دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > قواعد الأصول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1431هـ/2-04-2010م, 08:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي - أركان القياس

فإذاً أركان القياس أربعة :
(الأصل) : وهو المحل الثابت له الحكم ، الملحق به كالخمر مع النبيذ ، وشرطه أن يكون معقول المعنى لِيُعَدَّى ، فإن كان تعبدياً لم يصح . وموافقة الخصم عليه ، فإن منعه وأمكنه إثباته بالنص جاز ، لا بعلة عند المحققين . وقيل : الاتفاق شرط .
و(الفرع) : وهو لغة ما تولد عن غيره وانبنى عليه . وهنا : المحل المطلوب إلحاقه . وشرطه : وجود علة الأصل فيه .
و(الحكم) : وهو الوصف المقصود بالإلحاق ، فالإثبات ركن لكل قياس ، والنفي إلا لقياس العلة عند المحققين ؛ لاشتراط الوجود فيها .
وشرطه : الاتحاد فيها قدراً وصفة ، وأن يكون شرعياً لا عقلياً أو أصولياً.
و(الجامع) : وهو المقتضي لإثبات الحكم . ويكون حكماً شرعياً ، ووصفاً عارضاً ، ولازماً ، ومفرداً ، ومركباً ، وفعلاً ، ونفياً ، وإثباتاً ، ومناسباً ، وغير مناسب .
وقد لا يكون موجوداً في محل الحكم ، كتحريم نكاح الحر للأمة لعلة رق الولد ، وله ألقاب منها : العلة : وقد سبق تفسيرها ، والمؤثر : وهو المعنى الذي عرف كونه مناطاً للحكم بمناسبة .

  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1431هـ/5-04-2010م, 01:58 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تيسير الوصول إلى قواعد الأصول للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان

قوله: (فإذن أركان القياس أربعة) الأركان: جمعٌ مفرده: ركن، وركن الشيء في اللغة: جانبه الأقوى الذي يعتمد عليه، يقال: ركنت إلى زيد: اعتمدت عليه.
أمَّا ركن الشيء في الاصطلاح: فهو الذي لا تتحصل حقيقة الشيء بدونه، فلا وجود للصلاة بلا ركوع وسجود وقراءة، ولا وجود للقياس بدون الأربعة المذكورة.
(الأصل): وهو المحل الثابت [له] الحكم، الملحق به كالخمر مع النبيذ، وشرطه: أن يكون معقول المعنى لِيُعَدَّى، فإن كان تعبدياً لم يصح وموافقة الخصم عليه، فإن منعه وأمكنه إثباته بالنص جاز، لا بعلة عند المحققين. وقيل: الاتفاق شرط.
قوله: (الأصل: وهو المحل الثابت له الحكم) أي: إن الأصل هو محل الحكم، فالبر ـ مثلاً ـ أصل، وهو محل للحكم، وهو تحريم الربا، وهذا التعريف هو الأقرب لاستعمال الفقهاء.
قوله: (الملحق به) أي: المشبه به الفرع، كالبر مع الأرز، والخمر مع النبيذ[(912)].
قوله: (وشرطه) أي: يشترط للأصل شرطان، لأن المفرد إذا أضيف يعم، وظاهر كلام المصنف أن هذين شرطان في الأصل، ولا يخفى أنهما شرطان في حكم الأصل، لا في الأصل نفسه[(913)].
قوله: (أن يكون معقول المعنى) هذا الشرط الأول ، وهو أن يكون الحكم الثابت للأصل معقول المعنى، أي: يُدْرِكُ العقلُ الحكمة في شرعيته، أو يوميء النص إلى حكمة شرعيته، كتحريم الخمر، وتحريم أكل الميتة، ونحو ذلك مما تدرك علته.
قوله: (لِيُعَدَّى) أي: لِيُعَدَّى حكم الأصل إلى الفرع؛ لأن ما لا يعقل معناه لا يمكن القياس فيه؛ لأن القياس تعدية حكم المنصوص عليه وهو الأصل، إلى غيره وهو الفرع، وما لا يعقل لا يمكن تعديته.
فتحريم الربا في البر هو لعلة الكيل والطعم ـ مثلاً ـ فيمكن أن يُعَدَّى هذا الحكم إلى كل مكيل مطعوم، كالفول والعدس والأرز ونحوها.
قوله: (فإن كان تعبدياً لم يصح) أي: القياس عليه، والتعبدي: هو الحكم الشرعي الذي لا تدرك له حكمة[(914)]، وهذا تصريح من المصنف بمفهوم قوله: (معقول المعنى) . فإذا تعذر على العقل إدراك العلة امتنع القياس، ولهذا قال العلماء: لا قياس في العبادات؛ لأنها أحكام استأثر الله تعالى بعلم عللها، مثل: أوقات الصلاة، وأعداد الركعات، ومقادير الحدود والكفارات ونحو ذلك.
ومثال ذلك أن يقال: لحم النعامة ينقض الوضوء، قياساً على لحم البعير لمشابهة النعامة للبعير، فيقال: هذا قياس لا يصح؛ لأن حكم الأصل وهو أن لحم الإبل ينقض ليس له علة معلومة، وإنَّما هو تعبدي محض على المشهور.
قوله: (وموافقة الخصم عليه) هذا الشرط الثاني ، ومعناه: أن يكون حكم الأصل متفقاً عليه بين الخصمين، أي: المتناظرين في مسألة فيها قياس، فإن لم يكن خصم فالشرط ثبوت الحكم للأصل بدليل يقول به القائس.
وإنَّما اشترط ثبوت حكم الأصل، لأنه ينبني عليه الفرع ويلحق به، وما لا ثبوت له لا يُتَصَوَّرُ بناءُ غيرِه عليه.
واشترط اتفاق الخصمين لئلا يمنع الخصم الحكم، فيحتاج المستدل إلى إثباته، فيكون انتقالاً من مسألة إلى مسألة أخرى، وينتشر الكلام، فيفوت المقصود[(915)].
ومثاله قول الحنبلي: جلد الميتة نجس، فلا يطهر بالدباغ، كجلد الكلب، فيقول الحنفي: لا أسلّم حكم الأصل، وهو أن جلد الكلب لا يطهر بالدباغ بل يطهر به عندي، فحكم الأصل المقيس عليه ليس متفقاً عليه بينهما، فلا يصح القياس إذا كان في باب المناظرة، وهذا من القوادح في باب القياس، ويسمى: (المنع).
قوله: (فإن منعه وأمكنه إثباته بالنص جاز) أي: فإن منع الخصم حكم الأصل. (وأمكنه) أي: المستدل. (إثباته) أي: إثبات حكم الأصل بالنص ثم بالعلة جاز ذلك، وقُبِلَ منه استدلاله في الأصح، ونهض دليله على خصمه[(916)].
ويتحصل من ذلك أن الشرط عند المصنف أحد الأمرين: من اتفاق الخصمين أو الإثبات بالنص، وأن الأصح هنا أنه لا يشترط خصوص الاتفاق؛ لاكتفائه بالإثبات المذكور وقبوله.
قوله: (لا بعلة عند المحققين) أي: على المستدل إثبات حكم الأصل بالنص، لا إثباته بعلة ينازع فيها الخصم، فهذا لا يكفي، ولا يعتبر حجة عند المحققين، فلا يتم القياس، ويدخل تحت هذا صورتان:
الأولى: أن يتفق الخصمان على حكم الأصل، ويدعي كل منهما أنه ثابت بعلة غير العلة التي يدعيها الآخر، ويسمى هذا القياس: (مركب الأصل) لتركيب الحكم وبنائه على العلتين بالنظر إلى الخصمين.
ومن أمثلته: قياس حلي البالغة على حلي الصبية في عدم وجوب الزكاة عند الشافعية والمالكية، فإن حكم الأصل وهو: لا زكاة في حلي الصبية، متفق عليه بين هؤلاء وبين الحنفية، إلا أن الحنفية يقولون: إن العلة أنه مال لغير بالغة، فلا يمكن قياس حلي الكبيرة عليه؛ لبلوغها، والمالكية والشافعية يقولون: العلة كونه حلياً مباحاً، وهي موجودة في حلي الكبيرة.
فهذا القياس غير مقبول لمنع الخصم وجود العلة في الفرع.
والصورة الثانية: أن يتفق الخصمان على حكم الأصل، إلا أن العلة التي يدعي المستدل أنه ثابت بها يدعي الخصم نفيها من أصلها عن الأصل، ويسمى هذا القياس: (مركب الوصف)؛ لتركيب الحكم وبنائه على وصف يمنع الخصم وجوده في الأصل.
ومثاله: قياس قول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، على قول: فلانة التي أتزوجها طالق، في عدم لزوم الطلاق بعد الزواج، فإن عدم الطلاق في الأصل وهو قول: فلانة التي أتزوجها طالق، متفق عليه، والشافعية والحنابلة يقولون: العلة في الأصل تعليق الطلاق قبل ملك محله، والمالكية والحنفية يقولون: هذه العلة من أصلها ليست موجودة في الأصل، لأن الأصل الذي هو: فلانة التي أتزوجها طالق، لا تعليق فيه أصلاً، وإنما هو تنجيز طلاق أجنبية، وهي لا ينجز عليها الطلاق، ولو كان فيه التعليق على (تزوجها) لطلقت بعد التزوج.
فهذا القياس لا يصح، لأن الخصم يمنع وجود علة الأصل التي تتعدى إلى الفرع[(917)].
قوله: (وقيل: الاتفاق شرط) أي: قال بعضهم: لا يقبل إثبات الحكم بالنص، بل لا بد من الاتفاق بين الخصمين على الأصل صوناً للكلام عن الانتشار.
ويحتمل أنه يريد كون الحكم متفقاً عليه بين الأمة، لا بين الخصمين فقط كيلا يتأتى المنع بوجه[(918)].
والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يشترط ذلك؛ لحصول المقصود باتفاق الخصمين فقط؛ لأن البحث لا يعدوهما، ثم إن هذا الشرط خاص بمسائل المناظرة، وليس شرطاً في كل قياس، والله أعلم.
و(الفرع): وهو لغة ما تولد عن غيره وانبنى عليه، وهنا: المحل المطلوب إلحاقه، وشرطه: وجود علة الأصل فيه.
قوله: (والفرع: وهو لغة ما تولد عن غيره وانبنى عليه) هذا الركن الثاني وهو: الفرع. وهو لغةً: ما تفرّع عن غيره. كفروع الشجرة: متولدة من أصلها. وفروع الفقه: متولدة من أصول الفقه.
وقوله: (وانبنى عليه) أي: انبنى الفرع على الأصل؛ لأن المراد بالغير هو: الأصل.
قوله: (وهنا: المحل المطلوب إلحاقه) أي: المراد بالفرع في باب القياس، ما يراد إلحاقه بغيره، وهو الأصل.
قوله: (وشرطه: وجود علة الأصل فيه) وذلك لأن وجودها فيه هو مناط تعدية الحكم إليه، كما تقدم في الأمثلة.
فإن لم تكن العلة موجودة في الفرع لم يصح القياس، كأن يقال: العلة في تحريم الربا في البر كونه مكيلاً، ثم يقال: يجري الربا في التفاح قياساً على البر، فهذا قياس غير صحيح؛ لأن العلة غير موجودة في الفرع؛ إذ التفاح غير مكيل، والقياس الذي لا يتحقق فيه هذا الشرط هو القياس مع الفارق.
و(الحكم): وهو الوصف المقصود بالإلحاق، فالإثبات ركن لكل قياس، والنفي إلا لقياس العلة عند المحققين؛ لاشتراط الوجود فيها. وشرطه: الاتحاد فيها قدراً وصفة، وأن يكون شرعياً لا عقلياً أو أصولياً.
قوله: (والحكم: وهو الوصف المقصود بالإلحاق) هذا الركن الثالث، وهو الحكم، وهو: الوصف الذي يراد إلحاق الفرع بالأصل فيه.
قوله: (فالإثبات ركن لكل قياس) أي: كون الحكم إثباتاً ركن في كل قياس، والمراد قياس العلة، وقياس الدلالة.
قوله: (والنفي إلا لقياس العلة عند المحققين) أي: والنفي الأصلي يجري فيه قياس الدلالة، لا قياس العلة، فيستدل بانتفاء الحكم عن الشيء على انتفائه عن مثله، ويكون ذلك ضم دليل إلى دليل، وإلا فهو ثابت بالاستصحاب مستغنٍ عن الاستدلال بالنظر[(919)].
وقياس العلة: ما كان الجمع فيه بين الأصل والفرع بنفس العلة، كالإسكار، والكيل عند من يعلل به.
وقياس الدلالة: الجمع بين الأصل والفرع بدليل العلة، لا بالعلة نفسها، مثل: إلحاق النبيذ بالخمر في المنع بجامع الشدة المطربة، أو الرائحة الكريهة الدالة على الإسكار.
قوله: (لاشتراط الوجود فيها) أي: لا يجري النفي الأصلي، وهو ما كان قبل ورود الشرع في قياس العلة؛ لأن قياس العلة يقتضي وجود علة شرعية، ولا علة قبل ورود الشرع، فإن هذا النفي ثابت بالأصالة، فلا علة له إلا إرادة الله تعالى عدم إيجاده[(920)]، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام على ذلك عند أنواع القياس، مع ذكر الأمثلة.
قوله: (وشرطه: الاتحاد فيها قَدْراً وصفة) هذا الشرط الأول للحكم، والمراد بالاتحاد: المساواة، بأن يكون حكم الفرع مساوياً لحكم الأصل في العلة، كقياس الأرز على البر في تحريم الربا؛ بجامع الاقتيات والادخار.
وقوله: (قدراً) أي: بلا تفاوت ـ كما في المثال المتقدم ـ وهذا بالنسبة إلى النقصان، أما الزيادة فلا يشترط انتفاؤها، إذ قد يكون الحكم في الفرع أولى كما تقدم في قياس الضرب على التأفيف[(921)]، ومثال النقصان قول بعضهم: تجب الزكاة في مال الصبي قياساً على مال المكلف، بجامع أن كلاً منهما يملك ماله، فهذا لا يصح؛ لأن علة الأصل ـ وهو البالغ ـ هي أنه يملك ماله بالقوة والفعل، أما علة الفرع ـ وهو الصبي ـ فهي أنه يملك ماله بالقوة فقط[(922)].
وقوله: (وصفة) أي: بأن تكون الصفة التي جعلت علة لحكم الأصل موجودة في الفرع، سواء كانت الصفة نوعاً كما تقدم، أو جنساً كقياس القصاص في الأطراف على القصاص في النفس، بوصف الجناية، فإن علة الفرع غير علة الأصل، ولكن الجناية جنس لهاتين العلتين[(923)].
والأصوليون لا يذكرون هذا الشرط من شروط الحكم، وإنما يذكرونه من شروط الفرع، وهذا الشرط يشبه الشرط الذي ذكره المصنف في الفرع، إلا أن يقال: إن الأول مجمل، وهذا مفصل، أو أن الأول يتعلق بالعلة، وهذا يتعلق بالحكم، والعلم عند الله تعالى.
قوله: (وأن يكون شرعياً) هذا الشرط الثاني للحكم، وهو أن يكون الحكم شرعياً؛ لأن المطلوب بالقياس إثبات حكم الشرع.
قوله: (لا عقلياً) هذا محترز قوله: (شرعياً) فإذا كان الحكم الثابت في الأصل عقلياً لم يصح القياس عليه؛ لأن بحثنا في القياس الشرعي، الذي يراد به إثبات حكم شرعي للفرع. فإن قلنا: يجري القياس في العقليات، فليس قياساً شرعياً، إنَّما هو قياس عقلي.
قوله: (أو أصولياً) هذا محترز قولنا: (عملياً) . وإن كان المصنف لم يصرح به، لكنه يفهم من ذكر محترزه، والمراد بالحكم الأصولي: مسائل العقيدة، فلا يصح إجراء القياس في العقائد والتوحيد، وتقدم ذكر ذلك.
و(الجامع): وهو المقتضي لإثبات الحكم، ويكون حكماً شرعياً، ووصفاً عارضاً، ولازماً، ومفرداً، ومركباً، وفعلاً، ونفياً، وإثباتاً، ومناسباً، وغير مناسب. وقد لا يكون موجوداً في محل الحكم، كتحريم نكاح الحر للأمة لعلة رق الولد، وله ألقاب منها: العلة: وقد سبق تفسيرها، والمؤثر: وهو المعنى الذي عرف كونه مناط للحكم بمناسبته .
قوله: (والجامع) هذا الركن الرابع وهو الجامع، والمراد به الجامع بين الأصل والفرع. والتعبير بالجامع ليعم قياس العلة وقياس الشبه وقياس الدلالة، والتعبير بالعلة يختص بقياس العلة حَسْبُ[(924)].
قوله: (وهو المقتضي لإثبات الحكم) أي: الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، فإن الله تعالى يشرع الأحكام من أجل حِكَمٍ باهرة ومصالح عظيمة، كلها راجعة إلى المخلوقين، الذين هم في غاية الفقر والحاجة إلى ما يشرعه لهم خالقهم، وهو غني لذاته الغنى المطلق سبحانه وتعالى.
ومثال ذلك ما تقدم في أول القياس من أن علة النهي عن البيع يوم الجمعة بعد النداء الثاني ما في البيع من التعويق عن حضور الجمعة، واحتمال تفويتها، فالتعويق عن الحضور وصف مشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، وهو النهي عن البيع في هذا الوقت.
والمراد بالحكمة: المصلحة التي قصد الشارع تحقيقها بتشريعه الحكم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فأئمة الفقهاء متفقون على إثبات الحكمة والمصالح في أحكامه الشرعية)[(925)].
وهذا التعريف من المؤلف للجامع يدل على اختياره أن العلة بمعنى: الباعث على تشريع الحكم، وقد نصَّ المؤلف في الكلام على «الأحكام الوضعية» على هذا الاختيار، وهو اختيار الآمدي، وتبعه ابن الحاجب[(926)].
وقد وقع النزاع بين الأصوليين في العلة، هل هي أمارة وعلامة ومُعَرِّف للحكم أو أنها باعث؟
وقد مضى بيان ذلك وسبب النزاع، والحق أن إطلاق اسم الأمارة والعلامة على العلة لا مانع منه، لكن لا يُقصر ذلك عليها، بل هي مؤثرة وباعث على تشريع الحكم[(927)] ـ أيضاً ـ، وسيمر في هذا الباب الاستدلال على بعض مسائل القياس بأن العلة أمارة وعلامة على وجود الحكم.
قوله: (ويكون حكماً شرعياً) أي: هذا الجامع أنواع: فقد يكون حكماً شرعياً، كقولنا: تحرم الخمر، فلا يصح بيعها كالميتة، فالجامع هو التحريم، وهو حكم شرعي علل به حكم شرعي، وهو فساد البيع، ومثله: قولنا: من صح طلاقه صح ظهاره، وسيأتي الكلام على ذلك ـ إن شاء الله ـ.

قوله: (ووصفاً عارضاً) أي: كالشدة في الخمر، فهي علة التحريم، وهي وصف عارض؛ لأنه عَرَضَ للعصير بعد أن لم يكن.
قوله: (ولازماً) كالأنوثة في ولاية النكاح.
قوله: (ومفرداً) أي: وصف واحد، كقولنا في اللواط: زنا، فأوجب الحد كوطء المرأة، وكالكيل عند من يعلل به في الأصناف الربوية.
قوله: (ومركباً) أي: من عدة أوصاف، كالقتل العمد العدوان، علة لوجوب القصاص، وكالكيل والطعم عند من يعلل به.
قوله: (وفعلاً) كالقتل علة للقصاص، والسرقة علة للقطع.
قوله: (ونفياً وإثباتاً) أي: يجوز أن تكون العلة وصفاً منفياً، أو وصفاً مثبتاً. فالأول: نحو: لم ينفذ تصرفه لعدم رشده، والثاني: نحو: حُرِّم الخمر لإسكاره.
قوله: (ومناسباً) أي: وجدت الحكمة مع العلة؛ كالإسكار لتحريم الخمر، والقتل، والسرقة، والقذف، لأحكامها.
قوله: (وغير مناسب) ، وهو: ما تخلفت فيه الحكمة عن العلة في بعض الصور مع كون وجودها هو الغالب، ومثاله: المسافر سفر تَرَفُّهٍ كالذي يسافر على الطائرة ـ مثلاً ـ فإن أكثر أهل العلم على أنه كالنائم على مَحْمِل[(928)]، فَرُخَصُ السفر ثابتة له كالقصر والفطر؛ لأن العلة التي هي السفر موجودة، ووصف السفر في هذا المثال ليس مناسباً لتشريع الحكم (كالقصر مثلاً) لتخلف الحكمة؛ لأن حكمة التخفيف بالقصر والإفطار هي تخفيف مشقة المسافر، وهذا المسافر المذكور لا مشقة عليه أصلاً، ووجه بقاء الحكم هنا مع انتفاء حكمته هو: أن السفر مظنة المشقة غالباً، والمعَلَّل بالمظان لا يتخلف حكمه بتخلف حكمته اعتباراً بالغالب وإلغاءً للنادر.
قوله: (وقد لا يكون موجوداً في محل الحكم...) أي: قد يكون الجامع وصفاً غير موجود في محل الحكم، إلا أنه يترقب وجوده (كتحريم نكاح الحر للأمة لعلَّةِ رِقِّ الولد) . فإن رِقَّ الولد وصف قائم به، أو معنى إضافي بينه وبين سيده، وتحريم نكاح الأمة وصف قائم بالنكاح، أو معنى مضاف إليه، فَرِقُّ الولدِ وصف غير موجود في محل الحكم، وهو تحريم النكاح.
قوله: (وله ألقاب) أي: الجامع بين الفرع والأصل له ألقاب، وله أسامٍ في الاصطلاح.
قوله: (منها: العلة، وقد سبق تفسيرها) أي: عند الكلام على أقسام الحكم الوضعي، وذكرت هناك معناها اللغوي.
قوله: (والمؤثر: وهو المعنى الذي عُرِفَ كونه مناطاً للحكم بمناسبته) المراد بالمعنى: الوصف، ومعنى (مناطاً للحكم) أي: علة للحكم، والمراد بالمناسبة: كون ذلك الوصف مظنةً لتحقق حكمة الحكم، وما قصده الشرع بتشريعه، كالإسكار فهو معنى عُرِفَ كونه علة لتحريم الخمر، وتَرَتُّبُ الحكم عليه فيه مصلحة حفظ العقل، والصغر معنى عُرف كونه علة للولاية على المال، وترتب الحكم عليه فيه مصلحة حفظ المال.
وسُمِّي الجامع مؤثراً؛ لأن الوصف له تأثير في الحكم عند الشرع حتى كأن الحكم نشأ عنه، أو أنه أثر من آثاره.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أركان, القياس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir