المجموعة الثالثة
س1: ما الفرق بين السلف والخلف في تناولهم للتفسير البياني وضح بمثال.
التفسير البياني هو التفسير الذي يُعنى بالكشف عن حسن بيان القرآن، ولطائف عباراته، واستنباط الحكم من الألفاظ والمعاني، ونحوها ..
فأما السلف؛ فلم يكن من عادتهم التطويل في التفسير، وإنما يستعملون التنبيه والإيجاز والإلماح إلىما يُعرف به المعنى؛ ويترك للسامع تأمّل ما وراء ذلك إذ فتح له الباب وأبان له السبيل.
وأما الخلف؛ فقد توسّع العلماء فيه بعد تأسيس علم البلاغة والبيان، وإفراد التصنيف فيه، وتدريس أبوابه وقواعده وأمثلته.
فمن المتأخّرين من يظهر له معنى يراه بديعاً في بيان الآية فيتعصّب له ويشنّع على من لميفسّر الآية به، وقد يكون ما رآه مسبوقاً إليه بعبارة منبّهة موجزة.
- من أمثلة التفسير البياني بين السلف والخلف:
ما روى ابن جرير بسند صحيح عنقتادة في تفسير قول الله تعالى: {إنّ في ذلك لذكرى لمن كانله قلبٌ}: أي من هذه الأمّة، يعني بذلك القلب: القلب الحيّ.
وروى عن عبد الرحمن بن زيدبن أسلم في قوله: {لمن كان له قلبٌ} قال: قلبٌ يعقل ما قد سمع من الأحاديث الّتي عذّب اللّه بها من عصاه من الأمم.
وهذا هو أصل هذا القول، إلا أنّ عبد القاهر الجرجانيّ حبّره ببيانه، ثمّ زاده ابن القيّم رحمه الله شرحاً وتحبيراً.
فقال عبد القاهر الجرجاني: قوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} أي لمن أعملَ قلبَه فيما خُلق القلب له من التدبر والتفكر والنظر فيما ينبغي أن ينظر فيه.
فهذا على أن يجعل الذي لا يعي ولا يسمع ولا ينظر ولا يتفكر كأنه قد عُدِم القلب من حيث عدمالانتفاع به، وفاته الذي هو فائدة القلب والمطلوب منه كما يجعل الذي لا ينتفع ببصر هو سمعه ولا يفكر فيما يؤديان إليه، ولا يحصل من رؤية ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة بمنزلة من لا سمع له ولا بصر) ا.هـ.
وقد يكون في بعض اجتهادات المتأخّرين ما يخطئون فيه مع تشنيعهم على السلف ورميهم بضعف التأمّل وقلّة الدرايةبأساليب البيان، ويكثر هذا من أهل البدع والأهواء، ويتوصّلون بذلك إلى ردّ بعض ماتقرر من مسائل الاعتقادلدى أهل السنة والجماعة. كما في تفسير الزمخشري وتابعه عليه الرازي في تفسيره.
والمقصود التنبيه على وجوب الاحتراز مما يتكلّم به أهل البدع في تقرير بدعهم بسلوك مسلك التفسير البياني، والاحتراز من الجزم بما لا دليل عليه سوى ذوقه وتأمّله واجتهاده.
س2: تحدث عن عناية علماء اللغة بعلم الوقف والابتداء في القرآن.
علم الوقف والابتداء له صلة وثيقة بالتفسير؛ لتعلّقه ببيان المعنى، ولقد كان محل عناية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، لما يترتب عليه من إيضاح المعاني القرآنية للمستمع، حتى كان يوصف منيُتقنه بأنّه يفسّر القرآن بتلاوته، كما يسمّى علم الوقوف، وعلم التمام، والقطع والائتناف، والمقاطع والمبادي.
وعناية علماء اللغة بالوقف والابتداء كانت لأجل إفادة القارئ بما يُحسن به أداءَ المعنى عند قراءته،ويُفهم المراد، ولأنّه إذا أخطأ في الوقف أو الوصل أو الابتداء أوهمَ معنى غير صحيح.
قال أبو جعفر النحاس: (فقد صارفي معرفة الوقف والائتناف التفريق بين المعاني، فينبغي لمن قرأ القرآن أن يتفهَّمما يقرأه، ويشغل قلبه به، ويتفقد القطع والائتناف، ويحرص على أن يُفهِمَ المستمعينفي الصلاة وغيرها، وأن يكون وَقْفُه عند كلام مستقرٍّ أو شبيهٍ، وأن يكون ابتداؤهحسنًا، ولا يقف على مثل: {إنما يستجيب الذين يسمعونوالموتى}؛لأن الواقف ها هنا قد أشرك بين المستمعين وبين الموتى، والموتى لايسمعون ولا يستجيبون، وإنما أخبر عنهم أنهم يُبعثون) ا.هـ.
ومسائل الوقف والابتداء منها مايعتني به المفسّرون في تفاسيرهم، ولا سيّما من كتب في معاني القرآن من علماء اللغة.
وقد أدرك المتقدمون ما للوقف والابتداء من أهمية كبرى حتى إنهم أفردوه بالتآليف، ومن أشهر الكتب المؤلفة فيه:
- كتاب الوقف والابتداءفي كتاب الله عز وجل لابن سعدان الضرير.
- كتاب إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري، وغيرها..
س3: تحدث بإيجاز عن عناية العلماء بعلم الصرف.
الصرف: هو علم يتعلّق ببنية الكلمة، وتمييز حروفها الأصلية، وما يلحقها من زيادةوإعلال، وقلب وإبدال، وحذفٍ وتغيير بالحركات والحروف؛ لإفادة معانٍ تتعلّق بأصل الكلمة وتختلف باختلاف صيغتها.
علم الصرف من العلوم المهمّة للمفسّر، يكشف له كثيراً من المعاني والأوجه التفسيرية، ويعرّفه علل بعض الأقوال الخاطئة في التفسير، ويعينه على معرفة التخريج اللغوي لكثير من أقوال السلف في التفسير.
قال عبد القاهر الجرجاني: اعلم أن التصريف "تفعيل" من الصرف، وهو أن تصرف الكلمة المفردة؛فتتولد منها ألفاظ مختلفة، ومعان متفاوتة.
وقد كانت عناية العلماء بعلمالصرف مصاحبة لعنايتهم بعلم النحو؛ إذ كان اللحن يقع فيهما، والقياس جارٍ عليهما،ولذلك كانت عامّة كتب النحو حافلة بأبواب من علم الصرف.
واشتهر بالعناية بعلم الصرف جماعة من العلماء، منهم:
- عمرو بن عثمانبن قنبرٍ المعروف بسيبوبه (ت:180هـ)، وقد ذكر في كتابه أبواباً كثيرة في علم الصرف،وعني به عناية حسنة.
- معاذ بن مسلم الهراء (ت:190هـ) شيخ الكسائي، وهو ممن اشتهر بالعناية بعلم الصرف،ومسائله وتمريناته.
ومن المفسّرين الذين لهم عناية ظاهرة بالتصريف في تفاسيرهم:
- ابن عطيةالأندلسي (ت:542هـ) ، وكثيراً ما يعلّ بعض الأقوال بمخالفتها قواعد التصريف.
- محمد الطاهرابن عاشور (ت:1394هـ) في "التحرير والتنوير".
س4: ما الاشتقاق ؟ وما أنواعه؟
الاشتقاق هو انتزاع لفظة من لفظة أخرى تشاركها في أصل المعنىوالحروف الأصلية؛ وتخالفها باختلاف الصيغة.
وعلم الاشتقاق من العلوم المهمة للمفسّر، وأنّالتمكن منه يفتح للمفسّر أبواباً من استخراج المعاني، والتخريج اللغوي لأقوالالمفسرين، والجمع والترجيح، والنقد والإعلال.
والاشتقاق له أصل في النصوص، وقد استدلّ له بعض العلماء بما في مسندالإمام أحمد وغيره من حديث عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة رضي الله عنهما أنّ رسولالله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن يصلها أصله ومن يقطعها أقطعه)).
الشاهد: قوله "وشققت لها من اسمي".
وجه الاستشهاد: ذكر الوصف المشتق من مادة الرحم (وشققت) أي: أخرجت وأخذت اسمها (لها) أي: للرحم (من اسمي) ، أي: الرحمن.
وله أنواع أربعة:
الأول:الاشتقاق الصغير، وهو الاتفاق في ترتيب حروف الأصلمع اختلاف الصيغتين؛ كاشتقاق "المسحَّر" من"السَّحر"، واشتقاق "مرداس" من "الردس"، وهكذا..
الثاني:الاشتقاق الكبير، وهو اتفاق اللفظين في الحروف لا في الترتيب؛كما في: "فسر" و"سفر"، و"فقر" و"قفر".
الثالث:الاشتقاق الأكبر،وهو اتفاق الجذور في ترتيب أكثر الحروف واختلافها في حرفمنها.كما في: "ينهون" و"ينأون"، و"همز" و"لمز".
الرابع:الاشتقاق الكُبّار،وهو اشتقاق لفظة من لفظتين أو أكثر اختصاراً، وهو ما يعرف بالنحت، كاشتقاق البسملة من قول "بسم الله"، والحوقلة من "لا حول ولا قوة إلا بالله".
س5: بيّن مع التمثيل فائدة علم الاشتقاق للمفسّر.
إن المتأمل في اللغة العربية -سيما المفسر المطّلع لكلام رب العالمين- وما يحصل في بعض كلماتها من تفريعات، وما يتولد منها من ألفاظ مختلفة المبنى متقاربة المعنى ليدرك بوضوح قيمة الاشتقاق، وما ينتج عنه من توليد للألفاظ والصيغ وربط بين الكلمات.
وقد استعمل الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون لهم بإحسان واستعانوا بالاشتقاق اللفظي في فهم مراد كلام الله، كما تظهر أهميته من خلال معرفة المفسر لتعدد أقوال المفسرين في معنى آية أو كلمة في القرآن وأن مردها إلى تعددهم في فهم اشتقاق أصل تلك الكلمة فيتتبعها ويدرك صحتها ودلائل لفظها بما آتاه الله من مدارك ومنازل في العلم، والجمع بين الأقوال الواردة أو الترجيح.
فقد روى مجاهد بن جبر، أن ابن عباس كان لا يدري ما (فاطر السماوات) حتى جاءه أعرابيانيختصمان في بئر فقال أحدهما: يا أبا عباس بئري أنا فطرتها، فقال: خذها يا مجاهد (فاطر السموات).
فابن عباس رضي الله عنه استنبط من قول الأعرابي: أنا فطرتها – أي: ابتدأتها - على معنى قوله تعالى:(فاطر السموات)، من خلال إدراكه اشتقاق مادة الكلمة "فطر".
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ومن اتبع