5/1305 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
النَّهْيُ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَتَرْجَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَهُ بِبَابِ كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ.
وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بِبَابِ: هَلْ يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ يُفْتِي الْمُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ؟ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِالْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ نَظَراً إلَى الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا رَتَّبَ النَّهْيَ عَلَى الْغَضَبِ، وَالْغَضَبُ بِنَفْسِهِ لا مُنَاسَبَةَ فِيهِ لِمَنْعِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِحُصُولِهِ، وَهُوَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ، وَمَشْغَلَةُ الْقَلْبِ عَن اسْتِيفَاءِ مَا يَجِبُ مِن النَّظَرِ، وَحُصُولُ هَذَا قَدْ يُفْضِي إلَى الْخَطَأِ عَن الصَّوَابِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ مَعَ كُلِّ غَضَبٍ، وَمَعَ كُلِّ إنْسَانٍ، فَإِنْ أَفْضَى الْغَضَبُ إلَى عَدَمِ تَمْيِيزِ الْحَقِّ مِن الْبَاطِلِ فَلا كَلامَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَى هَذَا الْحَدِّ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الْكَرَاهَةُ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ مَرَاتِبِ الْغَضَبِ، وَلا بَيْنَ أَسْبَابِهِ. وَخَصَّهُ الْبَغَوِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ الْغَضَبُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالَى، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ يُؤْمَنُ مَعَهُ مِن التَّعَدِّي، بِخِلافِ الْغَضَبِ لِلنَّفْسِ.
وَاسْتَبْعَدَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِمُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي لأَجْلِهِ نَهَى عَن الْحُكْمِ مَعَهُ. ثُمَّ لا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَأَنَّ جَعْلَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ صَارِفَةً إلَى الْكَرَاهَةِ بَعِيدٌ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ غَضَبِهِ فِي قِصَّةِ الزُّبَيْرِ، فَلِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ عِصْمَتَهُ مَانِعَةٌ عَنْ إخْرَاجِ الْغَصْبِ لَهُ عَن الْحَقِّ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَيْضاً عَدَمُ نُفُوذِ الْحُكْمِ مَعَ غَضَبِهِ؛ إذ النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ النَّهْيِ لِلذَّاتِ وَالنَّهْيِ لِلْوَصْفِ كَمَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ غَيْرُ وَاضِحٍ كَمَا قُرِّرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ.
وَقَدْ أُلْحِقَ بِالْغَضَبِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ الْمُفْرَطَانِ+؛ لِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِمُ الْعُمَرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا يَقْضِي الْقَاضِي إِلاَّ وَهُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ))، وَكَذَلِكَ أُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَا يَشْغَلُ الْقَلْبَ، وَيُشَوِّشُ الْفِكْرَ، مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ أَو الْهَمِّ أَو الْمَرَضِ أَوْ نَحْوِهَا.