دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > البحوث التفسيرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 شعبان 1435هـ/2-06-2014م, 12:34 PM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي بحث في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى قوله: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}

بسم الله الرحمن الرحيم
.
عناصر البحث


القراءات

1: القراءات في قوله تعالى: {يؤمنون}
2: القراءات في قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون}
3: القراءات في قوله تعالى: {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}


المسائل التفسيرية
1: معنى الإيمان
2: معنى قوله تعالى: {الذين يؤمنون}
3: معنى الغيب
4: أقوال المفسرين في المراد بالغيب
5: معنى الصلاة
6: معنى قوله تعالى: {ويقيمون الصلاة}
7: أقوال المفسرين في المراد بالإنفاق في الآية
8: ذكر كثرة اقتران الصلاة بالزكاة أو الإنفاق في القرآن
9: معنى قوله تعالى: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}
10: معنى قوله تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون}
11: لم سميت الدار الآخرة بهذا الاسم؟
12: الأقوال في المراد بالمؤمنين في هاتين الآيتين

المسائل العقدية
1: الإيمان اعتقاد وقول وعمل
2: الإيمان بجميع أركان الإيمان شرط لصحة الإيمان
3: مفهوم الرزق عند أهل السنة

الإعراب
المسائل النحوية
1: ضم أول الفعل المضارع إن كان ماضيه رباعيا
2: وصل ما الموصولة بحرف الجر

المسائل الصرفية
1: أصل كلمة: (الذي)
2: أصل كلمة: (يقيم)
3: اشتقاق كلمة: (الصلاة)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 شعبان 1435هـ/2-06-2014م, 01:12 PM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

المرحلة الأولى: تصنيف أقوال العلماء في تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)}

القراءات
القراءات في قوله تعالى: {يؤمنون}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف القراء في همز يؤمنون فكان ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي يهمزون «يؤمنون» وما أشبه، مثل يأكلون، ويأمرون، ويؤتون وكذلك مع تحرك الهمزة مثل «يؤخركم» و «يؤوده» إلا أن حمزة كان يستحب ترك الهمز إذا وقف، والباقون يقفون بالهمز.
وروى ورش عن نافع ترك الهمز في جميع ذلك. وقد روي عن عاصم أنه لم يكن يهمز الهمزة الساكنة.
وكان أبو عمرو إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة لم يهمز كل همزة ساكنة، إلا أنه كان يهمز حروفا من السواكن بأعيانها ستذكر في مواضعها إن شاء الله.)
[المحرر الوجيز: 1/104-107]

القراءات في قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (قوله: {وممّا رزقناهم ينفقون} ففيها لغتان، منهم من يقولها بالوقف إذا وصل، ومنهم من يلحق فيها الواو، وكذلك هو في كل موضع من القرآن والكلام إلاّ أن يكون ما قبلها مكسوراً أو ياء ساكنة.)[معاني القرآن: 1/18-19]

القراءات في قوله تعالى: {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4)}
وقوله عزّ وجلّ: {بما أنزل إليك} إن شئت خففت الهمزة في "أنزل" وكذلك في قوله "أُلئِك"، وهذه لغة غير أهل الحجاز، فأما أهل الحجاز: فيخففون الهمزة بين الواو والهمزة.
). [معاني القرآن: 1/73-74]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ أبو حيوة ويزيد بن قطيب. «بما أنزل وما أنزل» بفتح الهمزة فيهما خاصة. والفعل على هذا يحتمل أن يستند إلى الله تعالى، ويحتمل إلى جبريل، والأول أظهر وألزم.)المحرر الوجيز: 1/107-109]

المسائل التفسيرية
1: معنى الإيمان
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ومعنى الإيمان عند العرب: التّصديق فيدعى المصدّق بالشّيء قولاً مؤمنًا به، ويدعى المصدّق قوله بفعله مؤمنًا. ومن ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين} يعني: وما أنت بمصدّقٍ لنا في قولنا. وقد تدخل الخشية للّه في معنى الإيمان الّذي هو تصديق القول بالعمل. والإيمان كلمةٌ جامعةٌ للإقرار باللّه وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل.). [جامع البيان: 1/241-240]
قالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3)}معناه: يصدقون، وكل مؤمن بشيء فهو مصدق به، فإذا ذكرت مؤمناً ولم تقل هو مؤمن بكذا وكذا: فهو الذي لا يصلح إلا في اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/70-73]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب}، أصل الإيمان: التصديق، ومنه قوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا}، يقال: آمنت بكذا، أي: صدقت به. فإذا قلت "مؤمن" فمعناه: مصدق بالله تعالى لا غير .
ويجوز: أن يكون مأخوذاً من الأمان، أي: يؤمن نفسه بتصديقه وعمله، و"الله المؤمن" أي: يؤمن مطيعه من عذابه .). [معاني القرآن: 1/81-83]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قلت: أمّا الإيمان في اللّغة فيطلق على التّصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن، والمراد به ذلك، كما قال تعالى: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} [التّوبة: 61]، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين} [يوسف: 17]، وكذلك إذا استعمل مقرونًا مع الأعمال؛ كقوله: {إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} [الانشقاق: 25، والتّين: 6]، فأمّا إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشّرعيّ المطلوب لا يكون إلّا اعتقادًا وقولًا وعملًا.
هكذا ذهب إليه أكثر الأئمّة، بل قد حكاه الشّافعيّ وأحمد بن حنبلٍ وأبو عبيد وغير واحدٍ إجماعًا: أنّ الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثارٌ كثيرةٌ وأحاديث أوردنا الكلام فيها في أوّل شرح البخاريّ، وللّه الحمد والمنّة.
ومنهم من فسّره بالخشية، لقوله تعالى: {إنّ الّذين يخشون ربّهم بالغيب} [الملك: 12]، وقوله: {من خشي الرّحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ} [ق: 33]، والخشية خلاصة الإيمان والعلم، كما قال تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} [فاطرٍ: 28].
). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «هم المؤمنون من العرب»، قال: و{الإيمان}: التصديق). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]

2: معنى قوله تعالى: {الذين يؤمنون}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين يؤمنون بالغيب} أي: يصدقون بإخبار اللّه عز وجل عن الجنة والنار، والحساب والقيامة، وأشباه ذلك). [تفسير غريب القرآن: 39]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى. {الّذين يؤمنون}.
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ الرّازيّ، قال حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {الّذين يؤمنون} قال:« يصدّقون ».
- حدّثني يحيى بن عثمان بن صالحٍ السّهميّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يؤمنون} يصدّقون.
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {يؤمنون} يخشون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال الزّهريّ: « الإيمان: العمل ».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن العلاء بن المسيّب بن رافعٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، قال:« الإيمان: التّصديق ».
ومعنى الإيمان عند العرب: التّصديق فيدعى المصدّق بالشّيء قولاً مؤمنًا به، ويدعى المصدّق قوله بفعله مؤمنًا. ومن ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين} يعني: وما أنت بمصدّقٍ لنا في قولنا. وقد تدخل الخشية للّه في معنى الإيمان الّذي هو تصديق القول بالعمل.
والإيمان كلمةٌ جامعةٌ للإقرار باللّه وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل. وإذا كان ذلك كذلك، فالّذي هو أولى بتأويل الآية وأشبه بصفة القوم: أن يكونوا موصوفين بالتّصديق بالغيب، قولاً، واعتقادًا، وعملاً، إذ كان جلّ ثناؤه لم يحصرهم من معنى الإيمان على معنى دون معنى، بل أجمل وصفهم به من غير خصوص شيءٍ من معانيه أخرجه من صفتهم بخبرٍ ولا عقلٍ
). [جامع البيان: 1/241-240]

قالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (3)}
معناه: يصدقون، وكل مؤمن بشيء فهو مصدق به، فإذا ذكرت مؤمناً ولم تقل هو مؤمن بكذا وكذا: فهو الذي لا يصلح إلا في اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/70-73]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب}، أصل الإيمان: التصديق، ومنه قوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا}، يقال: آمنت بكذا، أي: صدقت به. فإذا قلت "مؤمن" فمعناه: مصدق بالله تعالى لا غير .
ويجوز: أن يكون مأخوذاً من الأمان، أي: يؤمن نفسه بتصديقه وعمله، و"الله المؤمن" أي: يؤمن مطيعه من عذابه .). [معاني القرآن: 1/81-83]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُؤْمِنُونَ}: يصدقون). [العمدة في غريب القرآن: 70]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (يؤمنون معناه يصدقون ويتعدى بالباء، وقد يتعدى باللام كما قال تعالى: {ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم} [آل عمران: 73] وكما قال: {فما آمن لموسى} [يونس: 83] وبين التعديتين فرق، وذلك أن التعدية باللام في ضمنها تعدّ بالباء يفهم من المعنى. ). [المحرر الوجيز: 1/104-107]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن العلاء بن المسيّب بن رافعٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، قال: «الإيمان التّصديق».
وقال عليّ بن أبي طلحة وغيره، عن ابن عبّاسٍ: «{يؤمنون} يصدّقون».
وقال معمر عن الزّهريّ: «الإيمان العمل».
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ: «{يؤمنون} يخشون».
قال ابن جريرٍ وغيره: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولًا واعتقادًا وعملًا قال: وقد تدخل الخشية للّه في معنى الإيمان، الّذي هو تصديق القول بالعمل، والإيمان كلمةٌ جامعةٌ للإقرار باللّه وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل.

قلت: أمّا الإيمان في اللّغة فيطلق على التّصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن، والمراد به ذلك، كما قال تعالى: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} [التّوبة: 61]، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين} [يوسف: 17]، وكذلك إذا استعمل مقرونًا مع الأعمال؛ كقوله: {إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} [الانشقاق: 25، والتّين: 6]، فأمّا إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشّرعيّ المطلوب لا يكون إلّا اعتقادًا وقولًا وعملًا.
هكذا ذهب إليه أكثر الأئمّة، بل قد حكاه الشّافعيّ وأحمد بن حنبلٍ وأبو عبيد وغير واحدٍ إجماعًا: أنّ الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثارٌ كثيرةٌ وأحاديث أوردنا الكلام فيها في أوّل شرح البخاريّ، وللّه الحمد والمنّة.
ومنهم من فسّره بالخشية، لقوله تعالى: {إنّ الّذين يخشون ربّهم بالغيب} [الملك: 12]، وقوله: {من خشي الرّحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ} [ق: 33]، والخشية خلاصة الإيمان والعلم، كما قال تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} [فاطرٍ: 28].). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس في قوله {الذين يؤمنون} قال: «يصدقون »). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]

3: معنى الغيب
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأصل الغيب: كلّ ما غاب عنك من شيءٍ، وهو من قولك: غاب فلانٌ يغيب غيبًا.). [جامع البيان: 1/247-241]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (
والغيب في اللغة: ما اطمأن من الأرض ونزل عما حوله، يستتر فيه من دخله. وقيل: كل شيء مستتر: غيب، وكذلك المصدر).[معاني القرآن: 1/81-83]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و"الغيب": الله جل وعز، ومنه قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب}، قال: بالله جل اسمه، و"الغيب": ما غاب عن العين، وكان محصلاً في القلوب، و"الغيب": المطمئن من الأرض، و"الغيب": شحم ثرب الشاة). [ياقوتة الصراط: 170]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والغيب في اللغة: ما غاب عنك من أمر، ومن مطمئن الأرض الذي يغيب فيه داخله.). [المحرر الوجيز: 1/104-107]


4: أقوال المفسرين في المراد بالغيب
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (- حدّثنا سعيد بن منصورٍ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن عبد اللّه، قال: «ذكروا أصحاب محمّدٍ (صلّى الله عليه وسلّم) وإيمانهم، فقال عبد اللّه: إنّ أمر محمّدٍ (صلّى الله عليه وسلّم) كان بيّنًا لمن رآه، والّذي لا إله غيره، ما آمن مؤمنٌ أفضل من إيمانٍ بغيبٍ، ثمّ قرأ: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين * الّذين يؤمنون بالغيب} ».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، قال: قال الحارث بن قيسٍ لعبد اللّه: «عند اللّه نحتسب ما سبقتمونا به يا أصحاب محمّدٍ من رؤية رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال عبد اللّه: نحتسب إيمانكم بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم ولم تروه »). [سنن سعيد بن منصور: 2/545-544]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين يؤمنون بالغيب} أي: يصدقون بإخبار اللّه عز وجل عن الجنة والنار، والحساب والقيامة، وأشباه ذلك.). [تفسير غريب القرآن: 39]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بالغيب}.
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {بالغيب} قال: « بما جاء به، يعني من اللّه جلّ ثناؤه ».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ: {بالغيب} أمّا الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنّة وأمر النّار، وما ذكر اللّه تبارك وتعالى في القرآن. لم يكن تصديقهم بذلك، يعني المؤمنين من العرب، من قبل أصل كتابٍ أو علمٍ كان عندهم.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، قال:«الغيب: القرآن».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، في قوله: {الّذين يؤمنون بالغيب} قال: « آمنوا بالجنّة والنّار والبعث بعد الموت وبيوم القيامة، وكلّ هذا غيبٌ ».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ:« {الّذين يؤمنون بالغيب}آمنوا باللّه وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنّته وناره ولقائه، وآمنوا بالحياة بعد الموت، فهذا غيبٌ كلّه ».

وأصل الغيب: كلّ ما غاب عنك من شيءٍ، وهو من قولك: غاب فلانٌ يغيب غيبًا.). [جامع البيان: 1/247-241]
قالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى قوله {بالغيب}: ما غاب عنهم مما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الغيب والنشور والقيامة، وكل ما غاب عنهم مما أنبأهم به فهو غيب.). [معاني القرآن: 1/70-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بالغيب}
الوجه الأول:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن عمارة بن عميرٍ عن عبد الرّحمن بن يزيد قال: «ذكروا أصحاب محمّدٍ وإيمانهم عند عبد اللّه. فقال عبد اللّه: إنّ أمر محمّدٍ كان بيّنًا لمن رآه، والّذي لا إله غيره ما آمن مؤمنٌ أفضل من إيمانٍ بغيبٍ. ثمّ قرأ: الّذين يؤمنون بالغيب إلى قوله: ينفقون ».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم العسقلانيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع ابن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: {الّذين يؤمنون بالغيب} قال:« يؤمنون باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنّته وناره ولقائه. ويؤمنون بالحياة بعد الموت، وبالبعث. فهذا غيبٌ كلّه ».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: « أمّا الّذين يؤمنون بالغيب فهم المؤمنون من العرب. أمّا الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنّة وأمر النّار وما ذكر في القرآن، لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصل كتابٍ أو علمٍ كان عندهم ».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، عن سفيان عن عاصمٍ عن زرٍّ قال: « الغيب القرآن».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا عثمان بن الأسود عن عطاء ابن أبي رباحٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {الّذين يؤمنون بالغيب} فقال: «من آمن باللّه، فقد آمن بالغيب».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا شهاب بن عبّادٍ، ثنا إبراهيم بن حميدٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ: {يؤمنون بالغيب} قال: «بغيب الإسلام».
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن موسى بن نفيعٍ الحرشيّ، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، عن زيد بن أسلم: {الّذين يؤمنون بالغيب} قال: «بالقدر».
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن محمّدٍ المسنديّ، ثنا إسحاق بن إدريس، أخبرني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاريّ، أخبرني جعفر بن محمودٍ عن جدّته تويلة ابنة أسلم قالت: صلّيت الظّهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلّينا سجدتين ثمّ جاءنا من يخبرنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد استقبل البيت الحرام، فتحوّل الرّجال مكان النّساء، والنّساء مكان الرّجال، فصلّينا السّجدتين الباقيتين مستقبلي البيت الحرام. قال إبراهيم: فحدّثني رجالٌ من بني حارثة أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- حين بلغه ذلك قال: « أولئك قومٌ آمنوا بالغيب» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 36- 37]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وروى شيبان، عن قتادة: «{الذين يؤمنون بالغيب} أي: آمنوا بالبعث والحساب والجنة والنار، فصدقوا بموعد الله تعالى».
قال أبو رزين في قوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين} يعني: «القرآن ».
قال ابن كيسان: وقيل: {يؤمنون بالغيب } أي:« القدر» .). [معاني القرآن: 1/81-83]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و"الغيب": الله جل وعز، ومنه قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب}، قال: بالله جل اسمه). [ياقوتة الصراط: 170]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال: ذكروا عند عبد اللّه أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وإيمانهم قال: فقال عبد اللّه: " إنّ أمر محمّدٍ كان بيّنًا لمن رآه، والّذي لا إله غيره، ما آمن مؤمنٌ أفضل من إيمانٍ بغيبٍ، ثمّ قرأ: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه} إلى قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب} «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/286]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بِالْغَيْبِ}: ما غاب عنهم.). [العمدة في غريب القرآن: 70]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {بالغيب} قالت طائفة: معناه يصدقون إذا غابوا وخلوا، لا كالمنافقين الذين يؤمنون إذا حضروا ويكفرون إذا غابوا. وقال آخرون: معناه يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرت به الشرائع.
واختلفت عبارة المفسرين في تمثيل ذلك، فقالت فرقة: «الغيب في هذه الآية هو الله عز وجل»، وقال آخرون: «القضاء والقدر»، وقال آخرون: «القرآن وما فيه من الغيوب»، وقال آخرون: «الحشر والصراط والميزان والجنة والنار».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذه الأقوال لا تتعارض، بل يقع الغيب على جميعها». ). [المحرر الوجيز: 1/104-107]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وأمّا الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السّلف فيه، وكلّها صحيحةٌ ترجع إلى أنّ الجميع مرادٌ.
قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {يؤمنون بالغيب} قال: «يؤمنون باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجنّته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيبٌ كلّه».
وكذا قال قتادة بن دعامة.
وقال السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أمّا الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنّة، وأمر النّار، وما ذكر في القرآن.
وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {بالغيب} قال: «بما جاء منه»، يعني: من اللّه تعالى.
وقال سفيان الثّوريّ، عن عاصم، عن زرّ، قال: «الغيب القرآن».
وقال عطاء بن أبي رباحٍ: «من آمن باللّه فقد آمن بالغيب».
وقال إسماعيل بن أبي خالدٍ: {يؤمنون بالغيب} قال: «بغيب الإسلام».
وقال زيد بن أسلم: {الّذين يؤمنون بالغيب} قال: «بالقدر».
فكلّ هذه متقاربةٌ في معنًى واحدٍ؛ لأنّ جميع هذه المذكورات من الغيب الّذي يجب الإيمان به.
وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد قال: كنّا عند عبد اللّه بن مسعودٍ جلوسًا، فذكرنا أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وما سبقوا به، قال: فقال عبد اللّه: «إنّ أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كان بيّنًا لمن رآه، والّذي لا إله غيره ما آمن أحدٌ قطّ إيمانًا أفضل من إيمانٍ بغيبٍ، ثمّ قرأ: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين * الّذين يؤمنون بالغيب} إلى قوله: {المفلحون} [البقرة: 1-5]».
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه، من طرق، عن الأعمش، به.
وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه. ...
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ المسنديّ، حدّثنا إسحاق بن إدريس، أخبرني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاريّ، أخبرني جعفر بن محمودٍ، عن جدّته تويلة بنت أسلم، قالت: «صلّيت الظّهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلّينا سجدتين، ثمّ جاءنا من يخبرنا: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام، فتحوّل النّساء مكان الرّجال، والرّجال مكان النّساء، فصلّينا السّجدتين الباقيتين، ونحن مستقبلون البيت الحرام».
قال إبراهيم: فحدّثني رجالٌ من بني حارثة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين بلغه ذلك قال: «أولئك قوم آمنوا بالغيب».
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس في قوله {الذين يؤمنون} قال: «يصدقون {بالغيب}» قال: «بما جاء منه يعني من الله».
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «هم المؤمنون من العرب»، قال: و{الأيمان}: التصديق، و{الغيب}: ما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار وما ذكر الله في القرآن، لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصحاب الكتاب أو علم كان عندهم، {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} هم المؤمنون من أهل الكتاب ثم جمع الفريقين فقال {أولئك على هدى} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه والحياة بعد الموت».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «آمنوا بالبعث بعد الموت والحساب والجنة والنار وصدقوا بموعود الله الذي وعد في هذا القرآن».
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «ما غاب عنهم من أمر الجنة والنار»، قال: وهل تعرف العرب ذلك، قال: «نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحرث يقول:
وبالغيب آمنا وقد كان قومنا يصلون للأوثان قبل محمد»
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قال: صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلو البيت الحرام، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: «أولئك قوم آمنوا بالغيب».
وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه، وابن مردويه عن الحرث بن قيس أنه قال لابن مسعود: عند الله يحتسب ما سبقتمونا به يا أصحاب محمد من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن مسعود: «عند الله يحتسب إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم تروه إن أمر محمد كان بيننا لمن رآه، والذي لا إله غيره، ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه} إلى قوله {المفلحون} ». ...
وأخرج ابن عساكر في الأربعين السباعية من طريق أبي هدبة وهو كذاب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليتني قد لقيت إخواني»، فقال له رجل من أصحابه: أولسنا إخوانك قال: «بلى، أنتم أصحابي وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ثم قرأ: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة}».). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]


5: معنى الصلاة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا الصّلاة في كلام العرب فإنّها الدّعاء كما قال الأعشى:
لها حارسٌ لا يبرح الدّهر بيتها.......وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما
يعني بذلك: دعا لها، وكقوله الآخر أيضًا:
وقابلها الرّيح في دنّها.......وصلّى على دنّها وارتسم
وأرى أنّ الصّلاة المفروضة سمّيت صلاةً؛ لأنّ المصلّي متعرّضٌ لاستنجاح طلبته من ثواب اللّه بعمله مع ما يسأل ربّه فيها من حاجاته تعرّض الدّاعي بدعائه ربّه استنجاح حاجاته وسؤله). [جامع البيان: 1/248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقيل: الصلاة: الدعاء فيها معروف قال الأعشى:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا.......يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فا اغتمضي
.......نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
). [معاني القرآن: 1/83-84
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والصّلاة مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا، كما قال الشاعر:
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي ....... يوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا
ومنه قول الآخر:
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها ....... وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما
فلما كانت الصلاة في الشرع دعاء انضاف إليه هيئات وقراءة سمي جميع ذلك باسم الدعاء. وقال قوم: هي مأخوذة من الصّلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل، لأنه يأتي مع صلوي السابق، فاشتقّت الصلاة منه، إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلّي من الخيل، وإما لأن الراكع والساجد صلواه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والقول إنها من الدعاء أحسن».). [المحرر الوجيز: 1/104-107]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وأصل الصّلاة في كلام العرب الدّعاء، قال الأعشى:
لها حارسٌ لا يبرح الدهر بيتها ....... وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما
وقال أيضًا:
وقابلها الرّيح في دنّها ....... وصلّى على دنّها وارتسم
أنشدهما ابن جريرٍ مستشهدًا على ذلك.
وقال الآخر -وهو الأعشى أيضًا-:
تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلًا ....... يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الّذي صليت فاغتمضي ....... نومًا فإنّ لجنب المرء مضطجعا
يقول: عليك من الدّعاء مثل الّذي دعيته لي. وهذا ظاهرٌ، ثمّ استعملت الصّلاة في الشّرع في ذات الرّكوع والسّجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة، بشروطها المعروفة، وصفاتها، وأنواعها [المشروعة] المشهورة.
وقال ابن جريرٍ: وأرى أنّ الصّلاة المفروضة سمّيت صلاةً؛ لأنّ المصلّي يتعرّض لاستنجاح طلبته من ثواب اللّه بعمله، مع ما يسأل ربّه من حاجته.). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]

6: معنى قوله تعالى: {ويقيمون الصلاة}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (إقامتها: أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها على ما فرضت عليه، كما يقال: أقام القوم سوقهم، إذا لم يعطّلوها من البيع والشّراء فيها، وكما قال الشّاعر:

أقمنا لأهل العراقين سوق الض.......راب فخاموا وولّوا جميعا.

- وكما حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ويقيمون الصّلاة} قال: « الّذين يقيمون الصّلاة بفرضها ».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ويقيمون الصّلاة} قال: « إقامة الصّلاة: تمام الرّكوع والسّجود والتّلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها ».
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: « {الّذين يقيمون الصّلاة} يعني الصّلاة المفروضة »). [جامع البيان: 1/248-247]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ {ويقيمون الصّلاة} معناه: يتمّون الصلاة كما قال: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}.) [معاني القرآن: 1/70-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويقيمون الصّلاة}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٌ مولى، زيد بن ثابتٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «يقول اللّه سبحانه وتعالى وبحمده: {الّذين يقيمون الصّلاة}؛ أي يقيمون الصّلاة بفرضها».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب- يعني ابن عطاءٍ- الخفّاف، عن سعيدٍ عن قتادة: «{ويقيمون الصّلاة} وإقامة الصّلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها».
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا أبو وهبٍ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيان، قوله:«{ويقيمون الصّلاة} وإقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطّهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتّشهّد والصّلاة على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فهذا إقامتها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/37]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ويقيمون الصلاة} أي: يؤدون الصلاة المفروضة، تقول العرب: قامت السوق وأقمتها، أي: أدمتها ولم أعطلها، و"فلان يقوم بعمله" منه.
ومعنى إقامة الصلاة: إدامتها في أوقاتها، وترك التفريط في أداء ما فيها من الركوع والسجود.
...والصلاة من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الدعاء، ومن الناس تكون: الدعاء والصلاة المعروفة). [معاني القرآن: 1/83-84]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: يقيمون معناه يظهرونها ويثبتونها، كما يقال: أقيمت السوق، وهذا تشبيه بالقيام من حالة خفاء، قعود أو غيره، ومنه قول الشاعر:
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ....... حتى تقيم الخيل سوق طعان
ومنه قول الشاعر:
أقمنا لأهل العراقين سوق الطّ ....... طعان فخاموا وولّوا جميعا

). [المحرر الوجيز: 1/104-107]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن عباس: أي: «يقيمون الصّلاة بفروضها».
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «إقامة الصّلاة إتمام الرّكوع والسّجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها».
وقال قتادة: «إقامة الصّلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها وسجودها».
وقال مقاتل بن حيّان: «إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطّهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها، والتّشهّد والصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فهذا إقامتها».). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله: {ويقيمون الصلاة} قال: «الصلوات الخمس {ومما رزقناهم ينفقون} قال: زكاة أموالهم».
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{ويقيمون الصلاة} قال: يقيمونها بفروضها، {ومما رزقناهم ينفقون} قال: يؤدون الزكاة احتسابا لها».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «إقامة الصلاة: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {يقيمون الصلاة} قال: «إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها، {ومما رزقناهم ينفقون} قال: أنفقوا في فرائض الله التي افترض الله عليهم في طاعته وسبيله».
). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]

7: أقوال المفسرين في المراد بالإنفاق في الآية
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وممّا رزقناهم ينفقون} أي: يزكّون ويتصدقون). [تفسير غريب القرآن: 39]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون}
اختلف المفسّرون في تأويل ذلك، فقال بعضهم بما:
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وممّا رزقناهم ينفقون} قال: « يؤتون الزّكاة احتسابًا لها ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وممّا رزقناهم ينفقون} قال: « زكاة أموالهم ».
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: {وممّا رزقناهم ينفقون} قال: « كانت النّفقات قربانا يتقرّبون بها إلى اللّه على قدر ميسورهم وجهدهم، حتّى نزلت فرائض الصّدقات سبع آياتٍ في سورة براءةٍ، ممّا يذكر فيهنّ الصّدقات، هنّ المثبتات النّاسخات ».
- وقال بعضهم بما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « {وممّا رزقناهم ينفقون} هي نفقة الرّجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزّكاة ».
وأولى التّأويلات بالآية وأحقّها بصفة القوم أن يكونوا كانوا لجميع اللاّزم لهم في أموالهم، مؤدّين زكاةً كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهلٍ وعيالٍ وغيرهم، ممّن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ وصفهم، إذ وصفهم بالإنفاق ممّا رزقهم، فمدحهم بذلك من صفتهم، فكان معلومًا أنّهم إذ لم يخصّص مدحهم ووصفهم بنوعٍ من النّفقات المحمود عليها صاحبها دون نوعٍ بخبرٍ ولا غيره أنّهم موصوفون بجميع معاني النّفقات المحمود عليها صاحبها من طيّب ما رزقهم ربّهم من أموالهم وأملاكهم، وذلك الحلال منه الّذي لم يشبه حرامٌ). [جامع البيان: 1/250-249]

قالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وممّا رزقناهم ينفقون} معناه: يصدّقون، قال عزّ وجلّ: {وأنفقوا من ما رزقناكم} إلى قوله: {قريب فأصّدّق}). [معاني القرآن: 1/70-73] . [معاني القرآن: 1/70-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وممّا رزقناهم ينفقون}
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق- قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٌ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «يقول اللّه سبحانه وبحمده: {وممّا رزقناهم ينفقون} يؤتون الزّكاة احتسابًا لها».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{وممّا رزقناهم ينفقون} فهي نفقة الرّجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزّكاة».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: «{وممّا رزقناهم ينفقون} فأنفقوا ممّا أعطاكم اللّه، فإنّما هذه الأموال عوارٍ وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 37- 38]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} أي: يتصدقون ويزكون، كما قال تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين}
قال الضحاك: كانت النفقة قرباناً يتقربون بها إلى الله تعالى على قدر جدتهم، حتى نزلت فرائض الصدقات والناسخات في "براءة").
[معاني القرآن: 1/84-85]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومما رزقناهم ينفقون} أي: يزكون ويتصدقون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 24]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُنفِقُونَ}: يزكون). [العمدة في غريب القرآن: 70]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وينفقون}: معناه هنا يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه من غير ذلك.
قال ابن عباس: «ينفقون يؤتون الزكاة احتسابا لها».
قال غيره: «الآية في النفقة في الجهاد».
قال الضحاك: «هي نفقة كانوا يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر يسرهم».
قال ابن مسعود وابن عباس أيضا: «هي نفقة الرجل على أهله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والآية تعمّ الجميع، وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف». ). [المحرر الوجيز: 1/104-107]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال عليّ بن أبي طلحة، وغيره عن ابن عبّاسٍ: «{وممّا رزقناهم ينفقون} قال: زكاة أموالهم».
وقال السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {وممّا رزقناهم ينفقون} قال: هي نفقة الرّجل على أهله، وهذا قبل أن تنزّل الزّكاة.
وقال جويبر، عن الضّحّاك: «كانت النّفقات قرباتٍ يتقرّبون بها إلى اللّه على قدر ميسرتهم وجهدهم، حتّى نزلت فرائض الصّدقات: سبع آياتٍ في سورة براءةٌ، ممّا يذكر فيهنّ الصّدقات، هنّ النّاسخات المثبتات».
وقال قتادة: «{وممّا رزقناهم ينفقون} فأنفقوا ممّا أعطاكم اللّه، هذه الأموال عواريٌّ وودائع عندك يا ابن آدم، يوشك أن تفارقها».
واختار ابن جريرٍ أنّ الآية عامّةٌ في الزّكاة والنّفقات، فإنّه قال: وأولى التّأويلات وأحقّها بصفة القوم: أن يكونوا لجميع اللّازم لهم في أموالهم مؤدّين، زكاةً كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته، من أهلٍ أو عيالٍ وغيرهم، ممّن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك؛ لأنّ اللّه تعالى عمّ وصفهم ومدحهم بذلك، وكلٌّ من الإنفاق والزّكاة ممدوحٌ به محمودٌ عليه.
قلت: كثيرًا ما يقرن اللّه تعالى بين الصّلاة والإنفاق من الأموال، فإنّ الصّلاة حقّ اللّه وعبادته، وهي مشتملةٌ على توحيده والثّناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتّوكّل عليه؛ والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنّفع المتعدّي إليهم، وأولى النّاس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثمّ الأجانب، فكلٌّ من النّفقات الواجبة والزّكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون} ولهذا ثبت في الصّحيحين عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت». والأحاديث في هذا كثيرةٌ.). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {يقيمون الصلاة} قال: «إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها، {ومما رزقناهم ينفقون} قال: أنفقوا في فرائض الله التي افترض الله عليهم في طاعته وسبيله».
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: «إنما يعني الزكاة خاصة دون سائر النفقات، لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة {ومما رزقناهم ينفقون}».
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: «هي نفقة الرجل على أهله».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: «كانت النفقات قربانا يتقربون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة، هن الناسخات المبينات».). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]

8: ذكر كثرة اقتران الصلاة بالزكاة أو الإنفاق في القرآن
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قلت: كثيرًا ما يقرن اللّه تعالى بين الصّلاة والإنفاق من الأموال، فإنّ الصّلاة حقّ اللّه وعبادته، وهي مشتملةٌ على توحيده والثّناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتّوكّل عليه؛ والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنّفع المتعدّي إليهم، وأولى النّاس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثمّ الأجانب، فكلٌّ من النّفقات الواجبة والزّكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون} ولهذا ثبت في الصّحيحين عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت». والأحاديث في هذا كثيرةٌ.). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: «إنما يعني الزكاة خاصة دون سائر النفقات، لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة {ومما رزقناهم ينفقون}».). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]

9: معنى قوله تعالى: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قد مضى البيان عن المنعوتين بهذا النّعت، وأيّ أجناس النّاس هم. غير أنّا نذكر ما روي في ذلك عمّن روي عنه في تأويله قول؛
- فحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي يصدّقونك بما جئت به من اللّه جلّ وعزّ، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربّهم».
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب). [جامع البيان: 1/ 250 -251]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي يصدّقونك بما جئت من اللّه، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم ولا يجحدون بما جاءوهم به من ربّهم».
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: «{والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} فآمنوا بالفرقان وبالكتب الّتي قد خلت قبله من التّوراة والزّبور والإنجيل».
). [تفسير القرآن العظيم: 1/38]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي: لا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، كما فعله اليهود والنصارى). [معاني القرآن: 1/85]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {بما أنزل إليك} يعني القرآن ،{وما أنزل من قبلك} يعني الكتب السالفة. وقرأ أبو حيوة ويزيد بن قطيب. «بما أنزل وما أنزل» بفتح الهمزة فيهما خاصة. والفعل على هذا يحتمل أن يستند إلى الله تعالى، ويحتمل إلى جبريل، والأول أظهر وألزم.). [المحرر الوجيز: 1/107-109]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: «{والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي: يصدّقون بما جئت به من اللّه، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم، ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربّهم). [تفسير ابن كثير: 1/170-171]

10: معنى قوله تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون}
قال أبو جعفرٍ: أمّا الآخرة، فإنّها صفةٌ للدّار، كما قال جلّ ثناؤه: {وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} وإنّما وصفت بذلك لمصيرها آخرةً لأولى كانت قبلها كما تقول للرّجل: أنعمت عليك مرّةً بعد أخرى فلم تشكر لي الأولى ولا الآخرة. وإنّما صارت الآخرة آخرةً للأولى، لتقدّم الأولى أمامها، فكذلك الدّار الآخرة سمّيت آخرةً لتقدّم الدّار الأولى أمامها، فصارت التّالية لها آخرةً. وقد يجوز أن تكون سمّيت آخرةً لتأخّرها عن الخلق، كما سمّيت الدّنيا دنيا لدنوّها من الخلق.
وأمّا الّذي وصف اللّه جلّ ثناؤه به المؤمنين، بما أنزل إلى نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما أنزل إلى من قبله من المرسلين، من إيقانهم به من أمر الآخرة، فهو إيقانهم بما كان المشركون به جاحدين، من البعث والنّشر والثّواب والعقاب والحساب والميزان، وغير ذلك ممّا أعدّ اللّه لخلقه يوم القيامة.
- كما حدّثنا به، محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{وبالآخرة هم يوقنون} أي بالبعث والقيامة والجنّة والنّار والحساب والميزان، أي لا هؤلاء الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربّك».
وهذا التّأويل من ابن عبّاسٍ قد صرّح عن أنّ السّورة من أوّلها وإن كانت الآيات الّتي في أوّلها من نعت المؤمنين تعريضٌ من اللّه عزّ وجلّ بذمّ الكفّار أهل الكتاب الّذين زعموا أنّهم بما جاءت به رسل اللّه عزّ وجلّ الّذين كانوا قبل محمّدٍ صلوات اللّه عليهم وعليه مصدّقون وهم بمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام مكذّبون، ولما جاء به من التّنزيل جاحدون، ويدّعون مع جحودهم ذلك أنّهم مهتدون وأنّه لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى فأكذب اللّه جلّ ثناؤه ذلك من قيلهم بقوله: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون}). [جامع البيان: 1/ 251- 253]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان، محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة، عن محمّد ابن إسحاق قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{وبالآخرة هم يوقنون} أي بالبعث والقيامة والجنّة والنّار والحساب والميزان. أي هؤلاء الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربّك».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «{وبالآخرة هم يوقنون} هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب».). [تفسير القرآن العظيم: 1/38]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون} سميت "آخرة" لأنها بعد "أولى"، وقيل: لتأخرها من الناس، وجمعها "أواخر").[معاني القرآن: 1/85]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وبالآخرة} قيل معناه بالدار الآخرة، وقيل بالنشأة الآخرة.
و{يوقنون} معناه يعلمون علما متمكنا في نفوسهم. واليقين أعلى درجات العلم، وهو الذي لا يمكن أن يدخله شك بوجه وقول مالك رحمه الله: «فيحلف على يقينه ثم يخرج الأمر على خلاف ذلك» تجوّز منه في العبارة على عرف تجوّز العرب، ولم يقصد تحرير الكلام في اليقين.
). [المحرر الوجيز: 1/107-109]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: «{والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي: يصدّقون بما جئت به من اللّه، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم، ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربّهم، {وبالآخرة هم يوقنون} أي: بالبعث والقيامة، والجنّة، والنّار، والحساب، والميزان.».
وإنّما سمّيت الآخرة لأنّها بعد الدّنيا). [تفسير ابن كثير: 1/170-171]

11: لم سميت الدار الآخرة بهذا الاسم؟
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون}
قال أبو جعفرٍ: أمّا الآخرة، فإنّها صفةٌ للدّار، كما قال جلّ ثناؤه: {وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} وإنّما وصفت بذلك لمصيرها آخرةً لأولى كانت قبلها كما تقول للرّجل: أنعمت عليك مرّةً بعد أخرى فلم تشكر لي الأولى ولا الآخرة. وإنّما صارت الآخرة آخرةً للأولى، لتقدّم الأولى أمامها، فكذلك الدّار الآخرة سمّيت آخرةً لتقدّم الدّار الأولى أمامها، فصارت التّالية لها آخرةً. وقد يجوز أن تكون سمّيت آخرةً لتأخّرها عن الخلق، كما سمّيت الدّنيا دنيا لدنوّها من الخلق.). [جامع البيان: 1/ 251- 253]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون} سميت "آخرة" لأنها بعد "أولى"، وقيل: لتأخرها من الناس، وجمعها "أواخر").[معاني القرآن: 1/85]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وإنّما سمّيت الآخرة لأنّها بعد الدّنيا). [تفسير ابن كثير: 1/170-171]


12: الأقوال في المراد بالمؤمنين في هاتين الآيتين
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقد اختلف أهل التّأويل في أعيان القوم الّذين أنزل اللّه جلّ ثناؤه هاتين الآيتين من أوّل هذه السّورة فيهم، وفي نعتهم وصفتهم الّتي وصفهم بها من إيمانهم بالغيب، وسائر المعاني الّتي حوتها الآيتان من صفاتهم غيره.
فقال بعضهم: هم مؤمنو العرب خاصّةً، دون غيرهم من مؤمني أهل الكتابين.
واستدلّوا على صحّة قولهم ذلك وحقيقة تأويلهم بالآية الّتي تتلو هاتين الآيتين، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}
قالوا: فلم يكن للعرب كتابٌ قبل الكتاب الّذي أنزله اللّه عزّ وجلّ على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم تدين بتصديقه والإقرار والعمل به، وإنّما كان الكتاب لأهل الكتابين غيرها. قالوا: فلمّا قصّ اللّه عزّ وجلّ نبأ الّذين يؤمنون بما أنزل إلى محمّدٍ وما أنزل من قبله بعد اقتصاصه نبأ المؤمنين بالغيب، علمنا أنّ كلّ صنفٍ منهم غير الصّنف الآخر، وأنّ المؤمنين بالغيب نوعٌ غير النّوع المصدّق بالكتابين اللّذين أحدهما منزّلٌ على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والآخر منهما على من قبله من رسل اللّه عز وجل.
قالوا: وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا من أنّ تأويل قول اللّه تعالى: {الّذين يؤمنون بالغيب} إنّما هو الّذين يؤمنون بما غاب عنهم من الجنّة والنّار والثّواب والعقاب والبعث، والتّصديق باللّه وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما كانت العرب لا تدين به في جاهليّتها، مما أوجب اللّه جلّ ثناؤه على عباده الدّينونة به دون غيرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّا {الّذين يؤمنون بالغيب} فهم المؤمنون من العرب {ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون} أمّا الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنّة والنّار، وما ذكر اللّه في القرآن. لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصل كتابٍ أو علمٍ كان عندهم. {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب ».
وقال بعضهم: بل نزلت هذه الآيات الأربع في مؤمني أهل الكتاب خاصّةً، لإيمانهم بالقرآن عند إخبار اللّه جلّ ثناؤه إيّاهم فيه عن الغيوب الّتي كانوا يخفونها بينهم ويسرّونها، فعلموا عند إظهار اللّه جلّ ثناؤه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك منهم في تنزيله أنّه من عند اللّه جلّ وعزّ، فآمنوا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقوا بالقرآن وما فيه من الإخبار عن الغيوب الّتي لا علم لهم بها لمّا استقرّ عندهم بالحجّة الّتي احتجّ اللّه تبارك وتعالى بها عليهم في كتابه، من الإخبار فيه عمّا كانوا يكتمونه من ضمائرهم؛ أنّ جميع ذلك من عند اللّه.
وقال بعضهم: بل الآيات الأربع من أوّل هذه السّورة أنزلت على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بوصف جميع المؤمنين الّذين ذلك صفتهم من العرب والعجم وأهل الكتابين وسواهم، وإنّما هذه صفة صنفٍ من النّاس، والمؤمن بما أنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما أنزل من قبله هو المؤمن بالغيب.
قالوا: وإنّما وصفهم اللّه بالإيمان بما أنزل إلى محمّدٍ وبما أنزل إلى من قبله بعد تقضّي وصفه إيّاهم بالإيمان بالغيب؛ لأنّ وصفه إيّاهم بما وصفهم به من الإيمان بالغيب كان معنيًّا به أنّهم يؤمنون بالجنّة والنّار والبعث، وسائر الأمور الّتي كلّفهم اللّه جلّ ثناؤه الايمان بها ممّا لم يروه ولم يأت بعد ممّا هو آتٍ، دون الإخبار عنهم أنّهم يؤمنون بما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن قبله من الرّسل ومن الكتب.
قالوا: فلمّا كان معنى قوله {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} غير موجودٍ في قوله: {الّذين يؤمنون بالغيب} كانت الحاجة من العباد إلى معرفة صفتهم بذلك ليعرّفهم نظير حاجتهم إلى معرفتهم بالصّفة الّتي وصفوا بها من إيمانهم بالغيب ليعلموا ما يرضي اللّه من أفعال عباده، ويحبّه من صفاتهم، فيكونوا به إن وفّقهم له ربّهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرو بن العبّاس الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ الضّحّاك بن مخلدٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ المكّيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «أربع آياتٍ من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين ».
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ بمثله.
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم قال: حدّثنا موسى بن مسعودٍ، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال:« أربع آياتٍ من فاتحة هذه السّورة، يعني سورة البقرة، في الّذين آمنوا، وآيتان في قادة الأحزاب ».
وأولى القولين عندي بالصّواب وأشبههما بتأويل الكتاب، القول الأوّل، وهو: أنّ الّذين وصفهم اللّه تعالى ذكره بالإيمان بالغيب، وما وصفهم به جلّ ثناؤه في الآيتين الأولتين غير الّذين وصفهم بالإيمان بالّذي أنزل على محمّدٍ والّذي أنزل على من قبله من الرّسل؛ لما ذكرت من العلل قبل لمن قال ذلك.
وممّا يدلّ أيضًا مع ذلك على صحّة هذا القول أنّه جنس، بعد وصف المؤمنين بالصّفتين اللّتين وصف، وبعد تصنيفه إلى كلّ صنفٍ منهما على ما صنّف الكفّار، جنسين، فجعل أحدهما مطبوعًا على قلبه مختومًا عليه مأيوسًا من إيمانه، والآخر منافقًا يرائي بإظهار الإيمان في الظّاهر، ويستسرّ النّفاق في الباطن، فصيّر الكفّار جنسين كما صيّر المؤمنين في أوّل السّورة جنسين. ثمّ عرّف عباده نعت كلّ صنفٍ منهم وصفتهم وما أعدّ لكلّ فريقٍ منهم من ثوابٍ أو عقابٍ، وذمّ أهل الذّمّ منهم وشكر سعي أهل الطّاعة منهم). [جامع البيان: 1/247-241]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: { الّذين يؤمنون }
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله:« الّذين يؤمنون بالغيب فهم المؤمنون من العرب ».
). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 36- 37]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (اختلف المتأولون فيمن المراد بهذه الآية وبالتي قبلها.
فقال قوم: «الآيتان جميعا في جميع المؤمنين».
وقال آخرون: «هما في مؤمني أهل الكتاب».
وقال آخرون: «الآية الأولى في مؤمني العرب، والثانية في مؤمني أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وفيه نزلت».). [المحرر الوجيز: 1/107-109
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد اختلف المفسّرون في الموصوفين هاهنا: هل هم الموصوفون بما تقدّم من قوله تعالى: {الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3] ومن هم؟ على ثلاثة أقوالٍ حكاها ابن جريرٍ:
أحدهما: أنّ الموصوفين أوّلًا هم الموصوفون ثانيًا، وهم كلّ مؤمنٍ، مؤمنو العرب ومؤمنو أهل الكتاب وغيرهم، قاله مجاهدٌ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة.
والثّاني: هما واحدٌ، وهم مؤمنو أهل الكتاب، وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفاتٍ على صفاتٍ، كما قال تعالى: {سبّح اسم ربّك الأعلى * الّذي خلق فسوّى * والّذي قدّر فهدى * والّذي أخرج المرعى * فجعله غثاءً أحوى} [الأعلى: 1-5] وكما قال الشّاعر:

إلى الملك القرم وابن الهمام ....... وليث الكتيبة في المزدحم...

فعطف الصّفات بعضها على بعضٍ، والموصوف واحدٌ.
والثّالث: أنّ الموصوفين أوّلًا مؤمنو العرب، والموصوفون ثانيًا بقوله: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} الآية مؤمنو أهل الكتاب، نقله السّدّيّ في تفسيره، عن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وأناسٍ من الصّحابة، واختاره ابن جريرٍ، ويستشهد لما قال بقوله تعالى: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه} الآية [آل عمران: 199]، وبقوله تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كنّا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السّيّئة وممّا رزقناهم ينفقون} [القصص: 52-54]، وثبت في الصّحيحين، من حديث الشّعبيّ عن أبي بردة عن أبي موسى: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ يؤتون أجرهم مرّتين: رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي، ورجلٌ مملوكٌ أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه، ورجلٌ أدّب جاريته فأحسن تأديبها ثمّ أعتقها وتزوّجها».
وأمّا ابن جريرٍ فما استشهد على صحّة ما قال إلّا بمناسبةٍ، وهي أنّ اللّه وصف في أوّل هذه السّورة المؤمنين والكافرين، فكما أنّه صنّف الكافرين إلى صنفين: منافقٌ وكافرٌ، فكذلك المؤمنون صنّفهم إلى عربيٍّ وكتابيٍّ.
قلت: والظّاهر قول مجاهدٍ فيما رواه الثّوريّ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، ورواه غير واحدٍ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أنّه قال: « أربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين، فهذه الآيات الأربع عامّةٌ في كلّ مؤمنٍ اتّصف بها من عربيٍّ وعجميٍّ، وكتابيٍّ من إنسيٍّ وجنّيٍّ، وليس تصحّ واحدةٌ من هذه الصّفات بدون الأخرى، بل كلّ واحدةٍ مستلزمةٌ للأخرى وشرطٌ معها، فلا يصحّ الإيمان بالغيب وإقام الصّلاة والزّكاة إلّا مع الإيمان بما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من قبله من الرّسل والإيقان بالآخرة، كما أنّ هذا لا يصحّ إلّا بذاك، وقد أمر اللّه تعالى المؤمنين بذلك، كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل} الآية [النّساء: 136]. وقال: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالّتي هي أحسن إلا الّذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ} الآية [العنكبوت:46]. وقال تعالى: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدّقًا لما معكم} [النّساء: 47] وقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} [المائدة: 68] وأخبر تعالى عن المؤمنين كلّهم بذلك، فقال تعالى: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} الآية [البقرة: 285] وقال: {والّذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرّقوا بين أحدٍ منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم} [النّساء: 152] وغير ذلك من الآيات الدّالّة على أمر جميع المؤمنين بالإيمان باللّه ورسله وكتبه. لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصيّةٌ، وذلك أنّهم مؤمنون بما بأيديهم مفصّلًا فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصّلًا كان لهم على ذلك الأجر مرّتين، وأمّا غيرهم فإنّما يحصل له الإيمان، بما تقدّم مجملًا كما جاء في الصّحيح: «إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم، ولكن قولوا: آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم»، ولكن قد يكون إيمان كثيرٍ من العرب بالإسلام الّذي بعث به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل من إيمان من دخل منهم في الإسلام، فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثيّة، فغيرهم [قد] يحصل له من التّصديق ما ينيف ثوابه على الأجرين اللّذين حصّلا لهم، واللّه أعلم».). [تفسير ابن كثير: 1/170-171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «هم المؤمنون من العرب»). [الدر المنثور: 1/ 137- 147]

المسائل العقدية
1: الإيمان اعتقاد وقول وعمل
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ومعنى الإيمان عند العرب: التّصديق فيدعى المصدّق بالشّيء قولاً مؤمنًا به، ويدعى المصدّق قوله بفعله مؤمنًا. ومن ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين} يعني: وما أنت بمصدّقٍ لنا في قولنا. وقد تدخل الخشية للّه في معنى الإيمان الّذي هو تصديق القول بالعمل.
والإيمان كلمةٌ جامعةٌ للإقرار باللّه وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل. وإذا كان ذلك كذلك، فالّذي هو أولى بتأويل الآية وأشبه بصفة القوم: أن يكونوا موصوفين بالتّصديق بالغيب، قولاً، واعتقادًا، وعملاً، إذ كان جلّ ثناؤه لم يحصرهم من معنى الإيمان على معنى دون معنى، بل أجمل وصفهم به من غير خصوص شيءٍ من معانيه أخرجه من صفتهم بخبرٍ ولا عقلٍ). [جامع البيان: 1/241-240]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن جريرٍ وغيره: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولًا واعتقادًا وعملًا قال: وقد تدخل الخشية للّه في معنى الإيمان، الّذي هو تصديق القول بالعمل، والإيمان كلمةٌ جامعةٌ للإقرار باللّه وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل.
قلت: أمّا الإيمان في اللّغة فيطلق على التّصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن، والمراد به ذلك، كما قال تعالى: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} [التّوبة: 61]، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين} [يوسف: 17]، وكذلك إذا استعمل مقرونًا مع الأعمال؛ كقوله: {إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} [الانشقاق: 25، والتّين: 6]، فأمّا إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشّرعيّ المطلوب لا يكون إلّا اعتقادًا وقولًا وعملًا.
هكذا ذهب إليه أكثر الأئمّة، بل قد حكاه الشّافعيّ وأحمد بن حنبلٍ وأبو عبيد وغير واحدٍ إجماعًا: أنّ الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص. وقد ورد فيه آثارٌ كثيرةٌ وأحاديث أوردنا الكلام فيها في أوّل شرح البخاريّ، وللّه الحمد والمنّة.
). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]

2: الإيمان بجميع أركان الإيمان شرط لصحة الإيمان
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :
(
والظاهر قول مجاهد فيما رواه الثّوريّ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، ورواه غير واحدٍ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أنّه قال: « أربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين، فهذه الآيات الأربع عامّةٌ في كلّ مؤمنٍ اتّصف بها من عربيٍّ وعجميٍّ، وكتابيٍّ من إنسيٍّ وجنّيٍّ، وليس تصحّ واحدةٌ من هذه الصّفات بدون الأخرى، بل كلّ واحدةٍ مستلزمةٌ للأخرى وشرطٌ معها، فلا يصحّ الإيمان بالغيب وإقام الصّلاة والزّكاة إلّا مع الإيمان بما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من قبله من الرّسل والإيقان بالآخرة، كما أنّ هذا لا يصحّ إلّا بذاك، وقد أمر اللّه تعالى المؤمنين بذلك، كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل} الآية [النّساء: 136]. وقال: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالّتي هي أحسن إلا الّذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ} الآية [العنكبوت:46]. وقال تعالى: {يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدّقًا لما معكم} [النّساء: 47] وقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} [المائدة: 68] وأخبر تعالى عن المؤمنين كلّهم بذلك، فقال تعالى: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} الآية [البقرة: 285] وقال: {والّذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرّقوا بين أحدٍ منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم} [النّساء: 152] وغير ذلك من الآيات الدّالّة على أمر جميع المؤمنين بالإيمان باللّه ورسله وكتبه.). [تفسير ابن كثير: 1/170-171]

3: مفهوم الرزق عند أهل السنة
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والرزق عند أهل السنة: ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق). [المحرر الوجيز: 1/104-107]

الإعراب
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وموضع {الذين} جر تبعاً للمتقين، ويجوز أن يكون موضعهم رفعاً على المدح كأنّه لما قيل هدى للمتقين، قيل: من هم؟ فقيل: {الّذين يؤمنون بالغيب}. ويجوز أن يكون موضع {الذين} نصباً على المدح أيضاً، كأنه قيل: اذكر الذين.). [معاني القرآن: 1/70-73]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدىً من ربّهم وأولئك هم المفلحون (5)}قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمن جعل الآيتين في صنف واحد فإعراب والّذين خفض على العطف، ويصح أن يكون رفعا على الاستئناف، «أي وهم الذين» ومن جعل الآيتين في صنفين، فإعراب «الذين» رفع على الابتداء، وخبره أولئك على هدىً ويحتمل أن يكون عطفا)[المحرر الوجيز: 1/107-109]

المسائل النحوية
ضم أول الفعل المضارع إن كان ماضيه رباعيا
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وضمت الياء من {يؤمنون} و{يقيمون}؛ لأن كل ما كان على أربعة أحرف نحو: أكرم وأحسن وأقام وآمن، فمستقبله: يكرم، ويحسن، ويؤمن، ويقيم، وإنما ضمت أوائل المستقبل ليفرق بين ذوات الثلاثة نحو: ضرب، وبين ذوات الأربعة نحو: دحرج. فما كان على ثلاثة: فهو ضرب يضرب أو تضرب أو نضرب، ففصل بالضمة بينهما.
فإن قال قائل: فهلا فصل بالكسرة؟
قيل: الكسرة قد تدخل في نحو تعلم وتبيض؛ ولأن الضمة مع الياء مستعملة، والكسرة لا تستعمل مع الياء. فمن قال: أنت تعلم، لم يقل: هو يعلم، فوجب أن يكون الفرق بينهما بالضمة لا غير.
). [معاني القرآن: 1/70-73]

وصل ما الموصولة بحرف الجر
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون}، كتبت «مما» متصلة «وما» بمعنى «الذي» فحقّها أن تكون منفصلة، إلا أن الجار والمجرور كشيء واحد، وأيضا فلما خفيت نون «من» في اللفظ حذفت في الخط.). [المحرر الوجيز: 1/104-107]

المسائل الصرفية
أصل كلمة: (الذي)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وأصل "الذي":لَذٍ على وزن عَمٍ فاعلم، كذلك قال الخليل وسيبويه والأخفش وجميع من يوثق بعلمه.). [معاني القرآن: 1/70-73]

أصل كلمة: (يقيم)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (والأصل في (يقيم): يؤقيم، والأصل في يكرم: يؤكرم، ولكن الهمزة حذفت؛ لأن الضم دليل على ذوات الأربعة، ولو ثبت لوجب أن تقول إذا أنبأت عن نفسك: أنا أؤقوم، وأنا أؤكرم، فكانت تجتمع همزتان فاستثقلتا، فحذفت الهمزة التي هي فاء الفعل، وتبع سائر الفعل باب الهمزة، فقلت: أنت تكرم، ونحن نكرم، وهي تكرم، كما أنّ باب "يعد" حذفت منه الواو؛ لوقوعها بين ياء وكسرة، الأصل فيه "يوعد" ثم حذفت في "تعد" و"نعد" و"أعد".). [معاني القرآن: 1/70-73]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأصل يقيمون يقومون، نقلت حركة الواو إلى القاف فانقلبت ياء لكون الكسرة قبلها.). [المحرر الوجيز: 1/104-107]

اشتقاق كلمة: (الصلاة)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقيل: الصلاة: مشتقة من "الصلوين" وهما عرقان في الردف ينحيان في الصلاة.
وقيل: الصلاة: الدعاء فيها معروف قال الأعشى:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا.......يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فا اغتمضي
.......نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
). [معاني القرآن: 1/83-84]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والصّلاة مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا، كما قال الشاعر:
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي ....... يوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا
ومنه قول الآخر:
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها ....... وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما
فلما كانت الصلاة في الشرع دعاء انضاف إليه هيئات وقراءة سمي جميع ذلك باسم الدعاء. وقال قوم: هي مأخوذة من الصّلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل، لأنه يأتي مع صلوي السابق، فاشتقّت الصلاة منه، إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلّي من الخيل، وإما لأن الراكع والساجد صلواه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والقول إنها من الدعاء أحسن».). [المحرر الوجيز: 1/104-107]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وأصل الصّلاة في كلام العرب الدّعاء، قال الأعشى:
لها حارسٌ لا يبرح الدهر بيتها ....... وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما
وقال أيضًا:
وقابلها الرّيح في دنّها ....... وصلّى على دنّها وارتسم
أنشدهما ابن جريرٍ مستشهدًا على ذلك.
وقال الآخر -وهو الأعشى أيضًا-:
تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلًا ....... يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الّذي صليت فاغتمضي ....... نومًا فإنّ لجنب المرء مضطجعا
يقول: عليك من الدّعاء مثل الّذي دعيته لي. وهذا ظاهرٌ، ثمّ استعملت الصّلاة في الشّرع في ذات الرّكوع والسّجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة، بشروطها المعروفة، وصفاتها، وأنواعها [المشروعة] المشهورة.
وقال ابن جريرٍ: وأرى أنّ الصّلاة المفروضة سمّيت صلاةً؛ لأنّ المصلّي يتعرّض لاستنجاح طلبته من ثواب اللّه بعمله، مع ما يسأل ربّه من حاجته.
[وقيل: هي مشتقّةٌ من الصلوين إذا تحرّكا في الصّلاة عند الرّكوع، وهما عرقان يمتدّان من الظّهر حتّى يكتنفا عجب الذّنب، ومنه سمّي المصلّي؛ وهو الثّاني للسّابق في حلبة الخيل، وفيه نظرٌ، وقيل: هي مشتقّةٌ من الصّلى، وهو الملازمة للشّيء من قوله: {لا يصلاها} أي: يلزمها ويدوم فيها {إلا الأشقى} [اللّيل: 15]، وقيل: مشتقّةٌ من تصلية الخشبة في النّار لتقوّم، كما أنّ المصلّي يقوّم عوجه بالصّلاة: {إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر اللّه أكبر} [العنكبوت: 45] واشتقاقها من الدّعاء أصحّ وأشهر، واللّه أعلم].). [تفسير ابن كثير: 1/164-169]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 شعبان 1435هـ/4-06-2014م, 04:40 PM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

الأحاديث والآثار الواردة في تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)}

1: ابن اسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {الّذين يؤمنون} قال:« يصدّقون ». رواه ابن جرير.
2: معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يؤمنون} يصدّقون.
رواه ابن جرير.
3: عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {يؤمنون} يخشون. رواه ابن جرير.
4: محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال الزّهريّ: « الإيمان: العمل ». رواه ابن جرير.
5: أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، قال:« الإيمان: التّصديق ».رواه ابن جرير.
6:
ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
{بالغيب} قال: « بما جاء به، يعني من اللّه جلّ ثناؤه ».
رواه ابن جرير.
7: يزيد بن زريعٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، في قوله: {الّذين يؤمنون بالغيب} قال: « آمنوا بالجنّة والنّار والبعث بعد الموت وبيوم القيامة، وكلّ هذا غيبٌ ». رواه ابن جرير.
8: عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ويقيمون الصّلاة} قال: « إقامة الصّلاة: تمام الرّكوع والسّجود والتّلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها ». رواه ابن جرير.
9: جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: « {الّذين يقيمون الصّلاة} يعني الصّلاة المفروضة » رواه ابن جرير.
10: يزيد، عن جويبرٌ، عن الضّحّاك: {وممّا رزقناهم ينفقون} قال: « كانت النّفقات قربانا يتقرّبون بها إلى اللّه على قدر ميسورهم وجهدهم، حتّى نزلت فرائض الصّدقات سبع آياتٍ في سورة براءةٍ، ممّا يذكر فيهنّ الصّدقات، هنّ المثبتات النّاسخات ». رواه ابن جرير.
11: أبو مالكٍ، وأبو صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ: {بالغيب} أمّا الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنّة وأمر النّار، وما ذكر اللّه تبارك وتعالى في القرآن. لم يكن تصديقهم بذلك، يعني المؤمنين من العرب، من قبل أصل كتابٍ أو علمٍ كان عندهم. رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
12: سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، قال:«الغيب: القرآن».
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
13: عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ:« {الّذين يؤمنون بالغيب}آمنوا باللّه وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنّته وناره ولقائه، وآمنوا بالحياة بعد الموت، فهذا غيبٌ كلّه ».رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
14: ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ويقيمون الصّلاة} قال: « الّذين يقيمون الصّلاة بفرضها ». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
15: ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وممّا رزقناهم ينفقون} قال: « يؤتون الزّكاة احتسابًا لها ». رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
16: السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « {وممّا رزقناهم ينفقون} هي نفقة الرّجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزّكاة ».رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
17: ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي يصدّقونك بما جئت به من اللّه جلّ وعزّ، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربّهم». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
18: ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{وبالآخرة هم يوقنون} أي بالبعث والقيامة والجنّة والنّار والحساب والميزان، أي لا هؤلاء الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربّك».
رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
19: السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّا {الّذين يؤمنون بالغيب} فهم المؤمنون من العرب {ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون} أمّا الغيب: فما غاب عن العباد من أمر الجنّة والنّار، وما ذكر اللّه في القرآن. لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصل كتابٍ أو علمٍ كان عندهم. {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب ». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
20: الشّعبيّ عن أبي بردة عن أبي موسى: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ يؤتون أجرهم مرّتين: رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي، ورجلٌ مملوكٌ أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه، ورجلٌ أدّب جاريته فأحسن تأديبها ثمّ أعتقها وتزوّجها». رواه الشيخان.
21: عثمان بن الأسود عن عطاء ابن أبي رباحٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {الّذين يؤمنون بالغيب} فقال: «من آمن باللّه، فقد آمن بالغيب». رواه ابن أبي حاتم.
22: إبراهيم بن حميدٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ: {يؤمنون بالغيب} قال: «بغيب الإسلام». رواه ابن أبي حاتم.
عبد اللّه بن جعفرٍ، عن زيد بن أسلم: {الّذين يؤمنون بالغيب} قال: «بالقدر». رواه ابن أبي حاتم.
23: عبد الوهّاب- يعني ابن عطاءٍ- الخفّاف، عن سعيدٍ عن قتادة: «{ويقيمون الصّلاة} وإقامة الصّلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها». رواه ابن أبي حاتم.
24: بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيان، قوله:«{ويقيمون الصّلاة} وإقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطّهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتّشهّد والصّلاة على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فهذا إقامتها» رواه ابن أبي حاتم.
25: سعيدٌ عن قتادة: «{وممّا رزقناهم ينفقون} فأنفقوا ممّا أعطاكم اللّه، فإنّما هذه الأموال عوارٍ وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها»). رواه ابن أبي حاتم.
26: سعيدٌ عن قتادة قوله: «{والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} فآمنوا بالفرقان وبالكتب الّتي قد خلت قبله من التّوراة والزّبور والإنجيل». رواه ابن أبي حاتم.
27: إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاريّ، أخبرني جعفر بن محمودٍ، عن جدّته تويلة بنت أسلم، قالت: «صلّيت الظّهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلّينا سجدتين، ثمّ جاءنا من يخبرنا: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام، فتحوّل النّساء مكان الرّجال، والرّجال مكان النّساء، فصلّينا السّجدتين الباقيتين، ونحن مستقبلون البيت الحرام». قال إبراهيم: فحدّثني رجالٌ من بني حارثة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين بلغه ذلك قال: «أولئك قوم آمنوا بالغيب». رواه ابن أبي حاتم
.
28: قال السيوطي: وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: «ما غاب عنهم من أمر الجنة والنار»، قال: وهل تعرف العرب ذلك، قال: «نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحرث يقول: وبالغيب آمنا وقد كان قومنا يصلون للأوثان قبل محمد»
.
29: قال السيوطي: وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه، وابن مردويه عن الحارث بن قيس أنه قال لابن مسعود: عند الله يحتسب ما سبقتمونا به يا أصحاب محمد من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن مسعود: «عند الله يحتسب إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم تروه إن أمر محمد كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره، ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه} إلى قوله {المفلحون} ».
30: قال السيوطي:
وأخرج ابن عساكر في الأربعين السباعية من طريق أبي هدبة وهو كذاب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليتني قد لقيت إخواني»، فقال له رجل من أصحابه: أولسنا إخوانك قال: «بلى، أنتم أصحابي وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ثم قرأ: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة}».
31: قال السيوطي:
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {يقيمون الصلاة} قال: «إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها، {ومما رزقناهم ينفقون} قال: أنفقوا في فرائض الله التي افترض الله عليهم في طاعته وسبيله».
32: قال السيوطي:
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: «إنما يعني الزكاة خاصة دون سائر النفقات، لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة {ومما رزقناهم ينفقون}».
33: قال السيوطي: وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{ويقيمون الصلاة} قال: يقيمونها بفروضها، {ومما رزقناهم ينفقون} قال: يؤدون الزكاة احتسابا لها».
34: قال السيوطي: وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله: {ويقيمون الصلاة} قال: «الصلوات الخمس {ومما رزقناهم ينفقون} قال: زكاة أموالهم».


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 شعبان 1435هـ/4-06-2014م, 05:00 PM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

المسائل التفسيرية في قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)}

1: معنى الإيمان

الإيمان في اللغة: التصديق؛ كما ذكر ذلك أبو جعفر الطبري والزجاج والنحاس وابن كثير . قال الطبري: ومن ذلك قول إخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمنٍ لنا}.
وفي الشرع: كلمةٌ جامعةٌ للإقرار باللّه وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل. وقد تدخل الخشية للّه في معنى الإيمان؛ ذكره أبو جعفر الطبري.

2: معنى قوله تعالى: {الذين يؤمنون}
فيه أقوال:
قيل: يصدقون. رواه ابن جرير عن ابن عباس وذكره الدِّينَوَرِيُّ والزجاج والنحاس والقيسي وابن عطية وأورده ابن كثير في تفسيره.
وقيل: الإيمان: العمل. رواه ابن جرير عن الزهري، وأورده ابن كثير.
وقيل: يخشون.
رواه ابن جرير عن الربيع بن أنس، وأورده ابن كثير.
قال ابن جريرٍ: وإذا كان ذلك كذلك، فالّذي هو أولى بتأويل الآية وأشبه بصفة القوم: أن يكونوا موصوفين بالتّصديق بالغيب، قولاً، واعتقادًا، وعملاً، إذ كان جلّ ثناؤه لم يحصرهم من معنى الإيمان على معنى دون معنى، بل أجمل وصفهم به من غير خصوص شيءٍ من معانيه،
وقال: وقد تدخل الخشية للّه في معنى الإيمان.

3: معنى الغيب
الغيب في اللغة: كل ما غاب عنك من شيء؛ ذكره الطبري والنحاس ومحمد بن عبد الواحد البغدادي وابن عطية، وذكروا أيضا - إلا الطبري - أنه ما اطمأن من الأرض ونزل عما حوله، يستتر فيه من دخله.


4: أقوال المفسرين في المراد بالغيب

حاصلها أربعة أقوال:
الأول: الغيب: الله جل وعز ؛ قاله البغدادي ورواه - بمعناه - ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباحٍ وأورده ابن عطية وابن كثير.
الثاني:
«الغيب: القرآن» رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن زر من طريق سفيان. وأورده النحاس وابن عطية وابن كثير
الثالث: «بالقدر»، رواه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم وأورده النحاس وابن عطية وابن كثير.
الرابع:
«بالجنّة والنّار والبعث بعد الموت وبيوم القيامة» رواه ابن جرير عن قتادة ورواه - بمعناه - ابن أبي حاتم، وذكره الدينوري والزجاج وأورده النحاس وابن عطية وابن كثير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذه الأقوال لا تتعارض، بل يقع الغيب على جميعها»

وقالَ : (قالت طائفة: معناه يصدقون إذا غابوا وخلوا، لا كالمنافقين الذين يؤمنون إذا حضروا ويكفرون إذا غابوا. وقال آخرون: معناه يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرت به الشرائع)

5: معنى الصلاة
الصلاة في اللغة: الدعاء. قاله أبو جعفر الطبري والنحاس وابن عطية وابن كثير.
و
استعملت في الشّرع في ذات الرّكوع والسّجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة، بشروطها المعروفة، وصفاتها، وأنواعها المشروعة المشهورة. كما ذكر ابن كثير.
وقال ابن جريرٍ: وأرى أنّ الصّلاة المفروضة سمّيت صلاةً؛ لأنّ المصلّي يتعرّض لاستنجاح طلبته من ثواب اللّه بعمله، مع ما يسأل ربّه من حاجته.

6: معنى قوله تعالى: {ويقيمون الصلاة}

إقامتها: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وفروضها، و إتمام الرّكوع والسّجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها، وهو حاصل ما رواه ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم عن ابن عباس وعن قتادة وعن مقاتل بن حيان، وذكره الزجاج والنحاس وابن عطية وأورده ابن كثير.

7: أقوال المفسرين في المراد بالإنفاق في الآية
قال الدينوري والزجاج والنحاس والقيسي: يزكّون ويتصدقون. وأورد ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عطية وابن كثير أربعة أقوال للسلف:
- قال ابن عباس: « يؤتون الزكاة احتسابا لها». رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق.
- قال غيره: «الآية في النفقة في الجهاد». (ذكره ابن عطية)
- قال الضحاك: «كانت النّفقات قربانا يتقرّبون بها إلى اللّه على قدر ميسورهم وجهدهم». رواه ابن جرير من طريق يزيد. وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيدٌ عن قتادة: «{وممّا رزقناهم ينفقون} فأنفقوا ممّا أعطاكم اللّه، فإنّما هذه الأموال عوارٍ وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها»
- قال ابن مسعود وابن عباس أيضا: «هي نفقة الرجل على أهله». رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق السدي.
وقال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والآية تعمّ الجميع، وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف».

8: ذكر كثرة اقتران الصلاة بالزكاة أو الإنفاق في القرآن
قالَ ابن كثير: كثيرًا ما يقرن اللّه تعالى بين الصّلاة والإنفاق من الأموال، فإنّ الصّلاة حقّ اللّه وعبادته، وهي مشتملةٌ على توحيده والثّناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتّوكّل عليه؛ والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنّفع المتعدّي إليهم، وأولى النّاس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثمّ الأجانب، فكلٌّ من النّفقات الواجبة والزّكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون} ولهذا ثبت في الصّحيحين عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت». والأحاديث في هذا كثيرةٌ.
قالَ السُّيُوطِيُّ: (
أخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: .. لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة {ومما رزقناهم ينفقون}».)

9: معنى قوله تعالى: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}
«أي يصدّقونك بما جئت به من اللّه جلّ وعزّ، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربّهم». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس، وأورده ابن كثير.
قَالَ النحَّاسُ: لا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، كما فعله اليهود والنصارى.
وقالَ ابنِ عَطِيَّةَ: وقوله: {بما أنزل إليك} يعني القرآن ،{وما أنزل من قبلك} يعني الكتب السالفة. وقرأ أبو حيوة ويزيد بن قطيب. «بما أنزل وما أنزل» بفتح الهمزة فيهما خاصة. والفعل على هذا يحتمل أن يستند إلى الله تعالى، ويحتمل إلى جبريل، والأول أظهر وألزم.

10: معنى قوله تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون}
يعلمون علما متمكنا في نفوسهم بما لا يمكن أن يدخله شك بوجه، ويوقنون بما كان المشركون به جاحدين، من البعث والقيامة والجنّة والنّار والحساب والميزان، وغير ذلك ممّا أعدّ اللّه لخلقه يوم القيامة. وهذا حاصل ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وذكره ابن عطية وأورده ابن كثير.

11: لم سميت الدار الآخرة بهذا الاسم؟
سمّيت آخرةً لتقدّم الدّار الأولى أمامها، فصارت التّالية لها آخرةً، ذكره الطبري والنحاس وابن كثير، و يجوز أن تكون سمّيت آخرةً لتأخّرها عن الخلق كما ذكر الطبري والنحاس.

12: الأقوال في المراد بالمؤمنين في هاتين الآيتين
ثلاثة أقوال:
القول الأول:
الآيتان جميعا في جميع المؤمنين؛ مؤمني العرب ومؤمني أهل الكتاب وغيرهم. (قاله مجاهدٌ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة)
القول الثاني: هما في مؤمني أهل الكتاب. (نقله السّدّيّ عن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وأناسٍ من الصّحابة)
القول الثالث: الآية الأولى في مؤمني العرب، والثانية في مؤمني أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وفيه نزلت.
وهذه الأقوال ذكرها ابن جرير وابن عطية وابن كثير.

اختار ابن جرير القول الثالث، ويستشهد لما قال بقوله تعالى: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه}، وكما أنّ الله صنّف الكافرين إلى صنفين: منافقٌ وكافرٌ، فكذلك المؤمنون صنّفهم إلى عربيٍّ وكتابيٍّ.
أما ابن كثير فرجح القول الأول، لما روي عن مجاهدٍ أنّه قال: « أربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين»، ولأنه لا يصحّ الإيمان بالغيب وإقام الصّلاة والزّكاة إلّا مع الإيمان بما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من قبله من الرّسل والإيقان بالآخرة، وقد أمر اللّه تعالى المؤمنين بذلك.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تجب, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir