دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الأول 1430هـ/6-03-2009م, 10:27 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي فصل: ويكون الرهن عند من اتفقا عليه، وأحكام ذلك

( فصلٌ ) ويكونُ عندَ مَن اتَّفَقَا عليه، وإن أَذِنَا له في البيعِ لم يَبِعْ إلا بنَقْدِ البلَدِ , وإن قَبَضَ الثمَنَ فتَلِفَ في يدِه فمِن ضَمانِ الراهنِ، وإن ادَّعَى دَفْعَ الثمنِ إلى الْمُرْتَهِنِ فأَنْكَرَه ولا بَيِّنَةَ ولم يكنْ بحُضُورِ الراهنِ ضَمِنَ كوكيلٍ، وإن شَرَطَ إلا بيعَه إذا حَلَّ الدَّيْنُ، أو إن جاءَه بحَقِّه في وَقتِ كذا , وإلا فالرهنُ له لم يَصِحَّ الشَّرْطُ وحْدَه، ويُقبلُ قولُ الراهنِ في قَدْرِ الدَّيْنِ والرهنِ، ورَدِّه، وفي كونِه عصيرًا لا خَمْرًا، وإن أَقَرَّ أنه مَلَكَ غيرَه , أو أنه جَنَى قبلُ على نفسِه , وحَكَمَ بإقرارِه بعدُ فَكَّه إلا أن يُصَدِّقَه الْمُرْتَهِنُ.


  #2  
قديم 11 ربيع الأول 1430هـ/7-03-2009م, 01:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

....................

  #3  
قديم 11 ربيع الأول 1430هـ/7-03-2009م, 02:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فصلٌ

(ويَكُونُ) الرَّهْنُ (عندَ مَن اتَّفَقَا عليه) فإذا اتَّفَقَا أنْ يَكُونَ تحتَ يَدِ جَائِزِ التصَرُّفِ صَحَّ، وقَامَ قَبْضُه مَقَامَ قَبْضِ المُرْتَهِنِ. ولا يَجُوزُ تحتَ يَدِ صَبِيٍّ، أو عبدٍ بغيرِ إِذْنِ سَيِّدِه، أو مُكَاتَبٍ بغيرِ جُعْلٍ إلا بإذنِ سَيِّدِه. وإن شَرَطَ جَعْلَه بيَدِ اثنَيْنِ لم يَنْفَرِدْ أحدُهما بحِفْظِه. وليسَ للرَّاهِنِ ولا للمُرْتَهِنِ إذا لم يَتَّفِقَا ولا للحاكمِ نَقْلُه عَن يَدِ العَدْلِ إلا أن تَتَغَيَّرَ حَالُه. وللوكيلِ رَدُّه عليهِما لا على أحدِهما. (وإن أَذِنَا له في البَيْعِ)؛ أي: بَيْعِ الرَّهْنِ (لم يَبِعْ إلاَّ بنَقْدِ البلدِ)؛ لأنَّ الحَظَّ فيه لرَوَاجِه، فإن تَعَدَّدَ بَاعَ بجِنْسِ الدَّيْنِ، فإن عَدِمَ فيما= ظَنَّهُ أَصْلَحَ، فإن تَسَاوَت عَيَّنَه حاكمٌ. وإن عَيَّنَا نَقْداً تَعَيَّنَ ولم تَجُزْ مُخالَفَتُهما، فإن اختَلَفَا لم يُقْبَلْ قَوْلُ واحدٍ مِنهما، ويُرْفَعِ الأمْرُ للحاكِمِ، ويَأْمُرُ ببَيْعِه بنَقْدِ البلدِ، سَوَاءٌ كَانَ مِن جنسِ الحَقِّ أو لم يَكُنْ، وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهما أو لا.
(وإن) بَاعَ بإِذْنِهما و (قَبَضَ الثَّمَنَ فتَلَفَ في يَدِه) مِن غيرِ تَفْرِيطٍ؛ (فمِن ضَمَانِ الرَّاهِنِ)؛ لأنَّ الثمنَ في يَدِ العَدْلِ أَمَانَةٌ فهو كالوكيلِ. (وإن ادَّعَى) العَدْلُ (دَفْعَ الثمَنِ إلى المُرْتَهِنِ فأَنْكَرَه ولا بَيِّنَةَ) للعَدْلِ بدَفْعِه للمُرْتَهِنِ، (ولم يَكُنِ) الدَّفْعُ (بحُضُورِ الرَّاهِنِ ضَمِنَ)؛ لأنَّه فَرَّطَ حيثُ لم يُشْهِدْ، ولأنَّه إنَّما أُذِنَ له في قَضَاءٍ مُبْرِئٍ ولم يَحْصُلْ، فيَرْجِعُ المُرْتَهِنُ على رَاهِنِه ثُمَّ هو على العَدْلِ. وإن كَانَ القَضَاءُ ببَيِّنَةٍ لم يَضْمَنْ لعدمِ تَفْرِيطِه سواءٌ كَانَت البَيِّنَةُ قائمةً أو مَعْدُومَةً، كما لو كَانَ بحَضْرَةِ الرَّاهِنِ؛ لأنَّه لا يُعَدُّ مُفَرِّطاً. (كوكيلٍ) في قضاءِ الدَّيْنِ فحُكْمُه حُكْمُ العَدْلِ فيما تَقَدَّمَ؛ لأنَّه في مَعْنَاه. (وإن شَرَطَ أن لا يَبِيعَهُ) المُرْتَهِنُ (إذا حَلَّ الدَّيْنُ) ففَاسدٌ؛ لأنَّه شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَي العقدِ، كشَرْطِه أن لا يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ مِن ثَمَنِه، أو لا يُبَاعَ ما خِيفَ تَلَفُه. (أو) شَرَط (إن جَاءَه بحَقِّه في وَقْتِ كذا وإلا فالرَّهْنُ له)؛ أي: للمُرْتَهِنِ بدَيْنِه (لم يَصِحَّ الشَّرْطُ وَحْدَه) لقَولِه عليه السَّلامُ: ((لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ)) رَوَاهُ الأثْرَمُ. وفَسَّرَهُ الإمامُ بذلك. ويَصِحُّ الرَّهْنُ للخير=. (ويُقْبَلُ قَوْلُ رَاهنٍ في قَدْرِ الدَّيْنِ) بأن قَالَ المُرْتَهِنُ: هو رَهْنٌ بأَلْفٍ. وقَالَ الرَّاهِنُ: بل بمِائَةٍ فقَطْ. (و) يُقْبَلُ قَوْلُه أيضاً في قَدْرِ (الرَّاهِنِ) فإذا قَالَ المُرْتَهِنُ: أَرْهَنْتَنِي هذا العَبْدَ والأمَةَ. وقَالَ الرَّاهِنُ: بل العَبْدَ وَحْدَه. فقَوْلُه؛ لأنَّه مُنْكِرٌ. (و) يُقْبَلُ قَوْلُه أَيْضاً في (رَدِّه) بأن قَالَ المُرْتَهِنُ: رَدَدْتُه إليك. وأَنْكَرَ الرَّاهِنُ، فقَوْلُه؛ لأنَّ الأصلَ معَه، والمُرْتَهِنُ قَبَضَ العَيْنَ لمَنْفَعَتِه فلم يُقْبَلْ قَوْلُه في الرَّدِّ، كالمُسْتَأْجِرِ. (و) يُقْبَلُ قَوْلُه أيضاً (في كَوْنِه عَصِيراً لا خَمْراً) في عقدٍ شَرَطَ فيه بأن قَالَ: بِعْتُك كذا بكذا على أن تَرْهَنَنِي هذا العَصِيرَ. وقَبِلَ على ذلك، وأَقْبَضَه له ثُمَّ قَالَ المُرْتَهِنُ: كَانَ خَمْراً فلِي فَسْخُ البَيْعِ. وقَالَ الرَّاهِنُ: بل كَانَ عَصِيراً فلا فَسْخَ. فقَوْلُه؛ لأنَّ الأصلَ السلامَةُ. (وإن أَقَرَّ) الرَّاهِنُ (أنَّه)؛ أي: أنَّ الرَّهْنَ (مِلْكُ غَيْرِه) قُبِلَ على نَفْسِه دونَ المُرْتَهِنِ، فيَلْزَمُه رَدُّه للمُقِرِّ له إذا انفَكَّ الرَّهْنُ. (أو) أَقَرَّ (أنَّه)؛ أي: أنَّ الرَّهْنَ (جَنَى قُبِلَ) إقرارُ الرَّاهِنِ (على نَفْسِه) لا على المُرْتَهِنِ إن كَذَّبَه؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ في حَقِّه. وقَوْلُ الغيرِ على غَيْرِه غَيْرُ مَقْبُولٍ. (وحُكِمَ بإقرَارِه بعدَ فَكِّه)؛ أي: فَكِّ الرَّهْنِ بوفاءِ الدَّيْنِ أو الإبراءِ مِنه. (إلا أن يُصَدِّقَهُ المُرْتَهِنُ) فيَبْطُلُ الرَّهْنُ لوُجُودِ المُقْتَضِي السَّالِمِ عَن المُعَارِضِ ويُسَلَّمُ للمُقَرِّ له بِه.


  #4  
قديم 11 ربيع الأول 1430هـ/7-03-2009م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل ([1])

(ويكون) الرهن (عند من اتفقا عليه)([2]) فإذا اتفقا أن يكون تحت يد جائز التصرف صح([3]) وقام قبضه مقام قبض المرتهن([4]) ولا يجوز تحت يد صبي ([5]) أو عبد بغير إذن سيده ([6]) أو مكاتب بغير جعل، إلا بإذن سيده ([7]).
وإن شرط جعله بيد اثنين لم ينفرد أحدهما بحفظه ([8]) وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا، ولا للحاكم نقله عن يد العدل إلا أن تتغير حاله([9]) وللوكيل رده عليهما([10]) لا على أَحدهما([11]).
(وإن أذنا له في البيع) أي بيع الرهن (لم يبع إلا بنقد البلد) لأن الحظ فيه لرواجه ([12]) فإن تعدد باع بجنس الدين ([13]) فإن عدم فبما ظنه أصلح ([14]) فإن تساوت، عينه حاكم ([15]) وإن عينا نقدًا تعين، ولم تجز مخالفتهما ([16]) فإن اختلفا لم يـقبل قـول واحد منهما([17]).
ويرفع الأَمر إلى الحاكم، ويأْمر ببيعه بنقد البلد ([18]) سواء كان من جنس الحق أو لم يكن، وافق قول أحدهما أولا ([19]) (وإن) باع بإذنهما و (قبض الثمن فتلف في يده) من غير تفريط (فمن ضمان الراهن)([20]) لأن الثمن في يد العدل أمانة، فهو كالوكيل([21]) (وإن ادعى) العدل (دفع الثمن إلى المرتهن، فأنكره ولا بينة) للعدل بدفعه للمرتهن (ولم يكن) الدفع (بحضور الراهن، ضمن) العدل ([22]) لأنه فرط حيث لم يشهد([23]).
ولأنه إنما أذن له في قضاء مبرئ ولم يحصل ([24]) فيرجع المرتهن على راهن، ثم هو على العدل([25]) وإن كان القضاء ببينة لم يضمن، لعدم تفريطه ([26]) سواء كانت البينة قائمة أو معدومة ([27]) كما لو كان بحضرة الراهن، لأنه لا يعد مفرطًا ([28]) (كوكيل) في قـضاء الدين ([29]).
فحكمه حكم العدل فيما تقدم، لأَنه في معناه ([30]) (وإن شرط أن لا يبيعه) المرتهن (إذا حل الدين) ففاسد ([31]) لأنه شرط ينافي مقتضى العقد ([32]) كشرطه أن لا يستوفي الدين من ثمنه ([33]) أو لا يباع ما خيف تلفه ([34]).
(أَو) شرط (إن جاءَه بحقه في وقت كذا وإلا فالرهن له) أي للمرتهن بدينه (لم يصح الشرط وحده) ([35]) لقوله عليه السلام «لا يغلق الرهن» رواه الأَثرم، وفسره الإمام بذلك ([36]).
ويصح الرهن للخبر([37]) (ويقبل قول راهن في قدر الدين) ([38]) بأن قال المرتهن: هو رهن بأَلف. وقال الراهن: بل بمائة فقط ([39]) (و) يقبل قوله أيضًا في قدر (الرهن)([40]) فإذا قال المرتهن: أَرهنتني هذا العبد والأمة، وقال الراهن: بل العبد وحده. فقوله، لأَنه منكر ([41]) (و) يقبل قوله أيضًا في (رده) ( [42]).
بأَن قال المرتهن: رددته إليك. وأنكر الراهن، فقوله، لأَن الأصل معه ([43]) والمرتهن قبض العين لمنفعته، فلم يقبل قوله في الرد، كالمستأْجر ([44]) (و) يقبل قوله أيضًا في (كونه عصيرًا لا خمرًا) في عقد شرط فيه ([45]) بأن قال: بعتك كذا بكذا على أَن ترهنني هذا العصير. وقبل على ذلك، وأقبضه له ([46]) ثم قال المرتهن: كان خمرًا، فلي فسخ البيع. وقال الراهن: بل كان عصيرًا، فلا فسخ. فقوله، لأَن الأصل السلامة([47]) (وإن أقر) الراهن (أنه) أي أن الرهن (ملك غيره) ([48]) قبل على نفسه، دون المرتهن ([49]).
فيلزمه رده للمقر له إذا انفك الرهن ([50]) (أو) أقر (أنه) أي أن الرهن (جنى قبل) إقرار الراهن (على نفسه) ([51]) لا على المرتهن إن كذبه، لأنه متهم في حقه ([52]) وقول الغير على غيره غير مقبول ([53]) (وحكم بإقراره بعد فكه) أي فك الرهن، بوفاء الدين، أو الإبراء منه ([54]) (إلا أن يصدقه المرتهن) فيبطل الرهن([55])لوجود المقتضي، السالم عن المعارض، ويسلم للمقر له به([56]).


([1])أي فيمن يكون الرهن عنده.
([2])أي ويكون الرهن عند من اتفق الراهن والمرتهن أن يكون الرهن عنده، لأن الحق لا يعدوهما.
([3])أي قبضه للرهن، وجائز التصرف هو الحر المكلف، مسلمًا كان أو كافرًا عدلاً أو فاسقًا، ذكرًا أو أنثى، لأنه جاز توكيله في غير الرهن، فجاز توكيله فيه، قاله الموفق وغيره، وهو واضح، بخلاف ما توهمه عبارة المقنع وغيره من اعتبار العدالة.
([4])في اللزوم به، في قول أكثر أهل العلم، مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم، لأنه قبض في عقد، فجاز فيه التوكيل، كسائر القبوض.
([5])لأنه غير جائز التصرف مطلقًا، ولا تحت يد مجنون، ولا سفيه، فإن فعلا فقبضه وعدمه سواء، لا أثر له.
([6])أي ولا يجوز تحت يد عبد بلا إذن سيده، لأن منافعه لسيده، فلا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه، فإن أذن جاز.
([7])لأنه ليس له التبرع بمنافعه، وإذا كان بجعل جاز، لأن له الكسب بغير إذن سيده.
([8])لأن الراهن والمرتهن لم يتراضيا إلا بحفظهما معا، فلم يجز لأحدهما الانفراد، كالوصيين، ويمكن أن يجعل في مخزن عليه لكل منهما قفل، وإن تغيرت حال أحدهما أقيم مقامه عدل.
([9])أي العدل، بنحو فسق، أو جنون وضعف، لأنها رضيا به في الابتداء، ولا حاجة تدعو إلى ذلك، وحيث لم يملكاه فالحاكم أولى، وإن اتفقا على نقله جاز، لأن الحق لهما لا يعدوهما، وإن حدثت عداوة بينه وبينهما، أو بينه وبين أحدهما، فمن طلب نقله عن يده فله ذلك، ويضعانه في يد من اتفقا عليه، وإن اختلفا وضعه الحاكم عند عدل، لدعاء الحاجة إلى ذلك، وإن اختلفا في تغير حاله، بحث الحاكم عن ذلك، وعمل بما بان له، وكذا لو كان الرهن في يد المرتهن فلم تغير حاله، لم يكن للراهن نقله عن يده، وإلا فله رفعه عن يده إلى الحاكم، ليضعه في يدل عدل، وإن أنكر تغير حاله، بحث الحاكم عنه.
([10])أي وللوكيل الذي جعلا الرهن تحت يده رده عليهما، وعليهما قبوله منه، لأنه أمين، متطوع بالحفظ، فلم يلزمه المقام عليه، فإن امتنعا، أجبرهما الحاكم، ولا يدفعه ولو إلى أمين من غير امتناعهما، فإن فعل ضمن، وكذا الحاكم، وإن امتنعا، ولم يجد حاكمًا، فتركه عند عدل، لم يضمن للعذر.
([11])أي وليس له دفعه إلى أحدهما بغير إذن الآخر، ولو امتنع، لتفويت حقه، فإن فعل ضمن ما فات على الآخر.
([12])أي نفاقه، وذلك إذا لم يكن فيه إلا نقد واحد، وحكمه في البيع حكم الوكيل في وجوب الاحتياط، والمنع من البيع بدون ثمن المثل، ومن البيع نسأ.
([13])لأنه أقرب إلى وفاء الحق، وظاهره ولو مع عدم التساوي، لكن يجب حمله على التساوي، قال الموفق: إذا تساوت قدم البيع بجنس الدين، على البيع بما يرى فيه الحظ، لأنه يمكن القضاء منه، وهذا الصحيح من المذهب، وعند القاضي: بما يؤدي إليه اجتهاده. وصوبه في الإنصاف، وإن لم تتساو فبالأغلب رواجا بلا نزاع.
([14])أي فإن عدم الذي هو من جنس الدين، باع بما ظنه الأصلح، وفيه الحظ، لأن الغرض تحصيل الحظ، والاحتياط فيما هو متوليه.
([15])أي فإن تساوت النقود عنده في الأصلح، عين له الحاكم ما يبيعه به، لأنه أعرف بالأحظ.
([16])لأنه وكيل، ولم يصح بيعه بغير ما عيناه قولا واحدًا، لأن الحق لهما، وكذا لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن، وعين نقدا تعين، ولم يكن له مخالفته، لأنه وكيل.
([17])أي في تعيين النقد، كما لو قال أحدهما: بعه بدراهم. وقال الآخر: بدنانير. لم يقبل قول واحد منهما، لأن لكل واحد منهما فيه حقًا، للراهن ملك الثمن، وللمرتهن حق الوثيقة، واستيفاء حقه.
([18])هذا المذهب، واختار الموفق وغيره أن يبيعه بما يرى الحظ فيه.
([19])يعني لأن الحظ في ذلك، والقول الثاني إن كان في البلد نقدان فبأغلبهما فإن تساويا باع بجنس الدين، فإن لم يكن فيهما جنس، ولم يبن للعدل الأصلح، عين الحاكم ما يبيعه به، كما لو لم يعينا نقدا، وإن أذنا للعدل في بيعه فباعه، ثم رجع بفسخ عيب، عاد رهنا، بخلاف الإقالة فلا إلا بعقد متجدد.
([20])لأنه ملكه فيفوت عليه، وهذا مذهب الشافعي.
([21])قال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، وقول من قال: إنه من ضمان المرتهن. غير وجيه، لأن العدل وكيل الراهن في البيع، والثمن ملك للراهن، والعدل أمين له في قبضه، فإذا تلف كان من ضمان موكله، كسائر الأمناء.
([22])ولو صدقه الراهن، بخلاف الأمانة.
([23])فإن أشهد العدل، ولو غاب شهوده أو ماتوا، لم يضمن، إن صدقه راهن على الإشهاد، وإن حضر راهن القضاء، لم يضمن العدل.
([24])أي القضاء المبريء فضمن، ولا يقبل قوله عليهما في تسليمه الثمن لمرتهن، أما الراهن فلأنه يدعي الدفع إلى غيره، وأما المرتهن فلأنه إنما هو وكيله في الحفظ، لا في دفع الثمن إليه.
([25])أي فيرجع المرتهن – بعد اليمين أنه ما استوفي دينه مثلاً – على الراهن، ثم الراهن يرجع على العدل لتفريطه، وللمرتهن الرجوع على أيهما شاء بعد حلفه، وإن رجع على العدل، لم يرجع العدل على أحد، لإقراره ببراءة ذمة الراهن، ولدعواه ظلم مرتهن له، وأخذ المال منه ثانيًا بغير حق.
([26])حيث أشهد على القضاء.
([27])أي سواء كانت البينة حاضرة أو غائبة، حية أو ميتة، إن صدقه الراهن في ذلك، فإن لم يصدقه فقوله، لأن الأصل عدم ذلك.
([28])أي كما أنه لا يضمن إذا كان القضاء بحضرة الراهن، لأن العدل إذا قضى المرتهن حقه من ثمن الرهن ببينة، أو بحضرة راهن، لا يعد مفرطًا، فلا ضمان عليه لو تلف الثمن.
([29])أي إذا قضاه في غيبة موكله.
([30])أي معنى العدل، في أنه يرجع صاحب الدين على الموكل، والموكل على الوكيل، إذا لم يكن قضى الدين بحضوره، أو بحضور شهود، لكن لو أعطاه دراهم ولم يخبره أنها وفاء أو هبة، وقال: أعطها زيدًا. ففعل ولم يشهد، ثم بان أنها وفاء فأنكر المعطى، لم يضمن الوكيل، لأن الموكل هو الذي فرط، حيث لم يخبره.
([31])الشروط في الرهن قسمان، صحيح وفاسد، فالصحيح نحو كونه على يدي عدل فأكثر، وأن يبيعه العدل عند الحق، ولا خلاف في ذلك، أو يبيعه المرتهن عند الجمهور، والفاسد قسمان، مالا يقتضيه العقد، أو ينافي مقتضاه، فمالا يقتضيه كالمحرم، والمجهول، والمعدوم، وما لا يقدر على تسليمه ونحوه، ونحو ما ينافي مقتضى العقد، أن يشترط الراهن أن لا يبيع المرتهن أو العدل الرهن عند حلول الحق، ففاسد قولاً واحدًا.
([32])إذ مقتضى العقد أن الراهن إذا لم يوف الدين، بيع الرهن، ووفي الدين من ثمنه.
([33])أي فساد شرط أن لا يبيعه المرتهن إذا حل الدين، كفساد شرط أن لا يستوفي الدين من ثمن الرهن، لمنافاته مقتضى العقد، فإن المقصود مع الوفاء بهذا الشرط مفقود، ووجود الرهن وعدمه سواء.
([34])أي وكشرط الراهن أن لا يباع من الرهن ما خيف تلفه كبطيخ، أو شاة إن خيف تلفها لعدم ما يطعمها به، ونحو ذلك ففاسد، أو شرط أن لا يبيعه إلا بما يرضيه، وكذا إن شرط الخيار للراهن، أو أن لا يكون العقد لازمًا في حقه، أو شرط توقيت الرهن، أو كونه في يد الراهن، ونحو ذلك مما ينافيه، أو لا يقتضيه، ولا هو من مصلحته، فسد الشرط، لخبر «لا يغلق الرهن» وهو مشروط فيه شرط فاسد، ولم يحكم بفساد الرهن.
([35])أي كون الرهن للمرتهن في مقابلة دينه، سواء قال: إنه له بالدين. أو مبيع له بالدين الذي له على الراهن، فهو شرط فاسد، قال الموفق وغيره: روي عن ابن عمر، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم.
([36])أي قال الإمام أحمد: لا يدفع رهنا إلى رجل، ويقول: إن جئتك بالدراهم إلي كذا وكذا، وإلا فالرهن لك. وقال ابن المنذر: وهذا معنى قوله «لا يغلق الرهن» عند مالك، والثوري، وأحمد، وفي حديث معاوية: مضى الأجل، فقال الذي ارتهن: منزلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يغلق الرهن)) والحديث رواه الدارقطني، والحاكم، وقال الحافظ: رجاله ثقات. وعن أحمد: يصح. وفعله، وقال ابن القيم: لا حجة لهم في الخبر، فإن موجبه أن المرتهن يتملك الرهن بغير إذن مالكه، إذا لم يوفه، فهذا غلق الرهن الذي أبطله النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بيعه للمرتهن بما عليه عند الحلول، فلم يبطله كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح، ولا مفسدة ظاهرة، وغايته أنه بيع علق على شرط، وقد تدعو الحاجة إليه، ولا يحرم عليهما ما لم يحرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن هذا خير للراهن والمرتهن من الرفع إلى الحاكم،
وهو مقتضى أصول أحمد، وقال: فإذا اتفقا على أنه له بالدين عند الحلول كان أصلح لهما.
([37])أي قوله «لا يغلق الرهن» فسماه رهنًا مع أنه فيه شرطًا فاسدًا، وهذا مذهب الجمهور.
([38])يعني بيمينه، وهذا مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، يجعلون القول قول الراهن مطلقًا.
([39])وعند مالك وشيخ الإسلام القول قول المرتهن، ما لم يزد عن قيمة الرهن قال ابن القيم: وهو الراجح في الدليل، لأن الله جعل الرهن بدلاً من الكتاب والشهود، فكأنه الناطق بقدر الحق، وإلا فلو كان القول قول الراهن، لم يكن الرهن وثيقه، ولا بدلاً من الكتاب والشاهد، فدلالة الحال تدل على أنه إنما رهنه على قيمته، أو ما يقاربها، وشاهد الحال يكذب الراهن إذا قال: رهنت عنده هذه الدار على درهم ونحوه: فلا يسمع قوله.
([40])أي إذا اختلفا ولا بينة.
([41])أي فقول راهن، لأنه منكر، قال الموفق وغيره: لا نعلم في هذا خلافًا، وإن قال: رهنتك هذا العبد. قال: بل هذه الجارية. خرج العبد من الرهن، وحلف الراهن على أنه ما رهنه الجارية، وخرجت من الرهن أيضًا.
([42])أي يقبل قول راهن في رد الرهن، إذا اختلفا في رده إلى الراهن.
([43])وهو قبض المرتهن للرهن.
([44])وكذا المستعير إذا ادعى أحدهما رد العين المستأجرة، وأما إن اختلف الراهن والمرتهن في تلف العين، فالقول قول المرتهن مع يمينه، لأن يده يد أمانة وتقدم.
([45])أي رهن العصير في الثمن المؤجل.
([46])ثم علمه خمرًا، فاختلفا في الرهن، هل كان قبل قبضه عصيرًا أو خمرًا.
([47])أي من كونه خمرًا، نص عليه أحمد وغيره، ولأنهما اختلفا فيما يفسد العقد، فكان القول قول من ينفيه.
([48])أو أنه كان باعه قبل الرهن، أو وهبه، أو غصبه قبل الرهن، وصدق.
([49])أي قبل إقرار الراهن على نفسه، إذ لا عذر لمن أقر، وكما لو أقر بدين،
ولم يقبل إقراره على المرتهن، لأنه متهم في حقه، وقول الإنسان على غيره غير مقبول.
([50])لزوال المعارض، ويلزمه قيمة المغصوب منه إن طلبها، لأنه حال بينه وبينه برهنه.
([51])ويلزمه أرش الجناية، لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني، فأشبه ما لو جنى عليه، وإن كان الراهن معسرًا فمتى انفك الرهن كان المجني عليه أحق برقبته، وإن أنكر لم يلتفت إلى قول الراهن.
([52])أي ولا يقبل إقرار الراهن بالجناية على المرتهن، إن كذب المرتهن الراهن، لأن الراهن متهم في حق المرتهن، ليبطل بإقراره حق المرتهن فيه.
([53])فلا يخرج من الرهن، ولا يزول شيء من أحكام الرهن.
([54])فيأخذ مشتر، وموهوب له، ومغصوب منه الرهن إذا انفك، لزوال المعارض، ومجني عليه يأخذ الأرش أو يسلم له الجاني، غير أنه إن أراد المجني عليه، أو المغصوب منه أن يغرماه في الحال فلهما ذلك.
([55])لاعترافه بما يبطله، ويلزم المرتهن اليمين إذا طلب منه، أنه لا يعلم ذلك الذي أقر به الراهن، فإن نكل قضي عليه ببطلان الرهن.
([56])أي بالرهن إن صدقه كما تقدم.


  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1431هـ/12-05-2010م, 10:03 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

( فصلٌ ) (26) ويكونُ عندَ مَن اتَّفَقَا عليه(27)، وإن أَذِنَا له في البيعِ لم يَبِعْ إلا بنَقْدِ البلَدِ (28), وإن قَبَضَ الثمَنَ فتَلِفَ في يدِه فمِن ضَمانِ الراهنِ(29)، وإن ادَّعَى دَفْعَ الثمنِ إلى الْمُرْتَهِنِ فأَنْكَرَه ولا بَيِّنَةَ ولم يكنْ بحُضُورِ الراهنِ ضَمِنَ كوكيلٍ(30)، وإن شَرَطَ إلا بيعَه إذا حَلَّ الدَّيْنُ، أو إن جاءَه بحَقِّه في وَقتِ كذا , وإلا فالرهنُ له لم يَصِحَّ الشَّرْطُ وحْدَه(31)، ويُقبلُ قولُ الراهنِ في قَدْرِ الدَّيْنِ والرهنِ، ورَدِّه، وفي كونِه عصيرًا لا خَمْرًا(32)، وإن أَقَرَّ أنه مَلَكَ غيرَه , أو أنه جَنَى قبلُ على نفسِه , وحَكَمَ بإقرارِه بعدُ فَكَّه إلا أن يُصَدِّقَه الْمُرْتَهِنُ(33) .

(26) في بيان من يكون الرهن عنده وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالرهن .
(27) فإذا اتفقا أن يكون عند ثقة صح وقام قبضه مقام قبض المرتهن .
(28) أي : إذا أذن الراهن والمرﺗﻬن للمودع عنده الرهن ببيعه لم يصح أن يبيعه إلا بالنقد المستعمل في البلد لأنه أحظ .
(29) أي : إذا باع المأذون له الرهن وقبض ثمنه فتلف في يده من غير تفريط فهو من ضمان الراهن ؛ لأنه ملكه ففواته عليه ولا شيء على المأذون لأنه أمين .
(30) أي : إذا ادعى المأذون له في بيع الرهن أنه دفع الثمن إلى المرﺗﻬن فأنكره المرتهن لم يخل من أحوال :
١- أن يكون عند المأذون بينة بذلك فيعمل ﺑﻬا .


٢- إذا لم يكن للمأذون بينه على ما ادعى ولم يكن الدفع بحضور الراهن ضمن
المأذون ؛ لأنه فرط حيث لم يشهد ومثله في هذا الحكم الوكيل في قضاء الدين إذا لم يشهد في غيبة موكله .
٣- إذا كان الدفع بحضور الراهن ولم يشهد لم يضمن المأذون , لأنه لا يعد مفرطاً .
(31) أي : إذا شرط الراهن على المرتهن أن لا يبيع الرهن عند حلول الدين فهذا
الشرط فاسد ؛ لأنه ينافي مقتضى العقد ؛ لأن مقتضى العقد أن الراهن إذا لم يوف الدين بيع الرهن ووفي الدين من ثمنه .
وكذا إذا شرط أن يكون الرهن للمرﺗﻬن إذا لم يأته بحقه في وقت محدد فهذا الشرط فاسد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (( لا يغلق الرهن من صاحبه )) الحديث ، وقد سبق . فقد فسر الإمام أحمد الحديث بذلك . وفي الصورتين يبطل الشرط وحده دون الرهن ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث سماه رهناً مع أن فيه شرطاً فاسداً .
(32) أي : يقبل قول الراهن إذا اختلف هو والمرﺗﻬن في قدر الدين ، بأن قال المرتهن : هو رهن بألف وقال الراهن : بل بمائة أو اختلفا في قدر الرهن ، بأن قال المرتهن :أرهنتني عبدًا وأمة ، وقال الراهن بل العبد وحده . أو اختلفا في رد الرهن ، بأن قالالمرﺗهن : رددته إليك فقال الراهن : لم ترده إلي ، أو اختلفا في نوع الرهن بأن قال المرتهن : كان الرهن خمراً فلى الفسخ . وقال الراهن : بل كان عصيراً فلا فسخ .

(33) أي : إذا أقر الراهن بما يبطل الرهن بأن ادعى أنه ليس ملكًا له أو أنه جنى على غيره لم يقبل قوله على المرتهن فلا يبطل الرهن ؛ لأنه متهم في ذلك ، وقول الغير على غيره مقبول ، وإنما يقبل إقراره على نفسه ؛ لأنه لا عذر لمن أقر فيطالب بموجب إقرارهبعد فك الرهن ، إلا أن يصدقه المرﺗﻬن في إقراره فيبطل الرهن لزوال المعارض ، فيسلم الرهن للمقر له به .



  #6  
قديم 16 ربيع الثاني 1432هـ/21-03-2011م, 11:37 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فصلٌ

وَيُكونُ عِنْدَ مَنْ اتفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي البَيْعِ لَمْ يَبِـعْ إِلاَّ بِنَقْدِ البَلَدِ، وَإِن قَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَمِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ،
قوله: «ويكون عند من اتفقا عليه» «يكون» الضمير يعود على الرهن، «اتفقا» الألف تعود على الراهن والمرتهن، هذا ما لم يرض الراهن بكونه بيد المرتهن، فإن رضي فذاك المطلوب وإن لم يرض لعدم ثقته به، قيل لهما: اختارا من يكون بيده، فإذا اختارا فلاناً صار بيده، فإن اختلفا قال أحدهما: أنا أريد فلاناً، وقال الثاني: أنا أريد فلاناً الآخر فكيف نعمل؟ هل نقدم قول الراهن؛ لأنه المالك الذي يخشى على ملكه، أو نقدم قول المرتهن؛ لأنه الطالب للحق الذي يريد أن يتوثق، أو نقول: لا نأخذ بقولكما ونرجع إلى القاضي؟
الثالث: أقرب إلى الصواب؛ لأنه إن راعينا قول الراهن؛ لأنه المالك، فقد يختار المالك رجلاً لا يثق به المرتهن، وإن قدمنا قول المرتهن؛ لأنه صاحب حق ويريد أن يتوثق بحقه فإن الراهن قد لا يثق به، فيقول: أخشى على ملكي إذا كان بيد هذا الرجل، لذلك نرى فكّاً للنزاع وحلاً للمشكلة أن ترفع إلى القاضي ويُعيِّن من شاء، فعلى هذا قال: «ويكون عند من اتفقا عليه» إن اتفقا على أحد، وإن اختلفا فالمرجع إلى القاضي؛ لأن له الولاية العامة.
قوله: «وإن أذنا» الضمير يعود على الراهن والمرتهن.
قوله: «له» أي: للعدل.
قوله: «في البيع لم يبع إلا بنقد البلد» ولا يبيع بنقد آخر، فمثلاً هنا نقد البلد الريال السعودي، فلا يبيع بدولار ـ مثلاً ـ لأنه إذا أطلق العقد رجع إلى العرف بين الناس، والمتعارف بين الناس هو النقد المتداول بينهم، فهو لا يبيع إلا بنقد البلد.
ولو قال: أنا أريد أن أبيعه بمثل الدَّيْن، يعني أن هذا مرهون بدولارات وأذنا له في البيع، هل يبيع بالدولارات أو بنقد البلد؟
الجواب: بنقد البلد، هذا ظاهر كلام المؤلف؛ لأنه ربما ترتفع قيمة الدولارات فيخسر الراهن، وربما تنخفض فيكون في هذا ضرر على المرتهن، وعلى هذا فلا عبرة بالدين أو بجنس النقد الذي هو الدين، بل العبرة بنقد البلد.
والصحيح أنه يبيعه أولاً بجنس الدين ثم بنقد البلد.
وهل يبيع بفئة خمسمائة أو بفئة مائة أو بفئة خمسين أو فئة عشرة أو فئة ريال؟
الجواب: له أن يبيع بما شاء؛ لأن الأمر كله واحد، لكن في ظني أن الدين إذا كان كثيراً فالأحسن الخمسمائة، وعلى كل حال لا بد من نقد البلد، أما كونه من فئة كبيرة أو صغيرة، فهذا يرجع إلى ما تقتضيه المصلحة.
قوله: «وإن قبض الثمن فتلف في يده فمن ضمان الراهن» وذلك لأن الدين ثابت في ذمة الراهن حتى يستلمه المرتهن، فالمرتهن الآن لم يستلم الثمن، فلم يوف دينه، فإذا تلف فمن ضمان الراهن، ولكن يشترط في ذلك أن يكون بلا تعدٍّ ولا تفريط، فإن كان بتعدٍّ أو تفريط صار هناك ضامن آخر، وهو العدل الذي وُكِل من قبل الطرفين.
مثاله: باع العدل الرهن وقبض الثمن، ثم شب حريق في البيت وتلف الثمن، فهنا المرتهن يرجع على الراهن، ولا إشكال، ولا يرجع الراهن على العدل؛ لأنه تلف بلا تعدٍّ ولا تفريط.
مثال آخر: قبض العدل الثمن، ووضعه على عتبة المحل، ثم نسي وذهب يصلي، فأتى وقد سُرق، فالضمان للمرتهن على الراهن، والراهن يرجع على العدل؛ أما رجوع المرتهن على الراهن فظاهر؛ لأن الدين في ذمته وهو لا يعرف إلا الراهن، وأما رجوع الراهن على العدل؛ فلأنه فرَّط؛ لأن هذا ليس حفظاً للمال، فالأموال المهمة توضع في الصندوق؛ لأن الإنسان معرض للنسيان، وهذه ـ أيضاً ـ مسألة ينبغي للإنسان أن يسير عليها في حياته، وقد نبهنا عليها، وهي أن يبدأ الإنسان بالأهم، وذكرنا هذا في حديث عتبان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما جاء إليه قال: أين تريد أن تصلي؟ وقد صنع له طعاماً ولكنه لم يبدأ بالطعام؛ لأنه إنما جاء ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى[(1)]، وذكرنا ـ أيضاً ـ أنه لما بال الصبي في حجره دعا بماء فأتبعه إياه[(2)] فالإنسان لا يفرط، فلا يقول: أترك هذا وإذا انتهيت وضعته في مكانه، حتى في المراجعة، فالإنسان يراجع ـ مثلاً ـ خمسة كتب، كل كتاب في رف فإذا راجعت واحداً، لا تقل أضعه عندي؛ لأنك الآن لست محتاجاً إليه، ضعه أولاً في مكانه؛ لأنك ستضعه ولا بد، ولأجل أن يسلم المكان حولك من تكديس الكتب، ولأجل أن يكون منظماً.
فالدراهم إذا أُعْطِيتَها أمانة لا تجعلها أمامك، وتقول: إذا قمت وضعتها في الصندوق، ضعها مباشرة؛ لأن الإنسان بشر ربما ينسى، وكذلك إذا عَنَّ في ذهنك وأنت طالب علم مسألة، قلت هذه سهلة أراجعها فيما بعد، الأولى أن تراجعها أولاً ما دمت في حاجة لها، ولست تراجع مسألة معينة من قبل، أما إذا كنت تراجع مسألة معينة من قبل فلا تتلهى بغيرها فتضيع عليك، أيضاً يمر بك فائدة قد لا تراها في أي كتاب، وقد لا تكون هذه الفائدة في الموضع الذي تظن أنها فيه، فيقول الإنسان أنا أضبطها في قلبي، ولا أنساها ولا يقيدها، أو على الأقل يشير إلى صفحتها في جانب الكتاب، ثم بعد ذلك ينساها وتضيع عليه وهي تعتبر فائدة درة، لكنه ينسى؛ لأن الإنسان بشر.

وَإِنِ ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلى المُرْتَهِنِ فَأنْكَرَهُ وَلاَ بَيِّنَةَ وَلَمْ يَكُنْ بِحُضُورِ الرَّاهِنِ ضَمِنَ كَوكِيلٍ.
قوله: «وإن ادعى دفع الثمن» أي العدل.
قوله: «إلى المرتهن فأنكره ولا بينة ولم يكن بحضور الراهن ضمن» أي: ضمن العدل.
صورة المسألة: أذن الراهن للعدل أن يبيع الرهن ويوفي صاحبه، فباعه ثم جاء إلى صاحبه في دكانه، وقال: يا فلان هذا ثمن الرهن الذي ارتهنته، فأخذ الدراهم وشكر له، وفي آخر النهار ذهب المرتهن إلى الراهن وقال: أوفني، فرجع الراهن إلى العدل وقال: ألست تقول: إنك أوفيته؟ قال: بلى، فذهبا إلى المرتهن فقال: لا ما وفاني، والعدل ليس عنده بينة، والراهن لم يحضر، فهنا يضمن العدل؛ لأنه فرط بعدم إشهاده، وكان عليه أن يشهد حتى تبرأ ذمته ويؤدي الأمانة كما أمر، فيرجع المرتهن على الراهن؛ لأن الدَّين ثابت في ذمته ويرجع الراهن على العدل.
لكن لو أن العدل استأذن من الراهن، وقال: يا فلان إن المرتهن رجل شريف كريم، وليس هناك حاجة لأن أحضر إليه من يشهد عليه بالوفاء؛ لأن هذا ليس بطيب في حقه، فقال: أوفه وإن لم تشهد، وثبت أن الراهن قال هذا، فهنا لا يضمن العدل، وكَذلك لو كان بحضور الراهن الذي عليه الدين، فلا ضمان على العدل؛ لأن المفرط هنا الراهن الذي عليه الحق، فلماذا لم يطلب شهوداً يشهدون أنه أوفى؟ فيرجع المرتهن على الراهن؛ لأن الدين ثابت لم يثبت قضاؤه، ولا يرجع الراهن على العدل.
والخلاصة: أن العدل إذا أوفى المرتهن بدون بينة، ولا حضور الراهن وأنكر المرتهن فعليه الضمان.
قوله: «كوكيل» ، يعني كما لو فعل الوكيل في قضاء الدين وقال: إني وفيت، وأنكر الدائن ولم يكن هناك بينة، ولم يكن بحضور الموكل فإنه يضمن، وهذه المسألة تقع كثيراً.
مثال ذلك: صاحب بقالة اشتريت منه كيس خبز ثمنه ريال، وبعد أن ذهبت به إلى البيت ذهب جاري يشتري خبزاً، فأعطيته ريالاً قيمة الكيس ليعطيه للبقال، فأخذ الريال وأعطاه للبقال وقال: هذا عن الرجل الذي أخذ منك كيس الخبز، ولم يكن هناك شهود، ثم إن صاحب البقالة لما مر به المشتري قال: أعطني قيمة الخبز، فقال: أعطيته جاري ودفعه لك، فقال: ما أعطاني شيئاً، فهنا يضمن الجار الريال؛ لأنه لم يُشهد عليه بشاهدين.
لكن ينبغي أن يقال: لكل مقام مقال، فالدراهم الخطرة الكثيرة لا بد أن يُشهد عليها، فإن لم يفعل فهو مفرط، أما الشيء اليسير الذي جرت العادة أنه لا يُشهد عليه، فإنه لا يعد مفرطاً، والرجل المدين قد ائتمنه ورضي بأمانته.
فالصحيح في هذا أنه لا يضمن؛ لأن هذا الوكيل يقول للذي وكله: أنت لو ذهبت توفي بهذا الريال ما أشهدت عليه، فكيف تعدني مفرطاً وأنت بنفسك تفعل ما أفعل؟!
ولو أعطى صاحب الدكان فاتورة للوكيل بأنه تسلم الثمن، فالأصل أن الإقرار مقبول، فيكفي إعطاء الفاتورة عن الإشهاد.

وَإِنْ شَرَطَ ألاَّ يَبِيعَهُ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، أوْ إِن جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلاَّ فَالرَّهْنُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَحْدَهُ،............
قوله: «وإن شرط» الفاعل هو الراهن.
قوله: «ألا يبيعه» أي: المرتهن.
قوله: «إذا حل الدين» مثاله: قال: رهنتك هذه السيارة بخمسين ألفاً بشرط ألا تبيعها إذا حل الدين، فالرهن صحيح، والشرط فاسد، ولو أن أحداً قال بعدم صحة الرهن والشرط لكان له وجه؛ لأن هذا الشرط لو صححناه، لكان منافياً لمقتضى العقد، إذ مقتضى العقد هو التوثقة، وإذا كان إذا حل الدين لم يبعه فأين التوثقة؟! لكن المذهب أن العقد صحيح والشرط فاسد، وبناء على ذلك إذا حل الدين، فهل يجوز للمرتهن أن يبيعه؟ نعم؛ لأن الشرط غير صحيح.
قوله: «أو إن جاءه» الفاعل الراهن، والمفعول المرتهن.
قوله: «بحقه في وقت كذا وإلا فالرهن له لم يصح الشرط وحده» «بحقه» الضمير يعود على المرتهن، والحق هو الدين، فإن جاءه بحقه في الوقت، انفك الرهن، وإن لم يأت بحقه في الوقت المحدد، بقي الرهن بحاله، وبقي الدين بحاله؛ لأن الشرط غير صحيح.
مثال ذلك: رجل أرهن شخصاً سيارة، قال: خذ السيارة رهناً عندك، فإن جئتك بحقك أول يوم من رمضان، وإلا فالسيارة لك، فقال: ليس هناك مانع، فإن هذا الشرط لا يصح، فإذا جاء أول يوم من رمضان، ولم يوف بحقه، بقيت السيارة على رهنها وبقي الدين في ذمة الراهن، يعني كأن شيئاً لم يكن.
والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يَغْلَقُ الرهن من صاحبه)) [(3)]، يعني لا يؤخذ منه قسراً، والتعليل أنه بيع معلق ومن شروط البيع أن يكون منجزاً، فالبيع المعلق غير صحيح.
أما الحديث: ((لا يغلق الرهن، من صاحبه)) فهنا الرهن لم يغلق من صاحبه، غَلْقُ الرهن من صاحبه، أنه إذا حل الدين ولم يأت به أخذه المرتهن قهراً، سواء يساوي الدين أو أكثر أو أقل، هذا الذي يقال: إنه غلق من صاحبه، وكانوا في الجاهلية إذا رهنوا الشيء وحل الأجل ولم يوفوا امتلكه المرتهن، وأخذه ملكاً له، رضي الراهن أم لم يرض، فهذا لا شك أنه إغلاق للرهن، وتَمَلُّكٌ له بغير حق، وأما إذا كان باختيار صاحبه فإنه لم يغلق عليه أحد.
وأما التعليل بأن البيع المعلق لا يصح فيحتاج إلى دليل، فما الدليل على أن البيع المعلق غير صحيح؟ فصار هذا التعليل غير صحيح والاستدلال غير صحيح، فنرجع إلى الأصل، والأصل في العقود وشروطها الجواز والصحة؛ لقول الله ـ عزّ وجل ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وهذا يشمل الوفاء بالعقد أصله وشرطه، ولقوله ـ تعالى ـ: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34] ، والشرط عهد، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)) [(4)]، فعلم منه أن الشرط الذي لا ينافي كتاب الله صحيح، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)) [(5)]. فهذه أربعة أدلة من الكتاب والسنة، مع بطلان ما استدل به الأصحاب رحمهم الله.
وحينئذٍ يكون القول الثاني أن هذا الشرط صحيح، فإذا قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك في وقت كذا، وإلا فالرهن لك، وقبل فهو صحيح، وبهذا أخذ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في فعله، فإنه اشترى من بقال شيئاً ورهنه نعليه وصار يمشي حافياً، وقال له: إن جئتك بحقك في وقت كذا، وإلا فالنعال لك، فوافق صاحب البقالة؛ لأن النعال يمكن أن تكون أكثر من الدين، والله أعلم.
فيكون في المسألة عن الإمام أحمد روايتان:
الرواية القولية: أنه لا يصح لدخوله في الحديث: ((لا يغلق الرهن من صاحبه)) [(6)].
الرواية الفعلية: وهو أنه فعل ذلك بنفسه، وهذا هو القول الراجح.
بقي علينا أن يقال: ربما يكون الرهن حين العقد مساوياً للدين، لكن عند حلول الدين قد تزيد قيمته وقد تنقص.
مثاله: رهنه هذه السيارة بخمسين ألفاً، وقال: إن جئتك بحقك في أول يوم من رمضان وإلا فالسيارة لك، وهي تساوي في ذلك الوقت خمسين ألفاً، لكن لما دخل رمضان صارت تساوي عشرين ألفاً، أو صارت تساوي ثمانين ألفاً، فيكون حينئذٍ الثمن مجهولاً، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((عن بيع الغرر)) [(7)].
يقال: أما إذا نقصت قيمة الرهن فإن المرتهن قد أسقط بعض الدين باختياره، ودخل على بصيرة، وأما لو زادت فإن الراهن لا يمكن أبداً أن يؤخر الوفاء عن وقته؛ لئلا تفوته هذه الزيادة، إذاً فلا غرر وذلك بالنسبة للمرتهن، أنه يجوز أن يسقط بعض حقه، وحصوله على بعض حقه خير من عدمه بالكلية، أما بالنسبة للراهن، فهو كما سبق أنه لا يمكن أبداً أن يؤخر الوفاء عن وقته، إذا كان يعلم أن قيمة الرهن أكثر من الدين؛ لأنه لا أحد يرضى بهذا، ولو ذهب يستقرض ويوفي لفعل؛ لئلا تفوته هذه الزيادة، وبهذا يجاب عن هذا الإيراد فيزول الإشكال.
إذاً الصحيح: أنه إذا رهنه شيئاً وقال: إن جئتك بحقك في الوقت الفلاني، وإلا فالرهن لك، أن هذا شرط صحيح ولازم.

وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ وَرَدِّهِ وكَوْنِهِ عَصِيراً لاَ خَمْراً، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُلْكُ غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ جَنَى قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ وَحُكِمَ بِإقْرَارِه بَعْدَ فَكِّهِ إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ المُرْتَهِنُ.
قوله: «ويقبل قول الراهن في قدر الدين» يعني لما حل الدين أتى الراهن بألف ريال، وقال للمرتهن: هذا دينك أعطني الرهن، فقال: الدين ليس بألف ريال، الدين خمسة آلاف ريال، فقال الراهن: بل هو ألف ريال، يقول المؤلف: «يقبل قول الراهن» ، وهذا مقيد بما إذا لم يكن للمرتهن بينة، أما إذا كان للمرتهن بينة، فالقول قول من شهدت له البينة، وهي شهدت للمرتهن فيلزمه في المثال خمسة آلاف.
كذلك ـ أيضاً ـ يقبل قول الراهن مع يمينه، فلا بد أن يحلف؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) [(8)]، ونحن الآن عندنا طرفان، الطرف الأول الراهن ينكر أن يلزمه خمسة آلاف.
والطرف الثاني المرتهن يدعي أن له خمسة آلاف.
نطبق على الحديث: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) [(9)] ، فنقول: القول قول الراهن بيمينه، وأما المرتهن فلا نقبل قوله إلا بالبينة.
وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أنه لا فرق بين أن يكون الدين الذي ادعاه الراهن قريباً من قيمة الرهن أو بعيداً.
فلو رهنه سيارة بدين، ولما حل الدين جاء الراهن إلى المرتهن بمائة ريال، فقال المرتهن: الدين خمسة آلاف ريال، فقال: لا، بل مائة ريال، فهنا عندنا أصل وعندنا ظاهر.
فالأصل عدم ثبوت ما ادعاه المرتهن؛ لأن الراهن ينكره، فيقول: أبداً لا يلزمني إلا مائة ريال.
والظاهر ثبوت ما ادعاه المرتهن في هذه الصورة؛ إذ لم تجر العادة أن شخصاً يرهن سيارة تساوي خمسين الفاً بمائة ريال، فإذا كان هناك ظاهر وأصل، فكلام المؤلف ظاهره ما ذكرناه من أنه لا فرق بين أن يكون الدين الذي ادعاه الراهن قريباً من قيمة الرهن أو بعيداً، لكن إذا أردنا أن نطبقها على قواعد الشريعة، فإننا نقدم الأقوى من الظاهر أو الأصل، ولهذا لو ثبت ببينة أخذنا بما قالت البينة، ولو كان الراهن قد ادعى أقل.
وعلى هذا نقول: إن الظاهر يكذب قول الراهن، فيكون الأصل مع المرتهن.
وفي المسألة قول ثالث أن القول قول المرتهن مطلقاً لكنه ضعيف، فالقول بأن القول قول الراهن مطلقاً ضعيف، والقول بأنه قول المرتهن مطلقاً ـ أيضاً ـ ضعيف، والصواب في ذلك التفصيل وأن القول قول من يشهد العرف له؛ لأن الظاهر إذا قوي غُلِّب على الأصل، فإذا وجدت قرينة قوية تدل على رجحان من ادعى الظاهر غلب على الأصل كما سبق.
ولكن يبقى النظر إذا ادعى المرتهن أن الدين خمسون ألفاً بناءً على أن قيمة السيارة تساوي خمسين ألفاً، ولكن لما رأى أنه غير مقبول قال: إذاً الدين أربعون ألفاً. فهل في هذه الحال نقول: إن رهن سيارة قيمتها خمسون ألفاً، قريب من أن يكون الدين أربعين ألفاً، فنقبل قوله لما رجع، أو نقول: إن هذا الرجل كاذب فلا يقبل قوله؟
الجواب: الظاهر الثاني هو الأولى، وعليه فنقول: يكون الدين ما ادعاه الراهن.
وعلى هذا فالقاعدة: «متى ادعى أحدهما ما يخالف الظاهر مخالفة بينة فإننا لا نقبله».
قوله: «والرهن» إذا قال المرتهن: رهنتني شيئين، وقال الراهن: بل رهنتك شيئاً واحداً، فالقول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الزيادة، مثال ذلك، قال المرتهن: إنك رهنتني البيتين جميعاً وقال الراهن، بل رهنتك بيتاً واحداً، فالقول قول الراهن، وعلى هذا فيكون البيت الثاني طِلقاً لا رهناً، وللراهن أن يتصرف فيه كما شاء؛ ووجه ذلك ما سبق من الحديث: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) [(10)]، فالراهن والمرتهن اتفقا على أن البيت الأول مرهون، واختلفا في الثاني فقال المرتهن: إنه مرهون، وقال الراهن: ليس بمرهون، فالبيت الثاني فيه مدعٍ ومنكر، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون هذا الاختلاف يشهد العرف لأحدهما أو لا يشهد، فمثلاً إذا أقرضه مائة ألف، ثم ادعى المرتهن أنه رهنه البيت الأول والثاني وكلاهما لا يساوي مائة ألف، وادعى الراهن أنه لم يرهنه إلا البيت الأول، فالأقرب إلى الصواب قول المرتهن؛ لأن البيتين جميعاً قيمتهما ستون ألفاً، فكونه يرهن البيتين أقرب من أن يرهن واحداً لا يساوي إلا ثلاثين ألفاً، وعلى هذا نقول: القول الثاني في المسألة أن القول قول من يشهد له العرف، فإذا كان قول أحدهما تدل القرينة على صدقه كان أولى، أما المذهب فيطردون القاعدة على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
قوله: «ورده» أي: يقبل قول الراهن في رد الرهن، يعني لو ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن، وقال الراهن: لم ترده، فالقول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الرد، ولأننا اتفقنا على أنه في يدك واختلفنا في انتقاله عن يدك، والأصل بقاء ما كان على ما كان، والرهن الآن بيد المرتهن.
فإذا قال قائل: ألستم تقولون: إن المودَع إذا ادعى رد الوديعة إلى المودِع قبل قوله، فلماذا لا تقبلون قول المرتهن في رد الرهن؟ أي: إنسانٌ أعطى شخصاً وديعة وقال: خذ هذه الساعة أمانة عندك، وبعد مدة جاء صاحب الساعة يطلبها، فقال المودَع: إني قد أعطيتكها، فيقبل قول المودَع، وهذا المرتهن لا نقبل قوله؛ لأن المودَع محسن، والله تعالى يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، وكثيراً ما تحصل مثل هذه الأمور بدون إشهاد، فلو أعطاني ماله، وقال: خذ هذا وديعة عندك، فجاء يطلبه فقلت له: لا أعطيك إياه إلا بشهود، فسيقول أنا أعطيتك إياه بلا شهود، فكيف لا تعطيني إياه إلا بشهود؟! فلما كان العرف يقتضي عدم الإشهاد وكان هذا الرجل محسناً، لم يكن عليه من سبيل، ولدينا قاعدة: «أن من قبض الشيء لحظ نفسه كالمستعير لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظ مالكه كالمودَع قُبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظهما جميعاً مثل الرهن والعين المؤجرة لم يقبل قوله في الرد، كمن قبض الشيء لحظ نفسه؛ تغليباً لجانب الحماية، وعلى هذا فلا يقبل قول المستأجر في رد العين المؤجرة إلا ببينة.
أما في التلف فكل من كانت بيده العين بإذن من مالكها أو من الشرع فقوله في التلف مقبول، إلا إذا ادعى التلف بسبب ظاهر، فإنه يلزم بإقامة البينة على هذا الظاهر، ثم يقبل قوله في أن هذا المال تلف من جملة ما تلف، وعليه يقبل قولهما ـ أي: المرتهن والمودع جميعاً ـ، يعني لو ادعى المرتهن أن الرهن تلف قبل قوله؛ لأنه أمين، وفي نظم القواعد:
كل أمين يدعي الرد قُبل[(11)].
وعلى هذا فنقول: إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن فإننا لا نقبل قوله، فالقول قول الراهن.
وليعلم أن من كان القول قوله فلا بد من اليمين؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((اليمين على من أنكر)) [(12)].
قوله: «وكونه عصيراً لا خمراً» يعني يقبل قول الراهن في كونه عصيراً لا خمراً، ولكن هذا في صورة معينة، في عقد شُرِطَ فيه الرهن، ولهذا لا بد من القيد، «في عقد شرط فيه الرهن».
بأن قال المرتهن: بعتك هذه السلعة على أن ترهنني هذا العصير، فوافق فأرهنه العصير، ثم رجع المرتهن وقال: إن العصير كان خمراً، يعني فلا يصح الرهن؛ لأنه إذا كان خمراً لم يصح الرهن، وإذا لم يصح الرهن يقول البائع: فلي الفسخ؛ لأني اشترطت رهناً، وتبين أن الرهن غير صحيح فلي الفسخ؛ لأن العقد الآن صار بلا رهن، وأنا لم أبعه إلا برهن، فقال الراهن: إنه كان عصيراً وليس خمراً، وإذا كان عصيراً كان الرهن صحيحاً، وإذا كان صحيحاً فلا خيار للبائع.
إذا قال قائل: لماذا نقبل قول الراهن في هذه المسألة، ولا نقبل قول المرتهن؟
الجواب: لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه، فالأصل السلامة وعدم التخمر؛ لأنه في الأصل عصير، فيكون تخمره في عُهدة المرتهن، فالأصل أن هذا العصير باق لم يتخمر، وحينئذٍ لا فسخ للبائع.
إذاً كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ يحتاج إلى قيد، والقيد هو (عقد شرط فيه الرهن) فرهن عصيراً ثم ادعى المرتهن أنه كان خمراً من أجل أن يفسد الرهن، ثم يكون له الخيار في عقد البيع.
قوله: «وإن أقر أنه ملك غيره» «أقر» الفاعل يعود على الراهن، أي: أقر الراهن أنه ملك غيره، قُبِل على نفسه، ولم يقبل على المرتهن، وهذا لا شك أنه عين الحكمة.
مثاله: رجل رهن سيارة لشخص استدان منه مائة ألف، ثم بعد يومين أو ثلاثة رجع الراهن وقال: السيارة ليست لي، السيارة لفلان وهذه استمارتها، فهنا نقول: القول قول الراهن من وجه، لكن لا على حق المرتهن، فنقول: يقبل إقرارك، لكن لا نحكم بمقتضاه حتى ينفك الرهن، فتبقى السيارة مرهونة، وإذا انفك الرهن قلنا: أرجعها لمن أقررت أنها ملكه، أما الآن فلا؛ لأن هذا يؤدي إلى إبطال حق المرتهن، وحق المرتهن سابق على هذا الإقرار فيقدم عليه.
وهذا لا شك أنه عين الحكمة؛ لأننا لو لم نقل بذلك لكان كلُّ راهنٍ مبطلٍ، إذا رهن ادعى أنه ملك لفلان، بأن يتفق هو وفلان، ويقول: أنا أريد أن أقر بأن هذا الشيء لك؛ من أجل أن أقول: أنا رهنت ملك غيري، فنقول: الرهن باق بحاله وإذا انفك الرهن أخذه المُقَرُّ له.
مسألة: إذا قدرنا أن الرجل لم يوف الدين فهل يباع الرهن؟
الجواب: نعم يباع ويرجع المُقَر له على الراهن؛ لأن الراهن هو الذي أتلفه، هذا إن بقي على إقراره أنه لغيره.
قوله: «أو أنه جنى» أي: الرهن.
قوله: «قُبل» الضمير يعود على الإقرار، أي: إقرار الراهن.
قوله: «على نفسه» الضمير هنا يعود على الراهن، يقبل على نفسه لا على المرتهن.
قوله: «وحكم بإقراره بعد فكه» أي: بمقتضى إقراره بعد فكه، فإذا أقر أنه ملك غيره نقول: إذا انفك الرهن ينتزعه المقر له، وإذا كان جانياً، فإما أن يفديه سيده ويقول: أنا أدفع الجناية كلها، أو يسلم العبد للمجني عليه، أو يبيع العبد ويعطي قيمته للمجني عليه.
صورة المسألة: رجل رهن عبداً، وبعد أن تم عقد الرهن قال: إن هذا العبد قد جنى على فلان، إما بالنفس أو بما دونها أو بالمال، والعبد إذا جنى تتعلق الجناية برقبته، فيقال لسيده: إما أن تُسَلِّم قيمة الجناية، وإما أن تسلم العبد في مقابلة الجناية، وإما أن تبيع العبد وتسلم ثمنه للمجني عليه، ثلاثة أمور.
والراهن ادعى أن العبد جنى على فلان، ومعلوم أن حق المجني عليه المتعلق بالرقبة، أقوى من تعلق حق المرتهن، وحق المرتهن متعلق بالرهن تعلق توثقة ليس بضمان، فهو أراد أن يبطل حق المرتهن بهذا الإقرار، فيقال له: إقرارك مقبول من وجه، غير مقبول من وجه، فمن جهة المجني عليه الذي أقررت أن العبد جنى عليه فالإقرار مقبول، ومن جهة حق المرتهن، غير مقبول، إذاً ماذا نعمل بالنسبة للمجني عليه؟ نقول: يبقى العبد الآن رهناً، ثم إذا انفك الرهن أوفينا المجني عليه حقه.
قوله: «إلا أن يصدقه المرتهن» «يصدقه» الضمير يعود على الراهن، والمرتهن فاعل، يعني إلا إذا صدق المرتهنُ الراهنَ في دعوى أنه ملك غيره أو أنه جنى، فإذا قال المرتهن: نعم هو ملك غيرك، حينئذٍ يبطل الرهن؛ لأن المرتهن أقر بأن الرهن غير صحيح، إذ أن الراهن رهن ما لا يملك فيبطل الرهن، ويسلم لمن أقر له الراهن.
وكذلك إذا قال المرتهن: نعم العبد جنى، نقول: الآن الجناية مقتضاها تَعَلَّق برقبته، فسلم العبد لسيده.
لكن هل يمكن أن المرتهن يصدق الراهن في أمر يبطل حقه؟
الجواب: يمكن، إما أن يعرف أن هذا الراهن رجل صدوق لا يمكن أن يكذب، لكن اغتر أو نوى الخداع في أول الأمر ثم تاب، وإما أن يثبت ذلك ببينة، لكن إذا ثبت ببينة حكم بمقتضى البينة، سواء صدقه المرتهن أم لم يصدقه؛ لأن الكلام الآن على مجرد الإقرار.


[1] أخرجه مسلم في الإيمان/ باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً (33)، عن عتبان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ.
[2] رواه البخاري في الوضوء/ باب بول الصبيان (222)، ومسلم في الطهارة/ باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله (286) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[3] سبق تخريجه ص(145).
[4] سبق تخريجه ص(100).
[5] سبق تخريجه ص(18).
[6] سبق تخريجه ص(145).
[7] سبق تخريجه ص(28).
[8] أخرجه البيهقي (10/252)، وقال الحافظ في البلوغ (1408): إسناده صحيح، وأصله في الصحيحين من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بلفظ: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه.
[9] سبق تخريجه ص(164).
[10] سبق تخريجه ص(164).
[11] منظومة في أصول الفقه لشيخنا ـ رحمه الله ـ ص(17).
[12] سبق تخريجه ص(164).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
فصل, ويكون

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir