52/303 - وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ))، وَعَنْ شِمَالِهِ: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)).
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
(وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ).
هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَنَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ إلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، فَأَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ، وَهُنَا قَالَ: صَحِيحٌ. وَرَاجَعْنَا سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ فَرَأَيْنَاهُ رَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَالْحَدِيثُ سَالِمٌ عَنْ الانْقِطَاعِ، فَتَصْحِيحُهُ هُنَا هُوَ الْأَوْلَى، وَإِنْ خَالَفَ مَا فِي التَّلْخِيصِ.
وَحَدِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ رَوَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِن الصَّحَابَةِ بِأَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ، فَفِيه صَحِيحٌ، وَحَسَنٌ، وَضَعِيفٌ، وَمَتْرُوكٌ، وَكُلُّهَا بِدُونِ زِيَادَةِ: وَبَرَكَاتُهُ. إلاَّ فِي رِوَايَةِ وَائِلٍ هَذِهِ، وَرِوَايَةٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ.
وَمَعَ صِحَّةِ إسْنَادِ حَدِيثِ وَائِلٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا يَتَعَيَّنُ قَبُولُ زِيَادَتِهِ؛ إذْ هِيَ زِيَادَةُ عَدْلٍ.
وَعَدَمُ ذِكْرِهَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ لَيْسَتْ رِوَايَةً لِعَدَمِهَا.
قَالَ الشَّارِحُ: إنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ قَالَ بوُجُوبَ زِيَادَةِ: وَبَرَكَاتُهُ ، إلاَّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: إذَا زَادَ: وَبَرَكَاتُهُ وَرِضْوَانُهُ وَكَرَامَتُهُ أَجْزَأَ؛ إذْ هي زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْوَارِدَ زِيَادَةُ: وَبَرَكَاتُهُ ، وَقَدْ صَحَّتْ، وَلاَ عُذْرَ عَن الْقَوْلِ بِهَا، وَقَالَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ، وَالْإِمَامُ، وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ.
وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلاَحِ: إنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ. قَدْ تَعَجَّبَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ: هِيَ ثَابِتَةٌ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: إلاَّ أَنَّهُ قَالَ ابْنُ رَسْلاَنَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: لَمْ نَجِدْهَا فِي ابْنِ مَاجَهْ.
قُلْتُ: رَاجَعْنَا سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مَقْرُوءَةٍ، فَوَجَدْنَا فِيهِ مَا لَفْظُهُ: بَابُ التَّسْلِيمِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أبي إِسْحَاقَ، عَن ابنِ الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ,أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)). انْتَهَى بِلَفْظِهِ.
وَفِي (تَلْقِيحُ الْأَفْكَارِ تَخْرِيجُ الْأَذْكَارِ) لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ لَمَّا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ زِيَادَةَ: وَبَرَكَاتُهُ. زِيَادَةٌ فَرْدَةٌ، سَاقَ الْحَافِظُ طُرُقاً عِدَّةً لِزِيَادَةِ: وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ ثَبَتَتْ بِهَا: وَبَرَكَاتُهُ. بِخِلاَفِ مَا يُوهِمُهُ كَلاَمُ الشَّيْخِ أَنَّهَا رِوَايَةٌ فَرْدَةٌ. انْتَهَى كَلاَمُهُ.
وَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)). وَثَبَتَ حَدِيثُ: ((تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا السَّلاَمُ)). أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ لِذَلِكَ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ: الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عمرٍو : ((إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِن السَّجْدَةِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ)).
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَاجِبٍ، وَإِلاَّ لَوَجَبَتِ الْإِعَادَةُ، وَلِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلاَتَهُ ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالسَّلاَمِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عمرٍو ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَه التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ. وَقَد اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ. وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلاَتَهُ لاَ يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ.
وَالِاسْتِدْلاَلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّلاَمِ اسْتِدْلاَلٌ غَيْرُ تَامٍّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ بَيَّنَ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ عُمِلَ بِهَا وَحْدَهَا لَمَا وَجَبَتِ الْقِرَاءَةُ وَلاَ غَيْرُهَا.
وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَى الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِيَةَ مَسْنُونَةٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ على أَنَّهُ لاَ يَجِبُ إلاَّ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِن اقْتَصَرَ عَلَيْهَا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ جَعَلَ الْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ، وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ.
وَلَعَلَّ حُجَّةَ الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ عَائِشَةَ ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَوْتَرَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إلاَّ فِي الثَّامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلاَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً. أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ لاَ يُعَارِضُ حَدِيثَ الزِّيَادَةِ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ قَبُولِ الزِّيَادَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ عَدْلٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: أَنَّ الْمَسْنُونَ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ضَعْفَ أَدِلَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مِن الْأَحَادِيثِ.
وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى كِفَايَةِ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ عَمَلٌ تَوَارَثُوهُ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ عَمَلَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَوْلُهُ: "عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ" أي: مُنْحَرِفاً إلَى الْجِهَتَيْنِ، بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ سَعْدٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى صَفْحَةِ خَدِّهِ. وَفِي لَفْظٍ: حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.