دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > لامية الأفعال

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 03:37 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي فصل في أبنية ما زاد على الثلاثة

فَصْلٌ فِي أَبْنِيَةِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ

بِكَسْرِ ثَالِثِ هَمْزِ الْوَصْلِ مَصْدَرُ فِعْـ = ـلٍ حَازَهُ مَعَ مَدِّ مَا الْأَخِيرُ تَلَا
وَاضْمُمْهُ مِنْ فِعْلٍ التَّا زِيدَ أَوَّلَهُ = وَاكْسِرْهُ سَابِقَ حَرْفٍ يَقْبَلُ الْعِلَلَا
لِفَعْلَلَ ائْتِ بِفِعْلَالٍ وَفَعْلَلَةٍ = وَفَعَّلَ اجْعَلْ لَهُ التَّفْعِيلَ حَيْثُ خَلَا
مِنْ لَامٍ اعْتَلَّ لِلْحَاوِيهِ تَفْعِلَةً = الْزَمْ وَلِلْعَارِي مِنْهُ رُبَّمَا بُذِلَا
وَمَنْ يَصِلْ بِتِفِعَّالٍ تَفَعَّلَ وَالْـ = ـفِعَّالِ فَعَّلَ فَاحْمَدْهُ بِمَا فَعَلَا
وَقَدْ يُجَاءُ بِتَفْعَالٍ لِفَعَّلَ فِي = تَكْثِيرِ فِعْلٍ كَتَسْيَارٍ وَقَدْ جُعِلَا
مَا لِلثُّلَاثِيِّ فِعِّيلَى مُبَالَغَةً = وَمِنْ تَفَاعُلٍ أَيْضًا قَدْ يُرَى بَدَلَا
وَبِالْفُعَلِّيلَةِ افْعَلَلَّ قَدْ جَعَلُوا = مُسْتَغْنِيًا لَا لُزُومًا فَاعْرِفِ الْمُثُلَا
لِفَاعَلَ اجْعَلْ فِعَالًا أَوْ مُفَاعَلَةً = وَفِعْلَةٌ عَنْهُمَا قَدْ نَابَ فَاحْتُمِلَا
مَا عَيْنُهُ اعْتَلَّت الْإِفْعَالُ مِنْهُ وَالِاسْـ = ـتِفْعَالُ بِالتَّا وَتَعْوِيضٌ بِهَا حَصَلَا
مِن الْمُزَالِ وَإِنْ تُلْحَقْ بِغَيْرِهِمَا = تَبِنْ بِهَا مَرَّةٌ مِنَ الَّذِي عُمِلَا
وَمَرَّةُ الْمَصْدَرِ الَّذِي تُلَازِمُهُ = بِذِكْرِ وَاحِدَةٍ تَبْدُو لِمَنْ عَقَلَا


  #2  
قديم 30 محرم 1430هـ/26-01-2009م, 12:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي زبدة الأقوال لابن الناظم: بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي

فصلٌ
يَتَضَمَّنُ أَبنيةَ مَصادرِ ما زادَ على ثلاثةِ أَحْرُفٍ
ص
بكسرِ ثالثِ هَمْزِ الوصلِ مَصدرُ فِعْـ = ـلٍ حازَهُ مع مَدِّ ما الأخيرُ تَلاَ
ش
بناءُ الْمَصدرِ مِن كلِّ فِعْلٍ أَوَّلُه هَمزةُ وَصْلٍ: بكسْرِ ثالثِه، وزيادةِ ألِفٍ قَبْلَ آخِرِهِ إلا: اسْتَفْعَلَ مِمَّا عَينُه مُعْتَلَّةٌ، فيُقالُ: انْطَلَقَ انطلاقاً، واحْتَمَلَ احْتِمَالاً، واسْتَخْرَجَ استخراجاً، واحْرَنْجَمَ احْرِنْجَامًا، واحْلَوْلَى احْلَيْلاَءً، واحْمَرَّاحْمِرَاراً، واحمارَّ احْمِيرَاراً، واسْمَغَدَّ اسْمِغْدَاداً.
وأمَّا: اسْتَفْعَلَ مما عَيْنُهُ مُعْتَلَّةٌ، نحو استقامَ، واستعانَ، فيَجيءُ المصدرُ منه على قِياسِ نظيرِه مِن الصحيحِ، فيَلتقي إذ ذاك ساكنانِ: الألفُ المُبْدَلَةُ مِن عينِ الفعلِ، وألِفُ المصدَرِ، فتُحذَفُ الثانيةُ منهما، ويُعَوَّضُ عنها بتاءِ التأنيثِ، فيُقالُ: استقامَاستقامةً، واستعانَ استعانةً، والأصلُ:
اسْتِقْوامًا، واستِعْواناً، ففُعِلَ به ما ذُكِرَ.
وجميعُ ما أوَّلُه هَمزةُ وَصْلٍ لا يَجيءُ المصدرُ منه على غيرِ ما ذُكِرَ إلا: افْعَلَلَّ؛ فإنَّ مَصدرَهُ على: افْعِلاَلٍ، وقد يَجِيءُ على: فُعَلِّيْلَةٍ، نحوَ: اقْشَعَرَّ اقْشِعْرَاراً، وقُشَعْرِيرةً، واطْمَأَنَّ اطْمِئْنَاناً، وطُمَأْنِينةً ـ وسَيأتِي التنبيهُ على ذلك كلِّه.
ص
واضْمُمْهِ مِن فِعْلٍ التاءُ زِيدَ أَوَّلُهُ = واكْسِرْهُ سابِقَ حَرْفٍ يَقْبَلُ العِلَلاَ
ش
وبناؤُه مِن كلِّ فِعْلٍ أوَّلُه تاءٌ مَزيدةٌ: بضَمِّ ما قبلَ آخِرِه إن كان صحيحاً، نحوَ: تَعَلَّمَ تَعَلُّماً، وتَغَافَلَ تَغَافُلاً، وتَدَحْرَجَ تَدَحْرُجاً.
وبكسْرِ ما قَبلَه إن كان مُعْتَلاًّ، نحوَ: تَوَلَّى تَوَلِّياً، وتَوَالَى تَوَالِياً، وتَسَلْقَى تَسَلْقِياً، وكان الأصلُ:
تَوَلُّياً، وتَوَالُياً، وتَسَلْقُياً، على قياسِ نظيرِه مِن الصحيحِ، فأُبْدِلَت الضمَّةُ كسرةً؛ لئلا يَخْرُجَ إلى ما ليس مِن كلامِهم، وهو أن يكونَ آخِرُ الاسمِ واواً قبلَها ضَمَّةٌ.
ولم يَجِئْ مِن مَصادرِ ما أَوَّلُهُ تاءٌ مَزيدةٌ على غيرِ ما ذُكِرَ إلا ما نَدَرَ مِن مَجيءِ مَصْدَرِ: تَفَعَّلَ على: تِفْعَالٍ، نحوَ: تَحَمَّلَ تِحمالاً، وتَمَلَّقَ تِمْلاَقاً، قالَ الشاعرُ:
ثلاثةُ أحبابٍ فحُبُّ عَلاقةٍ = وحُبُّ تِملاقٍ وحُبٌّ هو القتْلُ
ومِن مَجيءِ مَصدرِ: تَفَاعَلَ على: فِعِّيلٍ كقولِهم: تَرَامَوْا رِمِّيًّا، أي: تَرَامِياً ـ وسيأتي ما يُنَبِّهُ على ذلك.
[الْمَقيسُ مِن مصادرِ ما زادَ على الثلاثيِّ]
ص

لفَعْلَلَ ايتِ بفِعلالٍ وفَعْلَلَةٍ = وفَعَّلَ اجْعَلْ له التفعيلَ حيثُ خَلاَ
مِن لامِ اعْتَلَّ للحاويهِ تَفْعِلَةً = الْزَمْ وللعادِ منه ربما بُذِلَا

ش
يُبْنَى المصدرُمنِ: فَعْلَلَ قِياساً على: فَعْلَلَةٍ، نحوَ:
دَحْرَجَ دَحْرَجَةً، وسَبْرَجَ سَبْرَجَةً.
وسَماعاً على: فِعْلاَلٍ، نحوَ: سَرْهَفَهُ سِرْهَافاً، أي: سَرْهَفَةً، وهي النِّعْمَةُ، وحُسْنُ الغِذاءِ، قالَ:
سَرْهَفْتُهُ ما شئتَ مِن سِرْهَافٍ
وما أُلْحِقَ بفَعْلَلَ مَحْذُوٌّبِهِ في بناءِ المصدرِ حَذْوَهُ، وذلك نحوَ: زَلْزَلَ زَلزلةً، وحَوْقَلَ حَوقلةً، أي: كَبِرَ، وجَهْوَرَ في كلامِه جَهْوَرةً وبَيْطَرَ الدابَّةَ بَيْطَرَةً، ورَهْيَأَ العملَرَهيأةً، وسَلقاهُ سَلْقَاةً، فهذا كلُّه على مِثالِ فَعْلَلَةٍ، وهو القياسُ فيه.
وقد جاءَ منه شيءٌ على مِثالِ: فِعْلاَلٍ، وليس بِمُطَّرِدٍ، قالوا: زَلْزَلَ زِلزالاً، وقَلْقَلَ قِلقالاً، وحَوْقَلَ حِيقالاً، قالَ الشاعرُ:
يا قومُ قد حَوْقَلْتُ أو دَنَوْتُ
وبعضُ حِيقالِ الرجالِ الموتُ
وقد قالوا: الزَّلزالُ، والقَلقالُ، ففَتَحُوا كما فَتَحُوا التفعيلَ.
وقياسُ المصدرِ مِن: فَعَّلَ ـ صحيحِ اللامِ ـ تَفعيلٌ، ومِن مُعْتَلِّهَا تَفْعِلَةٌ، نحوَ: عَلَّمَ تَعليماً، وكَذَّبَ تَكذيباً، وزَكَّى تَزكيةً، وقَوَّى تَقويةً.
ولم يَجِئْ شَيْءٌ مِن الْمُعْتَلِّ اللامِ على غيرِ: تَفْعِلةٍ إلا ما نَدَرَ مِن قولِه:
باتَتْ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيَّا
كما تُنَزِّي شَهْلَةٌصَبِيَّا
فهذا على تَشبيهِ الْمُعْتَلِّ بالصحيحِ، كما شَبَّهَ الصحيحَ به في قولِهم: ذَكَّرَهُ تَذْكِرةً، وبَصَّرَهُ تَبْصِرةً، وإلى هذا أشارَ بقولِه: " وللعادِ منه رُبَّما بُذِلاَ ".
وقد يَجيءُ: فَعَّلَ على: فِعَّالٍ، نحوَ: كَذَّبَ كِذَّاباً، وكَلَّمَ كِلاَماً وعلى: تَفعالٍ، لقَصْدِ التكثيرِ، نحوَ: سَيَّرَ تَسْياراً، وطَوَّفَ تَطوافًا، وجَوَّلَ تَجْوَالاً.
[بابُ المسموعِ مِن مصادرِ ما زادَ على الثلاثيِّ]
ص

ومَن يَصِلْ بتِفِعَّالٍ، تَفَعَّلَ، = والفِعَّالِ، فَعَّلَ فاحْمَدْهُ بما فَعَلاَ
وقد يُجاءُ بتِفْعَالٍ لفَعَّلَ فِي = تكثيرِ فِعْلٍ كَتَسْيَارٍ وقد جُعِلاَ
ما لللاُّثِيِّ فِعِّيْلَى مُبَالَغَةً = ومِن تَفاعَلَ أيضاً قد يُرَى بَدَلاَ
ش
الغرضُ مِن هذه الأبياتِ التنبيهُ على ما شَذَّ مِن مَجيءِ المصدرِ مِن: تَفَعَّلَ على: تِفِعَّالٍ، كتِحِمَّالٍ، ومِن: فَعَّلَ على: فِعَّالٍ، ككِذَّابٍ، وعلى: تَفعالٍ في التكثيرِ، كتَسيارٍ، ـ وقد تَقدَّمَ ذِكْرُ ذلك.
ومِن مَجيءِ المصدرِ مِن: فَعَّلَ على: فِعِّيلَى لقَصْدِ المبالَغَةِ، نحوَ: حَثَّةُ حِثِّيثَى، وخَصَّهُ خِصِّيْصَى.
وفي حديثِ عمرَ بنِ الخطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عنه ـ ((لولا الْخِلِّيْفَى لَأَذَّنْتُ)).
ومِن مَجيءِ المصدرِ مِن: تَفاعلَ على: فِعِّيْلَى كِرِّمِّيَّا _ وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ـ.
[الاستغناءُ بمصدرٍ عن آخَرَ]
ص
وبالفُعَلِّيْلَةِ افْعَلَلَّ قد جَعَلُوا = مُسْتَغْنِياً لا لُزوماً فاعْرِفِ الْمَثَلاَ
ش
المقصودُ مِن هذا البيتِ: التنبيهُ على مَجيءِ نحوَ:
القُشَعْرِيرَةِ مِن اقْشَعَرَّ ـ وقد سَبَقَ بيانُه.
ص
لفاعَلَ اجعَلْ فِعالاً أو مُفَاعَلَةً = وفِعْلَةٌ عنهما قد نابَ فاحتُمِلاَ
ش
أي: بناءُ المصدرِ من: فاعَلَ على: مُفَاعَلَةٍ، نحوَ: ضارَبَ مُضاربةً، وخاصَمَ مُخاصَمَةً، وبايَعَ مُبايعةً، وقاوَلَ مُقاولَةً.
وكَثُرَ بناؤُه على: فِعَالٍ، نحوَ: قاتَلَهُ قِتالاً، ونازَعَهُ نِزاعاً، وخَاصَمَهُ خِصاماً، وربما جاءَ الاسمُ منه على: فِعْلَةٍ، نحوَ: ماراهُ مِرْيَةٍ، أي: مِراءً.
ص

ما عينُه اعتَلَّت الإفعالُ والاسـ = ـتفعالُبالتا وتعويضٌ بها حَصَلاَ
مِن الْمُزالِ وإن تُلْحَقَ بغيرِهما = تَبِنْ بها مَرَّةٌ مِنَ الذي عُمِلاَ
ومَرَّةُ المصدرِ الذي تُلازِمُهُ = بذِكْرِ واحدةٍتَبْدُو لِمَن عَقَلاَ
ش
يُبْنَى المصدرُ مِن: أَفْعَلَ على: إِفعالٍ، نحوَ: أَكْرَمَ إكراماً، وأَحْسَنَ إحساناً، وأَعْطَى إعطاءً.
وما عَيْنُه مُعْتَلَّةٌ، نحوَ: أَبانَ، وأعانَ يَجيءُ المصدرُ منه على قِياسِ نظيرِه مِن الصحيحِ، فيَلتقِي ساكنانِ: الألفُ المبدَلَةُ مِن عينِ الفعلِ، وألِفُ المصدرِ، فتُحْذَفُ الثانيةُ، ويُعَوَّضُ منها بتاءِ التأنيثِ بالمعتَلِّ مِن: اسْتَفْعَلَ ـ فيما سَبَقَ ـ فيُقالُ: أبانَ إبانةً، وأعانَ إعانةً، والأصلُ: إِبْيَاناً، وإعواناً، فنُقِلَتْ حركةُ العينِ إلى الفاءِ، وقُلِبَتْ أَلِفاً، فالْتَقَى أَلِفانِ، ففُعِلَ به ما ذُكِرَ، وشَذَّ تَرْكُ التعويضِ في قولِهم: أَجابَه إجاباً، وأقامَ إِقاماً، قالَ اللهُ تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاَةِ}.


  #3  
قديم 30 محرم 1430هـ/26-01-2009م, 12:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي فتح الأقفال لجمال الدين محمد بن عمر المعروف ببحرَق

فَصْلٌ في أَبْنِيَةِ ما زَادَ على الثلاثيِّ
وهيَ سبعةُ أنواعٍ: سُدَاسيٌّ، وَلا يكونُ إلاَّ مَبْدُوءاً بهمزةِ الوصلِ كَاسْتَخْرَجَ، وَخُمَاسِيٌّ مبدوءٌ بها كَانْطَلَقَ، أَوْ بالتاءِ كَتَدَحْرَجَ.
أَوْ مِنْ مزيدِ الثلاثيِّ، هوَ إِمَّا بِهَمْزَةِ قطعٍ كَأَكْرَمَ، أَوْ بالتضعيفِ كَقَطَّعَ، أَوْ بأَلِفٍ بينَ فائِهِ وَعينِهِ كَقَاتَلَ.
وَلِكُلٍّ مِنْ هذهِ الأنواعِ مصدرٌ مقيسٌ لا يَتَوَقَّفُ على سماعٍ، وَما سُمِعَ لهُ مِنْ غيرِ القياسيِّ حُفِظَ وَلم يُقَسْ عَلَيْهِ. وَقدْ ذَكَرَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هذهِ الأنواعِ سِتَّةً، وَأَهْمَلَ الرُّبَاعِيَّ المبدوءَ بهمزةِ القطعِ الصحيحَ العينِ كَأَكْرَمَ، وَبَدَأَ بالمبدوءِ بهمزةِ الوصلِ سُدَاسِيًّا وَخُمَاسِيًّا، فَقَالَ:

بِكَسْرِ ثَالِثِ هَمْزِ الْوَصْلِ مَصْدَرُ فِعْـ = ـلٍ حَازَهُ مَعَ مَدِّ مَا الأَخِيرُ تَلا
أيْ: بناءُ المصدرِ مِنْ كلِّ فِعْلٍ حَازَ همزةَ الوصلِ، خُمَاسِيًّا كَانْطَلَقَ أَوْ سُدَاسِيًّا كاسْتَخْرَجَ، بِكَسْرِ ثَالِثِهِ كالطَّاءِ مِنَ انْطَلَقَ، وَالتاءِ مِنَ اسْتَخْرَجَ، معَ مدِّ الحرفِ الذي يَتْلُوهُ الأخيرُ، وَهوَ اللامُ مِن انْطَلَقَ، وَالراءُ مِن اسْتَخْرَجَ.
وَالمُرَادُ بِمَدِّهِ: إِشْبَاعُ فَتْحِهِ حتَّى يَبْدُوَ منها أَلِفٌ، فَيَصِيرُ انطلاقاً وَاسْتِخْرَاجاً.
وَمِثْلُهُ: اقْتَدَرَ اقْتِدَاراً، وَاحْمَرَّ احْمِرَاراً، وَاحْرَنْجَمَ احْرِنْجَاماً وَاحْلَوْلَى احْلِيلاءً.
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ إِطْلاقَهُ وَإِنْ كانَ يَقْتَضِي أنَّ كلَّ فِعْلٍ مبدوءٍ بهمزةِ الوصلِ لا يَكُونُ مصدرُهُ إلاَّ بكسرِ ثالثِهِ معَ مدِّ ما قَبْلَ آخِرِهِ، فالمرادُ بهِ القياسُ دُونَ السَّمَاعيِّ، كَاقْشَعَرَّ قَشْعَرِيرَةً، وَالمرادُ بهِ الصحيحُ أيضاً دونَ المُعْتَلِّ، كَاسْتَعَاذَ اسْتِعَاذَةً.
وَقدْ ذَكَرَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّقْيِيدَ بعدُ، كما فَعَلَ في مَصْدَرَيْ فَعَّلَ وَتَفَعَّلَ المُضَعَّفَيْنِ كما سَيَأْتِي، فَإِطلاقُ عِبَارَتِهِ أَوَّلاً اعتمادٌ على التَّقْييدِ آخِراً.
ثمَّ أَشَارَ إِلى النوعِ الثالثِ وَهوَ مَصْدَرُ الخُمَاسِيِّ المَبْدُوءِ بالتاءِ بِقَوْلِهِ:
وَاضْمُمْهُ مِنْ فِعْلٍ التَّا زِيدَ أَوَّلَهُ = وَاكْسِرْهُ سَابِقَ حَرْفٍ يَقْبَلُ الْعِلَلا
أيْ: وَاضْمُمْ ما قَبْلَ الأخيرِ إِذا بَنَيْتَ المصدرَ مِنْ فِعْلٍ زِيدَ التَّاءُ في أوَّلِ مَاضِيهِ إِنْ كانَ صحيحَ اللامِ، فإِنْ زِيدَت التاءُ في أَوَّلِهِ وَهوَ مُعْتَلٌّ فَاكْسِرْ ما قَبْلَ آخرِهِ.
مثالُ الصحيحِ، وَالتَّقْيِيدُ بهِ مَفْهُومٌ مِنْ ذِكْرِ المُعْتَلِّ: تَدَحْرَجَ تَدَحْرُجاً، وَتَغَافَلَ تَغَافُلاً، وَتَكَلَّمَ تَكَلُّماً.
وَمثالُ المُعْتَلِّ: تَسَلْقَى تَسَلْقِياً، وَتَوَلَّى تَوَلِّياً.
تَنْبِيهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّمَا كَسَرُوا ما قبلَ الأخيرِ مِنْ مُعْتَلِّ هذا النوعِ معَ أنَّ قِيَاسَ نظيرِهِ مِن الصحيحِ الضمُّ معَ أنَّهُم يُمْكِنُهُمْ أنْ يَقُولُوا: تَسَلَّقُوا؛ لِئَلاَّ يَخْرُجَ إِلى ما لَيْسَ مِنْ كلامِهِم، وَهوَ كونُ آخِرِ الاسمِ وَاواً قَبْلَهَا ضَمَّةٌ، وَلا يُوجَدُ في كلامِهِم مِثْلُ ذلكَ؛ وَلهذا جَمَعُوا دَلْواً على أَدْلٍ، وَقياسُ نَظِيرِهِ مِن الصحيحِ: أَدْلُوٌ، مِثْلُ: كَلْبٍ وَأَكْلُبٍ.
الثاني: ما ذَكَرَهُ في مَصْدَرِ المَبْدُوءِ بالتَّاءِ هوَ المصدرُ المقيسُ، وَقدْ نَبَّهَ بعدَ ذلكَ على أنَّهُم قَالُوا أيضاً في بعضِ المبدوءِ بالتَّاءِ: تِفِعَّالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ معاً؛ كَتَمَلَّقَ تِمِلاَّقاً، وَتَجَمَّلَ تِجِمَّالاً.
وَمنهُ قولُ الشاعرِ:

ثَلاثَةُ أَحْبَابٍ فَحُبُّ عَلاقَةٍ = وَحُبُّ تِمِلاَّقٍ وَحُبٌّ هوَ القَتْلُ
ثُمَّ أَشَارَ إِلى النوعِ الرابعِ، وَهوَ مصدرُ الرُّبَاعِيِّ المُجَرَّدِ بِقَوْلِهِ:
لِفَعْلَلَ ائْتِ بِفِعْلالٍ وَفَعْلَلَةٍ
أيْ: وَائْتِ بِوَزْنِ المصدرِ مِنْ فَعْلَلَ، وَهوَ الرباعيُّ المُجَرَّدُ كَدَحْرَجَ، على فِعْلالٍ بكسرِ الفاءِ أَوْ فَعْلَلَةٍ بِفَتْحِهَا، كَدِحْرَاجٍ وَدَحْرَجَةٍ.
وَمِثْلُهُ: زَلْزَلَ زِلْزَالاً وَزَلْزَلَةً، وَحَوْقَلَ الرجلُ حِيقَالاً وَحَوْقَلَةً، إِذا أَسَنَّ وَضَعُفَ عَن الجِمَاعِ،
وَسَرْهَفْتُ الصَّبِيَّ سِرْهَافاً وَسَرْهَفَةً إِذا غَذَّيْتُهُ بالأطعمةِ الطَّيِّبَةِ، ذَكَرَهُ في القاموسِ مِنْ زِيَادَتِهِ،
وَفي الصِّحَاحِ: سَرْعَفْتُهُ بالعَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَهوَ يَدُلُّ على أَنَّ الهاءَ مِنْ سَرْهَفْتُهُ أَصْلِيَّةٌ.
تَنْبِيهَاتٌ:
الأوَّلُ: قَضِيَّةُ كَلامِهِ أنَّ كُلاًّ مِن الفِعْلالِ وَالفَعْلَلَةِ مَقِيسٌ في فَعْلَلَ، وَهوَ ظاهِرُ التسهيلِ أيضاً، وَصَرَّحَ بهِ بَعْضُهُم، إلاَّ أنَّ المشهورَ -وَبهِ صَرَّحَ في الخلاصةِ حيثُ قَالَ: وَاجْعَلْ مَقِيساً ثَانِياً لا أَوَّلاً- أنَّ المقيسَ الفَعْلَلَةُ لا غَيْرُ؛ لأنَّهُ المُطَّرِدُ في الرباعيِّ المُجَرَّدِ، كَدَحْرَجَ، وَمَزِيدِ الثلاثيِّ المُلْحَقِ كَبَيْطَرَ بَيْطَرَةً، وَهَرْوَلَ هَرْوَلَةً، وَجَوْرَبَ جَوْرَبَةً، وَلمْ يُسْمَعِ الفِعْلالُ في شيءٍ مِن المُلْحَقِ بالرُّبَاعِيِّ إلاَّ قَوْلَهُمْ حَوْقَلَ حِيقَالاً.
ثَانِيهُمَا: قدْ كَثُرَ الفِعْلالُ في الرباعيِّ المُضَاعَفِ، نحوُ: زَلْزَلَ وَصَلْصَلَ، وَقدْ سَبَقَتْ أَمْثِلَةٌ منهُ في مَوْضِعِهِ، وَأَجَازُوا فيهِ الفَتْحَ أيضاً فَقَالُوا: زَلْزَلَ زِلْزَالاً بالكسرِ على القياسِ وَزَلْزَالاً بالفتحِ.
وَكثيراً ما يُرَادُ بالمفتوحِ منهُ الدلالةُ على اسمِ الفاعلِ، وَمِنْهُ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}؛ أيْ: مُصَلْصِلٍ، وَ{الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}؛ أي: المُوَسْوِسِ.
ثالِثُهُمَا: ما ذَكَرَهُ في مَصْدَرِ فَعْلَلَ مِن الفِعْلالِ وَالفَعْلَلَةِ هوَ المقيسُ فيهِ.
وَمِمَّا سُمِعَ فيهِ أيضاً: الْفَعْلَلَى بفَتْحِ الفاءِ، نحوُ: القَهْقَرَى، وَالفُعْلَلَى مَضْمُومُهَا، نَحْوُ: قَرْفَصَ القُرْفَصَى، وَلمْ يَذْكُرْهُمَا الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالقَهْقَرَى: هوَ الرجوعُ إِلى وَراءُ، وَالقُرْفَصَى: أنْ يَجْلِسَ على أَلْيَتَيْهِ وَيُلْصِقَ بَطْنَهُ بِفَخِدَيْهِ وَيَتَأَبَّطَ كَفَّيْهِ.
ثمَّ أَشَارَ إِلى النوعِ الخامسِ، وَهوَ مَصْدَرُ الرباعيِّ الذي هوَ مِنْ مَزِيدِ الثلاثيِّ بالتَّضْعِيفِ بِقَوْلِهِ:

.................... = وَفَعَّلَ اجْعَلْ لَهُ التَّفْعِيلَ حَيْثُ خَلا
مِنْ لامٍ اعْتَلَّ لِلْحَاوِيهِ تَفْعِلَةً = الْزَمْ................
أيِ: اجْعَلْ مَصْدَرَ فَعَّلَ المُضَعَّفِ التَّفْعِيلَ، نَحْوُ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}، وَ{سَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
وَهذا إِذا كانَ صَحِيحَ اللامِ، فإِنْ كانَ مُعْتَلَّهَا فَالْزَمْ في مصدرِهِ التَّفْعِلَةَ،
نحوُ: زَكَّى تَزْكِيَةً، وَصَلَّى تَصْلِيَةً، وَهذا هوَ القياسُ فيهما.
وَرُبَّمَا جَاءَ على غَيْرِهِ فَيُحْفَظُ.
فَمِنْ ذلكَ أنَّهُم رُبَّمَا شَبَّهُوا الصحيحَ منهُ بالمُعْتَلِّ، فَقَالُوا في مصدرِ الصحيحِ أيضاً تَفْعِلَةً.
وَإِلى ذلكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
......................... = وَلِلْعَارِي مِنْهُ رُبَّمَا بُذِلا
أيْ: وَرُبَّمَا بَدَّلُوا التَّفْعِلَةَ للعَارِي عَن اللامِ المُعْتَلِّ، نحوُ: تَبْصِرَةً وَتَذْكِرَةً.
تَنْبِيهَانِ:
الأَوَّلُ: لَمَّا كانَ للمَهْمُوزِ شَبَهٌ بالصحيحِ مِنْ وَجْهٍ، وَبالمُعْتَلِّ مِنْ وَجهٍ، اطَّرَدَ في مَصْدَرِهِ التَّفْعِيلُ وَالتَّفْعِلَةُ معاً، وَلمْ يَذْكُر الناظمُ نَحْوَ: جَزَّأَهُ تَجْزِيئاً وَتَجْزِئَةً، وَخَطَّأَهُ تَخْطِيئاً وَتَخْطِئَةً.
الثاني: لمْ يَذْكُر الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى تَشْبِيهَ المعتلِّ بالصحيحِ عَكْسَ ما ذَكَرَهُ؛ لأنَّهُم رُبَّمَا بَدَّلُوا التَّفْعِيلَ للمُعْتَلِّ، كقولِ الشاعرِ:
بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنَزِيَّا
وقياسُهُ: تَنْزِيَةً.
وَمِنْ ذلكَ مَجِيءُ مَصْدَرِ فَعَّلَ الصحيحِ على فِعَّالٍ بكسرِ الفاءِ مُضَعَّفاً، نحوُ: كَذَّبَ كِذَّاباً، وَعلى تَفْعَالٍ بفتحِ التاءِ مُخَفَّفاً، إِذا قَصَدَ الدلالةَ على الكثرةِ، نحوُ: طَوَّفَ تَطْوَافاً، وَسَيَّرَ تَسْيَاراً، وَقدْ ذَكَرَهُ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ معَ غيرِهِ فَقَالَ:

وَمَنْ يَصِلْ بِتِفِعَّالٍ تَفَعَّلَ وَالْـ = ـفِعَّالِ فَعَّلَ فَاحْمَدْهُ بِمَا فَعَلا
وَقَدْ يُجَاءُ بِتَفْعَالٍ لِفَعَّلَ فِي = تَكْثِيرِ فِعْلٍ كَتَسْيَارٍ وَقَدْ جُعِلا
مَا لِلثُّلاثِيِّ فِعِّيلَى مُبَالَغَةً = وَمِنْ تَفَاعُلٍ أَيْضاً قَدْ يُرَى بَدَلا
وَبِالْفُعَلِّيلَةِ افْعَلَلَّ قَدْ جَعَلُوا = مُسْتَغْنِياً لا لُزُوماً فَاعْرِفِ الْمُثُلا
أيْ: إِنَّ ما مَضَى مِن المصادرِ المَقِيسَةِ قدْ يَشْرُكُهَا غَيْرُهَا، فَيُحْفَظُ ذلكَ وَلا يُقَاسُ عَلَيْهِ، فمِنْ ذلكَ قولُهُم في تَفَعَّلَ: تِفِعَّالاً، كَتَمَلَّقَ تِمِلاَّقاً، كَمَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ في موضعِهِ،
وَفي فَعَّلَ المُضَعَّفِ فِعَّالٌ، نحوُ: كَذَّبَ كِذَّاباً، وَإِنَّمَا قَالَ (يَصِلْ)؛ لأنَّ المَصْدَرَ يُوصَلُ بِفِعْلِهِ في تَصْرِيفِهِ. وَعلى هذا فَصَوَابُ العِبَارَةِ: وَمَنْ يُصِلْ تِفِعَّالاً بِتَفَعَّلَ، فَانْعَكَسَ على الناظمِ.
وَكذا قَالُوا في مصدرِ فَعَّلَ المُضَعَّفِ تَفْعَالٌ أيضاً للدلالةِ على الكثرةِ كَطَوَّفَ تَطْوَافاً، وَقدْ نَبَّهْنَا على ذلكَ قَرِيباً. وَمِنْ ذلكَ أَنَّهُ قدْ يَجِيءُ مَصْدَرُ الثلاثيِّ على فِعِّيلَى بكسرِ الفاءِ وَالعينِ المُشَدَّدَةِ للدلالةِ على المُبالغةِ، كقولِهِم: خَصَّهُ بالشيءِ خِصِّيصَى، وَحَثَّهُ على الأمرِ حِثِّيثَى.
وَرُبَّمَا جَاءَ ذلكَ في مَصْدَرِ تَفَاعَلَ، وَهوَ الخُمَاسِيُّ المَبْدُوءُ بالتاءِ بدلاً عَنْ مَصْدَرِهِ، وَهوَ التَّفَاعُلُ كَقَوْلِهِمْ: تَرَامَى اللَّوْمُ رِمِّيًّا، بدلاً مِنْ تَرَامِياً. وَمنْ ذلكَ قَوْلُهُمْ في مَصْدَرِ افْعَلَّلَ وَهوَ السُّدَاسِيُّ المبدوءُ بالهمزةِ: فُعَلِّيلَةٌ، كَاقْشَعَرَّ قُشَعْرِيرَةً، وَاطْمَأَنَّ عَلَيْهِ طُمَأْنِينَةً،
وَقدْ سَبَقَ أنَّ قِيَاسَهُ الإِفْعِلاَّلُ بِكَسْرِ ثالثِهِ وَمدِّ ما قَبْلَ آخِرِهِ، كَاقْشَعَرَّ اقْشِعْرَاراً، وَاسْتَقَرَّ اسْتِقْرَاراً، وَسَبَقَ أيضاً التَّنْبِيهُ على هذا.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مُسْتَغْنِياً لا لُزُوماً، إِلى أنَّ ذلكَ إِنَّمَا جَاؤُوا بهِ على سبيلِ النِّيَابَةِ عَن المصدرِ المَقِيسِ، لا على سَبِيلِ اللُّزُومِ وَالاطِّرَادِ. وَقولُهُ: (فَاعْرِفِ الْمُثُلا) بضمِّ الميمِ، جَمْعُ مِثَالٍ؛ أيْ: فَاعْرِفِ المَقِيسَ منها المُطَّرِدَ مِن السماعيِّ المحفوظِ لِتُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا.
تَنْبِيهٌ: ما ذَكَرَهُ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أنَّ القُشَعْرِيرَةَ وَنحوَهَا مِنْ أمثلةِ المصادرِ لَعَلَّهُ اختارَهُ، وَإلاَّ فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّها لَيْسَتْ مَصَادِرَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هيَ اسمُ مصدرٍ وُضِعَتْ مَوْضِعَهُ كَمَا في اغْتَسَلَ غُسْلاً وَتَوَضَّأَ وُضُوءاً، وَالمَصْدَرُ الحَقِيقِيُّ اغْتِسَالاً وَتَوَضُّؤاً. وَما ذَكَرَهُ أيضاً مِنْ كَوْنِ التَّسْيَارِ وَنحوِهِ مِنْ مصادرِ فَعَّلَ المُضَعَّفِ هوَ مَذْهَبُ الفَرَّاءِ وَغيرِهِ مِن الكوفِيِّينَ، وَكأنَّهُ اخْتَارَهُ، وَذلكَ أيضاً ظَاهِرُ التسهيلِ.
لَكِنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ وَسَائرِ البَصْرِيِّينَ أنَّها مِنْ مصادرِ الثلاثيِّ، وَجِيءَ بها كذلكَ لِقَصْدِ التكثيرِ، كما جِيءَ بالخِصِّيصَى وَنحوِهَا للمبالغةِ معَ الاتِّفَاقِ على أَنَّهُ مِن الثلاثيِّ كما سَبَقَ لا مِن المزيدِ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَشَارَ إِلى النوعِ السادسِ، وَهوَ مَصْدَرُ الرُّبَاعِيِّ الذي هوَ مِنْ مَزِيدِ الثلاثيِّ بزيادةِ أَلِفٍ بينَ فَائِهِ وَعَيْنِهِ، بِقَوْلِهِ:
لِفَاعَلَ اجْعَلْ فِعَالاً أَوْ مُفَاعَلَةً
أيْ إِنَّ فَاعَلَ لهُ مَصْدَرَانِ مَقِيسَانِ، وَهُمَا: الفِعَالُ بِكَسْرِ الفاءِ مُخَفَّفاً، وَالمُفَاعَلَةُ، نحوُ: قَاتَلَ مُقَاتَلَةً وَقِتَالاً، وَجَادَلَ جِدَالاً وَمُجَادَلَةً.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كلامِهِ هنا وَفي الخلاصةِ أيضاً؛ حيثُ قَالَ: (لِفَاعَلَ الفِعَالُ وَالمُفَاعَلَةُ)، أنَّ كُلاًّ مِن المَصْدَرَيْنِ مَقِيسٌ. وَالمَنْقُولُ عَنْ سيبويهِ أنَّ المقيسَ المُفَاعَلَةُ لا غيرُ، وَاحْتَجَّ بأنَّهُمْ قدْ يَتْرُكُونَ الفِعَالَ وَلا يَتْرُكُونَ المُفَاعَلَةَ؛ لأنَّها تَنْفَرِدُ غالباً بِمَا فَاؤُهُ يَاءٌ، نحوُ: يَاسَرَهُ مُيَاسَرَةً، وَيامَنَهُ مُيَامَنَةً، وَلا يَأْتِي فيهِ الفِعَالُ لاسْتِثْقَالِ الكسرةِ على الياءِ، إلاَّ ما نَدُرَ فيما حَكَاهُ ابنُ سِيدَهْ مِنْ قولِهِم: يَاوَمَهُ مُيَاوَمَةً وَيِوَاماً. ثمَّ أَشَارَ إِلى غَيْرِ المَقِيسِ في فَاعَلَ بِقَوْلِهِ:
....................... = وَفِعْلَةٌ عَنْهُمَا قَدْ نَابَ فَاحْتُمِلا
أيْ إِنَّ فِعْلَةً بِكَسْرِ الفاءِ قدْ تَنُوبُ عَنِ الفِعَالِ وَالمُفَاعَلَةِ في فَاعَلَ، نحوُ: مَارَاهُ مُمَارَاةً وَمِرَاءً وَمِرْيَةً أيضاً.
تَنْبِيهَانِ:
أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كلامِهِ أنَّ الفِعْلَةَ مَصْدَرٌ حَقِيقِيٌّ لِفَاعَلَ، وَالمشهورُ أَنَّهُ اسمُ مَصْدَرٍ كَتَوَضَّأَ وُضُوءاً.
والثاني: مِن المصادرِ السماعيَّةِ لفَاعَلَ أيضاً الفِيعَالُ بِكَسْرِ الفاءِ، وَلم يَذْكُرْهُ؛ كَضَارَبَ ضِيرَاباً. ثمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

مَا عَيْنُهُ اعْتَلَّتِ الإِفْعَالُ مِنْهُ وَالاسْـ = ـتِفْعَالُ بِالتَّا وَتَعْوِيضٌ بِهَا حَصَلا
مِنَ الْمُزَالِ = ........
إِلى نَوْعَيْنِ مِنْ مَصَادِرِ مُعْتَلِّ العَيْنِ وَهُمَا: الإِفْعَالُ وَالاسْتِفْعَالُ ؛ أيْ: فَإِنَّهُمَا كَنَظِيرِهِمَا مِن الصحيحِ، إلاَّ أنَّهُمَا زِيدَتْ علَيْهِما تَاءُ التأنيثِ عِوَضاً عَنْ عَيْنِهِمَا المُزَالَةِ لالتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
أَمَّا الإِفْعَالُ فهوَ المصدرُ الرُّبَاعِيُّ المزيدُ فيهِ همزةُ القطعِ، وَهوَ النوعُ السابعُ.
وَقدْ ذَكَرْنَا أنَّ الناظمَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَهِلَ عَنْ ذِكْرِ مَصْدَرِهِ الصحيحِ، وَقياسُهُ إِنْ كانَ صحيحَ العينِ: الإِفْعَالُ، كَأَكْرَمَ إِكْرَاماً، فإِنْ كانَ مُعْتَلَّهَا كَأَعَانَ وَأَقَامَ فَيَجِيءُ المصدرُ منهُ على قياسِ الصحيحِ لكنْ تَسْقُطُ العينُ في مصدرِهِ لالتقاءِ الساكنَيْنِ، وَهُمَا: الألفُ المُبْدَلَةُ مِنْ عَيْنِهِ وَألفُ الإِفْعَالِ المزيدةُ بَيْنَ فائِهِ وَعينِهِ للدلالةِ على المصدرِ؛ لأنَّ أَصْلَ أَقَامَ إِقَامَةً: أَقْوَمَ إِقْوَاماً، على وَزْنِ أَكْرَمَ إِكْرَاماً، فَلَمَّا نُقِلَتْ حَرَكَةُ الواوِ إِلى الساكنِ الصحيحِ قَبْلَهَا انْقَلَبَتْ أَلِفاً، فَاجْتَمَعَ أَلِفَانِ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا، فَصَارَ: إِقَاماً، فَزَادُوا عَلَيْهِ تاءَ التأنيثِ عِوَضاً عَن المحذوفِ فَصَارَ إِقامةً.
وَأمَّا الاسْتِفْعَالُ فهوَ مَصْدَرُ السداسيِّ المَبْدُوءِ بهمزةِ الوصلِ، وَقدْ سَبَقَ أنَّ قِيَاسَ مصدرِهِ بِكَسْرِ ثالثِهِ وَمَدِّ ما قَبْلَ آخِرِهِ، كاسْتَخْرَجَ اسْتِخْرَاجاً، وَقَيَّدْنَاهُ هُنَاكَ بِصَحِيحِ العَيْنِ. فإِنْ كانَ مُعْتَلَّهَا كَاسْتَعَانَ وَاسْتَقَامَ جاءَ المصدرُ منهُ أيضاً على قياسِ صَحِيحِهَا، لكنْ تَسْقُطُ العينُ في مصدرِهِ:
فَأَصْلُ اسْتَقَامَ اسْتِقَامَةً: اسْتَقْوَمَ اسْتِقْوَاماً، على وَزنِ اسْتَخْرَجَ اسْتِخْرَاجاً، فَلَمَّا نُقِلَتْ حركةُ الواوِ إِلى الساكنِ الصحيحِ قبلَهَا انْقَلَبَتْ أَلِفاً، فَاجْتَمَعَ أَلِفَانِ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا فَصَارَ: اسْتِقَاماً، وَعُوِّضَ عنها التاءَ، فَصَارَ: اسْتِقَامَةً.
تَنْبِيهَاتٌ:
الأوَّلُ: احْتَرَزَ بالإِفْعَالِ وَالاسْتِفْعَالِ عَنْ مَصْدَرَي الخُمَاسِيِّ وَالسداسيِّ المبدوءِ بهمزةِ وَصْلٍ، وَهما: الانْفِعَالُ وَالافْتِعَالُ، كَانْطَلَقَ انْطِلاقاً، وَاقْتَدَرَ اقْتِدَاراً؛ فإِنَّ مَصْدَرَهُمَا مِنْ مُعْتَلِّ العَيْنِ يَجِيءُ على وَزْنِ صَحِيحِهَا مِنْ غيرِ حَذْفٍ وَلا زِيَادَةٍ، كَانْقَادَ انْقِيَاداً وَاعْتَادَ اعْتِيَاداً.
ثَانِيهَا: اخْتَلَفُوا في المحذوفِ مِنْ نحوِ الإِقامةِ وَالاستقامةِ مِن الأَلِفَيْنِ. فَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالخليلِ أنَّها الأَلِفُ المزيدةُ قبلَ الآخرِ للدلالةِ على المصدرِ؛ لأنَّ حَذْفَ الزائدِ أَوْلَى مِنْ حذفِ الأَصْلِ، وَعندَ الأخفشِ وَالفَرَّاءِ بالعكسِ؛ لأنَّ حَذْفَ حركةِ العِلَّةِ أَوْلَى مِنْ حذفِ حرفٍ زِيدَ للدلالةِ على مَعْنًى، لِئَلاَّ تَفُوتَ الدلالةُ بِحَذْفِهِ.
ثالثُهَا: رُبَّمَا حَذَفُوا التاءَ مِنْ نحوِ الإِقامةِ فَقَالُوا: إِقَاماً وَإِجَاباً. وَقدْ نَبَّهَ على ذلكَ في الخلاصةِ حيثُ قَالَ: (وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ). وَيَكْثُرُ ذلكَ معَ الإِضافةِ، نَحْوُ: {وَإِقَامِ الصَّلاةِ}.
رَابِعُهَا: رُبَّمَا جَاؤُوا بالمصدرِ المُعْتَلِّ مِن الإِفعالِ وَالاسْتِفْعَالِ على وَزنِ الصحيحِ لِتَصْحِيحِهِمْ فِعْلَهُ، نَحْوُ: اسْتَحْوَذَ اسْتِحْوَاذاً، وَأَغْيَمَت السماءُ إِغْيَاماً، وَالقياسُ: اسْتَحَاذَ اسْتِحَاذَةً، وَأَغَامَت السَّمَاءُ إِغَامَةً.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مصادرِ المزيدِ على الثلاثيِّ أَتْبَعَهَا بِذِكْرِ المَرَّةِ منها فَقَالَ:
..... وَإِنْ تُلْحَقْ بِغَيْرِهِمَا = تَبِنْ بِهَا مَرَّةٌ مِنَ الَّذِي عُمِلا
أيْ: وَإِذَا لَحِقَتْ تاءُ التأنيثِ بغيرِ الإِفْعَالِ المُعْتَلِّ، مِنْ نَحْوِ الإِقامةِ، وَالاسْتِفْعَالِ مِنْ نَحْوِ الاستقامةِ، مِنْ سائرِ المصاردِ المقيسةِ المذكورةِ في هذا الفصلِ مِمَّا لَيْسَتْ فيهِ تاءٌ، كانَ ذلكَ لبيانِ المَرَّةِ مِن المصدرِ المعمولِ. وَسَمَّاهُ مَعْمُولاً؛ لأنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، فقولُهُ: (عُمِلَ) هوَ بِضَمِّ العينِ بالبناءِ للمفعولِ،
وَذلكَ نحوُ: اسْتَخْرَجَ اسْتِخْرَاجَةً، وَانْطَلَقَ انْطِلاقَةً، وَتَدَحْرَجَ تَدَحْرَجَةً، وَعَلَّمَهُ تَعْلِيمَةً، وَأَكْرَمَهُ إِكْرَامَةً، فالتاءُ في ذلكَ للدلالةِ على المَرَّةِ،
وَكذلكَ دَحْرَجَهُ دَحْرَاجَةً، وَقَاتَلَهُ قَتَالَةً، لا دَحْرَجَةً وَلا مُقَاتَلَةً إلاَّ بِوَصْفِ الواحدةِ، وَكذا سَائِرُ المصادرِ التي تُلازِمُهَا التاءُ، وَإِلى ذلكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَمَرَّةُ الْمَصْدَرِ الَّذِي تُلازِمُهُ = بِذِكْرِ وَاحِدَةٍ تَبْدُو لِمَنْ عَقَلا
أيْ: فإِذا أَرَدْتَ الدلالةَ على المَرَّةِ مِمَّا فِيهِ التَّاءُ وَصَفْتَهُ بالواحدةِ،
كَقَوْلِكَ: أَعَانَ إِعَانَةً وَاحِدَةً، وَاسْتَعَانَ اسْتِعَانَةً وَاحدةً، وَلا يَخْتَصُّ ذلكَ بنَحْوِ الإِقامةِ وَالاستقامةِ، بلْ كَلامُهُ عَامٌّ لِمَا فيهِ التَّاءُ، وَقدْ سَبَقَ في هذا الفَصْلِ جُمْلَةٌ مِمَّا فيهِ التاءُ كالفَعْلَلَةِ وَالمُفَاعَلَةِ وَالتَّفْعِلَةِ،
نَحْوُ: دَحْرَجَ دَحْرَجَةً وَاحدةً، وَقَاتَلَ مُقَاتَلَةً وَاحِدَةً، وَزَكَّى تَزْكِيَةً وَاحِدَةً، وَكذا اقْشَعَرَّ قُشَعْرِيرَةً وَاحِدَةً؛ إِذْ لا يَخْتَصُّ ذلكَ بالمقيسِ، نَعَمْ لا يَجُوزُ إِلْحَاقُ التاءِ للدلالةِ على المَرَّةِ بما ليسَ بالمقيسِ،
فلا تَقُولُ: تَمَلَّقَ تِمِلاَّقَةً وَكَذَّبَ كِذَّابَةً، وَلا سَيَّرَ تَسْيَارَةً، فعلى هذا مَنْ جَعَلَ الفِعْلالَ مَقِيساً كالناظمِ أَجَازَ إِلحاقَهُ بالتاءِ، وَمَنْ جَعَلَ المقيسَ الفَعْلَلَةَ فقطْ مَنَعَ إِلْحَاقَ الفِعْلالِ التَّاءَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


  #4  
قديم 30 محرم 1430هـ/26-01-2009م, 12:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي مناهل الرجال للشيخ: محمد أمين بن عبد الله الأثيوبي الهرري

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:
فَصْلٌ في مَصَادِرِ ما زادَ على الثُّلاثِيِّ
(واعْلَمْ) أنَّ مَصْدَرَ ما زادَ على الثلاثيِّ قياسيٌّ كُلُّهُ على الأحكامِ الآتيَةِ لعدمِ تَعَذُّرِ ضَبْطِهِ؛ لأنَّ مصدَرَهُ يَصْدُرُ على طريقٍ واحدٍ وُضِعَ في ألفاظٍ معلومةٍ كَالإِفْعَالِ في بابِ أَفْعَلَ، والانْفِعَالِ في بابِ انْفَعَلَ، وأمَّا نحوُ: كِلاَّماً وكِذَّاباً بكسرِ الكافِ فيهما في كَلَّمَ وكَذَّبَ، وزَلْزَالاً وَوَسْوَاساً بفتحِ الزايِ والواوِ الأُولَيَيْنِ فيهما في زَلْزَلَ ووَسْوَسَ فشَاذٌّ لا اعتدادَ بهِ، وهوَ سبعةُ أنواعٍ. النوعُ الأوَّلُ: الرباعيُّ المُجرَّدُ، وهوَ فَعْلَلَ، فمصدَرُهُ (فَعْلَلَةٌ وفِعْلالٌ)، نحوُ: دَحْرَجَةً ودِحْرَاجاً. والثاني: لا يكونُ قِيَاسِيًّا فيهِ إلاَّ إذا كانَ مُضَاعَفاً، نحوُ: وَسْوَسَ وَسْوَسَةً أوْ وِسْوَاساً، وإلاَّ فهوَ سماعيٌّ.
والثاني الرباعيُّ المزيدُ بهمزةِ القطعِ، وهوَ أَفْعَلَ، فمَصْدَرُهُ (إِفْعَالٌ) إنْ كانَ صحيحَ العينِ كَأَكْرَمَ إِكْرَاماً، ولمْ يَذْكُرْهُ المُصنِّفُ، أَمَّا إذا كانَ مُعْتَلَّها فَتُنْقَلُ حركةُ عينِ الفعلِ إلى فاءِ الفعلِ، فَتُقْلَبُ العينُ ألفاً فيجتمعُ ألفانِ، ثمَّ تُحْذَفُ إحدَاهُما ويُعَوَّضُ عنها بالتاءِ كَأَغَاثَ إِغَاثَةً، وأَمَاتَ إِمَاتَةً، وأشارَ إِشَارَةً.
والثالثُ الرباعيُّ المزيدُ بتضعيفِ العينِ، وهوَ فَعَّلَ، فَمَصْدَرُهُ (تَفْعِيلٌ)، كَفَرَّحَ تَفْرِيحاً، ويَأْتِي على (تَفْعِلَةٍ) قليلاً، نحوُ: وَسَّعَ تَوْسِعَةً، وقَدَّمَ تَقْدِمَةً، وَفَرَّقَ تَفْرِقَةً، وإنْ كانَ مهموزَ اللامِ غَلَبَتْ فيهِ التَّفْعِلَةُ وقَلَّ التَّفْعِيلُ، نحوُ: نَبَّأَ تَنْبِئَةً، وَوَطَّأَ تَوْطِئَةً، وهَنَّأَ تَهْنِئَةً، وإنْ كانَ مُعتلَّ اللامِ فَلَيْسَ فيهِ إلاَّ التَّفْعِلَةُ، نحوُ: حَلَّى تَحْلِيَةً، وزَكَّى تَزْكِيَةً، وإنْ كانَ أَجْوَفاً فَلَيْسَ فيهِ إلاَّ التَّفْعِيلُ، نحوُ: جَوَّفَ تَجْوِيفاً وقَوَّمَ تَقْوِيماً.
والرابعُ الرباعيُّ المزيدُ فيهِ الألفُ بينَ فَائِهِ وعَيْنِهِ، وهوَ فَاعَلَ، فَمَصْدَرُهُ (فِعَالٌ ومُفَاعَلَةٌ)، نحوُ: قَاتَلَ قِتَالاً ومُقَاتَلَةً إلاَّ أنَّهُ يَمْتَنِعُ فِعَالٌ ويَتَعَيَّنُ مُفَاعَلَةٌ فِيمَا فاؤُهُ ياءٌ، نحوُ: يَاسَرَ مُيَاسَرَةً، ويَامَنَ مُيَامَنَةً، وشَذَّ يَاوَمَ مُيَاوَمَةً وَيِوَاماً.
والخامسُ: الخُمَاسِيُّ المبدوءُ بتاءٍ زائدةٍ، وهوَ تَفَعْلَلَ، فمَصْدَرُهُ (تَفَعْلُلٌ)، نحوُ: تَدَحْرَجَ تَدَحْرُجاً بضمِّ ما قبلَ الآخرِ إنْ كانَ صحيحَ اللامِ، وبكَسْرِهِ إنْ كانَ مُعتلَّها كَتَسَلْقَى تَسَلْقِياً، وتَفَاعَلَ فَمَصْدَرُهُ (تَفَاعُلٌ) بضمِّ ما قبلَ الآخرِ إنْ كانَ صحيحَ اللامِ، نحوُ: تَغَافَلَ تَغَافُلاً، وإذا كانَ مُعتلَّ اللامِ تُقْلَبُ أَلِفُهُ الأخيرةُ ياءً ويُكْسَرُ ما قَبْلَهَا، نحوُ: تَوَانَى تَوَانِياً، وتَفَعَّلَ فمَصْدَرُهُ (تَفَعُّلٌ) بضمِّ ما قبلَ الآخرِ إنْ كانَ صحيحَ اللامِ، نحوُ: تَقَدَّمَ تَقَدُّماً، وإذا كانَ مُعتلَّ اللامِ تُقْلَبُ أَلِفُهُ ياءً وَيُكْسَرُ ما قَبْلَهَا، نحوُ: تَأَنَّى تَأَنِّياً.
والسادسُ: الخماسيُّ المبدوءُ بهمزةِ الوصلِ وهوَ انْفَعَلَ، فمَصْدَرُهُ (انْفِعَالٌ)، نحوُ: انْطَلَقَ انْطِلاقاً، وَافْتَعَلَ، فَمَصْدَرُهُ (افْتِعَالٌ)، نحوُ: اشْتَرَكَ اشْتِرَاكاً، وَافْعَلَّ فَمَصْدَرُهُ (افْعِلالٌ)، نحوُ: احْمَرَّ احْمِرَاراً.
والسابعُ: السداسيُّ، ولا يكونُ إلاَّ مَبْدُوءاً بهمزةِ وصلٍ، وهوَ اسْتَفْعَلَ فَمَصْدَرُهُ (اسْتِفْعَالٌ) إنْ كانَ صحيحَ العينِ، نحوُ: اسْتَخْرَجَ اسْتِخْرَاجاً، أَمَّا إذا كانَ مُعتلَّها فتُحْذَفُ العينُ المقلوبةُ ألفاً أو الألفُ الزائدةُ، ويُعَوَّضُ عنها بتاءٍ في الطَّرَفِ، نحوُ: اسْتَقَامَ اسْتِقَامَةً، وَافْعَوْعَلَ فَمَصْدَرُهُ (افْعِيعَالٌ)، نحوُ: احْدَوْدَبَ احْدِيدَاباً، وَافْعَنْلَلَ فمَصْدَرُهُ (افْعِنْلالٌ)، نحوُ: احْرَنْجَمَ احْرِنْجَاماً، وَافْعَلَلَّ فَمَصْدَرُهُ (افْعِلاَّلٌ)، نحوُ: اقْشَعَرَّ اقْشِعْرَاراً، وَشَذَّ فِيهِ قُشَعْرِيرَةٌ.
الإعرابُ:
(فَصْلٌ): خبرٌ لمحذوفٍ تقديرُهُ: هذا، والجملةُ مُستأنفةٌ، (في): حرفُ جرٍّ، (مَصَادِرِ): مجرورٌ بفي، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٍ لِـ(فَصْلٌ) تقديرُهُ: هذا فَصْلٌ موضوعٌ في مصادرِ، وهوَ مضافٌ، (مَا): موصولةٌ أوْ موصوفةٌ في محلِّ الجرِّ مضافٌ إليهِ، (زَادَ): فعلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على (ما)، والجملةُ صِلةٌ لِمَا أوْ صفةٌ لها، (على الثلاثِيِّ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِـ (زَادَ)، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.
قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:
بِكَسْرِ ثَالِثِ هَمْزِ الوَصْلِ مَصْدَرُ فِعْـ = ـلٍ حَازَهُ مَعْ مَدِّ مَا الأخيرُ تَلا
فبدأَ الناظمُ من الأنواعِ السبعةِ بالخماسيِّ المبدوءِ بهمزةِ الوصلِ وبالسداسيِّ، فقالَ: (بِكَسْرِ ثَالِثِ هَمْزِ الوَصْلِ مَصْدَرُ فِعْلٍ حَازَهُ)، أيْ: بناءُ مقيسِ مصدرِ كلِّ فعلٍ حَازَ وجَمَعَ همزةَ وصلٍ أصليَّةً, واشتملَ عليها في أوَّلِهِ خُماسيًّا كانَ كَانْطَلَقَ وَاشْتَرَكَ وَاحْمَرَّ، أوْ سُداسيًّا صحيحَ العينِ كَاسْتَخْرَجَ وَاحْدَوْدَبَ واحْرَنْجَمَ وَاقْشَعَرَّ مُلْتَبِسٌ بكسرِ حرفٍ يكونُ ثالثاً لهمزِ الوصلِ كَالطَّاءِ من انْطَلَقَ والتاءِ من اسْتَخْرَجَ مثلاً حَالَةَ كونِهِ (معْ مَدِّ ما الأخيرُ تَلا)، أيْ: مَصْحُوباً بمدِّ الحرفِ الذي يَتْلُوهُ الحرفُ الأخيرُ، وهوَ ما قبلَ آخرِ الكلمةِ، وذلكَ كاللامِ في انْطَلَقَ والراءِ في اسْتَخْرَجَ مثلاً، والمرادُ بمَدِّهِ إشباعُ فَتْحَتِهِ حتَّى يَتَوَلَّدَ منها ألفٌ، فتقولُ في مصدرِ الخماسيِّ: انْطِلاقاً، وَاشْتِرَاكاً، واحْمِرَاراً مثلاً، وفي مصدرِ السداسيِّ اسْتِخْرَاجاً وَاحْدِيدَاباً وَاحْرِنْجَاماً وَاقْشِعْرَاراً مثلاً، وخَرَجَ بِزِيَادَتِي قَيْدَ مَقِيسَ القُشَعْرِيرَةُ في مصدرِ اقْشَعَرَّ؛ فَإِنَّهُ سماعيٌّ كما مَرَّ، وبِتَقْيِيدِي الهمزةَ بالأصليَّةِ، أي: الثابتةِ في الأصلِ، الهمزةُ العارضةُ في نَحْوِ: اطَّيَّرَ وَاطَّايَرَ؛ لأنَّ همزةَ الوصلِ في هَذَيْنِ الفِعْلَيْنِ عَارِضَةٌ لا أصليَّةٌ؛ وذلكَ لأنَّ أصلَ اطَّيَّرَ تَطَيَّرَ، ثمَّ أُدْغِمَتْ تاءُ التَّفَعُّلِ بعدَ قَلْبِهَا طاءً في الطاءِ التي بعْدَها، وإنَّما يُمْكِنُ إِدْغَامُهَا بعدَ تَسْكِينِهَا المستلزمِ للإتيانِ بهمزةِ الوصلِ لِيُتَوَصَّلَ بها إلى النطقِ بالساكنِ المبدوءِ بهِ، وكذلكَ أصلُ اطَّايَرَ تَطَايَرَ فَمَصْدَرُهُما لا يُكْسَرُ ثَالِثُهُ ولا يُزَادُ قبلَ آخِرِهِ ألفٌ، بلْ يُضَمُّ ما يَلِيهِ الآخِرُ نظراً إلى الأصلِ، فَيُقَالُ: اطَّيَّرَ يَطَّيَّرُ اطَّيُّراً، وَاطَّايَرَ يَطَّايَرُ اطَّايُراً، وخرجَ أيضاً بِتَقْيِيدِي السداسيَّ بصحيحِ العينِ مُعْتَلُّها كَاسْتَعَاذَ وَاسْتِعَاذَةٍ كما سيأتي في كَلامِهِ.
الإعرابُ:
(بِكَسْرِ): الباءُ حرفُ جرٍّ، كسرِ: مجرورٌ بالباءِ، وهوَ مضافٌ، (ثَالِثِ): مضافٌ إليهِ، وهوَ مضافٌ، (هَمْزِ): مضافٌ إليهِ، وهوَ مضافٌ، (الوَصْلِ): مضافٌ إليهِ، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مُقدَّمٍ لقولِهِ: (مَصْدَرُ): وهوَ مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ ومضافٌ، (فِعْلٍ): مضافٌ إليهِ، والتقديرُ: مَصْدَرُ فِعْلٍ حَازَ هَمْزَ الوصلِ مُلْتَبِسٌ بكَسْرِ ثالثِ همزِ الوصلِ، والجملةُ مُستأنفةٌ، (حَازَهُ): حَازَ فعلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على الفِعْلِ، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصلٌ في محلِّ النصبِ مفعولٌ بهِ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الجرِّ صفةٍ لِفِعْلٍ تقديرُهُ: مَصْدَرُ فِعْلٍ حَائِزٍ إِيَّاهُ، (مَعْ): منصوبٌ على الظرفيَّةِ الاعتباريَّةِ بفتحةٍ مُقدَّرةٍ ممنوعةٍ بسكونِ استقامةِ النظمِ، وهوَ مضافٌ، (مَدِّ): مضافٌ إليهِ، والظرفُ متعلِّقٌ بما تَعَلَّقَ بهِ الخبرُ، أوْ متعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ من الضميرِ المُسْتَكِنِّ في الخبرِ تَقْدِيرُهُ: مَصْدَرُ فِعْلٍ حازَ همزَ الوصلِ مُلْتَبِسٌ هوَ بكسرِ ثالثِ همزِ الوصلِ حالةَ كونِهِ مُصْطَحِباً بِمَدٍّ، وهوَ مضافٌ، (ما): موصولةٌ أوْ موصوفةٌ في محلِّ الجرِّ مضافٌ إليهِ، (الأخِيرُ): مبتدأٌ، (تَلا): فعلٌ ماضٍ، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على (الأخيرُ)، وعائدُ (ما) محذوفٌ جوازاً تقديرُهُ: تَلاهُ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الرفعِ خبرُ المبتدأِ تقديرُهُ: مَا الأَخِيرُ تَالٍ إِيَّاهُ، والجملةُ الاسميَّةُ صِلةٌ لِمَا أوْ صفةٌ لها، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.
قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:

وَاضْمُمْهُ منْ فِعْلٍ التَّا زِيدَ أَوَّلَهُ = وَاكْسِرْهُ سَابِقَ حَرْفٍ يَقْبَلُ العِلَلا
ثمَّ أشارَ الناظمُ إلى الخماسيِّ المبدوءِ بالتاءِ بقولِهِ: (وَاضْمُمْهُ منْ فِعْلٍ التَّا زِيدَ أَوَّلَهُ)، أيْ: واضْمُم الحرفَ الذي يَتْلُوهُ الأخيرُ في مصدرٍ مَصُوغٍ منْ كلِّ فِعْلٍ زِيدَت التاءُ في أوَّلِهِ وهوَ صحيحُ اللامِ، نحوُ: تَعَلَّمَ تَعَلُّماً، وتَغَافَلَ تَغَافُلاً، وَتَدَحْرَجَ تَدَحْرُجاً، وأشارَ إلى المُعتلِّ منهُ بقولِهِ: (وَاكْسِرْهُ)، أيْ: واكْسِر الحرفَ الذي يَتْلُوهُ الأخيرُ في مصدرٍ مَصُوغٍ منْ كلِّ فِعْلٍ زِيدَت التاءُ في أوَّلِهِ حالةَ كونِهِ (سَابِقَ حرْفٍ)، أيْ: مَتْلُوَّ حَرْفٍ (يَقْبَلُ العِلَلا) والتغَيُّرَاتِ بأنْ كانَ اللامُ حرفَ علَّةٍ، نحوُ: تَوَلَّى تَوَلِّياً، وتَوَالَى تَوَالِياً، وتَسَلْقَى تَسَلْقِياً، وكانَ الأصلُ فيهِ تَوَلُّياً وتَوَالُياً وتَسَلْقُياً، بضمِّ ما قبلَ الأخيرِ على قياسِ نَظِيرِهِ من الصحيحِ، فَأَبْدَلُوا الضمَّةَ كسرةً؛ لِئَلاَّ يَخْرُجَ إلى ما لَيْسَ منْ كَلامِهم، وهوَ كونُ آخرِ الاسمِ ياءً قبْلَها ضمَّةٌ، وهذا المذكورُ هوَ القياسُ في مصادرِ ما أَوَّلُهُ تاءٌ مزيدةٌ، وشذَّ مَجِيءُ مصدرِ تَفَعَّلَ على تِفِعَّالٍ، نحوُ: تَحَمَّلَ تِحِمَّالاً، وتَمَلَّقَ تِمِلاَّقاً، وشَذَّ أيضاً مَجِيءُ مَصْدَرِ تَفَاعَلَ على فِعِّيلٍ، نحوَ قَوْلِهِمْ: تَرَامَوْا رِمِّيَّا، أيْ: تَرَامِياً.
الإعرابُ:
(وَاضْمُمْهُ): الواوُ استئنافيَّةٌ، اضْمُمْ: فعلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ وجوباً تقديرُهُ: (أنتَ)، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصلٌ في محلِّ النصبِ مفعولٌ بهِ، والجملةُ مُستأنفةٌ، (منْ فِعْلٍ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ منْ ضميرِ اضْمُمْهُ، تقديرُهُ: وَاضْمُمْهُ حالةَ كونِهِ كائناً منْ مصدرِ فِعْلٍ، (التَّا): مبتدأٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ ظاهرةٍ على الهمزةِ المحذوفةِ لضرورةِ النظمِ، (زِيدَ): فعلٌ ماضٍ مُغَيَّرُ الصيغةِ، ونائبُ فاعلِهِ مستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على (التَّاءُ)، (أَوَّلَهُ): أَوَّلَ منصوبٌ على الظرفيَّةِ المكانيَّةِ وهوَ مضافٌ، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصلٌ في محلِّ الجرِّ مضافٌ إليهِ، والظرفُ متعلِّقٌ بِزِيدَ، وجملةُ زِيدَ في محلِّ الرفعِ خبرُ المبتدأِ تقديرُهُ: زَائِدٌ أَوَّلُهُ، والجملةُ الاسميَّةُ في محلِّ الجرِّ صفةٌ لفِعْلٍ تقديرُهُ: منْ فِعْلٍ موصوفٍ بزيادةِ التاءِ أوَّلَهُ، (واكْسِرْهُ): الواوُ عاطفةٌ، اكْسِرْ فعلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ تقديرُهُ: (أَنْتَ)، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصلٌ في محلِّ النصبِ مفعولٌ بهِ، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ اضْمُمْهُ، (سَابِقَ): حالٌ منْ ضميرِ اكْسِرْهُ، وهوَ مضافٌ، (حَرْفٍ): مضافٌ إليهِ، (يَقْبَلُ): فعلٌ مضارعٌ وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على حَرْفٍ، (العِلَلا): مفعولٌ بهِ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الجرِّ صفةٌ لِحَرْفٍ تقديرُهُ: سَابِقَ حَرْفٍ قَابِلٍ العِلَلَ، وهوَ جمعُ عِلَّةٍ، وهيَ التغَيُّرُ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.
قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:

لِفَعْلَلَ ائْتِ بِفِعْلالٍ وفَعْلَلَةٍ = وفَعَّلَ اجْعَلْ لهُ التَّفْعِيلَ حيثُ خَلا
منْ لامِ اعْتَلَّ لِلْحَاوِيْهِ تَفْعِلَةً = إِلْزَمْ ولِلْعَارِ منْهُ رُبَّمَا بُذِلا
ثمَّ أشارَ إلى مصدرِ الرباعيِّ المُجرَّدِ بقولِهِ: (لِفَعْلَلَ ائْتِ بِفِعْلالٍ وَفَعْلَلَةٍ)، أيْ: وَائْتِ أيُّها الصَّرْفيُّ في صَوْغِ مصدرِ فَعْلَلَ الرباعيِّ المُجرَّدِ كَدَحْرَجَ بوزنِ فِعْلالٍ بكسرِ الفاءِ كَدِحْرَاجٍ، أوْ بوزنِ فَعْلَلَةٍ بفَتْحِهَا كَدَحْرَجَةٍ وكَزَلْزَلَ زِلْزَالاً وَزَلْزَلَةً، وحَوْقَلَ الرجلُ حِيقَالاً وَحَوْقَلَةً إذا أَسَنَّ وضَعُفَ عَن الجِمَاعِ. ومُقْتَضَى كَلامِهِ أنَّ كُلاًّ من الفِعْلالِ والفَعْلَلَةِ مَقِيسٌ في فَعْلَلَ، وهوَ ظاهرُ عبارةِ التَّسْهِيلِ، لكنَّ المشهورَ أنَّ المقيسَ هوَ الفَعْلَلَةُ لا غيرُ؛ لأنَّهُ المُطَّرِدُ في الرباعيِّ المُجرَّدِ كَدَحْرَجَ، وفي مزيدِ الثلاثيِّ المُلْحَقِ بهِ كَبَيْطَرَ بَيْطَرَةً، وهَرْوَلَ هَرْوَلَةً، وجَوْرَبَ جَوْرَبَةً، ولمْ يُسْمَعِ الفِعْلالُ في شيءٍ من المُلْحَقِ بالرباعيِّ إلاَّ قَوْلَهُمْ: حَوْقَلَ حِيقَالاً.
وما ذَكَرَهُ في مصدرِ فَعْلَلَ من الفِعْلالِ والفَعْلَلَةِ هوَ المقيسُ فيهِ، وقدْ سُمِعَ فيهِ أيضاً: (الفَعْلَلَى) بفتحِ الفاءِ، نحوُ: قَهْقَرَ قَهْقَرَى إذا رَجَعَ إلى وَرَاءُ، و(الفُعْلَلَى) بضَمِّها، نحوُ: قَرْفَصَ قُرْفَصَى إذا جَلَسَ على أَلْيَتِهِ وأَلْصَقَ بَطْنَهُ بفَخِذَيْهِ وتَأَبَّطَ كَفَّيْهِ، ثمَّ أشارَ إلى مصدرِ الرباعيِّ المزيدِ بالتضعيفِ بقولِهِ: (وَفَعَّلَ اجْعَلْ لهُ التَّفْعِيلَ)، أيْ: واجعلْ أيُّها الصرفيُّ وَزْنَ التَّفْعِيلِ مصدراً مقيساً لفَعَّلَ المُضَعَّفِ، (حَيْثُ خَلا) فَعَّلَ، أيْ: عَرَا وتَجَرَّدَ (منْ لامِ اعْتَلَّ)، أيْ: لامٍ مُعتلَّةٍ بأنْ كانَ صحيحَ اللامِ كَعَلَّمَ تَعْلِيماً، وكَلَّمَ تَكْلِيماً، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً. أَمَّا مُعْتَلُّها فقدْ أشارَ إليهِ بقولِهِ: (لِلْحَاوِيهِ تَفْعِلَةً إِلْزَمْ)، أيْ: أَوْجِبْ أيُّها الصَّرْفيُّ وَزْنَ تَفْعِلَةٍ لِفَعَّلَ الذي حَوَى وجَمَعَ لاماً اعتلَّ واشْتَمَلَ عليهِ، أي: اجعلْ وزنَ تَفْعِلَةٍ مصدراً مقيساً لفَعَّلَ المُعتلِّ اللامِ، نحوُ: زَكَّاه تَزْكِيَةً، وقَوَّاهُ تَقْوِيَةً، وَصَلَّى تَصْلِيَةً، وَشَذَّ فيهِ وزنُ التفعيلِ، كقولِهِ:
بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيًّا = كما تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا
والقياسُ تَنْزِيَةٌ بوزنِ تَفْعِلَةٍ، ولكنْ أَجْرَى الشاعرُ المُعتلَّ مُجْرَى الصحيحِ كما أَجْرَوا الصحيحَ مُجْرَى المُعتلِّ في قَوْلِهِم: ذَكَّرَهُ تَذْكِرَةً، وبَصَّرَهُ تَبْصِرَةً، والقياسُ تَذْكِيرٌ وَتَبْصِيرٌ، وإلى هذا أشارَ بقولِهِ: (وَلْلِعَارِ منهُ رُبَّما بُذِلا)، أيْ: ورُبَّما بُذِلَ وأُعْطِيَ وزنُ تَفْعِلَةٍ لِفَعَّلَ العاري منْ لامِ اعْتَلَّ، أي: الذي عُرِّيَ وَخَلا منْ لامٍ مُعتلَّةٍ تَشْبِيهاً للصحيحِ بالمُعتلِّ كما مَثَّلَ آنِفاً.
الإعرابُ:
(لِفَعْلَلَ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بقولِهِ: (ائْتِ)، وهوَ فعلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ تقديرُهُ: (أَنْتَ)، والجملةُ مُستأنفةٌ، (بِفِعْلالٍ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِـ(ائْتِ).
(وفَعْلَلَةٍ): الواوُ عاطفةٌ، فَعْلَلَةٍ: معطوفٌ على فِعْلالٍ، (وَفَعَّلَ): الواوُ استئنافيَّةٌ، فَعَّلَ مبتدأٌ مَحْكِيٌّ، (اجْعَلْ): فعلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ تقديرُهُ: (أنتَ)، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الرفعِ خبرُ المبتدأِ، والجملةُ الاسميَّةُ مُستأنفةٌ، (لَهُ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِاجْعَلْ على أنَّهُ مفعولٌ ثانٍ لهُ، (التَّفْعِيلَ): مفعولٌ أَوَّلُ لاجْعَلْ، والمعنى: اجْعَل التَّفْعِيلَ مصدراً لهُ، (حيْثُ): ظرفُ زمانٍ متعلِّقٌ بِاجْعَلْ، (خَلا): فعلٌ ماضٍ مُعتلٌّ بالألفِ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على فَعَّلَ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الجرِّ مضافٌ إليهِ لحَيْثُ، تقديرُهُ: وَقْتَ خُلُوِّهِ، (منْ لامٍ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِخَلا، (اعْتَلَّ): فعلٌ ماضٍ وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على لامٍ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الجرِّ صفةٌ للامٍ تقديرُهُ: منْ لامٍ مُعتلٍّ، (لِلْحَاوِيهِ): جارٌّ ومجرورٌ ومضافٌ إليهِ متعلِّقٌ بِإلْزَم الآتي، (تَفْعِلَةً): مفعولٌ بهِ مُقدَّمٌ لقولِهِ: (إلْزَمْ)، وهوَ فعلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ تقديرُهُ: (أنتَ)، والجملةُ الفعليَّةُ مُستأنفةٌ.
(ولِلْعَارِ): الواوُ استئنافيَّةٌ، للعارِ: اللامُ حرفُ جرٍّ، العارِ: مجرورٌ باللامِ بكسرةٍ مُقدَّرةٍ على الياءِ المحذوفةِ لضرورةِ النظمِ منعَ منْ ظُهورِها الثِّقَلُ، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بِبُذِلَ الآتي، (مِنْهُ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بالعارِ، (رُبَّمَا): رُبَّ حرفُ جرٍّ وتقليلٍ مَكْفُوفَةٌ بِمَا، ما: كَافَّةٌ، (بُذِلا): فعلٌ ماضٍ مُغَيَّرُ الصيغةِ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على (تَفْعِلَةً)، والجملةُ مُستأنفةٌ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:
وَمَنْ يَصِلْ بِتِفِعَّالٍ تَفَعَّلَ وَالْـ = ـفِعَّالِ فَعَّلَ فَاحْمَدْهُ بِمَا فَعَلا
وجميعُ ما سبقَ في مصادرِ المبدوءِ بهمزةِ الوصلِ والمبدوءِ بالتاءِ، وفي فَعَّلَ المُضَعَّفِ هوَ القياسُ فيها، وقدْ يُسْتَغْنَى عنها بغَيْرِها سَمَاعاً، فَيُحْفَظُ ولا يُقَاسُ عليهِ، وإلى ذلكَ أشارَ بقولِهِ: (وَمَنْ يَصِلْ بِتِفِعَّالٍ تَفَعَّلَ)، أيْ: وَمَنْ يُوَالِ مُوَازِنِ تِفِعَّالٍ المَصْدَرِ بمُوَازِنِ تَفَعَّلَ الماضي في حالِ تصريفِ الكلمةِ بأنْ قالَ: تَمَلَّقَ تِمِلاَّقاً وتَحَمَّلَ تِحِمَّالاً، فَاقْبَلْ منهُ ما أتى بهِ، وقالَ: فإنَّهُ مسموعٌ من العربِ لا مُوَلَّدٌ منْ عِنْدِهِ، وإنْ كانَ القياسُ في مصدرِ تَفَعَّلَ الصحيحِ تَفَعُّلاً كالتَّمَلُّقِ والتَّحَمُّلِ هنا. (و) أيضاً مَنْ يَصِلْ (بِالفِعَّالِ) بكسرِ الفاءِ وتشديدِ العينِ، (فَعَّلَ) المُضَعَّفَ، أيْ: وَمَنْ يُوَالِ مُوَازِنَ فِعَّالٍ المصدرِ بمُوَازِنِ فَعَّلَ الماضي في حالِ تصريفِ الكلمةِ بأنْ قالَ: كَذَّبَ كِذَّاباً، وكَلَّمَ كِلاَّماً، (فَاحْمَدْهُ بِمَا فَعَلا)، أيْ: فَامْدَحْهُ على ما قالَ وأتى بهِ؛ فإنَّهُ مسموعٌ من العربِ، وإنْ كانَ القياسُ في مصدرِ فَعَّلَ المُضَعَّفِ الصحيحِ التَّفْعِيلُ كالتَّكْذِيبِ والتَّكْلِيمِ هنا.
الإعرابُ:
(وَمَنْ يَصِلْ): الواوُ استئنافيَّةٌ، مَن: اسمُ شرطٍ جازمٌ في محلِّ الرفعِ مبتدأٌ، يَصِلْ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بمَنْ على كَوْنِهِ فعلَ الشرطِ لهُ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على مَنْ، (بِتِفِعَّالٍ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِيَصِلْ، (تَفَعَّلَ): مفعولٌ بهِ مَحْكِيٌّ لِيَصِلْ، وفي العبارةِ قَلْبٌ كما أَشَرْنَا إليهِ في الحَلِّ، (والفِعَّالِ): الواوُ عاطفةٌ، الفِعَّالِ معطوفٌ على تِفِعَّالٍ تَبِعَهُ بالجرِّ، (فَعَّلَ): معطوفٌ مَحْكِيٌّ على تَفَعَّلَ تَبِعَهُ بالنصبِ، وفيهِ العطفُ على مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وفي جَوَازِهِ ومَنْعِهِ خلافٌ مذكورٌ في مَحَلِّهِ، ولا يَخْفَى عليكَ ما في عِبَارَتِهِ من القلبِ كما أَشَرْنَا إليهِ في الحلِّ أيضاً، (فَاحْمَدْهُ): الفاءُ رابطةٌ لجوابِ مَن الشرطيَّةِ وُجُوباً لِكَوْنِ الجوابِ جُمْلَةً طَلَبِيَّةً، احْمَدْ: فِعْلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ وجوباً تقديرُهُ: (أنتَ)، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصلٌ في محلِّ النصبِ مفعولٌ بهِ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الجزمِ بمَنْ على كَوْنِها جواباً لها، وجملةُ مَن الشرطيَّةِ منْ فِعْلِ شَرْطِها وجَوَابِها مُستأنفةٌ، وَخَبَرُها إمَّا جملةُ الشرطِ أوْ جملةُ الجوابِ، أوْ هُمَا على الخلافِ المذكورِ في مَحَلِّهِ، (بما): الباءُ حرفُ جرٍّ، ما: موصولةٌ أوْ موصوفةٌ في محلِّ الجرِّ بالباءِ، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بِاحْمَدْ، (فَعَلا): فعلٌ ماضٍ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على مَنْ، وعائدُ ما محذوفٌ جوازاً تقديرُهُ: بِمَا فَعَلَهُ، والجملةُ الفعليَّةُ صِلةٌ لِمَا أوْ صفةٌ لها، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:

وقدْ يُجَاءُ بِتَفْعَالٍ لِفَعَّلَ فِي = تَكْثِيرِ فِعْلٍ كَتَسْيَارٍ وقدْ جُعِلا
ما لِلثُّلاثِيِّ فِعِّيلَى مُبَالَغَةً = وَمِنْ تَفَاعَلَ أيضاً قدْ يُرَى بَدَلا
(وقدْ يُجَاءُ) ويُؤْتَى بمُوَازِنِ (تَفْعَالٍ) بفتحِ التاءِ مُخَفَّفاً مَصْدَراً سَمَاعِيًّا (لِفَعَّلَ) المُضَعَّفِ (في) حالِ إرادةِ الدلالةِ على (تَكْثِيرِ فِعْلٍ) وحدَثٍ وعلى المبالغةِ فيهِ، وذلكَ (كَتَسْيَارٍ) بفتحِ التاءِ الفَوْقِيَّةِ وسكونِ السينِ المهملةِ وتخفيفِ الياءِ التَّحْتِيَّةِ في قَوْلِكَ: سَيَّرَ تَسْيَاراً وَالْقِيَاسُ تَسْيِيراً، وَكَطَوَّفَ تَطْوَافاً، وجَوَّلَ تَجْوَالاً، والقياسُ تَطْوِيفاً وتَجْوِيلاً، فإنْ قُلْتَ: القياسُ أنْ يكونَ أَوَّلُهُ مكسوراً كالإِفْعَالِ، قُلْتُ: إنَّهُ طَابَقَ التَّفْعِيلَ في كَوْنِ أَوَّلِهِ مفتوحاً لكَوْنِهِ قليلاً ؛ إذ القليلُ بالنسبةِ إلى الكثيرِ فرعٌ لهُ، وأمَّا التِّفْعَالُ بكسرِ التاءِ، فليسَ بمصدرٍ كَالتِّبْيَانِ، بلْ هوَ اسمُ مصدرٍ أُقِيمَ مُقَامَ مَصْدَرِ بَيَّنَ، وما ذكَرَهُ المُصنِّفُ منْ كونِ التَّسْيَارِ ونَحْوِهِ منْ مصادرِ فَعَّلَ المُضَعَّفِ هوَ مذهبُ الفَرَّاءِ وغَيْرِهِ من الكُوفِيِّينَ، لكنَّ مذهبَ سِيبَوَيْهِ وسائرِ البَصْرِيِّينَ أنَّها منْ مصادرِ الثلاثيِّ جِيءَ بها كذلكَ لقصدِ التكثيرِ كما جيءَ بِالْخِصِّيصَى ونَحْوِهِ للمبالغةِ معَ الاتِّفَاقِ على أنَّهُ من الثلاثيِّ، ثمَّ اسْتَطْرَدَ بِذِكْرِ مصدرِ الثلاثيِّ هنا لمُشَارَكَتِهِ تَفَاعَلَ في وَزْنِ فِعِّيلَى، فَقَالَ: (وَقَدْ جُعِلا مَا للثُّلاثِيِّ فِعِّيلَى مُبَالَغَةً)، أيْ: وقدْ جُعِلَ مُوَازِنُ فِعِّيلَى بكسرِ الفاءِ والعينِ المُشدَّدةِ مصدراً سماعيًّا للثلاثيِّ لقصدِ الدلالةِ على التكثيرِ والمبالغةِ في الفعلِ، نحوُ: حَثَّهُ حِثِّيثَى، وخَصَّهُ خِصِّيصَى، والقياسُ حَثًّا وخَصًّا؛ لأنَّهُما من الثلاثيِّ المُضَعَّفِ المُعدَّى، وفي أَثَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهُ: لَوْلا الْخِلِّيفَى لأَذَّنْتُ، أيْ: لَوْلا الخِلافةُ موجودةٌ عَلَيَّ. وقولُهُ: (وَمِنْ تَفَاعَلَ أيضاً قدْ يُرَى بَدَلا)، أيْ: وقدْ يُرَى مُوَازِنُ فِعِّيلَى سماعاً بَدَلاً وعِوَضاً منْ مصدرِ تَفَاعَلَ الخماسيِّ المبدوءِ بالتاءِ أيضاً كما يُرَى بَدَلاً منْ مصدرِ الثلاثيِّ، نحوُ: تَرَامَى القومُ رِمِّيْيَا بكسرِ الراءِ وشدِّ الميمِ وبالقصرِ، أيْ: تَرَامِياً كثيراً، والقياسُ تَرَامِياً. وقَوْلُهُم: (أَيْضاً): مصدرُ آضَ يَئِيضُ بمعنى رَجَعَ، لا آضَ بمعنى صارَ النَّاقِصَةِ؛ لأنَّ المعنى على الأوَّلِ فقطْ، وهيَ كلمةٌ تُذْكَرُ بَيْنَ شيئيْنِ بَيْنَهُما تَوَافُقٌ، ويُمْكِنُ استغناءُ كلٍّ منهما عن الآخرِ، فلا يجوزُ جاءَ زيدٌ أيضاً، إلاَّ أنْ يَتَقَدَّمَ ذكرُ شخصٍ آخرَ، وتَدُلُّ عليهِ قرينةٌ، ولا جاءَ زيدٌ ومضى عَمْرٌو أيضاً لعدمِ التَّوَافُقِ، ولا اخْتَصَمَ زيدٌ وعمْرٌو أيضاً؛ لأنَّ أحدَهُما لا يستغني عن الآخرِ، وهوَ منصوبٌ في موضعِ الحالِ، فَيُؤَوَّلُ باسمِ الفاعلِ عندَ الكُوفِيِّينَ وعلى حذفِ مضافٍ عندَ البَصْرِيِّينَ، ويَصِحُّ كَوْنُهُ مَفْعُولاً مُطْلقاً حُذِفَ عَامِلُهُ أوْ حالاً حُذِفَ عَامِلُها وصَاحِبُها، بلْ هذا أَوْلَى؛ لأنَّهُ هوَ المُطَّرِدُ في جميعِ المواضعِ، والتقديرُ في الأوَّلِ: أَئِيضُ أَيْضاً، أي: أَرْجِعُ للإِخْبَارِ بِكَذَا رُجُوعاً، وفي الثاني: أُخْبِرُ أوْ أَحْكِي أيضاً، فيكونُ حالاً منْ ضميرِ المُتَكَلِّمِ، ويُؤَيِّدُ حذفَ العاملِ صِحَّةُ قَوْلِكَ: عِنْدَهُ مالٌ، وأيضاً عِلْمٌ، فلا يكونُ قبْلَها ما يَصْلُحُ للعملِ فيها، فَلا بُدَّ من التقديرِ.
الإعرابُ:
(وَقَدْ): الواوُ استئنافيَّةٌ، قدْ حرفُ تقليلٍ، (يُجَاءُ): فعلٌ مضارعٌ مُغَيَّرُ الصيغةِ، (بِتَفْعَالٍ): جارٌّ ومجرورٌ في محلِّ الرفعِ نائبُ فاعلٍ، والجملةُ الفعليَّةُ مُستأنفةٌ، (لِفَعَّلَ): اللامُ حرفُ جرٍّ، فَعَّلَ: مجرورٌ مَحْكِيٌّ باللامِ، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بِيُجَاءُ، (في تَكْثِيرِ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِيُجَاءُ أيضاً، وهوَ مضافٌ، (فِعْلٍ): مضافٌ إليهِ، (كَتَسْيَارٍ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ لمحذوفٍ جوازاً تقديرُهُ: وذلكَ كَتَسْيَارٍ، والجملةُ الاسميَّةُ مُستأنفةٌ، (وَقَدْ): الواوُ استئنافيَّةٌ، قدْ: حَرْفُ تقليلٍ، (جُعِلا): فعلٌ ماضٍ مُغَيَّرُ الصيغةِ، الألفُ حرفُ إطلاقٍ، (ما): موصولةٌ أوْ موصوفةٌ، النصبَ: مفعولٌ ثانٍ لجُعِلَ، (للثُّلاثِيِّ): جارٌّ ومجرورٌ صِلةٌ لِمَا أوْ صفةٌ لها، (فِعِّيلَى): نائبُ فاعلٍ لجُعِلَ، والجملةُ الفعليَّةُ مُستأنفةٌ.
(مُبَالَغَةً): مفعولٌ لأجْلِهِ، (ومِن): الواوُ استئنافيَّةٌ، مِنْ حرفُ جرٍّ، (تَفَاعَلَ): مجرورٌ مَحْكِيٌّ بمِنْ، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بِبَدَلاً الآتي، (أيضاً): مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ تقديرُهُ: أَئِيضُ أَيْضاً، والجملةُ مُعْتَرِضَةٌ، (قَدْ): حرفُ تقليلٍ، (يُرَى): فعلٌ مضارعٌ مُغَيَّرُ الصيغةِ، ونائبُ فاعلِهِ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على فِعِّيلَى، (بَدَلاً): مفعولٌ ثانٍ لِيُرَى، وجملةُ يُرَى من الفعلِ ونائبِ فاعلِهِ مُستأنفةٌ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:
وَبِالْفُعَلِّيلَةِ افْعَلَلَّ قَدْ جَعَلُوا = مُسْتَغْنِياً لا لُزُوماً فَاعْرِفِ المُثُلا
والجارُّ والمجرورُ في قولِهِ: (وَبِالْفُعَلِّيلَةِ افْعَلَلَّ قدْ جَعَلُوا) مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (مُسْتَغْنِياً)، أيْ: وإنَّ العربَ قدْ جَعَلُوا افْعَلَلَّ السداسيَّ المبدوءَ بالهمزةِ كَاقْشَعَرَّ وَاطْمَأَنَّ وَاسْتَقَرَّ مُسْتَغْنِياً عن الافْعِلاَّلِ الذي هوَ القياسُ فيهِ كالاقْشِعْرَارِ والاطْمِئْنَانِ والاسْتِقْرَارِ بالفُعَلِّيلَةِ بضمِّ الفاءِ وتشديدِ اللامِ الأُولَى، كَالْقُشَعْرِيرَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، أيْ: مُسْتَغْنِياً جوازاً وسماعاً، (لا لُزُوماً)، أيْ: لا وجوباً وقياساً. وقولُهُ: (فَاعْرِفِ المُثُلا) بضمِّ الميمِ والثاءِ جمعُ مِثَالٍ، أيْ: فَاعْرِفْ أيُّها الصرفيُّ الأوزانَ المقيسةَ المُطَّرِدَةَ من السماعيَّةِ النادرةِ، والقصدُ منهُ تكميلُ القافيَةِ، وما ذكَرَهُ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى منْ أنَّ القُشَعْرِيرَةَ ونحْوَها منْ أمثلةِ المصادرِ لَعَلَّهُ اخْتِيَارُهُ وَمَذْهَبُهُ، وإلاَّ فمذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّها لَيْسَتْ بمصادرَ حقيقةً، وإنَّما هيَ أسماءُ مصدرٍ وُضِعَتْ مَوْضِعَهُ كما في اغْتَسَلَ غُسْلاً، وَتَوَضَّأَ وُضُوءاً، والمصدرُ الحقيقيُّ اغْتِسَالاً وتَوَضُّؤاً.
الإعرابُ:
(وبِالْفُعَلِّيلَةِ): الواوُ استئنافيَّةٌ، بالفُعَلِّيلَةِ جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمُسْتَغْنِياً الآتي، (افْعَلَلَّ): مفعولٌ أوَّلُ مَحْكِيٌّ لجعَلُوا، (قدْ): حرفُ تقليلٍ، (جَعَلُوا): فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ مُستأنفةٌ، (مُسْتَغْنِياً): مفعولٌ ثانٍ لجَعَلُوا، (لا): عاطفةٌ، (لُزُوماً): معطوفٌ على محذوفٍ تقديرُهُ: جوازاً على كَوْنِهِ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ جوازاً تقديرُهُ: قدْ جَعَلُوا مُسْتَغْنِياً استغناءَ ذا جوازٍ وسماعٍ لا ذا لُزُومٍ وقياسٍ، (فَاعْرِف): الفاءُ استئنافيَّةٌ، اعْرِفْ: فعلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ وجوباً تقديرُهُ: (أنتَ)، والجملةُ مُستأنفةٌ، (المُثُلا): مفعولٌ بهِ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:
لِفَاعَلَ اجْعَلْ فِعَالاً أوْ مُفَاعَلَةً = وَفِعْلَةٌ عَنْهُما قدْ نابَ فَاحْتُمِلا
ثمَّ أشارَ إلى مصدرِ الرباعيِّ المزيدِ فيهِ الألفُ بينَ فَائِهِ وعَيْنِهِ بقولِهِ: (لِفَاعَلَ اجْعَلْ فِعَالاً أوْ مُفَاعَلَةً)، أي: اجعلْ أيُّها الصَّرْفيُّ مُوَازِنَ فِعَالٍ بكسرِ الفاءِ مُخَفَّفاً أوْ مُوَازِنَ مُفَاعَلَةٍ مَصْدَراً مقيساً لفاعلِ الرباعيِّ الذي هوَ مزيدُ الثلاثيِّ، نحوُ: قَاتَلَهُ قِتَالاً ومُقَاتَلَةً، وَجَادَلَهُ جِدَالاً وَمُجَادَلَةً، وَنَازَعَهُ نِزَاعاً وَمُنَازَعَةً. وَظَاهِرُ كَلامِهِ هنا وفي الخُلاصَةِ أنَّ كُلاًّ مِن المصدَرَيْنِ مقيسٌ، ولكنَّ المنقولَ عنْ سِيبَوَيْهِ أنَّ المقيسَ هوَ المُفَاعَلَةُ لتَعَيُّنِهَا غالباً فيما فاؤُهُ ياءٌ، نحوُ: يَاسَرَهُ مُيَاسَرَةً إذا لايَنَهُ وسَاهَلَهُ أوْ جاءَ عنْ يَسَارِهِ، وَيَامَنَهُ مُيَامَنَةً إذا ذَهَبَ بهِ ذاتَ اليَمِينِ، ويَاوَمَهُ مُيَاوَمَةً إذا عَامَلَهُ بالأَيَّامِ، ويَمْتَنِعُ فيهِ الفِعَالُ لاستثقالِ الكسرةِ على الياءِ، وشذَّ ما حكاهُ ابنُ سِيدَهْ منْ قوْلِهم: يَاوَمَهُ مُيَاوَمَةً ويِوَاماً.
ثمَّ أشارَ إلى المصدرِ السماعيِّ في فَاعَلَ بقولِهِ: (وَفِعْلَةٌ) بكسرِ الفاءِ (عَنْهُما)، أيْ: عن الفِعَالِ والمُفَاعَلَةِ، (قدْ نَابَ) في مصدرِ فَاعَلَ، أيْ: مُوَازِنُ فِعْلَةٍ قدْ يَنُوبُ عنهما في مصدرِ فَاعَلَ، (فَاحْتُمِلا): بِأَلِفِ الإطلاقِ، أيْ: نُقِلَ مُوَازِنُ فِعْلَةٍ عن العربِ في مصدرِ فَاعَلَ الرباعيِّ، نحوُ: مَارَاهُ مِرْيَةً إذا جَادَلَهُ ونَازَعَهُ، والقياسُ مِرَاءً ومُمَارَاةً. ومن المصادرِ السماعيَّةِ لفَاعَلَ الفِيعَالُ بكسرِ الفاءِ، ولمْ يَذْكُرْهُ المُصنِّفُ كَالْقِيتَالِ بزيادةِ الياءِ بعدَ التاءِ، وكأنَّهُم أَرَادُوا أنْ يَزِيدُوا في المصدرِ ما زَادُوا في الماضي لِكَوْنِهِ جارياً على الفِعْلِ، إلاَّ الألفَ قُلِبَتْ ياءً لانكسارِ ما قَبْلَها.
الإعرابُ:
(لِفَاعَلَ): اللامُ حرفُ جرٍّ، فَاعَلَ: مجرورٌ مَحْكِيٌّ باللامِ، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بقولِهِ: (اجْعَلْ)، على كَوْنِهِ مفعولاً ثانياً لهُ، وهوَ فعلُ أمرٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ وجوباً تقديرُهُ: (أنتَ)، والجملةُ مُستأنفةٌ، (فِعَالاً): مفعولٌ أَوَّلُ لاجْعَلْ، (أَوْ): حرفُ عطفٍ وتفصيلٍ، (مُفَاعَلَةً): معطوفٌ على فِعَالاً، (وَفِعْلَةٌ): الواوُ استئنافيَّةٌ، فِعْلَةٌ: مبتدأٌ، وَسَوَّغَ الابتداءَ بالنكرةِ وُقُوعُهُ في معرضِ التفصيلِ، (عَنْهُما): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بقولِهِ: (قدْ نَابَ)، قدْ: حرفُ تقليلٍ، نابَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على (فِعْلَةٌ)، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الرفعِ خبرُ المبتدأِ تقديرُهُ: وَفِعْلَةٌ نَائِبٌ عنهما قليلاً، والجملةُ الاسميَّةُ مُستأنفةٌ، (فَاحْتُمِلا): الفاءُ عاطفةٌ، احْتُمِلا: فعلٌ ماضٍ مُغَيَّرُ الصيغةِ، ونائبُ فاعلِهِ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على فِعْلَةٌ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الرفعِ معطوفةٌ على جملةِ قولِهِ: قدْ نابَ، على كَوْنِها خبرَ المبتدأِ تقديرُهُ: وفِعْلَةٌ نائبٌ عنهما قليلاً فَمُحْتَمَلٌ عن العربِ ومنقولٌ عنهم، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:

ما عَيْنُهُ اعْتَلَّتِ الإِفْعَالُ منهُ وَالاسْـ = ـتِفْعَالُ بِالتَّا وَتَعْويضٌ بها حَصَلا
من المُزَالِ وإنْ تُلْحَقْ بغَيْرِهِما = تَبِنْ بِها مَرَّةٌ من الذي عُمِلا
والنوعُ السابعُ الرباعيُّ المزيدُ فيهِ همزةُ القطعِ وهوَ أَفْعَلَ، فَمَصْدَرُهُ الإِفْعَالُ إنْ كانَ صحيحَ العينِ كَأَكْرَمَ إِكْرَاماً، وأَعْلَمَ إِعْلاماً، وقدْ ذَكَرْنَا أوائلَ الفصلِ أنَّ الناظمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى لمْ يَذْكُرْهُ وكأنَّهُ ذَهَلَ عنهُ، أمَّا المُعتلُّ منهُ والمُعتلُّ من اسْتَفْعَلَ فقدْ أشارَ إلى مصدَرِهِما بقولِهِ: (مَا عَيْنُهُ اعْتَلَّتْ)، أي: الفعلُ الماضي الذي صَارَتْ عَيْنُهُ حرفَ علَّةٍ، (الإِفْعَالُ) المَصُوغُ (مِنْهُ)، أيْ: من الفعلِ الماضي إنْ كانَ على وَزْنِ أَفْعَلَ، (والاسْتِفْعَالُ) المَصُوغُ منهُ إنْ كانَ على وَزْنِ اسْتَفْعَلَ مُلْتَبِسَانِ (بالتاءِ)، أيْ: بتاءِ التأنيثِ، (وَتَعْوِيضٌ بها حَصَلا مِن المُزَالِ)، أيْ: وجَعْلُ التاءِ عِوَضاً عن العينِ المحذوفةِ فيهما حَاصِلٌ.
أمَّا المُعتلُّ منْ أَفْعَلَ كَأَعَانَ وَأَقَامَ، فَيَجِيءُ مصدَرُهُ على قياسِ مصدرِ الصحيحِ، لكنْ تَسْقَطُ العينُ في مصدرِ المُعتلِّ لالتقاءِ الساكنَيْنِ، وهما الألفُ المُبْدَلَةُ منْ عيْنِهِ وألفُ الإِفْعَالِ المزيدةِ بينَ عَيْنِهِ وَلامِهِ للدلالةِ على المصدرِ؛ لأنَّ أَصْلَ أَعَانَ إِعَانَةً، وَأَقَامَ إِقَامَةً، أَعْوَنَ إِعْوَاناً، وَأَقْوَمَ إِقْوَاماً على وَزْنِ أَكْرَمَ إِكْرَاماً، فَنَقَلُوا حركةَ الواوِ إلى الساكنِ قَبْلَها فَانْقَلَبَتِ الواوُ أَلِفاً لتَحَرُّكِهَا في الأصلِ وانفتاحِ ما قَبْلَها الآنَ، فاجتمعَ ألفانِ فَحُذِفَت الأُولَى منهما، أعْنِي المُبْدَلَةَ من الواوِ، عندَ الأخفشِ والفَرَّاءِ؛ لأنَّ حذفَ حرفِ العلَّةِ أَوْلَى منْ حذفِ حرفٍ زِيدَ للدلالةِ على المصدرِ ؛ لِئَلاَّ تَفُوتَ الدلالةُ عليهِ بحَذْفِهِ، وحُذِفَت الثانيَةُ عندَ سِيبَوَيْهِ والخليلِ، أَعْنِي المزيدةَ، للدلالةِ على المصدرِ؛ لأنَّ حذفَ الزائدةِ أَوْلَى منْ حذفِ الأصلِ، فصارَ إِعَاناً وإِقَاماً، فَعَوَّضُوا عن الألفِ المحذوفةِ تاءَ التأنيثِ، فصارَ إِعَانَةً وَإِقَامَةً، وأمَّا المُعتلُّ من اسْتَفْعَلَ كَاسْتَعَانَ وَاسْتَقَامَ، فَيَجِيءُ مَصْدَرُهُ على قياسِ مصدرِ صحيحِهِ أيضاً، لكنْ تَسْقُطُ العينُ في مصدرِ المُعتلِّ فَأَصْلُ اسْتَعَانَ اسْتِعَانَةً، وَاسْتَقَامَ اسْتِقَامَةً، اسْتَعْوَنَ اسْتِعْوَاناً، وَاسْتَقْوَمَ اسْتِقْوَاماً، على وَزْنِ اسْتَخْرَجَ اسْتِخْرَاجاً، فَنَقَلُوا حركةَ الواوِ إلى الساكنِ قَبْلَها، فَانْقَلَبَت الواوُ ألفاً لتحَرُّكِها في الأصلِ وانفتاحِ ما قبْلَها الآنَ، فاجتمعَ ألفانِ فَحُذِفَت الأُولَى منهما، أَعْنِي المُبْدَلَةَ من الواوِ، عندَ الأخفشِ والفَرَّاءِ لِمَا تقدَّمَ، والثانيَةُ أعني المزيدةَ للمصدرِ عندَ سِيبَوَيْهِ والخليلِ لِمَا مرَّ أيضاً، فصارَ اسْتِعَاناً وَاسْتِقَاماً، فَعَوَّضُوا عن الألفِ المحذوفةِ تاءَ التأنيثِ، فصارَ اسْتِعَانَةً وَاسْتِقَامَةً.
والغالبُ لُزُومُ هذهِ التاءِ كما قالَ في الخُلاصةِ: وغالباً ذَا التَّا لُزِمْ. ورُبَّما حَذَفُوها شُذُوذاً من الإِفْعَالِ، فقالُوا: أَقَامَ إِقَاماً وَأَجَابَ إِجَاباً، ويَكْثُرُ حذْفُها منهُ معَ الإضافةِ، نحوَ قوْلِهِ تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ}، ولمْ أرَ مَنْ نَقَلَ حَذْفَهَا من الاسْتِفْعَالِ.
ورُبَّما جَاءُوا بالمصدرِ منْ أَفْعَلَ وَاسْتَفْعَلَ المُعْتَلَّيْنِ على وَزْنِ مصدرِ الصحيحِ منهما، نحوَ: أَغْيَمَت السماءُ إِغْيَاماً إذا صَارَتْ ذاتَ غَيْمٍ، وَاسْتَحْوَذَ عليهِ اسْتِحْوَاذاً إذا غَلَبَهُ واسْتَوْلَى عليهِ، والقياسُ اسْتَحَاذَ اسْتِحَاذَةً وَأَغَامَتْ إِغَامَةً.
وخرجَ بالإِفْعَالِ وَالاسْتِفْعَالِ الانْفِعَالُ والافْتِعَالُ اللَّذَانِ هما مصدرُ الخماسيِّ المبدوءِ بهمزةِ الوصلِ كَانْطَلَقَ انْطِلاقاً وَاقْتَدَرَ اقْتِدَاراً؛ فَإِنَّ مصدَرَهُما منْ مُعتلِّ العينِ يَجِيءُ على وَزْنِ مصدرِ صَحِيحِهِما منْ غيرِ حذفٍ ولا زيادةٍ كَانْقَادَ انْقِيَاداً وَاعْتَادَ اعْتِيَاداً.
ولمَّا فرغَ من الكلامِ على مصادرِ ما زادَ على الثلاثيِّ أَتْبَعَهَا بذِكْرِ المرَّةِ منهُ، ولمْ يَتَعَرَّضْ لِلْهَيْئَةِ منهُ؛ لأنَّها شَاذَّةٌ فيهِ، فقالَ: (وَإِنْ تُلْحَقْ) التاءُ (بغَيْرِهِما)، أيْ: بغيرِ الإِفْعَالِ وَالاسْتِفْعَالِ المُعتلِّ العينِ منْ نَحْوِ: الإِقَامَةِ والاسْتِقَامَةِ، أيْ: وإذا أُلْحِقَت التاءُ بغَيْرِهِما منْ سائرِ المصادرِ المَقِيسةِ المذكورةِ في هذا الفصلِ التي لَيْسَتْ فيها تاءٌ (تَبِنْ بِهَا)، أيْ: تَظْهَرْ وتُعْلَمْ بتلكَ التاءِ، (مَرَّةٌ) واحدةٌ (من) مَرَّاتِ الحَدَثِ (الذي عُمِلا) وفُعِلَ، وهوَ مدلولُ المصدرِ، وذلكَ نحوُ: اسْتَخْرَجَ اسْتِخْرَاجَةً، وانْطَلَقَ انْطِلاقَةً، وتَدَحْرَجَ تَدَحْرُجَةً، وعَلَّمَهُ تَعْلِيمَةً، وَأَكْرَمَهُ إِكْرَامَةً مثلاً، فالتاءُ في ذلكَ كُلِّهِ للدلالةِ على المرَّةِ، فخرجَ بقوْلِنا: المقيسةِ. السماعيَّةُ، فلا تقولُ: طَوَّفَ تَطْوَافَةً وتَمَلَّقَ تِمِلاَّقَةً وكَذَّبَ كِذَّابَةً مثلاً، وبقَوْلِنَا: التي لَيْسَتْ فيها تاءٌ المصادرُ التي فيها تاءٌ كالفَعْلَلَةِ والمُفَاعَلَةِ والتَّفْعِلَةِ؛ فإنَّ المرَّةَ فيها لا تَظْهَرُ إلاَّ بوصفِ الواحدةِ كما سيأتي في البيتِ التالي.
الإعرابُ:
(ما): موصولةٌ أوْ موصوفةٌ في محلِّ الرفعِ مبتدأٌ أَوَّلُ، (عَيْنُهُ): مبتدأٌ ومضافٌ إليهِ، (اعْتَلَّتْ): اعْتَلَّ فعلٌ ماضٍ، التاءُ: علامةُ تأنيثِ الفاعلِ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ هيَ، يعودُ على (عَيْنُهُ)، والجملةُ الفعليَّةُ خبرٌ لِـ (عَيْنُهُ) تقديرُهُ: ما عَيْنُهُ مُعتلَّةٌ، والجملةُ الاسميَّةُ صِلةٌ لِمَا أوْ صفةٌ لها، (الإِفْعَالُ): مبتدأٌ ثانٍ، (مِنْهُ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ من الإِفْعَالِ تقديرُهُ: حالةَ كونِهِ مَصُوغاً منهُ أوْ صفةً لهُ، تقديرُهُ: المَصُوغُ منهُ، (وَالاسْتِفْعَالُ): الواوُ عاطفةٌ، الاسْتِفْعَالُ: معطوفٌ على (الإِفْعَالُ)، (بِالتَّا): الباءُ حرفُ جرٍّ، التَّا: مجرورٌ بالباءِ بكسرةٍ ظاهرةٍ على الهمزةِ المحذوفةِ لضرورةِ النظمِ، الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ للمبتدأِ الثاني تقديرُهُ: مُلْتَبِسَانِ بالتاءِ، والجملةُ من المبتدأِ الثاني وخبرِهِ في محلِّ الرفعِ خبرٌ للمبتدأِ الأوَّلِ، وجملةُ الأوَّلِ وخَبَرُهُ مُستأنفةٌ، (وتَعْوِيضٌ): الواوُ استئنافيَّةٌ، تَعْوِيضٌ: مبتدأٌ، وسَوَّغَ الابتداءَ بهِ عَمَلُهُ فيما بعْدَهُ، (بها): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بتعويضٌ، (حَصَلا): فعلٌ ماضٍ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على تعويضٌ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الرفعِ خبرُ المبتدأِ تقديرُهُ: حَاصِلٌ، والجملةُ الاسميَّةُ مُستأنفةٌ، (مِن المُزَالِ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِتَعْوِيضٌ، ومنْ بمعنى عنْ، (وإِن): الواوُ استئنافيَّةٌ، إنْ حرفُ شرطٍ، (تُلْحَقْ): فعلٌ مضارعٌ مُغَيَّرُ الصيغةِ مجزومٌ بإنْ على كَوْنِهِ فعلَ شرطٍ لها، ونائبُ فاعلِهِ مستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ هيَ يعودُ على التاءِ، (بغَيْرِهِما): جارٌّ ومجرورٌ ومضافٌ إليهِ متعلِّقٌ بِـ(تُلْحَقْ)، (تَبِنْ): فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بإنْ على كَوْنِهِ جوابَ شرطٍ لها، (بها): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِـ(تَبِنْ)، (مرَّةٌ): فاعلٌ لِـ(تَبِنْ)، وجملةُ إن الشرطيَّةِ منْ فِعْلِ شرْطِها وجَوَابِها مُستأنفةٌ، (من الَّذِي): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٍ لِمَرَّةٌ تقديرُهُ: مَرَّةٌ كائنةٌ من الَّذِي، (عُمِلا): فعلٌ ماضٍ مُغَيَّرُ الصيغةِ، ونائبُ فاعلِهِ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على الموصولِ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، والجملةُ الفعليَّةُ صلةُ الموصولِ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونَفَعَنَا بعُلومِهِ آمِينَ:
ومرَّةُ المصدرِ الذي تُلازِمُهُ = بِذِكْرِ واحدةٍ تَبْدُو لمَنْ عَقَلا
ثمَّ شرعَ في بيانِ مرَّةِ المصادرِ التي فيها تاءٌ، فقالَ: (ومرَّةُ المصدرِ الذي) تُلابِسُهُ التاءُ و(تُلازِمُهُ) قياساً، سواءٌ كانَ ذلكَ المصدرُ قِيَاسِيًّا كَالْفَعْلَلَةِ والمُفَاعَلَةِ والتَّفْعِلَةِ، أوْ سماعيًّا كالفُعَلِّيلَةِ، وقولُهُ: (بذِكْرِ واحدَةٍ) متعلِّقٌ بقولِهِ: (تَبْدُو لمَنْ عَقَلا)، وهوَ خبرُ المبتدأِ، أيْ: تَظْهَرُ مَرَّتُهُ بذكرِ لفظِ واحدةٍ وَصْفاً لذلكَ المصدرِ، وتُعْلَمُ بهِ لمَنْ عَقَلَ وعَرَفَ قانونَ هذا الشأنِ واصطلاحَ أَرْبَابِهِ فيها، وذلكَ نحوُ: دَحْرَجَ دَحْرَجَةً واحدةً، وقَاتَلَ مُقَاتَلَةً وَاحِدَةً، وزَكَّى تَزْكِيَةً واحدةً، واقْشَعَرَّ قُشَعْرِيرَةً واحدةً، وَاطْمَأَنَّ طُمَأْنِينَةً واحدةً.
الإعرابُ:
(ومَرَّةُ): الواوُ استئنافيَّةٌ، مرَّةُ: مبتدأٌ ومضافٌ، (المصدَرِ): مضافٌ إليهِ، (الذي): اسمٌ موصولٌ في محلِّ الجرِّ صفةٌ للمصدرِ، (تُلازِمُهُ): تُلازِمُ فعلٌ مضارعٌ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ هيَ، يعودُ على التاءِ، والهاءُ ضميرٌ مُتَّصلٌ في محلِّ النصبِ مفعولٌ بهِ، والجملةُ الفعليَّةُ صلةُ الموصولِ، (بذِكْرِ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِتَبْدُو الآتي، وهوَ مضافٌ، (وَاحِدَةٍ): مضافٌ إليهِ، (تَبْدُو): فعلٌ مضارعٌ مُعتلٌّ بالواوِ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ هيَ، يعودُ على المرَّةِ، والجملةُ الفعليَّةُ في محلِّ الرفعِ خبرُ المبتدأِ تقديرُهُ: باديَةٌ وظاهرةٌ بذكرِ واحدةٍ، (لِمَنْ): جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِتَبْدُو، (عَقَلا): فعلٌ ماضٍ، والألفُ حرفُ إطلاقٍ، وفاعِلُهُ مُستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يعودُ على مَنْ، والجملةُ صلةُ الموصولِ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir