دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > الدعوة بالقرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1443هـ/19-07-2022م, 03:57 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي رسالة علمية في قوله تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم)

الحمد لله المُبدئ المُعيد، الذي أحسن كل شيء خَلقه ثُمّ هدى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
وبعد،
فقد أنزل الله تعالى سورة الواقعة في مكة، وقرّر فيها ربوبيته الكاملة، وردّ على المشركين سوء ظنّهم بربهم وذهولهم عن نِعَمه الجليلة ونسبتها لغيره سبحانه، كما أقسم بأمرٍ عظيم على صدق القرآن وأنه حق من عند الله تعالى، فقال عزّ من قائل: (فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنّه لقرآن كريم (77)) الواقعة.
وقد اختلف المفسرون في المراد (بمواقع النجوم) على قولين، سنفصل القول فيهما ونبحث القول الراجح إن شاء الله تعالى.

أولا: ما جاء في سبب نزول الآية:
قال الإمام مسلم: وحدثني عباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة وهو ابن عمار حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس قال مُطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا قال: فنزلت هذه الآية (فلا أقسم بمواقع النجوم) حتى بلغ (وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون).
وبيان سبب النزول له أهميته في إدراك معنى الآية، وفي فهم أقوال العلماء والترجيح بينها.

ثانيا: أقوال العلماء في المراد بمواقع النجوم:
في "النجوم" قولان:
القول الأول: نجوم السماء، قاله أكثر المفسرين، وهو قول مجاهد وقتادة والحسن.
وعلى هذا في مواقعها ستة أقوال:
أحدها: انكدارها وانتثارها يوم القيامة، قاله الحسن، ورواه ابن جرير من طريق سعيد عن قتادة عنه.

والثاني: هي مواضعها في السماء في بروجها ومنازلها، قاله قتادة، ورواه ابن جرير عن معمر عنه.
قال ابن عاشور: ويطلق الوقوع على الحلول في المكان، يقال: وقعت الإبل، إذا بركت، ووقعت الغنم في مرابضها، ومنه جاء اسم الواقعة للحادثة كما تقدم، فالمواقع محال وقوعها وخطوط سيرها فيكون قريبا من قوله والسماء ذات البروج.

والثالث: المطالع والمغارب، وهو قول مجاهد، ورواه ابن جرير عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني من طريق ابن أبي نجيحٍ عنه، وذكره الماوردي والزمخشري.

والرابع: مغيبها في المغرب وحده، فإن عندها سقوط النجوم. وهو قول قتادة، والحسن، وقاله أبو عبيدة، واليزيدي، والزجاج، ومكي بن أبي طالب.
وذكره ابن عطية، وابن عاشور، والشوكاني، وابن الجوزي، والرازي.
- أما قول قتادة فرواه ابن جرير من طريق سعيد عنه، ورواه عبد بن حميد عنه كما في الدر المنثور.
- وأما قول الحسن فرواه عبد بن حميد عنه، كما في الدر المنثور.

والخامس: هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون مطرنا بنوء كذا، وهذا القول منسوب إلى الضحاك، وذكره الشوكاني والماوردي والقرطبي.

والسادس: مواقعها عند الانقضاض على مسترقي السمع من الشياطين، ذكره ابن عطية والرازي والألوسي، ولم أجد له أصلاً عند المتقدمين.

توجيه هذا القول:
يعتمد القول الأول على الأصل في إطلاق لفظة النجوم وهو اسم الجنس، ثم اختلفوا بعد ذلك في المراد بمواقعها، فقيل الوقوع هو الحلول في المكان وعلى هذا فسروا القول بمنازلها، قال ابن عاشور: والمواقع هي: أفلاك النجوم المضبوطة السير في أفق السماء، وكذلك بروجها ومنازلها.
وقيل المراد السقوط، ففسروها بمكان الوقوع: قال ابن عاشور: والوقوع يطلق على السقوط، أي الهوى، فمواقع النجوم مواضع غروبها، وعلى هذا يُحمل تفسيرها بأنها الأنواء التي يزعم الجاهلية أنهم يمطرون بها، قال الألوسي: وليس نصا في إرادة الأنواء بل يجوز عليه أن يراد المغارب مطلقا.
وتفسير المتأخرين بأنها انقضاضها على الشياطين من مسترقي السمع مأخوذ من هذا المعنى.

القول الثاني: أنها نجوم القرآن، وهو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة.
قال الزجاج: وقيل إن مواقع النجوم يعنى به نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء، ودليل هذا القول: {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم}.
ومواقعها: قيل: 1- منازل القرآن وأوقات نزوله، فقد أنزل نجوما متفرقة، وهو قول ابن عباس وعكرمة، وقاله ابن قتيبة، وذكره ابن الجوزي.
- أما قول ابن عباس فرواه النّسائيّ والحاكم من طريق حصينٍ عن سعيد بن جبير عنه، ورواه ابن جرير وعبدالرحمن بن الحسن الهمذاني من طريق حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبير عنه، وقال الهيثمي رواه الطّبرانيّ، وفيه حكيم بن جبيرٍ وهو متروكٌ)، وأخرجه ابن مردويه عنه كما في الدر المنثور.
- وأما قول عكرمة فرواه ابن جرير من طريق يزيد عنه، ومن طريق المعتمر عن أبيه عنه.
قال النسائي: أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبي عوانة، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين، فذلك قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75]
2- مستقرّ الكتاب أوله وآخره، وهو قول ابن عباس وعكرمة، فأما قول ابن عباس فرواه ابن جرير من طريق محمد بن سعد عن آبائه عنه، وهو ضعيف، وأما قول عكرمة فرواه ابن جرير من طريق المعتمر عن أبيه عنه.
عن عكرمة: إنّ القرآن نزل جميعًا، فوضع بمواقع النّجوم، فجعل جبريل يأتي بالسّورة، وإنّما نزل جميعًا في ليلة القدر.

3 - قلوب عباده وملائكته ورسله وصالحي المؤمنين، ذكره الرازي، وذكر البقاعي ما يدل على معناه، وهذا القول باعتبار محله، ولم يؤثر عن السلف.
قال الرازي: وأما مواقع نجوم القرآن فهي قلوب عباده وملائكته ورسله وصالحي المؤمنين، أو معانيها وأحكامها التي وردت فيها.

4- محكم القرآن، وهو قول ابن مسعود ومجاهد، وهو قول البخاري.
- أما قول ابن مسعود فقد رواه الفراء قال حدثني الفضيل بن عياض، عن منصور، عن المنهال بن عمرو رفعه إلى عبد الله فيما أعلم، شك الفراء، وأخرجه الفريابي بسند صحيح عن المنهال بن عمرو عنه، ذكر ذلك السيوطي.
- وأما قول مجاهد فرواه ابن جرير من طريق الأعمش عنه، وأخرجه ابن نصر وابن الضريس كما في الدر المنثور.
توجيه هذا القول:
يعتمد هذا القول على أنّ المراد بالنجوم هي نزول القرآن منجّما في آيات متفرقة، بعد نزوله تاما إلى السماء الدنيا، وهذا له أصل لغوي معتمد في كتب اللغة، ذكر ابن منظور أنّ النجم: الوقت المضروب ومنه تنجيم الدين والمكاتب، ويؤيده ما روي عن ابن عباس، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين، فذلك قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75].
ويؤيده عود الضمير على القرآن في قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم).
ثم اجتهدوا بعد ذلك في ربط معاني القرآن وما يتضمنه من نور بنور النجوم والاهتداء بها.
وقد جاء في القرآن ما يشير إلى هذه المعاني، منها قوله تعالى: {وقرآنا فرقنا لتقرأه على الناس على مكث} وقوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وقوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}.
واختلفوا في المراد بالمواقع على هذا المعنى فقيل هي أوقات نزوله، وقيل هذا اسم للمكان الذي وضع فيه القرآن بعد نزوله للسماء الدنيا، وقال آخرون هي مواقع معانيه وأحكامه الواردة فيه، وقال بعضهم قلوب عباده الصالحين وذلك باعتبار محلها، "فيحتمل أن يكون المقسم به نفس النزول أي نزول القرآن مفرّقا، أو مواضع نزوله في السماء وفي الأرض، أو أزمان نزوله، وذلك لاحتمالات اللفظ".

الدراسة:
أولاً: تحرير القول في سبب النزول:

قال الإمام مسلم: وحدثني عباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة وهو ابن عمار حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا هذه رحمة الله، وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا قال: فنزلت هذه الآية (فلا أقسم بمواقع النجوم) حتى بلغ (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون).
وقال أبو السعادات ابن الأثير الجزري في شرح الغريب:
(بمواقع): مواقع النجوم: مساقطها ومغاربها، وقيل: منازلها ومسايرها).

في لفظ هذا الحديث ربطٌ لمساقط الأنواء بمواقع النجوم، قال ابن الصلاح - رحمه الله - (كما في شرح مسلم: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أي سقط، وغاب. وقيل: أي نهض وطلع. وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما. وقال الأصمعي: إلى الطالع منهما، قال النووي: ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوءا تسمية للفاعل بالمصدر).

ثانياً: دراسة أقوال المفسرين في المسألة:
أمّا القول الأول وهو أنها نجوم السماء، فهو يعتمد على أنها اسم جنس، وهو الأصل في إطلاق النجوم، ومواقعها هي منازلها أو مساقطها (على اختلاف تفسيرهم للمساقط فهو من قبيل التنوع) وهو قولٌ قوي قال به أكثر المفسرين، ويؤيّد هذا القول عدّة أمور:
الأول: المعنى اللغويٌ: فالوقوع يطلق على السقوط، أي الهوى، فمواقع النجوم مواضع غروبها فيكون في معنى قوله تعالى: (والنجم إذا هوى)، والقسم بذلك مما شمله قوله تعالى: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب)، ومواقع النجوم جمع موقع يجوز أن يكون مكان الوقوع، ويطلق الوقوع على الحلول في المكان، يقال: وقعت الإبل، إذا بركت، ووقعت الغنم في مرابضها، والمواقع هي: أفلاك النجوم المضبوطة السير في أفق السماء، وكذلك بروجها ومنازلها، كما ذكر ذلك ابن عاشور.
وكان مدار ترجيح ابن جرير لهذا القول بناءً على معناه اللغوي، قال ابن جرير: (وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقع المفعل من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به).

والثاني: ما صحّ في سبب النزول، وسبق ذكره.


والثالث: سياق الآيات، ففي قوله تعالى بعد ذلك: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون(82))، تنديدٌ بفعلهم لكفرهم نعمة الله تعالى عليهم بنسبتهم المطر إلى النوء، ومعنى رزقكم، أي: (شكركم)، روى ابن جرير قال: حدثني يعقوب، قال حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم) يقول شكركم على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة تقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا، قال: فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم.
وتفسير هذه الآية بقول المشركين، مطرنا بنوء كذا وكذا، مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
وفي الآية احتجاج على المشركين بآية عظيمة من آيات الله التي يرونها، وهي نزول المطر، فيحتج عليهم بالربوبية لإثبات الألوهية، ويقسم بهذا الحدث الكوني العظيم، على صحة القرآن وعظمته.
ومن لطائف الربط بين الآية وسبب النزول ما ذكره الألوسي: من أنّ في غروبها زوالٌ لأثرها ودلالة على وجود خالق مدبر لهذا الكون مؤثر دائم لا يتغير، وأنّ هذا سبب استدلال إبراهيم عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جل وعلا.
وذكر الرازي لطائف أخرى في تخصيصها بالقسم، منها أنه سبحانه لمّا ذكر قبلها دليل الأنفس ودليل الآفاق ذكر الدلائل السماوية على عظمته وتدبيره للكون.

والرابع: اسم السورة، فهي سورة الواقعة، والتفسير بانكدارها وانتثارها يوم القيامة فيه تأكيدٌ على وقوع هذا اليوم، وقال بهذا الحسن، وهو قول ٌصحيح.

وأمّا القول الثاني: بأنها نجوم القرآن، وتُفسَّر مواقعه بأنها منازل القرآن فتنزل الآية والآيتين والثلاث متفرقة، وقيل: مستقر الكتاب، وقيل: مواقع أحكامه ومعانيه، ويمكن أن يُوجّه هذا القول بأمور:
1- أثر ابن عباس: قال النسائي: أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبي عوانة، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين، فذلك قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75].
فاستشهاد ابن عباس بهذه الآية على نزول القرآن منجّما من السماء الدنيا، له اعتباره، إذ لا يُظنّ به رضي الله عنه أنه قاله تخرّصاً وإنما عن علم واتبّاع.

2- له معنى لغوي سائغ في اللغة، فالنجوم جمع نجم وهو القسط، قال ابن منظور: و تَنْجِيمُ الدَّينِ: هو أَن يُقَدَّرَ عطاؤه في أَوقات معلومة متتابعةٍ مُشاهرةً أَو مُساناةً، وقوله عز وجل: فلا أُقْسِمُ بمواقع النُّجوم؛ عنَى نُجومَ القرآن لأَن القرآن أُنْزِل إِلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم آيةً آيةً، وكان بين أَول ما نزل منه وآخره عشرون سنةً .

3- يؤيده سياق الآية بعده (إنه لقرآن كريم)، وهذا القول يؤول إلى القسم بالقرآن على حقيقته على نحو ما تقدم في قوله تعالى (والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا) كما ذكر ذلك ابن عاشور، فيعود الضمير في قوله تعالى بعده ( إنّه لقرآن كريم ) على مواقع النجوم مباشرة .

ويُمكن أن يُنقد على هذا القول بُعده عن الأذهان، والمعنى الأول هو المتبادر للذهن، ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأنّ هذا التفسير ورد في مقام الإجابة عن شبهة وقعت لأحد التابعين، فأجابه ابن عباس بدليل من القرآن يُطمئنه، ويرفع عنه الإشكال. كما في رواية ابن مردويه في الدر المنثور: {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: أتى ابن عباس علبة بن الأسود أو نافع بن الحكم فقال له: يا ابن عباس إني أقرأ آيات من كتاب الله أخشى أن يكون قد دخلني منها شيء، قال ابن عباس: ولم ذلك قال: لأني أسمع الله يقول: (إنا أنزلناه في ليلة القدر(2))(القدر)، ويقول: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين(3)) (الدخان)، ويقول في آية أخرى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن(185)) (البقرة)، وقد نزل في الشهور كلها شوال وغيره، قال ابن عباس: ويلك إن جملة القرآن أنزل من السماء في ليلة القدر إلى موقع النجوم يقول: إلى سماء الدنيا فنزل به جبريل في ليلة منه وهي ليلة القدر المباركة وفي رمضان ثم نزل به على محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة الآية والآيتين والأكثر، فذلك قوله: {لا أقسم} يقول: أقسم {بمواقع النجوم}).
ولاشكّ أن الحديث المروي في سبب النزول هو عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه وهو في صحيح مسلم، وابن عباس رضي الله عنه، كان من العلم بتفسير القرآن بمكان.
والحقيقة، أنّ هذا الخلاف هو من قبيل اختلاف التنوع، والآية تحتمل المعنيين جميعا.
أمّا الإمام البقاعي فقد جمع بين القولين من خلال ربطه بين هذه الآية والتي قبلها، قال: (فحين ذكر الماء الذي هو أعظم نعمة أنعم بها عليهم وقد رتب سبحانه لإنزاله الأنواء بقانون محكم، وجعل إنزال القرآن نجوما مفرقة وبوارق متلألئة متألقة، جعل مساقط آيات القرآن محيية للقلوب، كما تحيا الأرض بآثار الأنواء، وفي ذلك من إبداع الصانع وإحكامه سبحانه، وبدائع قدرته على تسخير المخلوقات، وإنزال البينات.
فوجب ردّ الإنعام إلى المنعم، ومعرفة فضله وقدرته على الإحياء والإماتة، والبعث بعد ذلك.
ووجه بعض العلماء العلاقة بين القَسم وهو مواقع النجوم والمُقسم عليه وهو القرآن:
لما بين النجوم والقرآن من تشابه في النور والهداية والنعمة والإحكام والإعجاز.
وهذه لطائف يُستأنس بها.

وأرى أنّ القول بأنها نجوم السماء، ويُراد بالمواقع مساقط النجوم ومنازلها، قول قوي، وذلك لموافقته لسبب النزول، ولاسم الجنس وهو الظاهر، وللآية بعد ذلك (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)، فهي مطابقة لحال المشركين ومناسبة في الرد عليهم، ومناسبة لما قبلها من الحديث عن الآيات الكونية، ولا يضر أن يكون المقسم عليه هو القرآن عند قولنا بهذا القول، لأنه واضحٌ جليّ.
ويُستفادُ من أقوال العلماء في بيان المعاني الإبداعية في الربط بين الآيات، والكلام فيما وراءها من معانٍ لطيفة خفية تدلّ على قدرة الله تعالى وعظمته وكبير نعمته علينا ومنّته.

والله تعالى أعلم وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المراجع:
تفسير عبد الرزاق.
صحيح البخاري.
فتح الباري.
عمدة القاري.
إرشاد الساري.
حاشية السندي على البخاري.
السنن الكبرى للنسائي.
صحيح مسلم.
شرح النووي على مسلم.
تفسير ابن جرير الطبري.
تفسير مجاهد.
المستدرك للحاكم.
جامع الأصول لأبي السعادات ابن الأثير الجزري.
مجمع الزوائد للهيثمي.
تفسير الدر المنثور للسيوطي.
فتح القدير للشوكاني.
تفسير ابن كثير.
تفسير ابن عطية.
تفسير ابن الجوزي.
تفسير الماوردي.
التفسير الكبير للرازي.
التحرير والتنوير لابن عاشور.
تفسير القرطبي.
تفسير الكشاف للزمخشري.
تفسير الألوسي.
نظم الدرر للبقاعي.
معاني القرآن للفراء.
مجاز القرآن لأبي عبيدة.
غريب القرآن لليزيدي.
معاني القرآن للزجاج.
العمدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب.
لسان العرب لابن منظور.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, علمية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir