القارئ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون علي الصوم في رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان .
الشيخ: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه .
هذه الأحاديث تتعلق بالصيام , تتعلق بالقضاء , قضاء الصوم سواء الذي يصوم عن نفسه قضاء أو الذي يصوم عن غيره ، فالحديث الأول يتعلق بقضاء الإنسان ما أفطره من أيام رمضان ، الله تعالى أباح الفطر لعذر قال تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بك العسر} فأخبر بأنه أباح لنا الفطر لمرض أو لسفر لأجل العسر الذي يكون في السفر , وأنه ما يريد العسر بعباده , وإنما يريد اليسر , وهذه إرادة دينية شرعية , ولكن لا بد من القضاء , من أكل في رمضان ثم زال عذره , فلا بد أن يبادر بالقضاء .
وقد اختلف العلماء هل قضاء رمضان على الفور ، أو على التراخي ؟ معناه هل يبادر حينما ينتهي عذره حينما يخرج رمضان ويزول عذره يبادر يصوم أو يجوز له التأخير ، ولو شهرا وشهرين أو أشهر , حيث أن الوقت واسع ؟ وبكل حال الجمهور على أن له أن يؤخره إذا كان الوقت واسعا , مع تأكد المبادرة واستحباب الصيام بسرعة ؛ وذلك لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له ، ولأنه إذا تمادى وأفطر شهر شوال صعب عليه الصيام مثلا في شهر ذي القعدة ، ثم كذلك في شهر ذي الحجة ، ثم يتهاون في الصيام وتتوالى عليه الأشهر حتى يصل إلى رمضان وهو مفرط , فربما لم يتمكن من إكمال ما صامه فيأتية رمضان الثاني وهو لم يصم ، فيعد بذلك مفرطا , وربما مات قبل أن يقضي ما عليه ، فيكون أيضا بذلك مفرطا إذا مات وهو على هذا الإهمال , فلا جرم يتأكد أنه يبادر ، فيصوم أيامه التي عليه . هكذا ذكر العلماء لأجل المحافظة على أداء العمل في وقته ، أو حين يتمكن , ومخافة العوائق .
أما عائشة فلها عذر , حيث ذكرت أنها كانت لا تتمكن من القضاء إلا في شعبان , يعني قرب رمضان , يكون عليها القضاء فلا تتمكن منه إلا في شهر شعبان , ذكرت أن لها عذر وهو الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك لكثرة سفرها معه , يعني كان يسافر كثيرا , يسافر في غزواته وفي سراياه وتسافر معه غالبا ، والسفر مظنة المشقة ، وأيضا قد تشتغل بحاجاتها الخاصة , وهذا الشغل يحول بينها وبين أن تصوم . وأيضا قد تظن به حاجة إليها , حاجة في نفسها يعني كاستمتاع ونحوه , وذلك لا يمكنها من أن تصوم , إذا ظنت أن به حاجة إليها أفطرت . وأيضا فقد تحتاج إلى استئذانه ولا تستطيع الاستئذان فيكون ذلك لها عذر .
ثم نقول: هذا أيضا لم يكن مستمرا ، بل يمكن أنه وقع منها سنة أو سنتين , يعني وجد العذر في سنة ، ولكن الغالب أنها تصومه مبادرا , مبادرة بذلك , تصومه في حين ما ينقضي عذرها , هذا هو الغالب والأكثر عليها وعلى بقية أمهات المؤمنين وعلى الصحابة رضي الله عنهم , إذا كان عليهم أيام من رمضان صاموها مبادرة ولم يؤجلوها , هذا هو الأصل فيهم ؛ وذلك لما عُرف من حرصهم على أداء العبادة وعدم التفريط فيها مخافة أن يعرض ما يسبب أنهم فرطوا وأهملوا، فلذلك يبادرون بالقضاء , هذا هو المعتاد عندهم .
ثم يستدل بهذا الحديث بعض الناس على أنه يجوز أن يصوم الإنسان نفلا وعليه فرض ، ويقول: عائشة لا تقضي أيامها إلا في شعبان ، لا بد أنها تصوم النوافل , تصوم مثلا الستة من شوال ، وتصوم مثلا تسعة ذي الحجة ، أو يوم عرفة , وتصوم مثلا يوم عاشوراء أو تاسوعاء , لا بد أنها تتنفل في هذا العام , ومع ذلك يبقى عليها الفرض .
والصحيح أنه لا يجوز أن يتنفل قبل أن يؤدي الفرض , فالذي عليه أيام من رمضان يقدمها , يبدأ بها , حتى قبل الست من شوال , حتى ولو فات شوال , لو أن إنساناً أفطر رمضان كله ثم زال عذره في أول شوال , نقول له: صوم شهر شوال ما عدا يوم العيد , واجعله عن رمضان , وتسقط عنك الست من شوال ، وإن صمتها بعد الانتهاء من أيامك التى عليك فلك الأجر , ولو من ذي القعدة ؛ وذلك لأن هذا قدر ما تستطيعه .
ومثله المرأة لو نفست في رمضان كله ونفست في عشرة أيام من شوال , ولم تطهر إلا في العاشر من شهر شوال , نقول: تصوم بقية شهر شوال عشرين يوماً ، وتصوم عشرة أيام من ذي القعدة ، ولها أن تصوم ست من ذي القعدة أيضا , بعد أن تفصل بين الفرض والنفل بفاصل .
وأما كون الإنسان يكون عليه أيام من رمضان فيصوم الست قبلها وهي باقية عليه ، أو يصوم يوم عرفة وعليه قضاء ، أو يصوم يوم عاشوراء وعليه قضاء ، فهذا لا يصح ، ولكن لو صامها بدون أن ينوي , بدون أن ينوي أنها أيامه التي عليه فإن ذلك لا يجزيه , لو مثلا أنه صام تسعة أيام من ذي الحجة وعليه تسعة أيام من رمضان , نيته صيام هذه التسع لا نيته القضاء ، فالصحيح أن أيامه باقية عليه , وأن هذه بنيتها أنه نواها تطوعا , فلا يسقط شيء من أيامه التي عليه .
ومن العلماء من يقول: تنقلب إلى أنها أيامه , تنقلب إلى أنها أيامه التي أفطر من رمضان , فهكذا قالوا , واستدلوا بالحج أن من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه انقلبت حجته عن نفسه لقوله في الحديث: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) , لذلك الذي يلبي عن شبرمة , قال: ((اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) .
فالحج الصحيح أنه لايصح أنه يحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه ؛ وذلك لأن العمل لغيره ، فأما هذان العملان فهما له: صيام النفل وصيام الفرض كلهما عن نفسه ، فالفرض آكد , والفرض لا بد له من نية , والنفل يصح بنية من النهار. فبذلك نعرف أنه لا يتنفل حتى يقضي أيام فرضه , وإذا تنفل بدون نية الفرض وقعت عن النفل , ولم تقع عن الفرض. هذا مدلول هذا الحديث .