دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع (المجموعة الثانية)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 محرم 1443هـ/13-08-2021م, 01:31 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

الجزء الأول (المقدمة السابعة حتى نهاية المقدمة الثامنة)

المقدمة السابعة
قصص القرآن

* تعريف القصة:

- القصة: هى الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها.
- فخرج بقوله: (حادثة غائبة) ما كان من أحوال حاضرة زمن نزول القرآن، مثل وقائع المسلمين مع عدوهم.
- وقصة تجمع على قصص بكسر القاف.
* وأما بفتح القاف فهو اسم للخبر المقصوص، وهو مصدر سمي به المفعول.

* الغاية من القصص القرآنية:
- قال الله تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين).
* فالقصص القرآنية هى أحسن القصص، وقد جاءت موافقه لغرض القرآن.
- ولا تقتصر القصص في القرآن على حصول العبرة والعظة، ولا على التنويه بأصحابها، بل فاقت ذلك بما شملته.
- فقد تعرض القرآن لأشرف مواضيع القصص وأعرض عما عداها تنزيها عن قصد التفكه بها.

* طريقة عرض القرآن للقصص:
- القصص القرآني هو بالخطابة أشبه، فارتقى عما عرف به أسلوب القصاصين الدارج في القصص.
- وجاءت القصص آخذة من أسلوب القرآن وهو أسلوب التذكير والذكر.
- ولم تأتي القصص القرآنية على المعهود من الترتيب المعروف في كتب التاريخ، فلم تكن متتالية متعاقبة في سورة أو سور، بل جاءت مفرقة موزعة على مقامات تناسبها، لتعلق فوائد تلك القصص بذلك التوزيع.
- وسوق القصص في مناسبتها أكسبها صفتين: صفة البرهان وصفة التبيان.

- مميزات القصص القرآنية:
- نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص.
* مثال ذلك قول الله تعال:
(فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون)، فهذه المقالة حكيت في سياق التذكير، وهو أصل حكايتها، ولم تُحكى عند غيره.

- طي ما يقتضيه الكلام، ويدل عليه السياق.
* مثال ذلك قول الله تعالى:
(واستبقا الباب)، فالمطوي هو حضور سيدها وطرقه الباب وإسراع يوسف وإسراع امرأة العزيز لفتح الباب كلٌ لغرضه، فدل على ذلك ما بعده من قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) الآيات.
- سوق القصص في مظان الاتعاظ في إطار الغرض الأصلي للقرآن من تشريع وتفريع.

* فوائد ذكر القصص في القرآن:
- الفائدة الأولى:
- تحدي أهل الكتاب، وتعجيزهم بقطع حجتهم على المسلمين، إذ ذكر القرآن أخبار الأنبياء مع أممهم، وذلك مما علمه الراسخون في العلم من أهل الكتاب،
فانقطعت أمية المسلمين في نظر اليهود، وقطع الله ألسنتهم بوصفهم للمسلمين بالجهل.
* قال تعالى:
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا).
* وهذه فائدة قال عنها المؤلف أنه لم يتعرض لها من قبله من المفسرين.

- الفائدة الثانية: من أدب الشريعة بيان تاريخ الأنبياء حملة الشرع على مر العصور، وفي تلك القصص يركز القرآن على الإيمان وارتباطه بالعناية الإلهية وما هو ضد ذلك، مع عدم التعرض لبيان الأنساب أو البلدان، فالعبرة بالإيمان.
* ومثال ذلك قصة (أصحاب الكهف) فوصفهم بذلك، وكذلك قال أنهم (فتية)، ولما أرسلوا واحدا منهم إلى المدينة لم يسمها.
* وهذه فائدة قال عنها المؤلف أنها فتح من الله له.

- الفائدة الثالثة: ما فيها من فائدة التاريخ من معرفة ترتب المسببات على أسبابها في الخير والشر والتعمير والتخريب لتقتدي الأمة وتحذر، قال تعالى: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) وما فيها من فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وزكاء النفوس وضد ذلك.

- الفائدة الرابعة: تضمنها الموعظة للمشركين ببيان ما حل بالعصاة وما كان للأولياء الصالحين، كما في قصص قوم نوح وعاد وثمود وأهل الرس وأصحاب الأيكة.
* قال الله تعالى: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)،وقال تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).

- الفائدة الخامسة: اتباع أسلوب التوصيف والمحاورة وهو من مبتكرات القرآن في البلاغة العربية، فلم يعهد مثله عند العرب، ولا شك فهو دال على إعجاز القرآن.
* كما في حكاية أحوال الناس في الجنة والنار والأعراف في سورة الأعراف.

- الفائدة السادسة: ذكر قصص الأمم أدى إلى توسيع علم المسلمين وتعريفهم بالأمم قبلهم، وكان العرب يعيشون في جهل أدى إلى اعتمادهم الحس دليلا للتصديق.
* قال الله تعالى: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم).

- الفائدة السابعة: العلم بعظمة الأمم السابقة ومزاياها يدفع عن النفس الغرور، ويبث فيها رغبة الحث على العلم بجوامع الخير واتباعه فبه تتحقق عظمة الأمم الحقيقية.

- الفائدة الثامنة: بث الهمة في نفوس الأمة ليعود لها عزها، ودفع الخمول الذي سيطر على العرب، فرضوا أن يكونوا أتباعا، وصار هم الواحد منهم دنيويا بحت.

- الفائدة التاسعة: معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة، وأنه لا نصر إلا من عنده، وأن الأخذ بوسيلتي البقاء: من الاستعداد والاعتماد؛ يسلم المؤمنين من تسلط غيرهم عليهم.
* قال الله تعالى:
(فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).

- الفائدة العاشرة: ترتب فوائد أخرى عليها كالفوائد المدنية المتعلقة بكل قصة وأحداثها، كما في قول الله تعالى: (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) في قراءة من قرأ (دين) بكسر الدال، أي في شرع فرعون يومئذ، فعلمنا أن شريعة القبط كانت تخول استرقاق السارق.
* وكما في قول الله تعالى:
(وابعث في المدائن حاشرين) و (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) أن نظام مصر في زمن موسى إرسال المؤذنين والبريح بالإعلام بالأمور المهمة.


* تكرار القصة الواحدة في عدة سور:
- إذا كانت القصة الواحدة يقع المقصود منها عند أول ذكر لها، فلمَ تتكرر في عدة سور.
- وذلك التكرار يدلف منه البعض إلى الإلحاد في القرآن بحجة عدم فصاحة الكتاب.
- ورد هذه الشبهة أن القصص تُذكر باستجلاب المناسبات لها، فالقصة كالبرهان على الغرض المسوقة هى معه.
- ولا يعد ذلك تكرارا لها لاختلاف المناسبات.

* الحكمة من تكرار ذكر القصة :
- أحدها:رسوخها في الأذهان بتكريرها.
- الثاني:ظهور البلاغة، فالقصة تذكر في كل مرة بطرق مختلفة من الأداء وتتنوع ألفاظها وتراكيب الجمل وتتنوع المحسنات البديعية المعنوية واللفظية فيها بما يبلغ بها الحد الأقصى في البلاغة.
- الثالث:أن يسمع اللاحقون من المؤمنين في وقت نزول القرآن ذكر القصة التي كانت فاتتهم مماثلتها قبل إسلامهم أو في مدة مغيبهم، فإن تلقي القرآن عند نزوله أوقع في النفوس من تطلبه من حافظيه.
- الرابع:أن جمع المؤمنين جميع القرآن حفظا كان نادرا بل تجد البعض يحفظ بعض السور فيكون الذي حفظ إحدى السور التي ذكرت فيها قصة معينة عالما بتلك القصة. كعلم من حفظ سورة أخرى ذكرت فيها تلك القصة.
- الخامس:أن تلك القصص تختلف حكاية القصة الواحدة منها بأساليب مختلفة ويذكر في بعض حكاية القصة الواحدة ما لم يذكر في بعضها الآخر.

- من أسباب تنوع الأساليب وتفاوت ذكر أحداث القصة بسطا وإيجازا فيما ذكرت فيه من سور:
- تجنب التطويل في الحكاية الواحدة فيقتصر على موضع العبرة منها في موضع دون آخر، فيحصل من متفرق مواضعها في القرآن كمال المقصود منها، وفي بعضها ما هو شرح لبعض.
- أن يُذكر من القصة ما يكون مناسبا لحال السامع، وملائمة السياق، فالقصة الواحدة تساق في خطاب إلى المشركين، وتارة إلى أهل الكتاب.
* ومثاله: قصة موسى بسطت في سورة طه، وسورة الشعراء، وأوجزت في آيتين في سورة الفرقان.
- وقد يقصد تارة التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة، وتارة لا يقصد ذلك
.



المقدمة الثامنة
في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها


* علاقة مواد هذه المقدمة بالتفسير:
- اسم القرآن وآياته وسوره له ارتباط وثيق بعلم التفسير، لأن ما يتحقق فيه في موضع ينتفع به في المواضع المشابهة.

* تعريف القرآن:
- هو ما أوحاه الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.
- وهو الكلام المأمور ببلاغه إلى الأمة بلفظه العربي المنزل به، لتتلى آياته على وجه التعبد بها، ويُعمل بما فيها.
- وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولاها سورة الفاتحة وأخراها سورة الناس.
- خاطب الله به العرب ابتداءا لنزوله فيهم، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور منه أو بسورة فعجزوا، فقامت عليهم الحجة بإعجازه أن يأتوا بمثله.
* كما قال الله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار).
- وهو آية على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلق.
- وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل نبي معجزات هى دليل صدق ما جاء به.
- قال صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة).
*وفي هذا الحديث معان جليلة شرحها المؤلف في تعليقه على صحيح البخاري المسمى "النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح
".

* أسماء القرآن:
-
أشهر أسماء القرآن: القرآن، وبقية أسمائه أصلها أوصاف أو أجناس.
- أوصل السيوطي أسمائه إلى نيف وعشرين اسما.
- وأشهر أسمائه ستة: التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي، وكلام الله
.
تعليق: (اعتبر المؤلف أن للقرآن ستة أسماء، وشرع في بيان أصلها ووجه تسمية القرآن بها)

- اسم (القرآن):
- وهو اسم علم دال على الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
- ولم يسبق أن أطلق على غيره قبله.
- وهو أشهر أسمائه وأكثرها ورودا في آياته وأشهرها دورانا على ألسنة السلف
.

- اشتقاق الاسم:

- قيل في اشتقاقه قولان:
- القول الأول: أن اسم القرآن مشتق من القراءة، لأن أول ما بدئ به الوحي (اقرأ باسم ربك).
- القول الثاني: أنه ليس بمشتق بل هو اسم علم جامد، كما سمي الإنجيل إنجيلا.

- وزن لفظة (القرآن):
- ورد في وزنه قولان:
- الأول: قيل هو على وزن فعلان، كما في زنة أسماء المصادر: غفران، وفي الأسماء بزيادة الألف والنون مثل عثمان.
* واسم القرآن يصلح للاعتبارين.
- الثاني: أنه على وزن فعال، من القرن بين الأشياء أي الجمع بينها لأنه قرنت سوره بعضها ببعض وكذلك آياته وحروفه.
* وهناك من زعم أن قران جمع قرينة أي اسم جمع، إذ لا يجمع مثل قرينة على وزن فعال في التكثير فإن الجموع الواردة على وزن فعال محصورة ليس هذا منها.
* والقرينة العلامة، قالوا لأن آياته يصدق بعضها بعضا فهي قرائن على الصدق
.

- القراءات للفظ (القرآن):
- همزة القرآن أصلية، قد اتفق أكثر القراء على قرائتها بالهمز في الآيات.
- ولم يخالفهم إلا ابن كثير قرأه بفتح الراء بعدها ألف على لغة تخفيف المهموز وهي لغة حجازية.
* وقراءة ابن كثير جارية على أنه اسم آخر لكتاب الله، لا أنه مشتق من القراءة.
- والأصل توافق القراءات في مدلول اللفظ المختلف في قراءته.

- اسم (الفرقان):
-الفرقان هو في الأصل اسم لما يفرق به بين الحق والباطل وهو مصدر.
- وأطلق على القرآن وعلى غيره، فإطلاقه على القرآن في قول الله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده).
* وقد وصف يوم بدر بيوم الفرقان.
- وقد جعل هذا الاسم علما على القرآن بالغلبة مثل التوراة على كتاب موسى، والإنجيل على ما أوحي لعيسى.

- دلالة الآيات على اسم الفرقان:
- علم أن الفرقان اسما للكتاب من قول الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) إلى قوله: (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان) فوصفه أولا بالكتاب وهو اسم الجنس العام ثم عبر عنه باسم الفرقان عقب ذكر التوراة والإنجيل وهما علمان ليعلم أن الفرقان علم على الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
.

- وجه تسمية القرآن بالفرقان:

- أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل.
- مثال في معنى كون القرآن فرقانا: جمعه أوصاف الكمال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، أما في التوراة والإنجيل فقد وصفهم كما قال الله تعالى: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).

- وأحكام القرآن مبرأة من اللبس بعيدة عن تطرق الشبهة، كما تجد في قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا).
* فلا تجد ما يفيد هذا المعنى في التوراة والإنجيل، ولذا كان القرآن مهيمنا على الكتب السابقة.

- اسم (التنزيل):

- هو مصدر نزل، أطلق على المنزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء.
- قال الله تعالى: (تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون)،وقال تعالى: (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين).

- اسم (الكتاب):
- الكتاب أصله اسم جنس مطلق ومعهود.
- فباعتبار عهده أطلق على القرآن كثيرا قال الله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وقال تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب).

- تسمية القرآن الكتاب:
- سمي كتابا لأن الله جعله جامعا للشريعة فأشبه التوراة التي كتبت في زمن موسى، وأشبه بالإنجيل الذي كتبه أصحاب عيسى من بعده ولم يكتب في زمنه.
- ولأن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بكتابة كل ما أنزل عليه ليكون حجة على الذين يدخلون في الإسلام ولم يتلقوه بحفظ قلوبهم.

- دلالة اسم (الكتاب) على كونه معجزة:
- وفي هذه التسمية معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما أوحي إليه سيكتب في المصاحف قال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها) .
- كتبة الوحي:
- اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه كتابا يكتبون ما أنزل إليه.
- ومن أولهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان.
- وقد طابق المحفوظ في الصدور ما حفظته السطور، يوم جمع أبي بكر للمصحف.

- اسم (الذكر):
- وأما الذكر فقال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) أي لتبينه للناس.
- وذلك أنه تذكير بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به
.

- اسم (الوحي):

- قال الله تعالى: (قل إنما أنذركم بالوحي).
- ووجه هذه التسمية أنه ألقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك .

- تسمية إلقاء القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وحيا:
- لأنه يترجم عن مراد الله تعالى فهو كالكلام المترجم عن مراد الإنسان، ولأنه لم يكن تأليف تراكيبه من فعل البشر
.

- اسم (كلام الله):

- قال الله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)
.
- واعلم أن أبا بكر رضي الله عنه لما أمر بجمع القرآن وكتابته كتبوه على الورق فقال للصحابة، أن التمسوا اسما، وكره تسميته بالإنجيل والسفر من أجل النصارى واليهود.
- وقال عبد الله ابن مسعود
: رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه مصحفا يعني أنه رأى كتابا غير الإنجيل.

* آيات القرآن:
- تعريف الآية:
- هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا.
* ومعنى قول المؤلف: (ولو تقديرا): ليشمل المحذوف الذي يقدر في الآيات مثل قول الله تعالى: (مدهامتان)،
والتقدير: هما مدهامتان، ومثل: (والفجر) والتقدير: أقسم بالفجر.
* ومعنى قول المؤلف: (أو إلحاقا): لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة.
* حيث عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا: آلر، وآلمر، وطس، وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة ولا يظهر فرق بينها وبين غيرها.

- سبب تسمية الآية بهذا الاسم:
- تسمية الأجزاء والجمل بالآيات من مبتكرات القرآن.
- قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) .
- وسميت بذلك:
* لدلالتها على أنها موحى بها من عند الله، لاشتمالها على الحد الأعلى في بلاغة الكلام.
* ولأن وقوعها مع غيرها من الآيات جعلت دليلا على أن القرآن منزل من عند الله وليس من تأليف البشر.

- اختصاص القرآن بتسمية الآيات:
- جمل التوراة والإنجيل لا يحق أن تسمى آيات لعدم خصوصيتها بما خُص به القرآن من البلاغة ووجوه الإعجاز.
- وما ورد في حديث رجم اليهوديين: (آية الرجم) فهو من تغليب الراوي، حيث لم يجد اسما يعبر به عنها، فقدرها بالآية كمشاكلة لما في القرآن.

- مقادير الآيات من حيث الابتداء والانتهاء:
- مقادير الآيات مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علمه الصحابة، وقد تختلف الرواية في بعض الآيات.
- والآيات المختلف في روايتها محمولة على التخيير في تعيين منتهاها ومبتدأ ما بعدها.
- وقد جاء تحديد عدد آيات بعض السور مثل: ما ورد في الحديث أن فاتحة الكتاب السبع المثاني أي السبع الآيات.
* وفي الحديث (من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران) أولها قول الله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
- وكانت الآيات تقدر أحيانا بما تستغرقه تلاوتها من زمن كما ورد في حديث سحور النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان بينه وبين طلوع الفجر مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية
.
- قال أبو بكر ابن العربي وتحديد الآية من معضلات القرآن، فمن آياته طويل وقصير، ومنه ما ينقطع ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام، وقال الزمخشري الآيات علم توقيفي
.
- لا يبعد أن يكون تعيين مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها وأمارته وقوع الفاصلة
.

- فواصل الآيات:
- تعريف الفواصل:

- الفواصل هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها وتكرر في السورة تكررا يؤذن بأن تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم في آيات كثيرة متماثلة، تكثر وتقل، وأكثرها قريب من الأسجاع في الكلام المسجوع.
-
والعبرة فيها بتماثل صيغ الكلمات من حركات وسكون وهي أكثر شبها بالتزام ما لا يلزم في القوافي.

- مواقع الفواصل:
-
الفواصل كلها منتهى آيات ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتم فيه الغرض المسوق إليه.
- وإذا انتهى الغرض المقصود من الكلام ولم تقع عند انتهائه فاصلة لا يكون منتهى الكلام نهاية آية إلا نادرا كقوله تعالى: (ص * والقرآن ذي الذكر) فهذا المقدار عد آية وهو لم ينته بفاصلة، ومثله نادر.

- فواصل الآيات في أوائل السور:

- فواصل الآيات الواقعة في أول السورة مثل قول الله تعالى: (ص* والقرآن ذي الذكر) أقيمت على حرف مفتوح بعده ألف مد بعدها حرف، مثل
: شقاق، مناص، كذاب، عجاب.
- ومن الفواصل ما بني على حرف مضموم مشبع بواو.
- ومنها ما بني على حرف مكسور مشبع بياء ساكنة، وبعد ذلك حرف، مثل (أنتم عنه معرضون) (إذ يستمعون) (نذير مبين) (من طين)
.
فلو انتهى الغرض الذي سيق له الكلام وكانت فاصلة تأتي بعد انتهاء الكلام تكون الآية غير منتهية ولو طالت، كقوله تعالى: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك) إلى قوله: (وخر راكعا وأناب) فهذه الجمل كلها عدت آية واحدة
.

- دلالة الفواصل على إعجاز القرآن:

- الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز لأنها ترجع إلى محسنات الكلام وهي من جانب فصاحة الكلام فمن الغرض البلاغي الوقوف عند الفواصل لتقع في الأسماع فتتأثر نفوس السامعين بمحاسن ذلك التماثل، كما تتأثر بالقوافي في الشعر وبالأسجاع في الكلام المسجوع.
*مثال ذلك قول الله تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) آية (في الحميم ثم في النار يسجرون) آية (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون) آية (من دون الله) إلى آخر الآيات. فقوله: (في الحميم) متصل بقوله: (يسحبون) وقوله: (من دون الله) متصل بقوله: (تشركون) وينبغي الوقف عند نهاية كل آية منها
.

- الوقف عند رؤوس الآي:
- هو سنة كما ذكر أبو عمرو ونقله السيوطي في الإتقان.
- وقال البيهقي في شعبه: الأفضل الوقف على رؤوس الآيات وان تعلقت بما بعدها اتباعا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
- وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) ثم يقف (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف (الرحمن الرحيم) ثم يقف
. سنن أبي داود.
- واتباع السنة في الوقف عند رؤوس الآي سنة ، كما قال ابن العربي والزمخشري.
- وضبط هذا الأمر ينع الناظر وإن شذ ما شذ، فإنا نجد بعض السور افتتحت بالحروف امقطعة وفد عد بعضها آيات مثل ( الم) ، و(عسق).

- تفاوت مقادير كلمات الآيات:

-آيات القرآن متفاوتة في مقادير كلماتها فبعضها أطول من بعض ولذلك فتقدير الزمان بها في قولهم: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية مثلا، تقدير تقريبي.
- وتفاوت الآيات في الطول تابع لما يقتضيه مقام البلاغة من مواقع كلمات الفواصل على حسب ما قبلها من الكلام
.
- وأطول آية قوله تعالى:
)هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) إلى قوله: (وكان الله بكل شيء عليما) في سورة الفتح، وقوله: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) إلى قوله: (لو كانوا يعلمون) في سورة البقرة ودونهما قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم)إلى قوله: (إن الله كان غفورا رحيما) في سورة النساء.
- وأقصر آية في عدد الكلمات قوله تعالى: (مدهامتان). في سورة الرحمن وفي عدد الحروف المقطعة قوله: (طه)
.
- وأما وقوف القرآن فقد لا تساير نهايات الآيات، ولا ارتباط لها بنهايات الآيات فقد يكون في آية واحدة عدة وقوف كما في قوله تعالى: (إليه يرد علم الساعة) وقف (وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) وقف (ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد) وقف ومنتهى الآية في سورة فصلت.
.

- عدد آيات القرآن:
- اختلف السلف في عدد آيات القرآن بناء على الاختلاف في نهاية بعضها، فقد يكون بعض ذلك عن اختلاف في الرواية ،وقد يكون بعضه عن اختلاف الاجتهاد
.
- وأجمع السلف على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية، واختلفوا فيما زاد على ذلك.
* فمنهم من لم يزد ،ومنهم من قال مائتين وأربع آيات، وقيل وأربع عشرة، وقيل وتسع عشرة، وقيل وخمسا وعشرين، وقيل وستا وثلاثين، وقيل وستمائة وست عشرة
.كما ذكر أبو عمرو الداني في كتاب العدد.
- وقد كان عدد آي السور معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: وروى محمد بن السائب عن ابن عباس أنه لما نزلت آخر آية وهي قوله تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) الآية قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ضعها في رأس ثمانين ومائتين من سورة البقرة.
- واستمر العمل بعد الآي في عصر الصحابة، ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) الآية
.

- الأقوال في عد البسملة آية:
- قال المازري في شرح البرهان، قال مكي بن أبي طالب:
- أجمع أهل العدد من أهل الكوفة والبصرة والمدينة والشام على ترك عد البسملة آية في أول كل سورة.
- واختلفوا في عدها وتركها في سورة الحمد لا غير.
- وعدها آية الكوفي والمكي ولم يعدها آية البصري ولا الشامي ولا المدني.
- وقال المؤلف أن عدها آية في المدني أكثر من الكوفي.

- العد المدني:

-لأهل المدينة عددان، يعرف أحدهما بالأول ويعرف الآخر بالأخير.
- ومعنى ذلك أن الذين تصدوا لعد الآي بالمدينة من أئمة القراء هم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبو نصاح شيبة بن نصاح، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وإسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري، وقد اتفق هؤلاء الأربعة على عدد وهو المسمى بالعدد الأول.
- ثم خالفهم إسماعيل بن جعفر بعدد انفرد به وهو الذي يقال له العدد الثاني، وقد رأيت هذا ينسب إلى أيوب ابن المتوكل البصري المتوفي سنة 200
.

- العد المكي:
-لأهل مكة عدد واحد، وربما اتفقوا في عدد آي السورة المعينة، وربما اختلفوا.

- الاختلاف في عد الآي:
- وقد يوجد اختلاف تارة في مصاحف الكوفة والبصرة والشام، كما نجد في تفسير المهدوي وفي كتب علوم القرآن.
* ولذلك تجد المفسرين يقولون في بعض السور عدد آيتها في المصحف الفلاني كذا.

- ترتيب الآي:
- ترتيب الآيات توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب ما نزل به الوحي.
- ترتيب الآيات في السور مما يدخل في وجوه إعجاز القرآن ولو وقع التغيير في ترتيب الآيات لفات ذلك حد الإعجاز.
- وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم للآيات بترتيبها في السور موافقة:
* لما في مصاحف المسلمين اليوم.
* ولروايات الحفاظ من الصحابة عن العرضات الاخيرة، وما قرأ به لنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية.
* وكذلك لكتابة زيد بن ثابت للمصحف بأمر أبي بكر رضي الله عنه حين جمع القرآن.
- والاعتماد على الحفظ لا على الكتابة، إنما كتبوه للمراجعة في حال النسيان او الشك ولم يقع ذلك.
- وعند جمع أبي بكر للقرآن لم يؤثر عن الصحابة تردد في ترتيب الآيات أو إنكار أو اختلاف.

- المناسبة بين الآيات:
- اتساق الحروف واتساق الآيات واتساق السور كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك يستدعي المناسبة بين السابق واللحق من الآيات، وسواء ظهرت المناسبة أم لم تظهر فلا يتكلفها المفسر.
- ومما يدلل على وجود المناسبة بين الآيات نظم الكلام وأسلوبه وما استعمل من أدوات تفيد اتصال المعاني ووجود مناسبة وعلاقة بين الآيات
.
- ولا يعني وجود مناسبة بين الآيات اتصال اللاحق بالسابق من الآيات في النزول أو مجيئه بترتيب التلاوة.
* فقد اتفق على أن قول الله تعالى: (غير أولي الضرر) نزل بعد نزول ما قبله وما بعده من قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون)
إلى قوله: (وأنفسهم).
- ويندر أن يكون موقع الآية عقب التي قبلها لأجل نزولها عقب التي قبلها من سورة هي بصدد النزول فيؤمر النبي بأن يقرأها عقب التي قبلها.
* وهذا كقوله تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) عقب قوله: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) في سورة مريم، فقد روي أن جبريل لبث أياما لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بوحي، فلما نزل بالآيات السابقة عاتبه النبيء، فأمر الله جبريل أن يقول: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) فكانت وحيا نزل به جبريل، فقرئ مع الآية التي نزل بأثرها.

- وبعض الآيات فيها جمل لا يكون لها مناسبة بما سبقها إنما كان وجودها لغرض آخر اقتضى ذكرها
.
- وقد لا يكون ثم مناسبة إلا سبب مقتضى في ذلك مثل قول الله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) فهذه الآيات نزلت في سورة القيامة في خلال توبيخ المشركين على إنكارهم البعث ووصف يوم الحشر وأهواله، وليست لها مناسبة بذلك ولكن سبب نزولها حصل في خلال ذلك كما روى البخاري.
- وعدم ظهور المناسبة لا يجب أن يوقع المفسر في حيرة، فبعض الآيات لا يكون بينها مناسبة.
*وهذا كقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات) إلى قوله: (ما لم تكونوا تعلمون) بين تشريعات أحكام كثيرة في شؤون الأزواج والأمهات.
-
وبالنظر لغرض القرآن الإصلاحي فإنه يستدعي أن تكون الآية مستقلة في دلالتها على الغرض، ولو شئنا لعبرنا عن ذلك بقول أن كل آية يمكن تصلح أن تكون كقاعدة مستقلة.
- وكلام الزركشي الذي نقله ابن عاشور يؤخذ منه تطلب مناسبة بين الآيات، وإن كانت الآية تبدو مستقلة، فإنه ثم علاقة بينها وبين ما سبقها.
- والذي ذهب إليه ابن عاشور أن ووجود الجمل المعترضة لا يعني انتفاء المناسبة بين الآيات.

- وقوف القرآن:
- تعريف الوقف:
- الوقف هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة.
- والوقف عند انتهاء جملة من جمل القرآن قد يكون أصلا لمعنى الكلام فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف.
* مثل قوله تعالى: (وكأين من نبيء قُتل معه ربيون كثير) فإذا وقف عند كلمة (قتل) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتلهم قومهم وأعداؤهم. ومع الأنبياء أصحابهم فما تزلزلوا لقتل أنبيائهم فكان المقصود تأييس المشركين من وهن المسلمين على فرض قتل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته. على نحو قوله تعالى في خطاب المسلمين: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) الآية، وإذا وصل قوله: (قتل) عند قوله: (كثير) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتل معهم رجال من أهل التقوى فما وهن من بقي بعدهم من المؤمنين وذلك بمعنى قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) إلى قوله: (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
.

- مناهج العلماء في تقسيم الوقف:
- ويرى المؤلف أنه لا تجد في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري في أرجوزته.
- وينقسم الوقف إلى أكيد حسن ودونه، وهو تقسيم باعتبار المعنى.
- وبعض العلماء استحسن الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى سكتا.
* والسكت هو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف.

- فائدة الوقف:
- التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات.
* ومثال ذلك قول الله تعالى: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا) فإذا وقف على (قواريرا) الأول كان (قوارير) الثاني تأكيدا لرفع احتمال المجاز في لفظ (قواريرا)، واذا وقف على (قوارير) الثاني كان المعنى الترتيب والتصنيف.

- العناية بالوقف عند السلف والخلف:
-
لم يشتد اعتناء السلف بتحديد أوقاف القرآن لظهور أمرها.
- ومن احتج بوجوب ضبط أوقاف القرآن بكلام روي عن عبد الله بن عمر ليس واضحا كدليل على ذلك.
- وكان اعتناء السلف بفواصل القرآن التي هى مقاطع آياته.
- تعليق: ولما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بوقوفه عند رؤوس الآي.
- كما أن وضوح اللغة العربية وسياق الكلام يمنع من الوقوع في الفهم الخاطئ، فقول الله تعالى: (يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) لو وقف القاري على قوله: (الرسول) لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله: (وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) تحذير من الإيمان بالله، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله
: (ربكم) فهل يحذر أحد من الإيمان بربه.
- وكذلك قوله تعالى: (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها) فإن كلمة (بناها) هي منتهى الآية والوقف عند (أم السماء)
ولكن لو وصل القارئ لم يخطر ببال السامع أن يكون (بناها) من جملة (أم السماء) لأن معادل همزة الاستفهام لا يكون إلا مفردا.
- وعند دخول الكثيرون في الإسلام ممن ليسوا من أهل اللسان، توجه اعتناء أهل القرآن إلى ضبط وقوفه تيسيرا لفهمه على قارئيه.
- فظهر الاعتناء بالوقوف وروعي فيها ما يراعى في تفسير الآيات فكان ضبط الوقوف مقدمة لما يفاد من المعاني عند واضع الوقف
.
- وأشهر من تصدى لضبط الوقوف أبو محمد بن الأنباري، وأبو جعفر بن النحاس، وللنكزاوي أو النكزوي كتاب في الوقف ذكره في الإتقان، واشتهر بالمغرب من المتأخرين محمد بن أبي جمعة الهبطي المتوفي سنة 930.

* سور القرآن:

- تعريف السورة:
- هى قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران، لها اسم مخصوص.
- تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة.
* وتعيين حد السورة بثلاث آيات مأخوذ من استقراء سور القرآن مع حديث عمر حين جاء الحارث بن خزيمة – أو الحارث أبو خزيمة- بالآيتين من آخر سورة براءة- فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله. فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما منه، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة إلخ، فدل على أن عمر ما قال ذلك إلا عن علم بأن ذلك أقل مقدار سوره
.
- غرض السورة ناشئ عن أسباب النزول، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة.
- وهذا الاسم (السورة) من مصطلحات القرآن وقد شاع عند العرب حتى المشركين منهم.

- دلالة القرآن على تسمية السورة:
- قال الله تعالى: (فأتوا بعشر سور مثله) وقال تعالى: (فأتوا بسورة من مثله)، وقد وقع التحدي بعد نزول السور الأول، وقد عُلم المراد بالسورة.
- جاء في القرآن تسمية سورة النور باسم سورة في قوله تعالى: (سورة أنزلناها) أي هذه سورة.
- ولم تكن أجزاء التوراة والإنجيل والزبور مسماة سورا عند العرب في الجاهلية ولا في الإسلام.

- وجه التسمية بالسورة:
- قيل أن الاسم مأخوذ من السور بضم السين وتسكين الواو وهو الجدار المحيط بالمدينة، وزيدت الهاء مراعاة لمعنى القطعة من الكلام.
- وقيل مأخوذ من السؤر بهمزة بعد السين وهو البقية مما يشرب الشارب بمناسبة أن السؤر جزء مما يشرب، ثم خففوا الهمزة بعد الضمة فصارت واوا.
- وترك الهمز في (سورة) هو لغة قريش ومن جاورها، وأما الهمز فهو لغة تميم، وليست إحدى اللغتين بدالة على أن أصل الكلمة من المهموز أو المعتل، لأن للعرب في تخفيف المهموز وهمز المخفف من حروف العلة طريقتين. ذكره ابن عطية.
* قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس مهموزا كما قالوا رثأت الميت ولبأت بالحج وحلأت السويق بالهمز
.
- وجمع سورة: سور بتحريك الواو كغرف، ونقل في شرح القاموس عن الكراع أنها تجمع على سور بسكون الواو
.

- تسوير القرآن (أي جعله سورا):
- تسوير القرآن من السنة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حيث قُسم القرآن إلى مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها، ولم يخالف في ذلك إلا ابن مسعود لعد إثباته المعوذتين في مصحفه، وأثبت القنوت في صلاة الصبح على أنه سورة من القرآن سماها سورة الخلع والخنع، وجعل سورة الفيل وسورة قريش سورة واحدة، وذلك بناء على فهمه من نزول القرآن.
- تعليق: اعتمد بعض الصحابة تسمية السور وكتابتها في مصحفهم الخاص على فهمهم من نزول القرآن.
- ولم يتوفى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن مسوراً سورا معينة، كما دل حديث اختلاف عمر وهشام بن حكيم في آيات من سورة الفرقان.
- ويدل له قول ابن مسعود في سور بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء (هن من العتاق الأول وهن من تلادي).
- فائدة تسوير القرآن:
- قال الزمخشري في تفسير قول الله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله):
*
إن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن وأنبل من أن يكون بيانا واحدا.
*وأن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه.

- حفظ عدد سور القرآن ومقاديرها من الآيات:
- لم يحفظ ما يفيد اختلاف جمهور الصحابة في عدد سور القرآن حين جمعوه، وأنها مائة وأربع عشرة سورة.
- وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت الآية يقول: (ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا) مروي عن ابن عباس ورواه أصحاب السنن.
- والسور كانت معلومة المقادير منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث حفظت عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة حيث ورد في السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة سورة كذا وسورة كذا، وفي عرض القرآن علمت منه سور القرآن.
- فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عزا ابن عطية إلى مكي بن أبي طالب وجزم به السيوطي في الإتقان، وبذلك يكون مجموع السورة من الآيات أيضا توقيفيا.
- تعليق: ترتيب الآيات في السورة توقيفيا.
- ومما يدل على معلومية السور زمن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صلاة الكسوف، وفي الحديث الآخر لما سئل صلى الله عليه وسلم رجلا: (ما معك من القرآن؟) قال: سورة كذا وسورة كذا.... .

- ترتيب سور القرآن توقيفي أم اجتهادي:
- وقال الباقلاني أنه يحتمل أن يكون توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون اجتهاد من الصحابة.
* وإن كان ابن عطية نقل عن الباقلاني الجزم بأنه اجتهاد إذ قال أنه من وضع زيد بن ثابت بمشاركة عثمان.
- والذي ظهر عند ابن عطية من الأثر أن بعض السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وبعضها وقع في ترتيبه الاجتهاد عند كتابة المصحف.
- وذهب أبو عمر الداني أن ترتيب الآيات في السور، وترتيب السور بعضها إثر بعض توقيفي.
- والجمهور أن كثيرا من السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعليق: فيمكن أن نقول أن ترتيب السور جمع بين التوقيف والاجتهاد.
- واستدل عياض في الإكمال على كون ترتيب السورة وقع باجتهاد الصحابة حين كتبوا المصحف ، ودليله حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة.والحديث في صحيح مسلم.
- وقال بالاجتهاد أيضا مالك وجمهور العلماء.
- وجاء في تفسير شمس الدين محمود الشافعي أن التواتر يجب أن يكون في أصل القرآن وأجزائه ووكذلك في محله ووضعه وترتيبه، وضعف قول من لم يشترط التواتر في محله ووضعه وترتيبه.

- قول ابن عاشور في ترتيب السور:
- ذهب المؤلف إلى أن عدداً من السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفق ترتيبها في مصحف اليوم، المجموع في زمن أبي بكر، والمتفق عليه في زمن عثمان رضي الله عنهما.
- وقال أن سور المفصل كانت هى آخر القرآن وكانت السنة القراءة في بعض الصلوات بطوال المفصل وبقصاره وبمتوسط، وأن السبع الطوال فهم أول القرآن وكانت مرتبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعليق: وعلى هذا فإن ما عدا تلك السور قد يكون وقع فيه الاجتهاد.
- وقال أن زيد وعثمان وهما من أكبر حفاظ القرآن توخيا ما استطاعا ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للسور، وزيد كان ممن لازم النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياته في المدينة، ولم يتردد في ترتيب سور القرآن وفق ما قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم عند نسخ المصاحف في زمن عثمان.

- جمع القرآن وسوره:
- كان عدد من الصحابة قد جمع القرآن كله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم : زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وعبد الله بن عمر، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وسعد بن عبيد، ومجمع بن جارية، وأبو موسى الأشعري.
- وقد حفظ كثير من الصحابة أكثر القرآن على تفاوت بينهم
.
- وحين جمع
القرآن في خلافة أبي بكر لم يجمع في مصحف مرتب وإنما جعلوا لكل سورة صحيفة مفردة ولذلك عبروا عنها بالصحف.
- وصارت الصحف إلى عمر بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنهما ومن بعد عمر صارت عند ابنته حفصة، وحين أراد عثمان جمع القرآن في مصحف واحد نسخ تلك الصحف في مصحف واحد، ثم رد الصحف إلى حفصة.
- والصحيح أن جمع القرآن في زمن أبي بكر كان في مصحف واحد. كما ذكر ابن حجر في فتح الباري.

- ترتيب السور في مصاحف الصحابة:

-قد يوجد في آي من القرآن ما يقتضي سبق سورة على أخرى مثل قوله في سورة النحل: (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) يشير إلى قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الآية من سورة الأنعام فدلت على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل، وكذلك هي مرتبة في المصحف.
- وقد ثبت أن آخر آية نزلت آية في سورة البقرة أو في سورة النساء أو في براءة، وثلاثتها في الترتيب مقدمة على سور كثيرة.
- فالمصاحف الأولى التي كتبها الصحابة لأنفسهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة في ترتيب وضع السور
.
- وممن كان له مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.
- وروي أن أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة.
- قال في الإتقان: إن من الصحابة من رتب مصحفه على ترتيب النزول أي بحسب ما بلغ إليه علمه وكذلك كان مصحف علي رضي الله عنه وكان أوله (اقرأ باسم)، ثم المدثر، ثم المزمل، ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني.
- ومنهم من رتب على حسب الطول والقصر وكذلك كان مصحف أبي وابن مسعود فكانا ابتدأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وعلى هذه الطريقة أمر عثمان رضي الله عنه بترتيب المصحف المدعو بالإمام
.

- سبب عدم الفصل بين سورتي الأنفال والتوبة بالبسملة:
- عن ابن عباس أنه سأل عثمان عن الجمع بين الأنفال وهى من المثاني وبراءة وهى من المئين في السبع الطوال ولم يكتب بينهما البسملة، فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: (ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم فوضعتهما في السبع الطوال) أخرجه الترمذي وأبي داود.
- وهو صريح في أنهم جعلوا علامة الفصل بين السور كتابة البسملة.
- والراجح عند الصحابة أن براءة سورة مستقلة لكنهم لم يجزموا بذلك، فلم يكتبوا قبلها البسملة.

- سبب تقديم سورة آل عمران على سورة النساء في المصحف الإمام:
- اتباعا لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة آل عمران قبل سورة النساء يرجع للاحتمالات التالية:
1. لأنها سبقتها في النزول.
2.أو مراعاة للمناسبة بينهما في الافتتاح بكلمة ( الم).
3.أو لوصفهما وصفا واحدا: ( اقرءوا الزهراوين) وذكر فضلهما، أو لما في حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما ثلاثة أمثال) الحديث
.

- اعتبار الطول والقصر في السور:
- اعتبار الطول والقصر في السور مراعى فيه عدد الآيات لا عدد الكلمات والحروف.

- ترتيب السور المكية والمدنية في المصحف:
- الاختلاف بين الصحابة في تعيين المكي والمدني من سور القرآن خلاف ليس بكثير.
- ترتيب المصحف تخللت فيه السور المكية والمدنية.
- وأما ترتيب نزول السور المكية ونزول السور المدنية ففيه ثلاث روايات، إحداها رواية مجاهد عن ابن عباس، والثانية رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، والثالثة لجابر بن زيد.
- ولا يصح إلا اعتماد رواية ابن عباس ولا يكون إلا عن ابن عباس، وهي التي اعتمدها الجعبري في منظومته التي سماها تقريب المأمول في ترتيب النزول وذكرها السيوطي في الإتقان وهي التي جرينا عليها في تفسيرنا هذا
.

- مخالفة ترتيب المصحف في القراءة:
- ولا بأس بالقراءة على غير ترتيب المصحف فقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة.مروي عن حذيفة في صحيح مسلم.
- ويدل أيضا لذلك ما روي في البخاري من حديث عائشة لما سئلت أن يُرى مصحفها فقالت: ( وما يضرك أية آية قرأت قبل..).
- قال ابن بطال: (لا نعلم أحدا قال بوجوب القراءة على ترتيب السور في المصحف بل يجوز أن تقرأ الكهف قبل البقرة، وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكسا، فالمراد منه أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها.
– قال ابن عاشور، ويمكن حمل النهي على الكراهة.

- أسماء السور والمقصد من تسميتها:
- أسماء السور توقيفية، إذ جعلت لها من عهد نزول الوحي.
- وقصد بتسمية السورة تيسير مراجعتها وتذكرها، وتميزيها عن غيرها.

- أصل أسماء السور:
- أن تكون بالوصف كقولهم السورة التي يذكر فيها كذا، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا نزلت الآية (ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا) .
-ثم شاع الاسم وصار التعويض عنه بسورة ذكر البقرة مثلا، ثم قالوا: سورة البقرة، وذلك بحذف الإضافة وإدخال تقدير أو أنهم لم يقدروا مضافا- وأضافوا السورة لما يذكر فيها لأدنى ملابسة.
- وقد ثبت في صحيح السنة تسمية بعض السور باسمها فيقال سورة البقرة وسورة النجم.
- وأما ما ورد عن أنس مرفوعا: (لا تقولوا سورة البقرة ...) فرده أحمد وقال هو حديث منكر، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، أما ابن حجر فأثبت صحته.
- وهذا المرفوع المروي عن أنس، روي عن ابن عمر مثله ولا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره البيهقي في الشعب، وعمل بما ورد في الأثر الحجاج بن يوسف.
- ومن صحح حديث أنس تأولوه وتأولوا قول ابن عمر أن ذلك كان في مكة إذ قال المسلمون سورة الفيل أوسورة العنكبوت استهزأ بهم المشركون، ولما هاجروا إلى المدينة زال سبب النهي فنسخ، وعلم الناس كلهم معنى التسمية.
- ولم يشتهر عن السلف هذا المنع، وترجم له البخاري في فضائل القرآن باباً، وأخرج أحاديث دلت على تسمية السورة باسم كالبقرة والفتح والنساء، وأن بعضا من هذا كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.
- ولا إشكال في ذكر السورة باسم لها كالبقرة، أو بوصف كأن يقال: السورة التي ذكر فيها كذا.
- وفي حديث غزوة حنين، ورد مناداة العباس للأنصار بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم:( يا أصحاب سورة البقرة).
- والظاهر أن الصحابة سموا بما حفظوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أخذوا لها أشهر الأسماء التي كان الناس يعرفونها بها ولو كانت التسمية غير مأثورة، فقد سمى ابن مسعود القنوت سورة الخلع والخنع ، فتعين أن تكون التسمية من وضعه.

- وقد اشتهرت تسمية بعض السور في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعها وأقرها.

- بم تسمى السور:
- أسماء السور إما أن تكون بأوصافها مثل الفاتحة وسورة الحمد.
- وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره نحو سورة لقمان وسورة يوسف وسورة البقرة.
-وإما بالإضافة لما كان ذكره فيها نحو سورة هود وسورة إبراهيم.
- وإما بالإضافة لكلمات تقع في السورة نحو سورة براءة، وسورة حم عسق، وسورة حم السجدة كما سماها بعض السلف، وسورة فاطر.
- وقد سموا مجموع السور المفتتحة بكلمة حم آل حم وربما سموا السورتين بوصف واحد فقد سموا سورة الكافرون وسورة الإخلاص المقشقشتين
.

- الفصل بين السور في المصحف:
- لم يثبت الصحابة أسماء السور في المصحف، كراهة أن يكتبوا في المصحف ما ليس من القرآن، لكن صاحب الإتقان ذكر أن سورة البينة في مصحف أبي سميت بسورة أهل الكتاب، وهذا يدل عل الإذن بتسمية السور في المصاحف.
- تعليق: وفيه أيضا دليل على جواز تسمية السورة بأكثر من اسم.

- واعتمد الصحابة إثبات البسملة في بداية كل سورة كعلامة على الفصل بين السور.
- واختيار البسملة للفصل بين السور كونها آية من القرآن، وهى تناسب أن يفتتح بها كل سورة.
- تعليق:(فيما عدا براءة).
- وفي عصر التابعين كتبت أسماء السور في المصحف ولم ينكر عليهم ذلك.
- وذكر المازري في شرح البرهان عن الباقلاني أن أسماء السور كتبت بخط آخر لتتميز عن القرآن، وأن البسملة كانت مكتوبة في أوائل السور بخط لا يتميز عن الخط الذي كتب به القرآن
.

- ترتيب الآيات في السورة:
- نزلت آيات القرآن وسوره منجمة، وبعض سوره نزلت جملة واحدة كسور الفاتحة والمرسلات والأنعام.
- وآخر سورة نزلت كاملة كانت براءة لما جاء في حديث البراء بن عازب كما في صحيح البخاري.
- وكانت الآية إذا نزلت أمر النبي صلى الله عليه وسلم الكتبة بوضعها في موضعها من السورة، ولذا في بعض السور آيات مكية وأخرى مدنية باعتبار نزولها.
- وعلم من ذلك أن نهايات السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم/ كما في الحديث: ( من قرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران).


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 ربيع الأول 1443هـ/13-10-2021م, 12:22 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة

الجزء الأول (المقدمة السابعة حتى نهاية المقدمة الثامنة)

المقدمة السابعة

قصص القرآن

* تعريف القصة:

- القصة: هى الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها.
- فخرج بقوله: (حادثة غائبة) ما كان من أحوال حاضرة زمن نزول القرآن، مثل وقائع المسلمين مع عدوهم.
- وقصة تجمع على قصص بكسر القاف.
* وأما بفتح القاف فهو اسم للخبر المقصوص، وهو مصدر سمي به المفعول.

* الغاية من القصص القرآنية:
- قال الله تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين).
* فالقصص القرآنية هى أحسن القصص، وقد جاءت موافقه لغرض القرآن.
- ولا تقتصر القصص في القرآن على حصول العبرة والعظة، ولا على التنويه بأصحابها، بل فاقت ذلك بما شملته.
- فقد تعرض القرآن لأشرف مواضيع القصص وأعرض عما عداها تنزيها عن قصد التفكه بها.

* طريقة عرض القرآن للقصص:
- القصص القرآني هو بالخطابة أشبه، فارتقى عما عرف به أسلوب القصاصين الدارج في القصص.
- وجاءت القصص آخذة من أسلوب القرآن وهو أسلوب التذكير والذكر.
- ولم تأتي القصص القرآنية على المعهود من الترتيب المعروف في كتب التاريخ، فلم تكن متتالية متعاقبة في سورة أو سور، بل جاءت مفرقة موزعة على مقامات تناسبها، لتعلق فوائد تلك القصص بذلك التوزيع.
- وسوق القصص في مناسبتها أكسبها صفتين: صفة البرهان وصفة التبيان.

- مميزات القصص القرآنية:
- نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص.
* مثال ذلك قول الله تعال:
(فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون)، فهذه المقالة حكيت في سياق التذكير، وهو أصل حكايتها، ولم تُحكى عند غيره.

- طي ما يقتضيه الكلام، ويدل عليه السياق.
* مثال ذلك قول الله تعالى:
(واستبقا الباب)، فالمطوي هو حضور سيدها وطرقه الباب وإسراع يوسف وإسراع امرأة العزيز لفتح الباب كلٌ لغرضه، فدل على ذلك ما بعده من قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) الآيات.
- سوق القصص في مظان الاتعاظ في إطار الغرض الأصلي للقرآن من تشريع وتفريع.

* فوائد ذكر القصص في القرآن:
- الفائدة الأولى:
- تحدي أهل الكتاب، وتعجيزهم بقطع حجتهم على المسلمين، إذ ذكر القرآن أخبار الأنبياء مع أممهم، وذلك مما علمه الراسخون في العلم من أهل الكتاب،
فانقطعت أمية المسلمين في نظر اليهود، وقطع الله ألسنتهم بوصفهم للمسلمين بالجهل.
* قال تعالى:
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا).
* وهذه فائدة قال عنها المؤلف أنه لم يتعرض لها من قبله من المفسرين.

- الفائدة الثانية: من أدب الشريعة بيان تاريخ الأنبياء حملة الشرع على مر العصور، وفي تلك القصص يركز القرآن على الإيمان وارتباطه بالعناية الإلهية وما هو ضد ذلك، مع عدم التعرض لبيان الأنساب أو البلدان، فالعبرة بالإيمان.
* ومثال ذلك قصة (أصحاب الكهف) فوصفهم بذلك، وكذلك قال أنهم (فتية)، ولما أرسلوا واحدا منهم إلى المدينة لم يسمها.
* وهذه فائدة قال عنها المؤلف أنها فتح من الله له.

- الفائدة الثالثة: ما فيها من فائدة التاريخ من معرفة ترتب المسببات على أسبابها في الخير والشر والتعمير والتخريب لتقتدي الأمة وتحذر، قال تعالى: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) وما فيها من فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وزكاء النفوس وضد ذلك.

- الفائدة الرابعة: تضمنها الموعظة للمشركين ببيان ما حل بالعصاة وما كان للأولياء الصالحين، كما في قصص قوم نوح وعاد وثمود وأهل الرس وأصحاب الأيكة.
* قال الله تعالى: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)،وقال تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).

- الفائدة الخامسة: اتباع أسلوب التوصيف والمحاورة وهو من مبتكرات القرآن في البلاغة العربية، فلم يعهد مثله عند العرب، ولا شك فهو دال على إعجاز القرآن.
* كما في حكاية أحوال الناس في الجنة والنار والأعراف في سورة الأعراف.

- الفائدة السادسة: ذكر قصص الأمم أدى إلى توسيع علم المسلمين وتعريفهم بالأمم قبلهم، وكان العرب يعيشون في جهل أدى إلى اعتمادهم الحس دليلا للتصديق.
* قال الله تعالى: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم).

- الفائدة السابعة: العلم بعظمة الأمم السابقة ومزاياها يدفع عن النفس الغرور، ويبث فيها رغبة الحث على العلم بجوامع الخير واتباعه فبه تتحقق عظمة الأمم الحقيقية.

- الفائدة الثامنة: بث الهمة في نفوس الأمة ليعود لها عزها، ودفع الخمول الذي سيطر على العرب، فرضوا أن يكونوا أتباعا، وصار هم الواحد منهم دنيويا بحت.

- الفائدة التاسعة: معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة، وأنه لا نصر إلا من عنده، وأن الأخذ بوسيلتي البقاء: من الاستعداد والاعتماد؛ يسلم المؤمنين من تسلط غيرهم عليهم.
* قال الله تعالى:
(فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).

- الفائدة العاشرة: ترتب فوائد أخرى عليها كالفوائد المدنية المتعلقة بكل قصة وأحداثها، كما في قول الله تعالى: (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) في قراءة من قرأ (دين) بكسر الدال، أي في شرع فرعون يومئذ، فعلمنا أن شريعة القبط كانت تخول استرقاق السارق.
* وكما في قول الله تعالى:
(وابعث في المدائن حاشرين) و (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) أن نظام مصر في زمن موسى إرسال المؤذنين والبريح بالإعلام بالأمور المهمة.


* تكرار القصة الواحدة في عدة سور:
- إذا كانت القصة الواحدة يقع المقصود منها عند أول ذكر لها، فلمَ تتكرر في عدة سور.
- وذلك التكرار يدلف منه البعض إلى الإلحاد في القرآن بحجة عدم فصاحة الكتاب.
- ورد هذه الشبهة أن القصص تُذكر باستجلاب المناسبات لها، فالقصة كالبرهان على الغرض المسوقة هى معه.
- ولا يعد ذلك تكرارا لها لاختلاف المناسبات.

* الحكمة من تكرار ذكر القصة :
- أحدها:رسوخها في الأذهان بتكريرها.
- الثاني:ظهور البلاغة، فالقصة تذكر في كل مرة بطرق مختلفة من الأداء وتتنوع ألفاظها وتراكيب الجمل وتتنوع المحسنات البديعية المعنوية واللفظية فيها بما يبلغ بها الحد الأقصى في البلاغة.
- الثالث:أن يسمع اللاحقون من المؤمنين في وقت نزول القرآن ذكر القصة التي كانت فاتتهم مماثلتها قبل إسلامهم أو في مدة مغيبهم، فإن تلقي القرآن عند نزوله أوقع في النفوس من تطلبه من حافظيه.
- الرابع:أن جمع المؤمنين جميع القرآن حفظا كان نادرا بل تجد البعض يحفظ بعض السور فيكون الذي حفظ إحدى السور التي ذكرت فيها قصة معينة عالما بتلك القصة. كعلم من حفظ سورة أخرى ذكرت فيها تلك القصة.
- الخامس:أن تلك القصص تختلف حكاية القصة الواحدة منها بأساليب مختلفة ويذكر في بعض حكاية القصة الواحدة ما لم يذكر في بعضها الآخر.

- من أسباب تنوع الأساليب وتفاوت ذكر أحداث القصة بسطا وإيجازا فيما ذكرت فيه من سور:
- تجنب التطويل في الحكاية الواحدة فيقتصر على موضع العبرة منها في موضع دون آخر، فيحصل من متفرق مواضعها في القرآن كمال المقصود منها، وفي بعضها ما هو شرح لبعض.
- أن يُذكر من القصة ما يكون مناسبا لحال السامع، وملائمة السياق، فالقصة الواحدة تساق في خطاب إلى المشركين، وتارة إلى أهل الكتاب.
* ومثاله: قصة موسى بسطت في سورة طه، وسورة الشعراء، وأوجزت في آيتين في سورة الفرقان.
- وقد يقصد تارة التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة، وتارة لا يقصد ذلك
.



المقدمة الثامنة
في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها


* علاقة مواد هذه المقدمة بالتفسير:
- اسم القرآن وآياته وسوره له ارتباط وثيق بعلم التفسير، لأن ما يتحقق فيه في موضع ينتفع به في المواضع المشابهة.

* تعريف القرآن:
- هو ما أوحاه الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.
[نعلق ببيات أن القرآن هو كلام الله حقيقة غير مخلوق, تكلم به بحرف وصوت, سمعه منه جبريل وأنزله على النبي صلى الله عليه وسلم].

- وهو الكلام المأمور ببلاغه إلى الأمة بلفظه العربي المنزل به، لتتلى آياته على وجه التعبد بها، ويُعمل بما فيها.
- وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولاها سورة الفاتحة وأخراها سورة الناس.
- خاطب الله به العرب ابتداءا لنزوله فيهم، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور منه أو بسورة فعجزوا، فقامت عليهم الحجة بإعجازه أن يأتوا بمثله.
* كما قال الله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار).
- وهو آية على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلق.
- وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل نبي معجزات هى دليل صدق ما جاء به.
- قال صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة).
*وفي هذا الحديث معان جليلة شرحها المؤلف في تعليقه على صحيح البخاري المسمى "النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح
".
نجعل مسألة تدرج القرآن في تحدي كفار العرب مسألة مستقلة

* أسماء القرآن:
-
أشهر أسماء القرآن: القرآن، وبقية أسمائه أصلها أوصاف أو أجناس.
- أوصل السيوطي أسمائه إلى نيف وعشرين اسما.
- وأشهر أسمائه ستة: التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي، وكلام الله
.
تعليق: (اعتبر المؤلف أن للقرآن ستة أسماء، وشرع في بيان أصلها ووجه تسمية القرآن بها)

- اسم (القرآن):
- وهو اسم علم دال على الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
- ولم يسبق أن أطلق على غيره قبله.
- وهو أشهر أسمائه وأكثرها ورودا في آياته وأشهرها دورانا على ألسنة السلف
.

- اشتقاق الاسم:

- قيل في اشتقاقه قولان:
- القول الأول: أن اسم القرآن مشتق من القراءة، لأن أول ما بدئ به الوحي (اقرأ باسم ربك).
- القول الثاني: أنه ليس بمشتق بل هو اسم علم جامد، كما سمي الإنجيل إنجيلا.

- وزن لفظة (القرآن):
- ورد في وزنه قولان:
- الأول: قيل هو على وزن فعلان، كما في زنة أسماء المصادر: غفران، وفي الأسماء بزيادة الألف والنون مثل عثمان.
* واسم القرآن يصلح للاعتبارين.
- الثاني: أنه على وزن فعال، من القرن بين الأشياء أي الجمع بينها لأنه قرنت سوره بعضها ببعض وكذلك آياته وحروفه.
* وهناك من زعم أن قران جمع قرينة أي اسم جمع، إذ لا يجمع مثل قرينة على وزن فعال في التكثير فإن الجموع الواردة على وزن فعال محصورة ليس هذا منها.
* والقرينة العلامة، قالوا لأن آياته يصدق بعضها بعضا فهي قرائن على الصدق
.

- القراءات للفظ (القرآن):
- همزة القرآن أصلية، قد اتفق أكثر القراء على قرائتها بالهمز في الآيات.
- ولم يخالفهم إلا ابن كثير قرأه بفتح الراء بعدها ألف على لغة تخفيف المهموز وهي لغة حجازية.
* وقراءة ابن كثير جارية على أنه اسم آخر لكتاب الله، لا أنه مشتق من القراءة.
- والأصل توافق القراءات في مدلول اللفظ المختلف في قراءته.

- اسم (الفرقان):
-الفرقان هو في الأصل اسم لما يفرق به بين الحق والباطل وهو مصدر.
- وأطلق على القرآن وعلى غيره، فإطلاقه على القرآن في قول الله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده).
* وقد وصف يوم بدر بيوم الفرقان.
- وقد جعل هذا الاسم علما على القرآن بالغلبة مثل التوراة على كتاب موسى، والإنجيل على ما أوحي لعيسى.

- دلالة الآيات على اسم الفرقان:
- علم أن الفرقان اسما للكتاب من قول الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) إلى قوله: (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان) فوصفه أولا بالكتاب وهو اسم الجنس العام ثم عبر عنه باسم الفرقان عقب ذكر التوراة والإنجيل وهما علمان ليعلم أن الفرقان علم على الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
.

- وجه تسمية القرآن بالفرقان:

- أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل.
- مثال في معنى كون القرآن فرقانا: جمعه أوصاف الكمال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، أما في التوراة والإنجيل فقد وصفهم كما قال الله تعالى: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).

- وأحكام القرآن مبرأة من اللبس بعيدة عن تطرق الشبهة، كما تجد في قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا).
* فلا تجد ما يفيد هذا المعنى في التوراة والإنجيل، ولذا كان القرآن مهيمنا على الكتب السابقة.

- اسم (التنزيل):

- هو مصدر نزل، أطلق على المنزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء.
- قال الله تعالى: (تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون)،وقال تعالى: (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين).

- اسم (الكتاب):
- الكتاب أصله اسم جنس مطلق ومعهود.
- فباعتبار عهده أطلق على القرآن كثيرا قال الله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وقال تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب).

- تسمية القرآن الكتاب:
- سمي كتابا لأن الله جعله جامعا للشريعة فأشبه التوراة التي كتبت في زمن موسى، وأشبه بالإنجيل الذي كتبه أصحاب عيسى من بعده ولم يكتب في زمنه.
- ولأن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بكتابة كل ما أنزل عليه ليكون حجة على الذين يدخلون في الإسلام ولم يتلقوه بحفظ قلوبهم.

- دلالة اسم (الكتاب) على كونه معجزة:
- وفي هذه التسمية معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما أوحي إليه سيكتب في المصاحف قال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها) .
- كتبة الوحي:
- اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه كتابا يكتبون ما أنزل إليه.
- ومن أولهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان.
- وقد طابق المحفوظ في الصدور ما حفظته السطور، يوم جمع أبي بكر للمصحف.

- اسم (الذكر):
- وأما الذكر فقال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) أي لتبينه للناس.
- وذلك أنه تذكير بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به
.

- اسم (الوحي):

- قال الله تعالى: (قل إنما أنذركم بالوحي).
- ووجه هذه التسمية أنه ألقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك .

- تسمية إلقاء القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وحيا:
- لأنه يترجم عن مراد الله تعالى فهو كالكلام المترجم عن مراد الإنسان، ولأنه لم يكن تأليف تراكيبه من فعل البشر
.

هذا ساقه رحمه الله كما عند المعطلة لا أهل السنة, فالقرآن كلام الله حقيقة تكلم به بحرف وصوت, بحسب اعتقاد أهل السنة والجماعة , وليس عبارة عن كلام الله ولا حكاية عن كلام الله ولا ترجمة لمراد الله.

- اسم (كلام الله):

- قال الله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)
.
- واعلم أن أبا بكر رضي الله عنه لما أمر بجمع القرآن وكتابته كتبوه على الورق فقال للصحابة، أن التمسوا اسما، وكره تسميته بالإنجيل والسفر من أجل النصارى واليهود.
- وقال عبد الله ابن مسعود
: رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه مصحفا يعني أنه رأى كتابا غير الإنجيل.
[ما روي في هذا الشأن لا يصح, وتسميته بهذا الاسم جرت على الأصل في تسمية الصحف المجموعة إلى بعضها بين دفتين مصحفا, وهو أول كتاب للمسلمين فاشتهرت هذه التسمية حتى جعلت علما عليه].
* آيات القرآن:
- تعريف الآية:
- هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا.
* ومعنى قول المؤلف: (ولو تقديرا): ليشمل المحذوف الذي يقدر في الآيات مثل قول الله تعالى: (مدهامتان)،
والتقدير: هما مدهامتان، ومثل: (والفجر) والتقدير: أقسم بالفجر.
* ومعنى قول المؤلف: (أو إلحاقا): لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة.
* حيث عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا: آلر، وآلمر، وطس، وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة ولا يظهر فرق بينها وبين غيرها.

- سبب تسمية الآية بهذا الاسم:
- تسمية الأجزاء والجمل بالآيات من مبتكرات القرآن.
- قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) .
- وسميت بذلك:
* لدلالتها على أنها موحى بها من عند الله، لاشتمالها على الحد الأعلى في بلاغة الكلام.
* ولأن وقوعها مع غيرها من الآيات جعلت دليلا على أن القرآن منزل من عند الله وليس من تأليف البشر.

- اختصاص القرآن بتسمية الآيات:
- جمل التوراة والإنجيل لا يحق أن تسمى آيات لعدم خصوصيتها بما خُص به القرآن من البلاغة ووجوه الإعجاز.
- وما ورد في حديث رجم اليهوديين: (آية الرجم) فهو من تغليب الراوي، حيث لم يجد اسما يعبر به عنها، فقدرها بالآية كمشاكلة لما في القرآن.

- مقادير الآيات من حيث الابتداء والانتهاء:
- مقادير الآيات مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علمه الصحابة، وقد تختلف الرواية في بعض الآيات.
- والآيات المختلف في روايتها محمولة على التخيير في تعيين منتهاها ومبتدأ ما بعدها.
- وقد جاء تحديد عدد آيات بعض السور مثل: ما ورد في الحديث أن فاتحة الكتاب السبع المثاني أي السبع الآيات.
* وفي الحديث (من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران) أولها قول الله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
- وكانت الآيات تقدر أحيانا بما تستغرقه تلاوتها من زمن كما ورد في حديث سحور النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان بينه وبين طلوع الفجر مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية
.
- قال أبو بكر ابن العربي وتحديد الآية من معضلات القرآن، فمن آياته طويل وقصير، ومنه ما ينقطع ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام، وقال الزمخشري الآيات علم توقيفي
.
- لا يبعد أن يكون تعيين مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها وأمارته وقوع الفاصلة
.

- فواصل الآيات:
- تعريف الفواصل:

- الفواصل هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها وتكرر في السورة تكررا يؤذن بأن تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم في آيات كثيرة متماثلة، تكثر وتقل، وأكثرها قريب من الأسجاع في الكلام المسجوع.
-
والعبرة فيها بتماثل صيغ الكلمات من حركات وسكون وهي أكثر شبها بالتزام ما لا يلزم في القوافي.

- مواقع الفواصل:
-
الفواصل كلها منتهى آيات ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتم فيه الغرض المسوق إليه.
- وإذا انتهى الغرض المقصود من الكلام ولم تقع عند انتهائه فاصلة لا يكون منتهى الكلام نهاية آية إلا نادرا كقوله تعالى: (ص * والقرآن ذي الذكر) فهذا المقدار عد آية وهو لم ينته بفاصلة، ومثله نادر.

- فواصل الآيات في أوائل السور:

- فواصل الآيات الواقعة في أول السورة مثل قول الله تعالى: (ص* والقرآن ذي الذكر) أقيمت على حرف مفتوح بعده ألف مد بعدها حرف، مثل
: شقاق، مناص، كذاب، عجاب.
- ومن الفواصل ما بني على حرف مضموم مشبع بواو.
- ومنها ما بني على حرف مكسور مشبع بياء ساكنة، وبعد ذلك حرف، مثل (أنتم عنه معرضون) (إذ يستمعون) (نذير مبين) (من طين)
.
فلو انتهى الغرض الذي سيق له الكلام وكانت فاصلة تأتي بعد انتهاء الكلام تكون الآية غير منتهية ولو طالت، كقوله تعالى: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك) إلى قوله: (وخر راكعا وأناب) فهذه الجمل كلها عدت آية واحدة
.

- دلالة الفواصل على إعجاز القرآن:

- الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز لأنها ترجع إلى محسنات الكلام وهي من جانب فصاحة الكلام فمن الغرض البلاغي الوقوف عند الفواصل لتقع في الأسماع فتتأثر نفوس السامعين بمحاسن ذلك التماثل، كما تتأثر بالقوافي في الشعر وبالأسجاع في الكلام المسجوع.
*مثال ذلك قول الله تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) آية (في الحميم ثم في النار يسجرون) آية (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون) آية (من دون الله) إلى آخر الآيات. فقوله: (في الحميم) متصل بقوله: (يسحبون) وقوله: (من دون الله) متصل بقوله: (تشركون) وينبغي الوقف عند نهاية كل آية منها
.

- الوقف عند رؤوس الآي:
- هو سنة كما ذكر أبو عمرو ونقله السيوطي في الإتقان.
- وقال البيهقي في شعبه: الأفضل الوقف على رؤوس الآيات وان تعلقت بما بعدها اتباعا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
- وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) ثم يقف (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف (الرحمن الرحيم) ثم يقف
. سنن أبي داود.
- واتباع السنة في الوقف عند رؤوس الآي سنة ، كما قال ابن العربي والزمخشري.
- وضبط هذا الأمر ينع الناظر وإن شذ ما شذ، فإنا نجد بعض السور افتتحت بالحروف امقطعة وفد عد بعضها آيات مثل ( الم) ، و(عسق).

- تفاوت مقادير كلمات الآيات:

-آيات القرآن متفاوتة في مقادير كلماتها فبعضها أطول من بعض ولذلك فتقدير الزمان بها في قولهم: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية مثلا، تقدير تقريبي.
- وتفاوت الآيات في الطول تابع لما يقتضيه مقام البلاغة من مواقع كلمات الفواصل على حسب ما قبلها من الكلام
.
- وأطول آية قوله تعالى:
)هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) إلى قوله: (وكان الله بكل شيء عليما) في سورة الفتح، وقوله: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) إلى قوله: (لو كانوا يعلمون) في سورة البقرة ودونهما قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم)إلى قوله: (إن الله كان غفورا رحيما) في سورة النساء.
- وأقصر آية في عدد الكلمات قوله تعالى: (مدهامتان). في سورة الرحمن وفي عدد الحروف المقطعة قوله: (طه)
.
- وأما وقوف القرآن فقد لا تساير نهايات الآيات، ولا ارتباط لها بنهايات الآيات فقد يكون في آية واحدة عدة وقوف كما في قوله تعالى: (إليه يرد علم الساعة) وقف (وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) وقف (ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد) وقف ومنتهى الآية في سورة فصلت.
.

- عدد آيات القرآن:
- اختلف السلف في عدد آيات القرآن بناء على الاختلاف في نهاية بعضها، فقد يكون بعض ذلك عن اختلاف في الرواية ،وقد يكون بعضه عن اختلاف الاجتهاد
.
- وأجمع السلف على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية، واختلفوا فيما زاد على ذلك.
* فمنهم من لم يزد ،ومنهم من قال مائتين وأربع آيات، وقيل وأربع عشرة، وقيل وتسع عشرة، وقيل وخمسا وعشرين، وقيل وستا وثلاثين، وقيل وستمائة وست عشرة
.كما ذكر أبو عمرو الداني في كتاب العدد.
- وقد كان عدد آي السور معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: وروى محمد بن السائب عن ابن عباس أنه لما نزلت آخر آية وهي قوله تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) الآية قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ضعها في رأس ثمانين ومائتين من سورة البقرة.
- واستمر العمل بعد الآي في عصر الصحابة، ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) الآية
.

- الأقوال في عد البسملة آية:
- قال المازري في شرح البرهان، قال مكي بن أبي طالب:
- أجمع أهل العدد من أهل الكوفة والبصرة والمدينة والشام على ترك عد البسملة آية في أول كل سورة.
- واختلفوا في عدها وتركها في سورة الحمد لا غير.
- وعدها آية الكوفي والمكي ولم يعدها آية البصري ولا الشامي ولا المدني.
- وقال المؤلف أن عدها آية في المدني أكثر من الكوفي.

- العد المدني:

-لأهل المدينة عددان، يعرف أحدهما بالأول ويعرف الآخر بالأخير.
- ومعنى ذلك أن الذين تصدوا لعد الآي بالمدينة من أئمة القراء هم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبو نصاح شيبة بن نصاح، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وإسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري، وقد اتفق هؤلاء الأربعة على عدد وهو المسمى بالعدد الأول.
- ثم خالفهم إسماعيل بن جعفر بعدد انفرد به وهو الذي يقال له العدد الثاني، وقد رأيت هذا ينسب إلى أيوب ابن المتوكل البصري المتوفي سنة 200
.

- العد المكي:
-لأهل مكة عدد واحد، وربما اتفقوا في عدد آي السورة المعينة، وربما اختلفوا.

- الاختلاف في عد الآي:
- وقد يوجد اختلاف تارة في مصاحف الكوفة والبصرة والشام، كما نجد في تفسير المهدوي وفي كتب علوم القرآن.
* ولذلك تجد المفسرين يقولون في بعض السور عدد آيتها في المصحف الفلاني كذا.

- ترتيب الآي:
- ترتيب الآيات توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب ما نزل به الوحي.
- ترتيب الآيات في السور مما يدخل في وجوه إعجاز القرآن ولو وقع التغيير في ترتيب الآيات لفات ذلك حد الإعجاز.
- وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم للآيات بترتيبها في السور موافقة:
* لما في مصاحف المسلمين اليوم.
* ولروايات الحفاظ من الصحابة عن العرضات الاخيرة، وما قرأ به لنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية.
* وكذلك لكتابة زيد بن ثابت للمصحف بأمر أبي بكر رضي الله عنه حين جمع القرآن.
- والاعتماد على الحفظ لا على الكتابة، إنما كتبوه للمراجعة في حال النسيان او الشك ولم يقع ذلك.
- وعند جمع أبي بكر للقرآن لم يؤثر عن الصحابة تردد في ترتيب الآيات أو إنكار أو اختلاف.

- المناسبة بين الآيات:
- اتساق الحروف واتساق الآيات واتساق السور كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك يستدعي المناسبة بين السابق واللحق من الآيات، وسواء ظهرت المناسبة أم لم تظهر فلا يتكلفها المفسر.
- ومما يدلل على وجود المناسبة بين الآيات نظم الكلام وأسلوبه وما استعمل من أدوات تفيد اتصال المعاني ووجود مناسبة وعلاقة بين الآيات
.
- ولا يعني وجود مناسبة بين الآيات اتصال اللاحق بالسابق من الآيات في النزول أو مجيئه بترتيب التلاوة.
* فقد اتفق على أن قول الله تعالى: (غير أولي الضرر) نزل بعد نزول ما قبله وما بعده من قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون)
إلى قوله: (وأنفسهم).
- ويندر أن يكون موقع الآية عقب التي قبلها لأجل نزولها عقب التي قبلها من سورة هي بصدد النزول فيؤمر النبي بأن يقرأها عقب التي قبلها.
* وهذا كقوله تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) عقب قوله: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) في سورة مريم، فقد روي أن جبريل لبث أياما لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بوحي، فلما نزل بالآيات السابقة عاتبه النبيء، فأمر الله جبريل أن يقول: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) فكانت وحيا نزل به جبريل، فقرئ مع الآية التي نزل بأثرها.

- وبعض الآيات فيها جمل لا يكون لها مناسبة بما سبقها إنما كان وجودها لغرض آخر اقتضى ذكرها
.
- وقد لا يكون ثم مناسبة إلا سبب مقتضى في ذلك مثل قول الله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) فهذه الآيات نزلت في سورة القيامة في خلال توبيخ المشركين على إنكارهم البعث ووصف يوم الحشر وأهواله، وليست لها مناسبة بذلك ولكن سبب نزولها حصل في خلال ذلك كما روى البخاري.
- وعدم ظهور المناسبة لا يجب أن يوقع المفسر في حيرة، فبعض الآيات لا يكون بينها مناسبة.
*وهذا كقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات) إلى قوله: (ما لم تكونوا تعلمون) بين تشريعات أحكام كثيرة في شؤون الأزواج والأمهات.
-
وبالنظر لغرض القرآن الإصلاحي فإنه يستدعي أن تكون الآية مستقلة في دلالتها على الغرض، ولو شئنا لعبرنا عن ذلك بقول أن كل آية يمكن تصلح أن تكون كقاعدة مستقلة.
- وكلام الزركشي الذي نقله ابن عاشور يؤخذ منه تطلب مناسبة بين الآيات، وإن كانت الآية تبدو مستقلة، فإنه ثم علاقة بينها وبين ما سبقها.
- والذي ذهب إليه ابن عاشور أن ووجود الجمل المعترضة لا يعني انتفاء المناسبة بين الآيات.

- وقوف القرآن:
- تعريف الوقف:
- الوقف هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة.
- والوقف عند انتهاء جملة من جمل القرآن قد يكون أصلا لمعنى الكلام فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف.
* مثل قوله تعالى: (وكأين من نبيء قُتل معه ربيون كثير) فإذا وقف عند كلمة (قتل) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتلهم قومهم وأعداؤهم. ومع الأنبياء أصحابهم فما تزلزلوا لقتل أنبيائهم فكان المقصود تأييس المشركين من وهن المسلمين على فرض قتل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته. على نحو قوله تعالى في خطاب المسلمين: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) الآية، وإذا وصل قوله: (قتل) عند قوله: (كثير) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتل معهم رجال من أهل التقوى فما وهن من بقي بعدهم من المؤمنين وذلك بمعنى قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) إلى قوله: (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
.

- مناهج العلماء في تقسيم الوقف:
- ويرى المؤلف أنه لا تجد في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري في أرجوزته.
- وينقسم الوقف إلى أكيد حسن ودونه، وهو تقسيم باعتبار المعنى.
- وبعض العلماء استحسن الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى سكتا.
* والسكت هو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف.

- فائدة الوقف:
- التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات.
* ومثال ذلك قول الله تعالى: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا) فإذا وقف على (قواريرا) الأول كان (قوارير) الثاني تأكيدا لرفع احتمال المجاز في لفظ (قواريرا)، واذا وقف على (قوارير) الثاني كان المعنى الترتيب والتصنيف.

- العناية بالوقف عند السلف والخلف:
-
لم يشتد اعتناء السلف بتحديد أوقاف القرآن لظهور أمرها.
- ومن احتج بوجوب ضبط أوقاف القرآن بكلام روي عن عبد الله بن عمر ليس واضحا كدليل على ذلك.
- وكان اعتناء السلف بفواصل القرآن التي هى مقاطع آياته.
- تعليق: ولما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بوقوفه عند رؤوس الآي.
- كما أن وضوح اللغة العربية وسياق الكلام يمنع من الوقوع في الفهم الخاطئ، فقول الله تعالى: (يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) لو وقف القاري على قوله: (الرسول) لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله: (وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) تحذير من الإيمان بالله، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله
: (ربكم) فهل يحذر أحد من الإيمان بربه.
- وكذلك قوله تعالى: (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها) فإن كلمة (بناها) هي منتهى الآية والوقف عند (أم السماء)
ولكن لو وصل القارئ لم يخطر ببال السامع أن يكون (بناها) من جملة (أم السماء) لأن معادل همزة الاستفهام لا يكون إلا مفردا.
- وعند دخول الكثيرون في الإسلام ممن ليسوا من أهل اللسان، توجه اعتناء أهل القرآن إلى ضبط وقوفه تيسيرا لفهمه على قارئيه.
- فظهر الاعتناء بالوقوف وروعي فيها ما يراعى في تفسير الآيات فكان ضبط الوقوف مقدمة لما يفاد من المعاني عند واضع الوقف
.
- وأشهر من تصدى لضبط الوقوف أبو محمد بن الأنباري، وأبو جعفر بن النحاس، وللنكزاوي أو النكزوي كتاب في الوقف ذكره في الإتقان، واشتهر بالمغرب من المتأخرين محمد بن أبي جمعة الهبطي المتوفي سنة 930.

* سور القرآن:

- تعريف السورة:
- هى قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران، لها اسم مخصوص.
- تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة.
* وتعيين حد السورة بثلاث آيات مأخوذ من استقراء سور القرآن مع حديث عمر حين جاء الحارث بن خزيمة – أو الحارث أبو خزيمة- بالآيتين من آخر سورة براءة- فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله. فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما منه، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة إلخ، فدل على أن عمر ما قال ذلك إلا عن علم بأن ذلك أقل مقدار سوره
.
- غرض السورة ناشئ عن أسباب النزول، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة.
- وهذا الاسم (السورة) من مصطلحات القرآن وقد شاع عند العرب حتى المشركين منهم.

- دلالة القرآن على تسمية السورة:
- قال الله تعالى: (فأتوا بعشر سور مثله) وقال تعالى: (فأتوا بسورة من مثله)، وقد وقع التحدي بعد نزول السور الأول، وقد عُلم المراد بالسورة.
- جاء في القرآن تسمية سورة النور باسم سورة في قوله تعالى: (سورة أنزلناها) أي هذه سورة.
- ولم تكن أجزاء التوراة والإنجيل والزبور مسماة سورا عند العرب في الجاهلية ولا في الإسلام.

- وجه التسمية بالسورة:
- قيل أن الاسم مأخوذ من السور بضم السين وتسكين الواو وهو الجدار المحيط بالمدينة، وزيدت الهاء مراعاة لمعنى القطعة من الكلام.
- وقيل مأخوذ من السؤر بهمزة بعد السين وهو البقية مما يشرب الشارب بمناسبة أن السؤر جزء مما يشرب، ثم خففوا الهمزة بعد الضمة فصارت واوا.
- وترك الهمز في (سورة) هو لغة قريش ومن جاورها، وأما الهمز فهو لغة تميم، وليست إحدى اللغتين بدالة على أن أصل الكلمة من المهموز أو المعتل، لأن للعرب في تخفيف المهموز وهمز المخفف من حروف العلة طريقتين. ذكره ابن عطية.
* قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس مهموزا كما قالوا رثأت الميت ولبأت بالحج وحلأت السويق بالهمز
.
- وجمع سورة: سور بتحريك الواو كغرف، ونقل في شرح القاموس عن الكراع أنها تجمع على سور بسكون الواو
.

- تسوير القرآن (أي جعله سورا):
- تسوير القرآن من السنة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حيث قُسم القرآن إلى مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها، ولم يخالف في ذلك إلا ابن مسعود لعد إثباته المعوذتين في مصحفه، وأثبت القنوت في صلاة الصبح على أنه سورة من القرآن سماها سورة الخلع والخنع، وجعل سورة الفيل وسورة قريش سورة واحدة، وذلك بناء على فهمه من نزول القرآن.
- تعليق: اعتمد بعض الصحابة تسمية السور وكتابتها في مصحفهم الخاص على فهمهم من نزول القرآن.
- ولم يتوفى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن مسوراً سورا معينة، كما دل حديث اختلاف عمر وهشام بن حكيم في آيات من سورة الفرقان.
- ويدل له قول ابن مسعود في سور بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء (هن من العتاق الأول وهن من تلادي).
- فائدة تسوير القرآن:
- قال الزمخشري في تفسير قول الله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله):
*
إن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن وأنبل من أن يكون بيانا واحدا.
*وأن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه.

- حفظ عدد سور القرآن ومقاديرها من الآيات:
- لم يحفظ ما يفيد اختلاف جمهور الصحابة في عدد سور القرآن حين جمعوه، وأنها مائة وأربع عشرة سورة.
- وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت الآية يقول: (ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا) مروي عن ابن عباس ورواه أصحاب السنن.
- والسور كانت معلومة المقادير منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث حفظت عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة حيث ورد في السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة سورة كذا وسورة كذا، وفي عرض القرآن علمت منه سور القرآن.
- فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عزا ابن عطية إلى مكي بن أبي طالب وجزم به السيوطي في الإتقان، وبذلك يكون مجموع السورة من الآيات أيضا توقيفيا.
- تعليق: ترتيب الآيات في السورة توقيفيا.
- ومما يدل على معلومية السور زمن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صلاة الكسوف، وفي الحديث الآخر لما سئل صلى الله عليه وسلم رجلا: (ما معك من القرآن؟) قال: سورة كذا وسورة كذا.... .

- ترتيب سور القرآن توقيفي أم اجتهادي:
- وقال الباقلاني أنه يحتمل أن يكون توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون اجتهاد من الصحابة.
* وإن كان ابن عطية نقل عن الباقلاني الجزم بأنه اجتهاد إذ قال أنه من وضع زيد بن ثابت بمشاركة عثمان.
- والذي ظهر عند ابن عطية من الأثر أن بعض السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وبعضها وقع في ترتيبه الاجتهاد عند كتابة المصحف.
- وذهب أبو عمر الداني أن ترتيب الآيات في السور، وترتيب السور بعضها إثر بعض توقيفي.
- والجمهور أن كثيرا من السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعليق: فيمكن أن نقول أن ترتيب السور جمع بين التوقيف والاجتهاد.
- واستدل عياض في الإكمال على كون ترتيب السورة وقع باجتهاد الصحابة حين كتبوا المصحف ، ودليله حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة.والحديث في صحيح مسلم.
- وقال بالاجتهاد أيضا مالك وجمهور العلماء.
- وجاء في تفسير شمس الدين محمود الشافعي أن التواتر يجب أن يكون في أصل القرآن وأجزائه ووكذلك في محله ووضعه وترتيبه، وضعف قول من لم يشترط التواتر في محله ووضعه وترتيبه.

- قول ابن عاشور في ترتيب السور:
- ذهب المؤلف إلى أن عدداً من السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفق ترتيبها في مصحف اليوم، المجموع في زمن أبي بكر، والمتفق عليه في زمن عثمان رضي الله عنهما.
- وقال أن سور المفصل كانت هى آخر القرآن وكانت السنة القراءة في بعض الصلوات بطوال المفصل وبقصاره وبمتوسط، وأن السبع الطوال فهم أول القرآن وكانت مرتبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعليق: وعلى هذا فإن ما عدا تلك السور قد يكون وقع فيه الاجتهاد.
- وقال أن زيد وعثمان وهما من أكبر حفاظ القرآن توخيا ما استطاعا ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للسور، وزيد كان ممن لازم النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياته في المدينة، ولم يتردد في ترتيب سور القرآن وفق ما قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم عند نسخ المصاحف في زمن عثمان.

- جمع القرآن وسوره:
- كان عدد من الصحابة قد جمع القرآن كله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم : زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وعبد الله بن عمر، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وسعد بن عبيد، ومجمع بن جارية، وأبو موسى الأشعري.
- وقد حفظ كثير من الصحابة أكثر القرآن على تفاوت بينهم
.
- وحين جمع
القرآن في خلافة أبي بكر لم يجمع في مصحف مرتب وإنما جعلوا لكل سورة صحيفة مفردة ولذلك عبروا عنها بالصحف.
- وصارت الصحف إلى عمر بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنهما ومن بعد عمر صارت عند ابنته حفصة، وحين أراد عثمان جمع القرآن في مصحف واحد نسخ تلك الصحف في مصحف واحد، ثم رد الصحف إلى حفصة.
- والصحيح أن جمع القرآن في زمن أبي بكر كان في مصحف واحد. كما ذكر ابن حجر في فتح الباري.

- ترتيب السور في مصاحف الصحابة:

-قد يوجد في آي من القرآن ما يقتضي سبق سورة على أخرى مثل قوله في سورة النحل: (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) يشير إلى قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الآية من سورة الأنعام فدلت على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل، وكذلك هي مرتبة في المصحف.
- وقد ثبت أن آخر آية نزلت آية في سورة البقرة أو في سورة النساء أو في براءة، وثلاثتها في الترتيب مقدمة على سور كثيرة.
- فالمصاحف الأولى التي كتبها الصحابة لأنفسهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة في ترتيب وضع السور
.
- وممن كان له مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.
- وروي أن أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة.
- قال في الإتقان: إن من الصحابة من رتب مصحفه على ترتيب النزول أي بحسب ما بلغ إليه علمه وكذلك كان مصحف علي رضي الله عنه وكان أوله (اقرأ باسم)، ثم المدثر، ثم المزمل، ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني.
- ومنهم من رتب على حسب الطول والقصر وكذلك كان مصحف أبي وابن مسعود فكانا ابتدأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وعلى هذه الطريقة أمر عثمان رضي الله عنه بترتيب المصحف المدعو بالإمام
.

- سبب عدم الفصل بين سورتي الأنفال والتوبة بالبسملة:
- عن ابن عباس أنه سأل عثمان عن الجمع بين الأنفال وهى من المثاني وبراءة وهى من المئين في السبع الطوال ولم يكتب بينهما البسملة، فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: (ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم فوضعتهما في السبع الطوال) أخرجه الترمذي وأبي داود.
- وهو صريح في أنهم جعلوا علامة الفصل بين السور كتابة البسملة.
- والراجح عند الصحابة أن براءة سورة مستقلة لكنهم لم يجزموا بذلك، فلم يكتبوا قبلها البسملة.

- سبب تقديم سورة آل عمران على سورة النساء في المصحف الإمام:
- اتباعا لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة آل عمران قبل سورة النساء يرجع للاحتمالات التالية:
1. لأنها سبقتها في النزول.
2.أو مراعاة للمناسبة بينهما في الافتتاح بكلمة ( الم).
3.أو لوصفهما وصفا واحدا: ( اقرءوا الزهراوين) وذكر فضلهما، أو لما في حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما ثلاثة أمثال) الحديث
.

- اعتبار الطول والقصر في السور:
- اعتبار الطول والقصر في السور مراعى فيه عدد الآيات لا عدد الكلمات والحروف.

- ترتيب السور المكية والمدنية في المصحف:
- الاختلاف بين الصحابة في تعيين المكي والمدني من سور القرآن خلاف ليس بكثير.
- ترتيب المصحف تخللت فيه السور المكية والمدنية.
- وأما ترتيب نزول السور المكية ونزول السور المدنية ففيه ثلاث روايات، إحداها رواية مجاهد عن ابن عباس، والثانية رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، والثالثة لجابر بن زيد.
- ولا يصح إلا اعتماد رواية ابن عباس ولا يكون إلا عن ابن عباس، وهي التي اعتمدها الجعبري في منظومته التي سماها تقريب المأمول في ترتيب النزول وذكرها السيوطي في الإتقان وهي التي جرينا عليها في تفسيرنا هذا
.

- مخالفة ترتيب المصحف في القراءة:
- ولا بأس بالقراءة على غير ترتيب المصحف فقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة.مروي عن حذيفة في صحيح مسلم.
- ويدل أيضا لذلك ما روي في البخاري من حديث عائشة لما سئلت أن يُرى مصحفها فقالت: ( وما يضرك أية آية قرأت قبل..).
- قال ابن بطال: (لا نعلم أحدا قال بوجوب القراءة على ترتيب السور في المصحف بل يجوز أن تقرأ الكهف قبل البقرة، وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكسا، فالمراد منه أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها.
– قال ابن عاشور، ويمكن حمل النهي على الكراهة.

- أسماء السور والمقصد من تسميتها:
- أسماء السور توقيفية، إذ جعلت لها من عهد نزول الوحي.
- وقصد بتسمية السورة تيسير مراجعتها وتذكرها، وتميزيها عن غيرها.

- أصل أسماء السور:
- أن تكون بالوصف كقولهم السورة التي يذكر فيها كذا، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا نزلت الآية (ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا) .
-ثم شاع الاسم وصار التعويض عنه بسورة ذكر البقرة مثلا، ثم قالوا: سورة البقرة، وذلك بحذف الإضافة وإدخال تقدير أو أنهم لم يقدروا مضافا- وأضافوا السورة لما يذكر فيها لأدنى ملابسة.
- وقد ثبت في صحيح السنة تسمية بعض السور باسمها فيقال سورة البقرة وسورة النجم.
- وأما ما ورد عن أنس مرفوعا: (لا تقولوا سورة البقرة ...) فرده أحمد وقال هو حديث منكر، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، أما ابن حجر فأثبت صحته.
- وهذا المرفوع المروي عن أنس، روي عن ابن عمر مثله ولا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره البيهقي في الشعب، وعمل بما ورد في الأثر الحجاج بن يوسف.
- ومن صحح حديث أنس تأولوه وتأولوا قول ابن عمر أن ذلك كان في مكة إذ قال المسلمون سورة الفيل أوسورة العنكبوت استهزأ بهم المشركون، ولما هاجروا إلى المدينة زال سبب النهي فنسخ، وعلم الناس كلهم معنى التسمية.
- ولم يشتهر عن السلف هذا المنع، وترجم له البخاري في فضائل القرآن باباً، وأخرج أحاديث دلت على تسمية السورة باسم كالبقرة والفتح والنساء، وأن بعضا من هذا كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.
- ولا إشكال في ذكر السورة باسم لها كالبقرة، أو بوصف كأن يقال: السورة التي ذكر فيها كذا.
- وفي حديث غزوة حنين، ورد مناداة العباس للأنصار بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم:( يا أصحاب سورة البقرة).
- والظاهر أن الصحابة سموا بما حفظوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أخذوا لها أشهر الأسماء التي كان الناس يعرفونها بها ولو كانت التسمية غير مأثورة، فقد سمى ابن مسعود القنوت سورة الخلع والخنع ، فتعين أن تكون التسمية من وضعه.

- وقد اشتهرت تسمية بعض السور في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعها وأقرها.

- بم تسمى السور:
- أسماء السور إما أن تكون بأوصافها مثل الفاتحة وسورة الحمد.
- وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره نحو سورة لقمان وسورة يوسف وسورة البقرة.
-وإما بالإضافة لما كان ذكره فيها نحو سورة هود وسورة إبراهيم.
- وإما بالإضافة لكلمات تقع في السورة نحو سورة براءة، وسورة حم عسق، وسورة حم السجدة كما سماها بعض السلف، وسورة فاطر.
- وقد سموا مجموع السور المفتتحة بكلمة حم آل حم وربما سموا السورتين بوصف واحد فقد سموا سورة الكافرون وسورة الإخلاص المقشقشتين
.

- الفصل بين السور في المصحف:
- لم يثبت الصحابة أسماء السور في المصحف، كراهة أن يكتبوا في المصحف ما ليس من القرآن، لكن صاحب الإتقان ذكر أن سورة البينة في مصحف أبي سميت بسورة أهل الكتاب، وهذا يدل عل الإذن بتسمية السور في المصاحف.
- تعليق: وفيه أيضا دليل على جواز تسمية السورة بأكثر من اسم.

- واعتمد الصحابة إثبات البسملة في بداية كل سورة كعلامة على الفصل بين السور.
- واختيار البسملة للفصل بين السور كونها آية من القرآن، وهى تناسب أن يفتتح بها كل سورة.
- تعليق:(فيما عدا براءة).
- وفي عصر التابعين كتبت أسماء السور في المصحف ولم ينكر عليهم ذلك.
- وذكر المازري في شرح البرهان عن الباقلاني أن أسماء السور كتبت بخط آخر لتتميز عن القرآن، وأن البسملة كانت مكتوبة في أوائل السور بخط لا يتميز عن الخط الذي كتب به القرآن
.

- ترتيب الآيات في السورة:
- نزلت آيات القرآن وسوره منجمة، وبعض سوره نزلت جملة واحدة كسور الفاتحة والمرسلات والأنعام.
- وآخر سورة نزلت كاملة كانت براءة لما جاء في حديث البراء بن عازب كما في صحيح البخاري.
- وكانت الآية إذا نزلت أمر النبي صلى الله عليه وسلم الكتبة بوضعها في موضعها من السورة، ولذا في بعض السور آيات مكية وأخرى مدنية باعتبار نزولها.
- وعلم من ذلك أن نهايات السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم/ كما في الحديث: ( من قرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران).

الجزء الثاني (المقدمة التاسعة)

في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن، تعتبر مرادة بها


* سبب كثرة الأساليب البيانية في كلام العرب:
- طبيعة العرب التي جبلوا عليها عمادها الذكاء والفطنة ما جعل أساليب كلامهم وبالأخص كلام بلغائهم يتضمن الأساليب البيانية، وكان عمود بلاغتهم متمثل في الإيجاز.
-وقد كثر في كلامهم: المجاز، والاستعارة، والتمثيل، والكناية، والتعريض، والاشتراك والتسامح في الاستعمال كالمبالغة، والاستطراد ومستتبعات التراكيب، والأمثال، والتلميح، والتمليح، واستعمال الجملة الخبرية في غير إفادة النسبة الخبرية، واستعمال الاستفهام في التقرير أو الإنكار، ونحو ذلك.
- وكان الغرض من ذلك توفير المعاني والتعبير عما في نفس المتكلم بأوضح عبارة وأخصرها لتعلق بالأذهان.

- دلالة نزول القرآن باللغة العربية:
- أراد الله تعالى أن يخاطب القرآن كل الأمم في جميع العصور، فأنزله باللغة العربية التي هى أفصح اللغات.
- وأرجع المؤلف فصاحة اللغة العربية لأسباب منها:
* أنها أوفر اللغات مادة، وأقلها حروفا، وأفصحها لهجة، وأكثرها تصرفا في الدلالة على أغراض المتكلم، وأوفرها ألفاظا.
* وجعل اللفظ جامعا لأكثر ما يمكن أن تتحمله اللغة العربية في نظم تراكيبها من المعاني، في أقل ما يسمح به نظم تلك اللغة، فكان قوام أساليبه جاريا على أسلوب الإيجاز؛ فلذلك كثر فيه ما لم يكثر مثله في كلام بلغاء العرب
.

* القرآن جاء منسوجا على اللغة العالية:
- جاء القرآن حاملا أعلى ما تسمح به اللغة من الدقائق واللطائف لفظا ومعنى ليفي حاجة المرسل إليهم.
- ولذا عجز البلغاء عن معارضته، وقد أذعن له من آمن به منهم كلبيد بن ربيعة، ومن لم يؤمن كالوليد بن المغيرة.
- فالقرآن معجز من حيث كونه أتى بمعان أكثر مما حملته بلاغة البلغاء من معان.
- وبوصفه كتاب تشريع وتأديب وتعليم فكان لابد أن يودع فيه من المعاني والمقاصد أكثر ما تحتمله الألفاظ، وما يناسب سعة اللغة التي جاء بها ليحصل بذلك تمام المقصود من الإرشاد.

* دلالة تراكيب القرآن على تعدد المعاني:
- عادة البلغاء إيداع معنا مستلزم لغرض الكلام، والقرآن جاء مودعا فيه من المعاني والبلاغة كل ما يُحتاج إليه، وسواء تساوت أو تفاوتت العبارات في البلاغة، فإن المعنى الأعلى منها يكون مقصودا مع إرادة المعنى الأدنى أيضا، ولو حُمل اللفظ على المعنى المحتمل المرجوح.

- وعند تساوي المعنيان فيكون الأمر هنا أظهر كما في قول الله تعالى:
(وما قتلوه يقينا) أي: ما تيقنوا قتله ولكن توهموه، أو ما أيقن النصارى الذين اختلفوا في قتل عيسى علم ذلك يقينا بل فهموه خطأ.
* ومثل قوله تعالى:
(قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) ففي لفظ رب معنيان.
-وقد تكثر المعاني بإنزال لفظ الآية على وجهين أو أكثر تكثيرا للمعاني مع إيجاز اللفظ وهذا من وجوه الإعجاز.
* ومثاله قول الله تعالى:
(إلا عن موعدة وعدها إياه)، وقرأ الحسن:(أباه)، فنشأ احتمال فيمن هو الواعد.

- وقد جاءت تراكيب القرآن على فصيح استعمال الكلام البليغ محتملا للمعاني المألوفة للعرب في أمثال تلك التراكيب، وكل معنى مرادا لله تعالى ما لم تدل قرينة على خلافه أو عارضته دلالة شرعية أو لغوية أو توقيفية.
- وقد أمر الله بتدبر كلامه واستخراج معانيه، كما قال تعالى:
(فاتقوا الله ما استطعتم) وقال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).
- ويدخل في هذا الأمر الدال على احتمالية للفظ للعديد من المعاني القراءات المتواترة فإنها إذا اختلفت في قراءة ألفاظ القرآن اختلافا يفضي إلى اختلاف المعاني لمما يرجع إلى هذا الأصل
.
- ولا خلاف على حجية القرآن وسعة معانيه، وهو أقوى مرجع للمسلمين عند الاختلاف، أما الأحاديث والآثار النبوية فقد وقع الاختلاف في حجيتها لاعتبارات منها شدة الخلاف في شروط صحة الخبر وغير ذلك.
- تعليق: (هذا في بعض الآثار وليس فيما صح منها سندا ومتنا).
الأصل جعل مسألة حجية القرآن مسألة مستقلة, ونعلق على ما ذكره رحمه الله بأن الصحيح أن السنة الصحيحة حجة ثابتة كالقرآن عند أهل السنة والجماعة

* أمثلة لاحتمالية التراكيب القرآنية أكثر من معنى:
- جاءت السنة مرشدة إلى تقصي المعاني المرادة من الآيات، كما جاء في حديث أبي سعيد بن المعلى، قال: (
دعاني رسول الله وأنا في الصلاة فلم أجبه فلما فرغت أقبلت إليه فقال: (ما منعك أن تجيبني؟) فقلت: يا رسول الله كنت أصلي، فقال: (ألم يقل الله تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)).
* فالمعنى المسوقة فيه الآية هو الاستجابة بمعنى الامتثال.
* والمراد من الدعوة الهداية .
* وقد تعلق فعل دعاكم بقوله: (لما يحييكم) أي لما فيه صلاحكم.
* ولفظ الاستجابة يحمل أيضا على المعنى الحقيقي وهو إجابة النداء، فبينه النبي صلى الله عليه وسلم.

- ومن ذلك قول الله تعالى:
(إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب لما قال له: لا تصل على عبد الله بن أبي بن سلول فإنه منافق وقد نهاك الله عن أن تستغفر للمنافقين، فقال النبي: (خيرني ربي وسأزيد على السبعين).
* فحمل قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) على التخيير مع أن ظاهره أنه مستعمل في التسوية.
* وحمل اسم العدد على دلالته الصريحة دون كونه كناية عن الكثرة كما هو قرينه السياق لما كان الأمر واسم العدد صالحين لما حملهما عليه فكان الحمل تأويلا ناشئا عن الاحتياط.
- ومن ذلك استعمال المعنى المجازي فيما ورد من ألفاظ يراد بها المعنى الحقيقي مثل قوله صلى الله عليه وسلم لأم كلثوم بنت عقبة بن معيط حين جاءت مسلمة مهاجرة إلى المدينة وأبت أن ترجع إلى المشركين،
(يخرج الحي من الميت).
- ورأى المؤلف أن سجود النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع سجود التلاوة هو من سعة معاني القرآن وهو ما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الآيات، وأما إن كان وحيا فحجته أقوى في كونه مرادا من الله عز وجل.

- أمثلة من فهم السلف وعلماء الأمة لاحتمالية الآيات أكثر من معنى:
- تيمم عمرو بن العاص وهو جنب في غزوة في يوم بارد وقال: الله تعالى يقول:
(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) مع أن مورد الآية أصله في النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا.
- قول عمر لم فتحت العراق وسئل قسمة أرض السواد: إن قسمتها بينكم لم يجد المسلمون الذين يأتون بعدكم من البلاد المفتوحة مثل ما وجدتم فأرى أن أجعلها خراجا على أهل الأرض يقسم على المسلمين كل موسم فإن الله يقول: (والذين جاءوا من بعدهم) وهذه الآية نزلت في فيء قريظة والنضير، والمراد بالذين جاءوا من بعد المذكورين هم المسلمون الذين أسلموا بعد الفتح المذكور.
- استنباط عمر ابتداء التاريخ بيوم الهجرة، من قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) فإن المعنى الأصلي أنه أسس من أول أيام تأسيسه، واللفظ صالح لأن يحمل على أنه أسس من أول يوم من الأيام أي أحق الأيام أن يكون أول أيام الإسلام فتكون الأولية نسبية.
- استدلال الفقهاء على مشروعية الجعالة ومشروعية الكفالة في الإسلام، بقوله تعالى في قصة يوسف:
(ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) مع أنه حكاية قصة مضت في أمة خلت ليست في سياق تقرير ولا إنكار، ولا هي من شريعة سماوية، إلا أن القرآن ذكرها ولم يعقبها بإنكار.
- استدلال الشافعي على حجية الإجماع وتحريم خرقه بقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) مع أن سياق الآية في أحوال المشركين، فالمراد من الآية مشاقة خاصة واتباع غير سبيل خاص ولكن الشافعي جعل حجية الإجماع من كمال الآية.

* سبيل التعامل مع احتمالية التراكيب لمعنيين فأكثر:
- من معاني التركيب المحتمل ما يفيد معنيين فأكثر وجود العموم والخصوص.
- وهذا النوع لا تردد في حمل التركيب على جميع ما يحتمله، ما لم ترد قرينة لفظية أو معنوية تمنع ذلك.
* مثاله: حمل الجهاد في قوله تعالى:
(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) على معنى مجاهدة النفس في إقامة شرائع الإسلام، ومقاتلة الأعداء في الذب عن حوزة الإسلام.
- وقد يكون بين الآيات تركيبا مغايرا للأخرى، بحيث يكون تعيين التركيب للبعض منافيا لتعيينه للآخر بحسب إرادة المتكلم عرفا.
- ولكن صلوحية التركيب لها على البدلية مع عدم ما يعين إرادة أحدها تحمل السامع على الأخذ بالجميع إيفاء بما عسى أن يكون مراد المتكلم، فالحمل على الجميع نظير ما قاله أهل الأصول في حمل المشترك على معانيه احتياطا.
- وقد يكون ثاني المعنيين متولدا من المعنى الأول، وهذا لا شبهة في الحمل عليه لأنه من مستتبعات التراكيب، مثل الكناية والتعريض والتهكم مع معانيها الصريحة.
* ومثاله: ما ورد في صحيح البخاري من تفسي ابن عباس رضي الله عنه لقول الله تعالى:
(إذا جاء نصر الله والفتح) ،أنه أجل رسول الله أعلمه له، والفتح علامة ذلك، ووافقه عمر قائلا: ما أعلم منها إلا ما تقول.
- وتركيب بعض الآيات يسمح بحملها أكثر من معنى دون أن تتعارض تلك المعاني أو تتنافى مع بعضها البعض، إذا ما تدبرها المرء وتأملها.
- فتحمل معاني القرآن على المراد بها جميعا ما لم يكن في الكلمات والتراكيب والإعراب والدلالات ما يخالف السياق.
- ومثال ذلك الوصل والوقف في قول الله تعالى:
(لا ريب فيه هدى للمتقين) إذا وقف على (لا ريب) أو على (فيه).
* وقوله تعالى:
(وكأين من نبيء قُتل معه ربيون كثير) باختلاف المعنى إذا وقف على قوله: (قتل)، أو على قوله: (معه ربيون كثير).
* وكقوله تعالى:
(وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون) باختلاف المعنى عند الوقف على اسم الجلالة أو على قوله: (في العلم). وغير ذلك من أمثلة.

* التنبيه على بعض استعمالات الألفاظ والتراكيب:
- أراد المؤلف التنبيه على ما يحتمل عدة معان، فذكر ثلاثة مباحث:
- استعمال اللفظ المشترك في عدة معان.
- واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معا.
- وإرادة المعاني المكنى عنها مع المعاني المصرح بها، وقد اعتنى علماء المعاني والبيان بالكناية ونبهوا عليه.

- وأما المبحثان الأولان وهما استعمال المشترك في معنييه أو معانيه، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، فلم يستعمالان قبل القرآن أو وقعا في كلام العرب لكن بندرة.
- وذلك جعل المتصدين لاستخراج معاني القرآن تفسيرا وتشريعا ومنهم علماء العربية وعلماء أصول الفقه في تردد عند استعمالهما، وبعض العلماء إن قال بمحمل يفضي إلى استعمالهما فإنه يعد ذلك أمرا جللا.

- وأرجع البعض كالغزالي وأبو الحسين البصري ذلك التردد لعدم العهد بمثله قبل نزول القرآن، وقالا بصحة إرادة المشترك عدة معان لكن هذا يرجع إلى مراد المتكلم لا ما دلت عليه اللغة.
- واعتبر المؤلف قصدهما من الكلام أنهما يريدان تصيير تلك الإرادة إلى أنها دلالة من مستتبعات التراكيب لأنها دلالة عقلية لا تحتاج إلى علاقة وقرينة، كدلالة المجاز والاستعارة.
- وذهب ابن عاشو إلى أن المشترك يصح إطلاقه على عدة من معانيه جميعا أو بعضا إطلاقا لغويا.

- أقوال العلماء في المعنى المراد من المشترك:
- وقال البعض أنه من قبيل الحقيقة، ونسب إلى الشافعي وأبي بكر الباقلاني وجمهور المعتزلة.
- وقال البعض هو المجاز، وجزم ابن الحاجب بأنه مراد الباقلاني من قوله في كتاب التقريب والإرشاد إن المشترك لا يحمل على أكثر من معنى إلا بقرينة.
* ففهم ابن الحاجب أن القرينة من علامات المجاز وهذا لا يستقيم.
- لأن القرينة التي هي من علامات المجاز هي القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي وهي لا تتصور في موضوعنا؛ إذ معاني المشترك كلها من قبيل الحقيقة وإلا لانتقضت حقيقة المشترك فارتفع الموضوع من أصله.
- وإنما سها أصحاب هذا الرأي عن الفرق بين قرينة إطلاق اللفظ على معناه المجازي وقرينة إطلاق المشترك على عدة من معانيه، فإن قرينة المجاز مانعة من إرادة المعنى الحقيقي وقرينة المشترك معينة للمعاني المرادة كلا أو بعضا.
- ومن الأقوال أيضا التي لا يعول عليها هو صحة إطلاق المشترك على معانيه في النفي وعدم صحة ذلك في الإيجاب، ونسب هذا القول إلى برهان علي المرغيناني الفقيه الحنفي صاحب كتاب الهداية في الفقه.
-ويعتقد المؤلف أن الذي دفعه لهذا القول اشتباه دلالة اللفظ المشترك على معانيه بدلالة النكرة الكلية على أفرادها حيث تفيد العموم إذا وقعت في سياق النفي ولا تفيده في سياق الإثبات
.

- قول ابن عاشور في المعنى المراد من المشترك:
- والذي يجب اعتماده أن يحمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني سواء في ذلك اللفظ المفرد المشترك، والتركيب المشترك بين مختلف الاستعمالات، سواء كانت المعاني حقيقية أو مجازية، محضة أو مختلفة.
* مثال استعمال اللفظ المفرد في حقيقته ومجازه قوله تعالى:
(ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس) فالسجود له معنى حقيقي وهو وضع الجبهة على الأرض ومعنى مجازي وهو التعظيم، وقد استعمل فعل يسجد هنا في معنييه المذكورين لا محالة.
*ومثال آخر وهو قول الله تعالى:
(ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) فبسط الأيدي حقيقة في مدها للضرب والسلب، وبسط الألسنة مجاز في عدم إمساكها عن القول البذيء وقد استعمل هنا في كلا معنييه.
* ومثال استعمال المركب المشترك في معنييه قوله تعالى:
(ويل للمطففين) فمركب ويل له يستعمل خبرا ويستعمل دعاء، وقد حمله المفسرون هنا على كلا المعنيين.
- وعلى هذا القانون يكون طريق الجمع بين المعاني التي يذكرها المفسرون، أو ترجيح بعضها على بعض.
- وقد كان المفسرون غافلين عن تأصيل هذا الأصل فلذلك كان الذي يرجح معنى من المعاني التي يحتملها لفظ آية من القرآن، يجعل غير ذلك المعنى ملغى.

- تطبيق ابن عاشور لهذا القانون في تفسيره:
- وأكد ابن عاشور رؤيته إرادة المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ بدون خروج عن مهيع الكلام العربي البليغ، معاني في تفسير الآية.
- وقال أنه يقر هذا القانون عند تعرضه للآيات في تفسيره.
- وأنه إذا ترك معنى مما حمل بعض المفسرين عليه في آيات من القرآن فلا يعني ذلك إبطالها إنما ذلك لأمور:
* منها الترجيح لغيره من الأقوال.
* أو اكتفاء بذكره في تفاسير أخرى تجنبا للإطالة.

الجزء الثالث (المقدمة العاشرة)

[/color][/size][/font][/font][/color][/b][/center]
في إعجاز القرآن

- مقدمة:
- الحديث عن إعجاز القرآن هو شغل أهل البلاغة الشاغل.
- معرفة علم البلاغة طريق تظهر من خلاله وجوه إعجاز القرآن وكيف تفوق على النص العربي المعروف بالبلاغة.

- إرساء أبو يعقوب السكاكي في كتابه (المفتاح) قواعد تضبط عملية البناء في علم البلاغة، ليظهر إعجاز القرآن عند النظر فيه بعد التأسيس.

* غرض ابن عاشور من مقدمته (إعجاز القرآن):
- بيان وجوه إعجاز القرآن، والتبصر بجوانب إعجازه البيانية، دون إسهاب ممل، ولا اختصار مخل.
- التعريف ببلاغة القرآن التي فاقت كل بلاغة، فحوت لطائف أدبه، وارتقت بالعرب وبلغتهم.
- وانطلق المؤلف قاصدا سبيله بعدما رأى ممن سبقوه خلطاً للغرضين السابقين، وذكراً على استحياء لجانب البلاغة والبيان.

- ولذلك حوت هذه المقدمة أصولا ونكتا أغفلها من تقدموا في الكلام عن إعجاز القرآن.
* وممن سبق منه الكلام في إعجاز القرآن: الباقلاني، والرماني، وعبد القاهر الجرجاني، والخطابي، وعياض، والسكاكي.

* حاجة المفسر لعلم البلاغة:
- معرفة المفسر بوجوه البلاغة ودقائقها تعينه على الارتقاء بلغة تفسيره إلى حد الكمال.
- وتعينه على إبراز جمال النظم القرآني وأسلوبه، وبث الروح في تفسيره.
- وتساعده في بيان ما في القرآن من طرق الاستعمال العربي وخصائصه البلاغية التي فاقت بلاغة العرب في كلامهم.

* موقف المفسرين من علم البلاغة في تفاسيرهم:
- تعجب المؤلف من خلو معظم التفاسير من الحديث عن بلاغة القرآن.
- فمن المقلين لهذا الأمر في تفاسيرهم: الزجاج وابن عطية، أما المكثرين: فصاحب الكشاف.
- والعذر لأصحاب التفاسير الذين اعتنوا عناية خاصة بالمعاني، وإن كان منهم من لم يهمل البيان مثل إسماعيل بن إسحاق بن حماد لمالكي البغدادي، وأبي بكر بن العربي.


*سبب العناية بإعجاز القرآن:
- القرآن هو المعجزة الوحيدة الباقية من معجزات الأنبياء، وهو المعجزة الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم.
- وهو معجزة عامة، بخلاف ما وقع من معجزات أخرى قيدت بأحوال وأشخاص وأزمنة خاصة.
- حصول التحدي به صراحة لمكذبي الرسالة، قال تعالى
: (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم).
- تصدى بعض العلماء للاستدلال على معجزة القرآن، وبرز في ذلك أبو بكر الباقلاني في كتابه المسمى (إعجاز القرآن) وأطال في عرض ذلك، وخلص إلى أن معجزة القرآن قرينة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

*حجية القرآن باقية إلى يوم القيامة:
- عُلم وجه إعجاز القرآن بعجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثله وعجز أهل كل عصر إلى يوم القيامة.
- وقد تواترت أدلة معجزة القرآن وعجز العرب عن الإتيان بعشر سورة مثله أو سورة واحدة.
* كما قال الله تعالى:
(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله).
* قال الله تعالى:
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار).
* قال الله تعالى: (قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين).
- عجز المكذبين المعاندين عن مماثلة القرآن ومشابهته ولو في أصغر قطعة منه، مما أدى إلى استعمالهم القوة، وهذا دليل على عجزهم عن معارضته.

*تعليل العجز عن معارضة القرآن:
- اختلف العلماء في تعليل عجزهم عن معارضة القرآن فكانت مواقفهم مختلفة.
1. طائفة قليلة قالت ب(الصرفة) أي: أن الله صرفهم عن معارضة القرآن، فسلبهم المقدرة أو سلبهم الداعي.

- أصل كلمة الصرفة:
- الصرفة بكسر الصاد وسكون الراء، وقال المؤلف لعلها بفتح الصاد، وهى مرة من الصرف.
- صيغت كلمة الصرفة بصيغة المرة للإشارة إلى أنها صرف خاص.
- نُسب القول بالصرفة إلى الأشعري فيما حكاه أبو الفضل عياض في الشفاء، وإلى النظام والشريف المرتضى وأبي إسحاق الاسفرائيني، فيما ذكره عضد الدين في المواقف.
- وصرح به ابن حزم في كتاب الفصل، وأرجعه صاحب المقاصد إلى كثير من المعتزلة.

2.أما جمهرة أهل العلم والتحقيق، فذهبوا إلى عجز المتحدين أنفسهم حيث فاقت بلاغة القرآن قدرة العرب في البلاغة.
- وهو الذي عليه أئمة الأشعرية وإمام الحرمين، والجاحظ وأهل العربية، وكذلك هو عند المؤلف.

- دليل قوي اعتبره المؤلف على إعجاز القرآن:
- من أدلة العجز عن معارضة القرآن والذي بدا قويا عند المؤلف بقاء كتابة وتلاوة الآيات المنسوخ حكمها.
- فوجه بقاء تلك الآيات يتألف من مجموعها من البلاغة ما يقوم به التحدي بالإتيان بمثله.
- مثال ذلك آية الوصية في سورة العقود.


- المقدار المتحدى به من القرآن:
- وقع التحدي بأي سورة من القرآن، وإن كانت قصيرة، ولم يتحدد عدد الآيات.
- والعلة في ذلك أن أفانين البلاغة منها ما يرجع إلى نظم الكلام وصوغه ما يناسب الغرض المساق من أجله، وانتقال الأغراض وتنوع الأساليب.
- عد شرف الدين الطيبي هذا الوجه لإيقاع التحدي بسورة دون أن يجعل بعدد من الآيات.


* ملاك وجوه الإعجاز عند ابن عاشور يرجع إلى ثلاث جهات:
1. تربع بلاغة القرآن على عرش هذا الفن بلا منازع، ويظهر ذلك في نظمه البديع، ومعانيه الغزيرة، ونكته الوفيرة.2. أفانين التصرف في القرآن في نظم كلامه لم تسبق بما عهد في أساليب العرب، مع بقائه في حيز المسموح لغةً.
3. تضمن القرآن للمعاني الحكمية (الإعجاز التشريعي) والإشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية فيما لم يعرف وقت نزوله (الإعجاز العلمي) وهذا أغفله أبو بكر الباقلاني والقاضي عياض.

- وجه رابع لإعجاز القرآن:
- زاد كثير من العلماء وجه رابع وهو: (الإعجاز الغيبي).
- ويمكن عد أخبار القصص السالفة من هذا الوجه من الإعجاز، وقد ذكره عياض في الشفاء.

-وجه دلالة الإعجاز الغيبي للعرب الأميين يتمثل في عدم معرفتهم بمثل هذه القصص والأخبار، ورغم علم أهل الكتاب ببعض هذه الأخبار ألا أنه معجز أيضا لهم من حيث معرفتهم بنشأة الرسول صلى اله عليه وسلم التي يستحيل معها أن يأتي بمثل هذه الأخبار إلا بوحي يوحى.

* متعلق وجوه الإعجاز:
- إعجاز القرآن دليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لدى الناس كافة في كل عصر.
- والوجهان الأول والثاني من وجوه الإعجاز التي ذكرها المؤلف معجزان للعرب.
* فهما معجزان لفصحائهم بلغته العالية في البلاغة، وكذلك هو معجز لمن تعلم لغتهم وأجاد فنون البلاغة في كل عصر.
* ومعجزان لعامتهم بإدراكهم عجز الفصحاء عن
معارضته رغم تملك نفس الأدوات التي هى الحروف والأساليب.
- أما الوجه الثالث فهو معجز لكل البشر عل مر العصور، فهو معجز للعرب إن أدركوا معانيه التشريعية والحكمية والعلمية والأخلاقية، ولغير العرب من خلال ترجمته.
- أما الوجه الرابع فهو معجز لأهل عصر نزوله إعجازا تفصيليا، ومعجز لمن جاء بعدهم ممن يبلغه بسبب تواتر نقله.

* تفصيل وجوه إعجاز القرآن:
- الوجه الأول: الإعجاز البياني في القرآن ( وجوه بلاغته):
- وهو المصطلح على تسميته حد الإعجاز، وهو الطرف الأعلى من البلاغة والفصاحة.
- وقد وصف أئمة البلاغة والأدب البلاغة والفصاحة بعلم المعاني والبيان.
- وتصدى أولئك الأئمة للموازنة بين بلاغة القرآن وأعلى ما وصل إليه العرب في بلاغتهم.
- ومن أولئك الأئمة: أبي بكر الباقلاني، وأبي هلال العسكري، وعبد القاهر السكاكي، ابن الأثير، وغاية جهدهم إظهار إعجاز القرآن من الناحية البيانية، وقد فصلوا في ذلك الأمر كثيرا.
- وأحال المؤلف إلى مرجعين في معرفة علم البلاغة وإدراك الإعجاز البياني الأول يعني بالكليات والقواعد، والثاني يعني بالتفاصيل الواصفة لإعجاز آي القرآن.
* أما الأول فهو المؤلفات المتخصصة ومن الكتب التي فصلت فأبدعت، وأجادت فأدهشت: (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) للجرجاني، والقسم الثالث فما بعده من المفتاح – مفتاح العلوم (للسكاكي).
* أما المرجع الثاني فهو التفاسير المؤلفة في ذلك وعمدتها الكشاف، وتفسيره- أي تفسير ابن عاشور- فقد ذكر أنه فيه استنباطات وابتكارات.

- أصول نواحي إعجاز القرآن البيانية (الأدلة الإجمالية):
- عمد المؤلف إلى الحديث عن أصول نواحي إعجاز القرآن البيانية خاصة ما لم يتعرض له الأئمة أو أجملوا في ذكره.
- والدليل الإجمالي يكفي فيه
تحدي بلغاء العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا عن معارضته رغم أنهم أهل النظم والنثر، واللغة بضاعتهم.
- وجاءت الآيات كاشفة لعجزهم، فلما عجزوا عن معارضته ادعوا أنه سحر أو أساطير الأولين، ومنهم من عاند وكابر وذهب يدعي أنه أتى بمثله كمسليمة فجعله عمله في تباب. ذكره عياض في الشفاء.

- وأما من عقل القرآن وكان منصفا فلم يملك إلا أن يظهر انبهاره به كما قال الوليد بن المغيرة: (والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما هو بكلام بشر).
- ومنهم من سجد لفصاحته، كما ذكر أبو عبيدة أن أعربيا فعل لما سمع قول الله تعالى: (فاصدع بما تؤمر)، فكلمة (اصدع) تضمنت الدعوة والجهر بها والشجاعة في ذلك، وكلمة( تؤمر) وجيزة جامعة.
- وآخر شهد أنه لا يقدر على مثله مخلوق، لما سمع قول الله تعالى:
(فلما استيأسوا خلصوا منه نجيا). ذكره أبو عبيدة.
- أما الأدلة التفصيليلة على إعجاز القرآن فقد تصدى لها أهل البلاغة فبينوها.

* جملة من أقوال أهل البلاغة في إدراك معنى الإعجاز:
- فقد قال السكاكي في المفتاح، أن إدراك الإعجاز عنده لا يكون إلا بالذوق، وطريق اكتساب الذوق ممارسة علمي المعاني والبيان، وتظهر للممارس بعض الوجوه البيانية ولكن الإعجاز نفسه فلا يدرك.
- وقال التفتزاني أن الإعجاز لا يمكن التعبير عنه لأنه لا يدرك بالعقل، فلم يتمكن أحد من معارضة كلام الله عز وجل، ولم يأتي أحد بمثله، ولا شيء يماثله من كلام العرب الفصيح، فإدراك الإعجاز في نظر التفتزاني هو الذوق، والذوق هو قوة إدراكية لها اختصاص
بإدراك لطائف الكلام ووجوه محاسنه الخفية، والذوق فطري أو مكتسب ، وسبيل تحصيله الاعتناء بعلمي المعاني والبيان وطول ممارستهما.
- ورد التفتزاني قول من قال بالصرفة في إعجاز القرآن، ومن زعم أن إعجاز القرآن هو مخالفة أساليب العرب المعهودة،
وقال أن وجه الإعجاز أمر من جنس البلاغة والفصاحة.

* دلالات التراكيب في القرآن على كونه معجزا:
- وهى خصوصيات كلام الله عز وجل البليغ ودقائقه مرادة منه سبحانه ودلت على كونه معجزا.
-وفيها ملحوظة للمتحدين به على مقدار ما يبلغ إليه بيان المبين.

- أمثلة دلالة الخصوصيات على الإعجاز:
- ما روي عن أبي هريرة من حديث مسلم والأربعة:
(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي).. الحديث.
* ففيه تنبيه على ما في نظم فاتحة الكتاب من خصوصية التقسيم إذ قسم الفاتحة ثلاثة أقسام.
* وحسن التقسيم من المحسنات البديعية.
* وتضمن الحديث حسن التخلص في قوله:
(إياك نعبد وإياك نستعين)، قال: هذا بيني وبين عبدي) إذ كان ذلك مزيجا من القسمين الذي قبله والذي بعده.
* وفيه التنبيه على محسن المطابقة كقوله: (فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير).
8 والتنبيه على ما فيه من تمثيل كقوله تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) وقوله: (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون).

* تفصيل ابن عاشور لبعض دلالات التراكيب في القرآن:
- الالتفات:
- ومن وجوه الإعجاز البياني الالتفات، وهو من أفانين الكلام.
- والالتفات هو نقل الكلام من أحد طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى طريق آخر منها.
- وهو بمجرده معدود من الفصاحة، وسماه ابن جني شجاعة العربية لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع.
- فإذا انضم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة، وكان معدودا عند بلغاء العرب من النفائس.
- وقد جاء منه في القرآن ما لا يحصى كثرة مع دقة المناسبة في الانتقال
.

- التشبيه والاستعارة:
- ولهما المكان الأعلى في باب البلاغة.
- جاء في القرآن من التشبيه والاستعارة ما أعجز العرب، كقوله:
(واشتعل الرأس شيبا) وقوله: (واخفض لهما جناح الذل) وقوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) وقوله تعالى: (ابلعي ماءك) وقوله: (صبغة الله) إلى غير ذلك من وجوه البديع.
- ومن محاسن التشبيه عند العرب كمال الشبه، وأحسنه ما وقع في القرآن كقوله تعالى:
(فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين) حيث فيه احتراس عن كراهة الطعام (وأنهار من عسل مصفى) احتراس عن أن تتخلله أقذاء من بقايا نحله.
- وانظر في قول الله تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار) الآية.
* ففيه إتمام جهات كمال تحسين التشبيه لإظهار أن الحسرة على تلفها أشد.
- وكذا قوله تعالى:
(مثل نوره كمشكاة) إلى قوله: (يكاد زيتها يضيء) فقد ذكر من الصفات، والأحوال ما فيه مزيد وضوح المقصود من شدة الضياء، وما فيه تحسين المشبه وتزيينه بتحسين شبهه، وأين من الآيتين قول كعب:
شجت بذي شبم من ماء محنية = صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه = من صوب سارية بيض يعاليل

- دلالات تراكيب الجمل:
- بني نظم القرآن على وفرة الإفادة وتعدد الدلالة ،ويشترك القرآن مع الكلام العربي في دلالات الوضع التركيبية للجمل.
- وكذلك يشتركان في مجملهما في الدلالات البلاغية لكن القرآن بلغ ذروة البلاغة التي لا تدرك في غيره.

- وقد كثرت في القرآن دلالة تقدير: القول والموصوف والصفة، وتعرف من خلال القرينة، وقل هذا في كلام البلغاء.

- ودلالة مواقع الجمل بحسب السياق، فمنها ما يكون للاستدراك أو جواب لسؤال أو تعريض أو غير ذلك، فلما سمحت أغراض القرآن بالإطالة كالتذكير والتلاوة تعددت مواقع الجمل والاغراض، وهو ما لم يظهر في كلام العرب.
* مثال ذلك قول الله تعالى: (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) بعد قوله: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) فإن قوله: (وخلق الله السماوات والأرض) إلى آخره مفيد بتراكيبه فوائد من التعليم والتذكير، وهو لوقوعه عقب قوله: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) واقع موقع الدليل على أنه لا يستوي من عمل السيئات مع من عمل الصالحات في نعيم الآخرة.

- التقديم والتأخير:
- مثال لدقائق استعمال التقديم والتأخير في وضع الجمل، قول الله تعالى: (إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا)
إلى قوله: (إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا) إلى قوله: (وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) فكان للابتداء بذكر جهنم ما يفسر المفاز في قوله: (إن للمتقين مفازا) أنه الجنة لأن الجنة مكان فوز.
* ثم كان قوله:
(لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) ما يحتمل لضمير فيها من قوله: (لا يسمعون فيها) أن يعود إلى (كأسا دهاقا) وتكون في للظرفية المجازية أي الملابسة أو السببية أي لا يسمعون في ملابسة شرب الكأس ما يعتري شاربيها في الدنيا من اللغو واللجاج، وأن يعود إلى (مفازا) بتأويله باسم مؤنث وهو الجنة وتكون في للظرفية الحقيقية أي لا يسمعون في الجنة كلاما لا فائدة فيه ولا كلاما مؤذيا. وهذه المعاني لا يتأتى جميعها إلا بجمل كثيرة لو لم يقدم ذكر جهنم ولم يعقب بكلمة (مفازا) ولم يؤخر (وكأسا دهاقا) ولم يعقب بجملة (لا يسمعون فيها لغوا) إلخ.

- النكت البلاغية:
- والنكت البلاغية مما تنافس فيه البلغاء وتفاضلوا فيه، وههى من إعجاز القرآن.
- وهى من خصوصيات القرآن، وتتطلب العناية بمقامات بلاغة الكلام.
- وعلى المفسر أن يولي عنايته للمقامات التي نزلت فيها الآيات، فلا يقتصر على مواقع ألفاظ الآيات.
* مثال ذلك قول الله تعالى في سورة المجادلة:
(أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) ثم قوله: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) فقد يخفى مقتضى اجتلاب حرف التنبيه في افتتاح كلتا الجملتين فيأوي المفسر إلى تطلب مقتضه ويأتي بمقتضيات عامة مثل أن يقول: التنبيه للاهتمام بالخبر.
-ولكن الآيتين نزلتا بمسمع من المنافقين والمؤمنين جميعا ، فحرف التنبيه في الأولى لمراعاة إيقاظ فريقي المنافقين والمؤمنين جميعا، فالأولون لأنهم يتظاهرون بأنهم ليسوا من حزب الشيطان في نظر المؤمنين إذ هم يتظاهرون بالإسلام فكأن الله يقول قد عرفنا دخائلكم، وثاني الفريقين وهم المؤمنون نبهوا لأنهم غافلون عن دخائل الآخرين.

- سلامة ألفاظ القرآن ونظمه من غياب الفصاحة:
- والإعجاز البياني هو أقوى نواحي إعجاز القرآن، وبه يتحقق الإعجاز لأقصر سورة منه.
- ويتضمن بيان القرآن فصاحة اللفظ وانسجام النظم حيث سلم الكلام من ثقل اللسان الذي كان يعرض للشعراء والخطباء.
* قال الرازي في مفاتيح الغيب مبينا لأهمية اللفظ، أن اللفظ هو بمثابة الجسم للكلام، ووروحه الكلام هو المعنى، وأن الكلمة لا يكون لها أثرا إن كان لفظها ركيكا.
- والألفاظ توصف بالفصاحة، وإذا غابت الفصاحة تنافرت الحروف والكلمات عند الاجتماع مثل: مستشزرات والكنهبل في معلقة امرئ القيس، وغير ذلك من أمثلة.
والقرآن قد سلم من هذا كله مع تفننه في مختلف الأغراض ومقتضياتها من كثرة الألفاظ.
* ومن العلماء من أورد أمثلة من القرآن كقول الله تعالى: (
ألم أعهد إليكم) وقوله: (وعلى أمم ممن معك) وتصدى للجواب، والصواب أن ذلك غير وارد لعدم بلوغه حد الثقل، ولأن حسن دلالة اللفظ على المعنى بحيث لا يخلفه فيها غيره مقدم على مراعاة خفة لفظه.
- وقد اتفق أئمة الأدب على أن وقوع اللفظ المتنافر في أثناء الكلام الفصيح لا يزيل عنه وصف الفصاحة، فإن العرب لم يعيبوا معلقة امرئ القيس ولا معلقة طرفة.
- ولهجات العرب وقع فيها التفاوت فأجلاها لسان قريش -التي نزل بها القرآن- ومن حولها، وبتلك اللهجات أو اللغات فسر حديث:
(أنزل القرآن على سبعة أحرف).
- وتلك اللغة التي جاء بها القرآن كانت من أسباب تيسيره على الألسن، قال تعال: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
- وقد استعمل القرآن أقرب الكلمات في لغة العرب دلالة على المعاني المقصودة، وأشملها، فلا توجد في كلمات القرآن كلمة تقصر دلالتها على جميع المقصود منها في حالة تركيبها، ولا توجد كلمة مستعملة إلا في حقائقها مثل إيثار كلمة ( حرد) في قوله تعالى: (وغدوا على حرد قادرين)، فجميع معاني الحرد مرادة لذلك الغرض.
- وبعض الأحوال تقتضي التصرف في معنى اللفظ فيكون التضمين وهو كثير في القرآن، كما في قول الله تعالى: (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء) فجاء فعل (أتوا) مضمنا معنى مروا فعدي بحرف على؛ لأن الإتيان تعدى إلى اسم القرية والمقصود منه الاعتبار بمآل أهلها.

- الوجه الثاني: أفانين التصرف في نظم القرآن:
- وهذه الجهة مغفولة من البلاغة.
- فأدب العرب نوعان شعر ونثر، والنثر خطابة وأسجاع كهان، وأصحاب هذه الأنواع مع تفننهم في ابتكار المعاني والتراكيب، فإنهم قد التزموا طريقة واحدة تشابهت فنونها.
* فكم من قصيدة افتتحت بقولهم: ( بانت سعاد للنابغة وكعب بن زهير)، وكذلك في الخطب كما في خطب سحبان وقس بن ساعدة، وأسجاع الكهان اختصت بقصر الفقرات وغرابة الكلمات.
- وكان الشعر هو الغالب على كلام العرب، وندرت الخطابة لندور مقاماتها.

- نظم القرآن إلى أي فنون العرب أقرب:
- وقد أتى القرآن مخالفا للشعر وسجع الكهان، وكان من أسلوب النثر أقرب إلى الخطابة، فابتكر أساليب تناسب المقاصد.

- وقد شهد بذلك أعداء الدين:
* فقال الوليد بن المغيرة لما استمع إلى قراءة النبيء صلى الله عليه وسلم :
(والله ما هو بكاهن، ما هو بزمزمته ولا سجعه، وقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه، وقريضه ومبسوطه، ومقبوضه ما هو بشاعر).
* ووصفه أنيس بن جنادة الغفاري الشاعر قائلا:
(لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم، وما يلتئم على لسان واحد بعدي أنه شعر) وقد أسلم.
- ولما تفرد القرآن بأسلوبه ونظمه ألحقه العرب بأشبه الكلام به، وكان ذلك الشعر.
- والقرآن مع طول أغراضه وتفنن معانيه وكونه نثرا فأسلوبه سهل ولا تفاوت في فصاحة تراكيبه.
- وإذا نظرنا إلى الشعر فقد استعمله العرب لتخليد أغراضهم وآدابهم، وتفاوت الشعراء في سلاسة الكلام، فإن وقع منهم المخالفة للمعهود، برروا بالضرورة الشعرية المقتضية لذلك.

- من إعجاز القرآن مجيئه منثورا:
- فالقرآن جاء منثورا، فائق في فصاحته، سلس على الألسن، متوافق الكلمات والتراكيب في السلامة، ومجيئه بهذه الطريقة داخل في إعجازه.
- واشتمل القرآن أساليب العرب، بل زاد عليها ما لم يكن عندهم معهودا، وذلك التنويع له حكمتان:
* أولاهما ظهور أنه من عند الله.
* والثانية أن يكون في ذلك زيادة التحدي للمتحدين به بحيث لا يستطيع أحد أن يقول إن هذا الأسلوب لم تسبق لي معالجته ولو جاءنا بأسلوب آخر لعارضته
.

- أساليب القرآن الفريدة:
- وقد استحدث القرآن أسلوبا جامعا لمقصديه، وهما مقصد الموعظة ومقصد التشريع.

* فكان نظمه مانحا للموعظة لراغبيها، وفي طيات معانيه حمل الأحكام والتشريع لمستخرجيها.
* وقد قال في الكلام على بعضه:
(وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) هذا من حيث ما لمعانيه من العموم والإيماء إلى العلل والمقاصد وغيرها.
- ومن أساليبه بداعة التنقل من فن إلى فن بطرق عدة كالاعتراض، والتنظير، والتذييل والإتيان بالمتردافات عند التكرير، والإكثار من الالتفات، الذي عز في شعر العرب ونثرهم.
- ومن أبدع أمثلة ذلك قوله: (
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا.. ) إلى قوله تعالى: (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق..) الآيات.
- وفي هذا التفنن في التنقل بين المناسبات رقة وبداعة يدركها السامع بحصولها، وفيه أيضا دفع سآمة الإطالة عنهم.
- وهذه الأساليب البديعة جاءت موافقة لغرض الاستكثار من قراءة القرآن، فقد قال تعالى:
(علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن) فقوله: (ما تيسر) يقتضي الاستكثار بقدر التيسر.
- وبلاغة الكلام تتمثل في أحوال تراكيبه اللفظية، وكيفية أدائها، كالسكوت مثلا، فسكوتا خفيفا فيه إفادة التشويق لما سيأتي بعده، وهو بمنزلة الاستئناف البياني، كالإتيان بلفظ يفيد الاستئناف البياني.

* مثاله قوله تعالى:
(هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى) فإن الوقف على قوله: (موسى) يحدث في نفس السامع ترقبا لما يبين حديث موسى، فإذا جاء بعده (إذ ناداه ربه) إلخ حصل البيان مع ما يحصل عند الوقف على كلمة موسى من قرينة من قرائن الكلام لأنه على سجعة الألف مثل قوله: (طوى)، (طغى)، (تزكى) إلخ.
- ومن أساليب القرآن العدول عن تكرير اللفظ والصيغة فيما عدا المقامات التي تقتضي التكرير من تهويل ونحوه، ومثاله قوله تعالى:
(إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) فجاء بلفظ قلوب جمعا مع أن المخاطب امرأتان فلم يقل قلباكما تجنبا لتعدد صيغة المثنى.
* ومن ذلك قوله تعالى:
(وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) فروعي معنى ما الموصولة مرة فأتى بضمير جماعة المؤنث وهو خالصة، وروعي لفظ ما الموصولة فأتى بمحرم مذكرا مفردا.
- إن المقام قد يقتضي شيئين متساويين أو أشياء متساوية فيكون البليغ مخيرا في أحدهما وله ذكرهما تفننا وقد وقع في القرآن كثير من هذا:
*من ذلك قوله:
(وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا) بواو العطف في سورة البقرة وقوله في الأعراف: (فكلا) بفاء التفريع وكلاهما مطابق للمقام فإنه أمر ثان وهو أمر مفرع على الإسكان فيجوز أن يحكى بكل من الاعتبارين.
قال في الكشاف في تفسير قوله تعالى:
(قال ربي يعلم القول في السماء والأرض) في سورة الأنبياء "ليس بواجب أن يجاء بالآكد في كل موضع ولكن يجاء بالوكيد تارة وبالآكد أخرى كما يجاء بالحسن في موضع وبالأحسن في غيره ليفتن الكلام افتنانا".
- ولما اختص الشعر بانتقاء اللفظ وإبداع المعنى، ما يعينه على العلوق بالحافظة، وجاء معتنيا ببعض الأغراض كالنسيب والحماسة والرثاء والهجاء والفخر وغير ذلك، وكانت الخطب تنقضي بانقضاء الحاجة منها، والأمثال جعلت ألفاظها قصيرة الغر منها الاتعاظ، فجاء القرآن ليوسع أدب اللغة بأسلوبه الغض الجديد متفننا إلى أفانين أغراض الحياة كلها معط لكل فن ما يليق به من المعاني والألفاظ واللهجة: فتضمن المحاورة والخطابة والجدل والأمثال أي الكلم الجوامع والقصص والتوصيف والرواية.
- والمحسنات في البديع جاءت في القرآن أكثر مما جاءت في شعر العرب، وخاصة الجناس كقوله:
(وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).
- والطباق كقوله:
(كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير).

- من أقوال العلماء في أساليب القرآن:
- نقل عن أبي بكر بن العربي أنه قال في كتابه سراج المريدين، ارتباط آي القرآن بعضها مع بعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسعة المعاني منتظمة المباني، علم عظيم.
- ونقل الزركشي عن عز الدين بن عبد السلام، المناسبة علم حسن ويشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، والقرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض
.
- وقال شمس الدين محمود الأصفهاني في تفسيره نقلا عن الفخر الرازي أنه قال إن القرآن كما أنه معجز بسبب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه هو أيضا معجز بسبب ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قالوا إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك.


الجزء الرابع
مبتكرات القرآن

* مبتكرات القرآن في الأساليب:
- تميز القرآن عن كلام العرب بمبتكرات، منها:
- مخالفة أسلوب الشعر المعروف عند العرب.
- وأضاف المؤلف أيضا، مخالفة بعض أساليب العرب في الخطابة، فأتى بنظم يُقصد به حفظه وتلاوته، وذلك من إعجازه.
- مجيئه بجمل تضمنت معان مفيدة محررة كالعمومات المخصصة والمطلقات المقيدة.
* ومثال ذلك قول الله تعالى:
(ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) فبين أن الهوى قد يكون محمودا إذا كان هوى المرء عن هدى.
- مجيئه على أسلوب التقسيم والتسوير وهي سنة جديدة في الكلام العربي أدخل بها عليه طريقة التبويب والتصنيف وقد أومأ إليها في الكشاف إيماء
.
- وبتتبع أساليب نظم الكلام في القرآن يظهر تفردها، وذكر المؤلف مثالا لذلك، قال الله تعالى
:(قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات) فإبدال (رسولا) من (ذكرا) يفيد أن هذا الذكر ذكر هذا الرسول، وأن مجيء الرسول هو ذكر لهم، وأن وصفه بقوله: (يتلو عليكم آيات الله) يفيد أن الآيات ذكر.
*ونظير هذا قوله: (حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة) الآية.

- مبتكرات القرآن في الأسلوب القصصي:
- أتى القرآن بالأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم والعذاب في الآخرة، وفي تمثيل الأحوال، وقد كان لذلك تأثير عظيم على نفوس العرب لندرة ذلك عندهم إلا ما كان في بعض شعر النابغة.
* مثال ذلك قول الله تعالى:
(ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار).
- صياغة أقوال المحكي عنهم في القصص والأمثال بما يناسب أسلوب القرآن المعجز، فإذا حكى أقوالا غير عربية عبر عنها بما يبلغ حد الإعجاز في الكلام العربي، وإذا حكى أقوال عربية قصد إلى حاصل القول فيحيط بالمعنى دون التزام اللفظ، وكلٌ داخل تحت إعجاز القرآن.

- حكاية الأسماء بما يناسب مواقعها في الكلام من الفصاحة مثل تغيير شاول إلى طالوت، وتغيير اسم تارح أبي إبراهيم إلى آزر.

- مبتكرات القرآن في ذكر الأمثال:
- عُرفت الأمثال في أدب العرب.
- والأمثال هى حكاية أحوال يرمز لها بجمل بليغة ذُكرت فيها أو قيلت لها، ومع طول الزمن تُنسى الأحوال ويبقى المثل المضروب لها شاهدا.

- وتناول القرآن الأمثال بإيرادها بوضوح في تركيب بديع على غير مثال مسبوق.
* قال الله تعالى
: (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف).
* وقال تعالى: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق).

- مبتكرات القرآن في تنوع الأساليب في السور:
- لم تأتِ سور القرآن على نمط واحد، بل يكاد يكون لكل منها لهجة خاصة بها.
- فبعضها بني على الفواصل، وبعضها افتتح بالحمد، وبعضها افتتح بالغرض مباشرة دون تقديم كقول الله تعالى:
(براءة من الله ورسوله).

* مبتكرات القرآن في التراكيب:
- الإيجاز:
- وهو من أبدع أساليب العرب في كلامهم وفيه تنافسَ الفصحاء.
- وقد جاء القرآن بأبدع أنواع الإيجاز في علم المعاني.
- واشتمل على نوع آخر من الإيجاز وهو صلوحية أغلب آيات القرآن أن تؤخذ منها معان متعددة مع عدم منافاة اللفظ لأي احتمال، وبعض الاحتمالات يمكن اجتماعها وبعضها يمكن أن يأتي كفرض واحد.

- ولولا الإيجاز في القرآن لتضاعفت آياته لتعدد ما اشتملت عليه من معان.

- إيجاز الحذف:
- ومن الإيجاز الحذف، والحذف من الكلام يدل عليه اللفظ أو السياق.
- قال الزمخشري: في تفسير سورة المدثر:الحذف والاختصار هو نهج التنزيل.

- أمثلة على الحذف:
- قول الله تعالى:
(ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) جمع الله فيها ما أنزل على عيسى من أحوال الدنيا والآخرة.
- وقوله تعالى:
(وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) الآية، جمع بين أمرين ونهيين وبشارتين.
- وقوله تعالى:
(ولكم في القصاص حياة) فاوجز كلاما عرف عند العرب وهو القتل أنفى للقتل.
- وقوله تعالى:
(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي) ولقد بسط السكاكي في المفتاح نموذجا مما اشتملت عليه هذه الآية من البلاغة والفصاحة.
- وتصدى أبو بكر الباقلاني في (إعجاز القرآن) إلى بيان ما في سورة النمل من الخصائص.

- أنواع الحذف:
- حذف القول: وهو الذي عده المؤلف من إيجاز الحذف.
- وأبدع مثال له قول الله تعالى: (في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر)، قال الزمخشري في قول الله تعالى: ((ما سلككم في سقر) ليس ببيان للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسؤولين، أي أن المسئولين يقولون للسائلين قلنا لهم (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين) اهـ
.)
- حذف المضاف: مثل قول الله تعالى: (ولكن البر من آمن بالله).
- حذف الجمل التي يدل الكلام على تقديرها مثل قوله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) إذ التقدير: فضرب فانفلق.
- ومن ذلك الإخبار عن أمر خاص بخبر يعمه وغيره لتحصل فوائد، مثل: فائدة الحكم العام، وفائدة الحكم الخاص، وفائدة أن هذا المحكوم عليه بالحكم الخاص هو من جنس ذلك المحكوم عليه بالحكم العام
.

- التضمين:
- ويرجع إلى إيجاز الحذف، وهو من بديع الإيجاز في القرآن وأكثره.
- وهو: أن يضمن الفعل أو الوصف معنى فعل أو وصف آخر ويشار إلى المعنى المضمن بذكر ما هو من متعلقاته من حرف أو معمول فيحصل في الجملة معنيان
.

- أمثلة على التضمين في القرآن:
-والتضمين من أبواب البلاغة الذي ندر في كلام بلغاء العرب، ومن أجله جعلت قصيدة زهير في المعلقات.
-ومن التضمين ما جاء في الجمل الجارية مجرى الأمثال.
- وقد فاق التضمين في القرآن ما وجد في كلام العرب، ومنه قول الله تعالى:
(قل كل يعمل على شاكلته)، وقوله تعالى: (ادفع بالتي هى أحسن).


- الإطناب:
- سلك القرآن مسلك الإطناب لأغراض من البلاغة.
-ومن أهم مقامات الإطناب مقام توصيف الأحوال التي يراد بتفصيل وصفها إدخال الروع في قلب السامع.
*
وهذه طريقة عربية في مثل هذا كقول ابن زيابة:

نبئت عمرا غارزا رأسه = في سنة يوعد أخواله
- ومن أمثلة الإطناب في القرآن قول الله تعالى:
(كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق) وقوله تعالى: (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون).

- أساليب أخرى اعتنى بها القرآن:
- وقد أغفل المفسرون اعتبار تلك الأساليب -بحسب قول المؤلف-، ومنها:
- المشترك اللفظي: وفيه استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو معان إذا صلح المقام بحسب اللغة العربية لإدارة ما يصلح منها.
- الحقيقة والمجاز: وهو استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي إذا صلح المقام لإرادتهما.
وبذلك تكثر معاني الكلام مع الإيجاز وهذا من آثار كونه معجزة خارقة لعادة كلام البشر ودالة على أنه منزل من لدن العليم بكل شيء والقدير عليه.


- التصريف: وهو الإتيان بالألفاظ التي تختلف معانيها باختلاف حروفها أو اختلاف حركات حروفها.
- وهو من أسباب اختلاف كثير من القراءات كما في قول الله تعالى:
(وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا) قرئ (عند) بالنون دون ألف وقرئ (عباد) بالموحدة وألف بعدها.

- الجزالة والرقة:
- وهما مما يندرج تحت جهة الأسلوب ولكل منهما مقاماته ويرجعان إلى معاني الكلام.
- ولا تخلو سورة من القرآن من تكرر هذين الأسلوبين، وكل منهما بالغ غايته في موقعه.
* كما في قول الله تعالى
: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)
.
- وقوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا).
- وقوله تعالى:
(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود).
* قال عياض في الشفا: إن عتبة بن ربيعة لما سمع هذه الآية أمسك بيده على فم النبيء صلى الله عليه وسلم وقال له: ناشدتك الله والرحم إلا ما كففت.



الجزء الخامس
عادات القرآن


*أمثلة دلالة اعتناء السلف والخلف بعادات القرآن:
- عادات القرآن من نظم وكلم لها أهمية للمفسر، وقد تعرض بعض السلف لشيء منها، ومثال ذلك:
* كل كأس في القرآن فالمراد بها الخمر، قاله ابن عباس، وذكر ذلك الطبري عن الضحاك أيضا
.
* ما سمى الله مطرا في القرآن إلا عذابا، قاله ابن عيينة ، ذكره البخاري في تفسير الأنفال.
* وتسميه العرب الغيث كما قال تعالى:
(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا).
* وعن ابن عباس أن كل ما جاء من
(يا أيها الناس) فالمقصود به أهل مكة المشركون. قاله ابن عباس.
- وقال الجاحظ أن هناك معان في القرآن لا تفترق مثل: مثل الصلاة والزكاة، والجوع والخوف، والجنة والنار، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس.
* وأضاف ابن عاشور: والنفع والضر، والسماء والأرض
.
- وذكر الزمخشري وفخر الدين الرازي أن من عادة القرآن أنه ما جاء بوعيد إلا أعقبه بوعد، وما جاء بنذارة إلا أعقبها ببشارة، ويكون ذلك بأسلوب الاستطراد والاعتراض لمناسبة التضاد،.
* ودلل ابن عاشور لذلك بشعر لبيد:
فاقطع لبانة من تعرض وصله = فلشر واصل خلة صرامها
واحب المجامل بالجزيل وصرمه = باق إذا ظلعت وزاغ قوامها

-وفي الكشاف في تفسير قوله تعالى: (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين) الآية: جيء به ماضيا على عادة الله في أخباره.
-وقال فخر الدين في تفسير قوله تعالى:
(يوم يجمع الله الرسل) من سورة العقود عادة هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعا كثيرة من الشرائع والتكاليف أتبعها إما بالإلهيات وإما بشرح أحوال الأنبياء وأحوال القيامة .

- استقراء ابن عاشور لعادات القرآن:
- استقرأ ابن عاشور عادات القرآن، وقال أنه سيذكرها في مواضعها في التفسير.
- ومثال عادات القرآن التي ذكرها:
* ومنها أن كلمة (هؤلاء) إذا لم يرد بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم فإنها يراد بها المشركون من أهل مكة،
* كقوله تعالى:
(بل متعت هؤلاء وآباءهم).
-
وقد استوعب أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات في أوائل أبوابه كليات مما ورد في القرآن من معاني الكلمات، وفي الإتقان للسيوطي شيء من ذلك.

- استقراء ابن عاشور لعادات القرآن في الأساليب:
- ومن عادات القرآن في أساليب المحاورات والمجاوبات حكايتها بغير حروف عطف إلا عند الانتقال إلى محاورة أخرى.

* مثاله، قول الله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها) إلى قوله: (أنبئهم بأسمائهم).

*الوجه الثالث من الإعجاز |(الإعجاز التشريعي والإعجاز العلمي)
- أنواع العلم:
- العلم نوعان علم اصطلاحي وعلم حقيقي.
- فأما الاصطلاحي (التشريعي) فهو ما وضعه الناس في عصر من العصور، وصاحبه يعد من العلماء.
* وهذا العلم يتغير بتغير العصور، ولا تخلو منه أمة.
- وأما العلم الحقيقي (العلمي) فهو معرفة مما يكمل به الإنسان، ويدرك به الحقائق النافعة.
- وكلا العلمين كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم، وبين العلمين عموم وخصوص من وجه.
- والعرب لم يكن لديهم سوى الشعر وما فيه من أخبار، وقد خلا كلامهم وشعرهم من العلمين.
- قال عمر بن الخطاب كان الشعر علم القوم ولم يكن لهم علم أصح منه
.
- وأتى القرآن مقررا للحقائق، مبينا لفضائل الأخلاق،
ولم يقل إلا صدقا.

- اشتمال القرآن على العلمين:
- الإعجاز التشريعي:

- فأما النوع الأول (العلم الاصطلاحي- التشريعي)، فإن مبلغ العرب منه علوم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم وأخبار العالم.
* وقد أشار القرآن إلى هذا العلم بقول الله تعالى:
(وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) وقال تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا).
- وقد أخبر النبي صلى الله علي وسلم بما أوحاه الله له من تلك الاخبار، وهى دليل إعجاز -(كما سبق بيانه في المقدمة العاشرة)- فمن كان لديه علم بشيء منها أقر بصحتها، ومن هذا النوع: خبر موسى مع الخضر، ويوسف وإخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، وغير ذلك.
- فأتى القرآن بتلك الأخبار وفصل في بعض منها، كما قال الله تعالى: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف).
- في حين أن شعر العرب لم يذكر القصص التي هى مواضع العبر، ومما جاء فيه، قول شاعرهم
:
أحلام عاد وأجسام مطهرة
وقول آخر:
تراه يطوف الآفاق حرصا = ليأكل رأس لقمان بن عاد

-ولهذا يقل في القرآن التعرض إلى تفاصيل أخبار العرب لأن ذلك أمر مقرر عندهم معلوم لديهم، وإنما ذكر قليل منه على وجه الإجمال على معنى العبرة والموعظة بخبر عاد وثمود وقوم تبع.


- الإعجاز العلمي:
- وأما النوع الثاني من إعجازه العلمي فهو ينقسم إلى قسمين:
* قسم يُدرك بمجرد سمعه وفمهمه.
* وقسم يُحتاج لإدراكه إلى العلم بقواعد العلوم ليظهر للناس إعجازه.
- وكلا القسمين دليل على أنه من عند الله لأنه جاء به أمي في موضع لم يعالج أهله دقائق العلوم.
-وقد أشار القرآن إلى هذه الجهة من الإعجاز بقوله تعالى:
(قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم).
- قال ابن عرفة عند قول الله تعالى:
(تولج الليل في النهار) كان بعضهم يقول إن القرآن يشتمل على ألفاظ يفهمها العوام وألفاظ يفهمها الخواص وعلى ما يفهمه الفريقان ومنه هذه الآية، فإن الإيلاج يشمل الأيام التي لا يدركها إلا الخواص والفصول التي يدركها سائر العوام .
* وزاد ابن عاشور: ( وكذلك قوله تعالى:
(أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)
.)

- طرق الإعجاز التشريعي والإعجاز العلمي للقرآن:
- دعوته للنظر والاستدلال، قال في الشفاء: (ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد للعرب، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم فجمع فيه من بيان علم الشرائع، والتنبيه على طرق الحجة العقلية، والرد على فرق الأمم ببراهين قوية وأدلة كقوله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وقوله: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم).
- ولقد فتح الأعين إلى فضائل العلوم بأن شبه العلم بالنور وبالحياة كقول الله تعالى: (لينذر من كان حيا)، وقال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) وقال: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
- وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن أساليب الشعر وأغراضه مخالفة واضحة.

- إعذار الشاطبي في نفيه إعجاز القرآن لكل العصور:
- قال الشاطبي في الموافقات:
(إن القرآن لا تحمل معانيه ولا يتأول إلا على ما هو متعارف عند العرب).
-
ولعل هذا الكلام صدر منه للتخلص من مشكلات في مطاعن الملحدين.

- حجة تتعلق بهذا النوع من الإعجاز:
- ذكر المؤلف لهذا النوع حجة تفيد بدوام إعجازه وعمومه، استنبطها من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(ما من الأنبياء نبي إلا أوتي أو أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي وإني أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة).
- ففي الحديث نكتتان:
- الأولى أن قوله: (ما مثله آمن عليه البشر) اقتضى أن كل نبي جاء بمعجزة هي إعجاز في أمر خاص كان قومه أعجب به وأعجز عنه فيؤمنون على مثل تلك المعجزة. ومعنى آمن عليه أي لأجله وعلى شرطه، كما تقول على هذا يكون عملنا أو اجتماعنا.
- الثانية أن قوله:
(وإنما كان الذي أوتيت وحيا) اقتضى أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن من جنس معجزات الرسل كالعصا واليد وغيرها، بل كانت معجزته ما في القرآن من دلالة على عجز البشر عن الإتيان بمثله من جهتي اللفظ والمعاني.
- وبذلك يمكن أن يؤمن به كل من يبتغي إدراك ذلك من البشر، ويدل عليه بقوله:
(فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا) فالمناسبة بين كونه أوتي وحيا وبين كونه يرجو أن يكون أكثرهم تابعا لا تنجلي إلا إذا كانت المعجزة صالحة لجميع الأزمان حتى يكون الذين يهتدون لدينه لأجل معجزته أمما كثيرين على اختلاف قرائحهم فيكون هو أكثر الأنبياء تابعا لا محالة، وقد تحقق ذلك.

- كيفية ثبوت هذا الوجه من الإعجاز:
- يثبت هذا الوجه بمجموع القرآن أي مجموع هذا الكتاب إذ ليست كل آية من آياته ولا كل سورة من سوره بمشتملة على هذا النوع من الإعجاز، ولذلك فهو إعجاز حاصل من القرآن وغير حاصل به التحدي إلا إشارة نحو قوله: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
- وإعجازه من هذه الجهة للعرب، أنهم لا علم لهم بهذه العلوم.
- وإعجازه لعامة الناس أن تكون هذه العلوم أتتهم من رجل أمي نشأ في قوم أميين.

- وإعجازه لأهل الكتاب خاصة إذ كان ينبئهم بعلوم دينهم مع كونه أميا، ولا قبل لهم بأن يدعوا أنهم علموه لأنه كان بمرأى من قومه في مكة بعيدا عن أهل الكتاب الذين كان مستقرهم بقرى النضير وقريظة وخيبر وتيماء وبلاد فلسطين، ولأنه جاء بنسخ دين اليهودية والنصرانية، والإنحاء على اليهود والنصارى في تحريفهم فلو كان قد تعلم منهم لأعلنوا ذلك وسجلوا عليه أنه عقهم حق التعليم.

*الوجه الرابع من الإعجاز |الإعجز الغيبي:
- ولا يتعلق هذا الوجه بنظم القرآن ودلالة فصاحته وبلاغته.
- ولا تعد له أمثلة كثيرة في القرآن، وجزئيات هذا النوع ذكر المؤلف أنه سينبه عليها في خلال تفسيره.
- ومن أمثلة هذا النوع في القرآن:
* قول الله تعالى:
(الم * غلبت الروم) الآية، وما روي في تفسيرها عن ابن عباس.
* وقوله تعالى:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا).
* وقوله: (لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) فما حدث بعد ذلك من المراكب منبأ به في هذه الآية.
* وقوله:
(إنا فتحنا لك فتحا مبينا) نزلت قبل فتح مكة بعامين.

*خاتمة
- وبهذه المقدمة يختم المؤلف مقدمته عن الإعجاز، وقد قرر أمورا يتضح من خلالها وجوه إعجاز القرآن.
- وبيان ما وقع فيه أئمة علم الكلام من اختلاف في وجوه الإعجاز للعرب أكان بالفصاحة والبلاغة وبالنكات والخصوصيات كما قرر الباقلاني أو كان صرفا من الله عز وجل عن معارضته كما ذهب من قال بالصرفة.


الحمد لله رب العالمين

أحسنت نفع الله بك
أ

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 ربيع الأول 1443هـ/14-10-2021م, 11:09 AM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة
الجزء الأول (المقدمة السابعة حتى نهاية المقدمة الثامنة)

المقدمة السابعة

قصص القرآن

* تعريف القصة:

- القصة: هى الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها.
- فخرج بقوله: (حادثة غائبة) ما كان من أحوال حاضرة زمن نزول القرآن، مثل وقائع المسلمين مع عدوهم.
- وقصة تجمع على قصص بكسر القاف.
* وأما بفتح القاف فهو اسم للخبر المقصوص، وهو مصدر سمي به المفعول.

* الغاية من القصص القرآنية:
- قال الله تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين).
* فالقصص القرآنية هى أحسن القصص، وقد جاءت موافقه لغرض القرآن.
- ولا تقتصر القصص في القرآن على حصول العبرة والعظة، ولا على التنويه بأصحابها، بل فاقت ذلك بما شملته.
- فقد تعرض القرآن لأشرف مواضيع القصص وأعرض عما عداها تنزيها عن قصد التفكه بها.

* طريقة عرض القرآن للقصص:
- القصص القرآني هو بالخطابة أشبه، فارتقى عما عرف به أسلوب القصاصين الدارج في القصص.
- وجاءت القصص آخذة من أسلوب القرآن وهو أسلوب التذكير والذكر.
- ولم تأتي القصص القرآنية على المعهود من الترتيب المعروف في كتب التاريخ، فلم تكن متتالية متعاقبة في سورة أو سور، بل جاءت مفرقة موزعة على مقامات تناسبها، لتعلق فوائد تلك القصص بذلك التوزيع.
- وسوق القصص في مناسبتها أكسبها صفتين: صفة البرهان وصفة التبيان.

- مميزات القصص القرآنية:
- نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص.
* مثال ذلك قول الله تعال:
(فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون)، فهذه المقالة حكيت في سياق التذكير، وهو أصل حكايتها، ولم تُحكى عند غيره.

- طي ما يقتضيه الكلام، ويدل عليه السياق.
* مثال ذلك قول الله تعالى:
(واستبقا الباب)، فالمطوي هو حضور سيدها وطرقه الباب وإسراع يوسف وإسراع امرأة العزيز لفتح الباب كلٌ لغرضه، فدل على ذلك ما بعده من قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) الآيات.
- سوق القصص في مظان الاتعاظ في إطار الغرض الأصلي للقرآن من تشريع وتفريع.

* فوائد ذكر القصص في القرآن:
- الفائدة الأولى:
- تحدي أهل الكتاب، وتعجيزهم بقطع حجتهم على المسلمين، إذ ذكر القرآن أخبار الأنبياء مع أممهم، وذلك مما علمه الراسخون في العلم من أهل الكتاب،
فانقطعت أمية المسلمين في نظر اليهود، وقطع الله ألسنتهم بوصفهم للمسلمين بالجهل.
* قال تعالى:
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا).
* وهذه فائدة قال عنها المؤلف أنه لم يتعرض لها من قبله من المفسرين.

- الفائدة الثانية: من أدب الشريعة بيان تاريخ الأنبياء حملة الشرع على مر العصور، وفي تلك القصص يركز القرآن على الإيمان وارتباطه بالعناية الإلهية وما هو ضد ذلك، مع عدم التعرض لبيان الأنساب أو البلدان، فالعبرة بالإيمان.
* ومثال ذلك قصة (أصحاب الكهف) فوصفهم بذلك، وكذلك قال أنهم (فتية)، ولما أرسلوا واحدا منهم إلى المدينة لم يسمها.
* وهذه فائدة قال عنها المؤلف أنها فتح من الله له.

- الفائدة الثالثة: ما فيها من فائدة التاريخ من معرفة ترتب المسببات على أسبابها في الخير والشر والتعمير والتخريب لتقتدي الأمة وتحذر، قال تعالى: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) وما فيها من فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وزكاء النفوس وضد ذلك.

- الفائدة الرابعة: تضمنها الموعظة للمشركين ببيان ما حل بالعصاة وما كان للأولياء الصالحين، كما في قصص قوم نوح وعاد وثمود وأهل الرس وأصحاب الأيكة.
* قال الله تعالى: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)،وقال تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).

- الفائدة الخامسة: اتباع أسلوب التوصيف والمحاورة وهو من مبتكرات القرآن في البلاغة العربية، فلم يعهد مثله عند العرب، ولا شك فهو دال على إعجاز القرآن.
* كما في حكاية أحوال الناس في الجنة والنار والأعراف في سورة الأعراف.

- الفائدة السادسة: ذكر قصص الأمم أدى إلى توسيع علم المسلمين وتعريفهم بالأمم قبلهم، وكان العرب يعيشون في جهل أدى إلى اعتمادهم الحس دليلا للتصديق.
* قال الله تعالى: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم).

- الفائدة السابعة: العلم بعظمة الأمم السابقة ومزاياها يدفع عن النفس الغرور، ويبث فيها رغبة الحث على العلم بجوامع الخير واتباعه فبه تتحقق عظمة الأمم الحقيقية.

- الفائدة الثامنة: بث الهمة في نفوس الأمة ليعود لها عزها، ودفع الخمول الذي سيطر على العرب، فرضوا أن يكونوا أتباعا، وصار هم الواحد منهم دنيويا بحت.

- الفائدة التاسعة: معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة، وأنه لا نصر إلا من عنده، وأن الأخذ بوسيلتي البقاء: من الاستعداد والاعتماد؛ يسلم المؤمنين من تسلط غيرهم عليهم.
* قال الله تعالى:
(فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).

- الفائدة العاشرة: ترتب فوائد أخرى عليها كالفوائد المدنية المتعلقة بكل قصة وأحداثها، كما في قول الله تعالى: (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) في قراءة من قرأ (دين) بكسر الدال، أي في شرع فرعون يومئذ، فعلمنا أن شريعة القبط كانت تخول استرقاق السارق.
* وكما في قول الله تعالى:
(وابعث في المدائن حاشرين) و (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) أن نظام مصر في زمن موسى إرسال المؤذنين والبريح بالإعلام بالأمور المهمة.


* تكرار القصة الواحدة في عدة سور:
- إذا كانت القصة الواحدة يقع المقصود منها عند أول ذكر لها، فلمَ تتكرر في عدة سور.
- وذلك التكرار يدلف منه البعض إلى الإلحاد في القرآن بحجة عدم فصاحة الكتاب.
- ورد هذه الشبهة أن القصص تُذكر باستجلاب المناسبات لها، فالقصة كالبرهان على الغرض المسوقة هى معه.
- ولا يعد ذلك تكرارا لها لاختلاف المناسبات.

* الحكمة من تكرار ذكر القصة :
- أحدها:رسوخها في الأذهان بتكريرها.
- الثاني:ظهور البلاغة، فالقصة تذكر في كل مرة بطرق مختلفة من الأداء وتتنوع ألفاظها وتراكيب الجمل وتتنوع المحسنات البديعية المعنوية واللفظية فيها بما يبلغ بها الحد الأقصى في البلاغة.
- الثالث:أن يسمع اللاحقون من المؤمنين في وقت نزول القرآن ذكر القصة التي كانت فاتتهم مماثلتها قبل إسلامهم أو في مدة مغيبهم، فإن تلقي القرآن عند نزوله أوقع في النفوس من تطلبه من حافظيه.
- الرابع:أن جمع المؤمنين جميع القرآن حفظا كان نادرا بل تجد البعض يحفظ بعض السور فيكون الذي حفظ إحدى السور التي ذكرت فيها قصة معينة عالما بتلك القصة. كعلم من حفظ سورة أخرى ذكرت فيها تلك القصة.
- الخامس:أن تلك القصص تختلف حكاية القصة الواحدة منها بأساليب مختلفة ويذكر في بعض حكاية القصة الواحدة ما لم يذكر في بعضها الآخر.

- من أسباب تنوع الأساليب وتفاوت ذكر أحداث القصة بسطا وإيجازا فيما ذكرت فيه من سور:
- تجنب التطويل في الحكاية الواحدة فيقتصر على موضع العبرة منها في موضع دون آخر، فيحصل من متفرق مواضعها في القرآن كمال المقصود منها، وفي بعضها ما هو شرح لبعض.
- أن يُذكر من القصة ما يكون مناسبا لحال السامع، وملائمة السياق، فالقصة الواحدة تساق في خطاب إلى المشركين، وتارة إلى أهل الكتاب.
* ومثاله: قصة موسى بسطت في سورة طه، وسورة الشعراء، وأوجزت في آيتين في سورة الفرقان.
- وقد يقصد تارة التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة، وتارة لا يقصد ذلك
.



المقدمة الثامنة
في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها


* علاقة مواد هذه المقدمة بالتفسير:
- اسم القرآن وآياته وسوره له ارتباط وثيق بعلم التفسير، لأن ما يتحقق فيه في موضع ينتفع به في المواضع المشابهة.

* تعريف القرآن:
- هو ما أوحاه الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.
- وهو الكلام المأمور ببلاغه إلى الأمة بلفظه العربي المنزل به، لتتلى آياته على وجه التعبد بها، ويُعمل بما فيها.
- وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولاها سورة الفاتحة وأخراها سورة الناس.
- خاطب الله به العرب ابتداءا لنزوله فيهم، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور منه أو بسورة فعجزوا، فقامت عليهم الحجة بإعجازه أن يأتوا بمثله.
* كما قال الله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار).
- وهو آية على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلق.
- وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل نبي معجزات هى دليل صدق ما جاء به.
- قال صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة).
*وفي هذا الحديث معان جليلة شرحها المؤلف في تعليقه على صحيح البخاري المسمى "النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح
".

* أسماء القرآن:
-
أشهر أسماء القرآن: القرآن، وبقية أسمائه أصلها أوصاف أو أجناس.
- أوصل السيوطي أسمائه إلى نيف وعشرين اسما.
- وأشهر أسمائه ستة: التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي، وكلام الله
.
تعليق: (اعتبر المؤلف أن للقرآن ستة أسماء، وشرع في بيان أصلها ووجه تسمية القرآن بها)

- اسم (القرآن):
- وهو اسم علم دال على الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
- ولم يسبق أن أطلق على غيره قبله.
- وهو أشهر أسمائه وأكثرها ورودا في آياته وأشهرها دورانا على ألسنة السلف
.

- اشتقاق الاسم:

- قيل في اشتقاقه قولان:
- القول الأول: أن اسم القرآن مشتق من القراءة، لأن أول ما بدئ به الوحي (اقرأ باسم ربك).
- القول الثاني: أنه ليس بمشتق بل هو اسم علم جامد، كما سمي الإنجيل إنجيلا.

- وزن لفظة (القرآن):
- ورد في وزنه قولان:
- الأول: قيل هو على وزن فعلان، كما في زنة أسماء المصادر: غفران، وفي الأسماء بزيادة الألف والنون مثل عثمان.
* واسم القرآن يصلح للاعتبارين.
- الثاني: أنه على وزن فعال، من القرن بين الأشياء أي الجمع بينها لأنه قرنت سوره بعضها ببعض وكذلك آياته وحروفه.
* وهناك من زعم أن قران جمع قرينة أي اسم جمع، إذ لا يجمع مثل قرينة على وزن فعال في التكثير فإن الجموع الواردة على وزن فعال محصورة ليس هذا منها.
* والقرينة العلامة، قالوا لأن آياته يصدق بعضها بعضا فهي قرائن على الصدق
.

- القراءات للفظ (القرآن):
- همزة القرآن أصلية، قد اتفق أكثر القراء على قرائتها بالهمز في الآيات.
- ولم يخالفهم إلا ابن كثير قرأه بفتح الراء بعدها ألف على لغة تخفيف المهموز وهي لغة حجازية.
* وقراءة ابن كثير جارية على أنه اسم آخر لكتاب الله، لا أنه مشتق من القراءة.
- والأصل توافق القراءات في مدلول اللفظ المختلف في قراءته.

- اسم (الفرقان):
-الفرقان هو في الأصل اسم لما يفرق به بين الحق والباطل وهو مصدر.
- وأطلق على القرآن وعلى غيره، فإطلاقه على القرآن في قول الله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده).
* وقد وصف يوم بدر بيوم الفرقان.
- وقد جعل هذا الاسم علما على القرآن بالغلبة مثل التوراة على كتاب موسى، والإنجيل على ما أوحي لعيسى.

- دلالة الآيات على اسم الفرقان:
- علم أن الفرقان اسما للكتاب من قول الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) إلى قوله: (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان) فوصفه أولا بالكتاب وهو اسم الجنس العام ثم عبر عنه باسم الفرقان عقب ذكر التوراة والإنجيل وهما علمان ليعلم أن الفرقان علم على الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
.

- وجه تسمية القرآن بالفرقان:

- أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل.
- مثال في معنى كون القرآن فرقانا: جمعه أوصاف الكمال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، أما في التوراة والإنجيل فقد وصفهم كما قال الله تعالى: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).

- وأحكام القرآن مبرأة من اللبس بعيدة عن تطرق الشبهة، كما تجد في قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا).
* فلا تجد ما يفيد هذا المعنى في التوراة والإنجيل، ولذا كان القرآن مهيمنا على الكتب السابقة.

- اسم (التنزيل):

- هو مصدر نزل، أطلق على المنزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء.
- قال الله تعالى: (تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون)،وقال تعالى: (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين).

- اسم (الكتاب):
- الكتاب أصله اسم جنس مطلق ومعهود.
- فباعتبار عهده أطلق على القرآن كثيرا قال الله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وقال تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب).

- تسمية القرآن الكتاب:
- سمي كتابا لأن الله جعله جامعا للشريعة فأشبه التوراة التي كتبت في زمن موسى، وأشبه بالإنجيل الذي كتبه أصحاب عيسى من بعده ولم يكتب في زمنه.
- ولأن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بكتابة كل ما أنزل عليه ليكون حجة على الذين يدخلون في الإسلام ولم يتلقوه بحفظ قلوبهم.

- دلالة اسم (الكتاب) على كونه معجزة:
- وفي هذه التسمية معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما أوحي إليه سيكتب في المصاحف قال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها) .
- كتبة الوحي:
- اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه كتابا يكتبون ما أنزل إليه.
- ومن أولهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان.
- وقد طابق المحفوظ في الصدور ما حفظته السطور، يوم جمع أبي بكر للمصحف.

- اسم (الذكر):
- وأما الذكر فقال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) أي لتبينه للناس.
- وذلك أنه تذكير بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به
.

- اسم (الوحي):

- قال الله تعالى: (قل إنما أنذركم بالوحي).
- ووجه هذه التسمية أنه ألقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك .

- تسمية إلقاء القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وحيا:( عند ابن عاشور الأشعري)
- لأنه يترجم عن مراد الله تعالى فهو كالكلام المترجم عن مراد الإنسان، ولأنه لم يكن تأليف تراكيبه من فعل البشر
.
هذا قول ابن عاشور فهل يلزم التعليق من الطالب في مثل هذه المواضع بذكر الصحيح ؟

- اسم (كلام الله):

- قال الله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)
.
- واعلم أن أبا بكر رضي الله عنه لما أمر بجمع القرآن وكتابته كتبوه على الورق فقال للصحابة، أن التمسوا اسما، وكره تسميته بالإنجيل والسفر من أجل النصارى واليهود.
- وقال عبد الله ابن مسعود
: رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه مصحفا يعني أنه رأى كتابا غير الإنجيل.
هذا كلام المؤلف، هل التعليق من الطالب إلزامي في الفهرسة ، ويؤخذ بعين الاعتبار في التقييم ؟
آمل الإفادة لمراعاة ذلك مستقبلا

* آيات القرآن:
- تعريف الآية:
- هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا.
* ومعنى قول المؤلف: (ولو تقديرا): ليشمل المحذوف الذي يقدر في الآيات مثل قول الله تعالى: (مدهامتان)،
والتقدير: هما مدهامتان، ومثل: (والفجر) والتقدير: أقسم بالفجر.
* ومعنى قول المؤلف: (أو إلحاقا): لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة.
* حيث عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا: آلر، وآلمر، وطس، وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة ولا يظهر فرق بينها وبين غيرها.

- سبب تسمية الآية بهذا الاسم:
- تسمية الأجزاء والجمل بالآيات من مبتكرات القرآن.
- قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) .
- وسميت بذلك:
* لدلالتها على أنها موحى بها من عند الله، لاشتمالها على الحد الأعلى في بلاغة الكلام.
* ولأن وقوعها مع غيرها من الآيات جعلت دليلا على أن القرآن منزل من عند الله وليس من تأليف البشر.

- اختصاص القرآن بتسمية الآيات:
- جمل التوراة والإنجيل لا يحق أن تسمى آيات لعدم خصوصيتها بما خُص به القرآن من البلاغة ووجوه الإعجاز.
- وما ورد في حديث رجم اليهوديين: (آية الرجم) فهو من تغليب الراوي، حيث لم يجد اسما يعبر به عنها، فقدرها بالآية كمشاكلة لما في القرآن.

- مقادير الآيات من حيث الابتداء والانتهاء:
- مقادير الآيات مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علمه الصحابة، وقد تختلف الرواية في بعض الآيات.
- والآيات المختلف في روايتها محمولة على التخيير في تعيين منتهاها ومبتدأ ما بعدها.
- وقد جاء تحديد عدد آيات بعض السور مثل: ما ورد في الحديث أن فاتحة الكتاب السبع المثاني أي السبع الآيات.
* وفي الحديث (من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران) أولها قول الله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).
- وكانت الآيات تقدر أحيانا بما تستغرقه تلاوتها من زمن كما ورد في حديث سحور النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان بينه وبين طلوع الفجر مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية
.
- قال أبو بكر ابن العربي وتحديد الآية من معضلات القرآن، فمن آياته طويل وقصير، ومنه ما ينقطع ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام، وقال الزمخشري الآيات علم توقيفي
.
- لا يبعد أن يكون تعيين مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها وأمارته وقوع الفاصلة
.

- فواصل الآيات:
- تعريف الفواصل:

- الفواصل هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها وتكرر في السورة تكررا يؤذن بأن تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم في آيات كثيرة متماثلة، تكثر وتقل، وأكثرها قريب من الأسجاع في الكلام المسجوع.
-
والعبرة فيها بتماثل صيغ الكلمات من حركات وسكون وهي أكثر شبها بالتزام ما لا يلزم في القوافي.

- مواقع الفواصل:
-
الفواصل كلها منتهى آيات ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتم فيه الغرض المسوق إليه.
- وإذا انتهى الغرض المقصود من الكلام ولم تقع عند انتهائه فاصلة لا يكون منتهى الكلام نهاية آية إلا نادرا كقوله تعالى: (ص * والقرآن ذي الذكر) فهذا المقدار عد آية وهو لم ينته بفاصلة، ومثله نادر.

- فواصل الآيات في أوائل السور:

- فواصل الآيات الواقعة في أول السورة مثل قول الله تعالى: (ص* والقرآن ذي الذكر) أقيمت على حرف مفتوح بعده ألف مد بعدها حرف، مثل
: شقاق، مناص، كذاب، عجاب.
- ومن الفواصل ما بني على حرف مضموم مشبع بواو.
- ومنها ما بني على حرف مكسور مشبع بياء ساكنة، وبعد ذلك حرف، مثل (أنتم عنه معرضون) (إذ يستمعون) (نذير مبين) (من طين)
.
فلو انتهى الغرض الذي سيق له الكلام وكانت فاصلة تأتي بعد انتهاء الكلام تكون الآية غير منتهية ولو طالت، كقوله تعالى: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك) إلى قوله: (وخر راكعا وأناب) فهذه الجمل كلها عدت آية واحدة
.

- دلالة الفواصل على إعجاز القرآن:

- الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز لأنها ترجع إلى محسنات الكلام وهي من جانب فصاحة الكلام فمن الغرض البلاغي الوقوف عند الفواصل لتقع في الأسماع فتتأثر نفوس السامعين بمحاسن ذلك التماثل، كما تتأثر بالقوافي في الشعر وبالأسجاع في الكلام المسجوع.
*مثال ذلك قول الله تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) آية (في الحميم ثم في النار يسجرون) آية (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون) آية (من دون الله) إلى آخر الآيات. فقوله: (في الحميم) متصل بقوله: (يسحبون) وقوله: (من دون الله) متصل بقوله: (تشركون) وينبغي الوقف عند نهاية كل آية منها
.

- الوقف عند رؤوس الآي:
- هو سنة كما ذكر أبو عمرو ونقله السيوطي في الإتقان.
- وقال البيهقي في شعبه: الأفضل الوقف على رؤوس الآيات وان تعلقت بما بعدها اتباعا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
- وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) ثم يقف (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف (الرحمن الرحيم) ثم يقف
. سنن أبي داود.
- واتباع السنة في الوقف عند رؤوس الآي سنة ، كما قال ابن العربي والزمخشري.
- وضبط هذا الأمر ينع الناظر وإن شذ ما شذ، فإنا نجد بعض السور افتتحت بالحروف امقطعة وفد عد بعضها آيات مثل ( الم) ، و(عسق).

- تفاوت مقادير كلمات الآيات:

-آيات القرآن متفاوتة في مقادير كلماتها فبعضها أطول من بعض ولذلك فتقدير الزمان بها في قولهم: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية مثلا، تقدير تقريبي.
- وتفاوت الآيات في الطول تابع لما يقتضيه مقام البلاغة من مواقع كلمات الفواصل على حسب ما قبلها من الكلام
.
- وأطول آية قوله تعالى:
)هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) إلى قوله: (وكان الله بكل شيء عليما) في سورة الفتح، وقوله: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) إلى قوله: (لو كانوا يعلمون) في سورة البقرة ودونهما قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم)إلى قوله: (إن الله كان غفورا رحيما) في سورة النساء.
- وأقصر آية في عدد الكلمات قوله تعالى: (مدهامتان). في سورة الرحمن وفي عدد الحروف المقطعة قوله: (طه)
.
- وأما وقوف القرآن فقد لا تساير نهايات الآيات، ولا ارتباط لها بنهايات الآيات فقد يكون في آية واحدة عدة وقوف كما في قوله تعالى: (إليه يرد علم الساعة) وقف (وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) وقف (ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد) وقف ومنتهى الآية في سورة فصلت.
.

- عدد آيات القرآن:
- اختلف السلف في عدد آيات القرآن بناء على الاختلاف في نهاية بعضها، فقد يكون بعض ذلك عن اختلاف في الرواية ،وقد يكون بعضه عن اختلاف الاجتهاد
.
- وأجمع السلف على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية، واختلفوا فيما زاد على ذلك.
* فمنهم من لم يزد ،ومنهم من قال مائتين وأربع آيات، وقيل وأربع عشرة، وقيل وتسع عشرة، وقيل وخمسا وعشرين، وقيل وستا وثلاثين، وقيل وستمائة وست عشرة
.كما ذكر أبو عمرو الداني في كتاب العدد.
- وقد كان عدد آي السور معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: وروى محمد بن السائب عن ابن عباس أنه لما نزلت آخر آية وهي قوله تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) الآية قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ضعها في رأس ثمانين ومائتين من سورة البقرة.
- واستمر العمل بعد الآي في عصر الصحابة، ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) الآية
.

- الأقوال في عد البسملة آية:
- قال المازري في شرح البرهان، قال مكي بن أبي طالب:
- أجمع أهل العدد من أهل الكوفة والبصرة والمدينة والشام على ترك عد البسملة آية في أول كل سورة.
- واختلفوا في عدها وتركها في سورة الحمد لا غير.
- وعدها آية الكوفي والمكي ولم يعدها آية البصري ولا الشامي ولا المدني.
- وقال المؤلف أن عدها آية في المدني أكثر من الكوفي.

- العد المدني:

-لأهل المدينة عددان، يعرف أحدهما بالأول ويعرف الآخر بالأخير.
- ومعنى ذلك أن الذين تصدوا لعد الآي بالمدينة من أئمة القراء هم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبو نصاح شيبة بن نصاح، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وإسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري، وقد اتفق هؤلاء الأربعة على عدد وهو المسمى بالعدد الأول.
- ثم خالفهم إسماعيل بن جعفر بعدد انفرد به وهو الذي يقال له العدد الثاني، وقد رأيت هذا ينسب إلى أيوب ابن المتوكل البصري المتوفي سنة 200
.

- العد المكي:
-لأهل مكة عدد واحد، وربما اتفقوا في عدد آي السورة المعينة، وربما اختلفوا.

- الاختلاف في عد الآي:
- وقد يوجد اختلاف تارة في مصاحف الكوفة والبصرة والشام، كما نجد في تفسير المهدوي وفي كتب علوم القرآن.
* ولذلك تجد المفسرين يقولون في بعض السور عدد آيتها في المصحف الفلاني كذا.

- ترتيب الآي:
- ترتيب الآيات توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب ما نزل به الوحي.
- ترتيب الآيات في السور مما يدخل في وجوه إعجاز القرآن ولو وقع التغيير في ترتيب الآيات لفات ذلك حد الإعجاز.
- وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم للآيات بترتيبها في السور موافقة:
* لما في مصاحف المسلمين اليوم.
* ولروايات الحفاظ من الصحابة عن العرضات الاخيرة، وما قرأ به لنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية.
* وكذلك لكتابة زيد بن ثابت للمصحف بأمر أبي بكر رضي الله عنه حين جمع القرآن.
- والاعتماد على الحفظ لا على الكتابة، إنما كتبوه للمراجعة في حال النسيان او الشك ولم يقع ذلك.
- وعند جمع أبي بكر للقرآن لم يؤثر عن الصحابة تردد في ترتيب الآيات أو إنكار أو اختلاف.

- المناسبة بين الآيات:
- اتساق الحروف واتساق الآيات واتساق السور كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك يستدعي المناسبة بين السابق واللحق من الآيات، وسواء ظهرت المناسبة أم لم تظهر فلا يتكلفها المفسر.
- ومما يدلل على وجود المناسبة بين الآيات نظم الكلام وأسلوبه وما استعمل من أدوات تفيد اتصال المعاني ووجود مناسبة وعلاقة بين الآيات
.
- ولا يعني وجود مناسبة بين الآيات اتصال اللاحق بالسابق من الآيات في النزول أو مجيئه بترتيب التلاوة.
* فقد اتفق على أن قول الله تعالى: (غير أولي الضرر) نزل بعد نزول ما قبله وما بعده من قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون)
إلى قوله: (وأنفسهم).
- ويندر أن يكون موقع الآية عقب التي قبلها لأجل نزولها عقب التي قبلها من سورة هي بصدد النزول فيؤمر النبي بأن يقرأها عقب التي قبلها.
* وهذا كقوله تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) عقب قوله: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) في سورة مريم، فقد روي أن جبريل لبث أياما لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بوحي، فلما نزل بالآيات السابقة عاتبه النبيء، فأمر الله جبريل أن يقول: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) فكانت وحيا نزل به جبريل، فقرئ مع الآية التي نزل بأثرها.

- وبعض الآيات فيها جمل لا يكون لها مناسبة بما سبقها إنما كان وجودها لغرض آخر اقتضى ذكرها
.
- وقد لا يكون ثم مناسبة إلا سبب مقتضى في ذلك مثل قول الله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) فهذه الآيات نزلت في سورة القيامة في خلال توبيخ المشركين على إنكارهم البعث ووصف يوم الحشر وأهواله، وليست لها مناسبة بذلك ولكن سبب نزولها حصل في خلال ذلك كما روى البخاري.
- وعدم ظهور المناسبة لا يجب أن يوقع المفسر في حيرة، فبعض الآيات لا يكون بينها مناسبة.
*وهذا كقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات) إلى قوله: (ما لم تكونوا تعلمون) بين تشريعات أحكام كثيرة في شؤون الأزواج والأمهات.
-
وبالنظر لغرض القرآن الإصلاحي فإنه يستدعي أن تكون الآية مستقلة في دلالتها على الغرض، ولو شئنا لعبرنا عن ذلك بقول أن كل آية يمكن تصلح أن تكون كقاعدة مستقلة.
- وكلام الزركشي الذي نقله ابن عاشور يؤخذ منه تطلب مناسبة بين الآيات، وإن كانت الآية تبدو مستقلة، فإنه ثم علاقة بينها وبين ما سبقها.
- والذي ذهب إليه ابن عاشور أن ووجود الجمل المعترضة لا يعني انتفاء المناسبة بين الآيات.

- وقوف القرآن:
- تعريف الوقف:
- الوقف هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة.
- والوقف عند انتهاء جملة من جمل القرآن قد يكون أصلا لمعنى الكلام فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف.
* مثل قوله تعالى: (وكأين من نبيء قُتل معه ربيون كثير) فإذا وقف عند كلمة (قتل) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتلهم قومهم وأعداؤهم. ومع الأنبياء أصحابهم فما تزلزلوا لقتل أنبيائهم فكان المقصود تأييس المشركين من وهن المسلمين على فرض قتل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته. على نحو قوله تعالى في خطاب المسلمين: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) الآية، وإذا وصل قوله: (قتل) عند قوله: (كثير) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتل معهم رجال من أهل التقوى فما وهن من بقي بعدهم من المؤمنين وذلك بمعنى قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) إلى قوله: (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
.

- مناهج العلماء في تقسيم الوقف:
- ويرى المؤلف أنه لا تجد في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري في أرجوزته.
- وينقسم الوقف إلى أكيد حسن ودونه، وهو تقسيم باعتبار المعنى.
- وبعض العلماء استحسن الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى سكتا.
* والسكت هو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف.

- فائدة الوقف:
- التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات.
* ومثال ذلك قول الله تعالى: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا) فإذا وقف على (قواريرا) الأول كان (قوارير) الثاني تأكيدا لرفع احتمال المجاز في لفظ (قواريرا)، واذا وقف على (قوارير) الثاني كان المعنى الترتيب والتصنيف.

- العناية بالوقف عند السلف والخلف:
-
لم يشتد اعتناء السلف بتحديد أوقاف القرآن لظهور أمرها.
- ومن احتج بوجوب ضبط أوقاف القرآن بكلام روي عن عبد الله بن عمر ليس واضحا كدليل على ذلك.
- وكان اعتناء السلف بفواصل القرآن التي هى مقاطع آياته.
- تعليق: ولما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بوقوفه عند رؤوس الآي.
- كما أن وضوح اللغة العربية وسياق الكلام يمنع من الوقوع في الفهم الخاطئ، فقول الله تعالى: (يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) لو وقف القاري على قوله: (الرسول) لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله: (وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) تحذير من الإيمان بالله، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله
: (ربكم) فهل يحذر أحد من الإيمان بربه.
- وكذلك قوله تعالى: (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها) فإن كلمة (بناها) هي منتهى الآية والوقف عند (أم السماء)
ولكن لو وصل القارئ لم يخطر ببال السامع أن يكون (بناها) من جملة (أم السماء) لأن معادل همزة الاستفهام لا يكون إلا مفردا.
- وعند دخول الكثيرون في الإسلام ممن ليسوا من أهل اللسان، توجه اعتناء أهل القرآن إلى ضبط وقوفه تيسيرا لفهمه على قارئيه.
- فظهر الاعتناء بالوقوف وروعي فيها ما يراعى في تفسير الآيات فكان ضبط الوقوف مقدمة لما يفاد من المعاني عند واضع الوقف
.
- وأشهر من تصدى لضبط الوقوف أبو محمد بن الأنباري، وأبو جعفر بن النحاس، وللنكزاوي أو النكزوي كتاب في الوقف ذكره في الإتقان، واشتهر بالمغرب من المتأخرين محمد بن أبي جمعة الهبطي المتوفي سنة 930.

* سور القرآن:

- تعريف السورة:
- هى قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران، لها اسم مخصوص.
- تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة.
* وتعيين حد السورة بثلاث آيات مأخوذ من استقراء سور القرآن مع حديث عمر حين جاء الحارث بن خزيمة – أو الحارث أبو خزيمة- بالآيتين من آخر سورة براءة- فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله. فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما منه، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة إلخ، فدل على أن عمر ما قال ذلك إلا عن علم بأن ذلك أقل مقدار سوره
.
- غرض السورة ناشئ عن أسباب النزول، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة.
- وهذا الاسم (السورة) من مصطلحات القرآن وقد شاع عند العرب حتى المشركين منهم.

- دلالة القرآن على تسمية السورة:
- قال الله تعالى: (فأتوا بعشر سور مثله) وقال تعالى: (فأتوا بسورة من مثله)، وقد وقع التحدي بعد نزول السور الأول، وقد عُلم المراد بالسورة.
- جاء في القرآن تسمية سورة النور باسم سورة في قوله تعالى: (سورة أنزلناها) أي هذه سورة.
- ولم تكن أجزاء التوراة والإنجيل والزبور مسماة سورا عند العرب في الجاهلية ولا في الإسلام.

- وجه التسمية بالسورة:
- قيل أن الاسم مأخوذ من السور بضم السين وتسكين الواو وهو الجدار المحيط بالمدينة، وزيدت الهاء مراعاة لمعنى القطعة من الكلام.
- وقيل مأخوذ من السؤر بهمزة بعد السين وهو البقية مما يشرب الشارب بمناسبة أن السؤر جزء مما يشرب، ثم خففوا الهمزة بعد الضمة فصارت واوا.
- وترك الهمز في (سورة) هو لغة قريش ومن جاورها، وأما الهمز فهو لغة تميم، وليست إحدى اللغتين بدالة على أن أصل الكلمة من المهموز أو المعتل، لأن للعرب في تخفيف المهموز وهمز المخفف من حروف العلة طريقتين. ذكره ابن عطية.
* قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس مهموزا كما قالوا رثأت الميت ولبأت بالحج وحلأت السويق بالهمز
.
- وجمع سورة: سور بتحريك الواو كغرف، ونقل في شرح القاموس عن الكراع أنها تجمع على سور بسكون الواو
.

- تسوير القرآن (أي جعله سورا):
- تسوير القرآن من السنة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حيث قُسم القرآن إلى مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها، ولم يخالف في ذلك إلا ابن مسعود لعد إثباته المعوذتين في مصحفه، وأثبت القنوت في صلاة الصبح على أنه سورة من القرآن سماها سورة الخلع والخنع، وجعل سورة الفيل وسورة قريش سورة واحدة، وذلك بناء على فهمه من نزول القرآن.
- تعليق: اعتمد بعض الصحابة تسمية السور وكتابتها في مصحفهم الخاص على فهمهم من نزول القرآن.
- ولم يتوفى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن مسوراً سورا معينة، كما دل حديث اختلاف عمر وهشام بن حكيم في آيات من سورة الفرقان.
- ويدل له قول ابن مسعود في سور بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء (هن من العتاق الأول وهن من تلادي).
- فائدة تسوير القرآن:
- قال الزمخشري في تفسير قول الله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله):
*
إن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن وأنبل من أن يكون بيانا واحدا.
*وأن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه.

- حفظ عدد سور القرآن ومقاديرها من الآيات:
- لم يحفظ ما يفيد اختلاف جمهور الصحابة في عدد سور القرآن حين جمعوه، وأنها مائة وأربع عشرة سورة.
- وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت الآية يقول: (ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا) مروي عن ابن عباس ورواه أصحاب السنن.
- والسور كانت معلومة المقادير منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث حفظت عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة حيث ورد في السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة سورة كذا وسورة كذا، وفي عرض القرآن علمت منه سور القرآن.
- فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عزا ابن عطية إلى مكي بن أبي طالب وجزم به السيوطي في الإتقان، وبذلك يكون مجموع السورة من الآيات أيضا توقيفيا.
- تعليق: ترتيب الآيات في السورة توقيفيا.
- ومما يدل على معلومية السور زمن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صلاة الكسوف، وفي الحديث الآخر لما سئل صلى الله عليه وسلم رجلا: (ما معك من القرآن؟) قال: سورة كذا وسورة كذا.... .

- ترتيب سور القرآن توقيفي أم اجتهادي:
- وقال الباقلاني أنه يحتمل أن يكون توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون اجتهاد من الصحابة.
* وإن كان ابن عطية نقل عن الباقلاني الجزم بأنه اجتهاد إذ قال أنه من وضع زيد بن ثابت بمشاركة عثمان.
- والذي ظهر عند ابن عطية من الأثر أن بعض السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وبعضها وقع في ترتيبه الاجتهاد عند كتابة المصحف.
- وذهب أبو عمر الداني أن ترتيب الآيات في السور، وترتيب السور بعضها إثر بعض توقيفي.
- والجمهور أن كثيرا من السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعليق: فيمكن أن نقول أن ترتيب السور جمع بين التوقيف والاجتهاد.
- واستدل عياض في الإكمال على كون ترتيب السورة وقع باجتهاد الصحابة حين كتبوا المصحف ، ودليله حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة.والحديث في صحيح مسلم.
- وقال بالاجتهاد أيضا مالك وجمهور العلماء.
- وجاء في تفسير شمس الدين محمود الشافعي أن التواتر يجب أن يكون في أصل القرآن وأجزائه ووكذلك في محله ووضعه وترتيبه، وضعف قول من لم يشترط التواتر في محله ووضعه وترتيبه.

- قول ابن عاشور في ترتيب السور:
- ذهب المؤلف إلى أن عدداً من السور كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفق ترتيبها في مصحف اليوم، المجموع في زمن أبي بكر، والمتفق عليه في زمن عثمان رضي الله عنهما.
- وقال أن سور المفصل كانت هى آخر القرآن وكانت السنة القراءة في بعض الصلوات بطوال المفصل وبقصاره وبمتوسط، وأن السبع الطوال فهم أول القرآن وكانت مرتبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعليق: وعلى هذا فإن ما عدا تلك السور قد يكون وقع فيه الاجتهاد.
- وقال أن زيد وعثمان وهما من أكبر حفاظ القرآن توخيا ما استطاعا ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للسور، وزيد كان ممن لازم النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياته في المدينة، ولم يتردد في ترتيب سور القرآن وفق ما قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم عند نسخ المصاحف في زمن عثمان.

- جمع القرآن وسوره:
- كان عدد من الصحابة قد جمع القرآن كله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم : زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وعبد الله بن عمر، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وسعد بن عبيد، ومجمع بن جارية، وأبو موسى الأشعري.
- وقد حفظ كثير من الصحابة أكثر القرآن على تفاوت بينهم
.
- وحين جمع
القرآن في خلافة أبي بكر لم يجمع في مصحف مرتب وإنما جعلوا لكل سورة صحيفة مفردة ولذلك عبروا عنها بالصحف.
- وصارت الصحف إلى عمر بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنهما ومن بعد عمر صارت عند ابنته حفصة، وحين أراد عثمان جمع القرآن في مصحف واحد نسخ تلك الصحف في مصحف واحد، ثم رد الصحف إلى حفصة.
- والصحيح أن جمع القرآن في زمن أبي بكر كان في مصحف واحد. كما ذكر ابن حجر في فتح الباري.

- ترتيب السور في مصاحف الصحابة:

-قد يوجد في آي من القرآن ما يقتضي سبق سورة على أخرى مثل قوله في سورة النحل: (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) يشير إلى قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الآية من سورة الأنعام فدلت على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل، وكذلك هي مرتبة في المصحف.
- وقد ثبت أن آخر آية نزلت آية في سورة البقرة أو في سورة النساء أو في براءة، وثلاثتها في الترتيب مقدمة على سور كثيرة.
- فالمصاحف الأولى التي كتبها الصحابة لأنفسهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة في ترتيب وضع السور
.
- وممن كان له مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.
- وروي أن أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة.
- قال في الإتقان: إن من الصحابة من رتب مصحفه على ترتيب النزول أي بحسب ما بلغ إليه علمه وكذلك كان مصحف علي رضي الله عنه وكان أوله (اقرأ باسم)، ثم المدثر، ثم المزمل، ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني.
- ومنهم من رتب على حسب الطول والقصر وكذلك كان مصحف أبي وابن مسعود فكانا ابتدأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وعلى هذه الطريقة أمر عثمان رضي الله عنه بترتيب المصحف المدعو بالإمام
.

- سبب عدم الفصل بين سورتي الأنفال والتوبة بالبسملة:
- عن ابن عباس أنه سأل عثمان عن الجمع بين الأنفال وهى من المثاني وبراءة وهى من المئين في السبع الطوال ولم يكتب بينهما البسملة، فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: (ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم فوضعتهما في السبع الطوال) أخرجه الترمذي وأبي داود.
- وهو صريح في أنهم جعلوا علامة الفصل بين السور كتابة البسملة.
- والراجح عند الصحابة أن براءة سورة مستقلة لكنهم لم يجزموا بذلك، فلم يكتبوا قبلها البسملة.

- سبب تقديم سورة آل عمران على سورة النساء في المصحف الإمام:
- اتباعا لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة آل عمران قبل سورة النساء يرجع للاحتمالات التالية:
1. لأنها سبقتها في النزول.
2.أو مراعاة للمناسبة بينهما في الافتتاح بكلمة ( الم).
3.أو لوصفهما وصفا واحدا: ( اقرءوا الزهراوين) وذكر فضلهما، أو لما في حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما ثلاثة أمثال) الحديث
.

- اعتبار الطول والقصر في السور:
- اعتبار الطول والقصر في السور مراعى فيه عدد الآيات لا عدد الكلمات والحروف.

- ترتيب السور المكية والمدنية في المصحف:
- الاختلاف بين الصحابة في تعيين المكي والمدني من سور القرآن خلاف ليس بكثير.
- ترتيب المصحف تخللت فيه السور المكية والمدنية.
- وأما ترتيب نزول السور المكية ونزول السور المدنية ففيه ثلاث روايات، إحداها رواية مجاهد عن ابن عباس، والثانية رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، والثالثة لجابر بن زيد.
- ولا يصح إلا اعتماد رواية ابن عباس ولا يكون إلا عن ابن عباس، وهي التي اعتمدها الجعبري في منظومته التي سماها تقريب المأمول في ترتيب النزول وذكرها السيوطي في الإتقان وهي التي جرينا عليها في تفسيرنا هذا
.

- مخالفة ترتيب المصحف في القراءة:
- ولا بأس بالقراءة على غير ترتيب المصحف فقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة.مروي عن حذيفة في صحيح مسلم.
- ويدل أيضا لذلك ما روي في البخاري من حديث عائشة لما سئلت أن يُرى مصحفها فقالت: ( وما يضرك أية آية قرأت قبل..).
- قال ابن بطال: (لا نعلم أحدا قال بوجوب القراءة على ترتيب السور في المصحف بل يجوز أن تقرأ الكهف قبل البقرة، وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكسا، فالمراد منه أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها.
– قال ابن عاشور، ويمكن حمل النهي على الكراهة.

- أسماء السور والمقصد من تسميتها:
- أسماء السور توقيفية، إذ جعلت لها من عهد نزول الوحي.
- وقصد بتسمية السورة تيسير مراجعتها وتذكرها، وتميزيها عن غيرها.

- أصل أسماء السور:
- أن تكون بالوصف كقولهم السورة التي يذكر فيها كذا، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا نزلت الآية (ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا) .
-ثم شاع الاسم وصار التعويض عنه بسورة ذكر البقرة مثلا، ثم قالوا: سورة البقرة، وذلك بحذف الإضافة وإدخال تقدير أو أنهم لم يقدروا مضافا- وأضافوا السورة لما يذكر فيها لأدنى ملابسة.
- وقد ثبت في صحيح السنة تسمية بعض السور باسمها فيقال سورة البقرة وسورة النجم.
- وأما ما ورد عن أنس مرفوعا: (لا تقولوا سورة البقرة ...) فرده أحمد وقال هو حديث منكر، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، أما ابن حجر فأثبت صحته.
- وهذا المرفوع المروي عن أنس، روي عن ابن عمر مثله ولا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره البيهقي في الشعب، وعمل بما ورد في الأثر الحجاج بن يوسف.
- ومن صحح حديث أنس تأولوه وتأولوا قول ابن عمر أن ذلك كان في مكة إذ قال المسلمون سورة الفيل أوسورة العنكبوت استهزأ بهم المشركون، ولما هاجروا إلى المدينة زال سبب النهي فنسخ، وعلم الناس كلهم معنى التسمية.
- ولم يشتهر عن السلف هذا المنع، وترجم له البخاري في فضائل القرآن باباً، وأخرج أحاديث دلت على تسمية السورة باسم كالبقرة والفتح والنساء، وأن بعضا من هذا كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.
- ولا إشكال في ذكر السورة باسم لها كالبقرة، أو بوصف كأن يقال: السورة التي ذكر فيها كذا.
- وفي حديث غزوة حنين، ورد مناداة العباس للأنصار بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم:( يا أصحاب سورة البقرة).
- والظاهر أن الصحابة سموا بما حفظوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أخذوا لها أشهر الأسماء التي كان الناس يعرفونها بها ولو كانت التسمية غير مأثورة، فقد سمى ابن مسعود القنوت سورة الخلع والخنع ، فتعين أن تكون التسمية من وضعه.

- وقد اشتهرت تسمية بعض السور في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعها وأقرها.

- بم تسمى السور:
- أسماء السور إما أن تكون بأوصافها مثل الفاتحة وسورة الحمد.
- وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره نحو سورة لقمان وسورة يوسف وسورة البقرة.
-وإما بالإضافة لما كان ذكره فيها نحو سورة هود وسورة إبراهيم.
- وإما بالإضافة لكلمات تقع في السورة نحو سورة براءة، وسورة حم عسق، وسورة حم السجدة كما سماها بعض السلف، وسورة فاطر.
- وقد سموا مجموع السور المفتتحة بكلمة حم آل حم وربما سموا السورتين بوصف واحد فقد سموا سورة الكافرون وسورة الإخلاص المقشقشتين
.

- الفصل بين السور في المصحف:
- لم يثبت الصحابة أسماء السور في المصحف، كراهة أن يكتبوا في المصحف ما ليس من القرآن، لكن صاحب الإتقان ذكر أن سورة البينة في مصحف أبي سميت بسورة أهل الكتاب، وهذا يدل عل الإذن بتسمية السور في المصاحف.
- تعليق: وفيه أيضا دليل على جواز تسمية السورة بأكثر من اسم.

- واعتمد الصحابة إثبات البسملة في بداية كل سورة كعلامة على الفصل بين السور.
- واختيار البسملة للفصل بين السور كونها آية من القرآن، وهى تناسب أن يفتتح بها كل سورة.
- تعليق:(فيما عدا براءة).
- وفي عصر التابعين كتبت أسماء السور في المصحف ولم ينكر عليهم ذلك.
- وذكر المازري في شرح البرهان عن الباقلاني أن أسماء السور كتبت بخط آخر لتتميز عن القرآن، وأن البسملة كانت مكتوبة في أوائل السور بخط لا يتميز عن الخط الذي كتب به القرآن
.

- ترتيب الآيات في السورة:
- نزلت آيات القرآن وسوره منجمة، وبعض سوره نزلت جملة واحدة كسور الفاتحة والمرسلات والأنعام.
- وآخر سورة نزلت كاملة كانت براءة لما جاء في حديث البراء بن عازب كما في صحيح البخاري.
- وكانت الآية إذا نزلت أمر النبي صلى الله عليه وسلم الكتبة بوضعها في موضعها من السورة، ولذا في بعض السور آيات مكية وأخرى مدنية باعتبار نزولها.
- وعلم من ذلك أن نهايات السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم/ كما في الحديث: ( من قرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران).


آمل التكرم ومراجعة التعليق بالأزرق، مشكورين

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, السابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir