658- (وَكُنْ لجمعٍ مُشْبِهٍ مُفَاعِلا = أو المفاعيلَ بِمَنْعٍ كَافِلا)
"كافلًا" خبرُ "كُنْ"، وبِمَنْعٍ: متعلقٌ بـ "كَافِلَا" وكذَا "لجمعٍ" و"مُفَاعِل" مفعولٌ بمشْبِهٍ.
يَعْنِي أنَّ مَا يُمْنَعُ مِنَ الصرفِ الجمعُ المُشْبِهُ مَفَاعِلَ أو مَفَاعَيلَ، أيْ: في كونِ أوَّلِهِ مفتوحًا وثالِثِهِ ألفًا غيرَ عِوَضٍ يَلِيها كسرٌ غيرُ عَارِضٍ ملفوظًا أو مقدرٍ علَى أوَّلِ حرفينِ بعدَهَا أو ثلاثةٍ أوسَطُهَا ساكنٌ غيرُ مَنْوِيٍّ بِهِ وبِمَا بَعْدَهُ الانفصالُ، فإنَّ الجمعَ متى كانَ بهذِهِ الصفةِ كانَ فيهِ فرعيةُ اللفظِ بخروجِهِ عَنْ صِيَغِ الآحَادِ العربيةِ، وفرعيةِ المعنَى بالدلالةِ على الجَمْعِيَّةِ، فاسْتَحَقَّ منعَ الصرفِ،ووجهُ خروجِهِ عنْ صِيَغِ الآحَادِ العربيةِ أنَّكَ لا تَجِدُ مُفردًا ثالِثُهُ ألفٌ بعدَهَا حرفانِ أو ثلاثةٌ، إلا وأوَّلُهُ مضمومٌ كغُذَافِرَ، أو أَلِفُهُ عِوَضٌ مِنْ إحدى يَايَ النَّسَبِ، إما تحقيقًا كيَمَانٍ وشَآمٍ، فإنَّ أصلَهُمَا يَمَنِيٌّ وشَامِيٌّ فحُذِفَتْ إحْدَى الياءينِ وعُوِّضَ عنها الألفُ، أو تقديرًا نحو: تَهَامٍ وثَمَانٍ، فإنَّ ألِفَهَمُا موجودةٌ قَبْلُ، وكأنَّهُم نُسِبُوا إلى فَعِلٍ أو فَعْلٍ، ثُمَّ حَذَفُوا إحْدَى الياءينِ وعَوَّضُوا عنهَا الألفَ، أو مَا يَلِي الألفَ غيرَ مكسورٍ بالأصالةِ، بلْ إما مفتوحٌ كَبَراكَاه، أو مضمومٌ كتَدَارُكَ، أو عَارَضَ الكسرَ لأجلِ الاعْتِلَالِ كتَدَانٍ وتَوَانٍ، ومِنْ ثَمَّ صُرِفَ نحوَ عِبَالّ جمعِ عَبَالَّةِ، لأنَّ الساكنَ الذِي يَلِي الألفَ فيهِ لا حظَّ لَهُ في الحركةِ، والعَبَالَّةُ: الثِّقَلُ، يُقالُ: ألقَى عَبَالَّتَهَ، أيْ: ثِقَلَهُ، أو يكونُ ثَانِي الثلاثةِ متُحرِّكَ الوَسَطِ كطَوَاعِيَةٍ وكَرَاهِيَةٍ، ومنْ ثَمَّ صُرِفَ نحوَ: ملائكةٌ وصيارفةٌ، أو هو والثالثُ عارضانِ للنَّسَبِ مَنْوِيٌّ بهما الانفصالُ، وضابِطُهُ، أنْ لَا يَسْبِقَا الألفَ فِي الوجودِ، سواءٌ كانَا مسبوقينِ بِهَا كَرَبَاحِيَّ وظَفَارِيَّ، أو غيرَ مُنْفَكَّينِ كحَوَارِيِّ وهو الناصرُ، وحَوَالِيِّ وهو المُحتالُ، بخلافِ نحوِ قَمَارِيِّ وبَخَاتِيِّ، فإنَّهُ بمنزلةِ مَصَابِيْحَ.
وقدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ زِنَةَ مَفَاعِلَ ومَفَاعِيْلَ ليْسَتْ إلا لجمعٍ أو منقولٍ من جَمْعٍ كمَا سيأتِي.
وقدْ دخَلَ بِذِكْرِ التقديرِ نحوَ دَوَابُّ فإنَّهُ غيرُ منصرفٍ، لأنَّ أصلَهُ دَوَابِبُ، فهو عَلَى وزنِ مَفَاعِلَ تَقْدِيرًا.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: لا فرقَ في مَنْعِ مَا جَاءَ عَلَى أحدِ الوَزْنَيْنِ المذكورينِ بينَ أنْ يكونَ أوَّلُهُ مِيْمًا، نحوَ: مَسَاجِدُ ومصابيحُ، أو لم يكنْ نحوَ: دراهِمُ ودنانِيْرُ.
الثانِي: اشتراطُ كسرِ مَا بَعْدَ الألفِ مذهبُ سيبويهَ والجمهورِ، قالَ في (الارْتِشَافِ)، وذَهَبَ الزَّجَّاجُ إلى أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ ذلكَ، فأجَازَ فِي تكسيرِ هَبَيِّ، أنْ يُقَالَ هَبَايُّ بالإدغامِ، أيْ: ممنوعًا مِنَ الصرفِ، قال: وأصلُ الياءِ عندِي السِّكونُ ولولا ذلكَ لأَظْهَرْتُهَا.
الثالثُ: اتفقُوا علَى إِحْدَى العِلَّتَيْنِ هي الجمعُ، واختلفُوا فِي العلةِ الثانيةِ، فقَالَ أبو عَلِيٍّ: هي خروجُهُ عَنْ صيغِ الآحَادِ، وهَذَا الرأيُ هو الراجحُ، وهو معنَى قولِهِم: إنَّ هذِهِ الجمعيةَ قائمةٌ مَقَامَ عِلَّتَيْنِ.
وَقَالَ قومٌ: العلةُ الثانيةُ تَكْرَارُ الجمعِ تحقيقًا أو تَقْدِيرًا، فالتحقيقُ نحوَ: أكَالِبْ وأراهِطْ، إذ هُمَا جمعُ أَكْلُبَ وأَرْهُطَ والتقديرُ: نحوَ: مساجدَ ومنابرَ، فإنَّهُ وإنْ كانَ جَمْعًا مِنْ أوَّلِ وهْلَةٍ لكنَّهُ بِزِنَةِ ذلكَ المكررِ، أعْنِي أَكَالِبَ وأَرَاهِطَ، فكأنَّهُ أيضًا جَمْعُ جَمْعٍ، وهذَا اختيارُ ابنِ الحاجِبِ.
واسْتُضْعِفَ تعليلُ أبي عَلِيٍّ بأنَّ أَفْعَالًا وأَفْعُلًا نحوَ أفْرَاسٍ وأَفْلُسٍ جمعانِ، ولا نظيرَ لهُمَا فِي الآحَادِ وهما مصروفانِ. والجوابُ عَنْ ذلكَ مِنْ ثلاثةِ أَوْجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ أفْعَالًا وأَفْعُلًا يُجْمَعَانِ نحوَ: أَكَالِبَ وأَنَاعِمَ في أَكْلُبٍ وأَنْعَامَ،ٍ وأمَّا مَفَاعِلُ ومَفَاعِيْلُ فلا يُجْمَعَانِ، فقدْ جَرَى أَفْعَالُ وأَفْعُلُ مجْرَى الآحَادِ في جَوازِ الجمعِ، وقد نصَّ الزَّمَخْشَرَيُّ عَلَى أنَّهُ مَقِيْسٌ فِيْهِمَا.
الثانِي: أنَّهُمَا يُصَغَّرانِ عَلَى لفْظِهِمَا كالآحَادِ، نحوَ: أكَيْلِبُ وأَنَيْعَامُ، وأمَّا مَفَاعِلُ ومَفَاعِيْلُ فإنَّهُمَا إذا صُغِّرَا رُدَّا إلى الوَاحِدِ، أو إلى جَمْعِ القِلَّةِ، ثُمَّ بَعدَ ذلكَ يُصَغَّرانِ.
الثالثُ: أنَّ كُلًّا مِنْ أفْعَالَ وأَفْعُلَ لَهْ نظيرٌ مِنَ الآحَادِ يُوَازِنُهُ فِي الهيئةِ وعِدَّةِ الحروفِ، فأَفْعَالُ نظيرُهُ فِي فَتْحِ أَوَّلِهِ وزِيَادَةِ الألفِ رابعةً تَفْعَال نَحوَ: "تَجْوَالُ" و"تَطْوَافُ"، وفَاعَالِ، نحوَ: سَابَاطُ وخَاتَام، وفَعْلَال نحوَ: صَلْصَال وخَزْعَال، وأَفْعُل نظيرُهُ فِي فَتْحِ أوَّلِهِ وضمِّ ثالثِهِ تَفْعَل، نَحْوَ: تَتْفُلُ وتَنْضُبُ، ومَفْعُل، نحَو: مَكْرُم ومَهْلُك.
على أنَّ ابْنَ الحَاجِبِ لوْ سُئِلَ عَنْ مَلَائِكَةٍ، لَمَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُعَلِّلَ صَرْفَهُ إلا بَأَنَّ لَهُ فِي الآحَادِ نظيرًا نحوَ: طَوَاعِيَةً وكَرَاهِيَةً.
659- (وذَا اعْتِلَالٍ منهُ كالجَوَارِي = رَفْعًا وجَرًّا أَجْرِهِ كَسَارِي)
يَعْنِي مَا كَانَ مِنَ الجمعِ المُوَازِنِ مَفَاعِلَ مُعْتَلًا فَلَهُ حالتانِ: إحداهُمَا: أنْ يكونَ آخِرُهُ يَاءً قبلَهَا كسرةٌ، نحوَ: جَوَارٍ وغَوَاشٍ، والأخْرَى أنْ تُقْلَبَ يَاؤْهْ أَلِفًا، نحوَ: عَذَارَى ومَدَارَى.
فَالأوَّلُ: يَجْرِي فِي رفْعِهِ وجَرِّهِ مَجْرَى قَاضٍ وسَارٍ فِيِ حَذْفِ يائِهِ وَثُبُوْتِ تنوينِهِ نحوَ: {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}، {والفَجْرِ ولَيَالٍ عَشْرٍ} وفِي النَّصْبِ مَجْرَى دَرَاهِمَ فِي سَلَامَةِ آخِرِهِ وظهورِ فتحتِهِ، نحوَ:{سِيْرُوا فِيْهَا لَيَالِيَ}.
والثانِي: يُقَدَّرُ إعرابُهُ وَلَا يُنَوَّنُ بِحَالٍ، ولا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وهَذَا خَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ بقولِهِ كالجَوَارِي.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: اُخْتُلِفَ فِي تنوينِ جَوَارٍ ونحوِهِ، فذهَبَ سيِبْوَيْهُ إلى أنَّهُ تنوينُ عِوَضٍ عَنْ الياءِ المحذوفةِ، لا تنوينَ صَرْفٍ، وذَهَبَ المُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ إلى أنَّهُ عِوَضٌ عَنْ حَرَكَةِ الياءِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الياءُ لالتقاءِ الساكنينِ، وذَهَبَ الأخْفَشُ إلَى أنَّهُ تنوينُ صَرْفٍ، لأنَّ الياءَ لمَّا حُذِفَتْ تَخْفِيْفًا زَالتْ صيغةُ مَفَاعِل، وَبَقِيَ اللفظُ كَجَنَاحٍ فانصرفَ، والصحيحُ مذهبُ سِيْبَوَيْهَ، وأمَّا جَعْلُهُ عِوَضًا عَنِ الحركةِ فضعيفٌ، لأنَّهُ لو كانَ عِوَضًا عَنِ الحركةِ لكانَ التعويضُ عَنْ حركةِ الألفِ في نحوِ: مُوْسَى وعِيْسَى أَوْلَى، لأنَّ حاجةَ المُتَعَذَّرِ إلى التعويضِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَةِ المُتَعَسِّرِ، ولَأُلْحِقَ معَ الألفِ واللامِ كَمَا أُلْحِقَ معهَمُا تنوينُ التَّرَنُّمِ، واللازمُ منتفٍ فيهما، فكَذَا المَلْزُومُ، وأمَّا كونُهُ للصَّرُفِ فضعيفٌ أيضًا، إذِ المحذوفُ في قوَّةِ الوجودِ، وإلا لكانَ آخِرُ مَا بَقِي حرفَ إِعْرابٍ، واللازمُ كَمَا لا يَخْفَي مُنْتَفٍ.
فإنْ قُلْتَ: إذَا جُعِلَ عِوَضًا عَنِ الياءِ فَمَا سببُ حذفِهَا أوَّلًا؟
قُلْتُ: قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، لَمَّا كانتْ يَاءُ المَنْقُوصِ قدْ تُحذفُ تخفيفًا ويُكْتَفَى بالكسرةِ التي قَبْلَهَا، وكانَ المنقوصُ الذي لا يَنْصَرِفُ أثقلَ، التزمُوا فيْهِ مِنَ الحذفِ مَا كانَ جَائِزًا فِي الأَدْنَى ثِقَلًا، ليكونَ لزيادةِ الثِّقَلِ زِيَادَةُ أَثَرٍ، إذْ ليسَ بعدَ الجوازِ إلا اللزومُ، انتَهَى.
واعْلَمْ أنَّ مَا تَقَدَّمَ عَنِ المُبَرِّدِ ـ مِنْ أَنَّ التنوينَ عِوَضٌ عَنِ الحركةِ، هو المشهورُ عَنْهُ، كمَا نَقَلَ النَّاظِمُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) وقالَ الشَّارِحُ: ذَهَبَ المُبَرِّدُ إلى أنَّ فيمَا لا يَنْصرفُ تنوينًا مُقَدَّرًا، بدليلِ الرجوعِ إليه فِي الشِّعْرِ، وحَكَمُوا لَهُ فِي جَوَارٍ ونَحْوِهِ بِحُكْمِ الموجودِ وحَذَفُوا لأجلِهِ الياءَ فِي الرَّفْعِ والجرِّ لتَوَهُّمِ التقاءِ الساكنينِ، ثُمَّ عَوَّضُوا عَمَّا حُذِفَ التنوينَ وهو بَعِيْدٌ لأنَّ الحذفَ لمُلاقَاةِ ساكنٍ مُتَوَهَّمُ الوجودِ مِمَّا لم يُوجدْ لهُ نظيرٌ ولا يَحْسُنُ ارتكابُ مِثْلِهِ.
الثانِي: مَا ذُكِرَ مِنْ تنوينِ جوارٍ ونحوِهِ فِي الرفعِ والجرِّ متفقٌ عليهِ، نصَّ عَلَى ذلكَ الناظمُ وغيرُهُ، ومَا ذَكَرَهُ أبو عَلِيٍّ ـ مِنْ أَنَّ يُونُسَ ومَنْ وَافَقَهُ ذَهَبُوا إلى أَنَّهُ لا يُنَوَّنُ، ولا تُحْذَفُ ياؤُهُ وأنَّهُ يُجَرُّ بفتحةٍ ظاهرةٍ، وَهُمْ وإنَّمَا قالوا ذلكَ فِي العَلَمِ وسيَاتِي بيانُهُ.
الثالثُ: إذَا قُلْتَ: "مَرَرْتُ بِجَوَارٍ" فَعَلامةُ جرِّهِ فتحةٌ مقدرةٌ عَلَى الياءِ لأنَّهُ غيرُ مُنْصَرِفٍ، وإِنَّمَا قُدِّرَتْ مَعَ خِفَّةِ الفتحةِ لأنَّهَا نَابَتْ عَنِ الكسرةِ فاسْتُثْقِلَتْ لنِيَابَتِهَا عَنِ المُسْتَثْقَلِ، وقدْ ظهرَ أنَّ قولَهُ "كَسَارٍ" إنَّمَا هو في اللفظِ فقطْ، دونَ التقديرِ لأنَّ "سَارٍ" جرُّهُ بكسرةٍ مقدرةٍ وتنوينُهُ تنوينُ التمكينِ لا العِوَضِ، لأنَّهُ مُنصرفٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ أوَّلَ الكتابِ.
660- (ولِسراويلَ بهَذَا الجمعِ = شِبْهٌ اقْتَضَى عمومَ المنعِ)
اعْلِمْ:
أنَّ سراويلَ اسمٌ مفردٌ أَعْجَمِيٌّ جاءَ عَلَى وزنِ مَفَاعِيْلَ، فُمِنَع مِنَ الصرفِ لشَبَهِهِ بالجمعِ في الصيغةِ المُعْتَبَرَةِ، لمَا عرفتَ أنَّ بِنَاءَ مَفَاعِلَ ومَفَاعِيْلَ لا يكونانِ في كلامِ العربِ إلا لجَمْعٍ أو منقولٍ منْ جمعٍ، فَحَقُّ ما وازْنَهُمَا أنْ يُمْنَعَ مِنَ الصرفِ وإنْ فُقِدَتْ منهُ الجمعيةُ إذَا تَمَّ شَبَهُهُ بهِمَا، وذَلكَ بأنْ لا تكونُ ألِفَهُ عِوَضًا عنْ إحْدَى ياءيْ النسبِ، ولا كسرةُ مَا يَلِي أَلِفَهُ عارِضةً، ولا بعدَ ألفِهِ ياءً مشددةً عارضةً، ولم يُوجدْ ذلكَ في مفردٍ عربيٍّ كمَا مَرَّ، ولمَّا وُجِدَ في مُفْرَدٍ أعجميٍّ ـ وهو سَرَاوِيْلُ ـ لم يُمْكِنْ إلا مَنْعُهُ مِنَ الصرفِ وَجْهًا واحِدًا خِلافًا لمنْ زَعَمَ أنَّ فيهِ وجهينِ ؛ الصرفَ ومنْعَهُ، وإلى التنبيهِ على ذلكَ أشَارَ بقولهِ: "شَبَهٌ اقتضَى عمومَ المنعِ" أيْ: عمومَ منعِ الصرفِ في جميعِ الاستعمالِ، خِلافًا لمَنْ زَعَمَ غيرَ ذلكَ.
ومنَ النحويينَ مَنْ زَعَمَ أنَّ سَرَاوِيْلَ عَرَبِيٌّ، وأنَّهُ فِي التقديرِ: جمعُ سِرْوَالَةٍ سُمِّيَ بِهِ المفردُ. ورُدَّ بأنَّ سِرْوَالَةً لمْ يُسْمَعْ، وأما قولُهُ [مِنَ الُمَتَقارَبِ]:
983- عَلَيْهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالةٌ = فليسَ يِرِقُّ لمُسْتَعْطِفِ
فمصنوعٌ لا حجَّةَ فيهِ. وذَكَرَ الأخفشُ أنَّهُ سَمِعَ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ: سِرْوَالَةً، ويَرُدُّ هذَا القولَ أمرانِ: أحدُهُمَا: أنَّ سِرْوَالَةً لغةُ سَرَاوِيْلَ، لأنها بمعنَاهُ، فليسَ جَمْعًا لهَا، كَمَا ذَكَرَهُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، والآخَرُ أنَّ النَّقْلَ لم يَثْبُتْ فِي أسماءِ الأجناسِ، وإنَّمَا ثَبُتَ فِي الأعلامِ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: قالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وينبغِي أنْ يُعْلَمَ أنَّ سَرَاوِيْلَ اسْمٌ مؤنثٌ، فلو سُمِّيَ بِهِ مذكرٌ، ثُمَّ صُغِّرَ لقيلَ فيهِ سُرَيِّيلُ، غيرُ مصروفٍ للتأنيثِ والتعريفِ، ولولا التأنيثُ لصُرِفَ كمَا يُصْرَفُ شَرَاحِيْلُ إذَا صُغِّرَ فقيلَ شُرَيْحِيلٌ ؛ لِزَوالِ صيغةِ منتَهَى التكسيرِ.
الثانِي: شَذَّ منعُ صرفِ ثَمَانٍ؛ تَشْبيهًا له بِجَوَارٍ، نظرًا لمَا فيهِ مِنْ معنَى الجمعِ، وأنَّ ألفَهُ غيرُ عِوَضٍ في الحقيقةِ، قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): ولقَدْ شَبَّهَ ثَمَانِيًا بِجَوارٍ مَنْ قَالَ [مِنَ الكَامِلِ]:
984- يَحْدُو ثَمَانِيَ مُوْلَعًا بِلَقَاحِهَا = حتَّى هَمَمْنَ بِزَيْغَةِ الإِرْتَاجِ
والمعروفُ فيهِ الصرفُ لما تقدَّمَ وقيلَ: هما لغتانِ.
661- وإنْ بِهِ سُمِّي أو بِمَا لَحِقْ = بِهِ فالانصرافُ مَنْعُهُ يَحِقْ
(وإنْ بهِ سُمِّي أو بِمَا لَحِقْ * بِهِ فالانصرافُ مَنْعُهُ يَحِقْ) يعنِي أنَّ مَا سُمِّي بِهِ مِنْ مِثَالِ مَفَاعِلَ أو مَفَاعِيْلَ فَحَقُّهُ منعُ الصرفِ، سواءٌ كانَ منقولًا عَنْ جَمْعٍ مُحَقَّقٍ كَمَسَاجِدَ اسْمَ رَجُلٍ، أو مِمَّا لَحِقَ بِهِ مِنْ لَفْظٍ أَعْجَمِيّ؛ٍ مثلُ سَرَاوِيْلَ، وشَرَاحِيْلَ، أو لفظٍ ارْتُجِلَ للعَلَمِيَّةِ؛ مثلُ هَوَازِنَ قالَ الشارحُ: والعلَّةُ في مَنْعِ صرفِهِ مَا فيهِ مِنَ الصيغةِ مَعَ أصالةِ الجمعيةِ، أو قيامُ العَلَمِيَّةِ مَقَامَهَا، فلوْ طَرَأَ تَنْكِيْرُهُ انصرفَ عَلَى مُقْتَضَى التعليلِ الثانِي دُوْنَ الأوَّلِ اهـ.
قال المُرَادِيُّ: قُلْتُ: مذهبُ سِيْبَوَيْهَ أنَّهُ لا ينصرفُ بعد التنكيرِ لشَبَهِهِ بأصلِهِ، ومذهبُ المُبَرِّدِ صرفُهُ؛ لِذَهَابِ الجمعيةِ وعنِ الأخْفَشِ القولانِ، والصحيحُ قولُ سِيْبَوَيْهَ؛ لأنَّهُم مَنَعُوا سَرَاوِيْلَ مِنَ الصرفِ وهو نكرةٌ وليسَ جَمْعًا عَلَى الصحيحِ اهـ.