بسم الله الرحمن الرحيم
تطبيق على الأسلوب الاستنتاجي
الحمد لله الكريم المنان ، قال فى محكم تنزيله { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } ص (٢٩) ، وقال تعالى : { إن هذا القرآن يهدى للتى هي أقوم ويبشر المؤمنين ... } الإسراء (٩) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
يقول تبارك وتعالى: { يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } الجن (٢)
أخرج ابن جرير وغيره فى سبب نزول الآية عن ابن عباس في قصة استماع الجن للقرآن وإيمانهم به، ورجوعهم إلى قومهم مبشرين بعجائب القرآن ومنذرين ، وقد امتنعوا من استراق خبر السماء، فأخبر الله نبيه بما كان من أمر الجن .
وفى هذه الآية فوائد جليلة وأحكام ومسائل منها على سبيل المثال :
قوله تعالى : { يهدى إلى الرشد ... }
يستنتج من هذا الشطر ما يلى : -
١- العلم بالحق والوقوف عليه يستلزم العمل به والإذعان له .
٢- فمن علم الحق وأخلص له النية والقصد وتوفر له وسائل اتباعه ، وسلوك طريقه، فإنه سبحانه وتعالى يوفقه بالهداية ، كقوله تعالى :{ ، فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى }. الليل (٧)
ويعنى هذا أن من الحق وتوفرت الوسائل لديه ، فتولى عنها مدبرا متكبرا فإن الله يضله ويهديه إلى عذاب السعير ، كقوله تعالى : { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } الليل (٨)
والجزاء من جنس العمل .
٣- بلوغ الرشاد غاية كل مؤمن ، والقرآن الكريم وسيلة توصل إليه ، فحري لأولى الألباب أن يسلكوها بقلب خاشع خالص وعقل واع منير ، وبإذن الله تعالى يوفق الله كلا للهداية والرشاد .
٤- الرشاد إلهام من الله سبحانه يقذفه فى قلب من يشاء من عباده ومن ثم لا يتأتى هذا الإلهام إلا مع صدق النية والقصد .
٥- الإرشاد والرشاد اسم يشمل كل ما هو خير وصالح للإنسانية ، فيستلزم السعي إليه بالجدية .
٦- وجوب الإيمان بهدايات القرآن وإرشاداته القيمة مما يعين على معرفة الله تعالى والوقوف على شرائعه واتوقى من منهياته .
٧- من الناس من يعبد الله على حرف والشك والريب ، فهؤلاء لا يتوفر لديهم الهداية الكاملة إلا بحسب ما معهم من اليقين فى الله .
٨- معلوم أن إيمان العبد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وعليه يزداد هدايات القرآن للعبد للعكوف معه ليل نهار ، ويضمحل هداياته وينقص ويتلاشى فيصبح اللا شيء إن هو استأثر غير القرآن .
٩- القرآن الكريم مبين بيانا تاما لسبل الفلاح ويهدى إليها .
قوله تعالى: { فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا }
ويستنتج من هذا الشطر ما يلى : -
١- أن الإيمان بالله تعالى يستلزم نبذ كل ما يعبد من دونه كائن من كان ، والإيمان هو التصديق الجازم والقصد ، فيجب الإذعان لمقتضاه .
وفى الباب بيان أن من الجان مؤمنين صادقين .
٢- وجوب طاعة الله والإسراع إليها ، كما فى قوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ... } آل عمران (١٣٣) ، فقد انقاد الجن إلى ذلك وأذعنوا له .
٣- للعبد حرية التصرف فى أمره بأن يختار ما بدى له ، كما فى قوله تعالى : { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ... } الكهف (٢٩) ومشيئة العبد تبع لمشيئة الله ، { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .الإنسان (٣٠) / التكوير (٢٩)
٤- الثبات على الحق بعدما تبين والصمود عليه ، بألا يرجع العبد إلى الكفر والإلحاد بعد الإيمان و { قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ... }البقرة ٢٥٦
٥- التوحيد أساس الدين ، وهو إثبات بوحدانية الله تعالى ونفي عنه كل ما يعبد من دونه تعالى .
٦- أن من أهم أركان الإيمان :
• إفراده تعالى بالتوحيد بالعبادة .
• عدم الإشراك معه سبحانه وتعالى .
فيعنى ذلك عدم اتخاذ شريك ولا ند ، لا فى عبادته ولا فى صفاته وأسمائه فـ { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } .الشورى (١١)
وقوله : { أحدا } فى سياق النفي يفيد العموم والشمول ، فلا بشرك فى حكمه أحدا كائن من كان .