القرظي للمراد بالمنادي أنه القرآن صحيح، كون القرآن هو أصل الإيمان ومصدره الرئيسي. فالمؤمن يستمع للقرآن فيجيب إليها ويحسن فيها فيزيده إيمانا، فالإنس قالوا: "فآمنا"، والجن قالوا: "إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به". فالقرآن ينادي للإيمان: أي إلى الإيمان، وكما استدل على ذلك الفراء: كقوله تعالى: "الذي هدانا لهذا" أي: هدانا إلى هذا و "أوحى لها" يريد إليها.
ومما يدل على صحة التفسير بأنه القرآن، قوله تعالى: "سمعنا مناديا للإيمان" والقرآن يسمع [يُسمع] ، وكل مؤمن يسمعه، قال تعالى على لسان الجن: "إنا سمعنا قرآنا عجبا".
وقوله تعالى: "أن آمنوا بربكم فآمنا"، فالقرآن مصدر الإيمان بالله والدعوة إليه، ولا يعني أنه لم يدع لبقية أركان الإيمان، قال ابن عثيمين: فمن آمن بالله آمن بكل ما أخبر الله به، ومنه بقية الأصول الستة: ملائكة الله، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فعلى هذا يكون الإيمان بالله متضمنا للإيمان ببقية أركان الإيمان، ويكون ذكرها أحيانا مفصلة من باب التفصيل والبيان، وليس من باب التخصيص، فإن الإيمان بالله يتضمن هذا كله، (( أن آمنوا بربكم فآمنا )) يعني أقررنا بذلك مع الانقياد، مع القبول والإذعان .

تحرير المراد ب "المنادي":
جاء عن أهل التفسير قولان في المراد ب "المنادي"، هما:
القول الأول: القرآن. قاله محمد بن كعب القرظي وقتادة.
وبتفصيل أكثر: رواه الثوري وقتادة] وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن محمد بن كعب القرظي وعن قتادة) واختاره ابن جرير بأن كل الناس سمعوه، بعكس النبي صلى الله عليه وسلم ليس كل أحد من المؤمنين رآه.
وذكره الماوردي ابن عطية والقرطبي والآلوسي.
الأدلة والشواهد:
قال تعالى: "فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به".

القول الثاني: النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قاله ابن جريج.
وبتفصيل أكثر: رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن ابن جريج)، ورواه ابن أبي زمنين.
وذكره الماوردي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.

التوجيه:
اختار ابن جرير القول الأول، لأن القرآن وصل إلى كل مؤمن، بينما لم ير النبي صلى الله عليه وسلم كل أحد، وهذا لا يعني أن تفسير المراد ب "المنادي" لا يشمل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر القرطبي: أن من سمع القرآن فكأنما لقي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الآلوسي: والقُرْآنُ ظاهِرٌ باقٍ عَلى مَمَرِّ الأيّامِ والدُّهُورِ يَسْمَعُهُ مَن أدْرَكَ عَصْرَ نُزُولِهِ ومَن لَمْ يُدْرِكْ، ولِأهْلِ القَوْلِ الأوَّلِ أنْ يَقُولُوا: مَن بَلَغَهُ بِعْثَةُ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ودَعْوَتُهُ جازَ لَهُ أنْ يَقُولَ: سَمِعْنا مُنادِيًا وإنْ كانَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ التَّجَوُّزِ، وأيْضًا المُرادُ بِالنِّداءِ الدُّعاءُ، ونِسْبَتُهُ إلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أشْهَرُ وأظْهَرُ فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾، ﴿أدْعُو إلى اللَّهِ﴾، ﴿وداعِيًا إلى اللَّهِ﴾ وهي إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَقِيقَةٌ وإلى القُرْآنِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ:
تُنادِيكَ أجْداثٌ وهُنَّ صُمُوتٌ وسُكّانُها تَحْتَ التُّرابِ سُكُوتُ
فيجوز كلا القولين، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن، والقرآن صدّق النبي المرسل محمد صلى الله عليه وسلم.

3) قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم )
التخريج:
رواه ابن جرير عن ابن بشار عن عبد الرحمن عن زمعة عن ابن طاووس عنه.

التوجيه:
وافق قول طاووس في تفسيره لمعنى "حفدة" المعنى اللغوي لها، قال الخليل بن أحمد وقطرب وابن قتيبة: (أصل الحفد: الخفة في العمل ومداركة الخطو والإسراع في المشي).
قال قطرب: (حفد يحفد حفدًا، وحفودًا وحفدانًا؛ وهو الخفة في العمل والخدمة). وهو الغاية من اقتناء الخادم، أن يكون سريعا خفيفا في الحركة.
وقال الخليل بن أحمد عند العرب: (الحفدة الخدم، واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة).
وعليه فإن المعنى الذي ذكره كيسان موافق للمعنى اللغوي، فيكون معنى حفدة، هم الخدم، مهما اختلفت مسمياتهم، فسواء كانوا من الأبناء أولادا وبناتا، أم من أبنائهم، أم من الأصهار والأختان، أم من بني المرأة من غير زوجها، أم الخدم من غير القرابة وهم المماليك، فكلهم داخل في مسمى الخدم. فيكون معنى الآية:
يمتن تعالى على عباده أن جعل لهم من أزواجهم سكنا، ورزقهم منهن الخدم: سواء البنين أو البنات أو أبنائهم، أو الأصهار والأختان أو أبناء المرأة من غير الزوج، نتيجة لهذا التزاوج ولهذه المصاهرة، أو من غير القرابة، فيكون معنى "من أزواجكم" أي من آدم وحواء (أي من جنس البشر) خدما مماليك يخدمونهم ويقضون حوائجهم بالأجرة، فالبشر بجملتهم لا يستغني بعضهم عن بعض. فكل الأقوال لها وجه من الصحة، ومخرج في التأويل، فجاء تفسير طاووس بموافقة المعنى اللغوي للفظة.

تحرير معنى "حفدة"
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال في معنى "حفدة"، يمكن اختصارها إلى خمسة أقوال، هي:
القول الأول: هم الخدم (الأعوان والأنصار من غير القرابة). قاله ابن عباس ومالك والحسن وعكرمة ومجاهد وطاووس وقتادة والضحاك.
وبتفصيل أكثر: رواه ابن وهب (عن مالك)، ورواه عبد الرزاق (عن الحسن)، ورواه مسلم بن خالد الزنجي وابن جرير (عن ابن عباس)، ورواه ابن جرير (عن عكرمة وعن مجاهد وعن طاووس وعن الحسن وعن أبي مالك وعن قتادة والضحاك)، ورواه الحاكم (عن ابن عباس).
وذكره الخليل بن أحمد، ويحيى بن سلام، وابن شكيل، وأبو عبيدة، وقطرب، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وابن قتيبة، والزجاج، و[هذا لقب لعدد من العلماء فينبغي ذكر الكنية أو الاسم معه] السجستاني، والنحاس، وغلام ثعلب، وابن فارس، وابن سيده، وابن منظور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير.
الأدلة والشواهد:
- قال الشاعر: حَفَدَ الولائدُ بينَهُنَّ وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمالِ
- جاء في القنوت عن عمر رضي الله عنه: (وإليك نسعى ونحفد): أي نأتي بسرعة ونخف في العمل.

القول الثاني: ولد الولد (جمع حفيد). قاله ابن عباس وعكرمة وابن زيد.
وبتفصيل أكثر: رواه عبد الرزاق (عن عكرمة)، ورواه البخاري وابن جرير (عن ابن عباس وعن ابن زيد).
وذكره الخليل بن أحمد وابن فارس وابن سيده وابن منظور وابن عاشور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير.
الأدلة والشواهد:
قال تعالى: "فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب". ذكره ابن عاشور. أن من منة الله على عباده ولد الولد، فسماها الله (بشرى).

القول الثالث: الأصهار والأختان (الأعوان والأنصار من القرابة من أهل الزوج والزوجة). قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وأبو الضحى وأبو إبراهيم وإبراهيم.
وبتفصيل أكثر: ورواه عبد الرزاق (عن عبد الله بن مسعود)، ورواه مسلم بن خالد الزنجي (عن مجاهد)، ورواه ابن جرير (عن عبد الله بن مسعود وعن ابن عباس وعن أبي الضحى وعن أبي إبراهيم وعن سعيد بن جبير وعن إبراهيم وعن الحسن).
وذكره يحيى بن سلام وابن شميل والفراء وعبد الله بن يحيى بن المبارك وابن قتيبة والزجاج والسجستاني وغلام ثعلب وابن فارس وابن سيده وابن منظور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي والقرطبي وابن كثير.

القول الرابع: بنو المرأة من زوجها الأول. رواه ابن جرير (عن ابن عباس).
وذكره السجستاني وابن منظور.
وذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي

القول الخامس: البنات.
ذكره الخليل بن أحمد والزجاج.
وذكره ابن عطية.
الأدلة والشواهد:
قال الخليل بن أحمد: البنات هن خدم الأبوين في البيت.

التوجيه:
على القول الأول: بيّن ابن عطية أن "من أزواجكم" بمعنى من آدم وحواء، لعموم اشتراك البشر فيهما، فجعل الله لهم البنين والخدمة من غير القرابة، فمن لم يكن له زوجة، فقد جعل الله له الخدم وحصلت تلك النعمة، فتستقيم لفظة "الحفدة" على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة.
فمن جعل معنى "حفدة" البنين: جعل العطف هو لعطف تغاير الصفات لموصوف واحد. فتكون منة الله أن جعل للناس بنين، وجعلهم خدمة لوالديهم، قد جمعوا بين البنوة والخدمة. وكما ذكر ابن الجوزي: كانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم.
وكأنه قال" بنين وهم حفدة". ويتم توجيه "من أزواجكم" على أنها من الزوجة المباشرة ليكون النسل لهم من البنات والبنين المذكورين في الآية.
وقد وجه بعض المفسرين معنى "الحفدة" هنا بأنها الخدم من ناحية الإعراب: أن هناك انقطاع عما قبله ينوى به التقديم، وكأنه قال: جعل لكم حفدة، وجعل لكم من أزواجكم بنين.
وعلى القول الثاني:
قال ابن عاشور: (والحَفَدَةُ: جَمْعُ حافِدٍ، مِثْلُ كَمَلَةٍ جَمْعُ كامِلٍ، والحافِدُ أصْلُهُ المُسْرِعُ في الخِدْمَةِ، وأُطْلِقَ عَلى ابْنِ الِابْنِ؛ لِأنَّهُ يَكْثُرُ أنْ يَخْدِمَ جَدَّهُ لِضَعْفِ الجَدِّ بِسَبَبِ الكِبَرِ).
وقال أيضا: (فَأنْعَمَ اللَّهُ عَلى الإنْسانِ بِحِفْظِ سِلْسِلَةِ نَسَبِهِ بِسَبَبِ ضَبْطِ الحَلْقَةِ الأُولى مِنها، وهِيَ كَوْنُ أبْنائِهِ مِن زَوْجِهِ ثُمَّ كَوْنُ أبْناءِ أبْنائِهِ مِن أزْواجِهِمْ، فانْضَبَطَتْ سِلْسِلَةُ الأنْسابِ بِهَذا النِّظامِ المُحْكَمِ البَدِيعِ، وغَيْرُ الإنْسانِ مِنَ الحَيَوانِ لا يَشْعُرُ بِحَفَدَتِهِ أصْلًا، ولا يَشْعُرُ بِالبُنُوَّةِ إلّا أُنْثى الحَيَوانِ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً مِنَ الإرْضاعِ، والحَفَدَةُ لِلْإنْسانِ زِيادَةٌ في مَسَرَّةِ العائِلَةِ، قالَ تَعالى ﴿فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾)
قال القرطبي نقلا عن المهدوي [وقد بحثت في كتب المهدوي لأجد أصل هذا القول فلم أوفق]: (وهو ظاهر القرآن بل نصه)، وقال: (والظاهر عندي أن "بنين" هم أولاد الرجل لصلبه، و "حفدة" أولاد أولاده، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا، ويكون تقدير الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، ومن البنين حفدة).
وعلى القول الثالث: فقد نقل النحاس عن الأصمعي قوله: (الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبهها، والأصهار من الرجل والمرأة جميعا. يقال: أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر). [وقد بحثت عن أصل كلام الأصمعي منه مباشرة فلم أوفق لذلك]. وقال القرطبي: (يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَبَا الْمَرْأَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقْرِبَائِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ تُزَوِّجُونَهُنَّ، فَيَكُونُ لَكُمْ بِسَبَبِهِنَّ أَخْتَانٌ).
فهذا من عادة القرابة أن يخدم بعضهم بعضا غالبا، وأن "من أنفسكم أزواجا" أنه من الزوج والزوجة مباشرة، فبالمصاهرة تحصل القرابة التي من شأنها أن يخدم بعضهم البعض غالبا.

وعلى القول الرابع: فإن أبناء الزوجة في البيت من غير الزوج عادة ما يكونون ممن يقومون بالخدمة.
وقد تلحق بالأختان والأصهار من قبل أقارب الزوجة.

وعلى القول الخامس: فإن من عادة البنات أن يكنّ خدما لوالديهم في البيت.
فمن فسرها على أنها البنات، جعل العطف في "بنين وحفدة" عطف لتغاير الجنسين، فجنس الإناث يختلف عن جنس الذكور.
ويتم توجيه "من أزواجكم" على أنها من الزوجة المباشرة ليكون النسل لهم من البنات والبنين المذكورين في الآية.
ذكر ابن عطية قول الزهراوي: لأنهن خدم الأبوين، ولأن لفظة "البنين" لا تدل عليهن، واستدل بقوله تعالى: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، وإنما الزينة في الذكور.

فمن الأقوال المذكورة أعلاه نلحظ أن معنى الخدمة والإسراع فيها بيّنا واضحا هنا، وتحته يندرج خدمة البشر بعضهم لبعض مع اختلاف مسمياتهم ودرجة قربهم وبعدهم، ولذلك تبنى بعض اللغويين هذا المعنى، كونه سائغ شرعا.
فتكون كل الأقوال داخلة في معنى "حفدة" وأنها من المنن العظيمة التي امتن الله بها على عباده، أن رزقهم خدمة وأعوان، فكل من أسرع في حاجتك فهو حافد قرابة كان أو غير قرابة: سواء كان من البنين أو البنات، أو أبنائهم، أو أقاربهم من الأصهار والأختان، أو من غير الأقارب كالخدم الذين تدفع لهم الأجرة.
بل وتدخل الزوجة في ذلك: قال القرطبي نقلا عن المهدوي [وقد بحثت في كتب المهدوي لأجد أصل هذا القول فلم أوفق]: (فَقَدْ خَرَجَتْ خِدْمَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَبْدَعِ بَيَانٍ، قاله ابن العربي رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ ﷺ لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ ... الْحَدِيث". وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ بِيَدِي. الْحَدِيثَ). وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: عَلَيْهَا أَنْ تَفْرِشَ الْفِرَاشَ وَتَطْبُخَ الْقِدْرَ وَتَقُمَّ الدَّارَ، بِحَسَبِ حَالِهَا وَعَادَةِ مِثْلِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فكَأَنَّهُ جَمَعَ لَنَا فِيهَا السَّكَنَ وَالِاسْتِمْتَاعَ وَضَرْبًا مِنَ الْخِدْمَةِ بِحَسَبِ جَرْيِ الْعَادَةِ). وأضاف: (وَهَذَا أَمْرٌ دَائِرٌ عَلَى الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَعْرَابِ وسكان البوادي يخدمن أزواجهن (حتى فِي اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ وَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ).
قال ابن جرير: (ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما أجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم).

التقويم: أ+

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 شوال 1443هـ/23-05-2022م, 11:31 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هنادي الفحماوي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
تخريج الأقوال (٤)
١- قول الشعبي في تفسير قوله تعالى (تتخذون منه سكرا) السكر النبيذ
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية المراد بالسكر ولها تعلق بالناسخ والمنسوخ [هذه الخطوة تكتبينها في مسودة بحثكِ، وكنت أرشدكِ لكتابتها بداية لأجل إتقان الخطوات، أما الآن والحمد لله، فلا يجب عليكِ ذكرها، بل تبدأين عرض الإجابة بتحرير المسألة مباشرة، وهذه الخطوات تكون في مسودة بحثكِ]
الأقوال الواردة في المسإلة:
١- خمور الأعاجم وما حرم من شراب الأعناب والنخيل:
أصحاب القول [لعرض أفضل؛ تقولي: قاله ...] : عمر ،ابن عباس، سعيد بن جبير ، قتادة ، الحسن ، الضحاك ،مجاهد ، أبو رزين
٢- نقيع الزبيب والتمر والعنب (النبيذ) [كلمة النبيذ تعني طرح الثمار في سائل لنقعه؛ فإذا تُرك فترة طويلة حتى تخمّر يكون مسكرا وقبل ذلك لا يكون مسكرا، لهذا أشكل قول الشعبي بهذا اللفظ (النبيذ) لأنه يحتمل القولان]
أصحاب القول: ابن عباس في أحد أقواله ،مجاهد ، الشعبي ، عطاء الخراساني
تخريج قول الشعبي:
رواه الطبري من طرق عن أبي روق ومجالد عن الشعبي. [اختلف المتن في كلا الطريقين؛ فينبغي بيان الطريق الذي ورد به هذا اللفظ خصوصا لأن المعنى يختلف كما بينت مسبقا]
توجيه الأقوال
السكر لغة على أوجه أربعة :
ما أسكر من الشراب
ما طعم من الطعام
السكون
المصدر من قولهم سكر يسكر سكرا
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة.
وقال ابن عباس الحبشة يسمون الخمر سكرا وقال إن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر وأراد بالسكر الخمر وبالرزق الحسن كل يشرب ويؤكل حلالا من الشجرتين
ونقل يحيى بن سلام البصري عن عمر بن الخطاب قوله: إن هذه الأنبذة تنبذ من خمسة أشياء من التمر والزبيب والعسل والبر والشعير فما خمرتم منه فعتقتم فهو خمر..
وقال الأخفش البلخي : قال تتخذون منه وليس منها لأنه أضمر الشيء كأنه قال ومنها شيء تتخذون منه سكرا..
وقال الثعلبي السكر ما شربت والرزق ما أكلت .
وقال الشعبي ومجاهد السكر المايغ من هاتين الشجرتين كالخل والرب والنبيذ..
فهنا نجد اتجاهين بإن السكر هو المحرم من الشراب فتكون الآية منسوخة
والاتجاه الآخر هو الشراب المتخذ من ثمار هذه الأشجار فتكون الآية غير منسوخة [هذا الشراب قد يكون مسكرا وقد يكون غير مسكر]
نقول بداية أن الآية مكية وقد حرمت الخمر في المدينة بنزول آيات سورة المائدة وروى الطبري عن أبي رزين بأن هذه الآية نزلت عليهم وهم يشربون الخمر وقبل تحريمها.
وقد رجح الطبري القول الثاني لان ما ذكر في آية المائدة بتحريم الخمر دليل على أن الخمر غير السكر المذكور في الآية إذ كان السكر أحد معانيه عند العرب ما يطعم ولم يكن ذكر نسخه في التنزيل ولا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
فوجب القول من أن معنى السكر هنا هو كل ما حل شربه مما يتخذ من ثمر النخل والكرم.. [كلمة وجب تنفي تمامًا القول الآخر وهذا غير صحيح فالقول الآخر له وجهه]
وقال ابن عطية إن القول بأن هذه الآية منسوخة بتحريم الخمر فيه درك لأن النسخ يكون في حكم مستقر مشروع وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: حرمت الخمر بعينها والسكر من غيرها..
ولعل أرجح ما يكون أن هو الجمع بين القولين بأن السكر هو النبيذ الذي كانت العرب تنتبذه من التمر والشعير والعنب وكان حلالا كله قبل أن يحرم الله منه الخمر خاصة كما بينه حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما عتق من هذه الأنبذة وأن ما لم يعتق من هذه الأنبذة فهو حلال ليومنا هذا فقول عمر بن الخطاب يبين أن السكر يجمع النوعين الحلال والحرام ولكن بضابط العتق فإن لم يعتق فهو حلال وإن عتق فهو حرام
ومع ذلك يمكن اعتبار أن هذه الآية وإن لم تكن منسوخة فهي ممهدة لتحريم الخمر حيث أن الله مدح الرزق بالحسن وسكت عن السكر فلم يمدحه أو يذمه لان السكر كما اسلفنا يكون حلالا إن لم يعتق وحراما إن عتق
وهذا ما ذكره القسطلاني : أنها وإن سبقت تحريم الخمر إلا أنها دالة على كراهتها وأنها جامعة بين العتاب والمنة .

والله أعلم..
_______________________________
٢- قول محمد بن سيرين (السابقون الأولون) الذين صلوا القبلتين
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية بيان المراد بالسابقين الأولين [ومتعلقة بالعقيدة من ناحية بيان فضل الصحابة، والكتب التي تحدثت عن فضل الصحابة]
الأقوال في المسألة:
١- الذين صلوا إلى القبلتين جميعا وهم أهل بدر: [هنا قولان]
أصحاب القول: أبو موسى ، سعيد بن المسيب، قتادة، أشعث، ابن سيرين وأحد الروايات عن الشعبي
٢- الذين شهدوا بيعة الرضوان أو أدركوا
أصحاب القول: الشعبي
٣- أبو بكر وعمر وعلي وسلمان وعمار بن ياسر
أصحاب القول: ابن عباس
٤- من شهد بدرا

[جميع هذه الأقوال تفيد تخصيص بعض الصحابة، والقول الآخر أنهم جميع المهاجرين والأنصار، ودراسة هذه المسألة لها تعلق بالتفسير البياني، فإذا رجعتِ إلى التفاسير التي تعتني بالتفاسير البياني وابحثي عن هذه المسائل:
معنى {مِن} في قوله {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}

وهل الصفة هنا كاشفة فيكون المقصود عموم المهاجرين والأنصار، وتكون الأسبقية هنا بالنسبة لجميع الأمة، و(مِن) على هذا القول بيانية، أو هي مقيدة فيكون المقصود بعض المهاجرين والأنصار، فتكون الأسبقية هنا لبعض الصحابة على خلاف في تحديد سبب السبق، و (مِن) على هذا القول تبعيضية]

أصحاب القول : عطاء
تخريج القول عن ابن سيرين:
رواه الطبري عن بشار عن معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين [التخريج ناقص، للأثر طرق أخرى، وورد في مصادر أخرى]
ورواه المنذر عن محمد بن سيرين كما جاء عند السيوطي.
توجيه الأقوال:
الأقوال جميعها تؤكد على أفضلية السابقين في الإسلام من المهاجرين والأنصار باختلاف تمثيلات المفسرين للمراد بهم :
الشعبي جعل بيعة الرضوان حاكما على الأسبقية فمن أدركها من السابقين ومن جاء بعدها فليس منهم
ومنهم من قال بأنهم من صلى إلى القبلتين أو شهد بدرا
ولكن هذه الأقوال تحصر الأفضلية فيهم..
ولكن الأثر الذي نقله الطبري في أحد طرقه عن محمد بن كعب القرظي عن عمر بن الخطاب انه مر برجل يقرأ هذه الآية (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان) فأنكر عليه القراءة بالواو قبل الذين فلم يقبل حتى سمعها من أبي بن كعب وبين له ان مصداق ذلك في كتاب الله تعالى (وآخرين منهم لمل يلحقوا بهم ) وقوله أيضا (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
وقوله تعالى (والذين آمنوا من بعد وهاجروا معكم فأولئك منكم)
فهذا الأثر يوسع الدائرة ويدخل من أحسن في اتباع منهج المهاجرين والأنصار في الأسبقية .
وهذا ما يترجح لي والله أعلم لعلمنا بفضل الله ومنته وأنه لا يظلم مثقال ذرة ولا يضيع أعمال عباده والله أعلم.

[فما الراجح في المقصود بـ {والسابقون الأولون} وهو أصل مسألتنا؟]

___________________________
٣- قول عطاء بن رباح : التفث حلق الشعر وقطع الأظفار
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية بيان معنى التفث [فقهية]
الأقوال في المسألة:
١- قص الشارب وتقليم الأظفار:
أصحاب القول:مجاهد، عكرمة ،قتادة ، عطاء بن رباح
٢- رمي الجمار وذبح الذبيحة وحلق الرأس والطواف بالبيت (المناسك)
ابن عمر، ابن عباس، القرظي ، مجاهد، ابن جريج ، الحسن
٣- حلق الرأس:
قتادة، الضحاك
تخريج قول عطاء:
رواه يحيى بن سلام البصري عن حماد بن قيس بن سعد عن عطاء
توجيه الأقوال:
التفث لغة: ما يصيب المحرم من ترك الادهان والغسل والحلق وإزالته من مناسك الحج. [فالتوجيه هنا أن حلق الرأس وتقليم الأظفار من باب الضرب بالمثال على قضاء التفث أي إزالة الوسخ والقذارة]
وقال الفراء أن التفث فنحر البدن وغيرها من البقر والغنم وحلق الرأس وتقليم الأظفار..
وقال الزجاج : التفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال.
فنقول يمكن الجمع بين القولين باعتبار أن القول أنه أداء المناسك سبب للإحلال فلا يمكن الأخذ من الشعر أو تقليم الأظفار إلا بتمامها.
وكذلك لا يمكن أن يتحلل الحاج من نسكه إلا بها..
والله أعلم.
التقويم: ج+

أحسنتِ، بارك الله فيكِ، ونفع بكِ.
ما زلت أوصيكِ بالإكثار من قراءة الرسائل التفسيرية ومحاولة محاكاة أسلوب المفسرين في تحرير المسائل العلمية، ويمكن أن تكتفي برسائل الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله في هذه المرحلة حتى تعتادي أسلوب واحد، فإذا تطورت ملكتكِ في الصياغة أمكنكِ الاطّلاع على أساليب أخرى حتى يتكون لديكِ أسلوبك الخاص

المهم أن المحاكاة مرحلة مهمة جدًا في البداية لتنمية الملكة التفسيرية.
زادكِ الله توفيقًا وسدادا ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 25 شوال 1443هـ/26-05-2022م, 12:19 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فروخ الأكبروف مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله.

المجموعة الثانية:
(1) قول مجاهد: {وأيّدناه بروح القدس}: القدس هو الله).

أخرجه عبد الله بن وهب المصري من طريق غالب بن عبيد الله، وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح، كلاهما عن مجاهد به.
ومعنى القدس لغة: الطهر.
قال الخليل بن أحمد في العين: (القُدسُ: تنزيه الله، وهو القُدّوس والمقدَّس).
وقال الزجاج: (والقدس الطهارة).
قال إسماعيل بن حماد الجوهري في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (القُدْسُ والقُدُسُ: الطُهْرُ، اسمٌ ومصدرٌ).
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة: ((قدس) القاف والدال والسين أصل صحيح، وأظنه من الكلام الشرعي الإسلامي، وهو يدل على الطهر.
ومن ذلك الأرض المقدسة هي المطهرة. وتسمى الجنة حظيرة القدس، أي الطهر. وجبرئيل عليه السلام روح القدس. وكل ذلك معناه واحد. وفي صفة الله تعالى: القدوس، وهو ذلك المعنى؛ لأنه منزه عن الأضداد والأنداد، والصاحبة والولد، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا...)
أما معنى اسم الله القدوس فقد قال ابن أبي زمنين: {القدوس} يعني: الطاهر.
وقال البغوي: {القدوس} الطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به.
قال ابن كثير: {القدوس} أي: المنزه عن النقائص، الموصوف بصفات الكمال.
قال الطاهر بن العاشور: (والقدوس بضم القاف في الأفصح...)
وقول مجاهد مبناه على شيئين:
الأول: أن القدوس من أسماء الله الحسنى، وقد قال تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس} [الحشر: 23].
روى الطبري عن ابن زيد أنه قال: ({وأيدناه بروح القدس}، قال: الله، القدس...قال: نعت الله، القدس. وقرأ قول الله جل ثناؤه: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس}، قال: القدس والقدوس، واحد).
الثاني: قراءة أبي حيوة بذلك. قال ابن عطية: (وقرأ أبو حيوة "بروح القدس" بواو)، وذكرها أيضا أبو حيان، قال: (وقرأ أبو حيوة: القدوس، بواو).
وعلى هذا فالروح فيه قولان:
الأول: أنه جبريل عليه السلام.
قال الشوكاني: (وقيل: القدس هو الله عز وجل، وروحه جبريل).
ودليله قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}.
قال البغوي: (سمي جبريل عليه السلام روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب).
الثاني: أنه الروح الذي نفخ في عيسى عليه السلام.
قال ابن زيد: (الله، القدس، وأيد عيسى بروحه)، رواه الطبري.
وتترتب على هذا مسألتان:
الأولى: معنى الإضافة.
فالإضافة هنا على معنى اللام، فتكون من باب إضافة المملوك إلى مالكه.
قال ابن عطية: (وقال الربيع ومجاهد: الْقُدُسِ اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس، والإضافة على هذا إضافة الملك إلى المالك، وتوجهت لما كان جبريل عليه السلام من عباد الله تعالى).
الثانية: نوع الإضافة.
وعلى كلا القولين المذكورين في المراد بالروح تكون الإضافة إضافة تشريف وتكريم، قال البغوي: (أضافه إلى نفسه تكريما وتخصيصا، نحو: بيت الله، وناقة الله، كما قال: {فنفخنا فيه من روحنا} [12-التحريم]).

والقول الآخر أن القدس صفة للروح، يعني: الروح الطاهرة، فتكون من إضافة الموصوف إلى صفته. [وهو الراجح؛ لأن أسماء الله عز وجل توقيفية ولم يرد دليل على هذا الاسم من الكتاب والسنة، وغالب من طبقة الرواة الضعفاء عن مجاهد، وعلى فرض صحة الأثر إلى مجاهد فلا يصح القول بأن القدس من أسماء الله عز وجل لما سبق بيانه]
وقد ورد في المراد فيه أقوال:
الأول: هو جبريل عليه السلام. وهو قول قتادة، والسدي، والضحاك، والربيع، وشهر بن حوشب.
وهو اختيار ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والطبري، والزجاج، ومكي، وابن عطية، وابن كثير.
قال الطبري: (وإنما سمى الله تعالى جبريل"روحا" وأضافه إلى"القدس"، لأنه كان بتكوين الله له روحا من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه بذلك"روحا"، وأضافه إلى"القدس" - و"القدس"، هو الطهر - كما سمي عيسى ابن مريم "روحا" لله من أجل تكوينه له روحا من عنده من غير ولادة والد ولده).
قال البغوي: (وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنبا).
الثاني: هو الإنجيل، وهو قول ابن زيد.
الثالث: هو الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى. وهو قول ابن عباس.
وهذا قريب من قول مجاهد؛ إذ يرجع القولان إلى ذات واحد، وهو الله تعالى.
وبين الطبري سبب اختياره، وأنه ضعف القول الثاني؛ لأنه إذا كان الإنجيل لكان قوله تعالى: {إذ أيدتك بروح القدس}، و{إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل}، تكريرا لا معنى له. وعنى به قوله تعالى في سورة المائدة: {إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} الآية.
وقال مكي في ذلك: ((فإن حُمل على أنه أعيد للتأكيد كما قال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، وقال: {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98]، فهو وجه)).

(2) قول الحسن البصري: {أكالون للسحت}: أكالون للرشى).
أخرجه عبد الله بن وهب المصري من طريق قرة بن خالد، والطبري من طريق أبي عقيل، كلاهما عن الحسن البصري، وهذا اللفظ لعبد الله بن وهب المصري.
قال الواحدي في البسيط: (وأجمعوا على أن المراد بالسحت ههنا: الرشوة في الحكم).
والسحت في اللغة اسم لكل حرام.
قال الخليل بن أحمد: (السُّحْتُ: كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار- نحو ثمن الكلب والخمرِ والخنزيرِ. وأَسْحَتَ الرّجلُ: وقع فيه. والسُّحْتُ: جَهْدُ العذاب).
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: (السحت: كسب ما لا يحلّ).
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: (و{للسحت}: الحرام).
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: ((سحت) السين والحاء والتاء أصل صحيح منقاس. يقال سحت الشيء، إذا استؤصل، وأسحت. يقال سحت الله الكافر بعذاب، إذا استأصله. ومال مسحوت ومسحت في قول الفرزدق:
وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلف
ومن الباب: رجل مسحوت الجوف، إذا كان لا يشبع، كأن الذي يبلعه يستأصل من جوفه، فلا يبقى. المال السحت: كل حرام يلزم آكله العار؛ وسمي سحتا لأنه لا بقاء له. ويقال أسحت في تجارته، إذا كسب السحت. وأسحت ماله: أفسده).
قال الراغب الأصفهانى: (السُّحْتُ: القشر الذي يستأصل، قال تعالى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ} [طه/ 61]، وقرئ: فَيَسْحِتَكُمْ يقال: سَحَتَهُ وأَسْحَتَهُ، ومنه: السَّحْتُ والسُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار، كأنه يسحت دينه ومروءته، قال تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة/ 42]، أي: لما يسحت دينهم. وقال عليه السلام: «كلّ لحم نبت من سحت فالنّار أولى به»، وسمّي الرّشوة سحتا لذلك، وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة لا للدّين، ألا ترى أنه أذن عليه السلام في إعلافه الناضح وإطعامه المماليك).

والسحت هنا بمعنى اسم المفعول.
قال أبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة: (والسّحْت والسّحُت لغتان، ويستمر التخفيف والتثقيل في هذا النحو، وهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بالمصدر)
قال ابن عطية: والسّحت والسّحت بضم السين وتخفيف الحاء وتثقيلها لغتان في اسم الشيء المسحوت...
قال الطاهر بن العاشور: (والسحت- بضم السين وسكون الحاء- الشيء المسحوت، أي المستأصل...)
ويكمن أن يكون بمعنى اسم الفاعل، قال الراغب الأصفهانى: (والسُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار، كأنه يسحت دينه ومروءته...وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة).

وفي سبب تسمية الحرام بالسحت أقوال:
الأول: لأنه يسحت- أي: يذهب ويمحق- دين الانسان وطاعاته.
قال النحاس في معاني القرآن: (والسحت في كلام العرب على ضروب، يجمعها أنه ما يسحت دين الانسان، يقال: سحته وأسحته، إذا استأصله).
قال مكي: (والسحت - في اللغة -: كل حرام يسحت الطاعات أي: يذهبها)
وضعفه الراغب الأصفهانى، قال: (وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة لا للدّين...)
وضعفه أيضا ابن عطية فقال: (وهذا مردود؛ لأن السيئات لا تحبط الحسنات)، ثم وجحه فقال: (...اللهم إلا أن يقدر أنه يشغل عن الطاعات فهو سحتها من حيث لا تعمل، وأما طاعة حاصلة فلا يقال هذا فيها).
ولعله يمكن حمل قول النحاس ومكي على الذي يصل إلى درجة الكفر؛ لأن الآية نزلت في اليهود.
قال الكيا الهراسي: (والرشوة هي التي دعت اليهود إلى كتمان ما أنزل الله تعالى من نعوت نبينا على الأنبياء المرسلين، فإنهم آثروا حظهم من الدنيا على اتباعه، فكتموا ما أنزل الله تعالى من نعوته، بعد أن كانوا أغروا به من آبائهم وأبنائهم، وجحدوا بألسنتهم ما استيقنته أنفسهم ظلما وعتوا، فأدّاهم شؤم الارتشاء إلى الكفر بما أنزل الله تعالى، فصاروا إلى محاربة الله ورسوله وعذاب الأبد).
الثاني: لأنه يذهب المروءة.
قال الراغب الأصفهانى: (وروي «كسب الحجّام سحت» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة...).
ونقله ابن عطية عن المهدوي، وحسنه قال: (وهذا أشبه).
واختار القرطبي القول الأول فقال: (والقول الأول أولى، لأن بذهاب الدين تذهب المروءة، ولا مروءة لمن لا دين له).
الثالث: لأنه لا بركة فيه لأهله، فكأنه يذهب البركة.
قال الجصاص في أحكام القرآن: (فسمي الحرام سحتا؛ لأنه لا بركة فيه لأهله ويهلك به صاحبه هلاك الاستئصال).
قال الطاهر بن العاشور: (سمي به الحرام؛ لأنه لا يبارك فيه لصاحبه، فهو مسحوت وممحوق، أي مقدر له ذلك، كقوله: {يمحق الله الربا}، [البقرة: 276])
فالاقوال متلازمة.

وقول الحسن يحمل على إرادة التمثيل، لا التخصيص. وإنما مثل بالرشوة لعظمها.
وهذا يفهم من قول الجصاص: (...واتفقوا على أنه، أي: الرشا، من السحت الذي حرمه الله تعالى).
قال الكيا الهراسي الشافعي: (فأخذ الرشوة على الحكم غاية المحظور من الرشوة).
ونص على ذلك ابن عطية قال: (وكل ما ذكر في معنى السحت فهو أمثلة، ومن أعظمها الرشوة في الحكم والأجرة على قتل النفس، وهو لفظ يعم كل كسب لا يحل).
وقال نحوه الطاهر بن العاشور: (والسحت يشمل جميع المال الحرام، كالربا والرشوة وأكل مال اليتيم والمغصوب).
وأما الأقوال الأخر في السحت فقد قال الماوردي: (فيه أربعة تأويلات.
أحدهما: أن السحت الرشوة، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه الرشوة فى الحكم، وهو قول علي.
والثالث: هو الاستعجال فى القضية، وهو قول أبي هريرة.
والرابع: ما فيه الغار من الأثمان المحرمة: كثمن الكلب، والخنزير، والخمر، وعسب افحل، وحلوان الكاهن).

ويستدل بهذه الأقوال الواردة في المراد بالسحت على حكم الرشوة.
قال الجصاص: (اتفق جميع المتأولين لهذه الآية على أن قبول الرشا محرم، واتفقوا على أنه من السحت الذي حرمه الله تعالى).
الرشوة لها أنواع:
الأول: الرشوة في الحكم.
فهي محرمة على الراشي والمرتشي جميعا.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي).
أخرجه أحمد، والترمذي، والبزار في "مسنده"، وابن الجارود في "المنتقى"، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه".
قال ابن قدامة في المغني: (وروى عبد الله بن عمرو قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي.» قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح). ورواه أبو هريرة، وزاد: "في الحكم". ورواه أبو بكر، في "زاد المسافر"، وزاد: "والرائش" وهو السفير بينهما).
ولها حالتان:
الأولى: أن يرشوه ليقضي له بحقه.
قال الجصاص فيه: (فقد فسق الحاكم بقبول الرشوة على أن يقضي له بما هو فرض عليه، واستحق الراشي الذم حين حاكم إليه وليس بحاكم، ولا ينفذ حكمه، لأنه قد انعزل عن الحكم بأخذه الرشوة، كمن أخذ الأجرة على أداء الفروض من الصلاة والزكاة والصوم...)
قال القرطبي: (وهذا لا يجوز أن يختلف فيه إن شاء الله، لأن أخذ الرشوة منه فسق، والفاسق لا يجوز حكمه. والله أعلم).
قال الجصاص: (وفي هذا دليل على أن كل ما كان مفعولا على وجه الفرض والقربة إلى الله تعالى أنه لا يجوز أخذ الأجرة عليه، كالحج وتعليم القرآن والإسلام؛ ولو كان أخذ الأبدال على هذه الأمور جائزا لجاز أخذ الرشا على إمضاء الأحكام، فلما حرم الله أخذ الرشا على الأحكام واتفقت الأمة عليه دل ذلك على فساد قول القائلين: (بجواز أخذ الأبدال على الفروض والقرب)).
الثانية: أن يرشوه ليقضي بما ليس بحق له.
فهذا قد فسق الحاكم من وجهين:
أحدهما: أخذ الرشوة.
والثاني: الحكم بغير حق، ويشاركه في ذلك الراشي.
ذكرهما الجصاص في الأحكام.
النوع الثاني من أنواع الرشوة: أن يرشو السلطان لدفع ظلمه عنه.
فهي محرمة على آخذها، غير محظورة على معطيها.
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال: سمعته يقول: (ما كان شيء أنفع للناس من الرشوة في زمان زياد، أو قال: ابن زياد).
وقد روى الجهضمي عن الحسن أنه قال: (لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي)، قال الجهضمي: (قال الحسن: (ليحق باطلا او يبطل حقا فاما ان تدفع عن مالك فلا باس)).
النوع الثالث: الرشوة في غير الحكم.
وذلك منهي عنه أيضا لأن عليه معونته في دفع الظلم عنه.
ومنه الهدية إلى الرجل ليعينه بجاهه عند السلطان.
ومنه هدية القاضي. قال ابن قدامة في المغني: ((ولا يقبل هدية من لم يكن يهدي إليه قبل ولايته): وذلك لأن الهدية يقصد بها في الغالب استمالة قلبه، ليعتني به في الحكم، فتشبه الرشوة).

ما اختلف في كونه من السحت:
- كسب الحجام.
اختلف أهل العلم في كسب الحجام.
القول الأول: أنه حرام.
ويستدل لهذا بما أخرجه البخاري عن أبي جحيفة أيضا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (نهى عن ثمن الكلب، وعن ثمن الدم، وكسب البغي).
قال ابن عبد البر في التمهيد: (...نهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم ليس من أجرة الحجام في شيء، وإنما هو كنهيه عن ثمن الكلب وثمن الخمر والخنزير وثمن الميتة ونحو ذلك، ولما لم يكن نهيه عن ثمن الكلب تحريما لصيده كذلك ليس تحريم ثمن الدم تحريما لأجرة الحجام لأنه إنما أخذ أجرة تعبه وعمله وكل ما ينتفع به فجائر بيعه والإجارة عليه).
وبما رواه مسلم عن رافع بن خديج، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث)
قال ابن عبد البر في التمهيد بعدما ذكر هذا الحديث: (وهذا الحديث لا يخلو أن يكون منسوخا منه كسب الحجام بحديث أنس وابن عباس، والإجماع على ذلك، أو يكون على جهة التنزه...وليس في عطف ثمن الكلب ومهر البغي عليه ما يتعلق به في تحريم كسب الحجام؛ لأنه قد يعطف الشيء على الشيء وحكمه مختلف...)
قال ابن قدامة: (وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم، فقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الثوم والبصل خبيثين، مع إباحتهما، وإنما كره النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك للحر تنزيها له؛ لدناءة هذه الصناعة).
قال النووي عند شرح هذا الحديث: (فقال الأكثرون من السلف والخلف: (لا يحرم كسب الحجام ولا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد)...وحملوا هذه الأحاديث التي في النهى على التنزيه والارتفاع عن دنئ الأكساب والحث على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور...).
الثاني: أنه مباح.
ويستدل لهذا بما روى البخاري ومسلم عن أبي العالية أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن كسب الحجام فقال: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم واعطاه أجره، ولو كان حراما ما أعطاه).
وروى الإمام مالك في الموطأ عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أنه قال: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة - فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه). قال ابن عبد البر في التمهيد: (هذا يدل على أن كسب الحجام طيب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوكل إلا ما يحل أكله، ولا يجعل ثمنا ولا عوضا ولا جعلا بشيء من الباطل).
قال النووي في المجموع: (واحتج الجمهور بحديث ابن عباس وحملوا الأحاديث الباقية على التنزيه والارتفاع عن دنئ الاكتساب والحث على مكارم الأخلاق).
قال القرطبي: (الصحيح في كسب الحجام أنه طيب، ومن أخذ طيبا لا تسقط مروءته ولا تنحط مرتبته...وحديث أنس هذا ناسخ لما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم من ثمن الدم، وناسخ لما كرهه من إجارة الحجام).
وقال ابن حزم في المحلى: (ولا تجوز الإجارة على الحجامة، ولكن يعطى على سبيل طيب النفس وله طلب ذلك، فإن رضي وإلا قدر عمله بعد تمامه لا قبل ذلك وأعطي ما يساوي).
وقوله هذا مبني على وجوب استعمال الحديثين، قال: (فاستعمال الخبرين واجب فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه عن غير مشارطة فكانت مشارطته لا تجوز، ولأنه أيضا عمل مجهول، ولا خلاف في أن ذلك الحديث ليس على ظاهره؛ لأن فيه النهي عن كسب الحجام جملة وقد يكسب من ميراث، أو من سهم من المغنم، ومن ضيعة، ومن تجارة، وكل ذلك مباح له بلا شك...فصح أن كسبه بالحجامة خاصة هو المنهي عنه فوجب أن يستثنى من ذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون حلالا حسنا ويكون ما عداه حراما).

(3) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
التخريج: أخرجه المروزي في البر والصلة، والطبري، وابن المنذر عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة به.
قال الواحدي في البسيط: وقال أكثر المفسرين: معنى {وَالْأَرْحَامَ} أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وقد يراد باللفظ الواحد المعاني المختلفة، فالتقوى هو القدر المشترك الجامع بين تقوى الله وتقوى الأرحام، وإن اختلف معناهما، كما قاله أبو حيان.
قال الأخفش: (قال الله تعالى {وَالأَرْحَامَ} منصوبة أي: اتقوا الأَرْحام. وقال بعضهم {والأَرْحامِ} جرّ. والأوَّلُ أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور).
وحسن الزجاج القراءة بالنصب، واختارها أيضا الأزهري في معاني القراءات، ومكي في الكشف.
وهذه القراءة أيدها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرحم شجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته".
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو يعلى في "مسنده"، والطبراني في "الأوسط"، والحاكم في "مستدركه"، والبيهقي في "سننه الكبير" عن مُعَاوِيَة بن أبِي مُزَرِّدٍ، عن يَزِيدَ بن رُومَانَ، عن عُرْوَة، عن عَائِشَة، واللفظ للبخاري.
وقطع صلة الرحم من صفات الكافرين، كما بينه تعالى بقوله: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} الآية.

وهذه القراءة تحتمل وجهين:
الأول: أن يكون "الأرحام" عطفًا على اسم الله تعالى، أي: واتقوا اللَّهَ والأرحامَ. ورجحه الشوكاني في تفسيره.
قال أبو حيان: (وفي عطف الأرحام على اسم الله دلالة على عظم ذنب قطع الرحم)، وقدر حذف المضاف، على التقدير: واتقوا الله، وقطع الأرحام، وهذا عنده أيضا من باب عطف الخاص على العام.
الثاني: أن يكون عطفًا على محل الجار والمجرور، وتعضده قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه، كما ذكره الزمخشري: (تَسْأَلون بِهِ وبالأرحامِ) بإعادة الجار.

معنى القراءة بالجر: وهي قراءة حمزة وحده.
روى الطبري عن إبراهيم النخعي أن معناها: أن الرجل يسأل بالله وبالرحم، وفي لفظ: (هو كقول الرجل: أسألك بالله، أسألك بالرحم)، وفي لفظ: (هو قول الرجل: أسألك بالله والرحم) بدون الباء.
وفيه قولان:
الأول: أنه عطفٌ على الضمير المجرور في "به".
وهذه القراءة ضعفها البصريون وعدوها من اللحن، وإنما جوزوا مثلها في الشعر، واستقبحها أيضا بعض الكفيين، قال الفراء: (وفيه قبح؛ لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض وقد كنى عنه).
وبين الزمخشري وجه ضعف هذه القراءة فقال: (لأن الضمير المتصل متصل كاسمه، والجار والمجرور كشيء واحد، فكانا في قولك «مررت به وزيد» و«هذا غلامه وزيد» شديدي الاتصال، فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة، فلم يجز ووجب تكرير العامل، كقولك: «مررت به وبزيد» و «هذا غلامه وغلام زيد» ألا ترى إلى صحة قولك «رأيتك وزيدا» و «مررت بزيد وعمرو» لما لم يقو الاتصال، لأنه لم يتكرر).
وضعفها أيضا الطبري، والزجاج ونقل قول المازني: (الثاني في العطف شريك للأول، فإِن كان الأول يصلح شريكاً للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكاً له. قال: فكما لا تقول مررت بزيد و"ك" فكذلك لا يجوز مررت بك وزيدٍ).
وضعفها أيضا الأزهري في معاني القراءات، ومكي، وابن عطية وبين هذا فقال: (ذكر الأرحام فيما يتساءل به لا معنى له في الحض على تقوى الله، ولا فائدة فيه أكثر من الإخبار بأن الأرحام يتساءل بها، وهذا تفرق في معنى الكلام وغض من فصاحته، وإنما الفصاحة في أن يكون لذكر الأرحام فائدة مستقلة)
قال ابن خالويه: (وليس لحنًا عندي؛ لأن ابن مجاهد حدثنا بإسناد يعزيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {والأرحامِ}، ومع ذلك فإن حمزة كان لا يقرأ حرفًا إلا بأثر. غير أن من أجاز الخفض في {الأرحام} أجمع مع من لم يجز أن النصب هو الاختيار.
ونقل أبو شامة في "إبراز المعاني من حرز الأماني" كلام أبي نصر بن القشيري فيه رد على من أنكر هذه القراءة: (ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين؛ لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تواترًا يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن رد ذلك فقد رد على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه؛ فإنا لا ندعي أن كل القراءات على أرفع الدرجات في الفصاحة).
وقد فصل السمين الحلبي هذه المسألة فقال: (اختلف النحاة في العطفِ على الضمير المجرور على ثلاثة مذاهب:
أحدُها - وهو مذهبُ الجمهور من البصريين -: وجوبُ إعادةِ الجار إلا في ضرورة.
الثاني: أنه يجوزُ ذلك في السَّعَةِ مطلقاً، وهو مذهبُ الكوفيين، وتَبِعهم أبو الحسن ويونس والشلوبيين.
والثالث: التفصيلُ، وهو إنْ أُكِّد الضميرُ جاز العطفُ من غيرِ إعادةِ الخافِض نحو: «مررت بك نفسِك وزيدٍ» ، وإلا فلا يجوزُ إلا ضرورةً، وهو قولُ الجَرْمي).
ورجح بعد ذلك قول الكوفيين مستدلا بثلاثة أوجه:
الأول: كثرة السماعِ الوارد به، وأورد قوله تعالى: {وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين}، قال: فـ «من» عطف على «لكم». وقوله تعالى: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم...} الآية. قال: (وقوله: {ما يتلى عليكم} عطف على «فيهن»)
واستشهد أيضا بقول العباس بن مرداس:
أَكُرُّ على الكتيبةِ لا أُبالي ... أفيها كان حَتْفي أم سواها
قال: (فـ "سواها" عطفٌ على "فيها"). وغيرها من الأبيات.
الثاني: ضَعْفِ دليل المانعين.
وبين وجه ضعفه "أنه كان بمقتضى هذه العلةِ ألاَّ يُعْطَفَ على الضمير مطلقاً، أعنى سواءً كان مرفوعَ الموضعِ أو منصوبَه أو مجرورَه، وسواءً أُعيد معه الخافِضُ أم لا كالتنوين".
الثالث: اعتضاده بالقياس. قال: (وأما القياس فلأنه تابع من التوابع الخمسة فكما يؤكد الضمير المجرور ويبدل منه فكذلك يعطف عليه).

القول الثاني: أنه مُقْسَم به، والواو للقسم. وجوابُ القسم: قوله تعالى: {إنَّ الله كان عليكم رقيبا}.
وهذا مردود؛ لأن الحلف بغير الله منهي عنه. فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان حالفا، فليحلف بالله أو ليصمت).
وضعف هذا أيضا النحاس في إعراب القرآن قال: (فلو كان قسما كان قد حذف منه لأن المعنى: ويقولون بالأرحام أي: وربّ الأرحام، ولا يجوز الحذف إلّا أن لا يصحّ الكلام إلّا عليه).
وذكر ابن عطية أن بعضهم حمله على جهة القسم من الله على ما اختص به من القسم بمخلوقاته، ورده قائلا: (وهذا كلام يأباه نظم الكلام وسرده).
وقال العكبري في التبيان: (التقدير في القسم: وبرب الأرحام)، وبين وجه ضعفه فقال: (هذا قد أغنى عنه ما قبله).
وحمله بعضهم على أنه كان قبل النهي كما قال المنتجب الهمذاني في "الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد": (...لأنّ القوم كانوا يقسمون كثيرًا بالأرحام، فخوطبوا على ما ألفوا من تعظيمها، ثم وردت الأخبار بالنهي عن الحَلِفِ إلَّا بالله تعالى، وهذا الوجه أمتن؛ لأنَّ عطف الظاهر على المضمر المجرور أباه صاحب الكتاب رحمه الله وموافقوه إلّا بإعادة الجار).
وقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت).

وهنا قراءة ثالثة: بالرفع. وهي قراءة عبد الله بن يزيد، قراءة شاذة.
قال ابن عطية: (وذلك على الابتداء والخبر مقدر، تقديره: والأرحام أهل أن توصل).
قال الزمخشري: (والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، كأنه قيل: والأرحام كذلك، على معنى: والأرحام مما يتقى أو والأرحام مما يتساءل به)، وهذا الذي رجحه أبو حيان والسمين الحلبي "للدلالة اللفظية والمعنوية، بخلاف الأول (أي: قول ابن عطية)، فإنه للدلالة المعنوية فقط".




التقويم: أ+
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 25 شوال 1443هـ/26-05-2022م, 12:59 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
تخريج قول مجاهد:
*رواه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): في الجامع في علوم القرآن ، فقال : وأخبرني الحارث، عن غالب بن عبيد الله، عن مجاهد، في قول الله: {وأيدناه بروح القدس}، قال: «القدس هو الله.
*و رواه ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ):في تفسيره فقال: حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، ثنا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بروح الْقُدُسِ قَالَ: الْقُدُسُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وغالب متروك الحديث منكر، كما ذكرابن أبي حاتم الرازي في كتابه الجرح و التعديل، و أبو حذيفة متكلم فيه كما في كتب الجرح و التعديل.
يعضد هذا القول ما روي من روايات بألفاظ متقاربة عن كلًا من : أبو جعفر، كعب، ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره، و ذكر ابن جرير أن ابن زيد استشهد بالآية:((هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس) و قال:«القدس والقدّوس واحدٌ .
و اختلف السلف في القدس على أربعة أقوال؛ قولان منهما يعودان للمعنى اللغوي لكلمة( القدس) و هما ؛ المطهر (رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسيره)، و البركة (روى ذلك ابن جرير في تفسيره عن السدي)، و البركة من لازم التطهير.
و القول الثالث؛ الاسم الذي كان عيسى يحي به الموتى رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس، و قد ضعف هذه الرواية ابن حجر في فتح الباري، و حكى ابن أبي حاتم أنه قد روي عن سعيد بن جبير مثله، و قال الزمخشري في الكشاف ( اسم الله الأعظم الذي كان يحي به الموتى).
و القول الرابع و الذي عليه أكثر المفسرين أنه ( الله) ، قاله مجاهد، روى ذلك عنه عبد الله بن وهب المصري و ابن أبي حاتم، و قاله أبو جعفر، و كعب، و ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
و لبيان ما يترجح في المسألة نعرج لبيان المعنى المراد من الروح، و قيل فيه أقوال؛ الأول : الإنجيل، قاله ابن زيد، روى ذلك عنه ابن جرير في تفسيره، و القول الاثني: اسم الله الأعظم الذي كان يحي به عيسى الموتى. رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم عن ابن عباس، و القول الثالث:أَرَادَ بِالرُّوحِ الَّذِي نُفِخَ فِي عيسى، قَالَه الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ كما ذكر البغوي في تفسيره.
القول الرابع :جبريل عليه السلام، قاله كلًأ من: قتادة، الضحاك، السدي، الربيع بن أنس، روى ذلك عنهم ابن جرير، و رواه عن جابر مرفوعًا أبو الشيخ في العظمة.
و وجه إطلاق الروح على كل من هذه الأقوال كما ذكر ابن حيان في تفسيره، ما جمعها؛ أن كلًأ منها سبب للحياة من وجه، فأطلق على كلًا منها الروح مجازًا؛ فَجِبْرِيلُ هو سَبَبٌ لِحَياةِ القُلُوبِ بِالعُلُومِ، والإنْجِيلُ سَبَبٌ لِظُهُورِ الشَّرائِعِ وحَياتِها، والِاسْمُ الأعْظَمُ سَبَبٌ لِأنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إلى تَحْصِيلِ الأغْراضِ.
و مما قاله السمعاني في كتابه تفسير القرآن في وجه تسمية جبريل روحًا: للطافته، أو لمكانه من الوحي الذي هو سبب لحياة القلوب.
و ما يترجح أنه جبريل عليه السلام، و هو اختيار ابن جرير، و ابن عطية و كثير من المفسرين، و بين ابن جرير وجه ذلك؛ فاستشهد بمعنى الآية ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلّم النّاس في المهد وكهلاً وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل )، ففيها ذكر تأييد الله لعيسى بروح القدس، ثم ذكر تعليمه له بالكتاب الذي هو الإنجيل، فلو كان روح القدس و الكتاب واحد لكان تكرار لقول لا معنى له، تنزه الله أن يخاطب عباده بما لا فائدة منه.
و ذكر ابن كثير عددًا من أدلة ترجح القول بأن المراد هو جبريل عليه السلام ، منها: ما نص عليه ابن مسعود في تفسيره لهذه الآية ، و تابعه عليه ابن عباس و محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وإسماعيل بن أبي خالدٍ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وعطيّة العوفيّ، وقتادة
و منها قوله تعالى: (نزل به الرّوح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* ) الشّعراء: 193-195]
و منه ما روته عائشة (رضي الله عنها): أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وضع لحسّان بن ثابتٍ منبرًا في المسجد، فكان ينافح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهمّ أيّد حسّان بروح القدس كما نافح عن نبيّك».
و ما روي عن شهر بن حوشبٍ الأشعريّ: أنّ نفرًا من اليهود سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: أخبرنا عن الرّوح. فقال:«أنشدكم باللّه وبأيّامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنّه جبريل؟ وهو الذي يأتيني؟»، قالوا: نعم.
و قد أيد ابن حيان في تفسيره هذا القول، و ذلك لأن مشابهة جبريل للروح أتم، و التسمية فيه أظهر،كما أن المراد بأيدناه قويناه، و هذا لا يكون على الحقيقة إلا من جبريل عليه السلام، و من الإنجيل و الاسم الأعظم يكون مجازًا، بالإضافة إلى أن اختصاص عيسى عليه السلام بجبريل آكد من أي نبي ؛ و ذلك لأنه هو من بشر مريم و خلق عيسى بنفخه، و غيرها مما ذكر من جبريل عليه السلام مع عيسى عليه السلام.

و عودة للحديث عن المعنى المراد ب(القدس) في الآية، بناء على ما ترجح أنه جبريل عليه السلام؛ فأقوال المفسرين التي سبق ذكرها عن السلف و المفسرين هي من اختلاف التنوع، و لا تضاد، و فيها زيادة معنى، و الآية تحتمل جميع الأقوال.
من فسر القدس بالله؛ فهو تفسير بالاصطلاح، و القدس و القدوس واحد (كما قال ابن زيد)، اسم من أسماء الله الحسنى، و إضافة جبريل له إضافة الملك إلى المالك، المخلوق إلى الخالق؛ و ذلك لأن جبريل من عباد الله تعالى، و في ذلك تشريف و بيان لمكانة جبريل من الله عز و جل، كما أن فيها بيان أنه لا يخرج عن أمره في شيء.
و من فسر القدس بالطهر و البركة فسر بالمعنى اللغوي، و يتوجه المعنى بناء على ذلك: أن جبريل عليه السلام مطهر، فالله خلقه من روح عنده، مطهر من الولادة من الوالد، و الولد كعيسى عليه السلام، مفهوم كلام ابن جرير.
كما أنه لم يقترف ذنبًا قط و كان طاهرًا من الذنوب، ذكر ذلك السمعاني في تفسيره، و طاهر من كل عيب كما قال ابن القيم في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
و التفسير بالبركة هو من لازم التفسير بالطهارة.
و عليه فجبريل عليه السلام عبد لله شرفه الله بإضافة ذكره لاسمه و نال من شرف هذا الاسم التطهير و البركة و هو في ذاته مطهر و مبارك.
[بارك الله فيكِ.
- من المهم التفرقة بين معنى (القدس) والمراد بروح القدس.
- بعد معرفة الراجح من معنى (القدس)، يأتي سؤال معنى (الإضافة) في (روح القدس
ولا يصح القول بأن القدس اسم من أسماء الله عز وجل لأن أسماء الله عز وجل توقيفية، وعليه فالقدس هنا بمعنى الطهر والبركة والإضافة من باب إضافة الموصوف للصفة]

( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
المسألة هي ما المعنى المراد بالسحت.
تخريج القول:
رواه بلفظه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): في الجامع في علوم القرآن، فقال: أخبرني أشهل عن قرة بن خالد، عن الحسن في هذه الآية: {أكالون للسحت}، أكالون الرشى). [1/137)
و روى بن جرير في تفسيره و ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبو [أبي] عقيل عن الحسن، قولًا يشابهه بزيادة تبين من هم الأكالون هم ( الحكام و الملوك).
و روى مثل ذلك عبد ابن حميد كما في الدر المنثور.
و السحت على كلام العرب من سحته و أسحته إذا استأصله، و أهلكه، ذكر ذلك ابن قتيبة في كتابه غريب القرآن و النحاس في كتابه معاني القرآن.
و قال معمر بن المثني في كتابه مجاز القرآن - ما معناه العموم- :أنه كسب ما لا يحل.
و إطلاق السحت على المال الحرام وجوه، أنه على أصله؛ أي أن السحت هو اسم لكسب المال الحرام، و وجه إطلاق السحت عليه ما ذكره ابن عطية في تفسيره؛ أن المال الحرام يذهب و النوب تسأصله، و استشهد بقول الرسول صلى الله عليه سلم : (مَن أصابَ مالًا مِن مَهاوِشَ أذْهَبَهُ اللهُ في نَهابِرَ)،-و هو يقارب قول البقاعي في نظم الدرر: أنه يُسحت البركة،أي يستأصلها-، و ذكر ابن عطية وجهًا آخر عقب عليه بقوله أنه أشبه، نسبه للمهدوي: سُمِّيَ أجْرُ الحَجّامِ "سُحْتًا"؛ لِأنَّهُ يُسْحِتُ مُرُوءَةَ آخِذِهِ.
و من وجوه إطلاق السحت على المال الحرام؛ أن السحت كناية عن أكل المال الحرام؛ و هو ما نسبه السمين الحلبي و الرازي للفراء أن أصل السحت شدة الجوع( كلب الجوع)، و فصل ابن جرير في بيان وجه هذه التسمية فقال: كَلَبُ الجُوعِ؛ يُقالُ: "فُلانٌ مَسْحُوتُ المَعِدَةِ"؛ إذا كانَ لا يُلْفى أبَدًا إلّا جائِعًا؛ يَذْهَبُ ما في مَعِدَتِهِ؛ فَكانَ الَّذِي يَرْتَشِي بِهِ مِنَ الشَرَهِ ما بِالجائِعِ أبَدًا؛ لا يَشْبَعُ.
و هذا القول قد يعود للقول الأول أنه يستأصل كل ما يقع أمامه، كما قال السمين الحلبي في تفسيره أن يرجع للهلكة.
وقد ذكر ابن عطية هذا القول عن ابن جرير، و وصفه بالاضطراب حيث قال أن مسحوت المعدة مأخوذ من الاستئصال و الذهاب و ليس كلب الغرث، و ما وصف به اليهود هو أكلهم للمال الحرام بما يقولون من أباطيل و ما يخدعون به الناس.
و من الوجوه أيضًا التي قيلت في سبب إطلاق السحت على المال الحرام؛ أن السحت هو مجاز عن المال الحرام، ذكر الله عز و جل المآل ( العذاب و الهلكة ) و أراد السبب و هو أكل المال الحرام، و يظهر ذلك في كلام الزجاج في كتابه معاني القرآن: أن المقصود هو أنهم يأكلون ما يكون سببًا في هلاكهم و عذابهم_ و هو المال الحرام الذي لا يحل _ و استشهد بالأيات؛ كَما قالَ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿لا تَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكم بِعَذابٍ﴾ [طه: ٦١]، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ: ﴿إنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نارًا﴾ [النساء: ١٠]، أيْ: يَأْكُلُونَ ما عاقِبَتُهُ النّارُ.
و الأقوال التي ذكرها السلف و المفسرون في المعنى المراد بالسحت متنوعة و تقع جميعها تحت كسب المال الحرام الذي لا يحل و الذي يوجب الهلكة و العذاب و الذي يهلك بالنوب، و هذه الأقوال هي:
القول الأول: الرشوة، و أختلف السلف أي الرشاوي يُراد، فقالوا؛ أما رشوة الحاكم و السلطان: روى ذلك ابن أبي حاتم عن كلًا [كلٍ] من : بن عباس (مرفوعًا)، وعن طاووس، أو رشوة في الحكم، رواه ابن أبي حاتم عن مجاهد، و حكى أنه روي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والحَسَنِ، وإبْراهِيمَ، وعِكْرِمَةَ، أو الرشوة في الدين: روى ذلك ابن ابي حاتم عن عبد الله
أما القول الثاني في المراد بالسحت: قبول الهدية و قد أختلف السلف و المفسرين من الذي يقبل الهدية و ممن على أقوال: من قال القاضي على حكم حكمه: رواه ابن أبي حاتم عن مسروق
، و من قال من المعلم على عمل احتسبه: رواه ابن أبي حاتم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ
و من قال مَن شَفَعَ لِرَجُلٍ لِيَدْفَعَ عَنْهُ مَظْلَمَةً أوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَقًّا، رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود
و القول الثالث في المراد بالسحت هو :مَهْرَ البَغِيِّ وثَمَنَ الكَلْبِ والسِّنَّوْرِ وكَسْبَ الحَجّامِ مِنَ السُّحْتِ، رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعًا، و رواه عن عطاء برن رباح بزيادة قال( لِلسُّحْتِ خِصالٌ سِتٌّ: الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ، وثَمَنُ الكَلْبِ، وثَمَنُ المَيْتَةِ، وثَمَنُ الخَمْرِ، وكَسْبُ البَغِيِّ، وعَسْبُ الفَحْلِ).

و الذي يتبين مما سبق؛ أن السحت في الآية يقع تحته كل ما قيل من أقوال؛ و الأقوال التي ذكرنا للسلف كل منها هو قول بالمثال، و يدخل فيه دخولًا أوليًا؛ الرشى التي تكون في الحكم و ذلك للحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه و سلم و لمناسبته لسياق الكلام، فسياق الآيات في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشى ليحكموا بالباطل بين الناس،و يحللوا ما حرم الله، كما ذكر أبو حيان في تفسيره: عَنِ الحَسَنِ: كانَ الحاكِمُ في بَنِي إسْرائِيلَ إذا أتاهُ أحَدُهم بِرِشْوَةٍ جَعَلَها في كُمِّهِ فَأراهُ إيّاها، وتَكَلَّمَ بِحاجَتِهِ، فَيَسْمَعُ مِنهُ ولا يَنْظُرُ إلى خَصْمِهِ، فَيَأْكُلُ الرِّشْوَةَ ويَسْمَعُ الكَذِبَ.
[بارك الله فيكِ، حبذا لو خرّجتِ الحديث الذي استشهدتِ به عن النبي صلى الله عليه وسلم وبينت حكمه من حيث الصحة والضعف]
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
المسألة:
المعنى المراد من (و الأرحام)
تخريج قول عكرمة:
رواه سفيان الثوري في تفسيره و ابن جرير في تفسيره من طريق خصيف عن عكرمة.
ذكر السيوطي في الدر النثور أن عبد بن حميد أخرج عن عكرمة في قوله {الذي تساءلون به والأرحام} قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا وخير لكم في آخرتكم.
و هذا القول فيه بيان لفضل صلة الرحم التي يضيعها قاطع الرحم.
و قد اختلف المفسرون في المعنى المراد ب( و الأرحام) على أقوال، تعود لمعنين هما؛ القسم بالأرحام، و الحض على صلة الرحم و عدم قطعها.
و يكون تقدير الآية على القول أن المراد القسم بالأرحام ؛ واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول:"أسألك به وبالرّحِم" ، روى ذلك ابن جرير في تفسيره عن إبراهيم و مجاهد و الحسن.
و على القول أن المراد صلة الرحم ، يكون التقدير؛ الأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ، ذكره ابن عطية ، أو و اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، روى ذلك ابن جرير في تفسيره، عن ابن عباس و قتادة و السدي، و الحسن و عكرمة .
و هذه الأقوال أصلها بُنيَ على القراءات في الآية، فقد ذكر لها ثلاث قراءات؛ قراءتان غير مشهورتين؛ بالضم و الخفض، و قراءة مشهورة بالنصب.
ذكر ابن عطية في تفسيره أن قراءة عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ "والأرْحامُ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، و عليه يكون المعنى (والأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ)، وقَدَّرَهُ الزمخشري:» والأرحام مِمَّا يتقي» أو «مما يتساءل به» .
و عقب ابن عادل في اللباب على هذا التقدير: وهذا أحسنُ للدلالة اللفظية، والمعنوية، وقَدَّرَهُ أبو البقاء: والأرحام محترمة، أي: واجبٌ حرمتها.
أما قراءة "والأرْحامِ" بِالخَفْضِ، فقد قَرَأ بها حَمْزَةُ وجَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ كما ذكر ابن عطية في تفسيره و قال ابن عادل في اللباب في الكتاب؛ أن هذا الإعراب بالخفض و قراءة الخفض يؤيدها قراءة عبد الله «وبالأرحام» .
و توجيه هذه القراءة على عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الأرحام عطفت على الضمير (به)، فيكون تقدير الجملة، اتقوا الله الذي تساءلون به و تساءلون بالأرحام، و قد ذكر ابن عادل ان من قال بالعطف على الضمير المجرور استشهد بالآية: ﴿وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام﴾ [البقرة: 217
الوجه الثاني: ذكره ابن عادل في اللباب في الكتاب؛ أنه ليس معطوفاً على الضمير المجرور، بل الواو للقسم( قال الألوسي فيه:هو وجْهٌ حَسَنٌ)،
فالخفض هنا بحرف القسم مقسم به، وجوابُ القسمِ ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.
الوجه الثالث: ذكره الألوسي و نسبه إلى ابْنُ جِنِّي في الخَصائِصِ، أنه قال: بابٌ في أنَّ المَحْذُوفَ إذا دَلَّتِ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ كانَ في حُكْمِ المَلْفُوظِ بِهِ، و قال : وعَلى نَحْوٍ مِن هَذا تَتَوَجَّهُ عِنْدَنا قِراءَةُ حَمْزَةَ، وفي شَرْحِ المُفَصَّلِ أنَّ الباءَ في هَذِهِ القِراءَةِ مَحْذُوفَةٌ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِها.
الوجه الرابع: جعل أبو البقاء تقدير الكلام: تُعَظِّمُونه والأرحام، لأنَّ الحَلْفَ به تَعْظِيم له، ذكر ذلك عنه أبو عادل في اللباب.
و قد ردت هذه القراءة من عدد من أهل اللغة و التفسير كالفراء و الزجاج و ابن جرير و ابن عطية و غيرهم؛ و الأسباب التي قرروها هي: أن هذه القراءة لا توافق القواعد العربية في القرآن، و لا توافق أحكام الشريعة.
و فيما يتعلق بعدم موافقتها القواعد العربية:
- فالعرب لا تعطف مخفوض على مخفوض مكنى عنه، و إنما يجوز هذا في الشعر لضيقه، و ذكر الزجاج إجماع أهل النحويين على ذلك، وذكر تفصيل ذلك ابن عادل: ان البصريين هم من لا يجيزوها، و الكوفيون على الكراهة، و لا يذكرون سببًا لذلك.
- القول بأنه ليس معطوفاً على الضمير المجرور، بل الواو للقسم، ذكره ابن عادل ز ضعفه، و السبب :أن قراءتي النصبِ وإظهار حرفِ الجر في ب» الأرحام «يمنعان من ذلكَ، والأصلُ توافق القراءات.
- أن القسم بالأرحام ليس فيه حض على التقوى، فلا يكون ذكر القسم إلا للإخبار، و هذا ليس بفصيح، فالفصاحة تقتضي أن يكون هناك فائدة مستقلة في ذكر القسم بالأرحام، ذكر ذلك ابن عطية.
و أسقط الألوسي هذا السبب؛ و ذلك لِأنَّ التَّقْوى إنْ أُرِيدَ بِها تَقْوى خاصَّةً، وهي الَّتِي في حُقُوقِ العِبادِ، الَّتِي مِن جُمْلَتِها صِلَةُ الرَّحِمِ، فالتَّساؤُلُ بِالأرْحامِ مِمّا يَقْتَضِيهِ بِلا رَيْبٍ، وإنْ أُرِيدَ الأعَمُّ فَلِدُخُولِهِ فِيها.
و ذلك كان رد هذه القراءة من حيث قبحها من جهة العربية ، أما من حيث أنها لا توافق الدين، فذلك بسبب: أنه لا يجوز الحلف بغير الله قال صلى الله عليه و سلم "مَن كانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أو لِيَصْمُتْ"،»
و قد عقب ابن عادل على هذا السبب بما يظهر منه أنه لا يوافقه، أن النهي ورد عن الحلف بالآباء فقط، -و يقصد هنا أبو عادل قول الرسول صلى الله عليه و سلم: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»- وهاهنا ليس كذلك، بل هو حلف باللهِ أولاً، ثُمَّ قرن بِهِ بَعْدَ ذكر الرحم، وهذا لا ينافي مدلول الحديث.
و وافق الالوسي ابن عادل في عدم موافقته لهذا السبب في رد القراءة، بما يتوافق مع مذهبه الشافعي أن هذا مما أختلف فيه، و فصل القول فيه عنده بما خلاصته؛ أن الحلف يجوز إن كان على سبيل التأكيد، ممّا لا بَأْسَ بِهِ؛ فَفي الخَبَرِ: «“أفْلَحَ وأبِيهِ إنْ صَدَقَ» .، و أن قول : أسْألُكَ بِالرَّحِمِ ؛ يعني الاستعطاف و ليس قسمًا.
و مما رد ابن عطية به معنى القسم؛ لعدم مناسبته لنظم الكلام، و المعنى يخرجه؛ إذ كيف يكون القسم بالمخلوق على أمر يتعلق بالله ( إن الله كان عليكم رقيبًا)؟
و ذكر ابن عادل قولًا نسبه لآخرون؛ أن هذا حكاية عن فعل كانوا يفعلونه في الجاهلية؛ لأنهم كانوا يقولون: أسألك بالله وبالرحم، فمجيء هذا الفعل عنهم في الماضي لا ينافي ورود النهي عنه في المستقبل.
و للفرار من هذا السبب في رد القراءة، ذكر ابن عادل في اللباب أن بَعْضهم قدر مضافاً ،فقال: «ورَبِّ الأرحام» ، و أن بعضهم جعل التقدير قسم من الله بالأرحام، و الله يُقسمَ بما يشاء من مخلوقاته [كما أقسم] بالشمس والنجم والليل، و هذا التوجيه ليس مقصودًا من حيث المعنى كما ذكر ابن عادل، و قال : الأولى حمل هذه القراءات على العطف على الضمير، ولا التفات إلى طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فيها.
اختلاف السلف في توجيه القراءة لا يعني أن ترد، فهذه القراءة صحيحة عن حمزة، [أحسنتِ] كما ذكر و بين كلأً من أبو عادل و الألوسي؛ لأن حمزة أحد القراء السبعة، و يبعد أن يكون جاء بها من عند نفسه، بل رواها عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، و ذكر الألوسي سندها ، قال: أخَذَ حمزة هذه القراءة، بَلْ جَمِيعَ القُرْآنِ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مِهْرانَ الأعْمَشِ، والإمامِ ابْنِ أعْيَنَ، ومُحَمَّدِ بْنِ أبِي لَيْلى، وجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ، - وكانَ صالِحًا ورِعًا ثِقَةً في الحَدِيثِ- مِنَ الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ.
لذا قال ابن عادل: أنه يوجب القطع بصحة اللغة، ولا التفات إلى أقيسة النحاة عند وجود السماع، وأيضاً فلهذه القراءة وجهان:
أحدهما: ما تقدم من تقدير تكرير الجر، وإن لم يجزه البصريون فقد أجازه غيرهم.
والثاني: فقد ورد في الشعر
و قال ابن عادل: وحمزة بالرتبة السَّنيَّة المانعةِ له من نقلِ قراءة ضعيفة.
و ذكر مقالة ابن الخطيبِ: «والعَجَبُ من هَؤلاء [النحاة] أنهم يستحسنون إثبات هذه اللغة بهذين البيتين المجهولين، ولا يستحسنوها بقراءة حمزة ومجاهد، مع أنهما كانا من أكابر علماء السلف في علم القرآن» .

و القراءة التي عليها الجمهور هي النصب و هي المشهورة، وهي قِراءَةُ السَبْعَةِ إلّا حَمْزَةَ، وعَلَيْها فَسَّرَ الآية ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ، كما ذكر ابن عطية، و رجح هذه القراءة الزجاج و الفراء و ابن جرير و غيرهم.
و توجيهها أن ( و الأرحام ) تقديرها؛ و اتقوا الأرحام أن تقطعوها، جملة معطوفة على جملة اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام و هو الظاهر كما ذكر ابن عطية.
قال ابن عادل في اللباب في الكتاب: ويقال: إنَّ هذا في الحقيقةِ من عطف الخاصِّ على العام، وذلك أن معنى اتقوا الله؛ اتقوا مخالَفَتَه، وقَطْعُ لأرحام مندرج فيه.
و قد يكون النُصِبَ عَلى العَطْفِ عَلى مَوْضِعِ "بِهِ" لِأنَّ مَوْضِعَهُ نُصِبَ، ذكر ذلك ابن عطية و إن لم يمل إليه.
و ذكر ابن عادل توجيه آخر للقراءة بالنصب نسبها إلى الواحدي، أنه يجوز أن يكون منصوباً بالإغراء، أي: والأرحام احفظوها وصلوها كقولك: الأسدَ الأسدَ، وهذا يَدُلُّ على تحريم قطعيةِ الرحم ووجوب صلته.
و أيد النحاس في كتابه إعراب القرآن هذه القراءة بالاستشهاد بالحديث: عن النذر بن جرير عن أبيه قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى جاء قوم من مصر حفاة عراة فرأيت وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم يتغير لما رأى من فاقتهم ثم صلّى الظهر وخطب الناس فقال: «يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم والأرحام، ثم قال تصدّق رجل بديناره تصدّق رجل بدرهمه تصدّق رجل بصاع تمره»(٦) وذكر الحديث فمعنى هذا على النصب لأنه حضّهم على صلة أرحامهم.
ختامًا: بعدما تبين صحة القراءات جميعًا، [القراءة بالرفع شاذة] و أن مقصود قوله تعالى ب(و الأرحام ) هو الحث على عدم قطع الأرحام، يترجح و الله أعلم أن الأقوال في المعنى المراد ب( و الأرحام) هو من اختلاف التنوع و فيه زيادة معنى، و يجمع بينهم.
فالحث على صلة الرحم يكون بالأمر باتقاء قطعها ؛ كما في قراءة النصب، و بيان أنها أهل أن توصل كما في قراءة الضم، و تعظيم شأن صلة الرحم و ذلك يظهر من توجيه القراءة بالخفض، و الله أعلم.
المراجع : تفسير ابن جرير، تفسير ابن عطية، كتاب اللباب في الكتاب لابن عادل، تفسير روح المعاني للألوسي، كتاب إعراب القرآن للنحاس، كتاب معاني القرآن للزجاج، كتاب معاني القرآن للفراء.
التقويم: أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir