دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 رجب 1443هـ/13-02-2022م, 02:39 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج

مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).

3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).


تعليمات:
- ننصح بمراجعة دروس المهارات المتقدمة في التفسير خاصة درس تخريج أقوال المفسرين وتوجيه الأقوال.
- ننصح بقراءة رأس السؤال جيدًا، والمطلوب في التطبيقات يختلف من مجلس لآخر.
- ننصح بمراجعة تطبيقاتكم على دورة المهارات المتقدمة في التفسير، ومراجعة ملحوظات التصحيح واستدراكها في هذه التطبيقات بإذن الله.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد 26 رجب، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.




تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.


نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________
وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 رجب 1443هـ/25-02-2022م, 11:47 PM
هنادي الفحماوي هنادي الفحماوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 283
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
حل مجلس التخريج الثالث:
قول زر بن حبيش (الظنين المتهم) وفي قراءتكم بضنين والضنين البخيل:
*نوع المسألة:
تفسيرية لها صلة ببعض علوم القرآن (القراءات)
بظنين: قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي.
بضنين: نافع وعاصم وابن عامر وحمزة
الأقوال في المسألة:
١- ظنين:
أصحاب القول: ابن عباس، ابن الزبير، ورقاء ، عبد الرحمن، سفيان، أبو عبيدة ، عبد الرحمن الأعرج.
٢- بضنين:
أصحاب القول: ابن مسعود ، ابن عباس ، زر بن حبيش، ابن زيد، إبراهيم النخعي، مجاهد ، قتادة ، عبد الرحمن الأعرج
تخريج قول زر بن حبيش:
رواه الطبري من عدة طرق عن سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش
مدارسة الأقوال:
المعنى اللغوي لكلا من اللفظين :
الضنين بالضاد : من البخل
الظنين بالظاء من الظنة وهي التهمة وتقول بئر ظنين إذا كان لا يوثق بها وقال الفراء أن معناه ضعيف والعرب تقول للرجل الضعيف ظنو.
فيكون معنى الآية الكريمة ب(ضنين) أن الله يصف رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضن ولا يبخل بما أوحى إليه أن يعلمه أو يكتم بعضه فلا يبلغه. قال ابن زيد : لم يضن به على أحد من الناس أداه وبلغه وقال الفراء: يأتيه غيب وهو منقوش فيه فلا يبخل به عليكم ولا يضن به.
وقد اختار البعض ضنين لاجماعهم على رسمها بالضاد في المصاحف العثمانية.
ويكون المعنى ب(ظنين) أنه ليس متهما على ما لديه من علم الغيب الذي يأتيه من قبل الله. واختاره أبو عبيدة وقال أنهم لم يبخلوه فيحتاج إلى أن ينفي عنه ذلك البخل إنما كان المشركون يكذبون به فأخبرهم الله أنه ليس متهم على الغيب.
أما من ناحية المعنى فالقولان وإن اختلفا فليسا من باب اختلاف التضاد إذ يمكن أن نصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالوصفين فيجمع المعنى بين وصفين جليلين وهما الاطلاع على علم الغيب وعدم البخل به. وأما قول أبي عبيدة فيمكن الرد عليه أن الله وصفه بذلك لحرصه على التبليغ ولا يتوقف نفي البخل عنه على رميهم إياه به.
____________________________
قول أبي العالية الرياحي في (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) قال إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا ثم ازدادوا كفرا بذنوب أصابوها فهم يتوبون منها في. كفرهم.
نوع المسألة :
١- تفسيرية لغوية وتتعلق بعلوم القرآن ؛ أسباب النزول :
المراد بالذين كفروا:
اليهود والنصارى:
أصحاب القول: ابن عباس ، الحسن ، أبو العالية.
- اليهود
أصحاب القول: قتادة والحسن وعطاء.
اليهود والنصارى والمجوس
أصحاب القول: أبو العالية.
قوم ارتدوا بعد إسلامهم ثم أسلموا ثم ارتدوا ثم أرسلوا إلى قومهم في المدينة يسألوا لهم
أصحاب القول: ابن عباس ، عكرمة ،الزجاج ،النحاس
الحارث بن سويد ونفر معه أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلم عدد منهم وبقي عالاخرين على الكفر وماتوا عليه .
ابن عباس.
رجح الطبري أن يكون المراد بهم هم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعدما آمنوا بنعته وصفته في كتبهم لأن الآيات التي قبلها وما بعدها نزل فيهم فليتسق السياق.
٢- متعلق الكفر:
١- الكفر ببعض الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم
أصحاب القول: الحسن
٢- الإنجيل وعيسى:
قتادة
٣- الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم
أصحاب القول: ابن عباس
٣-معنى ازدادوا كفرا:
١- الكفر بمحمد والفرقان على القول بأن كفرهم الأول الكفر بعيسى والإنجيل
أصحاب القول: قتادة
٢- الذنوب مع بقائهم على الكفر
أصحاب القول: رفيع ، أبو العالية
٣- تموا على كفرهم
أصحاب القول: مجاهد
٤- ماتوا كفارا
أصحاب القول: مجاهد والسدي
وكل هذه الأقوال متقاربة وتزيد من كفرهم قبحا وإثما وتكون من أسباب عدم قبول التوبة لاصرارهم على الكفر تارة أو ارتكابهم للذنوب مع بقائهم على الكفر لان الله وعد بمغفرة الذنوب للمؤمن المنيب أما الكافر فلا يقبل منه عمل..
٤- معنى لن تقبل توبتهم:
١- عند الممات
أصحاب القول: الحسن ، قتادة ، عطاء ، السدي
٢- من ذنوبهم وهم مقيمون على الكفر:
رفيع ، أبو العالية
٣- تابوا من بعض ومن لم يتوبوا في الأصل
أبو العالية
٤- إيمانهم أول مرة
ابن جريج
قد تصح جميع الأقوال إلا القول بالتوبة عند الموت فالمعلوم أن التوبة تكون في حياة العبد وعند الموت لا يقبل الله توبة أحد.
تخريج قول أبي العالية:
رواه الطبري وابن أبي حاتم عن داود عن أبي العالية
أخرج ابن المنذر عن أبي العالية كما جاء في الدر المنثور .
______________________________
قول سعيد بن جبير (الرفيق في السفر)
نوع المسألة :
تفسيرية لغوية: المراد بالصاحب بالجنب:
الأقوال في المسألة:
١- جليسك في الحضر والرفيق الصالح الذي يلزمك
أصحاب القول: عبد الله بن مسعود ، علي بن أبي طالب، ابن عباس، ابن زيد، زيد بن أسلم ، الفراء
٢- صاحبك في السفر:
أصحاب القول:
ابن عباس ، زيد، قتادة، مجاهد، عكرمة، سعيد بن جبير، السدي، الضحاك ، أبو عبيدة التيمي.
٣- امرأة الرجل
علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود ، إبراهيم النخعي، أبو الهيثم.
تخريج قول سعيد بن جبير:
رواه عبد الرزاق وأبو حذيفة النهدي والطبري وابن أبي حاتم عن أبي بكير عن سعيد بن جبير
مدارسة الأقوال:
معنى الجنب أي الذي بجانبك أو إلى جانبك فتكون الباء بمعنى إلى ..
فكل التأويلات من باب ضرب الأمثلة وهي من باب اختلاف التنوع لأن كلهم يلزمون الشخص وينفعونه فالرفيق في السفر منزله منزلك وطعامه طعامك ومسيره مسيرك
والزوج او الزوجة تسكن اليه وتلازمه
وكلهم أوصى الله بالإحسان إليهم.
______________________________
قول سعيد بن المسيب في قول الله تعالى (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال إنما ذلك في في الصلاة.
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية لها علاقة بأسباب النزول:
١- معنى فلا تطرد:
تأخيرهم عن الصف الأول
أصحاب القول : ابن عباس
عدم المخالطة في المجلس
قول : ابن مسعود، خباب بن الأرت، المقدام عن سعد، عكرمة
والقولان متقاربان من حيث أنهما يصفان تكبر الكفار على ضعفاء المسلمين ومحاولتهم خداع النبي صلى الله عليه وسلم فهم استنكفوا أن يخالطوا فقراء الصحابة وضعفتهم في ذات المجلس أو أن يصلوا خلفهم..

٢- المراد بالذين يدعون ربهم:
بلال وسلمان وصهيب (ضعفة المسلمون)
أصحاب القول: قتادة ،سعد ،مجاهد ، الكلبي
المصلين المؤمنين كابن أم معبد
أصحاب القول : مجاهد
والقولان متقاربان ..
٣- معنى يدعون:
الصلوات الخمس والجماعة:
أصحاب القول: ابن عباس ، إبراهيم ، مجاهد ، الحسن، الضحاك، سعيد بن المسيب ، عامر .
ذكر الله والدعاء:
أصحاب القول: إبراهيم النخعي، ، منصور.
تعلمهم القرآن وقراءته:
أبو جعفر
عبادتهم الله
ابن عباس والضحاك.
ترجيح الأقوال:
الدعاء يكون بالذكر والثناء قولا وكلاما وعملا بالجوارح سواء بالفرض أو النفل وقد يمكن الجمع بين كل الأقوال.
٤- المقصود بالغداة والعشي:
صلاة الصبح وصلاة العصر
قتادة ومجاهد
الصلاة المفروضة
عبد الله بن عمر وابن عباس والضحاك وإبراهيم النخعي. مجاهد
العشي صلاة العشاء
عمرو بن شعيب
قال الحسن بن أبي الحسن المراد به صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيا
وقيل انه يعني استمرار الفعل ليلا نهارا فيكون المراد الصلوات الخمس
والمعنيان صالحان لا يتضادان.
تخريج قول سعيد بن المسيب:
رواه الطبري عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن سعيد بن المسيب.
___________________________________
قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب (أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء)
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية: المراد بسوء الحساب
الأقوال في المسألة:
١- أن لا يتجاوز له عن شيء:
فرقد السبخي، شهر بن حوشب.
٢- أن يإخذ عبده بالحق؛ بذنبه كله.
إبراهيم النخعي ، الحسن.
٣- المناقشة في الأعمال
أبو الجوزاء عن ابن عباس
تخريج قول إبراهيم النخعي:
رواه سعيد بن منصور والطبري عن فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي
أخرجه أبو الشيخ عن فرقد السبخي عن إبراهيم كما جاء عند السيوطي في الدر المنثور.
مدارسة الأقوال:
الأقوال متلازمة ومتوافقة فإن من سوء الحساب أن تناقش في أعمالك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: من نوقش الحساب عذب. فقالت عائشة: أليس يقول الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذلك العرض.
فالكفرة الذين لم يستجيبوا لله تعالى وكفروا به يناقشون على النقير والقطمير والجليل والحقير .
والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 رجب 1443هـ/27-02-2022م, 03:59 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

1- تخريج قول سعيد بن جبير : الصاحب بالجنب( الرفيق في السفر)
رواه سفيان الثوري في تفسيره (161) ، و عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211) في تفسيره، و الطبري في تفسيره( 311) و ابن أبي حاتم (327) في تفسيره من طريق أبي بكير عن سعيد بن جبير.
في رواية سفيان الثوري مورق أو مرزوق .
و روى ابن جرير من طريق أبي بكير عن سعيد بن جبير قوله ( الرفيق الصالح) .
و قال مثل ذلك بألفاظ قريبة كلًا من: ابن عباس و مجاهد و قتادة و السدي،
و في رواية مجاهد زيادة: {والصّاحب بالجنب} الرّفيق في السّفر، منزله منزلك، وطعامه طعامك، ومسيره مسيرك.
و في رواية أخرى لمجاهد (رفيقك في السّفر الّذي يأتيك ويده مع يدك).

الأقوال الواردة في المعنى المراد بالصاحب بالجنب:
1- الرفيق في السفر: و قاله بألفاظ متقاربة كلًا من: ابن عباس وسعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و السدي، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
2- امرأة الرّجل الّتي تكون معه إلى جنبه: قاله كلا من علي بن أبي طالب، عبدالله بن مسعود، و عبد الرحمن ابن أبي ليلى وإبراهيم، و قال ابن عباس مثله بتكنية الزوجة: يعني الّذي معك في منزلك، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
3- هو الّذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك: قال ذلك كلًأ من ابن عباس و ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير.
الدراسة:
1- المسائل التفسيرية المتعلقة بالمسألة:
أ‌. المعنى اللغوي للصاحب كما في المعجم الوسيط:
1- صاحب : مرافق.
2- صاحب : ملازم.
3- صاحب : معاشر.
4- صاحب : «صاحب الشيء» : مالكه. صاحب أباه في رحلة الحَجّ لازمه ورافقه

ب‌. المعنى اللغوي لجنب:
1- غريب: ذكره المبرد( 285) في الكامل، و أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) في كتابه الأمالي
قال القالي: وجنب فلانٌ في بني فلان إذا نزل فيهم غريبًا، ومنه قيل: جانبٌ للغريب، وجمعه جناب، فسلّمت والتسليم ليس يضرّها ولكـنـه حـتـمٌ عـلــى كـــلّ جـانــب، أي على كل غريب، ورجل جنب: غريب وجمعه أجنابٌ،
2- من الجنابة التي تصيب الرجل و المرأة: ذكره المبرد
3- من التنحية: قال القالي: جنبت فلانًا الخير أي نحيّته عنه وجنّبته أيضًا بالتثقيل، قال أبو نصر والتخفيف أجود، قال الله عز وجل: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام
4- حول الرّجل وناحيته وفناء داره، وجلس فلان بجانب فلان وجانبه، ويقال: مرّوا يسيرون جنابيه، وجنابتيه وجنبتيه إذا مرّوا يسيرون إلى جانبه؛ ذكره كلأً من الأخفش (215) في معاني القرآن، القالي في الأمالي.
المعنى المراد بالصاحب بالجنب:
• الأقوال الواردة في المعنى المراد بالصاحب بالجنب:
1- الرفيق في السفر: و قاله بألفاظ متقاربة بذلك كلًا من: ابن عباس وسعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و السدي، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره
2- امرأة الرّجل الّتي تكون معه إلى جنبه: قاله علي بن أبي طالب، عبدالله بن مسعود، و عبد الرحمن ابن أبي ليلى وإبراهيم، و قال ابن عباس مثله بتكنية الزوجة: يعني الّذي معك في منزلك، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
و قد روى سعيد ابن جبير مثله كما ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره
3- هو الّذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك: ذكر من قال ذلك كلًأ من ابن عباس و ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير.
و بالنظر للأقوال في المراد بالصاحب بالجنب و المعنى اللغوي لكلمة الصاحب و لكلمة الجنب يتيبن أن هذه الأقوال هي من اختلاف التنوع و الصواب و الله أعلم القول بالعموم؛ فيقع تحت الصاحب بالجنب كل ما ذكر يجمعها المعنى اللغوي للصاحب و للجنب، و هو اختيار ابن جرير الذي بينه فقال : والصّواب من القول في تأويل ذلك عندي: أنّ معنى: {والصّاحب بالجنب} الصّاحب إلى الجنب، كما يقال: فلانٌ بجنب فلانٍ وإلى جنبه، وهو من قولهم: جنب فلانٌ فلانًا فهو يجنبه جنبًا، إذا كان لجنبه، ومن ذلك: جنب الخيل، إذا قاد بعضها إلى جنب بعضٍ. وقد يدخل في هذا الرّفيق في السّفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرّجل الّذي يلازمه رجاء نفعه، لأنّ كلّهم بجنب الّذي هو معه وقريبٌ منه، وقد أوصى اللّه تعالى بجميعهم لوجوب حقّ الصّاحب على المصحوب.
و استشهد ابن جرير بأحاديث تدل على ذلك منها ما رواه للرسول صلى الله عليه و سلم قال: إنّ خير الأصحاب عند اللّه تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره.
وإن كان الصّاحب بالجنب محتملا معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلا فيه كلّ من جنب رجلاً يصحبه في سفرٍ أو نكاحٍ أو انقطاعٍ إليه واتّصالٍ به، ولم يكن اللّه جلّ ثناؤه خصّ بعضهم ممّا احتمله ظاهر التّنزيل؛ فالصّواب أن يقال: جميعهم معنيّون بذلك، وبكلّهم قد أوصى اللّه بالإحسان إليه). [جامع البيان: 7/11-17]

2- قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
تخريج القول


- هذا القول لسعيد ابن المسيب هو جزء من الأثر الذي رواه ابن جرير في تفسيره ، فقال :حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:"ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: المصلين المؤمنين، بلال وابن أم عبد = قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلّم الإمام ابتدر الناس القاصَّ، فقال سعيد: ما أسرعَ بهم إلى هذا المجلس!قال مجاهد: فقلت يتأولون ما قال الله تعالى ذكره. قال: وما قال؟ قلت:"ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: وفي هذا ذَا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، إنما ذاك في الصلاة.
الدراسة:
المسائل التفسيرية في المسألة:
1- القراءات:
قال ابن عطية في تفسيره: قَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ ؛ ومالِكُ بْنُ دِينارٍ ؛ والحَسَنُ ؛ ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ ؛ وابْنُ عامِرٍ: "بِالغُدْوَةِ والعَشِيِّ"؛ ورُوِيَ عن أبِي عَبْدِ الرَحْمَنِ: "بِالغُدُوِّ"؛ بِغَيْرِ تاءٍ؛ وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "بِالغُدُواتِ والعَشِيّاتِ"؛ بِألِفٍ فِيهِما؛ عَلى الجَمْعِ؛ و"غُدْوَةٌ": مَعْرِفَةٌ؛
أ‌. لِأنَّها جُعِلَتْ عَلَمًا لِوَقْتٍ مِن ذَلِكَ اليَوْمِ بِعَيْنِهِ؛ وجازَ إدْخالُ الألِفِ واللامِ عَلَيْها؛ كَما حَكى أبُو زَيْدٍ: "لَقِيتُهُ فَيْنَةَ"؛ غَيْرَ مَصْرُوفٍ؛ و"اَلْفَيْنَةَ بَعْدَ الفَيْنَةِ"؛ فَألْحَقُوا لامَ المَعْرِفَةِ ما اسْتُعْمِلَ مَعْرِفَةً؛ وحَمْلًا عَلى ما حَكاهُ الخَلِيلُ أنَّهُ يُقالُ: "لَقِيتُهُ اليَوْمَ غَدْوَةً"؛ مُنَوَّنًا.
ب‌. ولِأنَّ فِيها مَعَ تَعْيِينِ اليَوْمِ إمْكانُ تَقْدِيرِ مَعْنى الشَياعِ؛ ذَكَرَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ.
و ذكر مثل ذلك أبو منصور الأزهري (370) في كتابه معاني القراءات و عللها، قال: وإذا لم يردوا بغدوة غداة يومٍ بعينه وأرادوا غدوةً من الغدوات جاز دخول الألف واللام، وعلى هذا المعنى توجّه قراءة ابن عامر). [1/359]
كما قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ) في كتابه إعراب القراءات السبعة وأبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ) في كتابه الحجة للقراء السبعة : ان قراءة ابن عامر وحده {بالغدوة والعشي} بالواو، و وجه ذلك أن غداة نكرة و تتعرف بالألف و اللام ، وغدوة معرفة ولا يستعمل بالألف واللام (فهي علم)، و يكون مراد الله تعالى – والله أعلم – ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي: غداة كل يوم. نزل ذلك في فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/158، الحجة للقراءات السبع : 3/319،251)
2- سبب النزول: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الآية 52.
قال الوادعي في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول:
روى مسلم عن سعد: فيَّ نزلت {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} قال: نزلت في سنة أنا وابن مسعود منهم وكان المشركون قالوا: تدني هؤلاء.
و روى مسلم عن سعد أيضًأ؛ قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.

3- معنى الدعاء لغة سؤال الشئ و طلبه.
4- المعنى المراد ب( يدعون):
1- الدعاء بمعنى العبادة، رواه ابن جرير عن الضحاك، و استشهد بالآية: ( لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [سورة غافر: ٤٣] ، يعني: تعبدون).
2- الصلاة (و هي عبادة من العبادات)، قال ذلك سعيد بن المسيب و لم يفصل ما هي الصلاة المقصودة، و أختلفت الأقوال في ما هي الصلاة المقصودة :
أ‌. الصلوات المكتوبة ، قال ذلك ابن عباس، وإبراهيم، عبد الله بن عمرو روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره، ذكر ذلك عنهم ابن عطية في تفسيره.
، و قد عبر عنها ابن عاشور بعموم أوقات الصلوات الخمس، أي لا تطرد المصلين، أي المؤمنين.
ب‌. قال ابن عطية : قالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ اَلْمُرادُ بِهِ صَلاةُ مَكَّةَ؛ الَّتِي كانَتْ مَرَّتَيْنِ في اليَوْمِ؛ بُكْرَةً؛ وعَشِيًّا
ت‌. صلاة الصبح و العصر، روى ذلك ابن جرير عن مجاهد و قتادة.
3- اَلدُّعاءُ؛ وذِكْرُ اللهِ تَعالى ؛ واللَفْظَةُ عَلى وجْهِها، و هو مجموع قول كلًا من الضحاك، وإبراهيم و منصور، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره، و ذكره ابن عطية
4- و قال ابن عاشور: مَعْنى ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ يُعْلِنُونَ إيمانَهم بِهِ دُونَ الأصْنامِ إعْلانًا بِالقَوْلِ، وهو يَسْتَلْزِمُ اعْتِقادَ القائِلِ بِما يَقُولُهُ، إذْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ نِفاقٌ وإنَّما ظَهَرَ المُنافِقُونَ بِالمَدِينَةِ.
5- وقالَ بَعْضُ القُصّاصِ: إنَّهُ الِاجْتِماعُ إلَيْهِمْ غُدْوَةً وعَشِيًّا؛ فَأنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ المُسَيِّبِ ؛ وعَبْدُ الرَحْمَنِ بْنُ أبِي عَمْرَةَ؛ وغَيْرُهُما؛ وقالُوا: إنَّما الآيَةُ في الصَلَواتِ في الجَماعَةِ، كما قال ابن عطية
و روى بن جرير قولًأ لإبراهيم يرد فيه هذا القول: ولو كان ما يقول القُصَّاص،هلك من لم يجلس إليهم.
6- تعلمهم القرآن وقراءته: رواه ابن جرير عن أبي جعفر، و يعود ذلك إلى ذكر الله.
5- فائدة التعبير بالفعل المضارع يدعون: الاستمرار و التجدد.
6- نوع الباء: ظرف زمان
7- المعنى اللغوي ل( غداة): الغَدَاةُ : ما بين الفجر وطلوع الشمس، كما في المعاني الجامع
8- المعنى اللغوي ل(عشي) :الوقت من المغرب إلى العشاء المعاني الجامع ،
و قال الفراء: تكون العشية فِي معنى: آخرِ، والغداة فِي معنى: أول.
9- معنى (ال) التعريف: قال ابن عاشور ال الجنس، فِيهِما تَعْرِيفُ الجِنْسِ.
10- المعنى الذي أضافه ال الجنس : والمَعْنى أنَّهم يَدْعُونَ اللَّهَ اليَوْمَ كُلَّهُ. فالغَداةُ والعَشِيُّ قُصِدَ بِهِما اسْتِيعابُ الزَّمانِ والأيّامِ كَما يُقْصَدُ بِالمَشْرِقِ والمَغْرِبِ اسْتِيعابُ الأمْكِنَةِ.
دراسة الأقوال:
المعنى المراد لل(يدعون ) يشمل كل الأقوال السابقة و الله أعلم و هو وصف للجماعة التي كانت تجتمع عند رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ فالدعاء بمعنى العبادة، و التي تشمل كل ما ذكر من أقوال، و يدخل فيها دخولًا أوليا الصلاة و ذلك لتخصيص القول بالغداة و العشي، و للأحاديث التي تعضد بعضها بعضًأ، و الصلاة فيها التوحيد و ذكر لله، و تمجيده و الثناء عليه، و فيها قراءة القرآن و فيها الدعاء.
و مما يقوي ذلك :
التعبير بالفعل المضارع الذي يفيد التجدد و الاستمرار.
المعنى الاصطلاحي للدعاء.
تخصيص الدعاء ( بالغداة و العشي) ، و و هو زمن الصلاة ، و هو الصلوات مابين الوقتين، كما قال ابن عاشور:
التي عِبارَةٌ عَنِ اسْتِمْرارِ الفِعْلِ؛ وأنَّ الزَمَنَ مَعْمُورٌ بِهِ؛ كَما تَقُولُ: "اَلْحَمْدُ لِلَّهِ بُكْرَةً وأصِيلًا"؛ فَإنَّما تُرِيدُ: "اَلْحَمْدُ لِلَّهِ تَعالى في كُلِّ وقْتٍ".
و يعود ذلك إلى معنى ال التعريف ( ال الجنس) ، والمَعْنى أنَّهم يَدْعُونَ اللَّهَ اليَوْمَ كُلَّهُ. فالغَداةُ والعَشِيُّ قُصِدَ بِهِما اسْتِيعابُ الزَّمانِ والأيّامِ كَما يُقْصَدُ بِالمَشْرِقِ والمَغْرِبِ اسْتِيعابُ الأمْكِنَةِ، قال ذلك ابن عاشور.
و هو ما اختاره ابن جرير حيث قال: قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى نبيه محمدًا ﷺ أن يطرُد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشي، و"الدعاء لله"، يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وكلامًا = وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمالَ التي كان عليهم فرضُها، وغيرُها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابدَه بما هو عامل له، وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي، لأن الله قد سمى"العبادة"،"دعاء"، فقال تعالى ذكره: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ، [سورة غافر: ٦٠)وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء.
و هو اختيار ابن كثير مع تخصيص السؤال بالقصد.

3- قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
التخريج:
رواه الفراء (ت: 207هـ)، و ابن جرير( 311)، من طريق عاصم ابن أبي النجود، عن زر بن حبيش(وقوله: {وما هو على الغيب بظنينٍ...} ... حدثني قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أنتم تقرءون: (بضنين) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) بمتّهم.
وأخْرَجَه عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن زِرٍّ كما قال السيوطي في الدر المنثور.
و قاله كلا من ابن عباس و الضحاك، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره
الدراسة:
المسائل التفسيرية:
1- القراءات:
أ‌. َما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ): بِالظَّاءِ، قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وابْنُ عُمَرَ، وابْنُ الزُبَيْرِ، وعائِشَةُ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وعُرْوَةُ بْنُ الزُبَيْرِ، ومُسْلِمٌ وابْنُ جُنْدُبٍ، ومُجاهِدٌ، وغَيْرُهُمْ: "بِظَنِينٍ" بِالظاءِ ،ذكر ذلك ابن عطية
ب‌. بالضاد: وبِالضادِ هي في خُطُوطِ المَصاحِفِ كُلِّها فِيما قالَهُ الطَبَرِيُّ، وهي قِراءَةُ نافِعٍ، وعاصِمٍ، وابْنِ عامِرٍ، وحَمْزَةَ، وعُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، وأبِي رَجاءٍ، والأعْرَجِ، وأبِي جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، وجَماعَةٍ وافِرَةٍ؛ قاله ابن عطية
2- توجيه القراءات:
أ‌. ظنين: أَيْ بِمُتَّهَمٍ، وَالظِّنَّةُ التُّهْمَةُ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَمَا وكتاب الله لا عن سناءه ... هُجِرْتُ وَلَكِنَّ الظَّنِينَ ظَنِينُ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَخِّلُوهُ وَلَكِنْ كَذَّبُوهُ، وَلِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: مَا هُوَ بِكَذَا، وَلَا يَقُولُونَ: مَا هُوَ عَلَى كَذَا، إِنَّمَا يَقُولُونَ: مَا أَنْتَ عَلَى هَذَا بِمُتَّهَمٍ، ذكر ذلك القرطبي في تفسيره.
ذكر ابن عطية أن هَذا في المَعْنى نَظِيرُ وصْفِهِ بِأمِينٍ، و أن أبُو عُبَيْدٍ رجح قِراءَةَ الظاءِ مُشالَةً لِأنَّ قُرَيْشًا لَمْ تُبَخِّلْ مُحَمَّدًا ﷺ فِيما يَأْتِي بِهِ وإنَّما كَذَّبَتْهُ فَقِيلَ ما هو بِمُتَّهَمٍ.
. و من معاني ظنين ضعيفِ القوةِ عن التبليغ مِنْ قولِهم: «بئرٌ ظَنُوْنٌ» ، أي: قليلةُ الماءِ، ذكره و عقب عليه أبومنصور الأزهري: أنه محتمل له، كما ذكر ذلك عنه السمين الحلبي في الدر المصون .
ت‌. قرءاة ِالضادِ بِمَعْنى: بَخِيلٍ، أيْ: يَشِحُّ بِهِ، ولا يَبْلُغُ ما قِيلَ لَهُ ويَبْخَلُ، ذكره الزجاج و ابن عطية.
و قال الزجاج: ومَن قَرَأ ﴿بِضَنِينٍ﴾، فَمَعْناهُ: ”ما هو عَلى الغَيْبِ بِبَخِيلٍ“، أيْ: هو ﷺ يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ ويُعَلِّمُ كِتابَ اللَّهِ.
أَيْ بِبَخِيلٍ مِنْ ضَنِنْتُ بِالشَّيْءِ أَضَنُّ ضَنًّا [فَهُوَ] ضَنِينٌ.
و هذا القول هو ما رجحه ابن جرير بناء على أن القراءة بالضاد أولى القراءتين وأولى، فقال عنها: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك ﴿بِضَنِينٍ﴾ بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها
قال القرطبي: رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا يَضَنُّ عَلَيْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ، بَلْ يُعَلِّمُ الْخَلْقَ كَلَامَ اللَّهِ وَأَحْكَامَهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَجُودُ بِمَكْنُونِ الْحَدِيثِ وَإِنَّنِي ... بِسِرِّكَ عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِينُ.
دراسة الأقوال:
القراءات الصحيحة النقل فيها زيادة معنى و إن لم تكن مشهورة، فيجمع بين المعنين و الله أعلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبخل بما علمه الله على قومه، و ليس بمتهم، و البخل هنا يضمن معنى الحرص و دل على ذلك تعدية الفعل بعلى، و متعلق الاتهام هنا أن يبدل و يزيد و ينقص فيما أوحى الله إليه.
و هذا مفهوم قول ابن كثير: كِلَاهُمَا مُتَوَاتِرٌ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ، و هو اختيار السعدي.
و القول الذي قاله أبو عبيد لرد معنى ضنين بخيل؛ أن هذا يستدعي ان المشركين اتهموه بالبخل، و هذا لم يحدث ، رد عليه أبو شامة المقدسي في كتابه حرز الأماني فقال: قال أبو شامة المقدسي: واخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ القِراءَةَ بالظَّاءِ، وقالَ: إنَّهم لم يُبَخِّلُوهُ فيَحْتَاجُ إلى أنَّهُ يَنْفِي عنه ذلك البُخْلَ، إنَّما كان المُشْرِكُونَ يُكَذِّبونَ به، فأَخْبَرَهم اللهُ تعالى أنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ على الغَيْبِ، وجَوابُ هذا أَنْ يُقَالَ: وَصَفَهُ اللهُ تعالى بذلك لحِرْصِهِ على التَّبْليِغِ وقِيامِهِ لِمَا أُمِرَ به، ولا يَتَوَقَّفُ نَفْيُ البُخْلِ عنه على رَمْيِهِمْ إيَّاهُ به
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 4/250]

**************************************************************
4- قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
التخريج
رواه بألفاظ متقاربة كلًا من : ابن جرير في تفسيره، و ابن المنذر النيسابوري في تفسيره،،ابن أبي حاتم في تفسيره ، من طريق داود عن أبي العالية.
و روى مثله ابن جرير بإسناد آخر منقطع، قال : حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قوله:"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا"، قال: هم اليهود والنصارى، يصيبون الذنوبَ فيقولون:"نتوب"، وهم مشركون. قال الله عز وجل: لن تُقبل التوبة في الضّلالة.
الأقوال الأخرى:
1- "المقصود ب(إنّ الذين كفروا" ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد ﷺ ("بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا" بكفرهم بمحمد، رواه ابن جرير عن قتادة، و ذكره عنه ابن عطية، و قال مثله الحَسَنُ وغَيْرُهُما كما ذكر ابن عطية.
رد ابن عطية هذا القول و قال: أن القول أن المقصود اليهود قول فيه اضطراب، فمن كفروا بعيسى عليه السلام بعد إيمانهم بموسى عليه السلام ليسوا من كفروا بمحمد صلى الله عليه و سلم، هذا القول يخلط الأسلاف بالمخاطبين.
2- إن الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد، بعد إيمانهم بأنبيائهم ="ثم ازدادوا كفرًا"، يعني: ذنوبًا ، قالَه أبُو العالِيَةِ رَفِيعٌ، روى ذلك عنه ابن جرير في تفسيره و ذكره عنه ابن عطية في تفسيره.
و هو ما اختاره ابن جرير، و قال عنه أنه أصح الأقوال، و ذلك لمناسبة سياق الآيات له.
3- إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم ="ثم ازدادوا كفرًا"، يعني: بزيادتهم الكفر: تمامُهم عليه، رواه ابن جرير عن عكرمة.
و قال بان عطية : يَدْخُلُ في الآيَةِ المُرْتَدُّونَ اللاحِقُونَ بِقُرَيْشٍ وغَيْرُهم وقالَ مُجاهِدٌ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا﴾ أيْ تَمُّوا عَلى كُفْرِهِمْ وبَلَغُوا المَوْتَ بِهِ. فَيَدْخُلُ في هَذا القَوْلِ اليَهُودُ والمُرْتَدُّونَ. وقالَ السُدِّيُّ نَحْوَهُ

الدراسة:
المسائل التفسيرية:
1- سبب النزول :
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ):
(قوله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم :
1- قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا ببعثة محمد والقرآن.
2- وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم). [، أسباب النزول للواحدي: 110)
3- قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} هكذا رواه وإسناده جيد، [1 /380]
و هو اختيار ابن كثير
2- من هم الذين كفروا:
أ‌. أهل الكتاب ( النصارى و اليهود) في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، قاله أبو العالية، روى ذلك عنه ابن جرير وذكره عنه ابن كثير وابن عطية.
ب‌. اليهود، قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية.
ت‌. كفرالاقوام بأنبيائهم، رواه ابن جرير عن عكرمة و ذكره ابن عطية.
ث‌. المرتدين عن الإسلام، قاله ابن عباس؛ روى ذلك عنه الحافظ أبو بكر البزار كما ذكر ابن كثير، و ذكرابن عطية أن هذا القول يقع تحت القول الثاني.
3- متعلق الكفر:
أ‌. كفر اليهود بأنبيائهم، قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية.
ب‌. كفر اليهود و النصارى بمحمد صلى الله عليه و سلم، قاله أبو العالية، روى ذلك عنه اين جرير.
ت‌. كفرالاقوام بأنبيائهم، رواه ابن جرير عن عكرمة و ذكره ابن عطية.
قال ابن عطية يدخل فيه المرتدين عن الإسلام.
4- متعلق الإيمان( بعد إيمانهم):
أ‌. بعد إيمان الأقوام بأنبيائهم، قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية.
ب‌. بعد إيمان اليهود بمحمد صلى الله عليه و سلم قبل بعثته، قاله أبو العالية، روى ذلك عنه اين جرير.
ت‌. إيمان كل قوم بنبيهم، رواه ابن جرير عن عكرمة و ذكره ابن عطية.
5- ما المراد بزيادة الكفر:
أ‌. الكفر على الحقيقة: الكفر بالأنبياء
1- الكفر بمحمد صلى الله عليه و سلم و بعثته: قاله أبو العالية روى ذلك عنه ان جرير، و قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية، .
2- الإقامة على كفرهم، رواه ابن جرير عن عكرمة
ب‌. بارتكابهم الذنوب، رواه ابن جرير عن أبو العالية.
دراسة الأقوال:
الآية عامة في كل من كان هذا وصفه، كفر بعد إيمانه، و يدخل فيها دخولًأ أوليًا؛ اليهود من كانوا يستفتحون على الذين كفروا من المشركين قبل بعثة محمد، فلما بعثه الله كفروا به كبرًا و حسدًا من عند أنفسهم.
و يؤيد ذلك:
1- سياق الآيات في اليهود المعاصرين للرسول صلى الله عليه و سلم.
2- الآثار التي وردت في سبب النزول
3- الذين لفظ عموم
4- حذف متعلق الكفر و الإيمان
و ازدياد الكفر يشمل الكفرعلى الحقيقة و الإقامة عليه، بإتيان أفعال كفر، التي هي مزيد ذنوب و معاصي، و التي لن يقبل الله توبتهم عنها لإنهم لم يتوبوا عن الكفر ابتداء .

قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
﴿لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ [الرعد ١٨]
وَٱلَّذِینَ یَصِلُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ وَیَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَیَخَافُونَ سُوۤءَ ٱلۡحِسَابِ (21) الرعد
عن فرقد السبخي قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما"سوء الحساب"؟ قلت: لا! قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء
رواه ابن جرير في تفسيره و رواه أبو الشيخ كما في الدر المنثور للسيوطي من طريق فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي.
رواه بلفظه أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة عن عَلِيٌّ، أنا إِسْمَاعِيلُ، نا عَبَّاسٌ، قَالَ: نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
رواه سعيد بن منصور في سننه بألفاظ قريبة عن فرقد بن حوشب.
و روي قريب منه عن الحسن و ابن زيد.
و روى سعيد بن منصور في سننه قول بلفظ آخر عن إبراهيم ، منقطع لأن به رجل مجهول هو من روى عن إبراهيم قال: (أن يأخذ عبده بالحقّ)
المسائل التفسيرية بالمسألة:
1- معنى ال التعريف في الحساب: في الآية: ﴿لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ [الرعد ١٨]
العهد الذهني و هو الحساب الذي يكون يوم القيامة.
و في الآية (وَٱلَّذِینَ یَصِلُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ وَیَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَیَخَافُونَ سُوۤءَ ٱلۡحِسَابِ (21) الرعد، للعهد الحضوري، لسابق ذكره.
2- متى يكون سوء الحساب: في الآخرة، ذكره ابن كثير
3- المعنى المراد ب( سوء الحساب) ؛
1- المناقشة ( المقايسة بالأعمال) ، رَواهُ أبُو الجَوْزاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، يشهد له قول عائشة مرفوعا ( من نوقش الحساب يهلك)، ذكر ذلك النحاس.
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: مَن حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ أوَليسَ يقولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَتْ: فَقَالَ: إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، ولَكِنْ: مَن نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ
2- أنْ يُحاسَبَ بِذَنْبِهِ كُلِّهِ، فَلا يُغْفَرُ لَهُ مِنهُ شَيْءٌ، رواه ابن جرير عن إبراهيم النخعي، و عن حوشب.
3- ألا تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم كما قال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}.ذكره الزجاج.

دراسة الأقوال:
الآية الأولى فيها ذكر لجزاء المعرضين مقابل جزاء من استجابوا لله عز و جل، و هو سوء الحساب الذي يخشاه الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، من استجابوا لله، و سوء الحساب في الآيتين واحد، و يجمع جميع الأقوال؛ فهي لازمة لبعضها البعض، فسوء الحساب هو مناقشة الله للعبد، يقرره بذنوبه، و يوبخه، و يشهد عليه جوارحه، و يأخذه بجميع ذنوبه لا يتجاوز عن أي منها، و هذه لا تكون إلا لمن أعرض و نأى بجانبه عن طريق الله، و هو من عدل الله عز و جل.
و ما عملوا من أعمال حسنة، ظاهرها الصلاح ؛ ليست لله، فهي هباء منثور، لا يقبل منهم.
قال ﷺ: إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طُعمة في الدنيا حسناته يُجزى بها في الدنيا، فإذا أفضى للآخرة ما له شيء كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].
و هذا اختيار بن جرير و ابن كثير الذي قال؛ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، أَيْ: يُنَاقَشُونَ عَلَى النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَالْجَلِيلِ وَالْحَقِيرِ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 رجب 1443هـ/27-02-2022م, 10:51 AM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: (الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
التخريج:

رواه ابن جرير (من عدة طرق) والفراء عن عاصم ابن أبي النجود عنه رحمه الله مثله ومقارب له.
ورواه عبد بن حميد عنه رحمه الله بلفظ مقارب له كما ورد في الدر المنثور للسيوطي.

التوجيه:
نستطيع التوجيه بالرجوع إلى القراءات التي جاءت بها كلمة "ضنين".
فقد ورد في كلمة "ضنين" قراءتان، هما:
القراءة الأولى: ضنين.
قرأ بها نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والاعمش وشيبة وأبو جعفر.
ذكرها في باب القراءات كلا من: أبو بكر أحمد بن موسى، ومكي بن أبي طالب القيسي، وأبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، وابن الجزري، وأبو القاسم يوسف بن علي المغربي، ونسبها علم الدين السخاوي لأبيّ، وشعلة، وقال أبو شامة الدمشقي أنها الأولى لأنها هكذا كتبت في المصاحف، والسمنودي، وأحمد بن محمد الدمياطي، والصفاقسي، وعبد اللطيف الخطيب.
كما ذكرها كلا من: ابن وهب، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، وابن جرير، وذكره عبد الرحمن بن الحسن من تفسير مجاهد.

القراءة الثانية: ظنين.
قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ومكي والزعفراني وزيد ورويس والحضرمي.
ذكرها في باب القراءات كلا من: أبو بكر أحمد بن موسى، وأبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران، والجرجاني، ومكي بن أبي طالب القيسي، وأبو عمرو عثمان بن سعيد، وابن الجزري، واختاره أبو القاسم يوسف بن علي المغربي، وابن الباذش، والشاطبي، ونسبها علم الدين السخاوي لابن مسعود وابن عباس، ومحمد بن أحمد الموصلي، وقال أبو شامة الدمشقي: بأنها اختيار أبي عبيد، وعبد الفتاح القاضي، والسمنودي، وابن الجزري، وأحمد بن محمد الدمياطي، والصفاقسي، وعبد اللطيف الخطيب.
كما ذكرها كلا من: ابن وهب، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، وابن جرير.
والمعنى على كل قراءة:
- معنى ضنين: بخيل، من ضنّ يضن أي بخل، فضنين بخيل.
و (على) على هذه القراءة بمعنى الباء كما ذكره أبو شامة الدمشقي وغيره من أهل العلم،
حيث قال: وذلك ثابت لغة، وأن سبب العدول عن (الباء) إلى (على) هو لاستقامة معناها على القراءتين، أو كراهة لتكرار الباء لو قيل: بالغيب بضنين.
ومعنى الآية: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يبخل بما أوحي إليه أن يعلمه، أو يكتم بعضه فلا يبلغه، فوصفه تعالى بذلك لحرصه على الهداية وتشميره في تبليغ الرسالة امتثالا لأمر الله، ولا يتوقف هذا الوصف على رميهم إياه بالبخل بما عُلم.

- معنى ظنين: من الظّنّة، أي التهمة، متهم (على أحد الأقوال التي سأسردها في تحرير المسألة بإذن الله في الأسفل).
ومعنى الآية: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمتهم على ما لديه من علم الغيب.

ومما سبق نلحظ أن قول زر بن حبيش مطابق للمعنى اللغوي على القراءتين.

تحرير المسألة في معنى "ضنين":
• على القراءة الأولى "ضنين"، فإن معناها جاء على قولين لأهل العلم، وهو:
القول الأول: بخيل. رواه ابن وهب (عن سفيان)، وعبد الرزاق (عن إبراهيم)، والبخاري، وابن جرير (عن زر وعن إبراهيم وعن مجاهد وعن قتادة وعن سفيان وعن ابن زيد)، مجاهد (كما نقله عبد الرحمن الهمذاني)، كما ذكر السيوطي في الدر المنثور [بأن ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه قد رووه عن (ابن عباس) من طرق، وأن عبد بن حميد قد رواه (عن مجاهد وعن عكرمة وعن قتادة) وابن المنذر قد رواه (عن مجاهد وعن ابن الزهري)، وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر (عن إبراهيم النخعي)، وعبد بن حميد (عن زر)]. وذكره ابن عطية، وابن كثير.
كما ذكره الفراء، وأبو عبيدة، والأخفش البلخي، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، وغلام ثعلب، ومكي بن أبي طالب، وأبو عبيدة.

القول الثاني: الكتمان. رواه ابن جرير (عن ابن زيد).
وهو لازم البخل.

• على القراءة الثانية (ظنين)، فإن معناها جاء على قولين لأهل العلم، هي:
القول الأول: متهم. رواه ابن وهب (عن سفيان)، وعبد الرزاق (عن إبراهيم)، والبخاري، وابن جرير (عن ابن عباس وعن زر وعن سعيد بن جبير وعن إبراهيم وعن الضحاك)، وذكر السيوطي في الدر المنثور أن ممن رواه [سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه (عن ابن مسعود وعن إبراهيم النخعي)، وعبد بن حميد وابن مردويه (عن ابن عباس)، وعبد بن حميد (عن زر)]. وذكره ابن عطية، وابن كثير.
كما ذكره الفراء، وأبو عبيدة، والأخفش البلخي، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، وغلام ثعلب، ومكي بن أبي طالب، وسيبويه.

القول الثاني: ضعيف. رواه ابن جرير (عن أهل العربية)، فتقول العرب عن الرجل الضعيف هو ظنون.
والمعنى: أنه ليس على الغيب بضعيف، ولكنه محتمل له مطيق.
كما ذكره الفراء.
الأدلة والشواهد:
تقول العرب: رجل ظنون أي ضعيف. ذكره ابن جرير والفراء.

التوجيه:
تصح القراءة بكلا القراءتين، وكل المعاني المذكورة أعلاه تصح، ولكن القول بأنه (ضعيف) فهو محتمل وليس بالقوي.
قال علم الدين السخاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما فيما روي.
والرسول صلى الله عليه وسلم متحقق به كلا الوصفين: فهو أمين ناصح للأمة، لا يبخل عليها بالعلم الذي أوحاه الله إليه، وغير متهم بالكذب على الله، فما هو على ما يخبر به من المغيب عنكم، كيف لا؟ وهو الصادق الأمين.
وعليه، فلا ترجيح بين القراءتين بل نجمع بينهما لثبوتهما تواترا، واحتمال معنى الآية لكلا المعنيين.
أدلة كل من رجح قولا على الآخر:
فقد رجح ابن جرير قراءة (الضاد)، وذلك لاتفاق خطوط المصاحف عليه وإن اختلفت قراءتهم به.
ومثله قال أبو شامة الدمشقي.
قال الفراء: (وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت (بضنين) وهو حسن، يقول: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس فيه فلا يضن به عنكم، فلو كان مكان: على ـ عن ـ صلح أو الباء كما تقول: ما هو بضنين بالغيب).

بينما اختار أبو عبيدة القراءة بالظاء، وذلك لأن قريشا لم يبخّلوه فيُحتاج إلى أنه ينفى عنه ذلك البخل، وإنما كان المشركون يكذبون به، فأخبرهم تعالى بأنه ليس بمتهم على الغيب.
قال الفراء: (والذين قالوا: بظنين. احتجوا بأن على تقوّي قولهم، كما تقول: ما أنت على فلان بمتهم، وتقول: ما هو على الغيب بظنين: بضعيف، يقول: هو محتمل له).

والرد على كلا الترجيحين السابقين يكون:
بأن المعنى في كلا القراءتين صحيح، حيث وصفه تعالى بذلك لحرصه على التبليغ وقيامه بما أمر به، ولا يتوقف نفي البخل عنه على رميهم إياه به.
فلا يجوز نفي أي من القراءتين طالما ثبت تواترهما، واحتمال الآية لكلا المعنيين.
فتصح الأقوال كلها في القراءتين.

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
التخريج:

رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من عدة طرق عن داود بن أبي هند عنه رحمه الله بألفاظ متقاربة.
التوجيه:
يمكننا تقسيم الآية إلى ثلاثة أقسام، لكل منها مسألة خاصة بها، هي:
المسألة الأولى: المراد ب "الذين كفروا بعد إيمانهم".
فقد ذكر أبو العالية أنهم اليهود والنصارى، وهذا حق وصدق، وهو مثال على الذين كفروا بعد إيمانهم ببعض أنبيائهم، أو بجميعهم ولكنهم كفروا ببعض الأنبياء، ككفر اليهود والنصارى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وككفر اليهود بعيسى وبالإنجيل.
فقد قال تعالى: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين".
وقال تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام".
وقال تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه".
وروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار). صحيح مسلم.
فتخصيص أبي العالية للذين كفروا بأنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، مبني على نصوص ثابتة صحيحة.

المسألة الثانية: متعلق الزيادة بالكفر "ثم ازدادوا كفراً".
فسر أبو العالية "ثم ازدادوا كفرا" بذنوب أصابوها، وهذا حق وواقع منهم، فاليهود والنصارى كانوا ولازالوا غير مؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم مقترفون للآثام والذنوب لبعدهم عن دين الحق، فما زالوا بازدياد بالكفر، وهل بعد الكفر ذنب؟

المسألة الثالثة: علة عدم قبول توبتهم "لن تقبل توبتهم".
فسرها أبو العالية: فهم يتوبون منها في كفرهم.
من المعلوم بالضرورة من ديننا أن الإسلام هو شرط لقبول العمل، ومن بعد الإسلام فإن شرطي قبول أي عمل بالإسلام هو: الإخلاص لله، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يتحقق إلا إن كان صاحب العمل مسلما. والتوبة هي من العمل الصالح التي لابد لقبولها أن يتحقق فيها كلا الشرطين السابقين بالإضافة لشروط أخرى لن أذكرها الآن، وسأكتفي بالشاهد. وعليه، فإن تاب أهل الكتاب من ذنوب اقترفوها وهم لازالوا على الكفر، فلن يتقبل منهم. وقد قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم على رفعة شأنه: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك" فالشرك والكفر من أسباب حبوط أي عمل ومنها التوبة، ولذلك قال تعالى في الآية: "لن تقبل توبتهم"، نعم كونها لم تأت من مسلم، ثم ختم تعالى الآية: "وأولئك هم الضالون"، الذين ضلوا سبيل الحق، وهي العلة في عدم قبول توبتهم.
فيكون تفسير أبي العالية رحمه الله له شواهد في الشرع فهو صحيح، ويكون من باب التفسير بلازم المعنى، فالقول يشمل كل كافر من أهل الكتاب سواء يهودي أو نصراني، فهم طالما بقوا على كفرهم فهم بازدياد من الذنوب، مهما تابوا منها أو قاموا بأي عمل صالح، فلن يقبل منهم طالما أن القاعدة ليست الإسلام، ولو أسلموا وتابوا من الشرك لقبل منهم.

تحرير المسألة: وهي معنى الآية:
سأقسم الآية إلى عدة مسائل:
• المراد ب "الذين كفروا"
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال بالذين كفروا، يمكن اختصارها إلى أربعة أقوال، هي:
القول الأول: الذين كفروا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى (لكفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم). رواه ابن جرير (عن الحسن)، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن أبي العالية)،
القول الثاني: اليهود (لكفرهم بالإنجيل وبعيسى عليه السلام). رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن قتادة). كما ذكر السيوطي في الدر المنثور أن عبد بن حميد قد رواه (عن قتادة). وذكره ابن عطية.
واختار ابن جرير القول بأنهم اليهود، لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بعد أن كانوا قد آمنوا به قبل مبعثه الذي أخبرهم عنه كتابهم التوراة، ثم ازدادوا كفرا بما أصابوا من الذنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم، فلن تقبل توبتهم حتى يتوبوا من كفرهم ويدخلوا في الإسلام ويؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالفرقان.
وعلل ابن جرير اختياره هذا لمناسبته للسياق قبلها وبعدها والذي يتناول الحديث عن اليهود عليهم لعائن الله.

القول الثالث: اليهود والنصارى والمجوس. رواه ابن جرير (عن أبي العالية).
القول الرابع: الذين كفروا. رواه ابن جرير (عن مجاهد).
القول الخامس: قوم أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا. أخرجه البزار (عن ابن عباس) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي، وقال السيوطي: وهذا خطأ من البزار. ذكره ابن عطية، وقال عنه ابن كثير أن إسناده جيد.
وذكره الزجاج والنحاس.
واختار ابن جرير القول الثاني، أنهم اليهود، وليس من أسلم ثم كفر ثم أسلم ثم كفر كونه لم يذكره تعالى في سياق الآية.
وسيأتي تفصيله أدناه في التوجيه.

• متعلق "من بعد إيمانهم"
القول الأول: إيمانهم ببعض الأنبياء المبعوثين قبل محمد صلى الله عليه وسلم. رواه ابن جرير (عن الحسن وعن قتادة وعن عطاء). وذكره ابن عطية.
القول الثاني: إيمانهم بأنبيائهم جميعا. رواه ابن جرير (عن أبي العالية وعن ابن جريج).
القول الثالث: إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. رواه ابن جرير (عن أبي العالية). وذكره ابن عطية.
وسيأتي تفصيل توجيه الأقوال أدناه.

• متعلق زيادة الكفر
القول الأول: بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالفرقان. رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن قتادة). ورواه عبد بن حميد عن قتادة كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية.
القول الثاني: زيادة الذنوب. رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن أبي العالية). ورواه عبد بن حميد (عن أبي العالية) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثالث: بقاؤهم على الكفر حتى الموت. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن مجاهد وعن السدي). ورواه عبد بن حميد (عن مجاهد) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية.
واختار ابن جرير القول الثاني، وسيأتي تفصيله أدناه في التوجيه.

• متعلق توبتهم
القول الأول: ساعة الاحتضار عند الموت. رواها عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم (عن قتادة)، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن الحسن وعن عطاء). وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: توبتهم من ذنوبهم. رواه ابن جرير (عن رفيع)، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن أبي العالية)، ورواه عبد بن حميد (عن أبي العالية) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية.
وأجازه النحاس لغة.
القول الثالث: إيمانهم الأول بأنبيائهم. رواه ابن جرير (عن ابن جريج).
القول الرابع: سموا اعتناقهم لدين كفر آخر أنه توبة. ذكره النحاس.

واختار ابن جرير القول الثاني، كون ذنوبهم التي لازالوا يقترفونها من الزيادة على الكفر التي لن يقبلها الله والتي قال تعالى عنها" لن تقبل توبتهم"، ونفى أن يكون المقصود هو توبتهم من كفرهم لحظة الموت، لأنها مقبولة مادامت أرواحهم لازالت في أجسادهم، كما نفى القول الثالث، لأن الله لم يصف القوم بأنهم كانوا مؤمنين ثم كفروا وارتدوا ثم آمنوا ثم كفروا، وإنما وصفهم بكفر بعد إيمان، وأن القرآن يؤول على ما كان موجودا في ظاهر التلاوة إذا لم تكن حجة تدل على باطن خاص أولى من غيره وإن أمكن توجيهه إلى غيره.
وسيأتي تفصيله أدناه في التوجيه.

• علة عدم قبول توبتهم
القول الأول: لإقامتهم على الكفر والضلال وموتهم عليه. رواه ابن جرير (عن أبي العالية وعن مجاهد وعن السدي)، ورواه ابن أبي حاتم (عن أبي العالية). وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: لانحرافهم من كفر إلى كفر آخر، فالتوبة لا تقبل إلا إذا تابوا للإسلام. ذكره النحاس.

التوجيه:
يحتمل معنى "الذين كفروا" وصف كل كافر سواء يهوديا أو نصرانيا أو مرتدا، فكلهم داخل في معنى الآية.
o و "بعد إيمانهم" سواء آمن بنبيه أو ببعض الأنبياء، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمرتد.
o "ثم ازدادوا كفرا" تشمل كل معنى فيه زيادة بالكفر: كالكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو إصرارهم على الكفر حتى الموت، أو الاستمرار في المعاصي والذنوب مع تحقق الكفر فيهم.
o " لن تقبل توبتهم"، والعلة في عدم قبول توبتهم مع أن الله قد وعد بقبول التوبة عن عباده، قال تعالى: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده"، فالله لا يقول أقبل ولا أقبل لشيء واحد، حاشا وكلا، بل هو سبحانه يقبل حتى توبة الكافر ما لم يغرغر، قال تعالى: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"، فالكافر إن أسلم وحسن إسلامه وتاب وأصلح فالله يقبله منه، ولكن العلة في عدم قبول توبتهم:
- لكفرهم، فقد منع كفرهم من قبول توبتهم من الذنوب التي اقترفوها، فالله لا يقبل عمل الكافر ما أقام على شركه وضلاله، ويدخل فيه المرتد، فرجوعه عن الإسلام أدخله في الكفر الذي لن يقبل معه أي عمل صالح يعمله ومنها التوبة من أي ذنب يقترفه، ولن ينفعه إيمانه السابق كونه خرج من الدين، ودليلها ختم الآية، قال تعالى: "وأولئك هم الضالون". يدل على أنهم لو حققوا التوبة لم يتحقق فيهم وصف الضلال.
- لإصرارهم على الكفر حتى الغرغرة والمعاينة، فهم لم يتوبوا من كفرهم حتى إذا حضرهم الموت قالوا آمنا، فعندها لن تقبل توبتهم، وهذا مطابق للحكم الشرعي الوارد في النصوص التالية:
قال تعالى: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن".
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر). رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
- جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، فهؤلاء ختم الله عليهم بالكفر، وهم الذين أشار إليهم بقوله كيف يهدي اللّه قوماً [آل عمران: 86] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها، فلا يوفقهم تعالى لتوبة بل يمدهم في طغيانهم يعمهون.



3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
رواه عبد الرزاق وابن جرير (من عدة طرق) وسفيان الثوري (من طريق أبي بكير - وهو مورق أو مرزوق مولى الشعبي كما ذكر ابن حبان في الثقات – عنه) مثله.

وبلفظ الرفيق الصالح:
رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (من طريق أبي نعيم بن دكين عن سفيان الثوري عن أبي بكير عنه) مثله.
ورواه ابن جرير (من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي بكير عنه) مثله.
وقال البيهقي في الشعب: وَرُوِّينَا َعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ كَذَلِكَ.

أما عن غير سعيد بن جبير، فممن رواه بلفظ مثله أو مقارب له يحمل ذات المعنى:
رواه ابن جرير (عن ابن عباس، وعن مجاهد، وعن عكرمة، وعن قتادة، والسدي، والضحاك).
ورواه ابن المنذر (عن ابن عباس، وعن عكرمة، وعن مجاهد، وعن أبي عبيدة، وعن زيد بن أسلم).
ورواه ابن أبي حاتم (عن مجاهد، وعن عكرمة، وعن قتادة، وعن زيد بن أسلم).
ورواه البيهقي في الشعب (عن ابن عباس، وعن مجاهد، وعن قتادة، وعن الكلبي، وعن مقاتل بن حيان، وعن مقاتل بن سليمان).

التوجيه:
قال ابن منظور في لسان العرب: الرفيق هو الصاحب، ورافَق الرجلَ: صاحَبَه. ورَفِيقُك: الَّذِي يُرافِقُك، وَقِيلَ: هُوَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ مِثْلُ الصَّدِيق. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. وتَرافَق الْقَوْمُ وارْتفَقُوا: صَارُوا رُفَقاء. والرُّفاقةُ والرُّفْقةُ والرِّفْقة وَاحِدٌ: الْجَمَاعَةُ المُترافِقون فِي السَّفَرِ.
وقال ابن منظور في اللسان كذلك: ‌الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ. تَقُولُ: قعَدْتُ إِلَى جَنْب فُلَانٍ وَإِلَى جانِبه.
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ: يَعْنِي الَّذِي يَقْرُبُ مِنْكَ ويكونُ إِلَى جَنْبِك. وَكَذَلِكَ جارُ الجُنُبِ أَي اللَّازِقُ بِكَ إِلَى جَنْبِك. وَقِيلَ: الصاحِبُ بالجَنْبِ صاحِبُك فِي السَّفَر

فمن المعنى اللغوي نرى أن تفسير سعيد بن جبير رحمه الله لـ "الصاحب بالجنب" هو مطابق للمعنى اللغوي". فيكون تفسير سعيد بن جبير من باب التفسير بالمثال.
وقد حثنا تعالى في الآية على الإحسان للوالدين وللأرحام واليتامى والمساكين والجار ذي الرحم والجار من غير الرحم والرفيق في السفر والزوجة، والضيف، والمسافر الذي انقطعت فيه السبل وإلى ملكة الأيمان.

تحرير مسألة معنى الصاحب بالجنب:
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال في معناها يمكن اختصارها إلى ثمانية أقوال، هي:
القول الأول: الرفيق في السفر. رواه عبد الرزاق، والثوري (عن سعيد بن جبير) [كما ذكر النهدي في تفسيره]، وابن جرير (عن ابن عباس، وعن سعيد بن جبير، وعن مجاهد، وعن قتادة، وعن السدي، وعن سعيد بن جبير، وعن الضحاك)، ورواه ابن المنذر (عن مجاهد، وعن أبي عبيدة) ورواه ابن أبي حاتم (عن مجاهد وعن عكرمة وعن قتادة). وذكره البيهقي في الشعب.
وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، والنحاس، ومكي بن أبي طالب.
وذكره ابن عطية.

القول الثاني: الرفيق الصالح. رواه ابن جرير (عن علي وعبد الله)، ورواه ابن المنذر (عن سعيد بن جبير). وذكره البيهقي.
وذكره ابن كثير.

القول الثالث: المرأة. رواه عبد الرزاق (عن إبراهيم)، والثوري (عن ابن مسعود وعن أبي الهيثم) [كما ذكر النهدي في تفسيره]، وسعيد بن منصور (عن إبراهيم)، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن علي وعبد الله، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعن إبراهيم)، ورواه ابن المنذر (عن الحسن) ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم (عن سعيد بن جبير). وذكره البيهقي في الشعب، والهيثمي في المجمع.
وذكره النحاس، وغلام ثعلب، ومكي بن أبي طالب.
وذكره ابن عطية، وابن كثير.

القول الرابع: جليسك في الحضر وصاحبك في السفر. رواه ابن وهب، ورواه عبد الرزاق عن (سعيد بن جبير)، ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم (عن زيد بن أسلم).
وذكره ابن كثير.

القول الخامس: الذي معك في المنزل. رواه ابن جرير (عن ابن عباس).

القول السادس: رفيقك الذي يرافقك (الرفيق). رواه ابن المنذر (عن ابن عباس وعكرمة)، ورواه ابن أبي حاتم (عن ابن عباس).
وذكره الفراء.
القول السابع: الجار الملاصق. ذكره غلام ثعلب.
القول الثامن: هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه. ذكره ابن عطية.

التوجيه:
جميع الأقوال يحتملها اللفظ، فديننا الحنيف يدعونا إلى الإحسان إلى كل ما جاء في الأقوال المذكورة أعلاه.
قال تعالى: "وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين".
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء). صحيح مسلم [1955]
ولذلك: فالإسلام يحثنا على الإحسان إلى كل من نجالسهم، في سفر أو في حضر، في المنزل وخارج المنزل، ذوي الرحم والأباعد، فهذه هي اخلاق المسلمين.


4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
التخريج:
رواه ابن جرير من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عنه مثله.
التوجيه:
الأثر سندا كما ذكره ابن جرير هو:
قال ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: صلّيت الصّبح مع سعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدر النّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلون ما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتي انصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة.

وأصح ما قيل في سبب نزول الآية – كما جاء في الاستيعاب في بيان الأسباب للهلالي -: ما رواه سعد بن أبي وقاص حين قال: فيّ نزلت: {وَلَا تَطْرُدِ. . .}؛ قال: نزلت في ستة: أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا له: تدني هؤلاء. وفي رواية: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ستة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد هؤلاء؛ لا يجترؤون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء أن يقع، فحدث نفسه؛ فأنزل الله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} (1). [صحيح]. أخرجه مسلم في "صحيحه" (4/ 1878 رقم 2413)، والنسائي في "الكبرى" (5/ 72، 73 رقم 8264، 8266)، و"التفسير" (1/ 469، 470 رقم 183) وغيرهما كثير. وفي رواية لابن ماجه (2/ رقم 4128)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص 145) تسمية الستة وهم: ابن مسعود وسعد وصهيب وعمار والمقداد وبلال، وفي سنده قيس بن الربيع؛ قال الحافظ: "صدوق، تغيّر لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به"

وفي قوله تعالى: "يدعون ربهم بالغداة والعشي"، فمصطلح الصلاة لغة: هو الدعاء. وقد فسر السعدي قوله تعالى: "وصلّ عليهم، إن صلاتك سكن لهم"، أي ادع لهم.
فيكون تفسير سعيد بن المسيب صحيح لغة، وله شواهد في أقوال المفسرين أدناه، وأن الله ينهى نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يطرد ضعفة المؤمنين الذين يصلّون بالغداة والعشي يريدون وجهه، استجابة لكبراء قريش الذين أنفوا أن يجالسوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو معهم. وهو محتمل في سبب النزول المذكور أعلاه، والذي عبّر فيه الصحابي سعد بن أبي وقاص من أنهم مجتمعون يدنون من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متحقق في صلوات الجماعة، مكتوبة كانت أو نافلة.
ولكن الخلاف وقع بين المفسرين في ماهية تلك الصلاة على أقوال، سأذكرها أدناه.

تحرير المسألة: وهي المراد ب "دعاء المؤمنين بالغداة والعشي"
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال فيها على عشرة أقوال، هي:
القول الأول: صلاة الصلوات الخمس المكتوبة. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن ابن عباس، وعن إبراهيم، وعن مجاهد)، ورواه ابن جرير (عن الضحاك، وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة). وذكر السيوطي في الدر المنثور أن ابن المنذر رواه (عن ابن عباس). وذكره ابن عطية، وابن كثير.

القول الثاني: الصلوات في جماعة. رواه ابن جرير (عن الحسن). وذكره ابن عطية.

القول الثالث: صلاة الصبح والعصر. رواه ابن جرير (عن مجاهد، وعن قتادة)، ورواه ابن أبي حاتم (عن مجاهد، وعن الضحاك). وذكره ابن عطية.

القول الرابع: صلاة الصبح والعشاء. رواه ابن أبي حاتم (عن عمرو بن شعيب).

القول الخامس: الصلاة. رواه ابن جرير (إبراهيم، وعن مجاهد، وعن سعيد بن المسيب، وعن عامر، وعن عبد الرحمن).

القول السادس: الصلاة في الصف الأول. رواه ابن جرير (عن ابن عباس). وذكره ابن عطية.

القول السابع: ذكر الله. رواه سعيد بن منصور وابن جرير (عن إبراهيم)، رواه ابن جرير (عن منصور، وعن إبراهيم). ذكره البيهقي في دلائل النبوة، وذكر السيوطي أن ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبا الشيخ قد أخرجوه (عن إبراهيم). وذكره ابن عطية.

القول الثامن: الدعاء. ذكره ابن عطية.

القول التاسع: قراءة القرآن وتعلمه. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن أبي جعفر). وذكره البيهقي في دلائل النبوة. وذكره ابن عطية.

القول العاشر: العبادة. رواه ابن جرير (عن الضحاك)، ورواه ابن أبي حاتم (عن ابن عباس، وعن إبراهيم). وذكره ابن عطية، وابن كثير.

التوجيه:
نلحظ من الأقوال السابقة أن من نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طرده، هم الصحابة العابدين لله: في صلاة، أو ذكر - وأعلى الذكر هو تلاوة القرآن – أو دعاء.
والدعاء في الشرع قسمان:
- دعاء مسألة. وهي سؤال الله من خيري الدنيا والآخرة.
- دعاء عبادة. قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين". فسمى الله الدعاء في نفس الآية عبادة.
فالمعنى يشمل كل الأقوال السابقة، فالداعي ربه هو عابد، والعبادة تشتمل على الذكر وقراءة القرآن والصلاة.
وكما قال ابن جرير: إنّ اللّه -تعالى- نهى نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يطرد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ، والدّعاء للّه يكون بذكره وتمجيده والثّناء عليه قولاً وكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال الّتي كان عليهم فرضها وغيرها من النّوافل الّتي ترضي، والعامل له عابده بما هو عاملٌ له، وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلّها، فوصفهم اللّه بذلك بأنّهم يدعونه بالغداة والعشيّ. ولا قول أولى بذلك بالصّحّة من وصف القوم بما وصفهم اللّه به من أنّهم كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ فيعمّون بالصّفة الّتي وصفهم بها ربّهم ولا يخصّون منها بشيءٍ دون شيءٍ. فلا تقص يا نبي الله من يدعون ربهم: فيسألون عفوه ومغفرته لصالح أعمالهم، وأداء ما ألزمهم من فرائضه، ونوافل تطوعهم، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة والعشي، يلتمسون بذلك القربة إلى الله، والدنو من رضاه.
قال ابن عطية: وقوله تعالى: "بالغداة والعشي" عبارة عن استمرار الفعل، وأن الزمن معمور به.
فجميع أقوال الصلوات يحتملها المعنى، لقوله تعالى: "بالغداة والعشي" بالإضافة لباقي العبادات الواردة في الأقوال.

5. قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: (هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
وردت "سوء الحساب في آيتين، هما:
- قال تعالى: " لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ". الرعد [18].
- قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ". الرعد [21].


وقد ورد قول إبراهيم النخعي عند أهل التفسير في تفسيرهم للآيتين.

التخريج:
بذات اللفظ (هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء):
رواه ابن وهب وابن جرير (من طريقين) والخطيب البغدادي (في تاريخ دمشق) من طريق فرقد السبخي عنه مثله.
ورواه سعيد بن منصور وأبو الشيخ من طريق فرقد السبخي عنه مثله، كما جاء في الدر المنثور للسيوطي.

• وبلفظ آخر عن إبراهيم النخعي (أن يأخذ عبده بالحق):
رواه سعيد بن منصور من طريق سعيد عن خلف بن خليفة عن رجل عنه مثله.

التوجيه:
في سورة الرعد، ذكر تعالى الآيتين:
- الأولى: في ذم أهل النار وعقوبة لهم على ما فرطوا في جنب الله، أن الله سيحاسبهم حسابا عسيرا شديدا. ودليله، قوله تعالى: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله، فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا". قال ابن جرير في تفسير العذاب الشديد: حسابا استقصينا فيه عليهم، لم نعف لهم فيه عن شيء، ولم نتجاوز فيه عنهم.
- والثانية: في الثناء على أهل الجنة، أنهم كانوا في الدنيا يخافون لقاء الله يوم الحساب فلا يتجرؤون على المعاصي أو يقصرون في شيء أمرهم الله به خوفا من العقاب ورجاء الثواب.
وقد جاء في الحديث:
o روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أليسَ اللَّهُ يقولُ: حِسابًا يَسِيرًا؟ قالَ: ذاكِ العَرْضُ، ولَكِنْ مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ). وفي رواية: مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ. صحيح مسلم [2876].
o أخرج ابن حبان في صحيحه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: بَيْنَا نحنُ مع عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ نطُوفُ بالبيتِ إذ عارَضه رجُلٌ فقال: يا ابنَ عُمَرَ كيف سمِعْتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يذكُرُ النَّجوى فقال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ( يدنو المُؤمِنُ مِن ربِّه يومَ القيامةِ حتَّى يضَعَ عليه كتِفَه ثمَّ يُقرِّرُه بذُنوبِه فيقولُ : هل تعرِفُ ؟ فيقولُ: ربِّ أعرِفُ حتَّى إذا بلَغ ما شاء اللهُ أنْ يبلُغَ قال: فإنِّي قد ستَرْتُها عليكَ في الدُّنيا وأنا أغفِرُها لكَ اليومَ ثمَّ يُعطَى صحيفةَ حسَناتِه وأمَّا الكافِرُ والمُنافِقُ فيُنادَى على رؤوسِ الأشهادِ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]
o قال تعالى: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون"
قال السعدي في تفسيرها: هم الذين يعطون من أنفسهم ما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه: من صلاة وزكاة وحج وصدقة وغير ذلك، ومع هذا قلوبهم خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات.
فالمعنى الذي ذكره إبراهيم النخعي مطابق لمعنى النصوص الصحيحة الثابتة، وهو لازم معنى سوء الحساب، فللكافر سوء الحساب الذي يناقش فيه ويستقصى كل فعل أو قول قام به، والمؤمنين يخافون سوء الحساب يوم القيامة، فيدفعهم هذا إلى العمل، فكان جزاؤهم الحساب اليسير الذي يعرض الله فيه على المؤمن عمله دون أن يناقشه فيه كما في الحديث أعلاه.

تحرير المسألة وهي المراد ب"سوء الحساب":
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال في معناها، يمكن اختصارها إلى سبعة أقوال، هي:
القول الأول: أن لا يتجاوز له عن شيء. رواه سعيد بن منصور وابن جرير (عن فرقد السبخي).
وذكره مكي بن أبي طالب [في الهداية] (عن شهر بن حوشب).

القول الثاني: أن يأخذ عبده بالحق. رواه سعيد بن منصور (عن إبراهيم النخعي)،

القول الثالث: أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر منه شيء. رواه ابن وهب وابن جرير والخطيب البغدادي [في تاريخ دمشق] (عن إبراهيم النخعي). ورواه ابن المنذر (عن إبراهيم النخعي) كما في الدر المنثور للسيوطي.
كما رواه ابن المنذر وأبو الشيخ (عن الحسن) كما في الدر المنثور للسيوطي.
وذكره الزجاج.

القول الرابع: المناقشة في الأعمال. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة (في مصنفه) وابن جرير وابن أبي حاتم (عن أبي الجوزاء). كما رواه ابن المنذر وأبو الشيخ (عن أبي الجوزاء) كما في الدر المنثور للسيوطي. ذكره ابن عطية وابن كثير.
ذكره الزجاج، وذكره مكي بن أبي طالب [في الهداية] (عن ابن عباس).
ذكره الزجاج بشيء من الشرح فقال: أن يستقصى عليه حسابه، ولا يتجاوز له عن شيء من سيئاته
الأدلة والشواهد:
روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أليسَ اللَّهُ يقولُ: حِسابًا يَسِيرًا؟ قالَ: ذاكِ العَرْضُ، ولَكِنْ مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ). وفي رواية: مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ. صحيح مسلم [2876].

القول الخامس: ألا تقبل منهم حسنة، ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم. ذكره الزجاج.
الأدلة والشواهد:
ذكر الزجاج قوله تعالى: "الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم".
القول السادس: الذي لا جواز فيه. رواه ابن جرير (عن ابن زيد).

القول السابع: شدة الحساب. أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ (عن سعيد بن جبير) كما في الدر المنثور للسيوطي

التوجيه:
مما سبق نلحظ تقارب الأقوال من بعضها في المعنى: فالمناقشة على الأعمال تعني تقصيها، ومحاسبتهم على النقير والقطمير، والجليل والحقير (كما ذكر ابن كثير)، وهو من شدة الحساب.
• فالكفار -كما في الآية [18] من سورة الرعد:
سيحابهم الله بعدله، فلن تقبل منهم حسنة، وسيحاسبون على كل سيئة اقترفوها، فلا نجاة ولا جواز لهم بعدها، وهذا ما قررته الأدلة الثابتة الصحيحة في الكتاب والسنة:
- قال تعالى: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم".
لأن الكفر محبط للعمل كما ذكر الزجاج.

• والمؤمنون – كما في الآية [21] من سورة الرعد:
يحذرون مناقشة الله إياهم في الحساب، لعلمهم أن من نوقش الحساب فقد عذب، فيعلمون أنهم بعدها قد لا يصفح لهم عن ذنب، فهم لرهبتهم ذلك جادون في طاعته، محافظون على حدوده (كما ذكر ابن جرير).
فكان جزاؤهم عن عاملهم الله بفضله، فكان حسابهم حسابا يسيرا، إنما هو العرض المذكور في الحديث أعلاه، فالله يقررهم بذنوبهم ثم يغفرها لهم.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2 شعبان 1443هـ/5-03-2022م, 08:45 PM
فروخ الأكبروف فروخ الأكبروف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 302
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله.
1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
أخرجه الطبري عن سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش من طرق.
قال الطبري: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة (بِضَنِينٍ) بالضاد...وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين (بِظَنِينٍ) بالظاء.
وعنى بقوله: "بعض المكيين" عبد الله بن كثير الداري المكي، وبقوله: "بعض البصريين" أبا عمرو بن العلاء البصري، وبقوله: "بعض الكوفيين" أبا الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي.
قال الحسين بن أحمد بن خالويه في إعراب القراءات السبع وعللها: ((وقوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {بظنين} بالظاء...قرأ الباقون: {بضنين} بالضاد...))
وقال الأزهري في معاني القراءات: ((وقوله جلَّ وعزَّ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمّى (بِظَنِينٍ) بالظاء. وقرأ عاصم ونافع وحمزة وابن عامر "ضَنِينٍ" بالضاد)).
إذا كل واحدة من القراءتين قراءة صحيحة متواترة.
أما معناهما فقد قال زر بن حبيش: (الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
فمعنى الظنين: المتهم. وهو فعيل بمعنى مفعول، قال ابن الأنباري في الأضداد: ((ويقال: فلان عندي ظَنِين، أَي متَّهم، وأَصله مَظنون، فصرِف عن مفعول إِلى فعيل، كما قالوا: مطبوخ وطبيخ)).
وقال أبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر: ((والظنين: المظنون)).
فالمعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- غير متهم فيما يخبر عن الله تعالى، بل هو أمين، فأدى الرسالة على وجهها من غير زيادة ونقصان.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (({وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظَنِينٍ}؛ أي بمُتَّهَم على ما يُخبِر به عن الله عز وجل)).
قال الأزهري في معاني القراءات: ((من قرأ (وَمَاهُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) فمعناه: ما هو متهم، هو الثقة فيما أداه عن اللَّه. والظَّنَّةُ: التهَمَة)).
فإن قيل: أليس "ظن" يتعدي على مفعولين؟ قيل: ليس ما في هذه الآية من هذا الباب. فإن (ظن) في القرآن على ثلاثة أوجه كما بينه مقاتل بن سليمان في (الوجوه والنظائر في القرآن الكريم).
الوجه الأول: الظن بمعنى اليقين. ومثل له بقوله تعالى: {وظن داوود أنما فتناه}، يعني: أيقن داوود أنا ابتليناه.
الوجه الثاني: الشك، ومثل له بقوله تعالى: {قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا}، يعني: إن نشك إلا شكا، {وما نحن بمستيقنين}.
الوجه الثالث: الظن، يعني: التهمة.
قال مقاتل بن سليمان: ((فذلك قوله في "إذا الشمس كورت": {وما هو على الغيب بضنين}، يعني: على القرآن بمتهم، فالغيب في هذا الموضع القرآن خاصة. وقال في أول الأحزاب: {وتظنون بالله الظنونا}، يعني: التهمة، اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرهم به عن الله تبارك وتعالى)).
ومنه أيضا قوله في الفتح: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء}.
والظن إذا كان بعمنى التهمة لا يتعدى إلى المعغولين، بل يتعدى إلى مفعول واحد.
قال سيبويه في الكتاب: ((وقد يجوز أن تقول: ظننتُ زيداً، إذا قال: من تظنُّ، أى من تَتهمُ؟ فتقول: ظننتُ زيداً، كأَنه قال: أتَّهَمْتُ زيدا. وعلى هذا قيل: ظَنينٌ "أى مُتَّهَمٌ ". ولم يَجْعَلوا ذاك فى حَسِبتُ وخِلْتُ وأُرَى؛ لأنّ من كلامهم أن يدخلوا المعنى في الشيء لا يَدْخل فى مثله)).
وقال ابن الأنباري في الأضداد: ((...وأَمَّا معنى التّهمة فهو أَن تقول: ظننت فلاناً، فتستغنيَ عن الخبر، لأَنَّكَ اتَّهمته، ولو كان بمَعْنَى الشكّ المحْض لم يُقْتَصرْ به على منصوب واحد)).
قال أبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر: قال اللَّه: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أي: ما هو على الوحي بمتهم، والظنين المظنون، وظننت في هذا يتعدى إلى مفعول واحد، ظننته أي: اتهمته.
قال مكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: ((...و«ظننت» إذا كانت بمعنى «اتهمت» لم تتعد إلا إلى مفعول واحد)).
قال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن: ((وأما قراءة من قرأ بظنين بالظاء فمعناه المتهم، يقال: ظننت زيداً، بمعنى اتهمته، وليس من الظن الذي هو الشعور والإدراك، فإن ذاك يتعدى إلى مفعولين ومنه ما أنشده أبو عبيدة:
أما وكتاب الله لا عن شناءة ... هجرت ولكن المحب ظنين))
وذكر في معنى "ظنين" قول آخر، وهو أنه الضعيف.
قال الفراء: ((...والذين قالوا: بظنين. احتجوا بأن على تقوى قوهم، كما تَقُولُ: ما أنت عَلَى فلان بمتهم، وتقول: ما هو عَلَى الغيب بظنين: بضعيف، يَقُولُ: هُوَ محتمل لَهُ، والعرب تَقُولُ للرجل الضعيف أَوِ الشيء القليل: هُوَ ظنون. سمعت بعض قضاعة يَقُولُ: ربما دلّك عَلَى الرأي الظنون، يريد: الضعيف من الرجال، فإن يكن معنى ظنين: ضعيفًا، فهو كما قيل: ماءٌ شريب، وشروب)).
وعلى هذا يكون أصله: ظَنون، فصرف إلى ظنين.
قال الخليل بن أحمد في معنى ظنون: ((والظنون: الرجل السيء الظن بكل أحد...والظنون: البئر التي لا يدرى أفيها ماء أم لا)).
وقال ابن الأنباري في المذكر والمؤنث: ((ويقال بئرٌ (ظنونٌ)، إذا كانت لا يُوثق بمائها: يأتي مرةً، ويذهبُ مرةً أخرى...ويقال: ورجُلٌ ظنونٌ، إذا كان لا يُوثقُ به)).
وقال ابن الأنباري أيضا في الأضداد: ((وقالَ الله عزَ وجلّ: {ومَا هُوَ على الغَيْنِ بِظَنِين}، فيجوز أَن يكون معناه: بمتَّهم. ويجوز أَن يكون معناه: بضعيف، من قول العرب: وَصْلُ فلان ظَنون، أَي ضعيف، فيكون الأَصل فيه: وما هو على الغيب بظَنون، فقلَبوا الواو ياءً، كما قالوا: ناقةٌ طَعُوم وطَعِيم، للَّتي بين الغَثَّة والسَّمينة؛ في حروف كثيرة يطول تعديدها وإِحصاءها.

أما الضنين فمعناه البخيل، وهو بمعنى فاعل، فالمعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- غير بخيل على الناس بتعليمهم ما علَّمه الله، وأنزل إليه من كتابه. وهذه القراءة تضمنت تنزيهه صلى الله عليه وسلم عن البخل، وفيها أيضا دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم على ثقة من الغيب الذي يخبر به، فلا يخاف أن ينتقض ويظهر الأمر بخلاف ما أخبر به، كما ذكره ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن.
قال الفراء: ((يقول: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس فيه، فلا يضن به عنكم)). والضنة هو البخل بالشيء النّفيس.
قال الخليل بن أحمد في العين: ((ضن: الضن والضنة والمضنة، كل ذلك من الإمساك والبخل، تقول: رجل ضنين. وقوله تعالى وما هو على الغيب بضنين، أي بمكتوم لما أوحي إليه من القرآن)).
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: ((ومن قرأ: {بِضَنِينٍ}؛ أراد: ببخيل. أي ليس ببخيل عليكم)).
وقال الأزهري في معاني القراءات: ((ومن قرأ (بضنِين) فمعناه: ما هو ببخيل على الغيب الذي يؤديه عن الله، وعلى تعليمه كتاب الله. مأخوذ من: الضن، وهو: البخلُ)).
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: ((ضن) الضاد والنون: أصل صحيح، يدل على بخل بالشيء. يقال: ضننت بالشيء أضن به ضنا وضنانة، ورجل ضنين. وهذا علق مضنة ومضنة، إذا كان نفيسا يضن به. وفلان ضني من بين إخواني، إذا كان النفيس الذي يضن به. وربما قالوا ضننت بفتح النون)). وهذا قريب مما قال الفراء.
قال مكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: ((...وقرأ الباقون بالضاد على معنى «ببخيل»، أي: ليس محمد ببخيل في بيان ما أوحي إليه وكتمانه، بل يبثه ويبينه للناس)).
وللعلماء ثلاث طرق في المعاملة بهاتين القراءتين:
الأول: ترجيح القراءة بالضاد، لموافقتها لرسم المصحف واللغة.
قال الطبري: ((وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة)). ولما اختار هذه القراءة اختار المعنى الذي تدل عليه فقال: ((فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك: تأويل من تأوّله، وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه)).
وقال مكي في مشكل إعراب القرآن: ((قوله {على الغيب بظنين} دخول "على" يدل على أن ضنينا بالضاد بمعنى بخيل، يقال: بخلت عليه. ولو كان بالظاء بمعنى متهم لكان بالباء، كما يقال: هو متهم بكذا، ولا يقال: على كذا. ويجوز أن تكون "على" في موضع الباء فتحسن القراءة بالظاء)).
وقال أبو الحسن القيرواني في النكت في القرآن الكريم: ((والقراءة بالضاد أجود، لا يقال: اتهمته على كذا، وإنما يقال اتهمته بكذا، ومجاز القراءة بالظاء أنه وضع {عَلَى} موضع الباء)).
الثاني: ترجيح القراءة بالظاء.
وذلك لوجوه:
• أن الكفار إنما اتهموه صلى الله عليه وسلم، ولم يبخلوه.
• دخول "على" يدل أدل على مراد البخل. يقال: فلان ضنين بكذا، وقلما يقال: على كذا.
• لما وصف الرسول الملكي بالأمانة نسب نفي التهمة عن الرسول البشري.
ذكره ابن القيم في التبيان ونسب بعضها إلى أبي عبيدة.
الثالث: عدم الترجيح؛ لأن "إذا كان لكل قراءة تفسير يغاير تفسير القراءة الأخرى فإن القراءتين بمنزلة الآيتين"، كما ذكره خالد السبت في قواعد التفسير.
قال ابن القيم في التبيان: ((...ثم نزه رسوليه كليهما أحدهما بطريق النطق والثاني بطريق اللزوم عما يضاد مقصود الرسالة من الكتمان الذي هو الضنة والبخل والتبديل والتغيير الذي يوجب التهمة فقال {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} فإن الرسالة لا يتم مقصودها إلا بأمرين أدائها من غير كتمان وأدائها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان والقراءتان كالآيتين...))
وقال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: ((اعلم أولا، أن القراءتين إذا ظهر تعارضهما في آية واحدة لهما حكم الآيتين، كما هو معروف عند العلماء)).
وذلك لأن الأصل هو المحفوظ في الصدور، والرسم فرع عنه، فرسم الكلام في وقت الصحابة كان مجرَّداً من النقط والشكل والضبط.
وقال السيوطي: في الإتقان في علوم القرآن: ((...مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفا إذا ثبتت القراءة به ووردت مشهورة مستفاضة، ولذا لم يعدوا إثبات ياء الزوائد وحذف ياء: {فلا تسألني} في الكهف، وواو: {وأكون من الصالحين}، والظاء من: {بضنين}، ونحوه من مخالفة الرسم المردودة، فإن الخلاف في ذلك مغتفر؛ إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد وتمشيه صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول، بخلاف زيادة كلمة ونقصانها وتقديمها وتأخيرها حتى ولو كانت حرفا واحدا من حروف المعاني فإن حكمه في حكم الكلمة لا تسوغ مخالفة الرسم فيه وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته)).
بل تعود القراءتان إلى ذات واحدة، ما يدل على زيادة في الحكم لهذه الذات بمعنييهما.
وقد بين بن خالويه (المتوفى: 370 هـ) في إعراب القراءات السبع وعللها أنواع الاختلاف في القراءات فقال: ((وأمّا على كم معنى يشتمل اختلاف هذه السبعة أحرف، فإنه يشتمل على ثلاثة معان يحيط بها كلها:
أحدها: اختلاف اللفظ والمعنى واحد.
والثاني: اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضادّ اجتماعهما فيه)).
ومثل له قائلا: ((وكذا قوله: وما هو على الغيب بضنين بالظاء وبالضاد؛ لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هو النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه كان غير ظنين على الغيب، أي: غير متّهم فيما أخبر به عن الله تعالى، وغير ضنين به، أي: غير بخيل بتعليم ما علمه الله وأنزله إليه، فقد انتفى عنه الأمران جميعا، فأخبر الله تعالى عنه بهما في القراءتين، وكذا ما أشبهه)).
والثالث: اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه.
وهذا الاختلاف بين القراءتين من اختلاف النتوع الذي يمكن الجمع فيه، لا سيما أن القراءتين متواترتان صحيحتان، فيمكن أن تكونا كليهما مرادا.
قال الطاهر بن العاشور: ((وإذ تواترت قراءة بضنين بالضاد الساقطة، وبظنين بالظاء المشالة علمنا أن الله أنزله بالوجهين وأنه أراد كلا المعنيين)).

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
أخرجه الطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن داود بن أبي هند (وقال ابن أبي حاتم: يعني أبي هند) عن أبي العالية من طرق.
قد بين أبو العالية ثلاث مسائل في الآية:
الأولى: المراد بالذين كفروا، والمراد بكفرهم بعد الإيمان.
الثانية: معنى زيادة الكفر.
الثالثة: علة امتناع قبول التوبة.
أما المسألة الأولى: فقد قال أبو العالية: ((إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا...))
أما اليهود، فقد كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة، وهذا قوله تعالى فيهم في سورة البقرة: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}. وقد روى الطبري عن ابن عباس أنه قال: ((إن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه)).
وقد أخبر عيسى عليه الصلام قومه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين هذا ربنا تعالى بقوله: {وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}.
ولهذا جمع الله تعالى بينهم وبين المشركين لما وافقوهم على هذا الكفر -الكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم- فقال: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة (1) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة}، أي: لم يكن أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، تاركين صفة محمد في كتابهم، حتى بعث، فلما بعث تفرقوا فيه، على الذي اختاره الطبري.
وهنا قولان آخران:
أحدهما: أنها نزلت فيمن لم يتب من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا: نقيم بمكة ونتربص بمحمد ريب المنون، قاله ابن عباس، ومقاتل. فالنفاق من أنواع الكفر، كما هو معلوم.
والثاني: أنها نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفراً بمحمد والقرآن، قاله الحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني.
ذكرهما ابن الجوزي في زاد المسير.
واختار الطبري القول إن المراد بهم اليهود مستدلا بالسياق، قال: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية، قولُ من قال:"عنى بها اليهودَ"، وبين سبب اختياره بقوله: "لأن الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها، إذ كانت في سياق واحد".
وقال ابن عطية بعد ذكره قول أبي العالية: "وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم"، وعلى هذا فالآية تعم كل من هذه صفته، من الكفر بعد الإيمان.
المسألة الثانية: معنى زيادة الكفر.
فقد بين هذا أبو العالية أنها كانت بارتكاب الذنوب حال كفرهم واستمرارهم على الضلال، فيضمون إلى ذلك الكفر كفرا آخر من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك.
قال الرازي في تفسيره: :والضابط أن المرتد يكون فاعلا للزيادة بأن يقيم ويصر فيكون الإصرار كالزيادة، وقد يكون فاعلا للزيادة بأن يضم إلى ذلك الكفر كفرا آخر، وعلى هذا التقدير الثاني ذكروا فيه وجوها"، وذكر أن من هذه الوجوه "أن أهل الكتاب كانوا مؤمنين بمحمد عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه، ثم كفروا به عند المبعث، ثم ازدادوا كفرا بسبب طعنهم فيه في كل وقت، ونقضهم ميثاقه، وفتنتهم للمؤمنين، وإنكارهم لكل معجزة تظهر".
ونقل الواحدي في البسيط قول أبي عبيد: "جعل أبو العالية إصابة الذنوب زيادة في الكفر، كما أن أعمال البر زيادةٌ في الإيمان".
وقول أبي العالية هذا اختاره الطبري مستدلا بسياق الآية حيث قال تعالى: {لن تُقبل توبتهم}، فكانت زيادة الكفر سببا للحكم بعدم قبول التوبة. قال الطبري: "فالذي لا يَقبل منه التوبة، هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره، لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله".
وقال النحاس: "ويجوز في اللغة أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر، هذا يروي عن أبي العالية".
والقول الثاني: تربص المرتدين بمحمد ريب المنون، على قول ابن عباس، ومقاتل إن المراد بالذين كفروا أصحاب الحارث بن سويد.
والقول الثالث: هو ازدياد اليهود كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد كفرهم بعيسى عليه السلام. وهو قول الحسن وقتادة.
وضعفه ابن عطية فقال: وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين.
والقول الرابع: التمام على الكفر وبلوغ الموت به. وهو قول مجاهد. فيكون إصرارهم على الكفر كالزيادة.
وهذا القول قريب من قول أبي العالية حيث يشمل كل من مات على كفره من أهل الكتاب والمرتدين، كما ذكره ابن عطية.
المسألة الثالثة: علة امتناع قبول التوبة.
قال أبو العالية: (...فهم يتوبون منها في كفرهم). وهذا قد ذكر آنفا، أن المراد أن التوبة لا تنفع صاحبها ما دام كافرا. وهو اختيار الطبري، كما ذكر، قال: ((لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديقه بما جاء به من عند الله)).
والقول الثاني: أن معناه: لن تُقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، وهو قول الحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني، والسدي.
القول الثالث: لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر، وهو قول مجاهد.
وعلى كل فالآية تبين حكم من يموت كافرا، ويؤيد ذلك قوله تعالى بعدها: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}، سواء أظهر الكفر أم كتمه.

3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
أخرجه عبد الرزاق، والطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير.
وهذا القول اختاره الفراء، وأبو عبيدة، والبخاري، وابن قتيبة، والزجاج.
وذكر في المراد بالصاحب بالجنب قولان آخران:
أحدهما: أنه الزوجة، قاله علي، وابن مسعود، والحسن، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى.
والثاني: الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك، وهو قول ابن زيد.
ولما ليس في الأقوال الواردة في المراد بالصاحب بالجنب ما يدل على إرادة التخصيص والحصر حمله بعض العلماء على التفسير بالمثال.
قال الطبري: ((وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه؛ لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه، وقد أوصى الله تعالى بجميعهم لوجوب حق الصاحب على المصحوب...وإن كان الصاحب بالجنب معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلا فيه كل من جنب رجلا يصحبه في سفر أو نكاح أو انقطاع إليه واتصال به ولم يكن الله جل ثناؤه خص بعضهم مما احتمله ظاهر التنزيل؛ فالصواب أن يقال: جميعهم معنيون بذلك , وبكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه)).
وقال الجصاص في أحكام القرآن (370): ((لما كان اللفظ محتملا لجميع ذلك وجب حمله عليه وأن لا يخص منه شيء بغير دلالة)).
قال الزمخشري (538): ((وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك، إما رفيقا في سفر، وإما جاراً ملاصقاً، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه. فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه، وتجعله ذريعة إلى الإحسان)).
وقال القرطبي: ((والأول (يعني: الرفيق في السفر) أصح، وهو قول ابن عباس وابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك. وقد تتناول الآية الجميع بالعموم. والله أعلم)).
وقال الشوكاني: ((ولا يبعد أن تتناول الآية جميع ما في هذه الأقوال مع زيادة عليها، وهو كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب، أي: بجنبك، كمن يقف بجنبك في تحصيل علم أو تعلم صناعة أو مباشرة تجارة أو نحو ذلك)).
وقال السعدي: ((قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة)).
وهذا صحيح، فقد جاء في بعض ما روي عن سعيد بن جبير أنه الرفيق مطلقا، وفي بعضه أنه الرفيق الصالح.
وذلك أن مبنى الأقوال على أصل الجنب في اللغة، وقد بين الراغب الأصفهانى في المفردات وجه العلافة، قال: ((أصل الجَنْب: الجارحة، وجمعه: جُنُوب... ثم يستعار من الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك، نحو: اليمين والشمال...))
وفي كل الأقوال عبارة عن قرب، وهذا يمكن أن يوصف كل من ذكر، وهو كما قاله الطبري: ((...لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه)).

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
قول سعيد بن المسيب هذا أخرجه الطبري فقال: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي}، قال: المصلين المؤمنين، بلال وابن أم عبد. قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلّم الإمام ابتدر الناس القاصَّ، فقال سعيد: ما أسرعَ بهم إلى هذا المجلس! قال مجاهد: فقلت: يتأولون ما قال الله تعالى ذكره. قال: وما قال؟ قلت:"ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: وفي هذا ذَا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، إنما ذاك في الصلاة.
والمسألة هنا: المراد بالدعاء.
قال الطبري: واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرَّهط، الذين نهى الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، يدعون ربّهم به.
وقول سعيد بن المسيب، إن المراد به الصلوات المفروضة قاله أيضا ابن عباس، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، والحسن.
ونسب الواحدي في البسيط هذا القول إلى عامة المفسرين، قال: "وهو قول جميع أهل التأويل".
وقوله تعالى: {بالغداة والعشي} على هذا القول يحتمل ثلاث احتمالات:
الأول: وهما الصبح والعصر. وهو قول مجاهد وقتادة.
الثاني: هي الصلاة بمكة قبل فرض الخمس وكانت غدوة وعشية، ذكره ابن عطية عن الحسن، وابن الجوزي عن مقاتل.
الثالث: هي عبارة عن دوام الفعل.
قال ابن عطية: ((...قوله: {بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ} "عبارة عن استمرار الفعل وأن الزمن معمور به، كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا، فإنما تريد الحمد لله في كل وقت".
وقال الرازي: ((وقيل: المراد من الغداة والعشي طرفا النهار، وذكر هذين القسمين تنبيها على كونهم مواظبين على الصلوات الخمس)).
والظاهر أن قول سعيد بن المسيب من التفسير بالمثال، كما يفهم ذلك من قول الطبري: "و"الدعاء لله"، يكون بذكره، وتمجيده، والثناء عليه قولا وكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمالَ التي كان عليهم فرضُها، وغيرُها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابدَه بما هو عامل له. وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها".
فلما يعم الدعاء هذه المعاني كلها تبين أن ذكر بعضها إنما يكون على وجه التمثيل لا التخصيص. قال الطبري مبينا سبب تعدد أقوال المفسرين هنا: ((فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم، ولا يخصُّون منها بشيء دون شيء)).
ويؤيد ذلك أن تعدد الأقوال غير المتعارضة عن المفسر الواحد فيه دليل على العموم اللفظة المفسرة، فتكون الأقوال جارية مجرى التمثيل، وقد ورد عن إبراهيم النخعي قولان في المراد بالدعاء.
وهو القول الثاني: أنه ذكرُهم الله تعالى ذكره. كما قال إبراهيم النخعي.
قال ابن عطية: وقيل الدعاء وذكر الله واللفظة على وجهها. يعني: أنه تفسير لفظي.
الثالث: تعلمهم القرآن وقراءته. وهو قول أبي جعفر.
الرابع: عبادتهم ربهم. وهو قول الضحاك.
ورجح الطبري القول الأخير؛ لأنه أعم، قال: ((وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي، لأن الله قد سمى "العبادة"، "دعاء")).
واستشهد بقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، فقال: ((وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء)).
وقال أيضا: ((ولا قول أولى بذلك بالصحة، من وصف القوم بما وصفهم الله به: من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي، فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم، ولا يخصُّون منها بشيء دون شيء)).
وهذا يشمل دعاء العبادة، ودعاء المسألة.
والقول بالعموم يؤيده ما جاء في سبب نزول الآية. فقد روى مسلم في صحيحه عن سعد، قال: (( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: (اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا). قال: (وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.
وعلى هذا يكون قوله تعالى: {بالغداة والعشي} عبارة عن استمرار الفعل ودوامه.
قال الزمخشري: "وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أى عبادته ويواظبون عليها. والمراد بذكر الغداة والعشى: الدوام".
وقال النسفي: "وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام..."

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
أخرجه عبد الله بن وهب المصري، والطبري، والواحدي في الوسيط عن فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي به.
ورواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة، عن رجل، عن إبراهيم.
والسوء هنا بمعنى الشدة.
قال مقاتل بن سليمان: ((السوء على أحد عشر وجها:
الوجه الأول: السوء، يعني الشدة: فذلك كقوله في البقرة: {يسومونكم سوء العذاب}، يعني: شدة العذاب...وكذلك في الرعد: {أولائك لهم سوء الحساب}، يعني: شدة الحساب)).

فقد قال الله تعالى: {والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد} ولما جيء هنا بالموصول الدال على عِلِّية الحكم وسببه تبين أن سبب المحاسبة سوء الحساب هو عدم استجابة الكفار للدعوة.
وعلى هذا يكون قول إبراهيم النخعي من التفسير باللازم؛ لأن مقتضى سوء الحساب هو الشدة بأن تكون المحاسبة على كل ذنب، فلا يغفر منه شيء.
قال الرازي: ((...وأما الأشقياء فهم الذين لم يستجيبوا لربهم، فلهذا السبب وجب أن يحصل لهم سوء الحساب)).
قال السعدي: وهو الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه من عمل سيئ وما ضيعوه من حقوق الله وحقوق عباده قد كتب ذلك وسطر عليهم.
ويستدل لهذا القول بقول عائشة رضي الله عنها: ((من نوقش الحساب هلك)).
وأورد المارودي في{سوء الحساب} أقوالا أخر:
أحدها: أنه المناقشة في الأعمال، قاله أبو الجوزاء.
قال البيضاوي: (({أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ} وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء)). فجمع بين قول إبراهيم وأبي الجوزاء.
والثاني: أنه التقريع والتوبيخ، حكاه ابن عيسى.
والثالث: هو أن لا تقبل حسناتهم فلا تغفر سيئاتهم.
والأقوال لا تعارض بينها؛ إذ كل واحدة منها من مقتضيات سوء الحساب. والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 شعبان 1443هـ/6-03-2022م, 03:54 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هنادي الفحماوي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
حل مجلس التخريج الثالث:
قول زر بن حبيش (الظنين المتهم) وفي قراءتكم بضنين والضنين البخيل:
*نوع المسألة:
تفسيرية لها صلة ببعض علوم القرآن (القراءات)
بظنين: قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي.
بضنين: نافع وعاصم وابن عامر وحمزة
الأقوال في المسألة:
١- ظنين:
أصحاب القول: ابن عباس، ابن الزبير، ورقاء ، عبد الرحمن، سفيان، أبو عبيدة ، عبد الرحمن الأعرج.
٢- بضنين:
أصحاب القول: ابن مسعود ، ابن عباس ، زر بن حبيش، ابن زيد، إبراهيم النخعي، مجاهد ، قتادة ، عبد الرحمن الأعرج [هذه قراءات وليست أقوال، وتخريج القراءات يكون من كتب القراءات، وأما الأقوال فهي الواردة في معنى كلا الكلمتين]
تخريج قول زر بن حبيش:
رواه الطبري من عدة طرق عن سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش [ورواه الفراء في معاني القرآن من طريق عاصم عن زر]
مدارسة الأقوال:
المعنى اللغوي لكلا من اللفظين :
الضنين بالضاد : من البخل
الظنين بالظاء من الظنة وهي التهمة وتقول بئر ظنين إذا كان لا يوثق بها وقال الفراء أن معناه ضعيف والعرب تقول للرجل الضعيف ظنو.
فيكون معنى الآية الكريمة ب(ضنين) أن الله يصف رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضن ولا يبخل بما أوحى إليه أن يعلمه أو يكتم بعضه فلا يبلغه. قال ابن زيد : لم يضن به على أحد من الناس أداه وبلغه وقال الفراء: يأتيه غيب وهو منقوش فيه فلا يبخل به عليكم ولا يضن به.
وقد اختار البعض ضنين لاجماعهم على رسمها بالضاد في المصاحف العثمانية.
ويكون المعنى ب(ظنين) أنه ليس متهما على ما لديه من علم الغيب الذي يأتيه من قبل الله. واختاره أبو عبيدة وقال أنهم لم يبخلوه فيحتاج إلى أن ينفي عنه ذلك البخل إنما كان المشركون يكذبون به فأخبرهم الله أنه ليس متهم على الغيب. [المقصود بالغيب في الآية هو القرآن]
أما من ناحية المعنى فالقولان وإن اختلفا فليسا من باب اختلاف التضاد إذ يمكن أن نصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالوصفين فيجمع المعنى بين وصفين جليلين وهما الاطلاع على علم الغيب وعدم البخل به. وأما قول أبي عبيدة فيمكن الرد عليه أن الله وصفه بذلك لحرصه على التبليغ ولا يتوقف نفي البخل عنه على رميهم إياه به.
[المسألة هنا هي معنى الكلمة على كلا القراءتين، ثم توجيه معنى الآية كاملة مع اختلاف القراءات.
- وظنين بالظاء، ورد في معناها قولان؛ الأول ما ذكرتيه وهو " متهم " والثاني: ضعيف، قاله الفراء.
- أحسنتِ الجمع بين معنى القراءتين، ومع إضافة معنى ضعيف عن تحمل أعباء الرسالة، يكون بمجموع المعاني نفي أي قصور في تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم.
- القراءات المتواترة مثل " ظنين " لا يشترط معها موافقة خط المصحف، ويعتذر للمتقدمين أنه لم يكن قد استقر التأليف في أسانيد جميع القراءات، وكان كلٌ منهم يقرأ بما تعلم من شيوخه في القراءة]



____________________________
قول أبي العالية الرياحي في (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) قال إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا ثم ازدادوا كفرا بذنوب أصابوها فهم يتوبون منها في. كفرهم.
نوع المسألة :
١- تفسيرية لغوية وتتعلق بعلوم القرآن ؛ أسباب النزول :
المراد بالذين كفروا:
اليهود والنصارى:
أصحاب القول: ابن عباس ، الحسن ، أبو العالية.
- اليهود
أصحاب القول: قتادة والحسن وعطاء.
اليهود والنصارى والمجوس
أصحاب القول: أبو العالية.
قوم ارتدوا بعد إسلامهم ثم أسلموا ثم ارتدوا ثم أرسلوا إلى قومهم في المدينة يسألوا لهم
أصحاب القول: ابن عباس ، عكرمة ،الزجاج ،النحاس
الحارث بن سويد ونفر معه أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلم عدد منهم وبقي عالاخرين على الكفر وماتوا عليه .
ابن عباس.
رجح الطبري أن يكون المراد بهم هم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعدما آمنوا بنعته وصفته في كتبهم لأن الآيات التي قبلها وما بعدها نزل فيهم فليتسق السياق.
٢- متعلق الكفر:
١- الكفر ببعض الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم
أصحاب القول: الحسن
٢- الإنجيل وعيسى:
قتادة
٣- الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم
أصحاب القول: ابن عباس
٣-معنى ازدادوا كفرا:
١- الكفر بمحمد والفرقان على القول بأن كفرهم الأول الكفر بعيسى والإنجيل
أصحاب القول: قتادة
٢- الذنوب مع بقائهم على الكفر
أصحاب القول: رفيع ، أبو العالية [رُفيع بن مِهران هو نفسه أبو العالية، راجعي سيرته في سير أعلام المفسرين]
٣- تموا على كفرهم
أصحاب القول: مجاهد
٤- ماتوا كفارا
أصحاب القول: مجاهد والسدي
وكل هذه الأقوال متقاربة وتزيد من كفرهم قبحا وإثما وتكون من أسباب عدم قبول التوبة لاصرارهم على الكفر تارة أو ارتكابهم للذنوب مع بقائهم على الكفر لان الله وعد بمغفرة الذنوب للمؤمن المنيب أما الكافر فلا يقبل منه عمل..
٤- معنى لن تقبل توبتهم:
١- عند الممات
أصحاب القول: الحسن ، قتادة ، عطاء ، السدي
٢- من ذنوبهم وهم مقيمون على الكفر:
رفيع ، أبو العالية
٣- تابوا من بعض ومن لم يتوبوا في الأصل
أبو العالية
٤- إيمانهم أول مرة
ابن جريج
قد تصح جميع الأقوال إلا القول بالتوبة عند الموت فالمعلوم أن التوبة تكون في حياة العبد وعند الموت لا يقبل الله توبة أحد. [مقصود من قال بالتوبة عند الموت هو التوبة عند حضور الموت مثل قول فرعون لما كاد أن يغرق، آمنت برب هارون وموسى]
تخريج قول أبي العالية:
رواه الطبري وابن أبي حاتم عن داود عن أبي العالية
أخرج ابن المنذر عن أبي العالية كما جاء في الدر المنثور . [تفسير ابن المنذر لهذه الآية من الجزء المطبوع يمكنكِ الرجوع إليه]

[رواه ابن جرير بهذا اللفظ من طريق ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن أبي العالية.
مخرج الأثر هو داود بن أبي هند، لكن لاختلاف ألفاظ الرواية عينّا تلميذ داود الذي جاء عنه نفس اللفظ.
وحبذا لو أنهيتِ عملك بدارسة هذه المسائل والأقوال الواردة فيها لتخلصي إلى معنى الآية ككل، مع بيان الراجح أو وجه الجمع بين الأقوال]



______________________________
قول سعيد بن جبير (الرفيق في السفر)
نوع المسألة :
تفسيرية لغوية: المراد بالصاحب بالجنب:
الأقوال في المسألة:
١- جليسك في الحضر والرفيق الصالح الذي يلزمك
أصحاب القول: عبد الله بن مسعود ، علي بن أبي طالب، ابن عباس، ابن زيد، زيد بن أسلم ، الفراء
٢- صاحبك في السفر:
أصحاب القول:
ابن عباس ، زيد، قتادة، مجاهد، عكرمة، سعيد بن جبير، السدي، الضحاك ، أبو عبيدة التيمي.
٣- امرأة الرجل
علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود ، إبراهيم النخعي، أبو الهيثم.
تخريج قول سعيد بن جبير:
رواه عبد الرزاق وأبو حذيفة النهدي والطبري وابن أبي حاتم عن أبي بكير عن سعيد بن جبير [أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي راوي تفسير سفيان الثوري، فعند التخريج يُنسب لسفيان الثوري، وليس لراوي تفسيره.
رواية ابن أبي حاتم بلفظ الرفيق الصالح وليس الرفيق في السفر]

مدارسة الأقوال:
معنى الجنب أي الذي بجانبك أو إلى جانبك فتكون الباء بمعنى إلى ..
فكل التأويلات من باب ضرب الأمثلة وهي من باب اختلاف التنوع لأن كلهم يلزمون الشخص وينفعونه فالرفيق في السفر منزله منزلك وطعامه طعامك ومسيره مسيرك
والزوج او الزوجة تسكن اليه وتلازمه
وكلهم أوصى الله بالإحسان إليهم.
______________________________
قول سعيد بن المسيب في قول الله تعالى (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال إنما ذلك في في الصلاة.
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية لها علاقة بأسباب النزول:
١- معنى فلا تطرد:
تأخيرهم عن الصف الأول
أصحاب القول : ابن عباس
عدم المخالطة في المجلس
قول : ابن مسعود، خباب بن الأرت، المقدام عن سعد، عكرمة
والقولان متقاربان من حيث أنهما يصفان تكبر الكفار على ضعفاء المسلمين ومحاولتهم خداع النبي صلى الله عليه وسلم فهم استنكفوا أن يخالطوا فقراء الصحابة وضعفتهم في ذات المجلس أو أن يصلوا خلفهم..

٢- المراد بالذين يدعون ربهم:
بلال وسلمان وصهيب (ضعفة المسلمون)
أصحاب القول: قتادة ،سعد ،مجاهد ، الكلبي
المصلين المؤمنين كابن أم معبد
أصحاب القول : مجاهد
والقولان متقاربان ..
٣- معنى يدعون:
الصلوات الخمس والجماعة:
أصحاب القول: ابن عباس ، إبراهيم ، مجاهد ، الحسن، الضحاك، سعيد بن المسيب ، عامر .
ذكر الله والدعاء:
أصحاب القول: إبراهيم النخعي، ، منصور.
تعلمهم القرآن وقراءته:
أبو جعفر
عبادتهم الله
ابن عباس والضحاك.
ترجيح الأقوال:
الدعاء يكون بالذكر والثناء قولا وكلاما وعملا بالجوارح سواء بالفرض أو النفل وقد يمكن الجمع بين كل الأقوال.
٤- المقصود بالغداة والعشي:
صلاة الصبح وصلاة العصر
قتادة ومجاهد
الصلاة المفروضة
عبد الله بن عمر وابن عباس والضحاك وإبراهيم النخعي. مجاهد
العشي صلاة العشاء
عمرو بن شعيب
قال الحسن بن أبي الحسن المراد به صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيا
وقيل انه يعني استمرار الفعل ليلا نهارا فيكون المراد الصلوات الخمس
والمعنيان صالحان لا يتضادان.
تخريج قول سعيد بن المسيب:
رواه الطبري عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن سعيد بن المسيب.
___________________________________
قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب (أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء)
نوع المسألة:
تفسيرية لغوية: المراد بسوء الحساب
الأقوال في المسألة:
١- أن لا يتجاوز له عن شيء:
فرقد السبخي، شهر بن حوشب.
٢- أن يإخذ عبده بالحق؛ بذنبه كله.
إبراهيم النخعي ، الحسن.
٣- المناقشة في الأعمال
أبو الجوزاء عن ابن عباس
تخريج قول إبراهيم النخعي:
رواه سعيد بن منصور والطبري عن فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي
أخرجه أبو الشيخ عن فرقد السبخي عن إبراهيم كما جاء عند السيوطي في الدر المنثور.
مدارسة الأقوال:
الأقوال متلازمة ومتوافقة فإن من سوء الحساب أن تناقش في أعمالك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: من نوقش الحساب عذب. فقالت عائشة: أليس يقول الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذلك العرض.
فالكفرة الذين لم يستجيبوا لله تعالى وكفروا به يناقشون على النقير والقطمير والجليل والحقير .
والله أعلم.



أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

بعد أن عرفتِ خطوات بحث المسألة، أوصيكِ بالاعتناء بدراسة الأقوال وتوجيهها، ثم بطريقة صياغة تحرير المسائل الخلافية، ويفيدكِ في هذا الإكثار من قراءة الرسائل التفسيرية بأسلوب التقرير العلمي
فالاعتناء بالصياغة وتنظيم عرض تحرير المسألة مهم جدًا.

التقويم: ب

زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 5 شعبان 1443هـ/8-03-2022م, 03:44 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
1- تخريج قول سعيد بن جبير : الصاحب بالجنب( الرفيق في السفر)
رواه سفيان الثوري في تفسيره (161) ، و عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211) في تفسيره، و الطبري في تفسيره( 311) و ابن أبي حاتم (327) في تفسيره من طريق أبي بكير عن سعيد بن جبير.
في رواية سفيان الثوري مورق أو مرزوق . [وهو نفسه أبو بكير.
متن رواية ابن أبي حاتم (الرفيق الصالح)]

و روى ابن جرير من طريق أبي بكير عن سعيد بن جبير قوله ( الرفيق الصالح) .
و قال مثل ذلك بألفاظ قريبة كلًا من: ابن عباس و مجاهد و قتادة و السدي،
و في رواية مجاهد زيادة: {والصّاحب بالجنب} الرّفيق في السّفر، منزله منزلك، وطعامه طعامك، ومسيره مسيرك.
و في رواية أخرى لمجاهد (رفيقك في السّفر الّذي يأتيك ويده مع يدك).

الأقوال الواردة في المعنى المراد بالصاحب بالجنب:
1- الرفيق في السفر: و قاله بألفاظ متقاربة كلًا من: ابن عباس وسعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و السدي، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
2- امرأة الرّجل الّتي تكون معه إلى جنبه: قاله كلا من علي بن أبي طالب، عبدالله بن مسعود، و عبد الرحمن ابن أبي ليلى وإبراهيم، و قال ابن عباس مثله بتكنية الزوجة: يعني الّذي معك في منزلك، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
3- هو الّذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك: قال ذلك كلًأ من ابن عباس و ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير.
الدراسة:
1- المسائل التفسيرية المتعلقة بالمسألة:
أ‌. المعنى اللغوي للصاحب كما في المعجم الوسيط:
1- صاحب : مرافق.
2- صاحب : ملازم.
3- صاحب : معاشر.
4- صاحب : «صاحب الشيء» : مالكه. صاحب أباه في رحلة الحَجّ لازمه ورافقه

ب‌. المعنى اللغوي لجنب:
1- غريب: ذكره المبرد( 285) في الكامل، و أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) في كتابه الأمالي
قال القالي: وجنب فلانٌ في بني فلان إذا نزل فيهم غريبًا، ومنه قيل: جانبٌ للغريب، وجمعه جناب، فسلّمت والتسليم ليس يضرّها ولكـنـه حـتـمٌ عـلــى كـــلّ جـانــب، أي على كل غريب، ورجل جنب: غريب وجمعه أجنابٌ،
2- من الجنابة التي تصيب الرجل و المرأة: ذكره المبرد
3- من التنحية: قال القالي: جنبت فلانًا الخير أي نحيّته عنه وجنّبته أيضًا بالتثقيل، قال أبو نصر والتخفيف أجود، قال الله عز وجل: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام
4- حول الرّجل وناحيته وفناء داره، وجلس فلان بجانب فلان وجانبه، ويقال: مرّوا يسيرون جنابيه، وجنابتيه وجنبتيه إذا مرّوا يسيرون إلى جانبه؛ ذكره كلأً من الأخفش (215) في معاني القرآن، القالي في الأمالي.
المعنى المراد بالصاحب بالجنب:
• الأقوال الواردة في المعنى المراد بالصاحب بالجنب:
1- الرفيق في السفر: و قاله بألفاظ متقاربة بذلك كلًا من: ابن عباس وسعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و السدي، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره
2- امرأة الرّجل الّتي تكون معه إلى جنبه: قاله علي بن أبي طالب، عبدالله بن مسعود، و عبد الرحمن ابن أبي ليلى وإبراهيم، و قال ابن عباس مثله بتكنية الزوجة: يعني الّذي معك في منزلك، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
و قد روى سعيد ابن جبير مثله كما ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره
3- هو الّذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك: ذكر من قال ذلك كلًأ من ابن عباس و ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير.
و بالنظر للأقوال في المراد بالصاحب بالجنب و المعنى اللغوي لكلمة الصاحب و لكلمة الجنب يتيبن أن هذه الأقوال هي من اختلاف التنوع و الصواب و الله أعلم القول بالعموم؛ فيقع تحت الصاحب بالجنب كل ما ذكر يجمعها المعنى اللغوي للصاحب و للجنب، و هو اختيار ابن جرير الذي بينه فقال : والصّواب من القول في تأويل ذلك عندي: أنّ معنى: {والصّاحب بالجنب} الصّاحب إلى الجنب، كما يقال: فلانٌ بجنب فلانٍ وإلى جنبه، وهو من قولهم: جنب فلانٌ فلانًا فهو يجنبه جنبًا، إذا كان لجنبه، ومن ذلك: جنب الخيل، إذا قاد بعضها إلى جنب بعضٍ. وقد يدخل في هذا الرّفيق في السّفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرّجل الّذي يلازمه رجاء نفعه، لأنّ كلّهم بجنب الّذي هو معه وقريبٌ منه، وقد أوصى اللّه تعالى بجميعهم لوجوب حقّ الصّاحب على المصحوب.
و استشهد ابن جرير بأحاديث تدل على ذلك منها ما رواه للرسول صلى الله عليه و سلم قال: إنّ خير الأصحاب عند اللّه تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره.
وإن كان الصّاحب بالجنب محتملا معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلا فيه كلّ من جنب رجلاً يصحبه في سفرٍ أو نكاحٍ أو انقطاعٍ إليه واتّصالٍ به، ولم يكن اللّه جلّ ثناؤه خصّ بعضهم ممّا احتمله ظاهر التّنزيل؛ فالصّواب أن يقال: جميعهم معنيّون بذلك، وبكلّهم قد أوصى اللّه بالإحسان إليه). [جامع البيان: 7/11-17]


[أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

وبالنسبة للمسائل التي ذكرتيها قبل تحرير المسألة محل البحث، يمكنكِ ذكر خلاصتها كمقدمة للدراسة
مثلا: جاء الأمر بالإحسان للصاحب بالجنب في سورة النساء في الآية ....
والصاحب لغة هو ... (مختصر ما قاله أهل اللغة)، ومعنى الجنب لغة هو (مختصر ما قاله أهل اللغة)
واختلف المفسرون في تعيين المراد بالصاحب بالجنب على أقوال :....

ثم تختمين تحريركِ للمسألة ببيان وجه الجمع بين الأقوال بناء على ما سبق.

وعلى هذا فقيسي بقية المسائل أدناه ...ليظهر الترابط بين عناصر تحريركِ ويقل استطرادكِ]

2- قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
تخريج القول


- هذا القول لسعيد ابن المسيب هو جزء من الأثر الذي رواه ابن جرير في تفسيره ، فقال :حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:"ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: المصلين المؤمنين، بلال وابن أم عبد = قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلّم الإمام ابتدر الناس القاصَّ، فقال سعيد: ما أسرعَ بهم إلى هذا المجلس!قال مجاهد: فقلت يتأولون ما قال الله تعالى ذكره. قال: وما قال؟ قلت:"ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: وفي هذا ذَا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، إنما ذاك في الصلاة.
الدراسة:
المسائل التفسيرية في المسألة:
1- القراءات:
قال ابن عطية في تفسيره: قَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ ؛ ومالِكُ بْنُ دِينارٍ ؛ والحَسَنُ ؛ ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ ؛ وابْنُ عامِرٍ: "بِالغُدْوَةِ والعَشِيِّ"؛ ورُوِيَ عن أبِي عَبْدِ الرَحْمَنِ: "بِالغُدُوِّ"؛ بِغَيْرِ تاءٍ؛ وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "بِالغُدُواتِ والعَشِيّاتِ"؛ بِألِفٍ فِيهِما؛ عَلى الجَمْعِ؛ و"غُدْوَةٌ": مَعْرِفَةٌ؛
أ‌. لِأنَّها جُعِلَتْ عَلَمًا لِوَقْتٍ مِن ذَلِكَ اليَوْمِ بِعَيْنِهِ؛ وجازَ إدْخالُ الألِفِ واللامِ عَلَيْها؛ كَما حَكى أبُو زَيْدٍ: "لَقِيتُهُ فَيْنَةَ"؛ غَيْرَ مَصْرُوفٍ؛ و"اَلْفَيْنَةَ بَعْدَ الفَيْنَةِ"؛ فَألْحَقُوا لامَ المَعْرِفَةِ ما اسْتُعْمِلَ مَعْرِفَةً؛ وحَمْلًا عَلى ما حَكاهُ الخَلِيلُ أنَّهُ يُقالُ: "لَقِيتُهُ اليَوْمَ غَدْوَةً"؛ مُنَوَّنًا.
ب‌. ولِأنَّ فِيها مَعَ تَعْيِينِ اليَوْمِ إمْكانُ تَقْدِيرِ مَعْنى الشَياعِ؛ ذَكَرَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ.
و ذكر مثل ذلك أبو منصور الأزهري (370) في كتابه معاني القراءات و عللها، قال: وإذا لم يردوا بغدوة غداة يومٍ بعينه وأرادوا غدوةً من الغدوات جاز دخول الألف واللام، وعلى هذا المعنى توجّه قراءة ابن عامر). [1/359]
كما قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ) في كتابه إعراب القراءات السبعة وأبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ) في كتابه الحجة للقراء السبعة : ان قراءة ابن عامر وحده {بالغدوة والعشي} بالواو، و وجه ذلك أن غداة نكرة و تتعرف بالألف و اللام ، وغدوة معرفة ولا يستعمل بالألف واللام (فهي علم)، و يكون مراد الله تعالى – والله أعلم – ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي: غداة كل يوم. نزل ذلك في فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/158، الحجة للقراءات السبع : 3/319،251)
2- سبب النزول: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الآية 52.
قال الوادعي في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول:
روى مسلم عن سعد: فيَّ نزلت {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} قال: نزلت في سنة أنا وابن مسعود منهم وكان المشركون قالوا: تدني هؤلاء.
و روى مسلم عن سعد أيضًأ؛ قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.

3- معنى الدعاء لغة سؤال الشئ و طلبه.
4- المعنى المراد ب( يدعون):
1- الدعاء بمعنى العبادة، رواه ابن جرير عن الضحاك، و استشهد بالآية: ( لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [سورة غافر: ٤٣] ، يعني: تعبدون).
2- الصلاة (و هي عبادة من العبادات)، قال ذلك سعيد بن المسيب و لم يفصل ما هي الصلاة المقصودة، و أختلفت الأقوال في ما هي الصلاة المقصودة :
أ‌. الصلوات المكتوبة ، قال ذلك ابن عباس، وإبراهيم، عبد الله بن عمرو روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره، ذكر ذلك عنهم ابن عطية في تفسيره.
، و قد عبر عنها ابن عاشور بعموم أوقات الصلوات الخمس، أي لا تطرد المصلين، أي المؤمنين.
ب‌. قال ابن عطية : قالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ اَلْمُرادُ بِهِ صَلاةُ مَكَّةَ؛ الَّتِي كانَتْ مَرَّتَيْنِ في اليَوْمِ؛ بُكْرَةً؛ وعَشِيًّا
ت‌. صلاة الصبح و العصر، روى ذلك ابن جرير عن مجاهد و قتادة. [القول بأن المقصود بالدعاء الصلاة ثم يندرج تحته مسألة فرعية هل هذه الصلاة معينة أو أريد بها العموم]
3- اَلدُّعاءُ؛ وذِكْرُ اللهِ تَعالى ؛ واللَفْظَةُ عَلى وجْهِها، و هو مجموع قول كلًا من الضحاك، وإبراهيم و منصور، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره، و ذكره ابن عطية
4- و قال ابن عاشور: مَعْنى ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ يُعْلِنُونَ إيمانَهم بِهِ دُونَ الأصْنامِ إعْلانًا بِالقَوْلِ، وهو يَسْتَلْزِمُ اعْتِقادَ القائِلِ بِما يَقُولُهُ، إذْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ نِفاقٌ وإنَّما ظَهَرَ المُنافِقُونَ بِالمَدِينَةِ.
5- وقالَ بَعْضُ القُصّاصِ: إنَّهُ الِاجْتِماعُ إلَيْهِمْ غُدْوَةً وعَشِيًّا؛ فَأنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ المُسَيِّبِ ؛ وعَبْدُ الرَحْمَنِ بْنُ أبِي عَمْرَةَ؛ وغَيْرُهُما؛ وقالُوا: إنَّما الآيَةُ في الصَلَواتِ في الجَماعَةِ، كما قال ابن عطية [قهو تأويل خاطئ للآية]
و روى بن جرير قولًأ لإبراهيم يرد فيه هذا القول: ولو كان ما يقول القُصَّاص،هلك من لم يجلس إليهم.
6- تعلمهم القرآن وقراءته: رواه ابن جرير عن أبي جعفر، و يعود ذلك إلى ذكر الله.
5- فائدة التعبير بالفعل المضارع يدعون: الاستمرار و التجدد.
6- نوع الباء: ظرف زمان
7- المعنى اللغوي ل( غداة): الغَدَاةُ : ما بين الفجر وطلوع الشمس، كما في المعاني الجامع
8- المعنى اللغوي ل(عشي) :الوقت من المغرب إلى العشاء المعاني الجامع ،
و قال الفراء: تكون العشية فِي معنى: آخرِ، والغداة فِي معنى: أول.
9- معنى (ال) التعريف: قال ابن عاشور ال الجنس، فِيهِما تَعْرِيفُ الجِنْسِ.
10- المعنى الذي أضافه ال الجنس : والمَعْنى أنَّهم يَدْعُونَ اللَّهَ اليَوْمَ كُلَّهُ. فالغَداةُ والعَشِيُّ قُصِدَ بِهِما اسْتِيعابُ الزَّمانِ والأيّامِ كَما يُقْصَدُ بِالمَشْرِقِ والمَغْرِبِ اسْتِيعابُ الأمْكِنَةِ.
دراسة الأقوال:
المعنى المراد لل(يدعون ) يشمل كل الأقوال السابقة و الله أعلم و هو وصف للجماعة التي كانت تجتمع عند رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ فالدعاء بمعنى العبادة، و التي تشمل كل ما ذكر من أقوال، و يدخل فيها دخولًا أوليا الصلاة و ذلك لتخصيص القول بالغداة و العشي، و للأحاديث التي تعضد بعضها بعضًأ، و الصلاة فيها التوحيد و ذكر لله، و تمجيده و الثناء عليه، و فيها قراءة القرآن و فيها الدعاء.
و مما يقوي ذلك :
التعبير بالفعل المضارع الذي يفيد التجدد و الاستمرار.
المعنى الاصطلاحي للدعاء.
تخصيص الدعاء ( بالغداة و العشي) ، و و هو زمن الصلاة ، و هو الصلوات مابين الوقتين، كما قال ابن عاشور:
التي عِبارَةٌ عَنِ اسْتِمْرارِ الفِعْلِ؛ وأنَّ الزَمَنَ مَعْمُورٌ بِهِ؛ كَما تَقُولُ: "اَلْحَمْدُ لِلَّهِ بُكْرَةً وأصِيلًا"؛ فَإنَّما تُرِيدُ: "اَلْحَمْدُ لِلَّهِ تَعالى في كُلِّ وقْتٍ".
و يعود ذلك إلى معنى ال التعريف ( ال الجنس) ، والمَعْنى أنَّهم يَدْعُونَ اللَّهَ اليَوْمَ كُلَّهُ. فالغَداةُ والعَشِيُّ قُصِدَ بِهِما اسْتِيعابُ الزَّمانِ والأيّامِ كَما يُقْصَدُ بِالمَشْرِقِ والمَغْرِبِ اسْتِيعابُ الأمْكِنَةِ، قال ذلك ابن عاشور.
و هو ما اختاره ابن جرير حيث قال: قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى نبيه محمدًا ﷺ أن يطرُد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشي، و"الدعاء لله"، يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وكلامًا = وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمالَ التي كان عليهم فرضُها، وغيرُها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابدَه بما هو عامل له، وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي، لأن الله قد سمى"العبادة"،"دعاء"، فقال تعالى ذكره: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ، [سورة غافر: ٦٠)وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء.
و هو اختيار ابن كثير مع تخصيص السؤال بالقصد.
[راجعي التعليق الخاص بالاستطراد على المسألة الأولى ويُطبق ها هنا]
3- قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
التخريج:
رواه الفراء (ت: 207هـ)، و ابن جرير( 311)، من طريق عاصم ابن أبي النجود، عن زر بن حبيش(وقوله: {وما هو على الغيب بظنينٍ...} ... حدثني قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أنتم تقرءون: (بضنين) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) بمتّهم. [ذكرتِ الفراء وابن جرير، ثم قلتِ حدثني قيس ... من قال حدثني قيس؟]
وأخْرَجَه عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن زِرٍّ كما قال السيوطي في الدر المنثور.
و قاله كلا من ابن عباس و الضحاك، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره
الدراسة:
المسائل التفسيرية:
1- القراءات:
أ‌. َما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ): بِالظَّاءِ، قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وابْنُ عُمَرَ، وابْنُ الزُبَيْرِ، وعائِشَةُ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وعُرْوَةُ بْنُ الزُبَيْرِ، ومُسْلِمٌ وابْنُ جُنْدُبٍ، ومُجاهِدٌ، وغَيْرُهُمْ: "بِظَنِينٍ" بِالظاءِ ،ذكر ذلك ابن عطية
ب‌. بالضاد: وبِالضادِ هي في خُطُوطِ المَصاحِفِ كُلِّها فِيما قالَهُ الطَبَرِيُّ، وهي قِراءَةُ نافِعٍ، وعاصِمٍ، وابْنِ عامِرٍ، وحَمْزَةَ، وعُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، وأبِي رَجاءٍ، والأعْرَجِ، وأبِي جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، وجَماعَةٍ وافِرَةٍ؛ قاله ابن عطية
2- توجيه القراءات:
أ‌. ظنين: أَيْ بِمُتَّهَمٍ، وَالظِّنَّةُ التُّهْمَةُ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَمَا وكتاب الله لا عن سناءه ... هُجِرْتُ وَلَكِنَّ الظَّنِينَ ظَنِينُ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَخِّلُوهُ وَلَكِنْ كَذَّبُوهُ، وَلِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: مَا هُوَ بِكَذَا، وَلَا يَقُولُونَ: مَا هُوَ عَلَى كَذَا، إِنَّمَا يَقُولُونَ: مَا أَنْتَ عَلَى هَذَا بِمُتَّهَمٍ، ذكر ذلك القرطبي في تفسيره.
ذكر ابن عطية أن هَذا في المَعْنى نَظِيرُ وصْفِهِ بِأمِينٍ، و أن أبُو عُبَيْدٍ رجح قِراءَةَ الظاءِ مُشالَةً لِأنَّ قُرَيْشًا لَمْ تُبَخِّلْ مُحَمَّدًا ﷺ فِيما يَأْتِي بِهِ وإنَّما كَذَّبَتْهُ فَقِيلَ ما هو بِمُتَّهَمٍ.
. و من معاني ظنين ضعيفِ القوةِ عن التبليغ مِنْ قولِهم: «بئرٌ ظَنُوْنٌ» ، أي: قليلةُ الماءِ، ذكره و عقب عليه أبومنصور الأزهري: أنه محتمل له، كما ذكر ذلك عنه السمين الحلبي في الدر المصون .
ت‌. قرءاة ِالضادِ بِمَعْنى: بَخِيلٍ، أيْ: يَشِحُّ بِهِ، ولا يَبْلُغُ ما قِيلَ لَهُ ويَبْخَلُ، ذكره الزجاج و ابن عطية.
و قال الزجاج: ومَن قَرَأ ﴿بِضَنِينٍ﴾، فَمَعْناهُ: ”ما هو عَلى الغَيْبِ بِبَخِيلٍ“، أيْ: هو ﷺ يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ ويُعَلِّمُ كِتابَ اللَّهِ.
أَيْ بِبَخِيلٍ مِنْ ضَنِنْتُ بِالشَّيْءِ أَضَنُّ ضَنًّا [فَهُوَ] ضَنِينٌ.
و هذا القول هو ما رجحه ابن جرير بناء على أن القراءة بالضاد أولى القراءتين وأولى، فقال عنها: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك ﴿بِضَنِينٍ﴾ بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها
قال القرطبي: رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا يَضَنُّ عَلَيْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ، بَلْ يُعَلِّمُ الْخَلْقَ كَلَامَ اللَّهِ وَأَحْكَامَهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَجُودُ بِمَكْنُونِ الْحَدِيثِ وَإِنَّنِي ... بِسِرِّكَ عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِينُ.
دراسة الأقوال:
القراءات الصحيحة النقل فيها زيادة معنى و إن لم تكن مشهورة، فيجمع بين المعنين و الله أعلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبخل بما علمه الله على قومه، و ليس بمتهم، و البخل هنا يضمن معنى الحرص و دل على ذلك تعدية الفعل بعلى، و متعلق الاتهام هنا أن يبدل و يزيد و ينقص فيما أوحى الله إليه.
و هذا مفهوم قول ابن كثير: كِلَاهُمَا مُتَوَاتِرٌ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ، و هو اختيار السعدي.
و القول الذي قاله أبو عبيد لرد معنى ضنين بخيل؛ أن هذا يستدعي ان المشركين اتهموه بالبخل، و هذا لم يحدث ، رد عليه أبو شامة المقدسي في كتابه حرز الأماني فقال: قال أبو شامة المقدسي: واخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ القِراءَةَ بالظَّاءِ، وقالَ: إنَّهم لم يُبَخِّلُوهُ فيَحْتَاجُ إلى أنَّهُ يَنْفِي عنه ذلك البُخْلَ، إنَّما كان المُشْرِكُونَ يُكَذِّبونَ به، فأَخْبَرَهم اللهُ تعالى أنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ على الغَيْبِ، وجَوابُ هذا أَنْ يُقَالَ: وَصَفَهُ اللهُ تعالى بذلك لحِرْصِهِ على التَّبْليِغِ وقِيامِهِ لِمَا أُمِرَ به، ولا يَتَوَقَّفُ نَفْيُ البُخْلِ عنه على رَمْيِهِمْ إيَّاهُ به
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 4/250]
[راجعي التعليق على الأخت هنادي]
**************************************************************
4- قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
التخريج
رواه بألفاظ متقاربة كلًا من : ابن جرير في تفسيره، و ابن المنذر النيسابوري في تفسيره،،ابن أبي حاتم في تفسيره ، من طريق داود عن أبي العالية. [الألفاظ وإن كانت متقاربة لكن في بعضها زيادات توضح المعنى في الروايات الأخرى]
و روى مثله ابن جرير بإسناد آخر منقطع، قال : حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قوله:"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا"، قال: هم اليهود والنصارى، يصيبون الذنوبَ فيقولون:"نتوب"، وهم مشركون. قال الله عز وجل: لن تُقبل التوبة في الضّلالة.
الأقوال الأخرى:
1- "المقصود ب(إنّ الذين كفروا" ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد ﷺ ("بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا" بكفرهم بمحمد، رواه ابن جرير عن قتادة، و ذكره عنه ابن عطية، و قال مثله الحَسَنُ وغَيْرُهُما كما ذكر ابن عطية.
رد ابن عطية هذا القول و قال: أن القول أن المقصود اليهود قول فيه اضطراب، فمن كفروا بعيسى عليه السلام بعد إيمانهم بموسى عليه السلام ليسوا من كفروا بمحمد صلى الله عليه و سلم، هذا القول يخلط الأسلاف بالمخاطبين.
2- إن الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد، بعد إيمانهم بأنبيائهم ="ثم ازدادوا كفرًا"، يعني: ذنوبًا ، قالَه أبُو العالِيَةِ رَفِيعٌ، روى ذلك عنه ابن جرير في تفسيره و ذكره عنه ابن عطية في تفسيره.
و هو ما اختاره ابن جرير، و قال عنه أنه أصح الأقوال، و ذلك لمناسبة سياق الآيات له.
3- إن الذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم ="ثم ازدادوا كفرًا"، يعني: بزيادتهم الكفر: تمامُهم عليه، رواه ابن جرير عن عكرمة.
و قال بان عطية : يَدْخُلُ في الآيَةِ المُرْتَدُّونَ اللاحِقُونَ بِقُرَيْشٍ وغَيْرُهم وقالَ مُجاهِدٌ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا﴾ أيْ تَمُّوا عَلى كُفْرِهِمْ وبَلَغُوا المَوْتَ بِهِ. فَيَدْخُلُ في هَذا القَوْلِ اليَهُودُ والمُرْتَدُّونَ. وقالَ السُدِّيُّ نَحْوَهُ

الدراسة:
المسائل التفسيرية:
1- سبب النزول :
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ):
(قوله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم :
1- قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا ببعثة محمد والقرآن.
2- وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم). [، أسباب النزول للواحدي: 110)
3- قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} هكذا رواه وإسناده جيد، [1 /380]
و هو اختيار ابن كثير
2- من هم الذين كفروا:
أ‌. أهل الكتاب ( النصارى و اليهود) في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، قاله أبو العالية، روى ذلك عنه ابن جرير وذكره عنه ابن كثير وابن عطية.
ب‌. اليهود، قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية.
ت‌. كفرالاقوام بأنبيائهم، رواه ابن جرير عن عكرمة و ذكره ابن عطية.
ث‌. المرتدين عن الإسلام، قاله ابن عباس؛ روى ذلك عنه الحافظ أبو بكر البزار كما ذكر ابن كثير، و ذكرابن عطية أن هذا القول يقع تحت القول الثاني.
3- متعلق الكفر:
أ‌. كفر اليهود بأنبيائهم، قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية.
ب‌. كفر اليهود و النصارى بمحمد صلى الله عليه و سلم، قاله أبو العالية، روى ذلك عنه اين جرير.
ت‌. كفرالاقوام بأنبيائهم، رواه ابن جرير عن عكرمة و ذكره ابن عطية.
قال ابن عطية يدخل فيه المرتدين عن الإسلام.
4- متعلق الإيمان( بعد إيمانهم):
أ‌. بعد إيمان الأقوام بأنبيائهم، قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية.
ب‌. بعد إيمان اليهود بمحمد صلى الله عليه و سلم قبل بعثته، قاله أبو العالية، روى ذلك عنه اين جرير.
ت‌. إيمان كل قوم بنبيهم، رواه ابن جرير عن عكرمة و ذكره ابن عطية.
5- ما المراد بزيادة الكفر:
أ‌. الكفر على الحقيقة: الكفر بالأنبياء
1- الكفر بمحمد صلى الله عليه و سلم و بعثته: قاله أبو العالية روى ذلك عنه ان جرير، و قاله الحسن و قتادة ذكر ذلك عنهم ابن عطية، .
2- الإقامة على كفرهم، رواه ابن جرير عن عكرمة
ب‌. بارتكابهم الذنوب، رواه ابن جرير عن أبو العالية.
دراسة الأقوال:
الآية عامة في كل من كان هذا وصفه، كفر بعد إيمانه، و يدخل فيها دخولًأ أوليًا؛ اليهود من كانوا يستفتحون على الذين كفروا من المشركين قبل بعثة محمد، فلما بعثه الله كفروا به كبرًا و حسدًا من عند أنفسهم.
و يؤيد ذلك:
1- سياق الآيات في اليهود المعاصرين للرسول صلى الله عليه و سلم.
2- الآثار التي وردت في سبب النزول
3- الذين لفظ عموم
4- حذف متعلق الكفر و الإيمان
و ازدياد الكفر يشمل الكفرعلى الحقيقة و الإقامة عليه، بإتيان أفعال كفر، التي هي مزيد ذنوب و معاصي، و التي لن يقبل الله توبتهم عنها لإنهم لم يتوبوا عن الكفر ابتداء .
[بارك الله فيكِ

نبحث في تحرير جميع المسائل التي ذكرتيها لنصل للمسألة الأهم وهي (علة عدة قبول توبتهم)
وردت الأدلة المتواترة بأن الله عز وجل لا يرد توبة تائب إليه، وفي هذه الآية قال الله عز وجل (لن تقبل توبتهم)

تفسير أبي العالية أن المقصود بتوبتهم هنا: التوبة من ذنوب أصابوها في الكفر، ولم يتوبوا من الكفر فلم تقبل توبتهم لذلك.
وللمفسرين أقوال أخرى]

قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
﴿لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ [الرعد ١٨]
وَٱلَّذِینَ یَصِلُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ وَیَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَیَخَافُونَ سُوۤءَ ٱلۡحِسَابِ (21) الرعد
عن فرقد السبخي قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما"سوء الحساب"؟ قلت: لا! قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء
رواه ابن جرير في تفسيره و رواه أبو الشيخ كما في الدر المنثور للسيوطي من طريق فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي.
رواه بلفظه أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة عن عَلِيٌّ، أنا إِسْمَاعِيلُ، نا عَبَّاسٌ، قَالَ: نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
رواه سعيد بن منصور في سننه بألفاظ قريبة عن فرقد بن حوشب. [فرقد بن يعقوب السبخي؟]
و روي قريب منه عن الحسن و ابن زيد.
و روى سعيد بن منصور في سننه قول بلفظ آخر عن إبراهيم ، منقطع لأن به رجل مجهول هو من روى عن إبراهيم قال: (أن يأخذ عبده بالحقّ)
المسائل التفسيرية بالمسألة:
1- معنى ال التعريف في الحساب: في الآية: ﴿لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ [الرعد ١٨]
العهد الذهني و هو الحساب الذي يكون يوم القيامة.
و في الآية (وَٱلَّذِینَ یَصِلُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ وَیَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَیَخَافُونَ سُوۤءَ ٱلۡحِسَابِ (21) الرعد، للعهد الحضوري، لسابق ذكره.
2- متى يكون سوء الحساب: في الآخرة، ذكره ابن كثير
3- المعنى المراد ب( سوء الحساب) ؛
1- المناقشة ( المقايسة بالأعمال) ، رَواهُ أبُو الجَوْزاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، يشهد له قول عائشة مرفوعا ( من نوقش الحساب يهلك)، ذكر ذلك النحاس.
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: مَن حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ أوَليسَ يقولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَتْ: فَقَالَ: إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، ولَكِنْ: مَن نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ
2- أنْ يُحاسَبَ بِذَنْبِهِ كُلِّهِ، فَلا يُغْفَرُ لَهُ مِنهُ شَيْءٌ، رواه ابن جرير عن إبراهيم النخعي، و عن حوشب.
3- ألا تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم كما قال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}.ذكره الزجاج.

دراسة الأقوال:
الآية الأولى فيها ذكر لجزاء المعرضين مقابل جزاء من استجابوا لله عز و جل، و هو سوء الحساب الذي يخشاه الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، من استجابوا لله، و سوء الحساب في الآيتين واحد، و يجمع جميع الأقوال؛ فهي لازمة لبعضها البعض، فسوء الحساب هو مناقشة الله للعبد، يقرره بذنوبه، و يوبخه، و يشهد عليه جوارحه، و يأخذه بجميع ذنوبه لا يتجاوز عن أي منها، و هذه لا تكون إلا لمن أعرض و نأى بجانبه عن طريق الله، و هو من عدل الله عز و جل.
و ما عملوا من أعمال حسنة، ظاهرها الصلاح ؛ ليست لله، فهي هباء منثور، لا يقبل منهم.
قال ﷺ: إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طُعمة في الدنيا حسناته يُجزى بها في الدنيا، فإذا أفضى للآخرة ما له شيء كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].
و هذا اختيار بن جرير و ابن كثير الذي قال؛ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، أَيْ: يُنَاقَشُونَ عَلَى النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَالْجَلِيلِ وَالْحَقِيرِ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.


التقويم: ب+

بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أحسنتِ التخريج وجمع الأقوال، وبقي العناية بحسن الصياغة والعرض، ولهذا أوصيكِ بالإكثار من قراءة الرسائل التفسيرية بأسلوب التقرير العلمي، ومحاكاتها.
يمكنكِ الاستفادة كثيرًا من محاكاة أسلوب الشيخ عبد العزيز الداخل في رسائله.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 5 شعبان 1443هـ/8-03-2022م, 04:38 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فروخ الأكبروف مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله.
1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
أخرجه الطبري عن سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش من طرق. [رواه الفراء وابن جرير من طريق عاصم عن زر]
قال الطبري: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة (بِضَنِينٍ) بالضاد...وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين (بِظَنِينٍ) بالظاء.
وعنى بقوله: "بعض المكيين" عبد الله بن كثير الداري المكي، وبقوله: "بعض البصريين" أبا عمرو بن العلاء البصري، وبقوله: "بعض الكوفيين" أبا الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي.
قال الحسين بن أحمد بن خالويه في إعراب القراءات السبع وعللها: ((وقوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {بظنين} بالظاء...قرأ الباقون: {بضنين} بالضاد...))
وقال الأزهري في معاني القراءات: ((وقوله جلَّ وعزَّ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمّى (بِظَنِينٍ) بالظاء. وقرأ عاصم ونافع وحمزة وابن عامر "ضَنِينٍ" بالضاد)).
إذا كل واحدة من القراءتين قراءة صحيحة متواترة.
أما معناهما فقد قال زر بن حبيش: (الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
فمعنى الظنين: المتهم. وهو فعيل بمعنى مفعول، قال ابن الأنباري في الأضداد: ((ويقال: فلان عندي ظَنِين، أَي متَّهم، وأَصله مَظنون، فصرِف عن مفعول إِلى فعيل، كما قالوا: مطبوخ وطبيخ)).
وقال أبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر: ((والظنين: المظنون)).
فالمعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- غير متهم فيما يخبر عن الله تعالى، بل هو أمين، فأدى الرسالة على وجهها من غير زيادة ونقصان.
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (({وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظَنِينٍ}؛ أي بمُتَّهَم على ما يُخبِر به عن الله عز وجل)).
قال الأزهري في معاني القراءات: ((من قرأ (وَمَاهُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) فمعناه: ما هو متهم، هو الثقة فيما أداه عن اللَّه. والظَّنَّةُ: التهَمَة)).
فإن قيل: أليس "ظن" يتعدي على مفعولين؟ قيل: ليس ما في هذه الآية من هذا الباب. فإن (ظن) في القرآن على ثلاثة أوجه كما بينه مقاتل بن سليمان في (الوجوه والنظائر في القرآن الكريم).
الوجه الأول: الظن بمعنى اليقين. ومثل له بقوله تعالى: {وظن داوود أنما فتناه}، يعني: أيقن داوود أنا ابتليناه.
الوجه الثاني: الشك، ومثل له بقوله تعالى: {قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا}، يعني: إن نشك إلا شكا، {وما نحن بمستيقنين}.
الوجه الثالث: الظن، يعني: التهمة.
قال مقاتل بن سليمان: ((فذلك قوله في "إذا الشمس كورت": {وما هو على الغيب بضنين}، يعني: على القرآن بمتهم، فالغيب في هذا الموضع القرآن خاصة. وقال في أول الأحزاب: {وتظنون بالله الظنونا}، يعني: التهمة، اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرهم به عن الله تبارك وتعالى)).
ومنه أيضا قوله في الفتح: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء}.
والظن إذا كان بعمنى التهمة لا يتعدى إلى المعغولين، بل يتعدى إلى مفعول واحد.
قال سيبويه في الكتاب: ((وقد يجوز أن تقول: ظننتُ زيداً، إذا قال: من تظنُّ، أى من تَتهمُ؟ فتقول: ظننتُ زيداً، كأَنه قال: أتَّهَمْتُ زيدا. وعلى هذا قيل: ظَنينٌ "أى مُتَّهَمٌ ". ولم يَجْعَلوا ذاك فى حَسِبتُ وخِلْتُ وأُرَى؛ لأنّ من كلامهم أن يدخلوا المعنى في الشيء لا يَدْخل فى مثله)).
وقال ابن الأنباري في الأضداد: ((...وأَمَّا معنى التّهمة فهو أَن تقول: ظننت فلاناً، فتستغنيَ عن الخبر، لأَنَّكَ اتَّهمته، ولو كان بمَعْنَى الشكّ المحْض لم يُقْتَصرْ به على منصوب واحد)).
قال أبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر: قال اللَّه: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أي: ما هو على الوحي بمتهم، والظنين المظنون، وظننت في هذا يتعدى إلى مفعول واحد، ظننته أي: اتهمته.
قال مكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: ((...و«ظننت» إذا كانت بمعنى «اتهمت» لم تتعد إلا إلى مفعول واحد)).
قال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن: ((وأما قراءة من قرأ بظنين بالظاء فمعناه المتهم، يقال: ظننت زيداً، بمعنى اتهمته، وليس من الظن الذي هو الشعور والإدراك، فإن ذاك يتعدى إلى مفعولين ومنه ما أنشده أبو عبيدة:
أما وكتاب الله لا عن شناءة ... هجرت ولكن المحب ظنين))
وذكر في معنى "ظنين" قول آخر، وهو أنه الضعيف.
قال الفراء: ((...والذين قالوا: بظنين. احتجوا بأن على تقوى قوهم، كما تَقُولُ: ما أنت عَلَى فلان بمتهم، وتقول: ما هو عَلَى الغيب بظنين: بضعيف، يَقُولُ: هُوَ محتمل لَهُ، والعرب تَقُولُ للرجل الضعيف أَوِ الشيء القليل: هُوَ ظنون. سمعت بعض قضاعة يَقُولُ: ربما دلّك عَلَى الرأي الظنون، يريد: الضعيف من الرجال، فإن يكن معنى ظنين: ضعيفًا، فهو كما قيل: ماءٌ شريب، وشروب)).
وعلى هذا يكون أصله: ظَنون، فصرف إلى ظنين.
قال الخليل بن أحمد في معنى ظنون: ((والظنون: الرجل السيء الظن بكل أحد...والظنون: البئر التي لا يدرى أفيها ماء أم لا)).
وقال ابن الأنباري في المذكر والمؤنث: ((ويقال بئرٌ (ظنونٌ)، إذا كانت لا يُوثق بمائها: يأتي مرةً، ويذهبُ مرةً أخرى...ويقال: ورجُلٌ ظنونٌ، إذا كان لا يُوثقُ به)).
وقال ابن الأنباري أيضا في الأضداد: ((وقالَ الله عزَ وجلّ: {ومَا هُوَ على الغَيْنِ بِظَنِين}، فيجوز أَن يكون معناه: بمتَّهم. ويجوز أَن يكون معناه: بضعيف، من قول العرب: وَصْلُ فلان ظَنون، أَي ضعيف، فيكون الأَصل فيه: وما هو على الغيب بظَنون، فقلَبوا الواو ياءً، كما قالوا: ناقةٌ طَعُوم وطَعِيم، للَّتي بين الغَثَّة والسَّمينة؛ في حروف كثيرة يطول تعديدها وإِحصاءها.

أما الضنين فمعناه البخيل، وهو بمعنى فاعل، فالمعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- غير بخيل على الناس بتعليمهم ما علَّمه الله، وأنزل إليه من كتابه. وهذه القراءة تضمنت تنزيهه صلى الله عليه وسلم عن البخل، وفيها أيضا دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم على ثقة من الغيب الذي يخبر به، فلا يخاف أن ينتقض ويظهر الأمر بخلاف ما أخبر به، كما ذكره ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن.
قال الفراء: ((يقول: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس فيه، فلا يضن به عنكم)). والضنة هو البخل بالشيء النّفيس.
قال الخليل بن أحمد في العين: ((ضن: الضن والضنة والمضنة، كل ذلك من الإمساك والبخل، تقول: رجل ضنين. وقوله تعالى وما هو على الغيب بضنين، أي بمكتوم لما أوحي إليه من القرآن)).
قال ابن قتيبة في غريب القرآن: ((ومن قرأ: {بِضَنِينٍ}؛ أراد: ببخيل. أي ليس ببخيل عليكم)).
وقال الأزهري في معاني القراءات: ((ومن قرأ (بضنِين) فمعناه: ما هو ببخيل على الغيب الذي يؤديه عن الله، وعلى تعليمه كتاب الله. مأخوذ من: الضن، وهو: البخلُ)).
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: ((ضن) الضاد والنون: أصل صحيح، يدل على بخل بالشيء. يقال: ضننت بالشيء أضن به ضنا وضنانة، ورجل ضنين. وهذا علق مضنة ومضنة، إذا كان نفيسا يضن به. وفلان ضني من بين إخواني، إذا كان النفيس الذي يضن به. وربما قالوا ضننت بفتح النون)). وهذا قريب مما قال الفراء.
قال مكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: ((...وقرأ الباقون بالضاد على معنى «ببخيل»، أي: ليس محمد ببخيل في بيان ما أوحي إليه وكتمانه، بل يبثه ويبينه للناس)).
وللعلماء ثلاث طرق في المعاملة بهاتين القراءتين:
الأول: ترجيح القراءة بالضاد، لموافقتها لرسم المصحف واللغة.
قال الطبري: ((وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة)). ولما اختار هذه القراءة اختار المعنى الذي تدل عليه فقال: ((فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك: تأويل من تأوّله، وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه)).
وقال مكي في مشكل إعراب القرآن: ((قوله {على الغيب بظنين} دخول "على" يدل على أن ضنينا بالضاد بمعنى بخيل، يقال: بخلت عليه. ولو كان بالظاء بمعنى متهم لكان بالباء، كما يقال: هو متهم بكذا، ولا يقال: على كذا. ويجوز أن تكون "على" في موضع الباء فتحسن القراءة بالظاء)).
وقال أبو الحسن القيرواني في النكت في القرآن الكريم: ((والقراءة بالضاد أجود، لا يقال: اتهمته على كذا، وإنما يقال اتهمته بكذا، ومجاز القراءة بالظاء أنه وضع {عَلَى} موضع الباء)).
الثاني: ترجيح القراءة بالظاء.
وذلك لوجوه:
• أن الكفار إنما اتهموه صلى الله عليه وسلم، ولم يبخلوه.
• دخول "على" يدل أدل على مراد البخل. يقال: فلان ضنين بكذا، وقلما يقال: على كذا. [وجود "على" أدل على التهمة؟]
• لما وصف الرسول الملكي بالأمانة نسب نفي التهمة عن الرسول البشري.
ذكره ابن القيم في التبيان ونسب بعضها إلى أبي عبيدة.
الثالث: عدم الترجيح؛ لأن "إذا كان لكل قراءة تفسير يغاير تفسير القراءة الأخرى فإن القراءتين بمنزلة الآيتين"، كما ذكره خالد السبت في قواعد التفسير.
قال ابن القيم في التبيان: ((...ثم نزه رسوليه كليهما أحدهما بطريق النطق والثاني بطريق اللزوم عما يضاد مقصود الرسالة من الكتمان الذي هو الضنة والبخل والتبديل والتغيير الذي يوجب التهمة فقال {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} فإن الرسالة لا يتم مقصودها إلا بأمرين أدائها من غير كتمان وأدائها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان والقراءتان كالآيتين...))
وقال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: ((اعلم أولا، أن القراءتين إذا ظهر تعارضهما في آية واحدة لهما حكم الآيتين، كما هو معروف عند العلماء)).
وذلك لأن الأصل هو المحفوظ في الصدور، والرسم فرع عنه، فرسم الكلام في وقت الصحابة كان مجرَّداً من النقط والشكل والضبط.
وقال السيوطي: في الإتقان في علوم القرآن: ((...مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفا إذا ثبتت القراءة به ووردت مشهورة مستفاضة، ولذا لم يعدوا إثبات ياء الزوائد وحذف ياء: {فلا تسألني} في الكهف، وواو: {وأكون من الصالحين}، والظاء من: {بضنين}، ونحوه من مخالفة الرسم المردودة، فإن الخلاف في ذلك مغتفر؛ إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد وتمشيه صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول، بخلاف زيادة كلمة ونقصانها وتقديمها وتأخيرها حتى ولو كانت حرفا واحدا من حروف المعاني فإن حكمه في حكم الكلمة لا تسوغ مخالفة الرسم فيه وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته)).
بل تعود القراءتان إلى ذات واحدة، ما يدل على زيادة في الحكم لهذه الذات بمعنييهما.
وقد بين بن خالويه (المتوفى: 370 هـ) في إعراب القراءات السبع وعللها أنواع الاختلاف في القراءات فقال: ((وأمّا على كم معنى يشتمل اختلاف هذه السبعة أحرف، فإنه يشتمل على ثلاثة معان يحيط بها كلها:
أحدها: اختلاف اللفظ والمعنى واحد.
والثاني: اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضادّ اجتماعهما فيه)).
ومثل له قائلا: ((وكذا قوله: وما هو على الغيب بضنين بالظاء وبالضاد؛ لأن المراد بهاتين القراءتين جميعا هو النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه كان غير ظنين على الغيب، أي: غير متّهم فيما أخبر به عن الله تعالى، وغير ضنين به، أي: غير بخيل بتعليم ما علمه الله وأنزله إليه، فقد انتفى عنه الأمران جميعا، فأخبر الله تعالى عنه بهما في القراءتين، وكذا ما أشبهه)).
والثالث: اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه.
وهذا الاختلاف بين القراءتين من اختلاف النتوع الذي يمكن الجمع فيه، لا سيما أن القراءتين متواترتان صحيحتان، فيمكن أن تكونا كليهما مرادا.
قال الطاهر بن العاشور: ((وإذ تواترت قراءة بضنين بالضاد الساقطة، وبظنين بالظاء المشالة علمنا أن الله أنزله بالوجهين وأنه أراد كلا المعنيين)).
[أحسنت، بارك الله فيك، وراجع التعليق على الأخت هنادي]
2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
أخرجه الطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن داود بن أبي هند (وقال ابن أبي حاتم: يعني أبي هند) عن أبي العالية من طرق. [وألفاظ الرواية مختلفة، وفي بعضها بيان لما أُجمِل في روايات أخرى]
قد بين أبو العالية ثلاث مسائل في الآية:
الأولى: المراد بالذين كفروا، والمراد بكفرهم بعد الإيمان.
الثانية: معنى زيادة الكفر.
الثالثة: علة امتناع قبول التوبة.
أما المسألة الأولى: فقد قال أبو العالية: ((إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا...))
أما اليهود، فقد كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة، وهذا قوله تعالى فيهم في سورة البقرة: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}. وقد روى الطبري عن ابن عباس أنه قال: ((إن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه)).
وقد أخبر عيسى عليه الصلام قومه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين هذا ربنا تعالى بقوله: {وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}.
ولهذا جمع الله تعالى بينهم وبين المشركين لما وافقوهم على هذا الكفر -الكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم- فقال: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة (1) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة}، أي: لم يكن أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، تاركين صفة محمد في كتابهم، حتى بعث، فلما بعث تفرقوا فيه، على الذي اختاره الطبري.
وهنا قولان آخران:
أحدهما: أنها نزلت فيمن لم يتب من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا: نقيم بمكة ونتربص بمحمد ريب المنون، قاله ابن عباس، ومقاتل. فالنفاق من أنواع الكفر، كما هو معلوم.
والثاني: أنها نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفراً بمحمد والقرآن، قاله الحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني.
ذكرهما ابن الجوزي في زاد المسير.
واختار الطبري القول إن المراد بهم اليهود مستدلا بالسياق، قال: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية، قولُ من قال:"عنى بها اليهودَ"، وبين سبب اختياره بقوله: "لأن الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها، إذ كانت في سياق واحد".
وقال ابن عطية بعد ذكره قول أبي العالية: "وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم"، وعلى هذا فالآية تعم كل من هذه صفته، من الكفر بعد الإيمان.
المسألة الثانية: معنى زيادة الكفر.
فقد بين هذا أبو العالية أنها كانت بارتكاب الذنوب حال كفرهم واستمرارهم على الضلال، فيضمون إلى ذلك الكفر كفرا آخر من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك.
قال الرازي في تفسيره: :والضابط أن المرتد يكون فاعلا للزيادة بأن يقيم ويصر فيكون الإصرار كالزيادة، وقد يكون فاعلا للزيادة بأن يضم إلى ذلك الكفر كفرا آخر، وعلى هذا التقدير الثاني ذكروا فيه وجوها"، وذكر أن من هذه الوجوه "أن أهل الكتاب كانوا مؤمنين بمحمد عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه، ثم كفروا به عند المبعث، ثم ازدادوا كفرا بسبب طعنهم فيه في كل وقت، ونقضهم ميثاقه، وفتنتهم للمؤمنين، وإنكارهم لكل معجزة تظهر".
ونقل الواحدي في البسيط قول أبي عبيد: "جعل أبو العالية إصابة الذنوب زيادة في الكفر، كما أن أعمال البر زيادةٌ في الإيمان".
وقول أبي العالية هذا اختاره الطبري مستدلا بسياق الآية حيث قال تعالى: {لن تُقبل توبتهم}، فكانت زيادة الكفر سببا للحكم بعدم قبول التوبة. قال الطبري: "فالذي لا يَقبل منه التوبة، هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره، لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله".
وقال النحاس: "ويجوز في اللغة أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر، هذا يروي عن أبي العالية".
والقول الثاني: تربص المرتدين بمحمد ريب المنون، على قول ابن عباس، ومقاتل إن المراد بالذين كفروا أصحاب الحارث بن سويد.
والقول الثالث: هو ازدياد اليهود كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد كفرهم بعيسى عليه السلام. وهو قول الحسن وقتادة.
وضعفه ابن عطية فقال: وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين.
والقول الرابع: التمام على الكفر وبلوغ الموت به. وهو قول مجاهد. فيكون إصرارهم على الكفر كالزيادة.
وهذا القول قريب من قول أبي العالية حيث يشمل كل من مات على كفره من أهل الكتاب والمرتدين، كما ذكره ابن عطية.
المسألة الثالثة: علة امتناع قبول التوبة.
قال أبو العالية: (...فهم يتوبون منها في كفرهم). وهذا قد ذكر آنفا، أن المراد أن التوبة لا تنفع صاحبها ما دام كافرا. وهو اختيار الطبري، كما ذكر، قال: ((لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديقه بما جاء به من عند الله)).
والقول الثاني: أن معناه: لن تُقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، وهو قول الحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني، والسدي.
القول الثالث: لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر، وهو قول مجاهد.
وعلى كل فالآية تبين حكم من يموت كافرا، ويؤيد ذلك قوله تعالى بعدها: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}، سواء أظهر الكفر أم كتمه.

[في الآية قولان آخران:
الأول: سبب عدم قبول التوبة هو عدم صدقهم في طلبها بل كانوا يضمرون الكفر وهو مروي عن ابن عباس، رواه البزار كما في تفسير ابن كثير.
الثاني: أن المقصود بالإيمان والتوبة في الآية هو الإيمان الأول قبل كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد كفرهم فقد ماتوا على الكفر]


3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
أخرجه عبد الرزاق، والطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير. [رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم بلفظ الرفيق الصالح، وهي رواية عند عبد الرزاق أيضًا، والمختلف فيها هو تقييد الرفيق بالصلاح، أما الرواية الأولى ففيها تقييد الرفيق بالسفر]
وهذا القول اختاره الفراء، وأبو عبيدة، والبخاري، وابن قتيبة، والزجاج.
وذكر في المراد بالصاحب بالجنب قولان آخران:
أحدهما: أنه الزوجة، قاله علي، وابن مسعود، والحسن، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى.
والثاني: الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك، وهو قول ابن زيد.
ولما ليس في الأقوال الواردة في المراد بالصاحب بالجنب ما يدل على إرادة التخصيص والحصر حمله بعض العلماء على التفسير بالمثال.
قال الطبري: ((وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه؛ لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه، وقد أوصى الله تعالى بجميعهم لوجوب حق الصاحب على المصحوب...وإن كان الصاحب بالجنب معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلا فيه كل من جنب رجلا يصحبه في سفر أو نكاح أو انقطاع إليه واتصال به ولم يكن الله جل ثناؤه خص بعضهم مما احتمله ظاهر التنزيل؛ فالصواب أن يقال: جميعهم معنيون بذلك , وبكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه)).
وقال الجصاص في أحكام القرآن (370): ((لما كان اللفظ محتملا لجميع ذلك وجب حمله عليه وأن لا يخص منه شيء بغير دلالة)).
قال الزمخشري (538): ((وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك، إما رفيقا في سفر، وإما جاراً ملاصقاً، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه. فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه، وتجعله ذريعة إلى الإحسان)).
وقال القرطبي: ((والأول (يعني: الرفيق في السفر) أصح، وهو قول ابن عباس وابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك. وقد تتناول الآية الجميع بالعموم. والله أعلم)).
وقال الشوكاني: ((ولا يبعد أن تتناول الآية جميع ما في هذه الأقوال مع زيادة عليها، وهو كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب، أي: بجنبك، كمن يقف بجنبك في تحصيل علم أو تعلم صناعة أو مباشرة تجارة أو نحو ذلك)).
وقال السعدي: ((قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة)).
وهذا صحيح، فقد جاء في بعض ما روي عن سعيد بن جبير أنه الرفيق مطلقا، وفي بعضه أنه الرفيق الصالح.
وذلك أن مبنى الأقوال على أصل الجنب في اللغة، وقد بين الراغب الأصفهانى في المفردات وجه العلافة، قال: ((أصل الجَنْب: الجارحة، وجمعه: جُنُوب... ثم يستعار من الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك، نحو: اليمين والشمال...))
وفي كل الأقوال عبارة عن قرب، وهذا يمكن أن يوصف كل من ذكر، وهو كما قاله الطبري: ((...لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه)).

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
قول سعيد بن المسيب هذا أخرجه الطبري فقال: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي}، قال: المصلين المؤمنين، بلال وابن أم عبد. قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلّم الإمام ابتدر الناس القاصَّ، فقال سعيد: ما أسرعَ بهم إلى هذا المجلس! قال مجاهد: فقلت: يتأولون ما قال الله تعالى ذكره. قال: وما قال؟ قلت:"ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: وفي هذا ذَا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، إنما ذاك في الصلاة.
والمسألة هنا: المراد بالدعاء.
قال الطبري: واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرَّهط، الذين نهى الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، يدعون ربّهم به.
وقول سعيد بن المسيب، إن المراد به الصلوات المفروضة قاله أيضا ابن عباس، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، والحسن.
ونسب الواحدي في البسيط هذا القول إلى عامة المفسرين، قال: "وهو قول جميع أهل التأويل".
وقوله تعالى: {بالغداة والعشي} على هذا القول يحتمل ثلاث احتمالات:
الأول: وهما الصبح والعصر. وهو قول مجاهد وقتادة.
الثاني: هي الصلاة بمكة قبل فرض الخمس وكانت غدوة وعشية، ذكره ابن عطية عن الحسن، وابن الجوزي عن مقاتل.
الثالث: هي عبارة عن دوام الفعل.
قال ابن عطية: ((...قوله: {بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ} "عبارة عن استمرار الفعل وأن الزمن معمور به، كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا، فإنما تريد الحمد لله في كل وقت".
وقال الرازي: ((وقيل: المراد من الغداة والعشي طرفا النهار، وذكر هذين القسمين تنبيها على كونهم مواظبين على الصلوات الخمس)).
والظاهر أن قول سعيد بن المسيب من التفسير بالمثال، كما يفهم ذلك من قول الطبري: "و"الدعاء لله"، يكون بذكره، وتمجيده، والثناء عليه قولا وكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمالَ التي كان عليهم فرضُها، وغيرُها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابدَه بما هو عامل له. وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها".
فلما يعم الدعاء هذه المعاني كلها تبين أن ذكر بعضها إنما يكون على وجه التمثيل لا التخصيص. قال الطبري مبينا سبب تعدد أقوال المفسرين هنا: ((فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم، ولا يخصُّون منها بشيء دون شيء)).
ويؤيد ذلك أن تعدد الأقوال غير المتعارضة عن المفسر الواحد فيه دليل على العموم اللفظة المفسرة، فتكون الأقوال جارية مجرى التمثيل، وقد ورد عن إبراهيم النخعي قولان في المراد بالدعاء.
وهو القول الثاني: أنه ذكرُهم الله تعالى ذكره. كما قال إبراهيم النخعي.
قال ابن عطية: وقيل الدعاء وذكر الله واللفظة على وجهها. يعني: أنه تفسير لفظي.
الثالث: تعلمهم القرآن وقراءته. وهو قول أبي جعفر.
الرابع: عبادتهم ربهم. وهو قول الضحاك.
ورجح الطبري القول الأخير؛ لأنه أعم، قال: ((وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي، لأن الله قد سمى "العبادة"، "دعاء")).
واستشهد بقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، فقال: ((وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء)).
وقال أيضا: ((ولا قول أولى بذلك بالصحة، من وصف القوم بما وصفهم الله به: من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي، فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم، ولا يخصُّون منها بشيء دون شيء)).
وهذا يشمل دعاء العبادة، ودعاء المسألة.
والقول بالعموم يؤيده ما جاء في سبب نزول الآية. فقد روى مسلم في صحيحه عن سعد، قال: (( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: (اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا). قال: (وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.
وعلى هذا يكون قوله تعالى: {بالغداة والعشي} عبارة عن استمرار الفعل ودوامه.
قال الزمخشري: "وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أى عبادته ويواظبون عليها. والمراد بذكر الغداة والعشى: الدوام".
وقال النسفي: "وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام..."

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
أخرجه عبد الله بن وهب المصري، والطبري، والواحدي في الوسيط عن فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي به.
ورواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة، عن رجل، عن إبراهيم.
والسوء هنا بمعنى الشدة.
قال مقاتل بن سليمان: ((السوء على أحد عشر وجها:
الوجه الأول: السوء، يعني الشدة: فذلك كقوله في البقرة: {يسومونكم سوء العذاب}، يعني: شدة العذاب...وكذلك في الرعد: {أولائك لهم سوء الحساب}، يعني: شدة الحساب)).

فقد قال الله تعالى: {والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد} ولما جيء هنا بالموصول الدال على عِلِّية الحكم وسببه تبين أن سبب المحاسبة سوء الحساب هو عدم استجابة الكفار للدعوة.
وعلى هذا يكون قول إبراهيم النخعي من التفسير باللازم؛ لأن مقتضى سوء الحساب هو الشدة بأن تكون المحاسبة على كل ذنب، فلا يغفر منه شيء.
قال الرازي: ((...وأما الأشقياء فهم الذين لم يستجيبوا لربهم، فلهذا السبب وجب أن يحصل لهم سوء الحساب)).
قال السعدي: وهو الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه من عمل سيئ وما ضيعوه من حقوق الله وحقوق عباده قد كتب ذلك وسطر عليهم.
ويستدل لهذا القول بقول عائشة رضي الله عنها: ((من نوقش الحساب هلك)).
وأورد المارودي في{سوء الحساب} أقوالا أخر:
أحدها: أنه المناقشة في الأعمال، قاله أبو الجوزاء.
قال البيضاوي: (({أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ} وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء)). فجمع بين قول إبراهيم وأبي الجوزاء.
والثاني: أنه التقريع والتوبيخ، حكاه ابن عيسى.
والثالث: هو أن لا تقبل حسناتهم فلا تغفر سيئاتهم.
والأقوال لا تعارض بينها؛ إذ كل واحدة منها من مقتضيات سوء الحساب. والله أعلم.



التقويم: أ
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 5 شعبان 1443هـ/8-03-2022م, 05:24 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيمان جلال مشاهدة المشاركة
مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: (الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
التخريج:

رواه ابن جرير (من عدة طرق) والفراء عن عاصم ابن أبي النجود عنه رحمه الله مثله ومقارب له.
ورواه عبد بن حميد عنه رحمه الله بلفظ مقارب له كما ورد في الدر المنثور للسيوطي.

التوجيه:
نستطيع التوجيه بالرجوع إلى القراءات التي جاءت بها كلمة "ضنين".
فقد ورد في كلمة "ضنين" قراءتان، هما:
القراءة الأولى: ضنين.
قرأ بها نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والاعمش وشيبة وأبو جعفر.
ذكرها في باب القراءات كلا من: أبو بكر أحمد بن موسى، ومكي بن أبي طالب القيسي، وأبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، وابن الجزري، وأبو القاسم يوسف بن علي المغربي، ونسبها علم الدين السخاوي لأبيّ، وشعلة، وقال أبو شامة الدمشقي أنها الأولى لأنها هكذا كتبت في المصاحف، والسمنودي، وأحمد بن محمد الدمياطي، والصفاقسي، وعبد اللطيف الخطيب.
كما ذكرها كلا من: ابن وهب، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، وابن جرير، وذكره عبد الرحمن بن الحسن من تفسير مجاهد.

القراءة الثانية: ظنين.
قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ومكي والزعفراني وزيد ورويس والحضرمي.
ذكرها في باب القراءات كلا من: أبو بكر أحمد بن موسى، وأبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران، والجرجاني، ومكي بن أبي طالب القيسي، وأبو عمرو عثمان بن سعيد، وابن الجزري، واختاره أبو القاسم يوسف بن علي المغربي، وابن الباذش، والشاطبي، ونسبها علم الدين السخاوي لابن مسعود وابن عباس، ومحمد بن أحمد الموصلي، وقال أبو شامة الدمشقي: بأنها اختيار أبي عبيد، وعبد الفتاح القاضي، والسمنودي، وابن الجزري، وأحمد بن محمد الدمياطي، والصفاقسي، وعبد اللطيف الخطيب.
كما ذكرها كلا من: ابن وهب، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، وابن جرير.
والمعنى على كل قراءة:
- معنى ضنين: بخيل، من ضنّ يضن أي بخل، فضنين بخيل.
و (على) على هذه القراءة بمعنى الباء كما ذكره أبو شامة الدمشقي وغيره من أهل العلم،
حيث قال: وذلك ثابت لغة، وأن سبب العدول عن (الباء) إلى (على) هو لاستقامة معناها على القراءتين، أو كراهة لتكرار الباء لو قيل: بالغيب بضنين.
ومعنى الآية: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يبخل بما أوحي إليه أن يعلمه، أو يكتم بعضه فلا يبلغه، فوصفه تعالى بذلك لحرصه على الهداية وتشميره في تبليغ الرسالة امتثالا لأمر الله، ولا يتوقف هذا الوصف على رميهم إياه بالبخل بما عُلم.

- معنى ظنين: من الظّنّة، أي التهمة، متهم (على أحد الأقوال التي سأسردها في تحرير المسألة بإذن الله في الأسفل).
ومعنى الآية: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمتهم على ما لديه من علم الغيب.

ومما سبق نلحظ أن قول زر بن حبيش مطابق للمعنى اللغوي على القراءتين.

تحرير المسألة في معنى "ضنين":
• على القراءة الأولى "ضنين"، فإن معناها جاء على قولين لأهل العلم، وهو:
القول الأول: بخيل. رواه ابن وهب (عن سفيان)، وعبد الرزاق (عن إبراهيم)، والبخاري، وابن جرير (عن زر وعن إبراهيم وعن مجاهد وعن قتادة وعن سفيان وعن ابن زيد)، مجاهد (كما نقله عبد الرحمن الهمذاني)، كما ذكر السيوطي في الدر المنثور [بأن ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه قد رووه عن (ابن عباس) من طرق، وأن عبد بن حميد قد رواه (عن مجاهد وعن عكرمة وعن قتادة) وابن المنذر قد رواه (عن مجاهد وعن ابن الزهري)، وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر (عن إبراهيم النخعي)، وعبد بن حميد (عن زر)]. وذكره ابن عطية، وابن كثير. [كما ذكرتُ لكِ من قبل فإن هذه الطريقة تشتت القارئ، وهي الخلط بين التخريج وعزو القول، والأولى عزو القول لقائليه أولا، ثم تخريج قول كل منهم ولو باختصار أي بذكر من خرج القول من الأئمة عنهم.
عبد الرحمن الهمذاني ذكرنا من قبل أنه راوي كتب، وأنه روى تفسير آدم بن أبي إياس الذي اشتُهر بتفسير مجاهد، وعند التخريج نقول: رواه آدم بن أبي إياس]

كما ذكره الفراء، وأبو عبيدة، والأخفش البلخي، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، وغلام ثعلب، ومكي بن أبي طالب، وأبو عبيدة.

القول الثاني: الكتمان. رواه ابن جرير (عن ابن زيد).
وهو لازم البخل.

• على القراءة الثانية (ظنين)، فإن معناها جاء على قولين لأهل العلم، هي:
القول الأول: متهم. رواه ابن وهب (عن سفيان)، وعبد الرزاق (عن إبراهيم)، والبخاري، وابن جرير (عن ابن عباس وعن زر وعن سعيد بن جبير وعن إبراهيم وعن الضحاك)، وذكر السيوطي في الدر المنثور أن ممن رواه [سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه (عن ابن مسعود وعن إبراهيم النخعي)، وعبد بن حميد وابن مردويه (عن ابن عباس)، وعبد بن حميد (عن زر)]. وذكره ابن عطية، وابن كثير.
كما ذكره الفراء، وأبو عبيدة، والأخفش البلخي، وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، وغلام ثعلب، ومكي بن أبي طالب، وسيبويه.

القول الثاني: ضعيف. رواه ابن جرير (عن أهل العربية)، فتقول العرب عن الرجل الضعيف هو ظنون.
والمعنى: أنه ليس على الغيب بضعيف، ولكنه محتمل له مطيق.
كما ذكره الفراء.
الأدلة والشواهد:
تقول العرب: رجل ظنون أي ضعيف. ذكره ابن جرير والفراء.

التوجيه:
تصح القراءة بكلا القراءتين، وكل المعاني المذكورة أعلاه تصح، ولكن القول بأنه (ضعيف) فهو محتمل وليس بالقوي.
قال علم الدين السخاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما فيما روي.
والرسول صلى الله عليه وسلم متحقق به كلا الوصفين: فهو أمين ناصح للأمة، لا يبخل عليها بالعلم الذي أوحاه الله إليه، وغير متهم بالكذب على الله، فما هو على ما يخبر به من المغيب عنكم، كيف لا؟ وهو الصادق الأمين.
وعليه، فلا ترجيح بين القراءتين بل نجمع بينهما لثبوتهما تواترا، واحتمال معنى الآية لكلا المعنيين.
أدلة كل من رجح قولا على الآخر:
فقد رجح ابن جرير قراءة (الضاد)، وذلك لاتفاق خطوط المصاحف عليه وإن اختلفت قراءتهم به.
ومثله قال أبو شامة الدمشقي.
قال الفراء: (وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت (بضنين) وهو حسن، يقول: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس فيه فلا يضن به عنكم، فلو كان مكان: على ـ عن ـ صلح أو الباء كما تقول: ما هو بضنين بالغيب).

بينما اختار أبو عبيدة القراءة بالظاء، وذلك لأن قريشا لم يبخّلوه فيُحتاج إلى أنه ينفى عنه ذلك البخل، وإنما كان المشركون يكذبون به، فأخبرهم تعالى بأنه ليس بمتهم على الغيب.
قال الفراء: (والذين قالوا: بظنين. احتجوا بأن على تقوّي قولهم، كما تقول: ما أنت على فلان بمتهم، وتقول: ما هو على الغيب بظنين: بضعيف، يقول: هو محتمل له).

والرد على كلا الترجيحين السابقين يكون:
بأن المعنى في كلا القراءتين صحيح، حيث وصفه تعالى بذلك لحرصه على التبليغ وقيامه بما أمر به، ولا يتوقف نفي البخل عنه على رميهم إياه به.
فلا يجوز نفي أي من القراءتين طالما ثبت تواترهما، واحتمال الآية لكلا المعنيين.
فتصح الأقوال كلها في القراءتين.
[أحسنتِ بارك الله فيكِ، وراجعي التعليق على الاخت هنادي أعلاه، أعني ما يتعلق بالاعتذار للمتقدمين في ترجيحهم]





2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
التخريج:

رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من عدة طرق عن داود بن أبي هند عنه رحمه الله بألفاظ متقاربة. [وفي بعضها إجمال وفي بعضها بيان]
التوجيه:
يمكننا تقسيم الآية إلى ثلاثة أقسام، لكل منها مسألة خاصة بها، هي:
المسألة الأولى: المراد ب "الذين كفروا بعد إيمانهم".
فقد ذكر أبو العالية أنهم اليهود والنصارى، وهذا حق وصدق، وهو مثال على الذين كفروا بعد إيمانهم ببعض أنبيائهم، أو بجميعهم ولكنهم كفروا ببعض الأنبياء، ككفر اليهود والنصارى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وككفر اليهود بعيسى وبالإنجيل.
فقد قال تعالى: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين".
وقال تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام".
وقال تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه".
وروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار). صحيح مسلم.
فتخصيص أبي العالية للذين كفروا بأنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، مبني على نصوص ثابتة صحيحة.

المسألة الثانية: متعلق الزيادة بالكفر "ثم ازدادوا كفراً".
فسر أبو العالية "ثم ازدادوا كفرا" بذنوب أصابوها، وهذا حق وواقع منهم، فاليهود والنصارى كانوا ولازالوا غير مؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم مقترفون للآثام والذنوب لبعدهم عن دين الحق، فما زالوا بازدياد بالكفر، وهل بعد الكفر ذنب؟

المسألة الثالثة: علة عدم قبول توبتهم "لن تقبل توبتهم".
فسرها أبو العالية: فهم يتوبون منها في كفرهم.
من المعلوم بالضرورة من ديننا أن الإسلام هو شرط لقبول العمل، ومن بعد الإسلام فإن شرطي قبول أي عمل بالإسلام هو: الإخلاص لله، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يتحقق إلا إن كان صاحب العمل مسلما. والتوبة هي من العمل الصالح التي لابد لقبولها أن يتحقق فيها كلا الشرطين السابقين بالإضافة لشروط أخرى لن أذكرها الآن، وسأكتفي بالشاهد. وعليه، فإن تاب أهل الكتاب من ذنوب اقترفوها وهم لازالوا على الكفر، فلن يتقبل منهم. وقد قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم على رفعة شأنه: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك" فالشرك والكفر من أسباب حبوط أي عمل ومنها التوبة، ولذلك قال تعالى في الآية: "لن تقبل توبتهم"، نعم كونها لم تأت من مسلم، ثم ختم تعالى الآية: "وأولئك هم الضالون"، الذين ضلوا سبيل الحق، وهي العلة في عدم قبول توبتهم.
فيكون تفسير أبي العالية رحمه الله له شواهد في الشرع فهو صحيح، ويكون من باب التفسير بلازم المعنى، فالقول يشمل كل كافر من أهل الكتاب سواء يهودي أو نصراني، فهم طالما بقوا على كفرهم فهم بازدياد من الذنوب، مهما تابوا منها أو قاموا بأي عمل صالح، فلن يقبل منهم طالما أن القاعدة ليست الإسلام، ولو أسلموا وتابوا من الشرك لقبل منهم. [كان من الممكن دمج ما سبق مع التحرير التالي، كأحد الأقوال في هذه المسألة]

تحرير المسألة: وهي معنى الآية:
سأقسم الآية إلى عدة مسائل:
• المراد ب "الذين كفروا"
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال بالذين كفروا، يمكن اختصارها إلى أربعة أقوال، هي:
القول الأول: الذين كفروا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى (لكفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم). رواه ابن جرير (عن الحسن)، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن أبي العالية)،
القول الثاني: اليهود (لكفرهم بالإنجيل وبعيسى عليه السلام). رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن قتادة). كما ذكر السيوطي في الدر المنثور أن عبد بن حميد قد رواه (عن قتادة). وذكره ابن عطية.
واختار ابن جرير القول بأنهم اليهود، لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بعد أن كانوا قد آمنوا به قبل مبعثه الذي أخبرهم عنه كتابهم التوراة، ثم ازدادوا كفرا بما أصابوا من الذنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم، فلن تقبل توبتهم حتى يتوبوا من كفرهم ويدخلوا في الإسلام ويؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالفرقان.
وعلل ابن جرير اختياره هذا لمناسبته للسياق قبلها وبعدها والذي يتناول الحديث عن اليهود عليهم لعائن الله.

القول الثالث: اليهود والنصارى والمجوس. رواه ابن جرير (عن أبي العالية).
القول الرابع: الذين كفروا. رواه ابن جرير (عن مجاهد).
القول الخامس: قوم أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا. أخرجه البزار (عن ابن عباس) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي، وقال السيوطي: وهذا خطأ من البزار. ذكره ابن عطية، وقال عنه ابن كثير أن إسناده جيد.
وذكره الزجاج والنحاس.
واختار ابن جرير القول الثاني، أنهم اليهود، وليس من أسلم ثم كفر ثم أسلم ثم كفر كونه لم يذكره تعالى في سياق الآية.
وسيأتي تفصيله أدناه في التوجيه.

• متعلق "من بعد إيمانهم"
القول الأول: إيمانهم ببعض الأنبياء المبعوثين قبل محمد صلى الله عليه وسلم. رواه ابن جرير (عن الحسن وعن قتادة وعن عطاء). وذكره ابن عطية.
القول الثاني: إيمانهم بأنبيائهم جميعا. رواه ابن جرير (عن أبي العالية وعن ابن جريج).
القول الثالث: إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. رواه ابن جرير (عن أبي العالية). وذكره ابن عطية.
وسيأتي تفصيل توجيه الأقوال أدناه.
[وعلى القول بأنهم قوم أسلموا ثم ارتدوا، قيل بأن المقصود بالإيمان والتوبة هنا وهو إيمانهم الأول قبل الردة]
• متعلق زيادة الكفر
القول الأول: بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالفرقان. رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن قتادة). ورواه عبد بن حميد عن قتادة كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية.
القول الثاني: زيادة الذنوب. رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن أبي العالية). ورواه عبد بن حميد (عن أبي العالية) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثالث: بقاؤهم على الكفر حتى الموت. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن مجاهد وعن السدي). ورواه عبد بن حميد (عن مجاهد) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية.
واختار ابن جرير القول الثاني، وسيأتي تفصيله أدناه في التوجيه.

• متعلق توبتهم
القول الأول: ساعة الاحتضار عند الموت. رواها عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم (عن قتادة)، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن الحسن وعن عطاء). وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: توبتهم من ذنوبهم. رواه ابن جرير (عن رفيع)، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن أبي العالية)، ورواه عبد بن حميد (عن أبي العالية) كما جاء في الدر المنثور للسيوطي. وذكره ابن عطية.
وأجازه النحاس لغة.
القول الثالث: إيمانهم الأول بأنبيائهم. رواه ابن جرير (عن ابن جريج).
القول الرابع: سموا اعتناقهم لدين كفر آخر أنه توبة. ذكره النحاس.

واختار ابن جرير القول الثاني، كون ذنوبهم التي لازالوا يقترفونها من الزيادة على الكفر التي لن يقبلها الله والتي قال تعالى عنها" لن تقبل توبتهم"، ونفى أن يكون المقصود هو توبتهم من كفرهم لحظة الموت، لأنها مقبولة مادامت أرواحهم لازالت في أجسادهم، كما نفى القول الثالث، لأن الله لم يصف القوم بأنهم كانوا مؤمنين ثم كفروا وارتدوا ثم آمنوا ثم كفروا، وإنما وصفهم بكفر بعد إيمان، وأن القرآن يؤول على ما كان موجودا في ظاهر التلاوة إذا لم تكن حجة تدل على باطن خاص أولى من غيره وإن أمكن توجيهه إلى غيره.
وسيأتي تفصيله أدناه في التوجيه.

• علة عدم قبول توبتهم
القول الأول: لإقامتهم على الكفر والضلال وموتهم عليه. رواه ابن جرير (عن أبي العالية وعن مجاهد وعن السدي)، ورواه ابن أبي حاتم (عن أبي العالية). وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: لانحرافهم من كفر إلى كفر آخر، فالتوبة لا تقبل إلا إذا تابوا للإسلام. ذكره النحاس.

التوجيه:
يحتمل معنى "الذين كفروا" وصف كل كافر سواء يهوديا أو نصرانيا أو مرتدا، فكلهم داخل في معنى الآية.
O و "بعد إيمانهم" سواء آمن بنبيه أو ببعض الأنبياء، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمرتد.
O "ثم ازدادوا كفرا" تشمل كل معنى فيه زيادة بالكفر: كالكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو إصرارهم على الكفر حتى الموت، أو الاستمرار في المعاصي والذنوب مع تحقق الكفر فيهم.
O " لن تقبل توبتهم"، والعلة في عدم قبول توبتهم مع أن الله قد وعد بقبول التوبة عن عباده، قال تعالى: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده"، فالله لا يقول أقبل ولا أقبل لشيء واحد، حاشا وكلا، بل هو سبحانه يقبل حتى توبة الكافر ما لم يغرغر، قال تعالى: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"، فالكافر إن أسلم وحسن إسلامه وتاب وأصلح فالله يقبله منه، ولكن العلة في عدم قبول توبتهم:
- لكفرهم، فقد منع كفرهم من قبول توبتهم من الذنوب التي اقترفوها، فالله لا يقبل عمل الكافر ما أقام على شركه وضلاله، ويدخل فيه المرتد، فرجوعه عن الإسلام أدخله في الكفر الذي لن يقبل معه أي عمل صالح يعمله ومنها التوبة من أي ذنب يقترفه، ولن ينفعه إيمانه السابق كونه خرج من الدين، ودليلها ختم الآية، قال تعالى: "وأولئك هم الضالون". يدل على أنهم لو حققوا التوبة لم يتحقق فيهم وصف الضلال.
- لإصرارهم على الكفر حتى الغرغرة والمعاينة، فهم لم يتوبوا من كفرهم حتى إذا حضرهم الموت قالوا آمنا، فعندها لن تقبل توبتهم، وهذا مطابق للحكم الشرعي الوارد في النصوص التالية:
قال تعالى: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن".
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر). رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
- جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، فهؤلاء ختم الله عليهم بالكفر، وهم الذين أشار إليهم بقوله كيف يهدي اللّه قوماً [آل عمران: 86] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها، فلا يوفقهم تعالى لتوبة بل يمدهم في طغيانهم يعمهون.



3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
رواه عبد الرزاق وابن جرير (من عدة طرق) وسفيان الثوري (من طريق أبي بكير - وهو مورق أو مرزوق مولى الشعبي كما ذكر ابن حبان في الثقات – عنه) مثله.

وبلفظ الرفيق الصالح:
رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (من طريق أبي نعيم بن دكين عن سفيان الثوري عن أبي بكير عنه) مثله. [أحسنتِ]
ورواه ابن جرير (من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي بكير عنه) مثله.
وقال البيهقي في الشعب: وَرُوِّينَا َعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ كَذَلِكَ.

أما عن غير سعيد بن جبير، فممن رواه بلفظ مثله أو مقارب له يحمل ذات المعنى:
رواه ابن جرير (عن ابن عباس، وعن مجاهد، وعن عكرمة، وعن قتادة، والسدي، والضحاك).
ورواه ابن المنذر (عن ابن عباس، وعن عكرمة، وعن مجاهد، وعن أبي عبيدة، وعن زيد بن أسلم).
ورواه ابن أبي حاتم (عن مجاهد، وعن عكرمة، وعن قتادة، وعن زيد بن أسلم).
ورواه البيهقي في الشعب (عن ابن عباس، وعن مجاهد، وعن قتادة، وعن الكلبي، وعن مقاتل بن حيان، وعن مقاتل بن سليمان).

التوجيه:
قال ابن منظور في لسان العرب: الرفيق هو الصاحب، ورافَق الرجلَ: صاحَبَه. ورَفِيقُك: الَّذِي يُرافِقُك، وَقِيلَ: هُوَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ مِثْلُ الصَّدِيق. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. وتَرافَق الْقَوْمُ وارْتفَقُوا: صَارُوا رُفَقاء. والرُّفاقةُ والرُّفْقةُ والرِّفْقة وَاحِدٌ: الْجَمَاعَةُ المُترافِقون فِي السَّفَرِ.
وقال ابن منظور في اللسان كذلك: ‌الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ. تَقُولُ: قعَدْتُ إِلَى جَنْب فُلَانٍ وَإِلَى جانِبه.
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ: يَعْنِي الَّذِي يَقْرُبُ مِنْكَ ويكونُ إِلَى جَنْبِك. وَكَذَلِكَ جارُ الجُنُبِ أَي اللَّازِقُ بِكَ إِلَى جَنْبِك. وَقِيلَ: الصاحِبُ بالجَنْبِ صاحِبُك فِي السَّفَر

فمن المعنى اللغوي نرى أن تفسير سعيد بن جبير رحمه الله لـ "الصاحب بالجنب" هو مطابق للمعنى اللغوي". فيكون تفسير سعيد بن جبير من باب التفسير بالمثال.
وقد حثنا تعالى في الآية على الإحسان للوالدين وللأرحام واليتامى والمساكين والجار ذي الرحم والجار من غير الرحم والرفيق في السفر والزوجة، والضيف، والمسافر الذي انقطعت فيه السبل وإلى ملكة الأيمان.

تحرير مسألة معنى الصاحب بالجنب:
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال في معناها يمكن اختصارها إلى ثمانية أقوال، هي:
القول الأول: الرفيق في السفر. رواه عبد الرزاق، والثوري (عن سعيد بن جبير) [كما ذكر النهدي في تفسيره]، وابن جرير (عن ابن عباس، وعن سعيد بن جبير، وعن مجاهد، وعن قتادة، وعن السدي، وعن سعيد بن جبير، وعن الضحاك)، ورواه ابن المنذر (عن مجاهد، وعن أبي عبيدة) ورواه ابن أبي حاتم (عن مجاهد وعن عكرمة وعن قتادة). وذكره البيهقي في الشعب.
وعبد الله بن يحيى بن المبارك، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، والزجاج، والنحاس، ومكي بن أبي طالب.
وذكره ابن عطية.

القول الثاني: الرفيق الصالح. رواه ابن جرير (عن علي وعبد الله)، ورواه ابن المنذر (عن سعيد بن جبير). وذكره البيهقي.
وذكره ابن كثير.

القول الثالث: المرأة. رواه عبد الرزاق (عن إبراهيم)، والثوري (عن ابن مسعود وعن أبي الهيثم) [كما ذكر النهدي في تفسيره]، وسعيد بن منصور (عن إبراهيم)، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (عن علي وعبد الله، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعن إبراهيم)، ورواه ابن المنذر (عن الحسن) ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم (عن سعيد بن جبير). وذكره البيهقي في الشعب، والهيثمي في المجمع.
وذكره النحاس، وغلام ثعلب، ومكي بن أبي طالب.
وذكره ابن عطية، وابن كثير.

القول الرابع: جليسك في الحضر وصاحبك في السفر. رواه ابن وهب، ورواه عبد الرزاق عن (سعيد بن جبير)، ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم (عن زيد بن أسلم).
وذكره ابن كثير.

القول الخامس: الذي معك في المنزل. رواه ابن جرير (عن ابن عباس).

القول السادس: رفيقك الذي يرافقك (الرفيق). رواه ابن المنذر (عن ابن عباس وعكرمة)، ورواه ابن أبي حاتم (عن ابن عباس).
وذكره الفراء.
القول السابع: الجار الملاصق. ذكره غلام ثعلب.
القول الثامن: هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه. ذكره ابن عطية.


[يمكنكِ أن تجمعي القول بان المراد بالصاحب بالجنب أنه الرفيق في قول واحد، ثم اذكري تحته الخلاف في القيد الذي قُيد به ]

التوجيه:
جميع الأقوال يحتملها اللفظ، فديننا الحنيف يدعونا إلى الإحسان إلى كل ما جاء في الأقوال المذكورة أعلاه.
قال تعالى: "وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين".
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء). صحيح مسلم [1955]
ولذلك: فالإسلام يحثنا على الإحسان إلى كل من نجالسهم، في سفر أو في حضر، في المنزل وخارج المنزل، ذوي الرحم والأباعد، فهذه هي اخلاق المسلمين.


4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
التخريج:
رواه ابن جرير من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عنه مثله.
التوجيه:
الأثر سندا كما ذكره ابن جرير هو:
قال ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: صلّيت الصّبح مع سعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدر النّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلون ما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتي انصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة.
[هذا الإسناد تابع لأثر قبله، يشترك فيه ابن جريج، لذا بدأ ابن جرير هنا بابن جريج]
وأصح ما قيل في سبب نزول الآية – كما جاء في الاستيعاب في بيان الأسباب للهلالي -: ما رواه سعد بن أبي وقاص حين قال: فيّ نزلت: {وَلَا تَطْرُدِ. . .}؛ قال: نزلت في ستة: أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا له: تدني هؤلاء. وفي رواية: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ستة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد هؤلاء؛ لا يجترؤون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء أن يقع، فحدث نفسه؛ فأنزل الله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} (1). [صحيح]. أخرجه مسلم في "صحيحه" (4/ 1878 رقم 2413)، والنسائي في "الكبرى" (5/ 72، 73 رقم 8264، 8266)، و"التفسير" (1/ 469، 470 رقم 183) وغيرهما كثير. وفي رواية لابن ماجه (2/ رقم 4128)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص 145) تسمية الستة وهم: ابن مسعود وسعد وصهيب وعمار والمقداد وبلال، وفي سنده قيس بن الربيع؛ قال الحافظ: "صدوق، تغيّر لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به"

وفي قوله تعالى: "يدعون ربهم بالغداة والعشي"، فمصطلح الصلاة لغة: هو الدعاء. وقد فسر السعدي قوله تعالى: "وصلّ عليهم، إن صلاتك سكن لهم"، أي ادع لهم.
فيكون تفسير سعيد بن المسيب صحيح لغة، وله شواهد في أقوال المفسرين أدناه، وأن الله ينهى نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يطرد ضعفة المؤمنين الذين يصلّون بالغداة والعشي يريدون وجهه، استجابة لكبراء قريش الذين أنفوا أن يجالسوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو معهم. وهو محتمل في سبب النزول المذكور أعلاه، والذي عبّر فيه الصحابي سعد بن أبي وقاص من أنهم مجتمعون يدنون من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متحقق في صلوات الجماعة، مكتوبة كانت أو نافلة.
ولكن الخلاف وقع بين المفسرين في ماهية تلك الصلاة على أقوال، سأذكرها أدناه.

تحرير المسألة: وهي المراد ب "دعاء المؤمنين بالغداة والعشي"
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال فيها على عشرة أقوال، هي:
القول الأول: صلاة الصلوات الخمس المكتوبة. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن ابن عباس، وعن إبراهيم، وعن مجاهد)، ورواه ابن جرير (عن الضحاك، وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة). وذكر السيوطي في الدر المنثور أن ابن المنذر رواه (عن ابن عباس). وذكره ابن عطية، وابن كثير.

القول الثاني: الصلوات في جماعة. رواه ابن جرير (عن الحسن). وذكره ابن عطية.

القول الثالث: صلاة الصبح والعصر. رواه ابن جرير (عن مجاهد، وعن قتادة)، ورواه ابن أبي حاتم (عن مجاهد، وعن الضحاك). وذكره ابن عطية.

القول الرابع: صلاة الصبح والعشاء. رواه ابن أبي حاتم (عن عمرو بن شعيب).

القول الخامس: الصلاة. رواه ابن جرير (إبراهيم، وعن مجاهد، وعن سعيد بن المسيب، وعن عامر، وعن عبد الرحمن).

القول السادس: الصلاة في الصف الأول. رواه ابن جرير (عن ابن عباس). وذكره ابن عطية.


[القول بأن المقصود بالدعاء الصلاة ثم يندرج تحته مسألة فرعية هل هذه الصلاة معينة أو أريد بها العموم]
القول السابع: ذكر الله. رواه سعيد بن منصور وابن جرير (عن إبراهيم)، رواه ابن جرير (عن منصور، وعن إبراهيم). ذكره البيهقي في دلائل النبوة، وذكر السيوطي أن ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبا الشيخ قد أخرجوه (عن إبراهيم). وذكره ابن عطية.

القول الثامن: الدعاء. ذكره ابن عطية.

القول التاسع: قراءة القرآن وتعلمه. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (عن أبي جعفر). وذكره البيهقي في دلائل النبوة. وذكره ابن عطية.

القول العاشر: العبادة. رواه ابن جرير (عن الضحاك)، ورواه ابن أبي حاتم (عن ابن عباس، وعن إبراهيم). وذكره ابن عطية، وابن كثير.

التوجيه:
نلحظ من الأقوال السابقة أن من نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طرده، هم الصحابة العابدين لله: في صلاة، أو ذكر - وأعلى الذكر هو تلاوة القرآن – أو دعاء.
والدعاء في الشرع قسمان:
- دعاء مسألة. وهي سؤال الله من خيري الدنيا والآخرة.
- دعاء عبادة. قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين". فسمى الله الدعاء في نفس الآية عبادة.
فالمعنى يشمل كل الأقوال السابقة، فالداعي ربه هو عابد، والعبادة تشتمل على الذكر وقراءة القرآن والصلاة.
وكما قال ابن جرير: إنّ اللّه -تعالى- نهى نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يطرد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ، والدّعاء للّه يكون بذكره وتمجيده والثّناء عليه قولاً وكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال الّتي كان عليهم فرضها وغيرها من النّوافل الّتي ترضي، والعامل له عابده بما هو عاملٌ له، وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلّها، فوصفهم اللّه بذلك بأنّهم يدعونه بالغداة والعشيّ. ولا قول أولى بذلك بالصّحّة من وصف القوم بما وصفهم اللّه به من أنّهم كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ فيعمّون بالصّفة الّتي وصفهم بها ربّهم ولا يخصّون منها بشيءٍ دون شيءٍ. فلا تقص يا نبي الله من يدعون ربهم: فيسألون عفوه ومغفرته لصالح أعمالهم، وأداء ما ألزمهم من فرائضه، ونوافل تطوعهم، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة والعشي، يلتمسون بذلك القربة إلى الله، والدنو من رضاه.
قال ابن عطية: وقوله تعالى: "بالغداة والعشي" عبارة عن استمرار الفعل، وأن الزمن معمور به.
فجميع أقوال الصلوات يحتملها المعنى، لقوله تعالى: "بالغداة والعشي" بالإضافة لباقي العبادات الواردة في الأقوال.

5. قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: (هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
وردت "سوء الحساب في آيتين، هما:
- قال تعالى: " لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ". الرعد [18].
- قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ". الرعد [21].


وقد ورد قول إبراهيم النخعي عند أهل التفسير في تفسيرهم للآيتين.

التخريج:
بذات اللفظ (هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء):
رواه ابن وهب وابن جرير (من طريقين) والخطيب البغدادي (في تاريخ دمشق) من طريق فرقد السبخي عنه مثله. [تاريخ بغداد]
ورواه سعيد بن منصور وأبو الشيخ من طريق فرقد السبخي عنه مثله، كما جاء في الدر المنثور للسيوطي.
لا
• وبلفظ آخر عن إبراهيم النخعي (أن يأخذ عبده بالحق):
رواه سعيد بن منصور من طريق سعيد عن خلف بن خليفة عن رجل عنه مثله.

التوجيه:
في سورة الرعد، ذكر تعالى الآيتين:
- الأولى: في ذم أهل النار وعقوبة لهم على ما فرطوا في جنب الله، أن الله سيحاسبهم حسابا عسيرا شديدا. ودليله، قوله تعالى: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله، فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا". قال ابن جرير في تفسير العذاب الشديد: حسابا استقصينا فيه عليهم، لم نعف لهم فيه عن شيء، ولم نتجاوز فيه عنهم.
- والثانية: في الثناء على أهل الجنة، أنهم كانوا في الدنيا يخافون لقاء الله يوم الحساب فلا يتجرؤون على المعاصي أو يقصرون في شيء أمرهم الله به خوفا من العقاب ورجاء الثواب.
وقد جاء في الحديث:
O روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أليسَ اللَّهُ يقولُ: حِسابًا يَسِيرًا؟ قالَ: ذاكِ العَرْضُ، ولَكِنْ مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ). وفي رواية: مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ. صحيح مسلم [2876].
O أخرج ابن حبان في صحيحه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: بَيْنَا نحنُ مع عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ نطُوفُ بالبيتِ إذ عارَضه رجُلٌ فقال: يا ابنَ عُمَرَ كيف سمِعْتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يذكُرُ النَّجوى فقال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ( يدنو المُؤمِنُ مِن ربِّه يومَ القيامةِ حتَّى يضَعَ عليه كتِفَه ثمَّ يُقرِّرُه بذُنوبِه فيقولُ : هل تعرِفُ ؟ فيقولُ: ربِّ أعرِفُ حتَّى إذا بلَغ ما شاء اللهُ أنْ يبلُغَ قال: فإنِّي قد ستَرْتُها عليكَ في الدُّنيا وأنا أغفِرُها لكَ اليومَ ثمَّ يُعطَى صحيفةَ حسَناتِه وأمَّا الكافِرُ والمُنافِقُ فيُنادَى على رؤوسِ الأشهادِ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]
o قال تعالى: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون"
قال السعدي في تفسيرها: هم الذين يعطون من أنفسهم ما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه: من صلاة وزكاة وحج وصدقة وغير ذلك، ومع هذا قلوبهم خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات.
فالمعنى الذي ذكره إبراهيم النخعي مطابق لمعنى النصوص الصحيحة الثابتة، وهو لازم معنى سوء الحساب، فللكافر سوء الحساب الذي يناقش فيه ويستقصى كل فعل أو قول قام به، والمؤمنين يخافون سوء الحساب يوم القيامة، فيدفعهم هذا إلى العمل، فكان جزاؤهم الحساب اليسير الذي يعرض الله فيه على المؤمن عمله دون أن يناقشه فيه كما في الحديث أعلاه.

تحرير المسألة وهي المراد ب"سوء الحساب":
جاء عن أهل التفسير عدة أقوال في معناها، يمكن اختصارها إلى سبعة أقوال، هي:
القول الأول: أن لا يتجاوز له عن شيء. رواه سعيد بن منصور وابن جرير (عن فرقد السبخي).
وذكره مكي بن أبي طالب [في الهداية] (عن شهر بن حوشب).

القول الثاني: أن يأخذ عبده بالحق. رواه سعيد بن منصور (عن إبراهيم النخعي)،

القول الثالث: أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر منه شيء. رواه ابن وهب وابن جرير والخطيب البغدادي [في تاريخ دمشق] (عن إبراهيم النخعي). ورواه ابن المنذر (عن إبراهيم النخعي) كما في الدر المنثور للسيوطي.
كما رواه ابن المنذر وأبو الشيخ (عن الحسن) كما في الدر المنثور للسيوطي.
وذكره الزجاج.

القول الرابع: المناقشة في الأعمال. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة (في مصنفه) وابن جرير وابن أبي حاتم (عن أبي الجوزاء). كما رواه ابن المنذر وأبو الشيخ (عن أبي الجوزاء) كما في الدر المنثور للسيوطي. ذكره ابن عطية وابن كثير.
ذكره الزجاج، وذكره مكي بن أبي طالب [في الهداية] (عن ابن عباس).
ذكره الزجاج بشيء من الشرح فقال: أن يستقصى عليه حسابه، ولا يتجاوز له عن شيء من سيئاته
الأدلة والشواهد:
روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أليسَ اللَّهُ يقولُ: حِسابًا يَسِيرًا؟ قالَ: ذاكِ العَرْضُ، ولَكِنْ مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ). وفي رواية: مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ. صحيح مسلم [2876].

القول الخامس: ألا تقبل منهم حسنة، ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم. ذكره الزجاج.
الأدلة والشواهد:
ذكر الزجاج قوله تعالى: "الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم".
القول السادس: الذي لا جواز فيه. رواه ابن جرير (عن ابن زيد).
[وهو بمعنى قول إبراهيم النخعي]
القول السابع: شدة الحساب. أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ (عن سعيد بن جبير) كما في الدر المنثور للسيوطي [

التوجيه:
مما سبق نلحظ تقارب الأقوال من بعضها في المعنى: فالمناقشة على الأعمال تعني تقصيها، ومحاسبتهم على النقير والقطمير، والجليل والحقير (كما ذكر ابن كثير)، وهو من شدة الحساب.
• فالكفار -كما في الآية [18] من سورة الرعد:
سيحابهم الله بعدله، فلن تقبل منهم حسنة، وسيحاسبون على كل سيئة اقترفوها، فلا نجاة ولا جواز لهم بعدها، وهذا ما قررته الأدلة الثابتة الصحيحة في الكتاب والسنة:
- قال تعالى: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم".
لأن الكفر محبط للعمل كما ذكر الزجاج.

• والمؤمنون – كما في الآية [21] من سورة الرعد:
يحذرون مناقشة الله إياهم في الحساب، لعلمهم أن من نوقش الحساب فقد عذب، فيعلمون أنهم بعدها قد لا يصفح لهم عن ذنب، فهم لرهبتهم ذلك جادون في طاعته، محافظون على حدوده (كما ذكر ابن جرير).
فكان جزاؤهم عن عاملهم الله بفضله، فكان حسابهم حسابا يسيرا، إنما هو العرض المذكور في الحديث أعلاه، فالله يقررهم بذنوبهم ثم يغفرها لهم.


التقويم: أ+

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 شعبان 1443هـ/15-03-2022م, 03:51 AM
سعاد مختار سعاد مختار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 307
افتراضي

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:


1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).


🔶 التخريج
رواه الطبري في تفسيره بأسانيد كلها من طريق سفيان عن عاصم عن زر
وجاءت زيادةواختلاف في هذا المتن :
- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ عاصِمٍ، عنْ زِرٍّ: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)، قالَ: الغَيْبُ القرآنُ، وفي قِرَاءَتِنَا (بِظَنِينٍ): مُتَّهَمٍ.
🔶 القراءات
جاء في كتاب ( السبعة في القراءات ) لأبي بكر التميمي البغدادي قوله :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي { بطنين } بالظاء
وقرأ عاصم ونافع وابن عامر وحمزة { بضنين } بالضاد
قرأ ( بالضاد ) كل من ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم ، و كان ابن مسعود يقرأها( بالظاء ) كما جاء في الدر المنثور
وكلا القراءتين متواترة ، ذكر هذا ابن حجر وغيره (وأخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ في الأفرادِ والحَاكِمُ وصحَّحه وابنُ مَرْدُويَهْ, والخطيبُ في تاريخِه عن عائشةَ, أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ كانَ يَقْرَؤُها: (وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِظَنِينٍ) بالظَّاءِ) ذكره في الدر المنثور
🔶 تحرير القول
🔸الظنين - من الظنة وهي التهمة أي : المتهم : قول ابن عباس و زر بن حبيش وإبراهيم وسعيد بن جبير والضحاك وابن ابي حاتم كما جاء عنهم في التفا سير كتفسير الطبري وَعَبَد الرزاق وقاله ابن كثير في تفسيره وغيره
وقال الفراء والمبرد من أهل اللغة ، الظنين : الظعيف ، قال الطبري : فيكون تأويله على هذا الوجه : وماهو على الغيب بضعيف ، وعقب قائلاً ، ان معناه محتمل
🔸الضنين : البخيل ، قاله ابن عباس وإبراهيم ومجاهد وزر وابن زيد وسفيان ، ذكره عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره
وعن قتادة وعكرمة ذكره القرطبي في تفسيره
🔶 الدراسة والتوجيه
يقول بان جرير الطبري أنه لما كانت خطوط ال مصاحف ، بالضاد كان الاولى ان يقرأ بهذا الحرف ( ضنين )
فيكون المعنى حينها : ومحمد ببخيل فيما أمر به من التعليم والتبليغ من الوحي وأمر الغيب ، كما هو حال الكهنة. ومن في شاكلتهم لا يخبرون إلا بالعطية والحلوان
ورجح ابو عبيدة ( اللغوي ) قراءة الظاء وهو حرف الصحابي عبد الله بن مسعود في مصحفه ، وعلل ترجيحه بأن قريشاً كذبته صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ولم تنعته بالبخل والضن بما عنده
------------------------




⚫ 2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
🔷 التخريج
أخرجه الطبري بأسانيد في تفسيره وابن أبي حاتم بسنده في تفسيره ، كلاهما من طريق دَاوُدَ ابن أبي هند عن أبي العالية مع الاختلاف في بعض الألفاظ والاتفاق في المعنى
وفي زيادة في رواية أخرجها الطبري بسنده :
حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، قال: سألت أبا العالية عن هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} قال: هم اليهود والنّصارى ( والمجوس ) أصابوا ذنوبًا في كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها، ولن يتوبوا من الكفر، ألا ترى أنّه يقول: {وأولئك هم الضّالّون}
🔷تحرير القول
🔹القول الأول
هم اليهود والنصارى - هو قول أبو العالية ، قال : كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أيمانهم بنعته وصفته ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على الكفر
🔹القول الثاني
نزلت في اليهود خاصة - قال هذا قتاد وعطاء الخرساني والحسن ، نزلت في اليهود كفروا بعيسى والأنجيل ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، ذكر ه الطبري ، والقرطبي والبغوي
وعطاء الخرساني والحسن وقتادة
🔹القول الثالث
نزلت في قوم أسلموا ثم ارتدوا وازدادوا كفرا حتى الممات - ذكر هذا ابن كثير في تفسيره واستشهد له بحديث الحافظ البزار عن ابن عباس : إِنَّ أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، فَأَرْسَلُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَسْأَلُونَ لَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾
وقيل نزلت في أصحاب الحارث بن سويد لما رجع ألى الإسلام وبَقى من بقى منهم على الكفر وقالوا نتربص بمحمد ريب المنون وإن أردنا الرجعة لمكة أظهرنا التوبة ، ذكرهذا القول عدد من المفسرين ،منهم القرطبي والزمخشري والبغوي وقطرب وابن الجوزي في زاد المسير ، وذكر الثعلبي في تفسيره عن مجاهد أنه قال: نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه ولحق بالروم فتنصر
🔹القول الرابع
نزلت في جميع الكفار أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ثم ازدادوا كفرا ، أي أقاموا على كفرهم -ذكره عّن مجاهد البغوي في تفسيره
🔷الدراسة والتوجيه
يرى الطبري رحمه الله أن الصواب من القول في المراد بالذين كفروا في هذه الآية ، هم اليهود على وجه الخصوص ويستدل على صواب اختياره ، بأن سياق الآيات قبلها وبعدها كانت في يهود ، بينما أطلق ابن كثير المعنى فيمن كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرا حتى الوفاة واستدل لقوله هذا بمماثلة هذه الآية لقوله تعالى :
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا](2) ﴾ [النساء:18] . و يرى البقاعي في نظم الدرر أنهم قوم كفروا. ولم يتوبوا. ثم ازدادوا كفرا فطبع على قلوبهم فلا توفق للتوبة النصوح الصادقة ، فعلى افتراض أنهم تابوا لن تقبل هذه التوبة الظاهرة . وعليه جاء المراد بقوله تعالى : { لن تقبل توبتهم } والله التواب يقبل توبة كل تائب ، على أقوال :
🔹أنها توبة غير صادقة ، كما قال البقاعي في نظم الدرر
🔹هم اليهود والنصار ى ،يتوبون من ذنوب ، وهم مقيمون على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل توبتهم
قاله أبو العالية وغيره
🔹كل من كفر وازداد كفرا بمضيه في كفره حتى أدركه الموت والمعاينة
🔹هم قوم آمنوا بأنبيائهم ثم كفروا فلم يكن ينفعهم إيمانهم السابق وقد استمروا على الكفر ،قاله ابن جريج ،ذكره عنه الطبري في تفسيره
--------------------------


3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
🔷التخريج
أخرجه الطبري بأسانيد في تفسيره وكذارواه عبد الرزا ق الصنعاني في تفسيره ، كلاهما من طريق الثوري عن أبي بكير عن سعيد


🔷 تحرير القول
🔹القول الأول
الرفيق في السفر - هذا قول سعيد بن جبير ووابن عباس وزيد بن أسلم ، قال: هو جليسة في الحضر وصاحبك في السفر ،ذكره عنه ابن وهب في الجامع في علوم القرآن ،
وهو قول مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك و عن على وَعَبَد الله رضي الله عنهما : الرفيق الصالح ، ذكر هذا عنهم جميعا الطبري في تفسيره
🔹القول الثاني


- إمرأة الرجل - هذا قول إبراهيم النخعي ، ذكره عبد الرزاق في تفسيره وسعيد بن منصور في سننه والطبري في تفسيره
وعن على وَعَبَد الله وابن عباس وابن أبي ليلى ،ذكره عنهم الطبري في تفسيره
🔹القول الثالث
الذي يلزمك و يصحبك رجاء نفعك - قال ابن عباس : الملازم ، قال ابن زيد : من يرجو خيرك ونفعك وذكره الطبري في تفسيره وذكر هذا القول القرطبي عن ابن جريج في تفسيره
🔷 الدراسة والتوجيه
رجح ابن جرير رحمه الله تعالى أن المراد بالصاحب بالجنب. ، كل من ذكر في الأقوال. السابقة ، واستدل له بأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوجب حق الصاحب على صاحبه ، وان في معنى الجنب ، أن يكون منه قريبا مرافقا ، في أي وضع كان ، في حضر أو سفر او نكاح او رفقة ابتغاء تحصيل النفع وما في بابه ، لان الله تعالى امرنا بالإحسان إليهم جميعا ، وقوله هذا صائب ، قد قال مثله غيره من المفسرين ، مثل القرطبي الذى عقب قائلا: وقد تتناول الآية الجميع والله اعلم ، وهو أيضا قول البقاعي الذي يرى : أنه المخالط في أمر من الامور الموجبة لامتداد العشرة معه ، وهو مفاد قول السعدي في تفسيره وبن عاشور في التحرير والتنوير .
وأوجب الزمخشري التفريق بالنطق
------------------------__


⚫ 4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
🔶 التخريج
اخرجه الطبري بأسانيد في تفسيره وَعَبَد الرزاق في تفسيره كلاهما من طريق الثوري عن أبي بكير عن سعيد
🔶 تحرير القول
🔸القول الأول
الصلاة المكتوبة - هو ابن عباس و سعيد بن المسيب وقول ثان لإبراهيم ومجاهد والحسن ، ذكره الطبري في تفسيره وذكره عبد الرزاق في تفسيره عن إبراهيم النخعي
هناك من أطلق فقال الصلوات الخمس وهناك من خصّ بعضها ،ففي رواية عن مجاهد وقتادة أن المراد بالدعاء هنا : صلاة الصبح وصلاة العصر
ذكره ابن أبي حاتم والطبري وغيرهم
وذكر الثعلبي في تفسيره عن الحسن ان المراد بالمعنى: هي الصلوات في الجماعات والمساجد
وقيل هي الصلوات التى كانت في مكة قَالَ الْحَسَنُ: ركعتين غدوة وركعتين عشية قبل ان تفرض الخمس المكتوبات ، ذكره عنه ابن زمنين وابن عطية في تفسيرهما
🔸القول الثاني
الذكر - أي ذكرهم الله عزوجل ، قاله إبراهيم ومنصور ، ذكره الطبري في تفسيره والبغوي وغيرهم
🔸القول الثالث
تعلمهم القرآن وقراءته - قاله أبو جعفر ، ذكره الطبري في تفسيره
🔸القول الرابع
العبادة - عبادتهم إياه وفعل الطاعات كلها ، قاله الضحاك ، قال : يدعون ، يعبدون
ذكره الطبري في تفسيره
🔸القول الخامس
العبادة - عبادتهم إياه وفعل الطاعات كلها ، قاله الضحاك ، قال : يدعون ، يعبدون
ذكره الطبري والغوي في تفسيريهما


🔶 الدراسة والتوجيه
قال ابن جرير رحمه الله بعد ان ذكر اوجه المعاني في المراد بالدعاء في قوله تعالى { يدعون ربهم }
قال : ان دعائهم لربهم هو على معنى دعاء العبادة والإتيان بالطاعات ، على اختلافها وشمولها ذكرا وتلاوة للقرآن وتعبدا وتقربا بالفرائض والصلوات المكتوبة وغيرها ، وهو على معنى الدعاء على صفة التوسل والطلب والمسألة ، وكلامه هذا رحمه الله أولى بالصواب في المعنى المراد ،فيكون تعدد الاقوال فيها من قبيل المثال واختلاف التنوع لا الحصر ، وهذا وجه من وجوه التفسير مشهور ومعهود في كلام السلف .
-----------------------------


⚫ 5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
🔷 التخريج
رواه الطبري في تفسيره بأسانيده وابن وهب في الجامع لعلوم القرآن ، كلاهما من طريق فرقد عن إبراهيم


🔷تحرير القول
🔹القول الأول
يحاسب العبد بذنبه كله ، لايغفرله منه شيء
قول إبراهيم النخعي ، وابن زيد ، ذكره الطبري في تفسيره


🔹القول الثاني
الاستقصاء - المناقشة -
قاله الطبري في تفسيره وذكره عن أبي الجوزاء وهو قول مكي بن طالب في تفسيره والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ، وابن عطية في تفسيره
🔷 الدراسة والتوجيه
لايكون ترك العفو والمواخذة بكل ذنب إلا لمن أوقف واستقصيت سيئاته ونوقش الحساب ، فكما جاء في الحديث عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نوقش الحساب عذب
فتكون بهذا المعنى الأقوال السابقة داخلة في المراد شارحة لمقصوده .

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 25 شوال 1443هـ/26-05-2022م, 01:16 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعاد مختار مشاهدة المشاركة
خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:


1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).


🔶 التخريج
رواه الطبري في تفسيره بأسانيد كلها من طريق سفيان عن عاصم عن زر
وجاءت زيادةواختلاف في هذا المتن :
- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ عاصِمٍ، عنْ زِرٍّ: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)، قالَ: الغَيْبُ القرآنُ، وفي قِرَاءَتِنَا (بِظَنِينٍ): مُتَّهَمٍ.
🔶 القراءات
جاء في كتاب ( السبعة في القراءات ) لأبي بكر التميمي البغدادي قوله :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي { بطنين } بالظاء
وقرأ عاصم ونافع وابن عامر وحمزة { بضنين } بالضاد
قرأ ( بالضاد ) كل من ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم ، و كان ابن مسعود يقرأها( بالظاء ) كما جاء في الدر المنثور
وكلا القراءتين متواترة ، ذكر هذا ابن حجر وغيره (وأخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ في الأفرادِ والحَاكِمُ وصحَّحه وابنُ مَرْدُويَهْ, والخطيبُ في تاريخِه عن عائشةَ, أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ كانَ يَقْرَؤُها: (وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِظَنِينٍ) بالظَّاءِ) ذكره في الدر المنثور
🔶 تحرير القول
🔸الظنين - من الظنة وهي التهمة أي : المتهم : قول ابن عباس و زر بن حبيش وإبراهيم وسعيد بن جبير والضحاك وابن ابي حاتم كما جاء عنهم في التفا سير كتفسير الطبري وَعَبَد الرزاق وقاله ابن كثير في تفسيره وغيره
وقال الفراء والمبرد من أهل اللغة ، الظنين : الظعيف ، قال الطبري : فيكون تأويله على هذا الوجه : وماهو على الغيب بضعيف ، وعقب قائلاً ، ان معناه محتمل
🔸الضنين : البخيل ، قاله ابن عباس وإبراهيم ومجاهد وزر وابن زيد وسفيان ، ذكره عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره
وعن قتادة وعكرمة ذكره القرطبي في تفسيره
🔶 الدراسة والتوجيه
يقول بان جرير الطبري أنه لما كانت خطوط ال مصاحف ، بالضاد كان الاولى ان يقرأ بهذا الحرف ( ضنين )
فيكون المعنى حينها : ومحمد ببخيل فيما أمر به من التعليم والتبليغ من الوحي وأمر الغيب ، كما هو حال الكهنة. ومن في شاكلتهم لا يخبرون إلا بالعطية والحلوان
ورجح ابو عبيدة ( اللغوي ) قراءة الظاء وهو حرف الصحابي عبد الله بن مسعود في مصحفه ، وعلل ترجيحه بأن قريشاً كذبته صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ولم تنعته بالبخل والضن بما عنده

[إذا توفر في القراءة شروط صحتها، فلا ترجيح بين القراءات الصحيحة، بل يكون الخلاف فيها من قبيل خلاف التنوع.
ويُعتذر للمفسرين المتقدمين بأن التأليف في القراءات وبيان أسانيدها لم يكن قد استقر في عهدهم وإلا إذا ثبت لابن جرير - رحمه الله - تواتر القراءة ما ردّها.
وبالنسبة لمخالفة شرط رسم المصحف فأغنى عنه تواتر الرواية
فإذا تبين لك ذلك، فعند دراسة توجيه القراءات التي تؤدي إلى اختلاف المعنى، يحسن النظر إلى معنى الآية بعد الجمع بين القراءات.
وفي هذه الآية - بمجموع القراءتين - نفى الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم أي قصور في تبليغ الرسالة؛ البخل بل هو حريص على التبليغ، والاتهام بل هو عدلٌ، والضعف عن تحمل أعباء الرسالة، وبمفهوم الآية فهو صلى الله عليه وسلم قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة كاملة ونصح الأمة]

------------------------




⚫ 2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
🔷 التخريج
أخرجه الطبري بأسانيد في تفسيره وابن أبي حاتم بسنده في تفسيره ، كلاهما من طريق دَاوُدَ ابن أبي هند عن أبي العالية مع الاختلاف في بعض الألفاظ والاتفاق في المعنى
وفي زيادة في رواية أخرجها الطبري بسنده :
حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، قال: سألت أبا العالية عن هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} قال: هم اليهود والنّصارى ( والمجوس ) أصابوا ذنوبًا في كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها، ولن يتوبوا من الكفر، ألا ترى أنّه يقول: {وأولئك هم الضّالّون}
🔷تحرير القول
🔹القول الأول
هم اليهود والنصارى - هو قول أبو العالية ، قال : كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أيمانهم بنعته وصفته ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على الكفر
🔹القول الثاني
نزلت في اليهود خاصة - قال هذا قتاد وعطاء الخرساني والحسن ، نزلت في اليهود كفروا بعيسى والأنجيل ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، ذكر ه الطبري ، والقرطبي والبغوي [يكتفى بالمصدر الأصلي، وإذا كان البري رواه بإسناده إلى قائله، نقول: رواه الطبري]
وعطاء الخرساني والحسن وقتادة
🔹القول الثالث
نزلت في قوم أسلموا ثم ارتدوا وازدادوا كفرا حتى الممات - ذكر هذا ابن كثير في تفسيره واستشهد له بحديث الحافظ البزار عن ابن عباس : إِنَّ أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، فَأَرْسَلُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَسْأَلُونَ لَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾
وقيل نزلت في أصحاب الحارث بن سويد لما رجع ألى الإسلام وبَقى من بقى منهم على الكفر وقالوا نتربص بمحمد ريب المنون وإن أردنا الرجعة لمكة أظهرنا التوبة ، ذكرهذا القول عدد من المفسرين ،منهم القرطبي والزمخشري والبغوي وقطرب وابن الجوزي في زاد المسير ، وذكر الثعلبي في تفسيره عن مجاهد أنه قال: نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه ولحق بالروم فتنصر
🔹القول الرابع
نزلت في جميع الكفار أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ثم ازدادوا كفرا ، أي أقاموا على كفرهم -ذكره عّن مجاهد البغوي في تفسيره
🔷الدراسة والتوجيه
يرى الطبري رحمه الله أن الصواب من القول في المراد بالذين كفروا في هذه الآية ، هم اليهود على وجه الخصوص ويستدل على صواب اختياره ، بأن سياق الآيات قبلها وبعدها كانت في يهود ، بينما أطلق ابن كثير المعنى فيمن كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرا حتى الوفاة واستدل لقوله هذا بمماثلة هذه الآية لقوله تعالى :
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا](2) ﴾ [النساء:18] . و يرى البقاعي في نظم الدرر أنهم قوم كفروا. ولم يتوبوا. ثم ازدادوا كفرا فطبع على قلوبهم فلا توفق للتوبة النصوح الصادقة ، فعلى افتراض أنهم تابوا لن تقبل هذه التوبة الظاهرة . وعليه جاء المراد بقوله تعالى : { لن تقبل توبتهم } والله التواب يقبل توبة كل تائب ، على أقوال : [وهذا هو أصل المسألة محل البحث والتي نريد بيان أقوالها وعزوها لقائليها من السلف ثم دراستها وترجيح القول فيها، ويفيد للوصول إليها بيان عدة مسائل
الأولى: المراد بالذين كفروا
الثانية: المراد بإيمانهم
الثالثة: معنى زيادة كفرهم ]

🔹أنها توبة غير صادقة ، كما قال البقاعي في نظم الدرر
🔹هم اليهود والنصار ى ،يتوبون من ذنوب ، وهم مقيمون على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل توبتهم
قاله أبو العالية وغيره
🔹كل من كفر وازداد كفرا بمضيه في كفره حتى أدركه الموت والمعاينة [العزو]
🔹هم قوم آمنوا بأنبيائهم ثم كفروا فلم يكن ينفعهم إيمانهم السابق وقد استمروا على الكفر ،قاله ابن جريج ،ذكره عنه الطبري في تفسيره
--------------------------


3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
🔷التخريج
أخرجه الطبري بأسانيد في تفسيره وكذارواه عبد الرزا ق الصنعاني في تفسيره ، كلاهما من طريق الثوري عن أبي بكير عن سعيد


🔷 تحرير القول
🔹القول الأول
الرفيق في السفر - هذا قول سعيد بن جبير ووابن عباس وزيد بن أسلم ، قال: هو جليسة في الحضر وصاحبك في السفر ،ذكره عنه ابن وهب في الجامع في علوم القرآن ،
وهو قول مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك و عن على وَعَبَد الله رضي الله عنهما : الرفيق الصالح ، ذكر هذا عنهم جميعا الطبري في تفسيره
🔹القول الثاني


- إمرأة الرجل - هذا قول إبراهيم النخعي ، ذكره عبد الرزاق في تفسيره وسعيد بن منصور في سننه والطبري في تفسيره
وعن على وَعَبَد الله وابن عباس وابن أبي ليلى ،ذكره عنهم الطبري في تفسيره
🔹القول الثالث
الذي يلزمك و يصحبك رجاء نفعك - قال ابن عباس : الملازم ، قال ابن زيد : من يرجو خيرك ونفعك وذكره الطبري في تفسيره وذكر هذا القول القرطبي عن ابن جريج في تفسيره
🔷 الدراسة والتوجيه
رجح ابن جرير رحمه الله تعالى أن المراد بالصاحب بالجنب. ، كل من ذكر في الأقوال. السابقة ، واستدل له بأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوجب حق الصاحب على صاحبه ، وان في معنى الجنب ، أن يكون منه قريبا مرافقا ، في أي وضع كان ، في حضر أو سفر او نكاح او رفقة ابتغاء تحصيل النفع وما في بابه ، لان الله تعالى امرنا بالإحسان إليهم جميعا ، وقوله هذا صائب ، قد قال مثله غيره من المفسرين ، مثل القرطبي الذى عقب قائلا: وقد تتناول الآية الجميع والله اعلم ، وهو أيضا قول البقاعي الذي يرى : أنه المخالط في أمر من الامور الموجبة لامتداد العشرة معه ، وهو مفاد قول السعدي في تفسيره وبن عاشور في التحرير والتنوير .
وأوجب الزمخشري التفريق بالنطق
------------------------__


⚫ 4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
🔶 التخريج
اخرجه الطبري بأسانيد في تفسيره وَعَبَد الرزاق في تفسيره كلاهما من طريق الثوري عن أبي بكير عن سعيد [هذا هو تخريج القول السابق!]
🔶 تحرير القول
🔸القول الأول
الصلاة المكتوبة - هو ابن عباس و سعيد بن المسيب وقول ثان لإبراهيم ومجاهد والحسن ، ذكره الطبري في تفسيره وذكره عبد الرزاق في تفسيره عن إبراهيم النخعي
هناك من أطلق فقال الصلوات الخمس وهناك من خصّ بعضها ،ففي رواية عن مجاهد وقتادة أن المراد بالدعاء هنا : صلاة الصبح وصلاة العصر
ذكره ابن أبي حاتم والطبري وغيرهم
وذكر الثعلبي في تفسيره عن الحسن ان المراد بالمعنى: هي الصلوات في الجماعات والمساجد
وقيل هي الصلوات التى كانت في مكة قَالَ الْحَسَنُ: ركعتين غدوة وركعتين عشية قبل ان تفرض الخمس المكتوبات ، ذكره عنه ابن زمنين وابن عطية في تفسيرهما
🔸القول الثاني
الذكر - أي ذكرهم الله عزوجل ، قاله إبراهيم ومنصور ، ذكره الطبري في تفسيره والبغوي وغيرهم
🔸القول الثالث
تعلمهم القرآن وقراءته - قاله أبو جعفر ، ذكره الطبري في تفسيره
🔸القول الرابع
العبادة - عبادتهم إياه وفعل الطاعات كلها ، قاله الضحاك ، قال : يدعون ، يعبدون
ذكره الطبري في تفسيره
🔸القول الخامس
العبادة - عبادتهم إياه وفعل الطاعات كلها ، قاله الضحاك ، قال : يدعون ، يعبدون
ذكره الطبري والغوي في تفسيريهما


🔶 الدراسة والتوجيه
قال ابن جرير رحمه الله بعد ان ذكر اوجه المعاني في المراد بالدعاء في قوله تعالى { يدعون ربهم }
قال : ان دعائهم لربهم هو على معنى دعاء العبادة والإتيان بالطاعات ، على اختلافها وشمولها ذكرا وتلاوة للقرآن وتعبدا وتقربا بالفرائض والصلوات المكتوبة وغيرها ، وهو على معنى الدعاء على صفة التوسل والطلب والمسألة ، وكلامه هذا رحمه الله أولى بالصواب في المعنى المراد ،فيكون تعدد الاقوال فيها من قبيل المثال واختلاف التنوع لا الحصر ، وهذا وجه من وجوه التفسير مشهور ومعهود في كلام السلف .
-----------------------------


⚫ 5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
🔷 التخريج
رواه الطبري في تفسيره بأسانيده وابن وهب في الجامع لعلوم القرآن ، كلاهما من طريق فرقد عن إبراهيم


🔷تحرير القول
🔹القول الأول
يحاسب العبد بذنبه كله ، لايغفرله منه شيء
قول إبراهيم النخعي ، وابن زيد ، ذكره الطبري في تفسيره


🔹القول الثاني
الاستقصاء - المناقشة -
قاله الطبري في تفسيره وذكره عن أبي الجوزاء وهو قول مكي بن طالب في تفسيره والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ، وابن عطية في تفسيره
🔷 الدراسة والتوجيه
لايكون ترك العفو والمواخذة بكل ذنب إلا لمن أوقف واستقصيت سيئاته ونوقش الحساب ، فكما جاء في الحديث عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نوقش الحساب عذب
فتكون بهذا المعنى الأقوال السابقة داخلة في المراد شارحة لمقصوده .
التقويم: ب

بارك الله فيكِ، ونفع بكِ.

- لعلكِ أديتِ التطبيق على عجل، فكان سببا في كثرة الأخطاء الإملائية، فأرجو مراعتها وتصحيحها في أصلك العلمي.

- فرقي بين قولنا (ذكره) و (رواه)؛ فيغلب استعمال الأول للمصادر الناقلة، والثاني لمن روى القول بإسناده لقائله (المصادر الأصلية)
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir