قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. والتجارةُ أنْ تَبْذُلَ شيئاً وتَأخُذَ شيئاً، فكأنَّه جَعَلَ بَذْلَ النفْسِ والمالِ وأَخْذَ الثوابِ تِجارةً, وهو على طَريقِ الْمَجازِ.
قولُه تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}. في قِراءَةِ ابنِ مَسعودٍ: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) وهو معنَى القراءَةِ المعروفةِ، وجوابُه: {يَغفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
وقولُه: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. ظاهِرُ المعنَى.
قولُه: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}. أيْ: بَساتِينَ، والأنهارُ هي الأنهارُ الأربعةُ تَجرِي مِن غيرِ أُخْدُودٍ.
وقولُه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}. أيْ: يَسْتَطِيبُونَها، والعَدْنُ مَوْضِعُ الإقامةِ، قالَ ابنُ مَسعودٍ: هو بُطنانِ الجنَّةِ.
وفي بعضِ الأخبارِ: أنَّ اللَّهَ غَرَسَ جَنَّةَ عدْنٍ بيَدِه.
وقولُه: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. أي: النَّجاةُ العظيمةُ.
قولُه تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا}. أيْ: تَوَدُّونَها.
وقولُه تعالى: {وَأُخْرَى}. أيْ: خَصْلَةٌ أُخْرَى، وقيلَ: تِجارةٌ أُخْرَى.
وقولُه: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}. هو فَتْحُ مَكَّةَ، وقيلَ: هو فتْحُ فارِسَ والرُّومِ.
وقولُه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. أيْ: بالنصْرِ في الدنيا، وبالجنَّةِ في الآخِرَةِ.
قولُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}. وقُرِئَ: (أَنْصاراً لِلَّهِ).
وقولُه: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ}, الْحَوَارِيُّونَ صَفْوةُ الأنبياءِ وخَالِصَتُهم، ومِنه قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ للزُّبَيْرِ: ((هُوَ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيَّ مِنْ أُمَّتِي)).
ومِنه الْخُبْزُ الْحَوَارِيُّ؛ لبَياضِه ونَقائِه. والعرَبُ تُسَمِّي نِساءَ الأمصارِ الْحَوَارِيَّاتِ, قالَ الشاعرُ:
فقُلْ للحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا = ولا تَبْكِنا إلاَّ الكِلاَبُ النَّوَابِحُ
وفي القِصَّةِ: أنَّ عِيسى عليه السلامُ جَمَعَ الْحَوَارِيِّينَ في بيتٍ - وهم اثنا عشَرَ رَجُلاً - وقالَ: إنَّ أحَدَكم يَكْفُرُ بي اليومَ اثنْتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً. فكانَ كما قالَ، وقالَ: مَن يَختارُ مِنكم أنْ يُلْقَى عليه شَبَهِي فيُقْتَلَ ويُصْلَبَ؟ فقامَ شابٌّ منهم وقالَ: أنا. فقالَ: اقْعُدْ.
ثم قالَ ذلك ثلاثَ مَرَّاتٍ، وفي الجميعِ يَقومُ ذلك الشابُّ، فقالَ عيسى: أنتَ هو.
ثم إنَّ اللَّهَ تعالى رَفَعَه مِن الروزنةِ إلى السماءِ، ودَخَلَ اليَهودُ وأَلْقَى اللَّهُ تعالى شَبَهَ عِيسَى على ذلك الرجُلِ فقَتَلُوه وصَلَبُوه.
وقولُه: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}. أيْ: معَ اللَّهِ. وقيلَ: معناه: مَن أَنصارِي يَنْصُرُ منه إلى: نصر أيْ: مضمومٌ إليه(1).
وقولُه: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}. ظاهِرُ المعنَى.
وقولُه: {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} في التفسيرِ: أنَّ عِيسَى - صَلواتُ اللَّهِ عليهِ - لَمَّا رَفَعَه اللَّهُ تعالى إلى السماءِ اختلَفَ أصحابُه؛ فقالَ بعضُهم: كانَ هو اللَّهَ. فنَزَلَ إلى الأرْضِ ففَعَلَ ما شاءَ ثُمَّ ارتَفَعَ إلى السماءِ، وهم النُّسْطُورِيَّةُ. وقالَ بعضُهم: كانَ هو ابنَ اللَّهِ أنْزَلَه إلى الأرْضِ ثم رَفَعَه إلى السماءِ, وهم اليَعْقُوبِيَّةُ. وقالَ بعضُهم: هو ثالثُ ثلاثةٍ، وثلاثةٌ هو أبٌ وابنٌ وزَوجٌ، وقالوا: ثلاثةٌ قِدَماً أَقَانِيمَ، وعِيسَى أحَدُ الثلاثةِ, وهم الملكانيَّةُ, وعليه أكثَرُ النَّصارَى.
وقالَ قومٌ: هو عبدُ اللَّهِ ورسولُه.
فغَلَبَتِ الطوائفُ الثلاثةُ هذه الطائفةَ قَبلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فلَمَّا بُعِثَ عليه الصلاةُ والسلامُ غَلَبَتِ الطائفةُ المؤمنةُ الطوائفَ الثلاثةَ، فهو معنَى قولِه تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ}. أيْ: نَصَرْنَا وَقَوَّيْنَا.
وقولُه: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}. أيْ: غالِبِينَ. واللَّهُ أعْلَمُ.
(1)المعنى غير واضح فليراجع