دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأسيس في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ربيع الثاني 1436هـ/25-01-2015م, 09:07 PM
الصورة الرمزية أم البراء آدم
أم البراء آدم أم البراء آدم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 225
افتراضي صفحة الطالبه ( أم البراء آدم ) للقراءة المنظمة

بسم الله الرحمن الرحيم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 رجب 1436هـ/12-05-2015م, 10:07 AM
الصورة الرمزية أم البراء آدم
أم البراء آدم أم البراء آدم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 225
افتراضي

المقصد الكلي للكتاب :فضل القرآن و فضل قراءة القرآن و إكرام حامل القرآن وآداب حامل القرآن و آداب الناس كلهم مع القرآن و آداب كتابة القرآن آداب معلم القرآن و المتعلم و الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
المقاصد الفرعية للكتاب :
1: بيان فضل القرآن، وفضل تعلّمه وتلاوته وتعليمه، وفضل أصحاب القرآن.
2: : فضل قراءة القرآن وفضل قارئ القرآن على غيره في أمور الدين
3: إكرام حامل القرآن و صور إكرام أهل القرآن والنهي عن أذية أهل القرآن
4: آداب معلم القرآن وتعامله مع متعلمه وآداب المتعلم
5: آداب حامل القرآن
6: : بيان آداب تلاوة القرآن.
7: آداب الناس كلهم مع القرآن
8: الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
9: آداب كتابة القرآن ، وصور إكرام المصاحف

التلخيص :
المقصد الأول: بيان فضل القرآن، وفضل تعلّمه وتلاوته وتعليمه، وفضل أصحاب القرآن.
●بيان فضل القرآن
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعي القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر)) رواه الدارمي.
● بيان فضل تعلّم القرآن وتعليمه
- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري.
- قال الحميدي الجمالي: سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال: "يقرأ القرآن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))".
●بيان فضل تلاوة القرآن
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {ألم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يقول سبحانه وتعالى: [من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين] وفضل كلام الله سبحانه وتعالى عن سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
●بيان فضل صاحب القرآن
- قال الله عز وجل: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب)) رواه البخاري ومسلم.
- وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا)) رواه أبو داود.
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذّب قلباً وعى القرآن)) رواه الدارمي.
فضل الماهر بالقرآن، وبيان ثواب الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) رواه البخاري وأبو الحسين مسلم بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحهما.
رفعة أهل القرآن في الدنيا والآخرة
- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين)) رواه مسلم.
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
شفاعة القرآن لأصحابه يوم القيامة
- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)) رواه مسلم.
غبطة صاحب القرآن
- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في إثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) رواه البخاري ومسلم.
ذمّ من ليس في جوفه شيء من القرآن
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح .
المقصد الثاني: فضل قراءة القرآن وفضل قارئ القرآن على غيره في أمور الدين
●فضل قراءة القرآن
قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار
●فضل قارئ القرآن على غيره في أمور الدين
عن ابن مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى)) رواه مسلم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا وشبابا) رواه البخاري في صحيحه.
المقصد الثالث :إكرام حامل القرآن و صور إكرام أهل القرآن والنهي عن أذية أهل القرآن
●إكرام أهل القرآن من تعظيم شعائر الله
قال الله عز وجل: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}
وقال الله تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}
●إكرام حامل القرآن
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه أبو داود وهو حديث حسن.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم) رواه أبو داود في سننه، والبزار في مسنده
●صور إكرام أهل القرآن
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذا للقرآن؟))، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، رواه البخاري.
●النهي عن أذية أهل القرآن
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قال: [من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب])) رواه البخاري.
●خطر الوقوع في أعراض العلماء
قال الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله: "اعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يغشاه ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}".
المقصد الرابع :آداب معلم القرآن وتعامله مع متعلمه وآداب المتعلم
● اداب معلم القرآن
ينبغي أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال أو رياسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) رواه أبو داود بإسناد صحيح، ومثله أحاديث كثيرة.
-إخلاص المعلم
يحذر كل الحذر من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم، فإنه لو أراد الله بتعليمه لما كره ذلك، بل قال لنفسه: أنا أردت الطاعة بتعليمه وقد حصلت، وقد قصد بقراءته على غيري زيادة علم فلا عتب عليه.
وقد روينا في مسند الإمام المجمع على حفظه وإمامته أبي محمد الدارمي رحمة الله عليه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: "يا حملة القرآن"، أو قال: "يا حملة العلم؛ اعملوا به فإنما العلم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى".
-اخلاق معلم القرآن
ينبغي للمعلم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخصال الحميدة والشيم المرضية التي أرشده الله إليها، من الزهادة في الدنيا والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر، والتنزه عن دنيئ المكاسب، وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الوظائف الشرعية كالتنظيف وتقليم بإزالة الأوساخ والشعور التي ورد الشرع بإزالتها كقص الشارب وتقليم الظفر وتسريح اللحية وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة، وليحذر كل الحذر من الحسد والرياء والعجب، واحتقار غيره وإن كان دونه.
وينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويحافظ على ذلك، وأن يكون تعويله في جميع أموره على الله تعالى.
أدب المعلم
يصون يديه في حال الإقراء عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويقعد على طهارة مستقبل القبلة ويجلس بوقار، وتكون ثيابه بيضا نظيفة، وإذا وصل إلى موضع جلوسه صلى ركعتين قبل الجلوس سواء كان الموضع مسجدا أو غيره، فإن كان مسجدا كان آكد فيه فإنه يكره الجلوس فيه قبل أن يصلي ركعتين, ومن آدابه المتأكدة وما يعتنى بحفظه: أن لا يذل العلم فيذهب إلى مكان ينسب إلى من يتعلم منه ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه عنه السلف رضي الله عنهم، وينبغي أن يكون مجلسه واسعا ليتمكن جلساؤه فيه، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير المجالس أوسعها)) رواه أبو داود في سنته، في أوائل كتاب الآداب بإسناد صحيح، من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
● تعامل المعلم مع متعلمه
الإحسان للمتعلم
ينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه، وأن يرحب به ويحسن إليه بحسب حالهما.
فقد روينا عن أبي هرون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فيقول: "مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا))" رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.
إخلاص النصيحة للمتعلم
وينبغي أن يبذل لهم النصيحة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة؛ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم.
ومن النصيحة لله تعالى ولكتابه: إكرام قارئه وطالبه وإرشاده إلى مصلحته، والرفق به ومساعدته على طلبه بما أمكن، وتأليف قلب الطالب، وأن يكون سمحا بتعليمه في رفق متلطفا به ومحرضا له على التعلم.
وينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره له ما يكره لنفسه من النقص مطلقا.
فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
الرفق واللين مع المتعلم
وينبغي أن لا يتعاظم على المتعلمين، بل يلين إليهم ويتواضع لهم فقد جاء في التواضع لآحاد الناس أشياء كثيرة معروفة، فكيف بهؤلاء الذين هم بمنزلة أولاده، مع ما هم عليه من الاشتغال بالقرآن، مع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم إليه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه)).
تأديب المتعلم
ينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق الخفية، ويعوده الصيانة في جميع أموره الباطنة والجلية، ويحرضه بأقواله وأفعاله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات، ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات، ويعرفه أن لذلك تتفتح عليه أنوار المعارف، وينشرح صدره ويتفجر من قلبه ينابيع الحكم واللطائف، ويبارك له في علمه وحاله ويوفق في أفعاله وأقواله.
حكم التعليم
تعليم المتعلمين فرض كفاية، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين، وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم ببعضهم، فإن امتنعوا كلهم أثموا، وإن قام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين، وإن طلب من أحدهم وامتنع فأظهر الوجهين أنه لا يأثم، لكن يكره له ذلك إن لم يكن عذر
● أدب المتعلم
أن يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا سببا لا بد منه للحاجة، وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)).
ولا يتعلم إلا ممن تكلمت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته
أدبه مع رفاقه
وينبغي أيضا أن يتأدب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ، فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه، ويقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين، ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة، ولا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة، بل يكون متوجها إلى الشيخ مصغيا إلى كلامه.
أدبه مع شيخه
أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله واستيفازه سنة وروعه وغمه وفرحه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك، مما يشق عليه أو يمنعه من كمال حضور القلب والنشاط، وأن يغتنم أوقات نشاطه.
و أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ويتأول لأفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه، وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار إلى الشيخ وأظهر أن الذنب له والعتب عليه، فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة وإنقاء لقلب شيخ له.
حرصه علي العلم
أن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها، ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير، ولا يحمل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل، وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال. وينبغي أن يبكر بقراءته على الشيخ أول النهار، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).
المقصد الخامس : آداب حامل القرآن
●إجلال حامل القرآن للقرآن في نفسه
أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن، وأن يكون مصونا عن دني الاكتساب شريف النفس مرتفعا على الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعا للصالحين وأهل الخير والمساكين، وأن يكون متخشعا ذا سكينة ووقار، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: "يا معشر القراء! ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، فاستبقوا الخيرات لا تكونوا عيالا على الناس".
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصحته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".
- وعن الحسن بن علي رضي الله عنه، قال: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار".
- وعن الفضيل بن عياض، قال: "ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم"، وعنه أيضا، قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن".
-النهي عن التكسب من القرآن
عن عبد الرحمن بن شبيل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه)).
وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)) رواه بمعناه من رواية سهل بن سعد، معناه: يتعجلون أجره إما بمال وإما سمعة ونحوها.
وعن فضيل بن عمرو رضي الله عنه، قال: دخل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا، فلما سلم الإمام، قام رجل فتلا آيات من القرآن ثم سأل، فقال أحدهما: إنا لله وإنا إليه راجعون، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيجيء قوم يسألون بالقرآن، فمن سأل بالقرآن فلا تعطوه))، وهذا الإسناد منقطع، فإن الفضل بن عمرو لم يسمع الصحابة.
-أقوال العلماء في أخذ الأجرة علي تعليم القرآن
- فحكى الإمام أبو سليمان الخطابي منع أخذ الأجرة عليه من جماعة من العلماء منهم الزهري وأبو حنيفة،
- وعن جماعة أنه يجوز إن لم يشترطه، وهو قول الحسن البصري والشعبي وابن سيرين،
- وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون إلى جوازها إن شارطه واستأجره إجارة صحيحة، وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة.
واحتج من منعها بحديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن، فأهدى له قوسا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها))، وهو حديث مشهور رواه أبو داود وغيره، وبآثار كثيرة عن السلف.
وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين:
أحدهما: أن في إسناده مقالا.
والثاني: أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم، والله أعلم.
- التعهد بالقرآن والتحذير من تعريضة للنسيان
ثبت عن أبي موسى الأشرعي يا رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها)) رواه البخاري ومسلم.
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)) رواه مسلم والبخاري.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود والترمذي وتكلم فيه.
- وعن سعد بن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم)) رواه أبو داود والدارمي.
●ختم القرآن
-هدي السلف في ختم القرآن
فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال، وعن الأكثرين في كل سبع ليال، وعن بعضهم في كل ست، وعن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثا، وختم بعضهم ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار.
فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون.
ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه.
-ختم القرآن في الصلاة
أما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم؛ فمن المتقدمين: عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم، ختمة في كل ركعة في الكعبة.
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون؛ نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.
-ختم القرآن في الاسبوع
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون؛ نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.
كراهية الختم في يوم وليلة
كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، والله أعلم.
-وقت الابتداء والختم
روى أبو داود أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفتتح القرآن ليلة الجمعة ويختمه ليلة الخميس.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره.
وروى ابن أبي داود عن عمر بن مرة التابعي، قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل أو من أول النهار.
وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل، قال: "من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح"، وعن مجاهد نحوه.
وروى الدارمي في مسنده، بإسناده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: "إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإذا وافق ختمه آخر الليل صلت عليه الملائكة حتى يمسي"، قال الدارمي: هذا حسن من سعد.
●المحافظة على القراءة بالليل
قال الله تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}.
- وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)).
- وفي الحديث الآخر من الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عبد الله! لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه)).
- وروى الطبراني وغيره، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((شرف المؤمن قيام الليل))، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة.
- وقد جاء عن أبي الأحوص الحبشي، قال: "إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقا -أي: يأتيه ليلا- فيسمع لأهله دويا كدوي النحل"، قال: "فما بال هؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون".
- وعن إبراهيم النخعي، كان يقول: "اقرؤوا من الليل ولو حلب شاة".
- وعن يزيد الرقاشي، قال: "إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي".
قلت: وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات روى والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل، فإن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلا، وحديث: ((ينزل ربكم كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، فيقول: [هل من داع فأستجيب له])) الحديث.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في الليل ساعة يستجيب الله فيها الدعاء كل ليلة)).
- بيان فضيلة إطالة القراءة بقيام الليل.
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقسطين)) رواه أبو داود وغيره.
-النوم عن ورد القرآن
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنه قرأه من الليل)) رواه مسلم.
- وعن سليمان بن يسار، قال: قال أبو أسيد رضي الله عنه: "نمت البارحة عن وردي حتى أصبحت فلما أصبحت استرجعت وكان وردي سورة البقرة فرأيت في المنام كأن بقرة تنطحني" رواه ابن أبي داود.

المقصد السادس : بيان آداب تلاوة القرآن.
●الإخلاص في قراءة القرآن
يجب على القارئ الإخلاص كما قدمناه، ومراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه.
●آداب قراءة القرآن
-استعمال السواك
وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره، والاختيار في السواك: أن يكون بعود من أراك، ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة والأشنان وغير ذلك،ويستاك عرضا مبتدئا بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإتيان بالسنة، قال بعض العلماء: يقول عند الاستياك: اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين.
قال الماوردي من أصحاب الشافعي: ويستحب أن يستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا رفيقا.
قالوا: وينبغي أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد الرطوبة، قال: فإن اشتد يبسه لينه بالماء، ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه. وأما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ قال الروياني من أصحاب الشافعي عن والده: يحتمل وجهين، والأصح لا يحرم.
-المحافظة علي الطهارة
يستحب أن يقرأ وهو على طهارة، فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين، والأحاديث فيه كثيرة معروفة، قال إمام الحرمين: ولا يقال: ارتكب مكروها، بل هو تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء تيمم، والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث.
وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به، ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار، للجنب والحائض.
-نظافة المكان
ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار.
ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة، ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف، فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل، بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف، وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه.
-حكم القراءة في الحمام
فقد اختلف السلف في كراهيتها، فقال أصحابنا: لا يكره، ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف، عن إبراهيم النخعي ومالك، وهو قول عطاء،
وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه عنه ابن أبي داود.
وحكى ابن المنذر، عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب، ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين، قال الشعبي:"تكره القراءة في ثلاثة مواضع: في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور"، وعن أبي ميسرة، قال: "لا يذكر الله إلا في مكان طيب"، والله أعلم.
-حكم القراءة في الطريق
فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من الخلط، وروى أبو داود، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقرأ في الطريق، وروى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أذن فيها.
قال ابن أبي داود: حدثني أبو الربيع، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل فيخرج إلى المسجد وقد بقي من السورة التي كان يقرأ فيها شيء، قال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق، وكره ذلك، وهذا إسناد صحيح عن مالك رحمه الله.
-استقبال القبلة في القراءة
يستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقل القبلة.
فقد جاء في الحديث: ((خير المجالس ما استقبل به القبلة))، ويجلس متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل، ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول،
قال الله عز وجل: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}.
وثبت في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: "يقرأ القرآن ورأسه في حجري".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: "إني أقرأ القرآن في صلاتي، وأقرأ على فراشي".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "إني لا أقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير".
-الاستعاذة قبل القراءة
فإن أراد الشروع في القراءة استعاذ، فقال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" هكذا قال الجمهور من العلماء.
وقال بعض العلماء: يتعوذ بعد القراءة، لقوله تعالى: {فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، وتقدير الآية عند الجمهور: إذا أردت القراءة فاستعذ،
ثم صيغة التعوذ كما ذكرناه، وكان جماعة من السلف يقولون: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ولا بأس بهذا، ولكن الاختيار هو الأول.
ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها، ويستحب في الصلاة في كل ركعة على الصحيح من الوجهين عند أصحابنا، وعلى الوجه الثاني إنما يستحب في الركعة الأولى، فإن تركه في الأولى أتى به في الثانية، ويستحب التعوذ في التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة على أصح الوجهين.
-قراءة القراءة بخشوع وتدبر
إذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: {أفلا يتدبرون القرآن}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}
-تأثر السلف عند قراءة القرآن
ات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعات حال القراءة.
وروينا عن بهز بن حكيم، أن زرارة بن أوفى التابعي الجليل رضي الله عنه، أمهم في صلاة الفجر فقرأ حتى بلغ: {فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير} خر ميتا، قال بهز: وكنت فيمن حمله.
وقال السيد الجليل ذو المواهب والمعارف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه: "دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين".
-استحباب ترديد الآيه للتدبر
عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح"، والآية: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الآية، رواه النسائي وابن ماجه.
وعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه، أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}.
وعن عبادة بن حمزة، قال: دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو، فطال علي ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو،
ورويت هذه القصة عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وردد ابن مسعود رضي الله عنه: {رب زدني علما}، وردد سعيد بن جبير: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}، وردد أيضا: {فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم} الآية، وردد أيضا: {ما غرك بربك الكريم}، وكان الضحاك إذا تلا قوله تعالى: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} رددها إلى السحر.
-استحباب البكاء عند قراءة القرآن
قال الإمام أبو حامد الغزالي: البكاء مستحب مع القراءة وعندها،
وطريقه في تحصيله: أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب.
-آثار السلف في البكاء عند قراءة القرآن
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته. وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فتدل على تكريره منه، وفي رواية: أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
- وعن أبي رجاء، قال: "رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع".
- وعن أبي صالح، قال: قدم ناس من أهل اليمن على ابي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "هكذا كنا".
- وعن هشام، قال: "ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة".
-حكم الترتيل في قراءة القرآن
اتفق العلماء -رضي الله عنهم- على استحباب الترتيل، قال الله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}.
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا، رواه أبو داود والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن معاوية بن قرة رضي الله عنه، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع في قراءته) رواه البخاري ومسلم.
وعن مجاهد، أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء، فقال: (الذي قرأ البقرة وحدها أفضل).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله".
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع، ويسمى الهذرمة، فثبت عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود: (هكذا هكذا الشعر، إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع القلب فرسخ فيه نفع) رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته.
قال العلماء: والترتيل مستحب للتدبر ولغيره، قالوا: يستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه، لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب.
-الدعاء أثناء قراءة القرآن
ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمة ربنا، فقد صح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ ترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ) رواه مسلم في صحيحه، وكانت سورة النساء في ذلك الوقت مقدمة على آل عمران.
-آداب عامة اثناء قراءة القرآن
جتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قد قول الله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.
وليقتد بما رواه ابن أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه، ذكره في كتاب التفسير في قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}.
ومن ذلك: العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.
ومن ذلك: النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن.
وأقبح من هذا كله: النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره
-حكم قراءة القرآن بالعجمية
لا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها، سواء كان في الصلاة أم في غيرها، فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا، ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك وتصح به الصلاة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية، ولا يجوز لمن يحسنها.
-حكم قراءة القرآن بالقراءات السبع
تجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها، ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة، وسيأتي في الباب السابع إن شاء الله تعالى اتفاق الفقهاء على استتابة من أقرأ بالشواذ أو قرأ بها.
وقال أصحابنا وغيرهم: لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالما، وإن كان جاهلا لم تبطل، ولم تحسب له تلك القراءة، وقد نقل الإمام أبو عمر بن عبد البر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها.
قال العلماء: من قرأ الشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه عرف بذلك، فإن عاد إليه أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهي عن ذلك، ويجب على كل متمكن من الإنكار عليه والمنع الإنكار عليه ومنعه.
-قراءة القرآن علي ترتيب المصحف
قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب، وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها، حتى قال بعض أصحابنا: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة {قل أعوذ برب الناس} يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة.
قال بعض أصحابنا: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى: سورة السجدة، وفي الثانية: {هل أتى على الإنسان}، وصلاة العيد في الأولى: قاف، وفي الثانية: {اقتربت الساعة}، وركعتين سنة الفجر في الأولى: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية: {قل هو الله أحد}، وركعات الوتر في الأولى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثالثة: {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز، فقد جاء بذلك آثار كثيرة، وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بـ"الكهف"، وفي الثانية بـ"يوسف"، وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف.
وروى ابن أبي داود، عن الحسن، أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف
وأما قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا، فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات، وقد روى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل، والإمام مالك بن أنس، أنهما كرها ذلك، وأن مالكا كان يعيبه، ويقول: هذا عظيم.
وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس هذا من هذا الباب، فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم.
-حكم قراءة القرآن من المصحف
قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا، وأبو حامد الغزالي وجماعات من السلف، ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف، ولم أر فيه خلافا ، ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولا حسنا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.
-ثواب قراءة الجماعة
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أنه قال: ((ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكره الله فيمن عنده)) رواه مسلم، وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وعن معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما يجلسكم؟))، قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به، فقال: ((أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة)) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والأحاديث في هذا كثيرة.
-حكم رفع الصوت بالقراءة
جاء أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره دالة على استحباب رفع الصوت بالقراءة، وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت
قال الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا: أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والمتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه، قالوا: فمهما حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر، قال الغزالي: ولهذا قلنا القراءة في المصحف أفضل، فهذا حكم المسألة.
-استحباب تحسين الصوت بالقراءة
أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين، على استحباب تحسين الصوت بالقرآن.ودلائل هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفيضة عند الخاصة والعامة، كحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم))، وحديث: ((لقد أوتي هذا مزمارا))، وحديث: ((ما أذن الله))، وحديث: ((لله أشد أذنا))
قال العلماء رحمهم الله: فيستحب تحسين الصوت بالقراءة ترتيبها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفاه فهو حرام.
-حكم القراءة بالالحان
فقد قال الشافعي رحمه الله في موضع: أكرهها، وقال في موضع: لا أكرهها.
قال أصحابنا: ليست على قولين، بل فيه تفصيل، إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه، وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه
-استحباب طلب القراءة الطيبة من حسن الصوت
اعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون، وهذا متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين، وهى سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن))، فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) فقرأت عليه سورة النساء، حتى إذا جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، رواه البخاري ومسلم.
-حسن الوقف ولايتقيد بالاعشار والاجزاء
ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيد بالأعشار والأجزاء، فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط، كالجزء الذي في قوله تعالى: {وما ؟ نفسي}، وفي قوله تعالى: {فما كان جواب قومه}، وقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله}، وفي قوله تعالى: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء}، وفي قوله تعالى: {إليه يرد علم الساعة}، وفي قوله تعالى: {وبدا لهم سيئات}، وفي قوله: {قال فما خطبكم أيها المرسلون}، وكذلك الأحزاب كقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}، وقوله تعالى: {قل هل أنبئكم بخير من ذلكم}.
-احوال تكره فيها القراءة
فتكره القراءة في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام، وتكره القراءة بما زاد على الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام، وتكره حالة القعود على الخلاء، وفي حالة النعاس، وكذا إذا استعجم عليه القرآن، وكذا في حالة الخطبة لمن يسمعها، ولا تكره لمن لم يسمعها بل تستحب، هذا هو المختار الصحيح، وجاء عن طاوس كراهيتها، وعن إبراهيم عدم الكراهة، فيجوز أن يجمع بين كلاميهما بما قلنا، كما ذكره أصحابنا.
ولا تكره القراءة في الطواف، هذا مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن الحسن البصري وعروة بن الزبير ومالك كراهتها في الطواف، والصحيح الأول، وقد تقدم بيان الاختلاف في القراءة في الحمام وفي الطريق وفيمن في فمه نجاسة.
-البدع المنكرة في القراءة
ما يفعله جهلة المصلين بالناس في التراويح من قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة، فيجمعون أمورا منكرة،منها اعتقادها مستحبة،ومنها إيهام العوام ذلك،ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنة تطويل الأولى،ومنها التطويل على المأمومين،ومنها هذرمة القراءة،ومن البدع المشابهة لهذا: قراءة بعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة بسجدة غير سجدة {ألم تنزيل} قاصدا ذلك، وإنما السنة قراءة {ألم تنزيل} في الركعة الأولى، و{هل أتى} في الثانية.
-حكم قراءة القرآن يراد بها الكلام
ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا
وروي عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقال القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة {والتين والزيتون} ورفع صوته، وقال: {وهذا البلد الأمين}.
قال أصحابنا: إذا استأذن إنسان على المصلي، فقال المصلي: {ادخلوها بسلام آمنين}، فإن أراد التلاوة وأراد الإعلام لم تبطل صلاته، وإن أراد الإعلام ولم يحضره نية بطلت صلاته.
-حكم القيام اثناء القراءة لمن فيه فضيلة من علم او شرف
لا بأس بالقيام له على سبيل الاحترام والإكرام لا للرياء والإعظام بل ذلك مستحب، وقد ثبت القيام للإكرام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه رضي الله عنهم بحضرته وبأمره، ومن فعل التابعين ومن بعدهم من العلماء الصالحين
-احكام قطع القراءة
إذا كان يقرأ ماشيا فمر على قوم يستحب أن يقطع القراءة ويسلم عليهم ثم يرجع إلى القراءة، ولو أعاد التعوذ كان حسنا، ولو كان يقرأ جالسا فمر عليه غيره؛ فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام على القارئ لاشتغاله بالتلاوة، قال: فإن سلم عليه إنسان كفاه الرد بالإشارة، قال: فإن أراد الرد باللفظ رده ثم استأنف الاستعاذة وعاود التلاوة، وهذا الذي قاله ضعيف، والظاهر وجوب الرد باللفظ، فقد قال أصحابنا: إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة وقلنا الإنصات سنة وجب له رد السلام على أصح الوجهين، فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات وتحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع أولى، مع أن رد السلام واجب بالجملة، والله أعلم.
- وأما إذا عطس في حال القراءة فإنه يستحب أن يقول: الحمد لله، وكذا لو كان في الصلاة، ولو عطس غيره وهو يقرأ في غير الصلاة وقال: الحمد لله يستحب للقارئ أن يشمته فيقول: يرحمك الله، ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته، وهذا متفق عليه عند أصحابنا.
- وأما إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة وأمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة وعلم أنه لا ينكسر قلبه ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذي بينها بينهما ونحوه فالأولى أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة، فإن قطعها جاز، والله أعلم.
-افضل الاوقات للقراءة
اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وغيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود.
وأما القراءة في غير الصلاة؛ فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.
وأما القراءة في النهار؛ فأفضلها بعد صلاة الصبح، ولا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه، وأما ما رواه ابن أبي داود، عن معاذ بن رفاعة، عن مشايخه، أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا: هي دراسة اليهود، فغير مقبول ولا أصل له.
ويختار من الأيام: الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة، ومن الأعشار: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة، ومن الشهور: رمضان.
●آداب الختم وما يتعلق به
يستحب أن يكون في الصلاة، وأنه قيل: يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر وركعتي سنة المغرب، وفي ركعتي الفجر أفضل، وأنه يستحب أن يختم ختمة في أول النهار في دور، ويختم ختمة أخرى في آخر النهار في دور آخر، وأما من يختم في غير الصلاة والجماعة الذين يختمون مجتمعين فيستحب أن تكون ختمتهم يقول أول النهار أو في أول الليل كما تقدم، وأول النهار أفضل عند بعض العلماء.و يستحب صيام يوم الختم,و يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا, الدعاء مستحب عقيب الختم استحبابا متأكد, يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة
المقصد السابع : آداب الناس كلهم مع القرآن
● تعظيم القرآن
أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته
-حكم من استخف بالقرآن
أجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر.
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين ، وكذلك إذا جحد التوراة والإنجيل أو كتب الله المنزلة أو كفر بها أو سبها أو استخف بها فهو كافر.
-القرآن كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: {الحمد لله رب العالمين} إلى آخر {قل أعوذ برب الناس} كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع فيه الإجماع وأجمع على أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا فهو كافر، قال أبو عثمان بن الحذاء: جميع أهل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر.
-حكم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق
يحرم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق، فمن ذلك أن يظهر فيه دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ويحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه فيحملها على مذهبه، ويناظر على ذلك مع ظهورها في خلاف ما يقول، وأما من لا يظهر له ذلك فهو معذور، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المراء في القرآن كفر))
●تفسير القرآن
-حكم التفسير بغير علم
حرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه
-أقسام المفسرون برأيهم من غير دليل
منهم من يحتج بأنه على تصحيح مذهبه وتقوية خاطره مع أنه لا يغلب على ظنه أن ذلك هو المراد بالآية وإنما يقصد الظهور على خصمه ومنهم من يقصد الدعاء إلى خير ويحتج بآية من غير أن تظهر له دلالة لما قاله ،ومنهم من يفسر ألفاظه العربية من غير وقوف على معانيها عند أهلها وهي مما لا يؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية وأهل التفسير كبيان معنى اللفظ وإعرابها وما فيها من الحذف والاختصار والإضمار والحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والتقديم والتأخير والإجمال والبيان وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر.

●بعض الالفاظ يتكلم بها حامل القرآن
-من أراد السؤال عن تقديم آية
ينبغي لمن أراد السؤال عن تقديم آية على آية في المصحف أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع ونحو ذلك أن يقول: ما الحكمة في كذا؟
-حكم قول نسيت
يكره أن يقول: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيتها أو أسقطتها.
فقد ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم: نسيت آية كذا وكذا، بل هو شيء نسي))
-حكم ان يقول سورة البقرة وسورة آل عمران
يجوز أن يقال: سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وسورة الأنعام وكذا الباقي، لا كراهة في ذلك، وكره بعض المتقدمين هذا وقال: يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، والسورة التي يذكر فيها النساء، وكذا البواقي، والصواب الأول، فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((سورة البقرة)) و((سورة الكهف))، وغيرهما مما لا يحصى، وكذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
-حكم ان يقول قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو غيرهم
لا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو حمزة أو الكسائي أو غيرهم، هذا هو المختار، الذي عليه السلف والخلف من غير إنكار، وروى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي، أنه قال: "كانوا يكرهون أن يقال: سنة فلان وقراءة فلان"، والصحيح ما قدمناه.
● تعليم وسماع الكافر القرآن
-حكم سماع القرآن للكافر
لا يمنع الكافر من سماع القرآن لقول الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، ويمتنع من مس المصحف
-حكم تعليم الكافر القرآن
إن كان لا يرجى إسلامه لم يجز تعليمه، وإن رجي إسلامه ففيه وجهان:أصحهما: يجوز رجاء إسلامه.والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيع المصحف منه وإن رجي إسلامه،وأما إذا رأيناه يتعلم فهل يمنع؟ فيه وجهان.
●كتابه القرآن في إناء ونقش الحيطان بالقرآن
-حكم كتابة القرآن في إناء ثم يغسل ويسقى المريض
اختلف العلماء في كتابة القرآن في إناء ثم يغسل ويسقى المريض
فقال الحسن ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي: لا بأس به، وكرهه النخعي.
قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما من أصحابنا: ولو كتب القرآن على الحلوى وغيرها من الأطعمة فلا بأس بأكلها، قال القاضي: ولو كان خشبة كره إحراقها.
-حكم نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى
يكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى، قال عطاء: لا بأس بكتب القرآن في قبلة المسجد
●الرقية بالقرآن
-النفث مع القرآن للرقية
روى ابن أبي داود، عن أبي جحيفة الصحابي رضي الله عنه -واسمه: وهب بن عبد الله، وقيل غير ذلك- وعن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا ذلك، والمختار: أن ذلك غير مكروه بل هو سنة مستحبة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
المقصد الثامن: الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
●السور والآيات المسنونة في بعض الصلوات
السنة أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة {ألم تنزيل} بكمالها، وفي الثانية {هل أتى على الإنسان} بكمالها، ولا يفعل ما يفعله كثير من أئمة المساجد من الاقتصار على آيات من كل واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل.
والسنة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية {هل أتاك حديث الغاشية}، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليتجنب الاقتصار على البعض، وليفعل ما قدمناه.
والسنة في صلاة العيد في الركعة الأولى سورة ق، وفي الثانية سورة الساعة بكمالها، وإن شاء "سبح"، و"هل أتاك"، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليجتنب الاقتصار على البعض.
ويقرأ في ركعتي سنة الفجر بعد الفاتحة الأولى {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية {قل هو الله أحد}، وإن شاء قرأ في الأولى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية، وفي الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، فكلاهما صحيح من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقرأ في سنة المغرب {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}، ويقرأ بهما أيضا في ركعتي الطواف، وركعتي الاستخارة.
ويقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
●استحباب قراءة بعض السور والآيات في اوقات مخصوصه
-ما يقرأ في بعض الأيام
يستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وغيره فيه.
قال الإمام الشافعي في الأم: ويستحب أن يقرأها أيضا ليلة الجمعة، ودليل هذا ما رواه أبو محمد الدارمي بإسناده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق).
وذكر الدارمي حديثا في استحباب قراءة سورة هود يوم الجمعة، وعن مكحول التابعي الجليل استحباب قراءة آل عمران يوم الجمعة.
ويستحب الإكثار من تلاوة آية الكرسي في جميع المواطن، وأن يقرأها كل ليلة إذا أوى إلى فراشه، وأن يقرأ المعوذتين عقب كل صلاة، فقد صح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذتين دبر كل صلاة)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
- ما يقرأ عند النوم
يستحب أن يقرأ عند النوم آية الكرسي و{قل هو الله أحد} والمعوذتين وآخر سورة البقرة، فهذا مما يهتم له ويتأكد الاعتناء به، فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه))، قال جماعة من العلماء: كفتاه من قيام الليل، وقال آخرون: كفتاه المكروه في ليلته.
وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كل ليلة يقرأ {قل هو الله أحد} والمعوذتين)، وقد قدمناه في فصل النفث بالقرآن.
وروى عن أبي داود بإسناده، عن علي كرم الله وجهه، قال: (ما كنت أرى أحدا يعقل دخل في الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي).
وعن علي رضي الله عنه أيضا، قال: (ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة) إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمر بك ليلة إلا قرأت فيها {قل هو الله أحد} والمعوذتين))، فما أتت علي ليلة إلا وأنا أقرؤهن.
وعن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يستحبون أن يقرؤوا هذه السور كل ليلة ثلاث مرات: {قل هو الله أحد} والمعوذتين)، إسناده صحيح على شرط مسلم.
وعن إبراهيم أيضا: (كانوا يعلمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوذتين).
وعن عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل)، رواه الترمذي، وقال: حسن.
-مايقرأعند الأستيقاظ من النوم
ويستحب أن يقرأ إذا استيقظ من النوم كل ليلة آخر آل عمران، من قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى آخرها، فقد ثبت في الصحيحين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ).

●السور المستحبه قراءتها في احوال مخصوصه
-مايقرأعند المريض
يستحب أن يقرأ عند المريض بالفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيها: ((وما أدراك أنها رقية)).
ويستحب أن يقرأ عنده {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} مع النفث في اليدين، فقد ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم بيانه في فصل النفث في آخر الباب الذي قبل هذا.
وعن طلحة بن مطرف، قال: "كان المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد لذلك خفة"، فدخلت على خيمته وهو مريض فقلت: إني أراك اليوم صالحا، فقال: "إني قرئ عندي القرآن".
وروى الخطيب أبو بكر البغدادي رحمه الله بإسناده، أن الرمادي رضي الله عنه كان إذا اشتكى شيئا قال: "هاتوا أصحاب إلا حديث"، فإذا حضروا قال: "اقرؤوا علي الحديث"، فهذا في الحديث، فالقرآن أولى.
-مايقرأعند الميت
قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يستحب أن تقرأ عنده يس، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((اقرؤوا يس على موتاكم))، رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه بإسناد ضعيف.
وروى مجالد، عن الشعبي، قال: كانت الأنصار إذا حضروا عند الميت قرؤوا سورة البقرة، ومجالد ضعيف، والله أعلم.
المقصد التاسع :آداب كتابة القرآن ، وصور إكرام المصاحف

●: آداب كتابة القرآن
- تنقيط المصحف وتشكيله
قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة، فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك، والله أعلم.
●صور إكرام المصاحف
-القيام للمصحف
يستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه، لأن القيام مستحب للفضلاء من العلماء والأخيار فالمصحف أولى، وقد قررت دلائل استحباب القيام في الجزء الذي جمعته فيه.
وروينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح، عن ابن أبي مليكة، أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يضع المصحف على وجهه، ويقول: (كتاب ربي، كتاب ربي).
-المسافرة بالمصحف الي ارض العدو
تحرم المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو إذا خيف وقوعه في أيديهم، للحديث المشهور في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى ارض العدو.
-بيع المصحف من غير المسلم
يحرم بيع المصحف من الذمي، فإن باعه ففي صحة البيع قولان للشافعي:
أصحهما: لا يصح،
والثاني: يصح، ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه
حكم بعض الصور التي تُخالف إكرام المصاحف
-حكم مس المصحف وحمله علي المجنون والصبي الذي لا يميز
يمنع المجنون والصبي الذي لا يميز من مس المصحف مخافة من انتهاك حرمته، وهذا المنع واجب على الولي وغيره ممن رآه يتعرض لحمله.
-حكم مس المصحف وحمله علي المحدث
يحرم على المحدث مس المصحف وحمله، سواء حمله بعلاقته أو بغيرها، سواء مس نفس الكتابة أو الحواشي أو الجلد، ويحرم مس الخريطة والغلاف والصندوق إذا كان فيهن المصحف، هذا هو المذهب المختار، وقيل: لا تحرم هذه الثلاثة، وهو ضعيف،ولو كتب القرآن في لوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر، حتى لو كان بعض آية كتب للدراسة حرم مس اللوح.
- اقوال العلماء في تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود أو شبهه
ففي جوازه وجهان لأصحابنا:
أظهرهما: جوازه، وبه قطع العراقيون من أصحابنا، لأنه غير ماس ولا حامل،
والثاني: تحريمه، لأنه يعد حاملا للورقة والورقة كالجميع،
وأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة فحرام بلا خلاف، وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين، والصواب القطع بالتحريم، لأن القلب يقع باليد لا بالكم.
-كتابه الجنب او المحدث مصحفاً
إذا كتب الجنب أو المحدث مصحفاً ان كان يحمل الورقة أو يمسها حال الكتابة فحرام،
وإن لم يحملها ولم يمسها ففيه ثلاثة أوجه:
الصحيح: جوازه، والثاني: تحريمه، والثالث: يجوز للمحدث، ويحرم على الجنب.
-حمل الجنب او المحدث القرآن مع غيره
إذا مس المحدث أو الجنب أو الحائض أو حمل كتابا من كتب الفقه أو غيره من العلوم وفيه آيات من القرآن أو ثوبا مطرزا بالقرآن أو دراهم أو دنانير منقوشة به أو حمل متاعا في جملته مصحف أو لمس الجدار أو الحلوى أو الخبز المنقوش به فالمذهب الصحيح جواز هذا كله، لأنه ليس بمصحف، وفيه وجه أنه حرام.
وقال أقضى القضاة أبو حسن الماوردي في كتابه الحاوي: يجوز مس الثياب المطرزة بالقرآن، ولا يجوز لبسها بلا خلاف، لأن المقصود بلبسها التبرك بالقرآن، وهذا الذي ذكره أو قاله ضعيف لم يوافقه أحد عليه فيما رأيته، بل صرح الشيخ أبو محمد الجويني وغيره بجواز لبسها، وهذا هو الصواب، والله أعلم.
وأما كتب تفسير القرآن؛ فإن كان القرآن فيها أكثر من غيره حرم مسها وحملها، وإن كان غيره أكثر كما هو الغالب ففيها ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يحرم.
والثاني: يحرم.
والثالث: إن كان القرآن بخط متميز بغلظ أو حمرة أو غيرها حرم، وإن لم يتميز لم يحرم.
قلت: ويحرم المس إذا استويا.
قال صاحب التتمة من أصحابنا: وإذا قلنا لا يحرم فهو مكروه،
وأما كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيها آيات من القرآن لم يحرم مسها، والأولى أن لا تمس إلا على طهارة، وإن كان فيها آيات من القرآن لم يحرم على المذهب، وفيه وجه أنه يحرم، وهو الذي في كتب الفقه.
وأما المنسوخ تلاوته كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وغير ذلك، فلا يحرم مسه ولا حمله، قال أصحابنا: وكذلك التوراة والإنجيل.
-حكم التيمم و الطهارة لحمل المصحف
من لم يجد ماء فتيمم حيث يجوز التيمم له مس المصحف، سواء كان تيممه للصلاة أو لغيرها مما يجوز التيمم له.
وأما من لم يجد ماء ولا ترابا فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يجوز له مس المصحف لأنه محدث جوزنا له الصلاة للضرورة، ولو كان معه مصحف ولم يجد من يودعه عنده وعجز عن الوضوء جاز له حمله للضرورة، قال القاضي أبو الطيب: ولا يلزمه التيمم، وفيما قاله نظر، وينبغي أن يلزمه التيمم، أما إذا خاف على المصحف من حرق أو غرق أو وقوع في نجاسة أو حصوله في يد كافر فإنه يأخذه ولو كان محدثا للضرورة.
هل يجب على الولي والمعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف واللوح اللذين يقرأ فيهما؟
فيه وجهان مشهوران، أصحهما عند الأصحاب: لا يجب للمشقة.

●بيع المصحف وشراؤه
يصح بيع المصحف وشراؤه، ولا كراهة في شرائه وفي كراهة بيعه وجهان لأصحابنا، أصحهما وهو نص الشافعي: أنه يكره،
ومن قال لا يكره بيعه وشراؤه: الحسن البصري وعكرمة والحكم بن عيينة وهو مروي عن ابن عباس،
وكرهت طائفة من العلماء بيعه وشراؤه، وحكاه ابن المنذر عن علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد.
وروي عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري التغليظ في بيعه.
وذهبت طائفة إلى الترخيص في الشراء وكراهة البيع، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رضي الله نهم أجمعين، والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 رجب 1436هـ/12-05-2015م, 10:25 AM
الصورة الرمزية أم البراء آدم
أم البراء آدم أم البراء آدم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 225
افتراضي

المقصد الكلي للكتاب :فضل القرآن و فضل قراءة القرآن و إكرام حامل القرآن وآداب حامل القرآن و آداب الناس كلهم مع القرآن و آداب كتابة القرآن آداب معلم القرآن و المتعلم و الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 شعبان 1436هـ/20-05-2015م, 07:42 PM
الصورة الرمزية أم البراء آدم
أم البراء آدم أم البراء آدم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 225
افتراضي

مقّدمة تفسير ابن كثير

المقصد الكلي : فضل القرآن و عرض لتاريخ جمع القرآن و معنى نزول القرآن على سبعة أحرف و بيان آداب تلاوة القرآن
المقصد الأول : بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير
المقصد الثاني : بيان فضل القرآن
المقصد الثالث : عرض لتاريخ جمع القرآن وكتابة المصاحف
المقصد الرابع: بيان معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
المقصد الخامس : بيان آداب تلاوة القرآن وأحكامها
المقصد السادس: ذكر فوائد متفرّقة في علوم القرآن الكريم

المقصد الأول : بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير
1: وجوب الإيمان بالقرآن ووعيد من كذّب به
- قال الله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}.
- قال ابن كثير: (فمن كفر بالقرآن ممن ذكرنا فالنار موعده بنصِّ الله تعالى).
2: الإنذار بالقرآن من مقاصد إرسال الرسل.
- قال الله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ}
قال ابن كثير: (فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم، وأسود وأحمر، وإنس وجان، فهو نذير له).

3: عموم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين
- قال الله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأحمر والأسود)). قال مجاهد: يعني: الإنس والجن.
- قال ابن كثير: (فهو -صلوات الله وسلامه عليه- رسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، مبلغا لهم عن الله ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}).
4: الأمر بتدبّر القرآن
- قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.
5: حكم تفسير القرآن وبيان معانيه للناس

- قال ابن كثير: (فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه).
- قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
- وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.
6: ذمّ المعرضين عن تدبّر كتاب الله
- قال ابن كثير: (
ذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه).
- قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}.
لطيفة:
قال ابن كثير: (ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم).

6: أحسن طرق التفسير
6-أ: تفسير القرآن بالقرآن.
- ما أجمل في موضع من القرآن فإنه قد فسر في موضع آخر.
6-ب: تفسير القرآن بالسنّة.
- السنّة مبيّنة للقرآن وشارحة له.
- قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
- وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
- السنّة وحي من الله إلا أنها لا تُتلى كما يُتلى القرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة.
- قال الشافعي: (كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} ).
6-ج: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
- إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنّة رجعنا إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم
- الصحابة أعلم الناس بالقرآن لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
- علماء الصحابة وكبراؤهم لهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس.
علم ابن مسعود رضي الله عنه بتفسير القرآن
- قال ابن مسعود: (
والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته). رواه ابن جرير.
- وقال ابن مسعود أيضاً: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن).
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا).
علم ابن عباس رضي الله عنهما بتفسير القرآن
- دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)).
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (نعم ترجمان القرآن ابن عباس). رواه ابن جرير وصحّحه ابن كثير وقال: (وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود رضي الله عنه؟!!).
- وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف عليٌّ عبدَ الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.
7: حكم رواية الإسرائيليات
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري.
- كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
- الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد.
7-أ: أقسام الإسرائيليات
- الإسرائيليات على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
7-ب: من أسباب اختلاف المفسّرين اختلاف الأخبار المرويّة عن بني إسرائيل
قال ابن كثير: (ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم ).
7-ج: حكم نقل الخلاف عن بني إسرائيل
- قال ابن كثير: (نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22]).
- اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما.
- ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
7-د: أصول وآداب حكاية الخلاف في المسائل العلمية
- أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم.
- من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا.
- مَن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ.
- مَن نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.
8: تفسير القرآن بأقوال التابعين
- قال ابن كثير: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة؛ فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين).
- من أئمة التابعين في التفسير: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية الرياحي، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم.
- إذا أجمع التابعون على تفسير فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم.
- من أقوال التابعين في التفسير أقوال فيها تنوّع في الدلالة على المراد ويقع بسبب ذلك تباين في الألفاظ وهي ترجع إلى معنى واحد في حقيقة الأمر ؛ فقد يظنّها الظان اختلافاً وليست كذلك.
- بيان ذلك: أن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من المواضع.
9: علم مجاهد بن جبر بالتفسير
- قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها). رواه ابن إسحاق.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله).

- قال ابن كثير: (ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).
10: هل تفسير التابعي حجّة؟
- قال شعبة بن الحجاج وغيره: (أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟)

- قال ابن كثير: (يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة).
11: حكم التفسير بالرأي
- تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام.

- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)). رواه الترمذي والنسائي وابن جرير.
- عن جندب بن جنادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ)). رواه أبو داوود والترمذي والنسائي، وفي لفظ لهم: ((من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ)).
- قال ابن كثير: (لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه).
12: تحرّج بعض السلف عن التفسير خشية القول فيه بغير علم
- قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم؟!).
- عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها). رواه ابن جرير وقال ابن كثير: (إسناده صحيح).

- قال عبيد الله بن عمر: (لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع). رواه ابن جرير.
- قال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة يعني السلماني عن آية من القرآن فقال: (ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد).
- قال مسروق بن الأجدع: (اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله). رواه أبو عبيد.
- قال إبراهيم النخعي: (كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه). رواه أبو عبيد.
- وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: (إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن).
- عن يزيد بن أبي يزيد قال: (كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع).

13: توجيه الآثار المرويّة عن بعض السلف في التحرّج من التفسير
- قال ابن كثير: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد).

- كما يجب سكوت المرء عما لا علم له به، فكذلك يجب عليه القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).
14: تنبيه على ضعف حديث في التفسير النبوي
- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعددٍ علَّمهن إياه جبريل عليه السلام). رواه ابن جرير.
- قال عنه ابن كثير: (حديث منكر غريب).
- وجّه ابن جرير هذا الحديث بأنّه محمول على ما لا يُعلم إلا بالتوقيف من أمور الغيب مما علّمه إيّاه جبريل.
- قال ابن كثير: (وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث؛ فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، كما صرح بذلك ابن عباس).
- عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله). رواه ابن جرير.


المقصد الثاني: بيان فضل القرآن
ذكر ابن كثير رحمه الله تحت هذا المقصد جملة من المسائل والأدلة هذا تلخيصها.
1: هيمنة القرآن على ما قبله من الكتب
قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
- عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: (المهيمن: الأمين). قال: (القرآن أمين على كل كتاب قبله). وفي رواية: (شهيدا عليه). رواه ابن جرير وعلقه البخاري.
- وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.
- قال ابن كثير: (وبنحو ذلك قال مجاهد والسدي وقتادة وابن جريج والحسن البصري وغير واحد من أئمة السلف).
- أصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه.

- قدم ابن كثير الفضائل قبل التفسير وذكر فضل كل سورة قبل تفسيرها ليكون ذلك باعثا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه.
2: الأحاديث الواردة في فضل القرآن
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)). رواه البخاري.
- في هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء؛ لأنها معجزة باقية مؤثّرة.
- عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنها ستكون فتنة)) فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟
قال: (( كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)). رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وفي إسناده الحارث الأعور متكلّم فيه، قال ابن كثير: (قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث).
- قال ابن كثير: (وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم).
- عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)). رواه أبو عبيد، وفي إسناده مقال.

3: من فضائل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله
- من فضل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، قال الله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
- تحدّى الله العرب أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا وهو أهل الفصاحة والبلاغة ؛ قال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}
4: مدّة نزول الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة وابن عباس قالا: (لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) رواه البخاري والنسائي.
- قال ابن كثير: (أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه، وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح).
- يحتمل أنه حذف ما زاد على العشرة اختصارا في الكلام على عادة العرب في حذف الكسور، أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل به عليه السلام ؛ لما روى الإمام أحمد أنه قرن به ميكائيل في ابتداء الأمر يلقي إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به جبريل.
- ابتُدئ نزول القرآن في مكان شريف وهو البلد الحرام، وفي زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان.

5: الملَك الموكّل بنزول الوحي
- قال معتمر بن سليمان: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل، أو كما قال.
قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام).
- جبريل عليه السلام ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} ، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون} الآيات.

6: تتابع الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن ابن شهاب الزهري قال: (أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد). رواه البخاري ومسلم.
- تابع الله نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه.
- فتر الوحي بعد نزول: {اقرأ باسم ربك} واختلف في مدة هذه الفترة حتى قيل إنها قريب من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع.
- أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم فأنذر}.
- عن جندب بن عبد الله البجلي قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} ). رواه البخاري ومسلم.
- في الحديث دلالة على محبّة الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وعنايته به إذ جعل الوحي عليه متتابعاً.
- إنما أنزل القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.

7: شدّة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
- روى البخاري حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فذكر الحديث الذي سأل عمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب وعليه جبة، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم فجئه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أي: تعال، فجاء يعلى، فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه، فقال: ((أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟)) فذكر أمره بنزع الجبة وغسل الطيب.

8: معرفة المكّي والمدنيّ
- القرآن منه مكّي ومدني؛ فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء أكان بالمدينة أم بغيرها من البلاد، حتى ولو كان بمكة أو عرفة.
- أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر.

- أراد بعض العلماء ضبط الفروق بين المكّي والمدني بضوابط كليّة، وفيما ذكروه عًسرٌ ونظر.
- قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية.
- وقال علقمة: (كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة) رواه أبو عبيد.
- وقال ميمون بن مهران: (ما كان في القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني). رواه أبو عبيد.
- قال بعض العلماء بتكرر نزول بعض السور مرّة بمكة ومرّة بالمدينة.
- بعض العلماء يقول بالاستثناء في بعض السور؛ فيستثني من بعض السور المكيّة آيات يدّعي أنها من المدني.
- الصواب أن تمييز المكيّ من المدني يرجع فيه إلى ما دلّ عليه الدليل الصحيح.
- قال علي بن أبي طلحة: (نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و{يا أيها النبي لم تحرم} والفجر، {والليل إذا يغشى} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {لم يكن الذين كفروا} و {إذا زلزلت} و {إذا جاء نصر الله} وسائر ذلك بمكة).
- ذكر علي بن أبي طلحة في المدني سورا في كونها مدنية نظر، وفاته الحجرات والمعوذات.

9: نزول القرآن باللسان العربي
- قال الله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}، وقال تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.
- عن أنس بن مالك قال: (فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: (إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم) ففعلوا). رواه البخاري.
- عن جابر بن سمرة، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف). رواه ابن أبي داوود، وقال ابن ثير: (هذا إسناد صحيح).
- عن عبد الله بن فضالة قال: (لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال: (إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر). رواه البخاري.
- قال البخاري: (نزل القرآن بلسان قريش والعرب، {قرآنا عربيا}، {بلسان عربي مبين}).
- القرآن نزل بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب
10: نزول السكينة والملائكة عند القراءة
- قال الله تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم .
- عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)). رواه البخاري ومسلم.

- عن أسيد بن الحضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)). رواه البخاري معلّقاً.
- عن أسيد بن حضير أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت..) رواه أبو عبيد. ، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.
- عن أسيد بن حضير قال: قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ". رواه أبو عبيد.

11: القرآن أعظم إرث النبي صلى الله عليه وسلم
- عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين).
قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين). تفرد به البخاري.
- معناه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرّث شيئاً من الدنيا، وإنما ترك لنا القرآن، والسنّة مفسّرة للقرآن مبيّنة له.
- قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا).
- وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))

12: فضل القرآن على سائر الكلام - عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)). رواه البخاري.
- طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما؛ فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.
- كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه.

13: الوصايا بكتاب الله
- قال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( لا )؛ فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أُمروا بها ولم يوص؟ قال: (أوصى بكتاب الله عز وجل). رواه البخاري.
- المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الناس باتّباع كتاب الله عز وجل.
- النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا من الدنيا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك.

- لم يوصِ النبي صلى الله عليه وسلم إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ لحديث ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).
14: معنى التغنّي بالقرآن وفضل حسن الصوت بالقرآن
- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))، وقال صاحب له: يريد يجهر به. رواه البخاري.
- قال حرملة: (سمعت ابن عيينة يقول: معناه: (يستغني به) فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به).
- قال ابن كثير: (معناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك).
- عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)). رواه ابن ماجة بسند جيّد.
- الله تعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم لكن استماع الله لقراءة النبي والمؤمنين استماع تشريف.
- عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العقل)). رواه أبو عبيد، وفي رواية له: ((واقتنوه وتغنوا به)) ولم يشك، وهكذا رواه أحمد والنسائي.
- عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون))
- قال ابن كثير: (وهذا مرسل).
- قال أبو عبيد: (قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم).
- عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)) رواه أبو عبيد وابن ماجة.
- قال أبو عبيد: (يعني: الاستماع. وقوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لشيء)) أي: ما استمع).
- عن السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا)). رواه أبو القاسم البغوي.

- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). رواه أبو داوود.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)). رواه ابن ماجة.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال وكيع: يعني: يستغنى به). رواه أحمد.
- قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجل رث البيت، رث الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع). رواه أبو داود.
- قال ابن كثير: (فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله).
- واستدلّ لذلك بحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)). رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه.
- المراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه وتحزينه والتخشع به،
- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا). رواه مسلم.
- قال ابن كثير: (والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه).

15: من عُرف بحسن الصوت من الصحابة
- عن أبي سلمة قال: (كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه أبو عبيد.
- قال أبو عثمان النهدي: (كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته).
- عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
- عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه). متفق عليه.

- أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب.
16: أحسن الناس صوتاً بالقرآن أخشاهم لله
قال طاووس بن كيسان: (أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله). رواه أبو عبيد.
- عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله)) ". رواه أبو عبيد.
17: تحسين الصوت بالقرآن وحكم القراءة بالألحان
- قال ابن كثير: (المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك).
- عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). رواه أبو عبيد.
- عن عُلَيم قال: (كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين). رواه أبو عبيد.
- قال ابن كثير: (وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه).

18: اغتباط صاحب القرآن
- عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)). رواه البخاري.
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل". رواه البخاري ومسلم.

- ينبغي أن يكون صاحب القرآن شديد الاغتباط بما هو فيه، وينبغي لغيره أن يغبطه على ذلك بأن يتمنّى مثل ما هو فيه من النعمة.
- الغبطة غير الحسد المذموم الذي هو تمنّي زوال النعمة.
- ورد في فضل الغبطة أحاديث من أصحّها حديث أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)). رواه الإمام أحمد ، وقال ابن كثير: (إسناد صحيح).

19: فضل من تعلَّم القرآن وعلمه
-قال سعد بن عبيدة: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم من رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه).
- من شأن خيار الأبرار أن يكمل المرء نفسه ويسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} .

- ومن شأن الفجار أنهم لا ينتفعون بالهدى، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع به، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب}، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه}، في أصح قولي المفسرين في هذا.
20: تزويج الخاطب بما معه من القرآن
- عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)). متفق عليه.
- في رواية لمسلم: (فعلّمها)، وهذا سبب إيراد البخاري لهذا الحديث بعد حديث : ( خيركم من تعلّم القرآن القرآن وعلّمه).

21: وصايا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقرآن
- قال ابن كثير: (وهكذا أذكر آثارا مروية عن ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود أحد قراء القرآن من الصحابة المأمور بالتلاوة على نحوهم).
- قال ابن مسعود: (كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض). رواه الطبراني.
- وقال: (من أراد العلم فليثوّر من القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين).
- وقال: (إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع).
- وقال: (أعربوا هذا القرآن فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم).
- وقال: (أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر).
وقال: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم.

قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟
قال: (يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء) ، وفي رواية: (لا يبقى في مصحف منه شيء، ويصبح الناس فقراء كالبهائم). ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} ). رواه عبد الرزاق.
- وقال: (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز). رواه الطبراني.
- عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: (إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي)
.
المقصد الثالث :عرض عرض لتاريخ جمع القرآن وكتابة المصاحف
1: معارضة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالقرآن
- عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي.
-عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
-عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"
المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة
- مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى، ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا
- لهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك
تخصيص رمضان من بين الشهور
لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن
2: القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
عبد الله بن مسعود
حدثنا شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك.
حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.
حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.
-ادلة جمع القرآن من الانصار
حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام.
حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
- الدليل على أن من جمع القرآن من المهاجرين
أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم.
ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة , وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل،. ومنهم عبد الله بن مسعود, ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا. ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن،
قال مجاهد: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو. عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)).

3: جمع القرآن قبل خلافة عثمان رضي الله عنه
عن أنس قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة؛ أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه.
قال ابن كثير : من المهاجرين جماعة كانوا يجمعون القرآن كالصديق، وابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم.
جمع القرآن في عهد أبو بكرقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم.
-جمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، رضي الله عنه وأرضاه.
- عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن
-كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هو الذي تنبه لذلك لما استحر القتل بالقراء
-فلهذا أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن؛ لئلا يذهب منه شيء بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال، فإذا كتب وحفظ صار ذلك محفوظا فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته، فراجعه الصديق قليلا ليستثبت الأمر، ثم وافقه، وكذلك راجعهما زيد بن ثابت في ذلك ثم صارا إلى ما رأياه، رضي الله عنهم أجمعين
-عمر لما جمع القرآن كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان.
شهادة خزيمة بن ثابت بشهادتين
قال زيد بن ثابت: وجدت آخر سورة التوبة، يعني قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128، 129]، مع أبي خزيمة الأنصاري، وفي رواية: مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين في قصة الفرس التي ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، فأنكر الأعرابي البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي. والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور
فائدة حفظ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كتاب الله في المصحف

من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه
4:جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن
قال البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، التمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف.
ترتيب السور في المصحف في عهد عثمان
قدم السبع الطوال وثنى بالمئين؛ ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم
حكم ترتيب السور
ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، رضي الله عنه، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية}، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة}، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران.
ارسال المصاحف الي الآفاق
ارسل مصحفا إلى أهل مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا
وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق، وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم
حرق عثمان المصاحف
قال علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف
حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف -أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم.
كتابه المصاحف في عهد عثمان
عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، وكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فقلت لكثير -وكان فيهم فيمن يكتب- : هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله. صحيح أيضا.
قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، لأنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان، كما رواه أبو بكر بن أبي داود:
حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.

5:تأليف القرآن وترتيبه
حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.
- ترتيب الآيات في السور
أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لهذا لم ترخص له عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور
-ترتيب السور
قول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه، عليه السلام، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران.
وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان، رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.
6:نقط المصحف وشكله وتقسيمه
إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك، ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.
كتابة الأعشار
كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا، وقيل: بل أول من فعله المأمون، وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا. وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
تنقيط المصحف
قال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
المقصد الرابع : بيان معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
1:نزول القرآن على سبعة أحرف
عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).
ادله نزول القرآن علي سبعة احرف
عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). إسناده صحيح.
قال ابن كثير : وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين}
-عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية؛ الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني، الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).
-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة)). وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب، عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة به، وزاد في آخره كقولك: ((هلم وتعال)).
-عن أبي هريرة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على سبعة أحرف، مراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما علمتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)). ورواه النسائي عن قتيبة عن أبي ضمرة أنس بن عياض به.
-عن أبي جهيم الأنصاري؛ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلاقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أبو جهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا، فإن مراء فيه كفر))
-عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
معني نزول القرآن علي سبعة احرف
عنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض، وذلك بين في أحاديث تترى، قال: وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
2:معنى الأحرف السبعة
اختلف العلماء في المراء بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ونحن نذكر منها خمسة أقوال.
فالأول- وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.
القول الرابع: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".
القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.
3:وجة الاختلاف بين القراءات السبع والاحرف السبع
قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.
المقصد الخامس :بيان آداب تلاوة القرآن وأحكامها
1: وجوب الإخلاص في تلاوة القرآن
- من راءى بقراءة القرآن أو تَأكَّل به أو فجر به
عن سويد بن غفلة، قال: قال علي، رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)).
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق)).
عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مر)).
2: فضل تلاوة القرآن
- كتاب الجامع لأحاديث شتى تتعلق بتلاوة القرآن وفضائله وفضل أهله
عن أبي سعيد قال: قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)).
عن أبي سعيد أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: ((ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؛ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله، ولا يرعوي إلى شيء منه)).
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين)).
عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره)).
عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا قوم يقرؤون القرآن فقال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله -عز وجل- من قبل أن يأتي بقوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)).
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)).
عن ابن عباس مرفوعا: ((أشرف أمتي حملة القرآن)).
عن ابن عباس قال: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: ((الحال المرتحل)). قال: يا رسول الله، ما الحال المرتحل؟ قال: ((صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، وفي آخره حتى يبلغ أوله))
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت)).
عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)).
عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)).
عن فضالة بن عبيد، وتميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار، والقنطار خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك، عز وجل: اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول ربك: اقبض، فيقول العبد بيده: يا رب أنت أعلم. فيقول: بهذه الخلد وبهذه النعيم)).
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن القرآن جعل في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق)).
عن عقبة بن عامر مرفوعا: ((من تعلم القرآن ثم تركه فقد عصاني)).
3: فضل حفظ القرآن
القراءة عن ظهر قلب
حديث أبي حازم عن سهل بن سعد، الحديث الذي تقدم الآن، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).
فضيلة التلاوة في المصحف
صرح كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة، كما صرح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه، واستدلوا على فضيلة التلاوة في المصحف بما رواه الإمام العلم أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن حيث قال:
حدثنا نعيم بن حماد، عن بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن سليمان بن مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظهرا، كفضل الفريضة على النافلة)) وهذا الإسناد ضعيف فإن معاوية بن يحيى هو الصدفي أو الأطرابلسي، وأيهما كان فهو ضعيف.

وقال الثوري عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف.
وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس، عن عمر: أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه.
وقال حماد أيضا: عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن مسعود: أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف، فقرؤوا، وفسر لهم. إسناد صحيح.
وقال حماد بن سلمة: عن حجاج بن أرطاة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ. وقال الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف فقال: هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة.
ايهما اصح القراءة عن ظهر قلب ام النظر في المصحف
قال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع في القراءة، فإن كان الخشوع عند القراءة على ظهر القلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى؛ لأنها أثبت وتمتاز بالنظر في المصحف قال الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله، في التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.
التعليق علي حديث البخاري القراءة عن ظهر قلب
إن كان البخاري، رحمه الله، أراد بذكر حديث سهل للدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها في المصحف، ففيه نظر؛ لأنها قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن، إذ لو دل هذا لكان ذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاوته عن ظهر قلب -لأنه أمي لا يدري الكتابة- أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده.
الثاني: أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب؛ ليمكنه تعليمها لزوجته، وليس المراد هاهنا: أن هذا أفضل من التلاوة نظرا، ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم.
استذكار القرآن وتعاهده
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار، كمثل رجل له إبل، فإن عقلها حفظها، وإن أطلق عقالها ذهبت، فكذلك صاحب القرآن))
عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).
عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)).
عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل، وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة يلقاه وهو أجذم)).
وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه: 124- 126]، وهذا الذي قاله هذا -وإن لم يكن هو المراد جميعه- فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير وتفريط شديد، نعوذ بالله منه؛ ولهذا قال عليه السلام: ((تعاهدوا القرآن))، وفي لفظ: ((استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).
ولهذا قال إسحاق بن راهويه وغيره: يكره لرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن، كما أنه يكره له أن يقرأ في أقل من ثلاثة أيام
-نسيان القرآن
عن عائشة قالت: لقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا من سورة كذا)
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: ((يرحمه الله، فقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا))
وفي هذا الحديث -والذي قبله- دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص، وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: ((بل هو نسي))
مبني لما لم يسم فاعله، وأدب -أيضا- في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: 24] وهو، والله أعلم، من باب المجاز السائغ بذكر المسبب وإرادة السبب؛ لأن النسيان إنما يكون عن سبب قد يكون ذنبا، كما تقدم عن الضحاك بن مزاحم، فأمر الله تعالى بذكره ليذهب الشيطان عن القلب كما يذهب عند النداء بالأذان، والحسنة تذهب السيئة، فإذا زال السبب للنسيان انزاح، فحصل الذكر لشيء بسبب ذكر الله تعالى، والله أعلم.
ذكر الدعاء المأثور لحفظ القرآن وطرد النسيان والتكلم في ضعفه
عن ابن عباس قال: "قال علي بن أبي طالب: يا رسول الله، القرآن يتفلت من صدري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع من علمته)). قال: قال: نعم بأبي وأمي، قال: ((صل ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله واثن عليه، وصل على النبيين، واستغفر للمؤمنين، ثم قل: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، وأسألك أن تنور بالكتاب بصري، وتطلق به لساني، وتفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وتستعمل به بدني، وتقويني على ذلك وتعينني على ذلك فإنه لا يعينني على الخير غيرك، ولا يوفق له إلا أنت، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط)). فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم. كذا قال، وقد تقدم من غير طريقه. ورواه الحاكم في مستدركه من طريق الوليد، ثم قال: على شرط الشيخين ولا شك أن سنده من الوليد على شرط الشيخين حيث صرح الوليد بالسماع من ابن جريج، فالله أعلم -فإنه في المتن غرابة بل نكارة والله أعلم.
4: ترتيل القرآن وتجويد تلاوته
الترتيل في القراءة
قول الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]، وقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]، يكره أن يهذ كهذ الشعر، يفرق: يفصل، قال ابن عباس: {فرقناه}: فصلناه.
عن أبي وائل، عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القراءات التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم.
عن عائشة أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون القرآن في الليل مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه.
عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).
مدّ القراءة والترجيع
عن قتادة قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. انفرد به البخاري من هذا الوجه
عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته؛ بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وهكذا.
الترجيع
الترجيع:هو الترديد في الصوت
عن أبو إياس قال:قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته -أو جمله- وهي تسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع.
-حسن الصوت بالقراءة والاستماع من الغير وقول حسبك للقارئ
حسن الصوت بالقراءة
عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن أبي يحيى الحماني -واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن- وقال: حسن صحيح.
من أحب أن يسمع القرآن من غيره
عن عبد الله قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن)). قلت: عليك أقرأ وعليك أنزل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) ".
قول المقرئ للقارئ: حسبك
عن عبد الله قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). فقلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم))، فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه، من رواية الأعمش به ووجه الدلالة ظاهر
5: أحكام متفرّقة في تلاوة القرآن
- القراءة على الدابة وتعليم الصبيان القرآن
عن عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح".وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة سوى ابن ماجة من طرق، عن شعبة، عن أبي إياس، وهو معاوية بن قرة به وهذا -أيضا- له تعلق بما تقدم من تعاهد القرآن وتلاوته سفرا وحضرا، ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارئ في الطريق، وقد نقله ابن أبي داود عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ في الطريق، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن في ذلك، وعن الإمام مالك أنه كره ذلك، كما قال ابن أبي داود: وحدثني أبو الربيع، أخبرنا ابن وهب قال سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل، فيخرج إلى المسجد، وقد بقي من السورة التي كان يقرأ منها شيء، فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق.
تعليم الصبيان القرآن
عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم.
عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال: "المفصل".انفرد بإخراجه البخاري
- فصل هل يقول: (سورة كذا)
عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه)).
عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا)).
وهكذا في الصحيحين عن ابن مسعود: أنه كان يرمي الجمرة من الوادي ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وكره بعض السلف ذلك، ولم يروا إلا أن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا وكذا
عن عثمان أنه قال: إذا نزل شيء من القرآن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، ولا شك أن هذا أحوط وأولى، ولكن قد صحت الأحاديث بالرخصة في الآخر، وعليه عمل الناس اليوم في ترجمة السور في مصاحفهم
- في كم يقرأ القرآن؟ والبكاء عند القراءة
عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).
عن محمد بن ذكوان -رجل من أهل الكوفة- قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول: كان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة.
وعن حجاج، عن شعبة، عن أيوب: سمعت أبا قلابة، عن أبي المهلب قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.
وحدثنا علي بن عاصم، عن خالد، عن أبي قلابة قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.
وكان تميم الداري يختمه في كل سبع، وحدثنا هشيم، عن الأعمش، عن إبراهيم: أنه كان يختم القرآن في كل سبع.
وحدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست، وكان علقمة يختمه في كل خمس.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).
البكاء عند القراءة
عن عبيدة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري)). قال: فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال لي: ((كف أو أمسك))، فرأيت عيناه تذرفان ".

- معنى حديث: (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم...)
عن جندب بن عبد الله، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه)).
ومعنى الحديث أنه، عليه السلام، أرشد وحض أمته على تلاوة القرآن إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته، متفكرة فيه، متدبرة له، لا في حال شغلها وملالها، فإنه لا يحصل المقصود من التلاوة بذلك كما ثبت في الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وقال: ((أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل))، وفي اللفظ الآخر: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل))
المقصد السادس :ذكر فوائد متفرّقة في علوم القرآن الكريم
1:المكي والمدني، وعدد كلمات القرآن وحروفه، والتحزيب والتجزئة
عن قتادة قال: "نزل في المدينة من القرآن البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وبراءة، والرعد، والنحل، والحج، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والرحمن، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة والمنافقون، والتغابن، والطلاق، ويا أيها النبي لم تحرم، إلى رأس العشر، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله. هؤلاء السور نزلت بالمدينة، وسائر السور نزل بمكة".
عدد آيات القرآن العظيم كلماته و حروفه
عدد آيات القرآن العظيم فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال، فمنهم من لم يزد على ذلك، ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات، وقيل: وأربع عشرة آية، وقيل: ومائتان وتسع عشرة، وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية، أو ست وعشرون آية، وقيل: مائتان وست وثلاثون آية. حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان.
وأما كلماته، فقال الفضل بن شاذان، عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.
وأما حروفه، فقال عبد الله بن كثير، عن مجاهد: هذا ما أحصينا من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفا.
وقال الفضل، عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا.
التحزيب والتجزئة
فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها، وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث وخمس وسبع وتسع وأحد عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل حتى تختم.
2:معنى السورة والآية والكلمة
معنى السورة
واختلف في معنى السورة: مم هي مشتقة؟ فقيل: من الإبانة والارتفاع.
وقيل: لشرفها وارتفاعها كسور البلدان. وقيل: سميت سورة لكونها قطعة من القرآن وجزءا منه، مأخوذ من أسآر الإناء وهو البقية، وعلى هذا فيكون أصلها مهموزا، وإنما خففت الهمزة فأبدلت الهمزة واوا لانضمام ما قبلها. وقيل: لتمامها وكمالها لأن العرب يسمون الناقة التامة سورة.
قلت: ويحتمل أن يكون من الجمع والإحاطة لآياتها كما يسمى سور البلد لإحاطته بمنازله ودوره.
وجمع السورة سور بفتح الواو، وقد تجمع على سورات وسورات.
معني الآية
فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالها، أي: هي بائنة عن أختها ومنفردة. قال الله تعالى: {إن آية ملكه}
وقيل: لأنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم
وقيل: سميت آية لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها.
قال سيبويه: وأصلها أيية مثل أكمة وشجرة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصارت آية، بهمزة بعدها مدة.
وقال الكسائي: أصلها آيية على وزن آمنة، فقلبت ألفا، ثم حذفت لالتباسها.
وقال الفراء: أصلها أيّة -بتشديد الياء- الأولى فقلبت ألفا، كراهة التشديد فصارت آية، وجمعها: آي وآياي وآيات.
معني الكلمة
اللفظة الواحدة، وقد تكون على حرفين مثل: ما ولا وله ونحو ذلك، وقد تكون أكثر. وأكثر ما تكون عشرة أحرف مثل: {ليستخلفنهم} [النور: 55]، و {أنلزمكموها} [هود: 28]، {فأسقيناكموه} [الحجر: 22]، وقد تكون الكلمة الواحدة آية، مثل: والفجر، والضحى، والعصر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم -في قول الكوفيين- وحم، عسق عندهم كلمتان. وغيرهم لا يسمي هذه آيات بل يقول: هي فواتح السور. وقال أبو عمرو الداني: لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى: {مدهامتان} بسورة الرحمن.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2 شعبان 1436هـ/20-05-2015م, 07:52 PM
الصورة الرمزية أم البراء آدم
أم البراء آدم أم البراء آدم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 225
افتراضي

مقّدمة تفسير ابن كثير
المقصد الكلي : فضل القرآن و عرض لتاريخ جمع القرآن و معنى نزول القرآن على سبعة أحرف و بيان آداب تلاوة القرآن

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 شعبان 1436هـ/26-05-2015م, 12:36 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم البراء آدم مشاهدة المشاركة
المقصد الكلي للكتاب :فضل القرآن و فضل قراءة القرآن و إكرام حامل القرآن وآداب حامل القرآن و آداب الناس كلهم مع القرآن و آداب كتابة القرآن آداب معلم القرآن و المتعلم و الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
أحسنتِ أختي الفاضلة ، ولكن من الأفضل صياغة العبارة بشكل يبين ترابط عباراتها.

مثلا :
اقتباس:
بيان آداب حامل القرآن عامة مع القرآن وفي نفسه ومع غيره ، وآداب معلمه ومتعلمه ، وبيان فضل حامل القرآن وما يجب على المسلم تجاه القرآن وتجاه حامله ، وبيان السور والآيات التي يستحب قراءتها في أوقات مخصوصة وآداب كتابة المصحف وصور إكرامه.
- قدمتُ آداب حامل القرآن لأنها المقصد الأساسي من الكتاب كما بين المؤلف ذلك في الباب السادس ، وبينت واجب المسلم تجاه القرآن لأن المؤلف بين ذلك في الباب السابع ، ثم عطفتُ عليه واجبه تجاه حامل القرآن وإن كان المؤلف بين ذلك في أول الكتاب ، لكن من أجل الصياغة أخرتها.

درجة المقصد الكلي :
9.5 / 10
بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 شعبان 1436هـ/26-05-2015م, 01:23 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم البراء آدم مشاهدة المشاركة
المقصد الكلي للكتاب :فضل القرآن و فضل قراءة القرآن و إكرام حامل القرآن وآداب حامل القرآن و آداب الناس كلهم مع القرآن و آداب كتابة القرآن آداب معلم القرآن و المتعلم و الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
المقاصد الفرعية للكتاب :
1: بيان فضل القرآن، وفضل تعلّمه وتلاوته وتعليمه، وفضل أصحاب القرآن.
2: : فضل قراءة القرآن وفضل قارئ القرآن على غيره في أمور الدين
3: إكرام حامل القرآن و صور إكرام أهل القرآن والنهي عن أذية أهل القرآن
4: آداب معلم القرآن وتعامله مع متعلمه وآداب المتعلم
5: آداب حامل القرآن
6: : بيان آداب تلاوة القرآن.
7: آداب الناس كلهم مع القرآن
8: الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
9: آداب كتابة القرآن ، وصور إكرام المصاحف

التلخيص :
المقصد الأول: بيان فضل القرآن، وفضل تعلّمه وتلاوته وتعليمه، وفضل أصحاب القرآن.
●بيان فضل القرآن
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعي القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر)) رواه الدارمي.
● بيان فضل تعلّم القرآن وتعليمه
- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري.
- قال الحميدي الجمالي: سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال: "يقرأ القرآن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))".
●بيان فضل تلاوة القرآن
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {ألم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يقول سبحانه وتعالى: [من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين] وفضل كلام الله سبحانه وتعالى عن سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
●بيان فضل صاحب القرآن
- قال الله عز وجل: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب)) رواه البخاري ومسلم.
- وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا)) رواه أبو داود.
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذّب قلباً وعى القرآن)) رواه الدارمي.
فضل الماهر بالقرآن، وبيان ثواب الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) رواه البخاري وأبو الحسين مسلم بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحهما.
رفعة أهل القرآن في الدنيا والآخرة
- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين)) رواه مسلم.
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
شفاعة القرآن لأصحابه يوم القيامة
- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)) رواه مسلم.
غبطة صاحب القرآن
- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في إثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) رواه البخاري ومسلم.
ذمّ من ليس في جوفه شيء من القرآن
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح .
المقصد الثاني: فضل قراءة القرآن وفضل قارئ القرآن على غيره في أمور الدين
●فضل قراءة القرآن
قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار
●فضل قارئ القرآن على غيره في أمور الدين
عن ابن [ أبي ] مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى)) رواه مسلم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا وشبابا) رواه البخاري في صحيحه. [ تقديمه في المجالس والمشاورة من أمور الدنيا ، فإما أن تعدلي على صياغة المسألة لتشمل أمور الدنيا وإما أن تضيفي مسألة أخرى وتضعي تحتها هذا الحديث ]
المقصد الثالث :إكرام حامل القرآن و صور إكرام أهل القرآن والنهي عن أذية أهل القرآن
●إكرام أهل القرآن من تعظيم شعائر الله
قال الله عز وجل: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}
وقال الله تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}
●إكرام حامل القرآن [ أكملي المسألة بما يوضح ما تحتها ، مثلا : إكرام حامل القرآن من طاعة الله ]
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه أبو داود وهو حديث حسن.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم) رواه أبو داود في سننه، والبزار في مسنده
●صور إكرام أهل القرآن
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذا للقرآن؟))، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، رواه البخاري.
●النهي عن أذية أهل القرآن
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قال: [من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب])) رواه البخاري.
●خطر الوقوع في أعراض العلماء
قال الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله: "اعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يغشاه ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}".
المقصد الرابع :آداب معلم القرآن وتعامله مع متعلمه وآداب المتعلم
● اداب معلم القرآن
ينبغي أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال أو رياسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) رواه أبو داود بإسناد صحيح، ومثله أحاديث كثيرة.
-إخلاص المعلم
يحذر كل الحذر من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم، فإنه لو أراد الله بتعليمه لما كره ذلك، بل قال لنفسه: أنا أردت الطاعة بتعليمه وقد حصلت، وقد قصد بقراءته على غيري زيادة علم فلا عتب عليه.
وقد روينا [ هذا قول النووي ؛ لكن أنتِ تعيدي الصياغة فيكفي أن توردي الأثر وتقولي : رواه الدارمي في مسنده ] في مسند الإمام المجمع على حفظه وإمامته أبي محمد الدارمي رحمة الله عليه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: "يا حملة القرآن"، أو قال: "يا حملة العلم؛ اعملوا به فإنما العلم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى".
-اخلاق معلم القرآن
ينبغي للمعلم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخصال الحميدة والشيم المرضية التي أرشده الله إليها، من الزهادة في الدنيا والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر، والتنزه عن دنيئ المكاسب، وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الوظائف الشرعية كالتنظيف وتقليم بإزالة الأوساخ والشعور التي ورد الشرع بإزالتها كقص الشارب وتقليم الظفر وتسريح اللحية وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة، وليحذر كل الحذر من الحسد والرياء والعجب، واحتقار غيره وإن كان دونه.
وينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويحافظ على ذلك، وأن يكون تعويله في جميع أموره على الله تعالى.
أدب المعلم
يصون يديه في حال الإقراء عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويقعد على طهارة مستقبل القبلة ويجلس بوقار، وتكون ثيابه بيضا نظيفة، وإذا وصل إلى موضع جلوسه صلى ركعتين قبل الجلوس سواء كان الموضع مسجدا أو غيره، فإن كان مسجدا كان آكد فيه فإنه يكره الجلوس فيه قبل أن يصلي ركعتين, ومن آدابه المتأكدة وما يعتنى بحفظه: أن لا يذل العلم فيذهب إلى مكان ينسب إلى من يتعلم منه ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه عنه السلف رضي الله عنهم، وينبغي أن يكون مجلسه واسعا ليتمكن جلساؤه فيه، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير المجالس أوسعها)) رواه أبو داود في سنته، في أوائل كتاب الآداب بإسناد صحيح، من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[ لو لخصتِ ما أوردته تحت كل مسألة من هذه المسائل في نقاط لكان أفضل ]
● تعامل المعلم مع متعلمه
الإحسان للمتعلم
ينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه، وأن يرحب به ويحسن إليه بحسب حالهما.
فقد روينا عن أبي هرون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فيقول: "مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا))" رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.
إخلاص النصيحة للمتعلم
وينبغي أن يبذل لهم النصيحة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة؛ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم.
ومن النصيحة لله تعالى ولكتابه: إكرام قارئه وطالبه وإرشاده إلى مصلحته، والرفق به ومساعدته على طلبه بما أمكن، وتأليف قلب الطالب، وأن يكون سمحا بتعليمه في رفق متلطفا به ومحرضا له على التعلم.
وينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره له ما يكره لنفسه من النقص مطلقا.
فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
الرفق واللين مع المتعلم
وينبغي أن لا يتعاظم على المتعلمين، بل يلين إليهم ويتواضع لهم فقد جاء في التواضع لآحاد الناس أشياء كثيرة معروفة، فكيف بهؤلاء الذين هم بمنزلة أولاده، مع ما هم عليه من الاشتغال بالقرآن، مع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم إليه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه)).
تأديب المتعلم
ينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق الخفية، ويعوده الصيانة في جميع أموره الباطنة والجلية، ويحرضه بأقواله وأفعاله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات، ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات، ويعرفه أن لذلك تتفتح عليه أنوار المعارف، وينشرح صدره ويتفجر من قلبه ينابيع الحكم واللطائف، ويبارك له في علمه وحاله ويوفق في أفعاله وأقواله.
حكم التعليم
تعليم المتعلمين فرض كفاية، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين، وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم ببعضهم، فإن امتنعوا كلهم أثموا، وإن قام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين، وإن طلب من أحدهم وامتنع فأظهر الوجهين أنه لا يأثم، لكن يكره له ذلك إن لم يكن عذر
● أدب المتعلم
أن يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا سببا لا بد منه للحاجة، وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)).
ولا يتعلم إلا ممن تكلمت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته
أدبه مع رفاقه
وينبغي أيضا أن يتأدب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ، فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه، ويقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين، ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة، ولا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة، بل يكون متوجها إلى الشيخ مصغيا إلى كلامه.
أدبه مع شيخه
أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله واستيفازه سنة وروعه وغمه وفرحه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك، مما يشق عليه أو يمنعه من كمال حضور القلب والنشاط، وأن يغتنم أوقات نشاطه.
و أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ويتأول لأفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه، وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار إلى الشيخ وأظهر أن الذنب له والعتب عليه، فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة وإنقاء لقلب شيخ له.
حرصه علي العلم
أن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها، ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير، ولا يحمل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل، وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال. وينبغي أن يبكر بقراءته على الشيخ أول النهار، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).
المقصد الخامس : آداب حامل القرآن
●إجلال حامل القرآن للقرآن في نفسه
أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن، وأن يكون مصونا عن دني الاكتساب شريف النفس مرتفعا على الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعا للصالحين وأهل الخير والمساكين، وأن يكون متخشعا ذا سكينة ووقار، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: "يا معشر القراء! ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، فاستبقوا الخيرات لا تكونوا عيالا على الناس".
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصحته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".
- وعن الحسن بن علي رضي الله عنه، قال: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار". [ من رواه ؟ ]
- وعن الفضيل بن عياض، قال: "ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم"، وعنه أيضا، قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن".. [ من رواه ؟ ]
-النهي عن التكسب من القرآن
عن عبد الرحمن بن شبيل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه)). . [ من رواه ؟ ]
وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)) رواه بمعناه من رواية سهل بن سعد، معناه: يتعجلون أجره إما بمال وإما سمعة ونحوها.. [ من رواه ؟ ]
وعن فضيل بن عمرو رضي الله عنه، قال: دخل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا، فلما سلم الإمام، قام رجل فتلا آيات من القرآن ثم سأل، فقال أحدهما: إنا لله وإنا إليه راجعون، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيجيء قوم يسألون بالقرآن، فمن سأل بالقرآن فلا تعطوه))، وهذا الإسناد منقطع، [ من حكم على الإسناد بأنه منقطع ؟ إن كان النووي فتقولين : قال النووي : إسناده منقطع ..] فإن الفضل بن عمرو لم يسمع الصحابة.
-أقوال العلماء في أخذ الأجرة علي تعليم القرآن
هذه المسألة خلافية ؛ فنلخصها بالطريقة المعتادة :
القول الأول : .... قال به .....
وحجتهم :
القول الثاني : مثله
ثم الراجح : ........ لـ .....


- فحكى[ حكى ] الإمام أبو سليمان الخطابي منع أخذ الأجرة عليه من جماعة من العلماء منهم الزهري وأبو حنيفة،
- وعن جماعة أنه يجوز إن لم يشترطه، وهو قول الحسن البصري والشعبي وابن سيرين،
- وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون إلى جوازها إن شارطه واستأجره إجارة صحيحة، وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة.
واحتج من منعها بحديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن، فأهدى له قوسا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها))، وهو حديث مشهور رواه أبو داود وغيره، وبآثار كثيرة عن السلف.
وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين:
أحدهما: أن في إسناده مقالا.
والثاني: أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم، والله أعلم.
- التعهد بالقرآن والتحذير من تعريضة للنسيان
ثبت عن أبي موسى الأشرعي يا [ الأشعري ] رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها)) رواه البخاري ومسلم.
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)) رواه مسلم والبخاري.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود والترمذي وتكلم فيه.
- وعن سعد بن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم)) رواه أبو داود والدارمي.
●ختم القرآن
-هدي السلف في ختم القرآن
فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال، وعن الأكثرين في كل سبع ليال، وعن بعضهم في كل ست، وعن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثا، وختم بعضهم ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار.
فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون.
ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه.
-ختم القرآن في الصلاة
أما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم؛ فمن المتقدمين: عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم، ختمة في كل ركعة في الكعبة.
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون؛ نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.
-ختم القرآن في الاسبوع
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون؛ نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.
كراهية الختم في يوم وليلة
كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، والله أعلم.
-وقت الابتداء والختم
روى أبو داود أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفتتح القرآن ليلة الجمعة ويختمه ليلة الخميس.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره.
وروى ابن أبي داود عن عمر بن مرة التابعي، قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل أو من أول النهار.
وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل، قال: "من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح"، وعن مجاهد نحوه.
وروى الدارمي في مسنده، بإسناده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: "إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإذا وافق ختمه آخر الليل صلت عليه الملائكة حتى يمسي"، قال الدارمي: هذا حسن من سعد.
[ فاتكِ بيان اختيار النووي للمدى التي يختم فيها حامل القرآن القرآن وهي لب هذا المقصد ]
●المحافظة على القراءة بالليل
قال الله تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}.
- وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)).
- وفي الحديث الآخر من الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عبد الله! لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه)).
- وروى الطبراني وغيره، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((شرف المؤمن قيام الليل))، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة.
- وقد جاء عن أبي الأحوص الحبشي، قال: "إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقا -أي: يأتيه ليلا- فيسمع لأهله دويا كدوي النحل"، قال: "فما بال هؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون".
- وعن إبراهيم النخعي، كان يقول: "اقرؤوا من الليل ولو حلب شاة".
- وعن يزيد الرقاشي، قال: "إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي".
قلت: وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات روى والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل، فإن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلا، وحديث: ((ينزل ربكم كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، فيقول: [هل من داع فأستجيب له])) الحديث.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في الليل ساعة يستجيب الله فيها الدعاء كل ليلة)).
- بيان فضيلة إطالة القراءة بقيام الليل.
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقسطين)) رواه أبو داود وغيره.
-النوم عن ورد القرآن
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنه قرأه من الليل)) رواه مسلم.
- وعن سليمان بن يسار، قال: قال أبو أسيد رضي الله عنه: "نمت البارحة عن وردي حتى أصبحت فلما أصبحت استرجعت وكان وردي سورة البقرة فرأيت في المنام كأن بقرة تنطحني" رواه ابن أبي داود.

المقصد السادس : بيان آداب تلاوة القرآن.
●الإخلاص في قراءة القرآن
يجب على القارئ الإخلاص كما قدمناه، ومراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه.
●آداب قراءة القرآن
-استعمال السواك
وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره، والاختيار في السواك: أن يكون بعود من أراك، ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة والأشنان وغير ذلك،ويستاك عرضا مبتدئا بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإتيان بالسنة، قال بعض العلماء: يقول عند الاستياك: اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين.
قال الماوردي من أصحاب الشافعي: ويستحب أن يستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا رفيقا.
قالوا: وينبغي أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد الرطوبة، قال: فإن اشتد يبسه لينه بالماء، ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه. وأما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ قال الروياني من أصحاب الشافعي عن والده: يحتمل وجهين، والأصح لا يحرم.
-المحافظة علي الطهارة
يستحب أن يقرأ وهو على طهارة، فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين، والأحاديث فيه كثيرة معروفة، قال إمام الحرمين: ولا يقال: ارتكب مكروها، بل هو تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء تيمم، والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث.
وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به، ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار، للجنب والحائض.
-نظافة المكان
ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار.
ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة، ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف، فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل، بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف، وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه.
-حكم القراءة في الحمام
فقد اختلف السلف في كراهيتها، فقال أصحابنا: لا يكره، ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف، عن إبراهيم النخعي ومالك، وهو قول عطاء،
وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه عنه ابن أبي داود.
وحكى ابن المنذر، عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب، ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين، قال الشعبي:"تكره القراءة في ثلاثة مواضع: في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور"، وعن أبي ميسرة، قال: "لا يذكر الله إلا في مكان طيب"، والله أعلم.
-حكم القراءة في الطريق
فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من الخلط، وروى أبو داود، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقرأ في الطريق، وروى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أذن فيها.
قال ابن أبي داود: حدثني أبو الربيع، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل فيخرج إلى المسجد وقد بقي من السورة التي كان يقرأ فيها شيء، قال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق، وكره ذلك، وهذا إسناد صحيح عن مالك رحمه الله.
-استقبال القبلة في القراءة
يستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقل القبلة.
فقد جاء في الحديث: ((خير المجالس ما استقبل به القبلة))، ويجلس متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل، ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول،
قال الله عز وجل: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}.
وثبت في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: "يقرأ القرآن ورأسه في حجري".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: "إني أقرأ القرآن في صلاتي، وأقرأ على فراشي".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "إني لا أقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير".
-الاستعاذة قبل القراءة
فإن أراد الشروع في القراءة استعاذ، فقال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" هكذا قال الجمهور من العلماء.
وقال بعض العلماء: يتعوذ بعد القراءة، لقوله تعالى: {فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، وتقدير الآية عند الجمهور: إذا أردت القراءة فاستعذ،
ثم صيغة التعوذ كما ذكرناه، وكان جماعة من السلف يقولون: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ولا بأس بهذا، ولكن الاختيار هو الأول.
ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها، ويستحب في الصلاة في كل ركعة على الصحيح من الوجهين عند أصحابنا، وعلى الوجه الثاني إنما يستحب في الركعة الأولى، فإن تركه في الأولى أتى به في الثانية، ويستحب التعوذ في التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة على أصح الوجهين.
-قراءة القراءة بخشوع وتدبر
إذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: {أفلا يتدبرون القرآن}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}
-تأثر السلف عند قراءة القرآن
ات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعات حال القراءة.
وروينا عن بهز بن حكيم، أن زرارة بن أوفى التابعي الجليل رضي الله عنه، أمهم في صلاة الفجر فقرأ حتى بلغ: {فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير} خر ميتا، قال بهز: وكنت فيمن حمله.
وقال السيد الجليل ذو المواهب والمعارف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه: "دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين".
-استحباب ترديد الآيه للتدبر
عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح"، والآية: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الآية، رواه النسائي وابن ماجه.
وعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه، أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}.
وعن عبادة بن حمزة، قال: دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو، فطال علي ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو،
ورويت هذه القصة عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وردد ابن مسعود رضي الله عنه: {رب زدني علما}، وردد سعيد بن جبير: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}، وردد أيضا: {فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم} الآية، وردد أيضا: {ما غرك بربك الكريم}، وكان الضحاك إذا تلا قوله تعالى: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} رددها إلى السحر.
-استحباب البكاء عند قراءة القرآن
قال الإمام أبو حامد الغزالي: البكاء مستحب مع القراءة وعندها،
وطريقه في تحصيله: أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب.
-آثار السلف في البكاء عند قراءة القرآن
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته. وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فتدل على تكريره منه، وفي رواية: أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
- وعن أبي رجاء، قال: "رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع".
- وعن أبي صالح، قال: قدم ناس من أهل اليمن على ابي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "هكذا كنا".
- وعن هشام، قال: "ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة".
-حكم الترتيل في قراءة القرآن
اتفق العلماء -رضي الله عنهم- على استحباب الترتيل، قال الله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}.
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا، رواه أبو داود والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن معاوية بن قرة رضي الله عنه، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع في قراءته) رواه البخاري ومسلم.
وعن مجاهد، أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء، فقال: (الذي قرأ البقرة وحدها أفضل).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله".
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع، ويسمى الهذرمة، فثبت عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود: (هكذا هكذا الشعر، إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع القلب فرسخ فيه نفع) رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته.
قال العلماء: والترتيل مستحب للتدبر ولغيره، قالوا: يستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه، لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب.
-الدعاء أثناء قراءة القرآن
ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمة ربنا، فقد صح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ ترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ) رواه مسلم في صحيحه، وكانت سورة النساء في ذلك الوقت مقدمة على آل عمران.
-آداب عامة اثناء قراءة القرآن
جتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قد قول الله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.
وليقتد بما رواه ابن أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه، ذكره في كتاب التفسير في قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}.
ومن ذلك: العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.
ومن ذلك: النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن.
وأقبح من هذا كله: النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره
-حكم قراءة القرآن بالعجمية
لا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها، سواء كان في الصلاة أم في غيرها، فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا، ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك وتصح به الصلاة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية، ولا يجوز لمن يحسنها.
-حكم قراءة القرآن بالقراءات السبع
[ الأفضل أن يكون العنوان : حكم قراءة القرآن بالشواذ ، ويكون التركيز على بيان ذلك ]
تجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها، ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة، وسيأتي في الباب السابع إن شاء الله تعالى اتفاق الفقهاء على استتابة من أقرأ بالشواذ أو قرأ بها.
وقال أصحابنا [ هذا من قول النووي ، ويقصد بعض الشافعية ] وغيرهم: لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالما، وإن كان جاهلا لم تبطل، ولم تحسب له تلك القراءة، وقد نقل الإمام أبو عمر بن عبد البر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها.
قال العلماء: من قرأ الشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه عرف بذلك، فإن عاد إليه أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهي عن ذلك، ويجب على كل متمكن من الإنكار عليه والمنع الإنكار عليه ومنعه.
-قراءة القرآن علي ترتيب المصحف
قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب، وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها، حتى قال بعض أصحابنا: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة {قل أعوذ برب الناس} يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة.
قال بعض أصحابنا: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى: سورة السجدة، وفي الثانية: {هل أتى على الإنسان}، وصلاة العيد في الأولى: قاف، وفي الثانية: {اقتربت الساعة}، وركعتين سنة الفجر في الأولى: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية: {قل هو الله أحد}، وركعات الوتر في الأولى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثالثة: {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز، فقد جاء بذلك آثار كثيرة، وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بـ"الكهف"، وفي الثانية بـ"يوسف"، وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف.
وروى ابن أبي داود، عن الحسن، أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف
وأما قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا، فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات، وقد روى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل، والإمام مالك بن أنس، أنهما كرها ذلك، وأن مالكا كان يعيبه، ويقول: هذا عظيم.
وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس هذا من هذا الباب، فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم.
-حكم قراءة القرآن من المصحف
قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا، وأبو حامد الغزالي وجماعات من السلف، ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف، ولم أر فيه خلافا ، ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولا حسنا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.
-ثواب قراءة الجماعة
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أنه قال: ((ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكره الله فيمن عنده)) رواه مسلم، وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وعن معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما يجلسكم؟))، قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به، فقال: ((أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة)) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والأحاديث في هذا كثيرة.
-حكم رفع الصوت بالقراءة
جاء أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره دالة على استحباب رفع الصوت بالقراءة، وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت
قال الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا: أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والمتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه، قالوا: فمهما حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر، قال الغزالي: ولهذا قلنا القراءة في المصحف أفضل، فهذا حكم المسألة.
-استحباب تحسين الصوت بالقراءة
أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين، على استحباب تحسين الصوت بالقرآن.ودلائل هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفيضة عند الخاصة والعامة، كحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم))، وحديث: ((لقد أوتي هذا مزمارا))، وحديث: ((ما أذن الله))، وحديث: ((لله أشد أذنا))
قال العلماء رحمهم الله: فيستحب تحسين الصوت بالقراءة ترتيبها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفاه فهو حرام.
-حكم القراءة بالالحان
فقد قال الشافعي رحمه الله في موضع: أكرهها، وقال في موضع: لا أكرهها.
قال أصحابنا: ليست على قولين، بل فيه تفصيل، إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه، وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه
-استحباب طلب القراءة الطيبة من حسن الصوت
اعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون، وهذا متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين، وهى سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن))، فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) فقرأت عليه سورة النساء، حتى إذا جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، رواه البخاري ومسلم.
-حسن الوقف ولايتقيد بالاعشار والاجزاء
ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيد بالأعشار والأجزاء، فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط، كالجزء الذي في قوله تعالى: {وما ؟ نفسي}، وفي قوله تعالى: {فما كان جواب قومه}، وقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله}، وفي قوله تعالى: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء}، وفي قوله تعالى: {إليه يرد علم الساعة}، وفي قوله تعالى: {وبدا لهم سيئات}، وفي قوله: {قال فما خطبكم أيها المرسلون}، وكذلك الأحزاب كقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}، وقوله تعالى: {قل هل أنبئكم بخير من ذلكم}.
-احوال تكره فيها القراءة
فتكره القراءة في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام، وتكره القراءة بما زاد على الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام، وتكره حالة القعود على الخلاء، وفي حالة النعاس، وكذا إذا استعجم عليه القرآن، وكذا في حالة الخطبة لمن يسمعها، ولا تكره لمن لم يسمعها بل تستحب، هذا هو المختار الصحيح، وجاء عن طاوس كراهيتها، وعن إبراهيم عدم الكراهة، فيجوز أن يجمع بين كلاميهما بما قلنا، كما ذكره أصحابنا.
ولا تكره القراءة في الطواف، هذا مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن الحسن البصري وعروة بن الزبير ومالك كراهتها في الطواف، والصحيح الأول، وقد تقدم بيان الاختلاف في القراءة في الحمام وفي الطريق وفيمن في فمه نجاسة.
-البدع المنكرة في القراءة
ما يفعله جهلة المصلين بالناس في التراويح من قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة، فيجمعون أمورا منكرة،منها اعتقادها مستحبة،ومنها إيهام العوام ذلك،ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنة تطويل الأولى،ومنها التطويل على المأمومين،ومنها هذرمة القراءة،ومن البدع المشابهة لهذا: قراءة بعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة بسجدة غير سجدة {ألم تنزيل} قاصدا ذلك، وإنما السنة قراءة {ألم تنزيل} في الركعة الأولى، و{هل أتى} في الثانية.
-حكم قراءة القرآن يراد بها الكلام
ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا
وروي عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقال القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة {والتين والزيتون} ورفع صوته، وقال: {وهذا البلد الأمين}.
قال أصحابنا: إذا استأذن إنسان على المصلي، فقال المصلي: {ادخلوها بسلام آمنين}، فإن أراد التلاوة وأراد الإعلام لم تبطل صلاته، وإن أراد الإعلام ولم يحضره نية بطلت صلاته.
-حكم القيام اثناء القراءة لمن فيه فضيلة من علم او شرف
لا بأس بالقيام له على سبيل الاحترام والإكرام لا للرياء والإعظام بل ذلك مستحب، وقد ثبت القيام للإكرام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه رضي الله عنهم بحضرته وبأمره، ومن فعل التابعين ومن بعدهم من العلماء الصالحين
-احكام قطع القراءة
إذا كان يقرأ ماشيا فمر على قوم يستحب أن يقطع القراءة ويسلم عليهم ثم يرجع إلى القراءة، ولو أعاد التعوذ كان حسنا، ولو كان يقرأ جالسا فمر عليه غيره؛ فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام على القارئ لاشتغاله بالتلاوة، قال: فإن سلم عليه إنسان كفاه الرد بالإشارة، قال: فإن أراد الرد باللفظ رده ثم استأنف الاستعاذة وعاود التلاوة، وهذا الذي قاله ضعيف، والظاهر وجوب الرد باللفظ، فقد قال أصحابنا: إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة وقلنا الإنصات سنة وجب له رد السلام على أصح الوجهين، فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات وتحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع أولى، مع أن رد السلام واجب بالجملة، والله أعلم.
- وأما إذا عطس في حال القراءة فإنه يستحب أن يقول: الحمد لله، وكذا لو كان في الصلاة، ولو عطس غيره وهو يقرأ في غير الصلاة وقال: الحمد لله يستحب للقارئ أن يشمته فيقول: يرحمك الله، ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته، وهذا متفق عليه عند أصحابنا.
- وأما إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة وأمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة وعلم أنه لا ينكسر قلبه ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذي بينها بينهما ونحوه فالأولى أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة، فإن قطعها جاز، والله أعلم.
-افضل الاوقات للقراءة
اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وغيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود.
وأما القراءة في غير الصلاة؛ فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.
وأما القراءة في النهار؛ فأفضلها بعد صلاة الصبح، ولا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه، وأما ما رواه ابن أبي داود، عن معاذ بن رفاعة، عن مشايخه، أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا: هي دراسة اليهود، فغير مقبول ولا أصل له.
ويختار من الأيام: الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة، ومن الأعشار: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة، ومن الشهور: رمضان.
●آداب الختم وما يتعلق به
يستحب أن يكون في الصلاة، وأنه قيل: يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر وركعتي سنة المغرب، وفي ركعتي الفجر أفضل، وأنه يستحب أن يختم ختمة في أول النهار في دور، ويختم ختمة أخرى في آخر النهار في دور آخر، وأما من يختم في غير الصلاة والجماعة الذين يختمون مجتمعين فيستحب أن تكون ختمتهم يقول أول النهار أو في أول الليل كما تقدم، وأول النهار أفضل عند بعض العلماء.و يستحب صيام يوم الختم,و يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا, الدعاء مستحب عقيب الختم استحبابا متأكد, يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة
المقصد السابع : آداب الناس كلهم مع القرآن
● تعظيم القرآن
أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته
-حكم من استخف بالقرآن
أجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر.
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين ، وكذلك إذا جحد التوراة والإنجيل أو كتب الله المنزلة أو كفر بها أو سبها أو استخف بها فهو كافر.
-القرآن كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: {الحمد لله رب العالمين} إلى آخر {قل أعوذ برب الناس} كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع فيه الإجماع وأجمع على أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا فهو كافر، قال أبو عثمان بن الحذاء: جميع أهل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر.
-حكم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق
يحرم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق، فمن ذلك أن يظهر فيه دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ويحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه فيحملها على مذهبه، ويناظر على ذلك مع ظهورها في خلاف ما يقول، وأما من لا يظهر له ذلك فهو معذور، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المراء في القرآن كفر))
●تفسير القرآن
-حكم التفسير بغير علم
حرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه
-أقسام المفسرون برأيهم من غير دليل
منهم من يحتج بأنه على تصحيح مذهبه وتقوية خاطره مع أنه لا يغلب على ظنه أن ذلك هو المراد بالآية وإنما يقصد الظهور على خصمه ومنهم من يقصد الدعاء إلى خير ويحتج بآية من غير أن تظهر له دلالة لما قاله ،ومنهم من يفسر ألفاظه العربية من غير وقوف على معانيها عند أهلها وهي مما لا يؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية وأهل التفسير كبيان معنى اللفظ وإعرابها وما فيها من الحذف والاختصار والإضمار والحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والتقديم والتأخير والإجمال والبيان وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر.

●بعض الالفاظ يتكلم بها حامل القرآن
-من أراد السؤال عن تقديم آية
ينبغي لمن أراد السؤال عن تقديم آية على آية في المصحف أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع ونحو ذلك أن يقول: ما الحكمة في كذا؟
-حكم قول نسيت [ آية كذا ]
يكره أن يقول: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيتها أو أسقطتها.
فقد ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم: نسيت آية كذا وكذا، بل هو شيء نسي))
-حكم ان يقول سورة البقرة وسورة آل عمران
يجوز أن يقال: سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وسورة الأنعام وكذا الباقي، لا كراهة في ذلك، وكره بعض المتقدمين هذا وقال: يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، والسورة التي يذكر فيها النساء، وكذا البواقي، والصواب الأول، فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((سورة البقرة)) و((سورة الكهف))، وغيرهما مما لا يحصى، وكذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
-حكم ان يقول قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو غيرهم
لا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو حمزة أو الكسائي أو غيرهم، هذا هو المختار، الذي عليه السلف والخلف من غير إنكار، وروى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي، أنه قال: "كانوا يكرهون أن يقال: سنة فلان وقراءة فلان"، والصحيح ما قدمناه.
● تعليم وسماع الكافر القرآن
-حكم سماع القرآن للكافر
لا يمنع الكافر من سماع القرآن لقول الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، ويمتنع من مس المصحف
-حكم تعليم الكافر القرآن
إن كان لا يرجى إسلامه لم يجز تعليمه، وإن رجي إسلامه ففيه وجهان:أصحهما: يجوز رجاء إسلامه.والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيع المصحف منه وإن رجي إسلامه،وأما إذا رأيناه يتعلم فهل يمنع؟ فيه وجهان.
●كتابه القرآن في إناء ونقش الحيطان بالقرآن
-حكم كتابة القرآن في إناء ثم يغسل ويسقى المريض
اختلف العلماء في كتابة القرآن في إناء ثم يغسل ويسقى المريض
فقال الحسن ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي: لا بأس به، وكرهه النخعي.
قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما من أصحابنا: ولو كتب القرآن على الحلوى وغيرها من الأطعمة فلا بأس بأكلها، قال القاضي: ولو كان خشبة كره إحراقها.
-حكم نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى
يكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى، قال عطاء: لا بأس بكتب القرآن في قبلة المسجد
●الرقية بالقرآن
-النفث مع القرآن للرقية
روى ابن أبي داود، عن أبي جحيفة الصحابي رضي الله عنه -واسمه: وهب بن عبد الله، وقيل غير ذلك- وعن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا ذلك، والمختار: أن ذلك غير مكروه بل هو سنة مستحبة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
المقصد الثامن: الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
●السور والآيات المسنونة في بعض الصلوات
السنة أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة {ألم تنزيل} بكمالها، وفي الثانية {هل أتى على الإنسان} بكمالها، ولا يفعل ما يفعله كثير من أئمة المساجد من الاقتصار على آيات من كل واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل.
والسنة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية {هل أتاك حديث الغاشية}، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليتجنب الاقتصار على البعض، وليفعل ما قدمناه.
والسنة في صلاة العيد في الركعة الأولى سورة ق، وفي الثانية سورة الساعة بكمالها، وإن شاء "سبح"، و"هل أتاك"، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليجتنب الاقتصار على البعض.
ويقرأ في ركعتي سنة الفجر بعد الفاتحة الأولى {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية {قل هو الله أحد}، وإن شاء قرأ في الأولى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية، وفي الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، فكلاهما صحيح من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقرأ في سنة المغرب {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}، ويقرأ بهما أيضا في ركعتي الطواف، وركعتي الاستخارة.
ويقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
●استحباب قراءة بعض السور والآيات في اوقات مخصوصه
-ما يقرأ في بعض الأيام
يستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وغيره فيه.
قال الإمام الشافعي في الأم: ويستحب أن يقرأها أيضا ليلة الجمعة، ودليل هذا ما رواه أبو محمد الدارمي بإسناده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق).
وذكر الدارمي حديثا في استحباب قراءة سورة هود يوم الجمعة، وعن مكحول التابعي الجليل استحباب قراءة آل عمران يوم الجمعة.
ويستحب الإكثار من تلاوة آية الكرسي في جميع المواطن، وأن يقرأها كل ليلة إذا أوى إلى فراشه، وأن يقرأ المعوذتين عقب كل صلاة، فقد صح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذتين دبر كل صلاة)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
- ما يقرأ عند النوم
يستحب أن يقرأ عند النوم آية الكرسي و{قل هو الله أحد} والمعوذتين وآخر سورة البقرة، فهذا مما يهتم له ويتأكد الاعتناء به، فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه))، قال جماعة من العلماء: كفتاه من قيام الليل، وقال آخرون: كفتاه المكروه في ليلته.
وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كل ليلة يقرأ {قل هو الله أحد} والمعوذتين)، وقد قدمناه في فصل النفث بالقرآن.
وروى عن أبي داود بإسناده، عن علي كرم الله وجهه، قال: (ما كنت أرى أحدا يعقل دخل في الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي).
وعن علي رضي الله عنه أيضا، قال: (ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة) إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمر بك ليلة إلا قرأت فيها {قل هو الله أحد} والمعوذتين))، فما أتت علي ليلة إلا وأنا أقرؤهن.
وعن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يستحبون أن يقرؤوا هذه السور كل ليلة ثلاث مرات: {قل هو الله أحد} والمعوذتين)، إسناده صحيح على شرط مسلم.
وعن إبراهيم أيضا: (كانوا يعلمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوذتين).
وعن عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل)، رواه الترمذي، وقال: حسن.
-مايقرأعند الأستيقاظ من النوم
ويستحب أن يقرأ إذا استيقظ من النوم كل ليلة آخر آل عمران، من قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى آخرها، فقد ثبت في الصحيحين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ).

●السور المستحبه قراءتها في احوال مخصوصه
-مايقرأعند المريض
يستحب أن يقرأ عند المريض بالفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيها: ((وما أدراك أنها رقية)).
ويستحب أن يقرأ عنده {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} مع النفث في اليدين، فقد ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم بيانه في فصل النفث في آخر الباب الذي قبل هذا.
وعن طلحة بن مطرف، قال: "كان المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد لذلك خفة"، فدخلت على خيمته وهو مريض فقلت: إني أراك اليوم صالحا، فقال: "إني قرئ عندي القرآن".
وروى الخطيب أبو بكر البغدادي رحمه الله بإسناده، أن الرمادي رضي الله عنه كان إذا اشتكى شيئا قال: "هاتوا أصحاب إلا حديث"، فإذا حضروا قال: "اقرؤوا علي الحديث"، فهذا في الحديث، فالقرآن أولى.
-مايقرأعند الميت
قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يستحب أن تقرأ عنده يس، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((اقرؤوا يس على موتاكم))، رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه بإسناد ضعيف.
وروى مجالد، عن الشعبي، قال: كانت الأنصار إذا حضروا عند الميت قرؤوا سورة البقرة، ومجالد ضعيف، والله أعلم.
المقصد التاسع :آداب كتابة القرآن ، وصور إكرام المصاحف

●: آداب كتابة القرآن
- تنقيط المصحف وتشكيله
قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة، فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك، والله أعلم.
●صور إكرام المصاحف
-القيام للمصحف
يستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه، لأن القيام مستحب للفضلاء من العلماء والأخيار فالمصحف أولى، وقد قررت دلائل استحباب القيام في الجزء الذي جمعته فيه.
وروينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح، عن ابن أبي مليكة، أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يضع المصحف على وجهه، ويقول: (كتاب ربي، كتاب ربي).
-المسافرة بالمصحف الي ارض العدو
تحرم المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو إذا خيف وقوعه في أيديهم، للحديث المشهور في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى ارض العدو.
-بيع المصحف من غير المسلم
يحرم بيع المصحف من الذمي، فإن باعه ففي صحة البيع قولان للشافعي:
أصحهما: لا يصح،
والثاني: يصح، ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه
حكم بعض الصور التي تُخالف إكرام المصاحف
-حكم مس المصحف وحمله علي المجنون والصبي الذي لا يميز
يمنع المجنون والصبي الذي لا يميز من مس المصحف مخافة من انتهاك حرمته، وهذا المنع واجب على الولي وغيره ممن رآه يتعرض لحمله.
-حكم مس المصحف وحمله علي المحدث
يحرم على المحدث مس المصحف وحمله، سواء حمله بعلاقته أو بغيرها، سواء مس نفس الكتابة أو الحواشي أو الجلد، ويحرم مس الخريطة والغلاف والصندوق إذا كان فيهن المصحف، هذا هو المذهب المختار، وقيل: لا تحرم هذه الثلاثة، وهو ضعيف،ولو كتب القرآن في لوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر، حتى لو كان بعض آية كتب للدراسة حرم مس اللوح.
- اقوال العلماء في تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود أو شبهه
ففي جوازه وجهان لأصحابنا:
أظهرهما: جوازه، وبه قطع العراقيون من أصحابنا، لأنه غير ماس ولا حامل،
والثاني: تحريمه، لأنه يعد حاملا للورقة والورقة كالجميع،
وأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة فحرام بلا خلاف، وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين، والصواب القطع بالتحريم، لأن القلب يقع باليد لا بالكم.
-كتابه الجنب او المحدث مصحفاً
إذا كتب الجنب أو المحدث مصحفاً ان كان يحمل الورقة أو يمسها حال الكتابة فحرام،
وإن لم يحملها ولم يمسها ففيه ثلاثة أوجه:
الصحيح: جوازه، والثاني: تحريمه، والثالث: يجوز للمحدث، ويحرم على الجنب.
-حمل الجنب او المحدث القرآن مع غيره
إذا مس المحدث أو الجنب أو الحائض أو حمل كتابا من كتب الفقه أو غيره من العلوم وفيه آيات من القرآن أو ثوبا مطرزا بالقرآن أو دراهم أو دنانير منقوشة به أو حمل متاعا في جملته مصحف أو لمس الجدار أو الحلوى أو الخبز المنقوش به فالمذهب الصحيح جواز هذا كله، لأنه ليس بمصحف، وفيه وجه أنه حرام.
وقال أقضى القضاة أبو حسن الماوردي في كتابه الحاوي: يجوز مس الثياب المطرزة بالقرآن، ولا يجوز لبسها بلا خلاف، لأن المقصود بلبسها التبرك بالقرآن، وهذا الذي ذكره أو قاله ضعيف لم يوافقه أحد عليه فيما رأيته، بل صرح الشيخ أبو محمد الجويني وغيره بجواز لبسها، وهذا هو الصواب، والله أعلم.
وأما كتب تفسير القرآن؛ فإن كان القرآن فيها أكثر من غيره حرم مسها وحملها، وإن كان غيره أكثر كما هو الغالب ففيها ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يحرم.
والثاني: يحرم.
والثالث: إن كان القرآن بخط متميز بغلظ أو حمرة أو غيرها حرم، وإن لم يتميز لم يحرم.
قلت: ويحرم المس إذا استويا.
قال صاحب التتمة من أصحابنا: وإذا قلنا لا يحرم فهو مكروه،
وأما كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيها آيات من القرآن لم يحرم مسها، والأولى أن لا تمس إلا على طهارة، وإن كان فيها آيات من القرآن لم يحرم على المذهب، وفيه وجه أنه يحرم، وهو الذي في كتب الفقه.
وأما المنسوخ تلاوته كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وغير ذلك، فلا يحرم مسه ولا حمله، قال أصحابنا: وكذلك التوراة والإنجيل.
-حكم التيمم و الطهارة لحمل المصحف
من لم يجد ماء فتيمم حيث يجوز التيمم له مس المصحف، سواء كان تيممه للصلاة أو لغيرها مما يجوز التيمم له.
وأما من لم يجد ماء ولا ترابا فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يجوز له مس المصحف لأنه محدث جوزنا له الصلاة للضرورة، ولو كان معه مصحف ولم يجد من يودعه عنده وعجز عن الوضوء جاز له حمله للضرورة، قال القاضي أبو الطيب: ولا يلزمه التيمم، وفيما قاله نظر، وينبغي أن يلزمه التيمم، أما إذا خاف على المصحف من حرق أو غرق أو وقوع في نجاسة أو حصوله في يد كافر فإنه يأخذه ولو كان محدثا للضرورة.
هل يجب على الولي والمعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف واللوح اللذين يقرأ فيهما؟
فيه وجهان مشهوران، أصحهما عند الأصحاب: لا يجب للمشقة.

●بيع المصحف وشراؤه
يصح بيع المصحف وشراؤه، ولا كراهة في شرائه وفي كراهة بيعه وجهان لأصحابنا، أصحهما وهو نص الشافعي: أنه يكره،
ومن قال لا يكره بيعه وشراؤه: الحسن البصري وعكرمة والحكم بن عيينة وهو مروي عن ابن عباس،
وكرهت طائفة من العلماء بيعه وشراؤه، وحكاه ابن المنذر عن علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد.
وروي عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري التغليظ في بيعه.
وذهبت طائفة إلى الترخيص في الشراء وكراهة البيع، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رضي الله نهم أجمعين، والله أعلم.

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ، أحسنتِ استخلاص المقاصد الفرعية وترتيب المسائل ، زادكِ الله من فضله.
الملحوظة الأساسية على التحرير العلمي واعتمادكِ على النسخ ، حتى أنكِ نسخت ما ينسب للمؤلف مثل : روينا ، قال أصحابنا ، كذلك الصياغة العلمية ووجود بعض الأخطاء الإملائية خاصة في الهمزات.
أرجو أن تراجعي الملحوظات العامة على مجالس تلخيص أبواب كتاب التبيان في منتدى المجموعة الثالثة من أجل تمام الفائدة.



تقييم التلخيص :

الشمول : 17.5 / 20
الترتيب : 20 / 20
التحرير العلمي : 15 / 20
الصياغة : 13 / 15
العرض : 15 / 15
المقصد الكلي : 9.5 / 10
______________
المجموع الكلي = 90 %
بارك الله فيكِ ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 شعبان 1436هـ/28-05-2015م, 02:25 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم البراء آدم مشاهدة المشاركة
مقّدمة تفسير ابن كثير

المقصد الكلي : فضل القرآن و عرض لتاريخ جمع القرآن و معنى نزول القرآن على سبعة أحرف و بيان آداب تلاوة القرآن
[ بارك الله فيكِ أختي ، احرصي على ترابط أجزاء العبارة ، مثلا نقول :
" بيان " في بداية الجملة.
كذلك لم تبين عبارتك مقصد ابن كثير من بيان هذه الأمور في مقدمة التفسير ، وقد قصدأن تهيء هذه الأمور طالب العلم
لطلب علم التفسير والاستفادة منه علمًا وعملا.
وأشار لذلك في بداية شرحه لفضائل القرآن ]


المقصد الأول : بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير
المقصد الثاني : بيان فضل القرآن
المقصد الثالث : عرض لتاريخ جمع القرآن وكتابة المصاحف
المقصد الرابع: بيان معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
المقصد الخامس : بيان آداب تلاوة القرآن وأحكامها
المقصد السادس: ذكر فوائد متفرّقة في علوم القرآن الكريم

المقصد الأول : بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير
1: وجوب الإيمان بالقرآن ووعيد من كذّب به
- قال الله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}.
- قال ابن كثير: (فمن كفر بالقرآن ممن ذكرنا فالنار موعده بنصِّ الله تعالى).
2: الإنذار بالقرآن من مقاصد إرسال الرسل.
- قال الله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ}
قال ابن كثير: (فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم، وأسود وأحمر، وإنس وجان، فهو نذير له).

3: عموم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين
- قال الله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأحمر والأسود)). قال مجاهد: يعني: الإنس والجن.
- قال ابن كثير: (فهو -صلوات الله وسلامه عليه- رسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، مبلغا لهم عن الله ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}).
4: الأمر بتدبّر القرآن
- قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.
5: حكم تفسير القرآن وبيان معانيه للناس

- قال ابن كثير: (فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه).
- قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
- وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.
6: ذمّ المعرضين عن تدبّر كتاب الله
- قال ابن كثير: (
ذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه).
- قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}.
لطيفة:
قال ابن كثير: (ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم).
6: أحسن طرق التفسير
6-أ: تفسير القرآن بالقرآن.
- ما أجمل في موضع من القرآن فإنه قد فسر في موضع آخر.
6-ب: تفسير القرآن بالسنّة.
- السنّة مبيّنة للقرآن وشارحة له.
- قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
- وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
- السنّة وحي من الله إلا أنها لا تُتلى كما يُتلى القرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة.
- قال الشافعي: (كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} ).
6-ج: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
- إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنّة رجعنا إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم
- الصحابة أعلم الناس بالقرآن لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
- علماء الصحابة وكبراؤهم لهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس.
علم ابن مسعود رضي الله عنه بتفسير القرآن
- قال ابن مسعود: (
والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته). رواه ابن جرير.
- وقال ابن مسعود أيضاً: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن).
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا).
علم ابن عباس رضي الله عنهما بتفسير القرآن
- دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)).
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (نعم ترجمان القرآن ابن عباس). رواه ابن جرير وصحّحه ابن كثير وقال: (وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود رضي الله عنه؟!!).
- وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف عليٌّ عبدَ الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.
7: حكم رواية الإسرائيليات
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري.
- كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
- الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد.
7-أ: أقسام الإسرائيليات
- الإسرائيليات على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
7-ب: من أسباب اختلاف المفسّرين اختلاف الأخبار المرويّة عن بني إسرائيل
قال ابن كثير: (ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم ).
7-ج: حكم نقل الخلاف عن بني إسرائيل
- قال ابن كثير: (نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22]).
- اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما.
- ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
7-د: أصول وآداب حكاية الخلاف في المسائل العلمية
- أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم.
- من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا.
- مَن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ.
- مَن نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.
8: تفسير القرآن بأقوال التابعين
- قال ابن كثير: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة؛ فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين).
- من أئمة التابعين في التفسير: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية الرياحي، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم.
- إذا أجمع التابعون على تفسير فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم.
- من أقوال التابعين في التفسير أقوال فيها تنوّع في الدلالة على المراد ويقع بسبب ذلك تباين في الألفاظ وهي ترجع إلى معنى واحد في حقيقة الأمر ؛ فقد يظنّها الظان اختلافاً وليست كذلك.
- بيان ذلك: أن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من المواضع.
9: علم مجاهد بن جبر بالتفسير
- قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها). رواه ابن إسحاق.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله).

- قال ابن كثير: (ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).
10: هل تفسير التابعي حجّة؟
- قال شعبة بن الحجاج وغيره: (أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟)

- قال ابن كثير: (يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة).
11: حكم التفسير بالرأي
- تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام.

- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)). رواه الترمذي والنسائي وابن جرير.
- عن جندب بن جنادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ)). رواه أبو داوود والترمذي والنسائي، وفي لفظ لهم: ((من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ)).
- قال ابن كثير: (لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه).
12: تحرّج بعض السلف عن التفسير خشية القول فيه بغير علم
- قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم؟!).
- عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها). رواه ابن جرير وقال ابن كثير: (إسناده صحيح).

- قال عبيد الله بن عمر: (لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع). رواه ابن جرير.
- قال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة يعني السلماني عن آية من القرآن فقال: (ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد).
- قال مسروق بن الأجدع: (اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله). رواه أبو عبيد.
- قال إبراهيم النخعي: (كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه). رواه أبو عبيد.
- وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: (إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن).
- عن يزيد بن أبي يزيد قال: (كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع).

13: توجيه الآثار المرويّة عن بعض السلف في التحرّج من التفسير
- قال ابن كثير: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد).

- كما يجب سكوت المرء عما لا علم له به، فكذلك يجب عليه القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).
14: تنبيه على ضعف حديث في التفسير النبوي
- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعددٍ علَّمهن إياه جبريل عليه السلام). رواه ابن جرير.
- قال عنه ابن كثير: (حديث منكر غريب).
- وجّه ابن جرير هذا الحديث بأنّه محمول على ما لا يُعلم إلا بالتوقيف من أمور الغيب مما علّمه إيّاه جبريل.
- قال ابن كثير: (وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث؛ فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، كما صرح بذلك ابن عباس).
- عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله). رواه ابن جرير.


المقصد الثاني: بيان فضل القرآن
ذكر ابن كثير رحمه الله تحت هذا المقصد جملة من المسائل والأدلة هذا تلخيصها.
1: هيمنة القرآن على ما قبله من الكتب
قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
- عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: (المهيمن: الأمين). قال: (القرآن أمين على كل كتاب قبله). وفي رواية: (شهيدا عليه). رواه ابن جرير وعلقه البخاري.
- وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.
- قال ابن كثير: (وبنحو ذلك قال مجاهد والسدي وقتادة وابن جريج والحسن البصري وغير واحد من أئمة السلف).
- أصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه.

- قدم ابن كثير الفضائل قبل التفسير وذكر فضل كل سورة قبل تفسيرها ليكون ذلك باعثا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه.
2: الأحاديث الواردة في فضل القرآن
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)). رواه البخاري.
- في هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء؛ لأنها معجزة باقية مؤثّرة.
- عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنها ستكون فتنة)) فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟
قال: (( كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)). رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وفي إسناده الحارث الأعور متكلّم فيه، قال ابن كثير: (قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث).
- قال ابن كثير: (وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم).
- عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)). رواه أبو عبيد، وفي إسناده مقال.

3: من فضائل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله
- من فضل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، قال الله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
- تحدّى الله العرب أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا وهو أهل الفصاحة والبلاغة ؛ قال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}
4: مدّة نزول الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة وابن عباس قالا: (لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) رواه البخاري والنسائي.
- قال ابن كثير: (أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه، وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح).
- يحتمل أنه حذف ما زاد على العشرة اختصارا في الكلام على عادة العرب في حذف الكسور، أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل به عليه السلام ؛ لما روى الإمام أحمد أنه قرن به ميكائيل في ابتداء الأمر يلقي إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به جبريل.
- ابتُدئ نزول القرآن في مكان شريف وهو البلد الحرام، وفي زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان.

5: الملَك الموكّل بنزول الوحي
- قال معتمر بن سليمان: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل، أو كما قال.
قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام).
- جبريل عليه السلام ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} ، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون} الآيات.

6: تتابع الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن ابن شهاب الزهري قال: (أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد). رواه البخاري ومسلم.
- تابع الله نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه.
- فتر الوحي بعد نزول: {اقرأ باسم ربك} واختلف في مدة هذه الفترة حتى قيل إنها قريب من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع.
- أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم فأنذر}.
- عن جندب بن عبد الله البجلي قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} ). رواه البخاري ومسلم.
- في الحديث دلالة على محبّة الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وعنايته به إذ جعل الوحي عليه متتابعاً.
- إنما أنزل القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.

7: شدّة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
- روى البخاري حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فذكر الحديث الذي سأل عمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب وعليه جبة، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم فجئه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أي: تعال، فجاء يعلى، فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه، فقال: ((أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟)) فذكر أمره بنزع الجبة وغسل الطيب.

8: معرفة المكّي والمدنيّ
- القرآن منه مكّي ومدني؛ فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء أكان بالمدينة أم بغيرها من البلاد، حتى ولو كان بمكة أو عرفة.
- أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر.

- أراد بعض العلماء ضبط الفروق بين المكّي والمدني بضوابط كليّة، وفيما ذكروه عًسرٌ ونظر.
- قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية.
- وقال علقمة: (كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة) رواه أبو عبيد.
- وقال ميمون بن مهران: (ما كان في القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني). رواه أبو عبيد.
- قال بعض العلماء بتكرر نزول بعض السور مرّة بمكة ومرّة بالمدينة.
- بعض العلماء يقول بالاستثناء في بعض السور؛ فيستثني من بعض السور المكيّة آيات يدّعي أنها من المدني.
- الصواب أن تمييز المكيّ من المدني يرجع فيه إلى ما دلّ عليه الدليل الصحيح.
- قال علي بن أبي طلحة: (نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و{يا أيها النبي لم تحرم} والفجر، {والليل إذا يغشى} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {لم يكن الذين كفروا} و {إذا زلزلت} و {إذا جاء نصر الله} وسائر ذلك بمكة).
- ذكر علي بن أبي طلحة في المدني سورا في كونها مدنية نظر، وفاته الحجرات والمعوذات.

9: نزول القرآن باللسان العربي
- قال الله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}، وقال تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.
- عن أنس بن مالك قال: (فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: (إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم) ففعلوا). رواه البخاري.
- عن جابر بن سمرة، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف). رواه ابن أبي داوود، وقال ابن ثير: (هذا إسناد صحيح).
- عن عبد الله بن فضالة قال: (لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال: (إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر). رواه البخاري.
- قال البخاري: (نزل القرآن بلسان قريش والعرب، {قرآنا عربيا}، {بلسان عربي مبين}).
- القرآن نزل بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب
10: نزول السكينة والملائكة عند القراءة
- قال الله تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم .
- عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)). رواه البخاري ومسلم.

- عن أسيد بن الحضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)). رواه البخاري معلّقاً.
- عن أسيد بن حضير أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت..) رواه أبو عبيد. ، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.
- عن أسيد بن حضير قال: قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ". رواه أبو عبيد.

11: القرآن أعظم إرث النبي صلى الله عليه وسلم
- عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين).
قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين). تفرد به البخاري.
- معناه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرّث شيئاً من الدنيا، وإنما ترك لنا القرآن، والسنّة مفسّرة للقرآن مبيّنة له.
- قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا).
- وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))

12: فضل القرآن على سائر الكلام - عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)). رواه البخاري.
- طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما؛ فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.
- كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه.

13: الوصايا بكتاب الله
- قال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( لا )؛ فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أُمروا بها ولم يوص؟ قال: (أوصى بكتاب الله عز وجل). رواه البخاري.
- المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الناس باتّباع كتاب الله عز وجل.
- النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا من الدنيا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك.

- لم يوصِ النبي صلى الله عليه وسلم إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ لحديث ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).
14: معنى التغنّي بالقرآن وفضل حسن الصوت بالقرآن
- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))، وقال صاحب له: يريد يجهر به. رواه البخاري.
- قال حرملة: (سمعت ابن عيينة يقول: معناه: (يستغني به) فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به).
- قال ابن كثير: (معناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك).
- عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)). رواه ابن ماجة بسند جيّد.
- الله تعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم لكن استماع الله لقراءة النبي والمؤمنين استماع تشريف.
- عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العقل)). رواه أبو عبيد، وفي رواية له: ((واقتنوه وتغنوا به)) ولم يشك، وهكذا رواه أحمد والنسائي.
- عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون))
- قال ابن كثير: (وهذا مرسل).
- قال أبو عبيد: (قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم).
- عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)) رواه أبو عبيد وابن ماجة.
- قال أبو عبيد: (يعني: الاستماع. وقوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لشيء)) أي: ما استمع).
- عن السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا)). رواه أبو القاسم البغوي.

- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). رواه أبو داوود.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)). رواه ابن ماجة.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال وكيع: يعني: يستغنى به). رواه أحمد.
- قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجل رث البيت، رث الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع). رواه أبو داود.
- قال ابن كثير: (فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله).
- واستدلّ لذلك بحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)). رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه.
- المراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه وتحزينه والتخشع به،
- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا). رواه مسلم.
- قال ابن كثير: (والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه).

15: من عُرف بحسن الصوت من الصحابة
- عن أبي سلمة قال: (كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه أبو عبيد.
- قال أبو عثمان النهدي: (كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته).
- عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
- عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه). متفق عليه.

- أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب.
16: أحسن الناس صوتاً بالقرآن أخشاهم لله
قال طاووس بن كيسان: (أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله). رواه أبو عبيد.
- عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله)) ". رواه أبو عبيد.
17: تحسين الصوت بالقرآن وحكم القراءة بالألحان
- قال ابن كثير: (المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك).
- عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). رواه أبو عبيد.
- عن عُلَيم قال: (كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين). رواه أبو عبيد.
- قال ابن كثير: (وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه).

18: اغتباط صاحب القرآن
- عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)). رواه البخاري.
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل". رواه البخاري ومسلم.

- ينبغي أن يكون صاحب القرآن شديد الاغتباط بما هو فيه، وينبغي لغيره أن يغبطه على ذلك بأن يتمنّى مثل ما هو فيه من النعمة.
- الغبطة غير الحسد المذموم الذي هو تمنّي زوال النعمة.
- ورد في فضل الغبطة أحاديث من أصحّها حديث أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)). رواه الإمام أحمد ، وقال ابن كثير: (إسناد صحيح).

19: فضل من تعلَّم القرآن وعلمه
-قال سعد بن عبيدة: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم من رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه).
- من شأن خيار الأبرار أن يكمل المرء نفسه ويسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} .

- ومن شأن الفجار أنهم لا ينتفعون بالهدى، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع به، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب}، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه}، في أصح قولي المفسرين في هذا.
20: تزويج الخاطب بما معه من القرآن
- عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)). متفق عليه.
- في رواية لمسلم: (فعلّمها)، وهذا سبب إيراد البخاري لهذا الحديث بعد حديث : ( خيركم من تعلّم القرآن القرآن وعلّمه).

21: وصايا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقرآن
- قال ابن كثير: (وهكذا أذكر آثارا مروية عن ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود أحد قراء القرآن من الصحابة المأمور بالتلاوة على نحوهم).
- قال ابن مسعود: (كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض). رواه الطبراني.
- وقال: (من أراد العلم فليثوّر من القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين).
- وقال: (إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع).
- وقال: (أعربوا هذا القرآن فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم).
- وقال: (أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر).
وقال: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم.

قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟
قال: (يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء) ، وفي رواية: (لا يبقى في مصحف منه شيء، ويصبح الناس فقراء كالبهائم). ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} ). رواه عبد الرزاق.
- وقال: (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز). رواه الطبراني.
- عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: (إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي)
.
المقصد الثالث :عرض عرض لتاريخ جمع القرآن وكتابة المصاحف
1: معارضة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالقرآن
- عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي.
-عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
-عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"
المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة
- مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى، ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا
- لهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك
تخصيص رمضان من بين الشهور
لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن
2: القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
عبد الله بن مسعود
حدثنا شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك.
حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.
حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.
-ادلة جمع القرآن من الانصار
حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام.
حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
- الدليل على أن من جمع القرآن من المهاجرين
أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم.
ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة , وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل،. ومنهم عبد الله بن مسعود, ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا. ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن،
قال مجاهد: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو. عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)).
[ علي ابن أبي طالب وسالم مولى أبي حذيفة وابن عباس رضي الله عنهم : جمعا القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن كان مقصودك من جمعه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهناك خطأ في تحرير المسألة]
[ عناوين المسائل توحي بأنها مسألة خلافية
ولا منافاة فهناك من جمعه من الأنصار وهناك من جمعه من المهاجرين
لكن من المهم ذكر تأويل حصر الجمع في الأنصار الأربعة في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ]
3: جمع القرآن قبل خلافة عثمان رضي الله عنه
عن أنس قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة؛ أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه.
قال ابن كثير : من المهاجرين جماعة كانوا يجمعون القرآن كالصديق، وابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم.
[ جمع القرآن قبل عثمان رضي الله عنه يشمل :
1: الجمع النبوي : ويشمل : معارضة القرآن ، حفظ الصحابة للقرآن في الصدور ، كتابته بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ....

2: جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه
لذا كان الأفضل تقسيم مسائل هذا المقصد على مراحل الجمع الثلاثة ]

جمع القرآن في عهد أبو بكر
[ لماذا ذكرتِ هذا الحديث بسنده ؟ ]
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم.

-جمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، رضي الله عنه وأرضاه.
- عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن
-كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هو الذي تنبه لذلك لما استحر القتل بالقراء
-فلهذا أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن؛ لئلا يذهب منه شيء بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال، فإذا كتب وحفظ صار ذلك محفوظا فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته، فراجعه الصديق قليلا ليستثبت الأمر، ثم وافقه، وكذلك راجعهما زيد بن ثابت في ذلك ثم صارا إلى ما رأياه، رضي الله عنهم أجمعين
-عمر لما جمع القرآن كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان.
شهادة خزيمة بن ثابت بشهادتين
قال زيد بن ثابت: وجدت آخر سورة التوبة، يعني قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128، 129]، مع أبي خزيمة الأنصاري، وفي رواية: مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين في قصة الفرس التي ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، فأنكر الأعرابي البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي. والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور
فائدة حفظ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كتاب الله في المصحف

من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه
4:جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن
قال البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، التمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف.
ترتيب السور في المصحف في عهد عثمان
قدم السبع الطوال وثنى بالمئين؛ ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم
حكم ترتيب السور
ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، رضي الله عنه، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية}، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة}، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران.
ارسال المصاحف الي الآفاق
ارسل مصحفا إلى أهل مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا
وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق، وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم
حرق عثمان المصاحف
قال علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف
حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف -أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم.
[ كلام ابن كثير يوحي بأنه لم يرجح ذلك ]

كتابه المصاحف في عهد عثمان
عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، وكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فقلت لكثير -وكان فيهم فيمن يكتب- : هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله. صحيح أيضا.
قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، لأنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان، كما رواه أبو بكر بن أبي داود:
حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.

5:تأليف القرآن وترتيبه
[ متى حدثكِ ؟ ] حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.
- ترتيب الآيات في السور
أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لهذا لم ترخص له عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور
-ترتيب السور
قول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه، عليه السلام، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران.
وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان، رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.
6:نقط المصحف وشكله وتقسيمه
إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك، ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.
كتابة الأعشار
كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا، وقيل: بل أول من فعله المأمون، وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا. وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
تنقيط المصحف
قال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
المقصد الرابع : بيان معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
1:نزول القرآن على سبعة أحرف
عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).
ادله نزول القرآن علي سبعة احرف
عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). إسناده صحيح.
قال ابن كثير : وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين}
-عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية؛ الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني، الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).
-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة)). وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب، عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة به، وزاد في آخره كقولك: ((هلم وتعال)).
-عن أبي هريرة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على سبعة أحرف، مراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما علمتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)). ورواه النسائي عن قتيبة عن أبي ضمرة أنس بن عياض به.
-عن أبي جهيم الأنصاري؛ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلاقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أبو جهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا، فإن مراء فيه كفر))
-عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
معني نزول القرآن علي سبعة احرف
عنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض، وذلك بين في أحاديث تترى، قال: وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
2:معنى الأحرف السبعة
اختلف العلماء في المراء بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ونحن نذكر منها خمسة أقوال.
فالأول- وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.
القول الرابع: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".
القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.
3:وجة الاختلاف بين القراءات السبع والاحرف السبع
قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.
المقصد الخامس :بيان آداب تلاوة القرآن وأحكامها
1: وجوب الإخلاص في تلاوة القرآن
- من راءى بقراءة القرآن أو تَأكَّل به أو فجر به
عن سويد بن غفلة، قال: قال علي، رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)).
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق)).
عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مر)).
2: فضل تلاوة القرآن
- كتاب الجامع لأحاديث شتى تتعلق بتلاوة القرآن وفضائله وفضل أهله
عن أبي سعيد قال: قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)).
عن أبي سعيد أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: ((ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؛ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله، ولا يرعوي إلى شيء منه)).
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين)).
عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره)).
عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا قوم يقرؤون القرآن فقال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله -عز وجل- من قبل أن يأتي بقوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)).
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)).
عن ابن عباس مرفوعا: ((أشرف أمتي حملة القرآن)).
عن ابن عباس قال: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: ((الحال المرتحل)). قال: يا رسول الله، ما الحال المرتحل؟ قال: ((صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، وفي آخره حتى يبلغ أوله))
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت)).
عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)).
عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)).
عن فضالة بن عبيد، وتميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار، والقنطار خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك، عز وجل: اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول ربك: اقبض، فيقول العبد بيده: يا رب أنت أعلم. فيقول: بهذه الخلد وبهذه النعيم)).
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن القرآن جعل في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق)).
عن عقبة بن عامر مرفوعا: ((من تعلم القرآن ثم تركه فقد عصاني)).
3: فضل حفظ القرآن
القراءة عن ظهر قلب
حديث أبي حازم عن سهل بن سعد، الحديث الذي تقدم الآن، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).
فضيلة التلاوة في المصحف
صرح كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة، كما صرح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه، واستدلوا على فضيلة التلاوة في المصحف بما رواه الإمام العلم أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن حيث قال:
حدثنا نعيم بن حماد، عن بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن سليمان بن مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظهرا، كفضل الفريضة على النافلة)) وهذا الإسناد ضعيف فإن معاوية بن يحيى هو الصدفي أو الأطرابلسي، وأيهما كان فهو ضعيف.

وقال الثوري عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف.
وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس، عن عمر: أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه.
وقال حماد أيضا: عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن مسعود: أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف، فقرؤوا، وفسر لهم. إسناد صحيح.
وقال حماد بن سلمة: عن حجاج بن أرطاة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ. وقال الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف فقال: هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة.
ايهما اصح القراءة عن ظهر قلب ام النظر في المصحف
قال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع في القراءة، فإن كان الخشوع عند القراءة على ظهر القلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى؛ لأنها أثبت وتمتاز بالنظر في المصحف قال الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله، في التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.
التعليق علي حديث البخاري القراءة عن ظهر قلب
إن كان البخاري، رحمه الله، أراد بذكر حديث سهل للدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها في المصحف، ففيه نظر؛ لأنها قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن، إذ لو دل هذا لكان ذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاوته عن ظهر قلب -لأنه أمي لا يدري الكتابة- أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده.
الثاني: أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب؛ ليمكنه تعليمها لزوجته، وليس المراد هاهنا: أن هذا أفضل من التلاوة نظرا، ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم.
استذكار القرآن وتعاهده
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار، كمثل رجل له إبل، فإن عقلها حفظها، وإن أطلق عقالها ذهبت، فكذلك صاحب القرآن))
عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).
عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)).
عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل، وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة يلقاه وهو أجذم)).
وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه: 124- 126]، وهذا الذي قاله هذا -وإن لم يكن هو المراد جميعه- فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير وتفريط شديد، نعوذ بالله منه؛ ولهذا قال عليه السلام: ((تعاهدوا القرآن))، وفي لفظ: ((استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).
ولهذا قال إسحاق بن راهويه وغيره: يكره لرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن، كما أنه يكره له أن يقرأ في أقل من ثلاثة أيام
-نسيان القرآن
عن عائشة قالت: لقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا من سورة كذا)
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: ((يرحمه الله، فقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا))
وفي هذا الحديث -والذي قبله- دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص، وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: ((بل هو نسي))
مبني لما لم يسم فاعله، وأدب -أيضا- في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: 24] وهو، والله أعلم، من باب المجاز السائغ بذكر المسبب وإرادة السبب؛ لأن النسيان إنما يكون عن سبب قد يكون ذنبا، كما تقدم عن الضحاك بن مزاحم، فأمر الله تعالى بذكره ليذهب الشيطان عن القلب كما يذهب عند النداء بالأذان، والحسنة تذهب السيئة، فإذا زال السبب للنسيان انزاح، فحصل الذكر لشيء بسبب ذكر الله تعالى، والله أعلم.
ذكر الدعاء المأثور لحفظ القرآن وطرد النسيان والتكلم في ضعفه
عن ابن عباس قال: "قال علي بن أبي طالب: يا رسول الله، القرآن يتفلت من صدري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع من علمته)). قال: قال: نعم بأبي وأمي، قال: ((صل ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله واثن عليه، وصل على النبيين، واستغفر للمؤمنين، ثم قل: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، وأسألك أن تنور بالكتاب بصري، وتطلق به لساني، وتفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وتستعمل به بدني، وتقويني على ذلك وتعينني على ذلك فإنه لا يعينني على الخير غيرك، ولا يوفق له إلا أنت، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط)). فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم. كذا قال، وقد تقدم من غير طريقه. ورواه الحاكم في مستدركه من طريق الوليد، ثم قال: على شرط الشيخين ولا شك أن سنده من الوليد على شرط الشيخين حيث صرح الوليد بالسماع من ابن جريج، فالله أعلم -فإنه في المتن غرابة بل نكارة والله أعلم. [ ما تحته خط من كلام ابن كثير ، ومن المهم بيان ذلك ]
4: ترتيل القرآن وتجويد تلاوته
الترتيل في القراءة
قول الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]، وقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]، يكره أن يهذ كهذ الشعر، يفرق: يفصل، قال ابن عباس: {فرقناه}: فصلناه.
عن أبي وائل، عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القراءات التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم.
عن عائشة أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون القرآن في الليل مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه.
عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).
مدّ القراءة والترجيع
عن قتادة قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. انفرد به البخاري من هذا الوجه
عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته؛ بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وهكذا.

الترجيع
الترجيع:هو الترديد في الصوت
عن أبو إياس قال:قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته -أو جمله- وهي تسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع.
-حسن الصوت بالقراءة والاستماع من الغير وقول حسبك للقارئ
حسن الصوت بالقراءة
عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن أبي يحيى الحماني -واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن- وقال: حسن صحيح.
من أحب أن يسمع القرآن من غيره
عن عبد الله قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن)). قلت: عليك أقرأ وعليك أنزل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) ".
قول المقرئ للقارئ: حسبك
عن عبد الله قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). فقلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم))، فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه، من رواية الأعمش به ووجه الدلالة ظاهر
5: أحكام متفرّقة في تلاوة القرآن
- القراءة على الدابة وتعليم الصبيان القرآن
عن عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح".وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة سوى ابن ماجة من طرق، عن شعبة، عن أبي إياس، وهو معاوية بن قرة به وهذا -أيضا- له تعلق بما تقدم من تعاهد القرآن وتلاوته سفرا وحضرا، ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارئ في الطريق، وقد نقله ابن أبي داود عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ في الطريق، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن في ذلك، وعن الإمام مالك أنه كره ذلك، كما قال ابن أبي داود: وحدثني أبو الربيع، أخبرنا ابن وهب قال سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل، فيخرج إلى المسجد، وقد بقي من السورة التي كان يقرأ منها شيء، فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق.
تعليم الصبيان القرآن
عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم.
عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال: "المفصل".انفرد بإخراجه البخاري
- فصل هل يقول: (سورة كذا)
عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه)).
عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا)).
وهكذا في الصحيحين عن ابن مسعود: أنه كان يرمي الجمرة من الوادي ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وكره بعض السلف ذلك، ولم يروا إلا أن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا وكذا
عن عثمان أنه قال: إذا نزل شيء من القرآن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، ولا شك أن هذا أحوط وأولى، ولكن قد صحت الأحاديث بالرخصة في الآخر، وعليه عمل الناس اليوم في ترجمة السور في مصاحفهم
- في كم يقرأ القرآن؟ والبكاء عند القراءة
عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).
عن محمد بن ذكوان -رجل من أهل الكوفة- قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول: كان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة.
وعن حجاج، عن شعبة، عن أيوب: سمعت أبا قلابة، عن أبي المهلب قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.
وحدثنا علي بن عاصم، عن خالد، عن أبي قلابة قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.
وكان تميم الداري يختمه في كل سبع، وحدثنا هشيم، عن الأعمش، عن إبراهيم: أنه كان يختم القرآن في كل سبع.
وحدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست، وكان علقمة يختمه في كل خمس.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).
البكاء عند القراءة
عن عبيدة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري)). قال: فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال لي: ((كف أو أمسك))، فرأيت عيناه تذرفان ".

- معنى حديث: (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم...)
عن جندب بن عبد الله، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه)).
ومعنى الحديث أنه، عليه السلام، أرشد وحض أمته على تلاوة القرآن إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته، متفكرة فيه، متدبرة له، لا في حال شغلها وملالها، فإنه لا يحصل المقصود من التلاوة بذلك كما ثبت في الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وقال: ((أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل))، وفي اللفظ الآخر: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل))
المقصد السادس :ذكر فوائد متفرّقة في علوم القرآن الكريم
1:المكي والمدني، وعدد كلمات القرآن وحروفه، والتحزيب والتجزئة
عن قتادة قال: "نزل في المدينة من القرآن البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وبراءة، والرعد، والنحل، والحج، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والرحمن، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة والمنافقون، والتغابن، والطلاق، ويا أيها النبي لم تحرم، إلى رأس العشر، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله. هؤلاء السور نزلت بالمدينة، وسائر السور نزل بمكة".
عدد آيات القرآن العظيم كلماته و حروفه
عدد آيات القرآن العظيم فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال، فمنهم من لم يزد على ذلك، ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات، وقيل: وأربع عشرة آية، وقيل: ومائتان وتسع عشرة، وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية، أو ست وعشرون آية، وقيل: مائتان وست وثلاثون آية. حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان.
وأما كلماته، فقال الفضل بن شاذان، عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.
وأما حروفه، فقال عبد الله بن كثير، عن مجاهد: هذا ما أحصينا من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفا.
وقال الفضل، عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا.
التحزيب والتجزئة
فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها، وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث وخمس وسبع وتسع وأحد عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل حتى تختم.
2:معنى السورة والآية والكلمة
معنى السورة
واختلف في معنى السورة: مم هي مشتقة؟ فقيل: من الإبانة والارتفاع.
وقيل: لشرفها وارتفاعها كسور البلدان. وقيل: سميت سورة لكونها قطعة من القرآن وجزءا منه، مأخوذ من أسآر الإناء وهو البقية، وعلى هذا فيكون أصلها مهموزا، وإنما خففت الهمزة فأبدلت الهمزة واوا لانضمام ما قبلها. وقيل: لتمامها وكمالها لأن العرب يسمون الناقة التامة سورة.
قلت: ويحتمل أن يكون من الجمع والإحاطة لآياتها كما يسمى سور البلد لإحاطته بمنازله ودوره.
وجمع السورة سور بفتح الواو، وقد تجمع على سورات وسورات.
معني الآية
فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالها، أي: هي بائنة عن أختها ومنفردة. قال الله تعالى: {إن آية ملكه}
وقيل: لأنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم
وقيل: سميت آية لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها.
قال سيبويه: وأصلها أيية مثل أكمة وشجرة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصارت آية، بهمزة بعدها مدة.
وقال الكسائي: أصلها آيية على وزن آمنة، فقلبت ألفا، ثم حذفت لالتباسها.
وقال الفراء: أصلها أيّة -بتشديد الياء- الأولى فقلبت ألفا، كراهة التشديد فصارت آية، وجمعها: آي وآياي وآيات.
معني الكلمة
اللفظة الواحدة، وقد تكون على حرفين مثل: ما ولا وله ونحو ذلك، وقد تكون أكثر. وأكثر ما تكون عشرة أحرف مثل: {ليستخلفنهم} [النور: 55]، و {أنلزمكموها} [هود: 28]، {فأسقيناكموه} [الحجر: 22]، وقد تكون الكلمة الواحدة آية، مثل: والفجر، والضحى، والعصر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم -في قول الكوفيين- وحم، عسق عندهم كلمتان. وغيرهم لا يسمي هذه آيات بل يقول: هي فواتح السور. وقال أبو عمرو الداني: لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى: {مدهامتان} بسورة الرحمن.

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ، ونفع بكِ.
أداؤكِ في تلخيص مقاصد كتاب التبيان كان أفضل ، فلعلكِ تعجلتِ في إخراج تلخيص مقاصد مقدمة ابن كثير ، وإلا فإني على يقين أنه كان بإمكانكِ تقديم الأفضل.
فجزاكِ ربي خيرا على حرصكِ ، لكن من المهم أن نتقن العمل ونحسن إخراجه ، { والله يحب المحسنين }
ومن معاني الإحسان : الإتقان والجودة.


الملحوظات الأساسية على تلخيصكِ :
1: الاعتماد على النسخ.
2: عدم عزو الأحاديث والآثار ، بل ونسخ الأحاديث بسندها كاملا والمطلوب الاقتصار على اسم الراوي فقط كما سأبين لكِ أدناه.
3:

بدا لي في بعض المواضع خاصة المقصد الخامس أنكِ سميتِ المسائل بأسماء الموضوعات ولخصتِ ما ورد في كل موضوع إجمالا
ولم يكن هذا المقصود وإنما كان المقصود أن تقرأي الموضوعات التي أوردها الشيخ تحت كل مقصد ، وتستخرجين المسائل الواردة فيها ثم تلخصين ما ورد تحتها ؛ فكل موضوع يمكن أن يحتوي على مسألة واحدة أو أكثر من مسألة.
مثلا تحت " فضل تلاوة القرآن " يمكنكِ استنباط المسائل من الأحاديث بهذه الصورة :
اقتباس:
فضل تلاوة القرآن :
1: من أحب الأعمال إلى الله تعاهد قراءة القرآن :
عن ابن عباس قال: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: ((الحال المرتحل)). قال: يا رسول الله، ما الحال المرتحل؟ قال: ((صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، وفي آخره حتى يبلغ أوله)) ".
رواه الطبراني.

2: يكون من أهل الله وخاصته

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس)). قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) " رواه الإمام أحمد.

وتأملي في هذا المثال طريقة تلخيص الأحاديث.

تقييم التلخيص :
الشمول : 18 / 20
الترتيب : 20 / 20
التحرير العلمي : 15 / 20
الصياغة : 10 / 15
العرض : 14 / 15
المقصد الكلي : 8 / 10
______________
المجموع الكلي = 85
%
أسأل الله أن ينفع بكِ الإسلام والمسلمين وأن يزيدكِ توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبه, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:54 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir