دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 ربيع الأول 1439هـ/15-12-2017م, 02:54 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي مراجعة تطبيقية لدورة المهارات المتقدّمة في التفسير- المرحلة الرابعة

مراجعة تطبيقية على دروس مهارات التفسير المتقدّمة.
- المرحلة الرابعة -




موضوع البحث:
تعيين المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم (75)} الواقعة.



المطلوب:

8: دراسة الأقوال الواردة في المسألة ومناقشتها وبيان القول الراجح.



إرشادات:
- مرحلة الدراسة والنقد هي لبّ مراحل التحرير، لذا لا يقبل من الطالب أن يختصر فيها أو يكتفي فيها بالنقل المجرّد لترجيحات المفسّرين، بل يجب ظهور شخصية الباحث واجتهاده في الموازنة بين الأقوال والتعرّف على عللها ومآخذها، ويوصى بالعناية بالتفاسير التي يشتهر أصحابها بنقد الأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح كالطبري وابن عطية وابن عاشور والشنقيطي، ويرجع لكتابات ابن تيمية وابن القيّم إن وجد للمسألة ذكر في كتبهم.
- سيتمّ وضع تعليق عامّ على كل تطبيق في موعده -بإذن الله- حتى يستدرك الطالب ما فاته في المرحلة التالية.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح
وجعلكم للمتّقين إماما

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 ربيع الأول 1439هـ/16-12-2017م, 12:13 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

8: الدراسة والنقد والترجيح وتحرير الأقوال في المسألة .

أولاً : تحرير القول في سبب النزول :
قال الإمام مسلم : وحدثني عباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة وهو ابن عمار حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس قال مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا قال فنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) .
وقال أبو السعادات ابن الأثير الجزري في شرح الغريب :
(بمواقع): مواقع النجوم: مساقطها ومغاربها، وقيل: منازلها ومسايرها) .

في لفظ هذا الحديث ربطٌ لمساقط الأنواء بمواقع النجوم ، قال ابن الصلاح - رحمه الله - ،( كما في شرح مسلم : النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أي سقط ، وغاب . وقيل : أي نهض وطلع . وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما . وقال الأصمعي : إلى الطالع منهما ، قال النووي : ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوءا تسمية للفاعل بالمصدر ) .

ثانياً : دراسة أقوال المفسرين في المسألة :
أمّا القول الأول وهو أنها نجوم السماء ، فهو يعتمد على الأصل في إطلاق النجوم ، ومواقعها هي منازلها أو مساقطها ( على اختلاف تفسيرهم للمساقط فهو من قبيل التنوع ) وهو قولٌ قوي قال به أكثر المفسرين ، ويؤيّد هذا القول عدّة أمور:
الأول لغويٌ : فالوقوع يطلق على السقوط ، أي الهوى ، فمواقع النجوم مواضع غروبها فيكون في معنى قوله تعالى (والنجم إذا هوى ) والقسم بذلك مما شمله قوله تعالى( فلا أقسم برب المشارق والمغارب )،
و مواقع النجوم جمع موقع يجوز أن يكون مكان الوقوع ، ويطلق الوقوع على الحلول في المكان ، يقال : وقعت الإبل ، إذا بركت ، ووقعت الغنم في مرابضها ،
والمواقع هي : أفلاك النجوم المضبوطة السير في أفق السماء ، وكذلك بروجها ومنازلها ،كما ذكر ذلك ابن عاشور .
وكان مدار ترجيح ابن جرير لهذا القول بناءً على معناه اللغوي .

والثاني : ماصحّ في سبب النزول ، وسبق ذكره .

والثالث : سياق الآيات ، ففي قوله تعالى بعد ذلك : ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، تنديدٌ بفعلهم لكفرهم نعمة الله تعالى عليهم بنسبتهم المطر إلى النوء .
ومن لطائف الربط بين الآية وسبب النزول ما ذكره الألوسي : من أنّ في غروبها زوالٌ لأثرها ودلالة على وجود خالق مدبر لهذا الكون مؤثر دائم لا يتغير ، وأنّ هذا سبب استدلال إبرهيم عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جلا وعلا .
وذكر الرازي لطائف أخرى في تخصيصها بالقسم منها أنه سبحانه لمّا ذكر قبلها دليل الأنفس ودليل الآفاق ذكر الدلائل السماوية على عظمته وتدبيره للكون .

والرابع : اسم السورة ، فهي سورة الواقعة ، والتفسير بانكدارها وانتثارها يوم القيامة فيه تأكيدٌ على وقوع هذا اليوم ، وقال بهذا الحسن ، وهوقول ٌصحيح ، لكنّه ضعيف الدلالة على معنى الآية .

وأمّا القول الثاني : بأنها نجوم القرآن ، وتُفسّر مواقعه بأنها منازل القرآن أي أوقات نزوله فتنزل الآية والآيتين والثلاث متفرقة ، وقيل مواقعه : محكم القرآن وقيل قلوب عباده الصالحين فيكون باعتبار المحلّ ، و يمكن أن يُوجّه هذا القول بأمور :

- أثر ابن عباس : قال النسائي : أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبي عوانة، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين، فذلك قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75] .
فاستشهاد ابن عباس بهذه الآية على نزول القرآن منجّما من السماء الدنيا ، له اعتباره ، إذ لا يُظنّ به رضي الله عنه أنه قاله تخرّصاً وإنما عن علم واتبّاع .

- له معنى لغوي سائغ في اللغة ، فالنجوم جمع نجم وهو القسط ، قال ابن منظور : و تَنْجِيمُ الدَّينِ : هو أَن يُقَدَّرَ عطاؤه في أَوقات معلومة متتابعةٍ مُشاهرةً أَو مُساناةً ، وقوله عز وجل : فلا أُقْسِمُ بمواقع النُّجوم ؛ عنَى نُجومَ القرآن لأَن القرآن أُنْزِل إِلى سماء الدنيا جملة واحدة ، ثم أُنزل على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، آيةً آيةً ، وكان بين أَول ما نزل منه وآخره عشرون سنةً .

- يؤيده سياق الآية بعده ( إنه لقرآن كريم ) ، وهذا القول يؤول إلى القسم بالقرآن على حقيقته على نحو ما تقدم في قوله تعالى ( والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا ) كما ذكر ذلك ابن عاشور ، فيعود الضمير في قوله تعالى بعده ( إنّه لقرآن كريم ) على مواقع النجوم مباشرة .

ويُمكن أن يُنقد على هذا القول صرفه عن ظاهره وإن كان معنىً محتملاً في أمرين الأول في تفسير النجوم والثاني في المراد بالمواقع ، و يمكن أن يُجاب عن ذلك بأنّ هذا التفسير ورد في مقام الإجابة عن شبهة وقعت لأحد التابعين ، فأجابه ابن عباس بدليل من القرآن يُطمئنه ، ويرفع عنه الإشكال . كما في رواية ابن مردويه في الدر المنثور : {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: أتى ابن عباس علبة بن الأسود أو نافع بن الحكم فقال له: يا ابن عباس إني أقرأ آيات من كتاب الله أخشى أن يكون قد دخلني منها شيء، قال ابن عباس: ولم ذلك قال: لأني أسمع الله يقول: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (سورة القدر الآية 2) ويقول: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) (سورة الدخان الآية 3) ويقول في آية أخرى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) (سورة البقرة الآية 185) وقد نزل في الشهور كلها شوال وغيره، قال ابن عباس: ويلك إن جملة القرآن أنزل من السماء في ليلة القدر إلى موقع النجوم يقول: إلى سماء الدنيا فنزل به جبريل في ليلة منه وهي ليلة القدر المباركة وفي رمضان ثم نزل به على محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة الآية والآيتين والأكثر، فذلك قوله: {لا أقسم} يقول: أقسم {بمواقع النجوم}).
ولاشكّ أن الحديث المروي في سبب النزول هو عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه وهو في صحيح مسلم ، هذا إن أردنا الترجيح من جهة الثبوت والإسناد .
وقد جمع بعض العلماء بين القولين ، فجعل المراد بمواقع النجوم مساقطها والمقسم عليه هو القرآن لما بين النجوم والقرآن من تشابه في النور والهداية والنعمة والإحكام والإعجاز .
أمّا الإمام البقاعي فقد جمع بين القولين من خلال ربطه بين هذه الآية والتي قبلها ، فحين ذكر الماء الذي هو أعظم نعمة أنعم بها عليهم وقد رتب سبحانه لإنزاله الأنواء بقانون محكم ، وجعل إنزال القرآن نجوما مفرقة وبوارق متلالئة متألقة ، جعل مساقط آيات القرآن محيية للقلوب ، كما تحيى الأرض بآثار الأنواء ، وفي ذلك من إبداع الصانع وإحكامه سبحانه ، وبدائع قدرته على تسخير المخلوقات ، وإنزال البينات .
فوجب ردّ الإنعام إلى المنعم ، ومعرفة فضله وقدرته على الإحياء والإماتة ، والبعث بعد ذلك .

و أرى أنّ القول بأنها نجوم السماء ، ويُراد بالمواقع مساقط النجوم ، أقوى الأقوال ، وذلك لموافقتها لسبب النزول ، وللمعنى اللغوي الظاهر ، وللآية بعد ذلك ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، فهي مطابقة لحال المشركين ومناسبة في الرد عليهم ، ولا يضر أن يكون المقسم عليه هو القرآن ، لأنه واضحٌ جليّ ، ويستفادُ من أقوال العلماء في بيان المعاني الإبداعية في الربط بين الآيات ، والكلام فيما ورائها من معانٍ لطيفة خفية تدلّ على قدرة الله تعالى وعظمته وكبير نعمته علينا ومنّته .

والله تعالى أعلم وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 ربيع الأول 1439هـ/16-12-2017م, 05:10 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

خلاصة المسألة والترجيح بين الأقوال:
فإنه مما سبق يتبين لنا أن القول الثالث أضعف الأقوال سندا ومعنى, وذلك لعدم العثور على سند له, وكذلك المعنى غريب شاذ, إلا إن كان المراد به النجوم فأطلقت كلمة السماء مجازا, أو أن المراد به السماء حقيقة وذلك لكون النجوم تقع فيها, فكان مبنى اختيار هذا المعنى هو أن مواقع النجوم في السماء, فكان القسم إذن بالسماء, وفي كل الأحوال القول شاذ والقول الثاني أوضح منه وأكثر جماهيرية بين أهل التفسير, وأكثر دقة.
نجيء الآن للقول الأول والثاني, وهما الأقوى والأكثر ترجيحا, وفي الحقيقة يصعب الترجيح بينهما, لكن قبل الترجيح بينهما فإن القول الثاني تندرج تحته أقوال تستحق التصفية واختيار القول الأرجح بينها لمقارنته مع القول الأول, وتحريرها فيما يلي:
أما القول الثالث والرابع المندرجان تحت القول الثاني فمستبعدات وذلك لضعف قائليهما فالأول لم يرو إلا عن الحسن ولم يوافقه أحد, والثاني نقله ابن عطية ولم يذكر قائله, أما الضعف في المقولين فآت من كونهما مخصصين دون قرينة تبين سبب التخصيص, فلا السياق سياق حديث عن يوم القيامة, ولا هو كذلك سياق حديث عن رجم الشياطين, وأظن أن منشأ القولين آت من قياس القائلين على آيات أخر ورد فيها ذكر أهوال القيامة كقوله :"وإذا النجوم انكدرت", ورجم الشياطين كقوله :"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين", والحديث في كلا الآيتين عن النجوم, ولكن السياق كما ذكرنا مختلف هنا فالأولى عدم صحة هذين القولين, لعدم وجود قرينة تدل على التخصيص في السياق.
أما القول الأول والثاني الواردين تحت القول الثاني فأجدهما قويين, وقد أوضحت فيما نقلت عن ابن عاشور منشأ الخلاف بينهما, وذلك لاختلاف القائلين بهما في تناول مفردة (مواقع) من حيث مبنى الكلمة, وكونها تصح أن تطلق على المنازل والمساقط, وإن كان لا بد من الترجيح فلعل القول الثاني هو الأرجح لكثرة القائلين به, وترجيح ابن جرير له, وحسن توضيح ابن عاشور للفائدة من القسم بالمساقط, وما يحمله سقوط النجم من معان بديعة تُذَكِّرُ بِالنِّظامِ البَدِيعِ المَجْعُولِ لِسَيْرِ الكَواكِبِ كُلَّ لَيْلَةٍ لا يَخْتَلُّ ولا يَتَخَلَّفُ، وتُذَكِّرُ بِعَظَمَةِ الكَواكِبِ وبِتَداوُلِها خِلْفَةً بَعْدَ أُخْرى، وذَلِكَ أمْرٌ عَظِيمٌ يَحِقُّ القَسَمُ بِهِ الرّاجِعُ إلى القَسَمِ بِمُبْدِعِهِ.
نجيء الآن للترجيح بين القول الثاني المندرج تحت القول الثاني والقول الأول, والذي وضحنا منشأه ومبناه في نقلنا لكلام ابن عاشور مسبقا, فنقول: أن الترجيح بينهما صعب جدا ولا أجد ميلا لأحدهما دون الآخر, فالقول الأول يدعمه الكثير من القرائن التي ذكرناها وأعيد ذكرها باختصار هنا وهي: أن القسم بالقرآن قسم عظيم بل هو أعظم من القسم بأي مخلوق بلا شك, ومجيء آية :"وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" بعد آية :"فلا أقسم بمواقع النجوم" تدعم اختيار هذا القول, كما أن القرآن كما نعلم متشابه في منهجه وأساليبه, وقد اعتدنا منه القسم بالقرآن في مواطن كثيرة كقوله :"والقرآن المجيد", مما يدعم القول بأن القسم هنا كذلك بالقرآن, كما أن كون المقسم عليه هو القرآن فيه دلالة على أن الله أقسم بأكرم أمر على كرم هذا الأمر, ففيه نوع من البلاغة والتفخيم كما أشار إلى ذلك ابن عاشور, فكل ذلك مما يدعم هذا القول, ناهيك عما ورد من أقوال للسلف كثيرة تختار هذا القول, وكذلك ذكر حديث أن القرآن نزل منجما في عشرين سنة, وكون الضمير كما أشار إلى ذلك ابن عطية يرجع للقرآن في قوله :"إنه لقرآن كريم"-وإن كان هذا التأويل كما ذكر ابن عطية قد يرد عليه بأن الضمير قد لا يعود على متقدم لوضوح الأمر وشهرته (أي: القرآن)-, فكل ما ذكرنا من القرائن ترجح كفة هذا القول, ولكن كذلك إذا أتينا للقول الثاني فإننا سنجد نقل أكثر من مفسر القول بأنه قول جمهور التفسير, كما أن هذا القول من الأقوال التي فسرت الآية تفسيرا مباشرا, وقد يكون سبب القسم بالنجوم ومساقطها لما في ذلك المشهد من عظمة, وقد ثبت في غير موضع من القرآن إقسام الله بمخلوقاته, بل وبالنجم إذا هوى تحديدا كما في قوله :"والنجم إذا هوى", بل وفي هذه السورة أقسم الله بالنجم على هذا الوحي, مما يجعل سياق الآيات متشابها, مما لا يجعلنا نستبعد هذا القول, ويكون مقصد القسم لفت النظر إلى هذه المشاهد الرهيبة التي تستحق التأمل, والتي تزيد من إيمانك بعظمة الله ودقة صنعه وخلقه, وربما مشابهة الآي بالنجم في نوره وهدايته للسائلين, فإذن بالنسبة لي لا أميل إلى ترجيح قول دون قول, فكلا القولين أجدهما متساويين في القوة, ولكن من أراد أن يعرف ما رجحه المفسرون, فإن ابن جرير رجح القول الثاني, والشنقيطي رجح القول الأول, وقد ذكرت أسباب ترجيحهما فيما سبق، فقد يكون في ترجيحهما لمن يميل إلى أحدهما وضوح في اختيار ما يكون أقرب للصواب.
والحمدلله رب العالمين ..

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 ربيع الأول 1439هـ/17-12-2017م, 10:21 PM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المرحلة الرابعة: الدراسة والنقد والترجيح للأقوال الواردة في المراد بقوله تعالى "فلا أقسم بمواقع النجوم".

فقد تبين من بحث المراد بقوله تعالى: "فلا أقسم بمواقع النجوم" أنه ينقسم إلى قولين أساسيين وتحت كل قول أقوال ترجع له وتبينه؛

فأما القول الأول: فهو أن المراد القرآن نزل منجماً أي مفرقا في عشرين سنة تنزل منه الآية أو الآيتين أو أكثر.

فمن حجج هذا القول كما تقدم:
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَجُعِلَ عِنْدَ مَوَاقِعِ النُّجُومِ: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ إِلَى قَوْلِهِ: الْمُطَهَّرُونَ «5» الْمَلائِكَةُ، وَيَنْزِل ُبِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ كُلَّمَا أُتِيَ بِمَثَلٍ يَلْتَمِسُ عَيْبَهُ نَزَل َبِهِ كِتَابُ اللَّهِ نَاطِقً فَقَالَتِ الْيَهُودُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ: لَوْلا أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ: كَذَلِكَ لِنُثَبِّت َبِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا وَقَرَأَ: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ [تفسير ابن أبي حاتم]

وأما دراسة هذا القول:
فهذا القول اندرج تحته قولان كلاهما يرجع إليه ويفسره:
-أحدهما: أن النجوم هي آيات القرآن التي تنزل نجوماً،
قال الطبري: عن عكرمة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: أنزل اللّه القرآن نجومًا ثلاث آياتٍ وأربع آياتٍ وخمس آياتٍ.

-والآخر: أنه طريقة نزوله من السماء الدنيا على النبي منجماً أي مفرقاً فهو وصف لطريقة النزول.
قال الزجاج: وقيل إن مواقعِ النجومِ يعنى به نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نُجُوماً شيئاَ بَعْدَ شَيءٍ (2)
ودليل هذا القول (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77). [معاني القرآن].

فالقول الأول فيه تشبيه آيات القرآن التي تنزل متتابعة على النبي صلى الله عليه وسلم بأنها كالنجوم الساطعة والأنوار اللامعة، وهذا لما فيها من النور والهداية والتبصير للناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وأما القول الثاني فهو مبني على وصف لطريقة نزول القرآن وهذا القول استمد من استدلال ابن عباس بالآية لما سئل عن طريقة نزول القرآن وكيفية الجمع بين الآيات التي تبين أنه نزل في ليلة واحدة، والآيات التي تخبر بأنه نزل مفرقاً.

وأما النقد:
فقد يقال إن هذا القول مبني على تشبيه آيات القرآن التي تنزل متتابعة على النبي صلى الله عليه وسلم بأنها كالنجوم
وهذا التشبيه مع صحة معناه ومأخذه إلا أنه ليس ظاهر الآية.

-------------------------------------------------------------------------------------

وأما القول الثاني: فهو أن المراد بالنجوم في الآية هو النجوم التي في السماء، ثم جاء في تفسير "مواقعها" أقوال كما سيأتي.
ومن حجج هذا القول:
- ما نزل في سبب النزول كقول ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَجُعِلَ عِنْدَ مَوَاقِعِ النُّجُومِ: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ إِلَى قَوْلِهِ: الْمُطَهَّرُونَ «5» [تفسير ابن أبي حاتم]
ففي هذا القول ذكر أن القرآن نزل فكان عند مواقع النجوم ومعلوم أنه نزل إلى سماء الدنيا جملة فيكون المراد بالنجوم هنا النجوم التي في السماء.
-وما جاء عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء «3» كذا وكذا» [207] «4» .
قال: فنزلت هذه الآية.
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتى وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ،

توجيه هذا القول:
هذا القول مبني على قول ابن عباس المذكور آنفاً في بيان أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا فكان عند مواقع النجوم، وهي التي في السماء،
وأيضا مبني على سبب نزول الآية في الاستسقاء بالأنواء، فالأنواء هي منازل القمر ويسمي واحدها نوءاً وسيأتي بيان ذلك بعد قليل.

وأما دراسة هذا القول وما اندرج تحته من أقوال في تفسير المواقع:
فقد وجدت ثلاثة أقوال مندرجة تحته وهي راجعة إلى تفسير كلمة "مواقع" في هذا القول.

فأولها: أنها مساقطها وهي مغاربها، وقيل مطالعها،
وفي دراسة هذا القول يقال:
أنه مأخوذ من سبب نزول الآية في الاستسقاء بالأنواء، فالأنواء هي منازل القمر ويسمي واحدها نوءاً باعتبار سقوطه أي انتقل منه القمر سُمي نوءاً فهو يسمي نوءاً باعتبار المسقط لا باعتبار المطلع.
وقال قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ في إرشاد الساري:
(قال في الأنوار: وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره (ومواقع وموقع).
فهذا القول يبين أن المواقع هي الأماكن التي تنزل فيها النجوم أو التي تتركها فهو قسم بهذه المواقع يبين عظمة خلق الله وتدبيره سبحانه وتعالى وأن هذه النجوم لها أماكن محددة بتقدير الله لها.

وثانيها: أنها منازل النجوم.

وأما دراسة هذا القول:
فهو شبيه بالقول الأول ولكنه أخص منه فهو يختص بالمكان الذي يترك فقط وهو مغارب النجوم، كما سبق بيان أن المنازل هي أماكن سقوط القمر إذا غادرها وهي المغارب.
وقد قال ابن عاشور:
وَيُطْلَقُ الْوُقُوعُ عَلَى الْحُلُولِ فِي الْمَكَانِ، يُقَالُ: وَقَعَتِ الْإِبِلُ، إِذَا بَرَكَتْ، وَوَقَعَتِ الْغَنَمُ فِي مَرَابِضِهَا، وَمِنْهُ جَاءَ اسْمُ الْوَاقِعَةِ لِلْحَادِثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْمَوَاقِعُ: مَحَالُّ وُقُوعِهَا وَخُطُوطُ سَيْرِهَا فَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [الْبُرُوجِ: 1] .

وثالثها: بانتثار النّجوم عند قيام السّاعة.
لم أجد له نص يدل عليه بل هو قول الحسن فقط والذي يظهر أنه استنباط من آيات آخرى مثل التي في سورة التكوير والانشقاق ونحوهما.
دراسة هذا القول:
-الذي يظهر أنه تفسير لوقوع النجوم لكن حمل على وقوعها يوم القيامة، فالمذكور هو حالها عند قيام الساعة، ويدل عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى : ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾
قال أُبيُّ بن كعب رضي الله تعالی عنه: "ستُّ آيات قبل يوم القيامة: بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوءُ الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرتِ النجوم...".
قال ابن عباس رضي الله تعالی عنهما في تفسير قوله تعالی: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ "تغيَّرتْ".
وروي عنه أيضًا: "انكدَرتْ تغيَّرتْ فلم يبقَ لها ضوء لِزوالها عن أماكنها". ويؤيِّده قوله تعالی: ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾
وقال قتادة رحمه الله تعالی في تفسير قوله تعالی: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ "تساقطت وتهافتت"[31].

وخلاصة القول في هذه الأقوال الثلاثة أن يقال
=أن القول الأول والثاني قد يجمع بينهما بما حاصله أن يقال:
أقسم الله بمواقع النجوم وهي الأماكن التي تتنقل بينها، فهي حينها تترك موقعها ويسمى حينها مطلع، وتقع في موقع جديد ويسمى مغرب، وحين تنقلها هي تمشي في مسارات محددة لها وهذا يدل على كمال مطلق لقدرة الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق كل شيء وقدره تقديراً.
=وأما القول الثالث: فهو قول بعيد عن سياق الآيات هنا مع صحته في نفسه.
---------------------------------------------------------------------------------------
الترجيح بين القولين

الذي يترجح عندي هو أن القول الثاني هو الأقوى في بيان المراد هنا وهو الأنسب للسياق، وإن كان القول الأول صحيح المعنى في نفسه.

وقد رجح هذا القول الطبري في تفسيره لهذه الآية حيث قال بعد سرد الأقوال فيها:
"وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال:
معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقع المفعل من وقع يقع موقعًا،
فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به" ا.ه.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 5 جمادى الأولى 1439هـ/21-01-2018م, 11:05 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

سارة المشري
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
راجعي رابط أسباب النزول في موقع الجمهرة، تجدي تضعيف ابن الصلاح -رحمه الله- أن يكون قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} نازلا في الأنواء، وإنما قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون}.
وقد انتصر الشنقيطي -رحمه الله- للقول الثاني، ولترجيحه من الأهمية ما يجدر بالباحث ألا يغفله في بحثه وإن ترجّح لديه قول آخر، وهكذا يجب ذكر ترجيحات المفسّرين أولا ثم التعليق عليها ومناقشتها وبيان ما اختاره الباحث منها.

نورة الأمير
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
ولو وضعتِ الأقوال هنا حتى أفهم ترتيبها، لأني اضطررت للاستعانة بالتطبيق الثاني في متابعة الأقوال.
ولا تتسرّعي في الحكم على قول بالغرابة والشذوذ وخاصّة إذا ثبت عن السلف، بل اجتهدي في توجيهه أولا، وتأمّلي وجه الارتباط بينه وبين الآية، والقول بأن السماء موقع النجوم أي محلّها وهو قول صحيح لغويا وليس شاذّا، وهو مناسب لقراءة الإفراد التي كان يقرأ بها ابن مسعود.
وكذلك ضعّفتِ الحسن البصري وابن عطية، وهذا لا يصلح، والحسن البصري من مفسّري التابعين المعتدّ بأقوالهم في التفسير، وليس معنى انفراده بالقول أن يكون هذا القول شاذّا، وإنما ينظر في القول نفسه ومدى توافقه أو تعارضه مع المعنى المذكور، وما إن كان هناك إجماع على خلافه.
وما ذكره الحسن وابن عطية لا يتعارض مع المعنى اللغوي للمواقع، وهناك ما يشهد له من القرآن، واتّفقنا أنه ليس شرطا أن يقصد المفسّر التخصيص، وإنما يكون قوله مما يشمله معنى الآية، فهو عى سبيل التمثيل، وكل هذه المعاني كما يتّضح صور لمواقع نجوم جاء القرآن ببيان عظمتها، ويبقى أن يكون هناك معنى أولى من معنى، ولعلك تراجعين التعليق على تطبيق المرحلة الثالثة للفائدة.

علاء عبد الفتاح
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وقد أحسنت نقد القول بتشبيه القرآن بالنجوم اللامعة.
والاستدلال على أن النجوم نجوم السماء بأثر ابن عباس في نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء السابعة لا يصلح، فإن النجوم في قوله غير نجوم السماء، وليس ثمّة ارتباط بينهما،
وأرجو مراجعة التعليق على تطبيق المرحلة الثالثة فيما يخصّ توجيه قول ابن عباس وتوجيه قول ابن مسعود.
بالنسبة للأقوال المتفرّعة عن القول الثاني، فالقول بأن المواقع المساقط مبناه على المعنى اللغوي للمواقع وأن الوقوع معناه السقوط من علو إلى سفل، وليس مبناه ما ورد في سبب النزول، إذ القول بأن مواقع النجوم هي الأنواء لا يظهر من خلال سبب النزول كما ذكر النووي، (راجع رابط أسباب النزول في موقع الجمهرة).
ولكننا عموما قد نستفيد من سبب النزول -إذا صحّ- في اختيار معنى من بين عدة معان لغوية محتملة إذا تعارضت، أو تقديمه إذا لم تتعارض وأمكن الجمع بينها.
والمساقط المغارب وهي المواضع التي تسقط فيها النجوم ويغيب، وقد يراد بها المنازل أي محالّها وأماكن استقرارها إن كانت كواكب ثابتة، وأفلاكها ومسارتها التي تسير فيها إن كانت كواكب سيارة، فهذا القول أعمّ من الأول.
وقد أحسنت التعليق على القول الثالث، وهو ليس بعيدا عن السياق، لأن الله تبارك وتعالى أقسم بمواقع النجوم، ولم تحدّد الآية زمن الوقوع ولا موضعه، فيحمل على جميع معانيه، فيجوز أن يراد مواقعها في السماء ويجوز أن يراد مواقعها في الأرض، فأما الوقوع في السماء فبيّن، وأما الوقوع على الأرض فقد يكون في الدنيا وعليه وجّه قول "انقضاضها إثر الشياطين"، وقد يكون وقوعها يوم القيامة وعليه وجّه قول الحسن.
وقبل أن يرجّح الباحث عليه أن يعرّف بترجيحات المفسّرين المعتبرين في المسألة، ومنها ترجيح الشنقيطي رحمه الله.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 7 رجب 1439هـ/23-03-2018م, 11:38 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

ذكرنا أن الأقوال في معنى مواقع النجوم ترجع إلى قولين:

القول الأول:
أن النجوم هنا هي نجوم السماء المعروفة وقد فسر أصحاب هذا القول مواقع النجوم بثلاث تفسيرات مختلفة
1. أنها منازلها ومسايرها ومواضعها ، وهو قول قتادة وعطاء بن رباح
2. أنها مغاربها، وقيل مطالعها ومغاربها، وهو قول مجاهد والحسن ورواية عن قتادة
3. أنه انكدارها وانتثارها وانتشارها يوم القيامة، وهو قول الحسن ورواية عن قتادة

وأضاف ابن عطية قولا رابعا هو أنه انقضاضها إثر العفاريت ولم ينسبه لأحد
أضاف ابن كثير قولا للضحاك أنها الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا يقولون مطرنا بنوء كذا.

الدراسة:
لا شك أن القول بأن المقصود نجوم السماء قول قوي وله اعتباره، وهو المعنى المتبادر للذهن، كما أن أكثر استخدام كلمة النجوم هو في نجوم السماء.
قال الشنقيطي: " وَإِطْلَاقُ النَّجْمِ مُرَادًا بِهِ النُّجُومَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
ثُمَّ قَالُوا تُحِبُّهَا قُلْتُ بَهْرًا ... عَدَدَ النَّجْمِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ"
وقد قال بهذا القول من أئمة التفسير، قتادة، ومجاهد، والحسن، وعطاء بن رباح، ولقولهم ما لا يخفى من الوجاهة والقوة، ويأتي بعد ذلك التفصيل في معنى المواقع وتختلف فيه عبارات المفسرين بحسب المعنى اللغوي وكلها متقاربة ولها اعتبار، وكل منها آية تستحق أن يقسم بها، ومرجعها إلى استخدامات صحيحة في اللغة، ومعتبرة في أحوال النجوم فمن قال بأن المواقع هي المنازل أخذها من وقع الشيء موقعه، أي حل في مكانه، وثبوت النجوم في مواقعها وعدم اضطرابها واختلاف مكانها آية عظيمة تستحق القسم بها ودلالة عظيمة على قدرة الخالق سبحانه، ومن قال بأن المعنى هو الغروب أخذه من وقع الشيء إذا سقط وهي أيضا آية عظيمة تندرج تحت آيات إحكام هذا الكون ودقة سيره تحت تدبير رب العالمين، وإضافة مجاهد بأنه طلوعها وغروبها ربما كانت بسبب أن ذكر الغروب يدل على الشروق

وقد رجح الطبري أن المعنى غروب النجوم، وأرجعه للمعنى اللغوي لكلمة مواقع وقال عنه أنه :" الأغلب من معانيه والأظهر من تأويله"
وقال ابن عاشور بعد ذكره للقولين الأول والثاني: " وَذِكْرُ (مَوَاقِعِ النُّجُومِ) عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ تَنْوِيهٌ بِهَا وَتَعْظِيمٌ لِأَمْرِهَا لِدَلَالَةِ أَحْوَالِهَا عَلَى دَقَائِقَ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نِظَامِ سَيْرِهَا وَبَدَائِعِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْخِيرِهَا.

وأما من قال بأن المعنى انكدارها وانتثارها يوم القيامة فقد أخذ القول أيضا من وقع الشيء إذا سقط ولكن جعل المعنى للآخرة، فالنجوم يوم القيامة تسقط وتتناثر، وهو قول له اعتباره أيضا وهو آية من آيات الله يجب التصديق بها، ومعناه في اللغة صحيح، إلا أن القسم لمن لا يؤمن بما يشاهده ويراه ولا يستطيع إنكاره أقوى من القسم بما لا يعرفه، والله أعلم ولا يمنع أن نجمع بين الأقوال و يكون القسم بالنجوم بكل أحوالها في الدنيا والآخرة وفي هذا من سعة لفظ القرآن وشموله ما لا يخفى.

أما قول ابن عطية أنه انقضاضها إثر العفاريت فلعله مأخوذ أيضا من وقوعها بمعنى السقوط، ومما دل عليه القرآن الكريم برجم الشياطين بالشهب كقوله تعالى {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين}
ويمكن إدراج هذا القول مع ما سبقه من أحوال النجوم فيفيد المعنى كل أحوال النجوم العظيمة، في ثبوت منازلها، وطلوعها وغروبها، وانتثارها يوم القيامة، وانقضاضها على الشياطين وتتبين بذلك عظمة الخالق، وعظمة المقسم به، ويستدل به على عظمة المقسم عليه، وإن كانت بعض المعاني اللغوية أكثر تبادرا للذهن من بعض والله أعلم

أما ما ذكر من قول الضحاك أنها الأنواء فقد يكون راجعا لما قيل في سبب نزول الآيات والذي رواه عن ابن عباس، وقد يكون راجعا للمعنى اللغوي للنوء فإذا كان الأول فقد ذكر النووي أن المعني بسبب النزول هنا هو قوله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون، وأما إن كان المعنى اللغوي، فقد نقل النووي أن معنى النوء ليس الكوكب نفسه وإنما سقوطه أو طلوعه وقال إن النجم قد يسمى بالنوء.

فنخلص إلى: أن هذا القول مبني على المعنى المتبادر للذهن، وعلى معنا لغوي صحيح، وعلى عظمة المعنى واستحقاقه للتفخيم بالقسم، وهو قول وجيه قوي وله اعتباره بكل ما ذكر من تفاصيله ويمكن الجمع بينها، والله أعلم

وقد ذكرت في الواجب السابق أنه ورد على هذا القول اعتراض أن قوله تعالى بعد هذه الآية {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم* إنه لقرآن كريم} يستغرب منه عودة الضمير على القرآن مع عدم تقدم ذكره،
وذكرت بأن الرد على ذلك أنه يمكن الاستغناء عن تقدم الذكر بشهرة الأمر ووضوح المعنى
كقوله تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} [ص: 32] ، {وكُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} [الرحمن: 26] وغير ذلك



القول الثاني:
أن المراد القرآن وجاء فيه قولان:
1. أنها منازله، وكان ينزل نجوما، أي متفرقا، وهو قول ابن عباس وعكرمة
2. أنه محكم القرآن وهو قول ابن مسعود ومجاهد.

الدراسة:
القول بأن المقصود القرآن مبني على معنى لغوي صحيح للنجم:" النُّجُومَ جَمْعُ نَجْمٍ وَهُوَ الْقِسْطُ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ كَمَا يُقَالُ: نُجُومُ الدِّيَاتِ وَالْغَرَامَاتِ" ذكره ابن عاشور، وذكر نحوه الشنقيطي.
والمعنى طوائف الآيات التي تنزل من القرآن في أوقات متفرقة
وهذا القول قال به ابن عباس وعكرمة ولا بد أن له وجه واعتبار
وقد رجح الشنقيطي هذا القول مستدلا بتكرار القسم في القرآن على صحة الرسالة وصدق القرآن،
مثل قوله تعالى: { وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الزخرف: 2، 3]، كما استدل بقوله بعد هذه الآية {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }وذكر بأن الأحق بهذا الوصف هو القرآن العظيم ، وعلى هذا القول ينتفي الاعتراض الوارد على القول الأول في مرجع الضمير في قوله تعالى { إنه لقرآن كريم }
والمواقع يمكن أن يراد بها نزوله، أو زمنه، أو مكانه، وكلها صالحة للمعنى
والشنقيطي له مكانته واعتباره ولترجيحاته في كثير من مسائل الخلاف من القوة ما لا يخفى،

أما القول بأنه محكم القرآن فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو من باب إضافة البعض إلى الكل لأن القرآن فيه محكم ومتشابه

أفهم من ذلك أنه:
على قول ابن عباس وعكرمة النجوم هي نجوم القرآن والمواقع نزوله أو مكانه أو زمانه
وعلى قول ابن مسعود النجوم القرآن والمواقع بمعنى المحكم – ولم أجد شرحا وافيا لقول ابن مسعود-

الخلاصة:
كلا القولين لهما وجاهة وقوة، والقسم على كل وجه منهما له قوته وعظمته، وهذا والله أعلم من سعة لفظ القرآن واتساع معانيه

والله أعلم

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مراجعة, تطبيقية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir