دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 23 جمادى الآخرة 1436هـ/12-04-2015م, 12:38 AM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله...} لشيخ الإسلام ابن تيمية

🔴ما يتعلق بالآية : {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} :
-شدة وقع الآية على الصحابة رضي الله عنهم:
في قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} قد ثبت في صحيح مسلمٍ عن العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: لمّا أنزل اللّه: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} اشتدّ ذلك على أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ بركوا على الرّكب وقالوا: أي رسول اللّه كلّفنا من العمل ما نطيق: الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة؛ وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير)، فلمّا قرأها القوم وذلّت بها ألسنتهم أنزل اللّه في أثرها: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}.

-سبب اشتداد الآية على الصحابة:
والصّحابة إنّما هربوا وخافوا أن يكون الأمر من هذا الجنس ( أن يعذّب اللّه النّاس بلا ذنبٍ وأن يكلّفهم ما لا يطيقون ويعذّبهم على تركه)فقالوا: لا طاقة لنا بهذا؛ فإنّه إن كلّفنا ما لا نطيق عذّبنا .

-نسخ ظن الصحابة :
فنسخ اللّه هذا الظّنّ وبيّن أنّه لا يكلّف نفسًا إلّا وسعهاونزلت الآية {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: نعم {ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا}، قال: نعم، {ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به}، قال: نعم {واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: نعم. كما جاء في حديث أبي هريرة .
وروى سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ معناه وقال: قد فعلت قد فعلت بدل نعم.

-الأقوال في نسخ الآية:
~ولهذا قال كثيرٌ من السّلف والخلف: إنّها منسوخةٌ بقوله:{لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} كما نقل ذلك عن ابن مسعودٍ وأبي هريرة وابن عمر وابن عبّاسٍ في روايةٍ عنه والحسن والشّعبيّ وابن سيرين وسعيد بن جبيرٍ وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ والسدي ومحمّد بن كعبٍ ومقاتلٍ والكلبيّ وابن زيدٍ .
~ونقل عن آخرين: أنّها ليست منسوخةً بل هي ثابتةٌ في المحاسبة على العموم فيأخذ من يشاء ويغفر لمن يشاء، كما نقل ذلك عن ابن عمر والحسن واختاره أبو سليمان الدّمشقيّ والقاضي أبو يعلى وقالوا: هذا خبرٌ والأخبار لا تنسخ.

~الترجيح ومفهوم النسخ في الآية:
و" فصل الخطاب ": أنّ لفظ " النّسخ " مجملٌ فالسّلف كانوا يستعملونه فيما يظنّ دلالة الآية عليه من عمومٍ أو إطلاقٍ أو غير ذلك كما قال من قال: إنّ قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده} نسخ بقوله: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} وليس بين الآيتين تناقضٌ لكن قد يفهم بعض النّاس من قوله: {حقّ تقاته} و{حقّ جهاده} الأمر بما لا يستطيعه العبد فينسخ ما فهمه هذا كما ينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ويحكم اللّه آياته. وإن لم يكن نسخ ذلك نسخ ما أنزله بل نسخ ما ألقاه الشّيطان إمّا من الأنفس أو من الأسماع أو من اللّسان. وكذلك ينسخ اللّه ما يقع في النّفوس من فهمّ معنًى وإن كانت الآية لم تدلّ عليه لكنّه محتملٌ وهذه الآية من هذا الباب؛
وكلام السّلف يوافق ما ذكرناه قال ابن عبّاسٍ: هذه الآية لم تنسخ ولكنّ اللّه إذا جمع الخلائق يقول: إنّي أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم ممّا لم تطّلع عليه ملائكتي فأمّا المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم وهو قوله: {يحاسبكم به اللّه} يقول: يخبركم به اللّه وأمّا أهل الشّرك والرّيب فيخبرهم بما أخفوه من التّكذيب وهو قوله: {فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء} .

-دلالة الآية :{وإن تبدوا ما في أنفسكم}
الآية إنّما تدلّ على أنّ اللّه يحاسب بما في النّفوس لا على أنّه يعاقب على كلّ ما في النّفوس

-دلالة قوله تعالى {لمن يشاء}
وقوله: {لمن يشاء} يقتضي أنّ الأمر إليه في المغفرة والعذاب لا إلى غيره.

-سبب النزول:
وقد روي عن ابن عبّاسٍ: أنّها نزلت في كتمان الشّهادة وروي ذلك عن عكرمة والشّعبيّ وكتمان الشّهادة من باب ترك الواجب وذلك ككتمان العيب الّذي يجب إظهاره وكتمان العلم الّذي يجب إظهاره وعن مجاهدٍ أنّه الشّكّ واليقين وهذا أيضًا من باب ترك الواجب؛ لأنّ اليقين واجبٌ وروي عن عائشة: (ما أعلنت فإنّ اللّه يحاسبك به وأمّا ما أخفيت فما عجّلت لك به العقوبة في الدّنيا).

-عدل الله في الثواب والعقاب
ولا يقتضي أنّه يغفر ويعذّب بلا حكمةٍ ولا عدلٍ كما قد يظنّه من يظنّه من النّاس حتّى يجوّزوا أنّه يعذّب على الأمر اليسير من السّيّئات مع كثرة الحسنات وعظمها وأنّ الرّجلين اللّذين لهما حسناتٌ وسيّئاتٌ يغفر لأحدهما مع كثرة سيّئاته وقلّة حسناته ويعاقب الآخر على السّيّئة الواحدة مع كثرة حسناته ويجعل درجة ذاك في الجنّة فوق درجة الثّاني.

-دلالة الآية في إبطال قول الفرق الضالة:
وبيّن بطلان قول هؤلاء الّذين يقولون إنّه يكلّف العبد ما لا يطيقه ويعذّبه عليه وهذا القول لم يعرف عن أحدٍ من السّلف والأئمّة؛ بل أقوالهم تناقض ذلك

-توضيح لمكنون النفس وكيف يتغير :
وقال: {ذلك بأنّ اللّه لم يك مغيّرًا نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم}، وهذا التّغيير نوعان:
أحدهما: أن يبدوا ذلك فيبقى قولًا وعملًا يترتّب عليه الذّمّ والعقاب.
والثّاني: أن يغيّروا الإيمان الّذي في قلوبهم بضدّه من الرّيب والشّكّ والبغض ويعزموا على ترك فعل ما أمر اللّه به ورسوله فيستحقّون العذاب هنا على ترك المأمور وهناك على فعل المحظور. وكذلك ما في النّفس ممّا يناقض محبّة اللّه والتّوكّل عليه والإخلاص له والشّكر له يعاقب عليه؛ لأنّ هذه الأمور كلّها واجبةٌ فإذا خلّي القلب عنها واتّصف بأضدادها استحقّ العذاب على ترك هذه الواجبات.
وبهذا التّفصيل تزول شبهٌ كثيرةٌ ويحصل الجمع بين النّصوص فإنّها كلّها متّفقةٌ على ذلك

-أنواع المأمور به:
فالمأمور به " نوعان "
1- نوعٌ ظاهرٌ على الجوارح
2-ونوعٌ باطنٌ في القلب.
" النّوع الثّاني " ما يكون باطنًا في القلب كالإخلاص وحبّ اللّه ورسوله والتّوكّل عليه والخوف منه وكنفس إيمان القلب وتصديقه بما أخبر به الرّسول فهذا النّوع تعلّقه بالقلب ظاهرٌ فإنّه محلّه وهذا النّوع هو أصل النّوع الأوّل وهو أبلغ في الخير والشّرّ من الأوّل فنفس إيمان القلب وحبّه وتعظيمه للّه وخوفه ورجائه والتّوكّل عليه وإخلاص الدّين له لا يتمّ شيءٌ من المأمور به ظاهرًا إلّا بها وإلّا فلو عمل أعمالًا ظاهرةً بدون هذه كان منافقًا وهي في أنفسها توجب لصاحبها أعمالًا ظاهرةً توافقها وهي أشرف من فروعها كما قال تعالى: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم} . وكذلك تكذيب الرّسول بالقلب وبغضه وحسده والاستكبار عن متابعته أعظم إثمًا من أعمالٍ ظاهرةٍ خاليةٍ عن هذا كالقتل والزّنا والشّرب والسّرقة وما كان كفرًا من الأعمال الظّاهرة: كالسّجود للأوثان وسبّ الرّسول ونحو ذلك فإنّما ذلك لكونه مستلزمًا لكفر الباطن وإلّا فلو قدّر أنّه سجد قدّام وثنٍ ولم يقصد بقلبه السّجود له بل قصد السّجود للّه بقلبه لم يكن ذلك كفرًا وقد يباح ذلك إذا كان بين مشركين يخافهم على نفسه فيوافقهم في الفعل الظّاهر ويقصد بقلبه السّجود للّه كما ذكر أنّ بعض علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب فعل نحو ذلك مع قومٍ من المشركين حتّى دعاهم إلى الإسلام فأسلموا على يديه ولم يظهر منافرتهم في أوّل الأمر.

-بيان أن ما وقر في القلب يظهر على الجوارح:
~الأقوال والترجيح :
وهنا " أصولٌ " تنازع النّاس فيها. منها أنّ القلب هل يقوم به تصديقٌ أو تكذيبٌ ولا يظهر قطّ منه شيءٌ على اللّسان والجوارح وإنّما يظهر نقيضه من غير خوفٍ؟ فالّذي عليه السّلف والأئمّة وجمهور النّاس أنّه لا بدّ من ظهور موجب ذلك على الجوارح فمن قال: إنّه يصدّق الرّسول ويحبّه ويعظّمه بقلبه ولم يتكلّم قطّ بالإسلام ولا فعل شيئًا من واجباته بلا خوفٍ فهذا لا يكون مؤمنًا في الباطن؛ وإنّما هو كافرٌ.

-أدلة إبطال مزاعم جهم :
وزعم جهمٌ ومن وافقه أنّه يكون مؤمنًا في الباطن........ وأنّ مجرّد معرفة القلب وتصديقه يكون إيمانًا يوجب الثّواب يوم القيامة بلا قولٍ ولا عملٍ ظاهرٍ وهذا باطلٌ شرعًا وعقلًا كما قد بسط في غير هذا الموضع وقد كفّر السّلف كوكيع وأحمد وغيرهما من يقول بهذا القول وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب) فبيّن أنّ صلاح القلب مستلزمٌ لصلاح الجسد فإذا كان الجسد غير صالحٍ دلّ على أنّ القلب غير صالحٍ والقلب المؤمن صالحٌ فعلم أنّ من يتكلّم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمنًا حتّى إنّ المكره إذا كان في إظهار الإيمان فلا بدّ أن يتكلّم مع نفسه وفي السّرّ مع من يأمن إليه ولا بدّ أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه كما قال عثمان. وأمّا إذا لم يظهر أثر ذلك لا بقوله ولا بفعله قطّ فإنّه يدلّ على أنّه ليس في القلب إيمانٌ. وذلك أنّ الجسد تابعٌ للقلب فلا يستقرّ شيءٌ في القلب إلّا ظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه وإن لم يظهر كلّ موجبه لمعارض فالمقتضي لظهور موجبه قائمٌ؛ والمعارض لا يكون لازمًا للإنسان لزوم القلب له؛ وإنّما يكون في بعض الأحوال متعذّرًا إذا كتم ما في قلبه كمؤمن آل فرعون مع أنّه قد دعا إلى الإيمان دعاءً ظهر به من إيمان قلبه ما لا يظهر من إيمان من أعلن إيمانه بين موافقيه وهذا في معرفة القلب وتصديقه.

-قصد القلب وعزمه وحكم مؤاخذة القلب بالهمة:
~ ومنها قصد القلب وعزمه إذا قصد الفعل وعزم عليه مع قدرته على ما قصده هل يمكن أن لا يوجد شيءٌ ممّا قصده وعزم عليه؟
~فيه قولان أصحّهما أنّه إذا حصل القصد الجازم مع القدرة وجب وجود المقدور وحيث لم يفعل العبد مقدوره دلّ على أنّه ليس هناك قصدٌ جازمٌ وقد يحصل قصدٌ جازمٌ مع العجز عن المقدور لكن يحصل معه مقدّمات المقدور
~وقيل: بل قد يمكن حصول العزم التّامّ بدون أمرٍ ظاهرٍ. وهذا نظير قول من قال ذلك في المعرفة والتّصديق وهما من أقوال أتباع جهمٍ الّذين نصروا قوله في الإيمان كالقاضي أبي بكرٍ وأمثاله فإنّهم نصروا قوله وخالفوا السّلف والأئمّة وعامّة طوائف المسلمين.
~ وبهذا ينفصل النّزاع في " مؤاخذة العبد بالهمة " فمن النّاس: من قال: يؤاخذ بها إذا كانت عزمًا ومنهم من قال: لا يؤاخذ بها
~والتّحقيق: أنّ الهمّة إذا صارت عزمًا فلا بدّ أن يقترن بها قولٌ أو فعلٌ؛ فإنّ الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
~ والّذين قالوا: يؤاخذ بها احتجّوا بقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار) الحديث وهذا لا حجّة فيه؛ فإنّه ذكر ذلك في رجلين اقتتلا كلٌّ منهما يريد قتل الآخر وهذا ليس عزمًا مجرّدًا؛ بل هو عزمٌ مع فعل المقدور؛ لكنّه عاجزٌ عن إتمام مراده وهذا يؤاخذ باتّفاق المسلمين فمن اجتهد على شرب الخمر وسعى في ذلك بقوله وعمله ثمّ عجز فإنّه آثمٌ باتّفاق المسلمين وهو كالشّارب وإن لم يقع منه شربٌ وكذلك من اجتهد على الزّنا والسّرقة ونحو ذلك بقوله وعمله ثمّ عجز فهو آثمٌ كالفاعل ومثل ذلك في قتل النّفس وغيره كما جعل الدّاعي إلى الخير له مثل أجر المدعوّ ووزره لأنّه أراد فعل المدعوّ وفعل ما يقدر عليه فالإرادة الجازمة مع فعل المقدور من ذلك فيحصل له مثل أجر الفاعل ووزره وقد قال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم} الآية. وفصل الخطاب في الآية أنّ {أولي الضّرر}نوعان: نوعٌ لهم عزمٌ تامٌّ على الجهاد ولو تمكّنوا لما قعدوا ولا تخلّفوا وإنّما أقعدهم العذر فهم كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّ بالمدينة رجالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلّا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر) وهم أيضًا كما قال في حديث أبي كبشة الأنماري: (هما في الأجر سواءٌ) وكما في حديث أبي موسى: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) فأثبت له مثل ذلك العمل؛ لأنّ عزمه تامٌّ وإنّما منعه العذر. والنّوع الثّاني من " أولي الضّرر " الّذين ليس لهم عزمٌ على الخروج فهؤلاء يفضّل عليهم الخارجون المجاهدون وأولو الضّرر العازمون عزمًا جازمًا على الخروج وقوله تعالى: {غير أولي الضّرر} سواءٌ كان استثناءً أو صفةً دلّ على أنّهم لا يدخلون مع القاعدين في نفي الاستواء فإذا فصّل الأمر فيهم بين العازم وغير العازم بقيت الآية على ظاهرها ولو جعل قوله: {فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً} عامًّا في أهل الضّرر وغيرهم لكان ذلك مناقضًا لقوله: {غير أولي الضّرر} فإنّ قوله: {لا يستوي القاعدون} {والمجاهدون} إنّما فيها نفي الاستواء؛ فإن كان أهل الضّرر كلّهم كذلك لزم بطلان قوله: {غير أولي الضّرر}ولزم أنّه لا يساوي المجاهدين قاعدٌ ولو كان من أولي الضّرر وهذا خلاف مقصود الآية. و" أيضًا " فالقاعدون إذا كانوا من غير أولي الضّرر والجهاد ليس بفرض عينٍ فقد حصلت الكفاية بغيرهم؛ فإنّه لا حرج عليهم في القعود؛ بل هم موعودون بالحسنى كأولي الضّرر وهذا مثل قوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية فالوعد بالحسنى شاملٌ لأولي الضّرر وغيرهم. فإن قيل: قد قال في الأولى في فضلهم درجةً ثمّ قال في فضلهم {درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً} كما قال: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} {الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند اللّه وأولئك هم الفائزون} {يبشّرهم ربّهم برحمةٍ منه ورضوانٍ وجنّاتٍ لهم فيها نعيمٌ مقيمٌ.}فقوله: {أعظم درجةً}، كما قال في السّابقين: {أعظم درجةً} وهذا نصبٌ على التّمييز: أي درجتهم أعظم درجةً وهذا يقتضي تفضيلًا مجملًا يقال: منزلة هذا أعظم وأكبر كذلك قوله: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} الآيات؛ ليس المراد به أنّهم لم يفضّلوا عليهم إلّا بدرجة فإنّ في الحديث الصّحيح الّذي يرويه أبو سعيدٍ وأبو هريرة: (إنّ في الجنّة مائة درجةٍ أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض) الحديث وفي حديث أبي سعيدٍ: من رضي باللّه ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّد نبيًّا وجبت له الجنّة فعجب لها أبو سعيدٍ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (وأخرى يرفع اللّه بها العبد مائة درجةٍ في الجنّة ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض) فقال: وما هي يا رسول اللّه؟ قال:(الجهاد في سبيل اللّه) فهذا الحديث الصّحيح بيّن أنّ المجاهد يفضّل على القاعد الموعود بالحسنى من غير أولي الضّرر مائة درجةٍ وهو يبطل قول من يقول: إنّ الوعد بالحسنى والتّفضيل بالدّرجة مختصٌّ بأولي الضّرر فهذا القول مخالفٌ للكتاب والسّنّة. وقد يقال: إنّ درجةً منصوبٌ على التّمييز كما قال أعظم درجةً أي فضل درجتهم على درجتهم أفضل كما يقال: فضّل هذا على هذا منزلًا ومقامًا وقد يراد بالدّرجة جنس الدّرج وهي المنزّلة والمستقرّ لا يراد به درجةٌ واحدةٌ من العدد وقوله: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} {درجاتٍ} منصوبٌ بفضل لأنّ التّفضيل زيادةٌ للمفضّل فالتّقدير زادهم عليهم أجرًا عظيمًا درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً فهذا النّزاع في العازم الجازم إذا فعل مقدوره هل يكون كالفاعل في الأجر والوزر أم لا؟ وأمّا في استحقاق الأجر والوزر فلا نزاع في ذلك وقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما) فيه حرص كلّ واحدٍ منهما على قتلٍ صاحبه وفعل مقدوره فكلاهما مستحقٌّ للنّار ويبقى الكلام في تساوي القعودين بشيء آخر. وهكذا حال المقتتلين من المسلمين في الفتن الواقعة بينهم فلا تكون عاقبتهما إلّا عاقبة سوءٍ الغالب والمغلوب فإنّه لم يحصل له دنيا ولا آخرةٌ كما قال الشّعبيّ: أصابتنا فتنةٌ لم نكن فيها بررةً أتقياء ولا فجرةً أشقياء وأمّا الغالب فإنّه يحصل له حظٌّ عاجلٌ ثمّ ينتقم منه في الآخرة وقد يعجّل اللّه له الانتقام في الدّنيا كما جرى لعامّة الغالبين في الفتن فإنّهم أصيبوا في الدّنيا كالغالبين في الحرّة وفتنة أبي مسلمٍ الخراسانيّ ونحو ذلك.
~وأمّا من قال: إنّه لا يؤاخذ بالعزم القلبيّ فاحتجّوا بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها) وهذا ليس فيه أنّه عافٍ لهم عن العزم بل فيه أنّه عفا عن حديث النّفس إلى أن يتكلّم أو يعمل فدلّ على أنّه ما لم يتكلّم أو يعمل لا يؤاخذ؛ ولكن ظنّ من ظنّ أنّ ذلك عزمًا وليس كذلك؛ بل ما لم يتكلّم أو يعمل لا يكون عزمًا؛ فإنّ العزم لا بدّ أن يقترن به المقدور وإن لم يعمل العازم إلى المقصود فالّذي يعزم على القتل أو الزّنا أو نحوه عزمًا جازمًا لا بدّ أن يتحرّك ولو برأسه أو يمشي أو يأخذ آلةً أو يتكلّم كلمةً أو يقول أو يفعل شيئًا فهذا كلّه ما يؤاخذ به كزنا العين واللّسان والرّجل فإنّ هذا يؤاخذ به وهو من مقدّمات الزّنا التّامّ بالفرج وإنّما وقع العفو عمّا ما لم يبرز خارجًا بقول أو فعلٍ ولم يقترن به أمرٌ ظاهرٌ قطّ فهذا يعفى عنه لمن قام بما يجب على القلب من فعل المأمور به سواءٌ كان المأمور به في القلب وموجبه في الجسد أو كان المأمور به ظاهرًا في الجسد وفي القلب معرفته وقصده فهؤلاء إذا حدّثوا أنفسهم بشيء كان عفوًا مثل همٍّ ثابتٍ بلا فعلٍ ومثل الوسواس الّذي يكرهونه وهم يثابون على كراهته وعلى ترك ما همّوا به وعزموا عليه للّه تعالى وخوفًا منه). [مجموع الفتاوى: 14/ 99-128]

- أهمية السر والعلن :
فالمنافقون الّذين يظهرون خلاف ما يبطنون يعاقبون على أنّهم لم تؤمن قلوبهم؛ بل أضمرت الكفر قال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم}، وقال: {في قلوبهم مرضٌ}، وقال: {أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم}فالمنافق لا بدّ أن يظهر في قوله وفعله ما يدلّ على نفاقه وما أضمره كما قال عثمان بن عفان: ما أسرّ أحدٌ سريرةً إلّا أظهرها اللّه على صفحات وجهه وفلتات لسانه وقد قال تعالى عن المنافقين: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم}، ثمّ قال: {ولتعرفنّهم في لحن القول} وهو جواب قسمٍ محذوفٍ أي: واللّه لتعرفهم في لحن القول فمعرفة المنافق في لحن القول لا بدّ منها وأمّا معرفته بالسّيما فموقوفةٌ على المشيئة.
-عقوبات الذنوب السر بالسر والعلن بالعلن:
وهذا قد يكون ممّا يعاقب فيه العبد بالغمّ كما سئل سفيان بن عيينة عن غمٍّ لا يعرف سببه قال هو ذنبٌ هممت به في سرّك ولم تفعله فجزيت همًّا به. فالذّنوب لها عقوباتٌ: السّرّ بالسّرّ والعلانية بالعلانية، وروي عنها مرفوعًا قالت: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}، فقال: (يا عائشة هذه معاتبة اللّه العبد ممّا يصيبه من النّكبة والحمّى حتّى الشّوكة والبضاعة يضعها في كمّه فيفقدها فيروع لها فيجدها في جيبه حتّى إنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير).
قلت: هذا المرفوع هو واللّه أعلم بيان ما يعاقب به المؤمن في الدّنيا؛ وليس فيه أنّ كلّ ما أخفاه يعاقب به بل فيه أنّه إذا عوقب على ما أخفاه عوقب بمثل ذلك وعلى هذا دلّت الأحاديث الصّحيحة.

-فضل تعجيل العقوبة:
وقد روى الروياني في مسنده من طريق اللّيث عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن سعيد بن سنانٍ عن أنسٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: (إذا أراد اللّه بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا وإذا أراد بعبده الشّرّ أمسك عنه العقوبة بذنبه حتّى يوافيه بها يوم القيامة)وقد قال تعالى: {فأثابكم غمًّا بغمٍّ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم واللّه خبيرٌ بما تعملون} {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة يقولون هل لنا من الأمر من شيءٍ قل إنّ الأمر كلّه للّه يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم واللّه عليمٌ بذات الصّدور}.
فهؤلاء كانوا في ظنّهم ظنّ الجاهليّة ظنًّا ينافي اليقين بالقدر وظنًّا ينافي بأنّ اللّه ينصر رسوله فكان عقابهم على ترك اليقين ووجود الشّكّ وظنّ الجاهليّة ومثل هذا كثيرٌ.

-حكم النية:
وممّا يدخل في ذلك نيّات الأعمال فإنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى. و" النّيّة " هي ممّا يخفيه الإنسان في نفسه فإن كان قصده ابتغاء وجه ربّه الأعلى استحقّ الثّواب وإن كان قصده رياء النّاس استحقّ العقاب كما قال تعالى: {فويلٌ للمصلّين} {الّذين هم عن صلاتهم ساهون} {الّذين هم يراءون} وقال: {وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس} .
وفي حديث أبي هريرة الصّحيح في الثّلاثة الّذين أوّل من تسعّر بهم النّار في الّذي تعلّم وعلّم ليقال: عالمٌ قارئٌ والّذي قاتل ليقال جريءٌ وشجاعٌ. والّذي تصدّق ليقال جوادٌ وكريمٌ فهؤلاء إنّما كان قصدهم مدح النّاس لهم وتعظيمهم لهم وطلب الجاه عندهم؛ لم يقصدوا بذلك وجه اللّه وإن كانت صور أعمالهم صورًا حسنةً فهؤلاء إذا حوسبوا كانوا ممّن يستحقّ العذاب كما في الحديث: (من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السّفهاء أو ليصرف به وجوه النّاس إليه فله من عمله النّار) وفي الحديث الآخر: (من طلب علمًا ممّا يبتغى به وجه اللّه لا يطلبه إلّا ليصيب به عرضًا من الدّنيا لم يرح رائحة الجنّة وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عامٍ) .

-بيان أن القلب هو الأصل:
وفي " الجملة " القلب هو الأصل كما قال أبو هريرة: القلب ملك الأعضاء والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث خبثت جنوده وهذا كما في حديث النّعمان بن بشيرٍ المتّفق عليه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إنّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب) فصلاحه وفساده يستلزم صلاح الجسد وفساده فيكون هذا ممّا أبداه لا ممّا أخفاه. وكلّ ما أوجبه اللّه على العباد لا بدّ أن يجب على القلب فإنّه الأصل وإن وجب على غيره تبعًا فالعبد المأمور المنهيّ إنّما يعلم بالأمر والنّهي قلبه وإنّما يقصد بالطّاعة والامتثال القلب والعلم بالمأمور والامتثال يكون قبل وجود الفعل المأمور به كالصّلاة والزّكاة والصّيام وإذا كان العبد قد أعرض عن معرفة الأمر وقصد الامتثال كان أوّل المعصية منه؛ بل كان هو العاصي وغيره تبعٌ له في ذلك؛ ولهذا قال في حقّ الشّقيّ: {فلا صدّق ولا صلّى} {ولكن كذّب وتولّى} الآيات وقال في حقّ السّعداء: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} في غير موضعٍ والمأمور نوعان. " نوعٌ " هو عملٌ ظاهرٌ على الجوارح وهذا لا يكون إلّا بعلم القلب وإرادته. فالقلب هو الأصل فيه كالوضوء والاغتسال وكأفعال الصّلاة: من القيام والرّكوع والسّجود. وأفعال الحجّ: من الوقوف والطّواف وإن كانت أقوالًا فالقلب أخصّ بها فلا بدّ أن يعلم القلب وجود ما يقوله أو بما يقول ويقصده.
ولهذا كانت الأقوال في الشّرع لا تعتبر إلّا من عاقلٍ يعلم ما يقول ويقصده .

-ماورد من أحكام المجنون والصبي مايدل على أن القلب هو الأصل في قبول الأعمال والأقوال :
فأمّا المجنون والطّفل الّذي لا يميّز فأقواله كلّها لغوٌ في الشّرع لا يصحّ منه إيمانٌ ولا كفرٌ ولا عقدٌ من العقود ولا شيءٌ من الأقوال باتّفاق المسلمين وكذلك النّائم إذا تكلّم في منامه فأقواله كلّها لغوٌ سواءٌ تكلّم المجنون والنّائم بطلاق أو كفرٍ أو غيره وهذا بخلاف الطّفل؛ فإنّ المجنون والنّائم إذا أتلف مالًا ضمنه ولو قتل نفسًا وجبت ديتها كما تجب دية الخطأ. وتنازع العلماء في السّكران مع اتّفاقهم أنّه لا تصحّ صلاته لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم:(مروهم بالصّلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرّقوا بينهم في المضاجع) وهو معروفٌ في السّنن. وتنازعوا في عقود السّكران كطلاقه وفي أفعاله المحرّمة كالقتل والزّنا هل يجرى مجرى العاقل أو مجرى المجنون أو يفرّق بين أقواله وأفعاله وبين بعض ذلك وبعضٍ؟ على عدّة أقوالٍ معروفةٍ. والّذي تدلّ عليه النّصوص والأصول وأقوال الصّحابة: أنّ أقواله هدرٌ - كالمجنون - لا يقع بها طلاقٌ ولا غيره؛ فإنّ اللّه تعالى قد قال: {حتّى تعلموا ما تقولون} فدلّ على أنّه لا يعلم ما يقول والقلب هو الملك الّذي تصدر الأقوال والأفعال عنه فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادرًا عن القلب؛ بل يجري مجرى اللّغو والشّارع لم يرتّب المؤاخذة إلّا على ما يكسبه القلب من الأقوال والأفعال الظّاهرة كما قال: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} ولم يؤاخذ على أقوالٍ وأفعالٍ لم يعلم بها القلب ولم يتعمّدها وكذلك ما يحدّث به المرء نفسه لم يؤاخذ منه إلّا بما قاله أو فعله وقال قومٌ: إنّ اللّه قد أثبت للقلب كسبًا فقال: {بما كسبت قلوبكم} فليس للّه عبدٌ أسرّ عملًا أو أعلنه من حركةٍ في جوارحه أو همٍّ في قلبه إلّا يخبره اللّه به ويحاسبه عليه ثمّ يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء. واحتجّوا بقوله تعالى: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولًا} وهذا القول ضعيفٌ شاذٌّ؛ فإنّ قوله: {يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} إنّما ذكره لبيان أنّه يؤاخذ في الأعمال بما كسب القلب لا يؤاخذ بلغو الأيمان كما قال: {بما عقّدتم الأيمان} فالمؤاخذة لم تقع إلّا بما اجتمع فيه كسب القلب مع عمل الجوارح فأمّا ما وقع في النّفس؛ فإنّ اللّه تجاوز عنه ما لم يتكلّم به أو يعمل وما وقع من لفظٍ أو حركةٍ بغير قصد القلب وعلمه فإنّه لا يؤاخذ به. و" أيضًا " فإذا كان السّكران لا يصحّ طلاقه والصّبيّ المميّز تصحّ صلاته ثمّ الصّبيّ لا يقع طلاقه فالسّكران أولى وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لماعز لمّا اعترف بالحدّ: (أبك جنونٌ؟ قال: لا ثمّ أمر باستنكاهه لئلّا يكون سكران) فدلّ على أنّ إقرار السّكران باطلٌ وقضيّة ماعزٍ متأخّرةٌ بعد تحريم الخمر فإنّ الخمر حرّمت سنة ثلاثٍ بعد أحدٍ باتّفاق النّاس وقد ثبت عن عثمان وغيره من الصّحابة كعبد اللّه بن عبّاسٍ أنّ طلاق السّكران لا يقع ولم يثبت عن صحابيٍّ خلافه. والّذين أوقعوا طلاقه لم يذكروا إلّا مأخذًا ضعيفًا وعمدتهم أنّه عاصٍ بإزالة عقله وهذا صحيحٌ يوجب عقوبته على المعصية الّتي هي الشّرب فيحدّ على ذلك وأمّا الطّلاق فلا يعاقب به مسلمٌ على المعصية ولو كان كذلك لكان كلّ من شرب الخمر أو سكر طلقت امرأته وإنّما قال من قال: إذا تكلّم به طلقت فهم اعتبروا كلامه لا معصيته ثمّ إنّه في حال سكره قد يعتق والعتق قربةٌ فإن صحّحوا عتقه بطل الفرق وإن ألغوه فإلغاء الطّلاق أولى فإنّ اللّه يحبّ العتق ولا يحبّ الطّلاق. ثمّ من علّل ذلك بالمعصية لزمه طرد ذلك فيمن زال عقله بغير مسكرٍ كالبنج وهو قول من يسوّي بين البنج والسّكران من أصحاب الشّافعيّ وموافقيه كأبي الخطّاب والأكثرون على الفرق وهو منصوص أحمد وأبي حنيفة وغيرهما؛ لأنّ الخمر تشتهيها النّفس وفيها الحدّ؛ بخلاف البنج فإنّه لا حدّ فيه؛ بل فيه التّعزير؛ لأنّه لا يشتهى كالميتة والدّم ولحم الخنزير فيها التّعزير وعامّة العلماء على أنّه لا حدّ فيها إلّا قولًا نقل عن الحسن فهذا فيمن زال عقله. وأمّا إذا كان يعلم ما يقول فإن كان مختارًا قاصدًا لما يقوله فهذا هو الّذي يعتبر قوله: وإن كان مكرهًا فإن أكره على ذلك بغير حقٍّ فهذا عند جمهور العلماء أقواله كلّها لغوٌ مثل كفره وإيمانه وطلاقه وغيره وهذا مذهب مالكٍ والشّافعيّ وأحمد وغيرهم. وأبو حنيفة وطائفةٌ يفرّقون بين ما يقبل الفسخ وما لا يقبله. قالوا: فما يقبل الفسخ لا يلزم من المكره كالبيع؛ بل يقف على إجازته له وما لا يقبل الفسخ كالنّكاح والطّلاق واليمين فإنّه يلزم من المكره. والجمهور ينازعون في هذا الفرق: في ثبوت الوصف وفي تعلّق الحكم به؛ فإنّهم يقولون: النّكاح ونحوه يقبل الفسخ وكذلك العتق يقبل الفسخ عند الشّافعيّ وأحد القولين في مذهب أحمد حتّى إنّ المكاتب قد يحكمون بعتقه ثمّ يفسخون العتق ويعيدونه عبدًا والأيمان المنعقدة تقبل التّحلّة كما قال تعالى: {قد فرض اللّه لكم تحلّة أيمانكم}.
وبسط الكلام على هذا له موضعٌ آخر.
و " المقصود هنا " أنّ القلب هو الأصل في جميع الأفعال والأقوال فما أمر اللّه به من الأفعال الظّاهرة فلا بدّ فيه من معرفة القلب وقصده وما أمر به من الأقوال وكلّ ما تقدّم والمنهيّ عنه من الأقوال والأفعال إنّما يعاقب عليه إذا كان بقصد القلب وأمّا ثبوت بعض الأحكام كضمان النّفوس والأموال إذا أتلفها مجنونٌ أو نائمٌ أو مخطئٌ أو ناسٍ فهذا من باب العدل في حقوق العباد ليس هو من باب العقوبة.

-فضل آخرآيتين من البقرة:
ولمّا كانت هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} خبرًا من اللّه؛ ليس فيها إثباتٌ إيمانٍ للعبد بخلاف الآيتين بعدها كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلةٍ كفتاه) متّفقٌ عليه وهما قوله: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون} إلى آخرها.


-خلاصة ماورد في الآية:
و" المقصود هنا " أنّ قوله تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} حقٌّ والنّسخ فيها هو رفع فهم من فهم من الآية ما لم تدلّ عليه فمن فهم أنّ اللّه يكلّف نفسًا ما لا تسعه فقد نسخ اللّه فهمه وظنّه ومن فهم منها أنّ المغفرة والعذاب بلا حكمةٍ وعدلٍ فقد نسخ فهمه وظنّه فقوله: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} ردٌّ للأوّل وقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} ردٌّ للثّاني وقوله: {فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء} كقوله في آل عمران: {وللّه ما في السّماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه غفورٌ رحيمٌ} وقوله: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}ونحو ذلك. وقد علّمنا أنّه لا يغفر أن يشرك به وأنّه لا يعذّب المؤمنين وأنّه يغفر لمن تاب كذلك قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}الآية. ودلّت هذه الآية على أنّه سبحانه يحاسب بما في النّفوس وقد قال عمر: زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. و" المحاسبة " تقتضي أنّ ذلك يحسب ويحصى. وأمّا " المغفرة والعذاب " فقد دلّ الكتاب والسّنّة على أنّ من في قلبه الكفر وبغض الرّسول وبغض ما جاء به أنّه كافرٌ باللّه ورسوله وقد عفا اللّه لهذه الأمّة - وهم المؤمنون حقًّا الّذين لم يرتابوا - عمّا حدّثت به أنفسها ما لا تتكلّم به أو تعمل كما هو في الصّحيحين من حديث أبي هريرة وابن عبّاسٍ وروي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (أنّ الّذي يهمّ بالحسنة تكتب له والّذي يهمّ بالسّيّئة لا تكتب عليه حتّى يعملها)؛ إذا كان مؤمنًا من عادته عمل الحسنات وترك السّيّئات فإن ترك السّيّئة للّه كتبت له حسنةٌ فإذا أبدى العبد ما في نفسه من الشّرّ بقول أو فعلٍ صار من الأعمال الّتي يستحقّ عليها الذّمّ والعقاب وإن أخفى ذلك وكان ما أخفاه متضمّنًا لترك الإيمان باللّه والرّسول مثل الشّكّ فيما جاء به الرّسول أو بغضه كان معاقبًا على ما أخفاه في نفسه من ذلك؛ لأنّه ترك الإيمان الّذي لا نجاة ولا سعادة إلّا به وأمّا إن كان وسواسًا والعبد يكرهه فهذا صريح الإيمان كما هو مصرّحٌ به في الصّحيح. وهذه " الوسوسة " هي ممّا يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان وقد خاف من خاف من الصّحابة من العقوبة على ذلك فقال تعالى: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها}.
🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺
🔴مايتعلق بقوله تعالى {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها}:
-معنى قوله تعالى {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها}
حتّى إنّ سفيان بن عيينة سئل عن قوله: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} قال: إلّا يسرها ولم يكلّفها طاقتها.
قال البغوي: وهذا قولٌ حسنٌ؛ لأنّ الوسع ما دون الطّاقة وإنّما قاله طائفةٌ من المتأخّرين لمّا ناظروا المعتزلة في " مسائل القدر " وسلك هؤلاء مسلك الجبر جهمٍ وأتباعه فقالوا هذا القول وصاروا فيه على مراتب وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

معنى الوسع:
و " الوسع " فعلٌ بمعنى المفعول أي ما يسعه لا يكلّفها ما تضيق عنه فلا تسعه وهو المقدور عليه المستطاع وقال بعض النّاس: إنّ " الوسع " اسمٌ لما يسع الإنسان ولا يضيّق عليه.
-حكم الوسع في الشرع:
وليس كذلك؛ بل ما يسع الإنسان هو مباحٌ له وما لم يسعه ليس مأمورًا به فما يسعه قد يؤمر به وأمّا ما لا يسعه فهو المباح يقال: يسعني أن أفعل كذا ولا يسعني أن أفعل كذا والمباح هو الواسع ومنه باحة الدّار فالمباح لك أن تفعله هو يسعك ولا تخرج عنه ومنه يقال: رحم اللّه من وسعته السّنّة فلم يتعدّها إلى البدعة: أي فيما أمر اللّه به وما أباحه ما يكفي المؤمن المتّبع في دينه ودنياه لا يحتاج أن يخرج عنه إلى ما نهي عنه.
-حكم مالا يسع تركه:
وأمّا ما كلّفت به فهو ما أمرت بفعله وذلك يكون ممّا تسعه أنت لا ممّا يسعك هو وقد يقال: لا يسعني تركه؛ بل تركه محرّمٌ وقد قال تعالى: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها} وهو أوّل الحرام وقال: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها}، وهي آخر الحلال
🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺
🔴ماور. في الآية {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} :
معنى قوله تعالى {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} :
قال ابن الأنباريّ في قوله: {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} أي لا تحمّلنا ما يثقل علينا أداؤه وإن كنّا مطيقين له على تجشّمٍ وتحمّلٍ مكروهٍ. قال: فخاطب العرب على حسب ما تعقل؛ فإنّ الرّجل منهم يقول للرّجل ما أطيق النّظر إليك وهو مطيقٌ لذلك؛ لكنّه ثقيلٌ عليه النّظر إليه قال: ومثله قوله: {ما كانوا يستطيعون السّمع} . قلت ليست هذه لغة العرب وحدهم؛ بل هذا ممّا اتّفق عليه العقلاء.

-معنى الاستطاعة:
و" الاستطاعة في الشّرع " هي ما لا يحصل معه للمكلّف ضررٌ راجحٌ كاستطاعة الصّيام والقيام فمتى كان يزيد في المرض أو يؤخّر البرء لم يكن مستطيعًا؛ لأنّ في ذلك مضرّةً راجحةً؛
-الهوى والحسد لا يدخلان في معنى عدم
الاستطاعة :
بخلاف هؤلاء فإنّهم كانوا لا يستطيعون السّمع لبغض الحقّ وثقله عليهم: إمّا حسدًا لقائله وإمّا اتّباعًا للهوى ورين الكفر والمعاصي على القلوب وليس هذا عذرًا فلو لم يأمر العباد إلّا بما يهوونه لفسدت السّموات والأرض ومن فيهنّ.

-بيان بطلان قول الفرق الضالة في علم الله :
~(بأنه لا يطابق المعلوم):
والمقصود أن السّلف لم يكن فيهم من يقول: إنّ العبد لا يكون مستطيعًا إلّا في حال فعله وأنّه قبل الفعل لم يكن مستطيعًا فهذا لم يأت الشّرع به قطّ ولا اللّغة ولا دلّ عليه عقلٌ؛ بل العقل يدلّ على نقيضه كما قد بسط في غير هذا الموضع.
والرّبّ تعالى يعلم أنّ العبد لا يفعل الفعل مع أنّه مستطيعٌ له والمعلوم أنّه لا يفعله ولا يريده لا أنّه لا يقدر عليه والعلم يطابق المعلوم فاللّه يعلم ممّن استطاع الحجّ والقيام والصّيام أنّه مستطيعٌ ويعلم أنّ هذا مستطيعٌ يفعل مستطاعه فالمعلوم هو عدم الفعل لعدم إرادة العبد؛ لا لعدم استطاعته كالمقدورات له الّتي يعلم أنّه لا يفعلها لعدم إرادته لها لا لعدم قدرته عليها والعبد قادرٌ على أن يفعل وقد علم اللّه أنّه لا يفعل مع القدرة؛ ولهذا يعذّبه لأنّه إنّما أمره بما استطاع لا بما لا يستطيع ومن لم يستطع لم يأمره ولا يعذّبه على ما لم يستطعه.
~(القدرة على تغيير علم الله):
وإذا قيل: فيلزم أن يكون قادرًا على تغيير علم اللّه لأنّ اللّه علم أنّه لا يفعل فإذا قدر على الفعل قدر على تغيير علم اللّه. قيل: هذه مغلطةٌ؛ وذلك أنّ مجرّد قدرته على الفعل لا يلزم فيها تغيير العلم وإنّما يظنّ من يظنّ تغيير العلم إذا وقع الفعل ولو وقع الفعل لكان المعلوم وقوعه؛ لا عدم وقوعه فيمتنع أن يحصل وقوع الفعل مع علم اللّه بعدم وقوعه؛ بل إن وقع كان اللّه قد علم أنّه يقع وإن لم يقع كان اللّه قد علم أنّه لا يقع ونحن لا نعرف علم اللّه إلّا بما يظهر وعلم اللّه مطابقٌ للواقع فيمتنع أن يقع شيءٌ يستلزم تغيير العلم بل أيّ شيءٍ وقع كان هو المعلوم والعبد الّذي لم يفعل لم يأت بشيء يغيّر العلم؛ بل هو قادرٌ على فعل ما لم يقع ولو وقع لكان اللّه قد علم أنّه يقع لا أنّه لا يقع. وإذا قيل: فمع عدم وقوعه يعلم اللّه أنّه لا يقع فلو قدر العبد على وقوعه قدر على تغيير العلم. قيل ليس الأمر كذلك؛ بل العبد يقدر على وقوعه وهو لم يوقعه ولو أوقعه لم يكن المعلوم إلّا وقوعه فمقدور العبد إذا وقع لم يكن المعلوم إلّا وقوعه فإذا وقع كان اللّه عالمًا أنّه سيقع وإذا لم يقع كان اللّه عالمًا بأنّه لا يقع ألبتّة فإذا فرض وقوعه مع انتفاءٍ لازم الوقوع صار محالًا من جهة إثبات الملزوم بدون لازمه وكلّ الأشياء بهذا الاعتبار هي محالٌ.
~(أنّه يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء):
وممّا يلزم هؤلاء أن لا يبقى أحدٌ قادرًا على شيءٍ إلّا الرّبّ؛ فإنّ الأمور نوعان: " نوعٌ " علم اللّه أنّه سيكون و" نوعٌ " علم اللّه أنّه لا يكون. ف " الأوّل " لا بدّ من وقوعه. و" الثّاني " لا يقع ألبتّة. فما علم اللّه أنّه سيقع يعلم أنّه يقع بمشيئته وقدرته وما علم أنّه لا يقع يعلم أنّه لا يشاؤه وهو سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

رأي أهل السنة في علم الله :
وأهل السّنّة وسطٌ. وما يفعله العباد باختيارهم يعلم سبحانه أنّهم فعلوه بقدرتهم ومشيئتهم وما لم يفعلوه مع قدرتهم عليه يعلم أنّهم لم يفعلوه لعدم إرادتهم له لا لعدم قدرتهم عليه وهو سبحانه الخالق للعباد ولقدرتهم وإرادتهم وأفعالهم وكلّ ذلك مقدورٌ للرّبّ وليس هذا مقدورًا بين قادرين بل القادر المخلوق هو وقدرته ومقدوره مقدورٌ للخالق مخلوقٌ له.

رد مع اقتباس
  #52  
قديم 24 جمادى الآخرة 1436هـ/13-04-2015م, 08:24 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
تفسير قول الله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله...} لشيخ الإسلام ابن تيمية

🔴ما يتعلق بالآية : {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} :
-شدة وقع الآية على الصحابة رضي الله عنهم:
في قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} قد ثبت في صحيح مسلمٍ عن العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: لمّا أنزل اللّه: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} اشتدّ ذلك على أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ بركوا على الرّكب وقالوا: أي رسول اللّه كلّفنا من العمل ما نطيق: الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة؛ وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير)، فلمّا قرأها القوم وذلّت بها ألسنتهم أنزل اللّه في أثرها: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}.

-سبب اشتداد الآية على الصحابة:
والصّحابة إنّما هربوا وخافوا أن يكون الأمر من هذا الجنس ( أن يعذّب اللّه النّاس بلا ذنبٍ وأن يكلّفهم ما لا يطيقون ويعذّبهم على تركه)فقالوا: لا طاقة لنا بهذا؛ فإنّه إن كلّفنا ما لا نطيق عذّبنا .

-نسخ ظن الصحابة :
فنسخ اللّه هذا الظّنّ وبيّن أنّه لا يكلّف نفسًا إلّا وسعهاونزلت الآية {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: نعم {ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا}، قال: نعم، {ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به}، قال: نعم {واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: نعم. كما جاء في حديث أبي هريرة .
وروى سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ معناه وقال: قد فعلت قد فعلت بدل نعم.

-الأقوال في نسخ الآية:
~ولهذا قال كثيرٌ من السّلف والخلف: إنّها منسوخةٌ بقوله:{لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} كما نقل ذلك عن ابن مسعودٍ وأبي هريرة وابن عمر وابن عبّاسٍ في روايةٍ عنه والحسن والشّعبيّ وابن سيرين وسعيد بن جبيرٍ وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ والسدي ومحمّد بن كعبٍ ومقاتلٍ والكلبيّ وابن زيدٍ .
~ونقل عن آخرين: أنّها ليست منسوخةً بل هي ثابتةٌ في المحاسبة على العموم فيأخذ من يشاء ويغفر لمن يشاء، كما نقل ذلك عن ابن عمر والحسن واختاره أبو سليمان الدّمشقيّ والقاضي أبو يعلى وقالوا: هذا خبرٌ والأخبار لا تنسخ.

~الترجيح ومفهوم النسخ في الآية:
و" فصل الخطاب ": أنّ لفظ " النّسخ " مجملٌ فالسّلف كانوا يستعملونه فيما يظنّ دلالة الآية عليه من عمومٍ أو إطلاقٍ أو غير ذلك كما قال من قال: إنّ قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده} نسخ بقوله: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} وليس بين الآيتين تناقضٌ لكن قد يفهم بعض النّاس من قوله: {حقّ تقاته} و{حقّ جهاده} الأمر بما لا يستطيعه العبد فينسخ ما فهمه هذا كما ينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ويحكم اللّه آياته. وإن لم يكن نسخ ذلك نسخ ما أنزله بل نسخ ما ألقاه الشّيطان إمّا من الأنفس أو من الأسماع أو من اللّسان. وكذلك ينسخ اللّه ما يقع في النّفوس من فهمّ معنًى وإن كانت الآية لم تدلّ عليه لكنّه محتملٌ وهذه الآية من هذا الباب؛
وكلام السّلف يوافق ما ذكرناه قال ابن عبّاسٍ: هذه الآية لم تنسخ ولكنّ اللّه إذا جمع الخلائق يقول: إنّي أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم ممّا لم تطّلع عليه ملائكتي فأمّا المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم وهو قوله: {يحاسبكم به اللّه} يقول: يخبركم به اللّه وأمّا أهل الشّرك والرّيب فيخبرهم بما أخفوه من التّكذيب وهو قوله: {فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء} .

-دلالة الآية :{وإن تبدوا ما في أنفسكم}
الآية إنّما تدلّ على أنّ اللّه يحاسب بما في النّفوس لا على أنّه يعاقب على كلّ ما في النّفوس

-دلالة قوله تعالى {لمن يشاء}
وقوله: {لمن يشاء} يقتضي أنّ الأمر إليه في المغفرة والعذاب لا إلى غيره.

-سبب النزول:
وقد روي عن ابن عبّاسٍ: أنّها نزلت في كتمان الشّهادة وروي ذلك عن عكرمة والشّعبيّ وكتمان الشّهادة من باب ترك الواجب وذلك ككتمان العيب الّذي يجب إظهاره وكتمان العلم الّذي يجب إظهاره وعن مجاهدٍ أنّه الشّكّ واليقين وهذا أيضًا من باب ترك الواجب؛ لأنّ اليقين واجبٌ وروي عن عائشة: (ما أعلنت فإنّ اللّه يحاسبك به وأمّا ما أخفيت فما عجّلت لك به العقوبة في الدّنيا).

-عدل الله في الثواب والعقاب
ولا يقتضي أنّه يغفر ويعذّب بلا حكمةٍ ولا عدلٍ كما قد يظنّه من يظنّه من النّاس حتّى يجوّزوا أنّه يعذّب على الأمر اليسير من السّيّئات مع كثرة الحسنات وعظمها وأنّ الرّجلين اللّذين لهما حسناتٌ وسيّئاتٌ يغفر لأحدهما مع كثرة سيّئاته وقلّة حسناته ويعاقب الآخر على السّيّئة الواحدة مع كثرة حسناته ويجعل درجة ذاك في الجنّة فوق درجة الثّاني.

-دلالة الآية في إبطال قول الفرق الضالة:
وبيّن بطلان قول هؤلاء الّذين يقولون إنّه يكلّف العبد ما لا يطيقه ويعذّبه عليه وهذا القول لم يعرف عن أحدٍ من السّلف والأئمّة؛ بل أقوالهم تناقض ذلك

-توضيح لمكنون النفس وكيف يتغير :
وقال: {ذلك بأنّ اللّه لم يك مغيّرًا نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم}، وهذا التّغيير نوعان:
أحدهما: أن يبدوا ذلك فيبقى قولًا وعملًا يترتّب عليه الذّمّ والعقاب.
والثّاني: أن يغيّروا الإيمان الّذي في قلوبهم بضدّه من الرّيب والشّكّ والبغض ويعزموا على ترك فعل ما أمر اللّه به ورسوله فيستحقّون العذاب هنا على ترك المأمور وهناك على فعل المحظور. وكذلك ما في النّفس ممّا يناقض محبّة اللّه والتّوكّل عليه والإخلاص له والشّكر له يعاقب عليه؛ لأنّ هذه الأمور كلّها واجبةٌ فإذا خلّي القلب عنها واتّصف بأضدادها استحقّ العذاب على ترك هذه الواجبات.
وبهذا التّفصيل تزول شبهٌ كثيرةٌ ويحصل الجمع بين النّصوص فإنّها كلّها متّفقةٌ على ذلك

-أنواع المأمور به:
فالمأمور به " نوعان "
1- نوعٌ ظاهرٌ على الجوارح
2-ونوعٌ باطنٌ في القلب.
" النّوع الثّاني " ما يكون باطنًا في القلب كالإخلاص وحبّ اللّه ورسوله والتّوكّل عليه والخوف منه وكنفس إيمان القلب وتصديقه بما أخبر به الرّسول فهذا النّوع تعلّقه بالقلب ظاهرٌ فإنّه محلّه وهذا النّوع هو أصل النّوع الأوّل وهو أبلغ في الخير والشّرّ من الأوّل فنفس إيمان القلب وحبّه وتعظيمه للّه وخوفه ورجائه والتّوكّل عليه وإخلاص الدّين له لا يتمّ شيءٌ من المأمور به ظاهرًا إلّا بها وإلّا فلو عمل أعمالًا ظاهرةً بدون هذه كان منافقًا وهي في أنفسها توجب لصاحبها أعمالًا ظاهرةً توافقها وهي أشرف من فروعها كما قال تعالى: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم} . وكذلك تكذيب الرّسول بالقلب وبغضه وحسده والاستكبار عن متابعته أعظم إثمًا من أعمالٍ ظاهرةٍ خاليةٍ عن هذا كالقتل والزّنا والشّرب والسّرقة وما كان كفرًا من الأعمال الظّاهرة: كالسّجود للأوثان وسبّ الرّسول ونحو ذلك فإنّما ذلك لكونه مستلزمًا لكفر الباطن وإلّا فلو قدّر أنّه سجد قدّام وثنٍ ولم يقصد بقلبه السّجود له بل قصد السّجود للّه بقلبه لم يكن ذلك كفرًا وقد يباح ذلك إذا كان بين مشركين يخافهم على نفسه فيوافقهم في الفعل الظّاهر ويقصد بقلبه السّجود للّه كما ذكر أنّ بعض علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب فعل نحو ذلك مع قومٍ من المشركين حتّى دعاهم إلى الإسلام فأسلموا على يديه ولم يظهر منافرتهم في أوّل الأمر.

-بيان أن ما وقر في القلب يظهر على الجوارح:
~الأقوال والترجيح :
وهنا " أصولٌ " تنازع النّاس فيها. منها أنّ القلب هل يقوم به تصديقٌ أو تكذيبٌ ولا يظهر قطّ منه شيءٌ على اللّسان والجوارح وإنّما يظهر نقيضه من غير خوفٍ؟ فالّذي عليه السّلف والأئمّة وجمهور النّاس أنّه لا بدّ من ظهور موجب ذلك على الجوارح فمن قال: إنّه يصدّق الرّسول ويحبّه ويعظّمه بقلبه ولم يتكلّم قطّ بالإسلام ولا فعل شيئًا من واجباته بلا خوفٍ فهذا لا يكون مؤمنًا في الباطن؛ وإنّما هو كافرٌ.

-أدلة إبطال مزاعم جهم :
وزعم جهمٌ ومن وافقه أنّه يكون مؤمنًا في الباطن........ وأنّ مجرّد معرفة القلب وتصديقه يكون إيمانًا يوجب الثّواب يوم القيامة بلا قولٍ ولا عملٍ ظاهرٍ وهذا باطلٌ شرعًا وعقلًا كما قد بسط في غير هذا الموضع وقد كفّر السّلف كوكيع وأحمد وغيرهما من يقول بهذا القول وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب) فبيّن أنّ صلاح القلب مستلزمٌ لصلاح الجسد فإذا كان الجسد غير صالحٍ دلّ على أنّ القلب غير صالحٍ والقلب المؤمن صالحٌ فعلم أنّ من يتكلّم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمنًا حتّى إنّ المكره إذا كان في إظهار الإيمان فلا بدّ أن يتكلّم مع نفسه وفي السّرّ مع من يأمن إليه ولا بدّ أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه كما قال عثمان. وأمّا إذا لم يظهر أثر ذلك لا بقوله ولا بفعله قطّ فإنّه يدلّ على أنّه ليس في القلب إيمانٌ. وذلك أنّ الجسد تابعٌ للقلب فلا يستقرّ شيءٌ في القلب إلّا ظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه وإن لم يظهر كلّ موجبه لمعارض فالمقتضي لظهور موجبه قائمٌ؛ والمعارض لا يكون لازمًا للإنسان لزوم القلب له؛ وإنّما يكون في بعض الأحوال متعذّرًا إذا كتم ما في قلبه كمؤمن آل فرعون مع أنّه قد دعا إلى الإيمان دعاءً ظهر به من إيمان قلبه ما لا يظهر من إيمان من أعلن إيمانه بين موافقيه وهذا في معرفة القلب وتصديقه.

-قصد القلب وعزمه وحكم مؤاخذة القلب بالهمة:
~ ومنها قصد القلب وعزمه إذا قصد الفعل وعزم عليه مع قدرته على ما قصده هل يمكن أن لا يوجد شيءٌ ممّا قصده وعزم عليه؟
~فيه قولان أصحّهما أنّه إذا حصل القصد الجازم مع القدرة وجب وجود المقدور وحيث لم يفعل العبد مقدوره دلّ على أنّه ليس هناك قصدٌ جازمٌ وقد يحصل قصدٌ جازمٌ مع العجز عن المقدور لكن يحصل معه مقدّمات المقدور
~وقيل: بل قد يمكن حصول العزم التّامّ بدون أمرٍ ظاهرٍ. وهذا نظير قول من قال ذلك في المعرفة والتّصديق وهما من أقوال أتباع جهمٍ الّذين نصروا قوله في الإيمان كالقاضي أبي بكرٍ وأمثاله فإنّهم نصروا قوله وخالفوا السّلف والأئمّة وعامّة طوائف المسلمين.
~ وبهذا ينفصل النّزاع في " مؤاخذة العبد بالهمة " فمن النّاس: من قال: يؤاخذ بها إذا كانت عزمًا ومنهم من قال: لا يؤاخذ بها
~والتّحقيق: أنّ الهمّة إذا صارت عزمًا فلا بدّ أن يقترن بها قولٌ أو فعلٌ؛ فإنّ الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
~ والّذين قالوا: يؤاخذ بها احتجّوا بقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار) الحديث وهذا لا حجّة فيه؛ فإنّه ذكر ذلك في رجلين اقتتلا كلٌّ منهما يريد قتل الآخر وهذا ليس عزمًا مجرّدًا؛ بل هو عزمٌ مع فعل المقدور؛ لكنّه عاجزٌ عن إتمام مراده وهذا يؤاخذ باتّفاق المسلمين فمن اجتهد على شرب الخمر وسعى في ذلك بقوله وعمله ثمّ عجز فإنّه آثمٌ باتّفاق المسلمين وهو كالشّارب وإن لم يقع منه شربٌ وكذلك من اجتهد على الزّنا والسّرقة ونحو ذلك بقوله وعمله ثمّ عجز فهو آثمٌ كالفاعل ومثل ذلك في قتل النّفس وغيره كما جعل الدّاعي إلى الخير له مثل أجر المدعوّ ووزره لأنّه أراد فعل المدعوّ وفعل ما يقدر عليه فالإرادة الجازمة مع فعل المقدور من ذلك فيحصل له مثل أجر الفاعل ووزره وقد قال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم} الآية. وفصل الخطاب في الآية أنّ {أولي الضّرر}نوعان: نوعٌ لهم عزمٌ تامٌّ على الجهاد ولو تمكّنوا لما قعدوا ولا تخلّفوا وإنّما أقعدهم العذر فهم كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّ بالمدينة رجالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلّا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر) وهم أيضًا كما قال في حديث أبي كبشة الأنماري: (هما في الأجر سواءٌ) وكما في حديث أبي موسى: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) فأثبت له مثل ذلك العمل؛ لأنّ عزمه تامٌّ وإنّما منعه العذر. والنّوع الثّاني من " أولي الضّرر " الّذين ليس لهم عزمٌ على الخروج فهؤلاء يفضّل عليهم الخارجون المجاهدون وأولو الضّرر العازمون عزمًا جازمًا على الخروج وقوله تعالى: {غير أولي الضّرر} سواءٌ كان استثناءً أو صفةً دلّ على أنّهم لا يدخلون مع القاعدين في نفي الاستواء فإذا فصّل الأمر فيهم بين العازم وغير العازم بقيت الآية على ظاهرها ولو جعل قوله: {فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً} عامًّا في أهل الضّرر وغيرهم لكان ذلك مناقضًا لقوله: {غير أولي الضّرر} فإنّ قوله: {لا يستوي القاعدون} {والمجاهدون} إنّما فيها نفي الاستواء؛ فإن كان أهل الضّرر كلّهم كذلك لزم بطلان قوله: {غير أولي الضّرر}ولزم أنّه لا يساوي المجاهدين قاعدٌ ولو كان من أولي الضّرر وهذا خلاف مقصود الآية. و" أيضًا " فالقاعدون إذا كانوا من غير أولي الضّرر والجهاد ليس بفرض عينٍ فقد حصلت الكفاية بغيرهم؛ فإنّه لا حرج عليهم في القعود؛ بل هم موعودون بالحسنى كأولي الضّرر وهذا مثل قوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية فالوعد بالحسنى شاملٌ لأولي الضّرر وغيرهم. فإن قيل: قد قال في الأولى في فضلهم درجةً ثمّ قال في فضلهم {درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً} كما قال: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} {الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند اللّه وأولئك هم الفائزون} {يبشّرهم ربّهم برحمةٍ منه ورضوانٍ وجنّاتٍ لهم فيها نعيمٌ مقيمٌ.}فقوله: {أعظم درجةً}، كما قال في السّابقين: {أعظم درجةً} وهذا نصبٌ على التّمييز: أي درجتهم أعظم درجةً وهذا يقتضي تفضيلًا مجملًا يقال: منزلة هذا أعظم وأكبر كذلك قوله: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} الآيات؛ ليس المراد به أنّهم لم يفضّلوا عليهم إلّا بدرجة فإنّ في الحديث الصّحيح الّذي يرويه أبو سعيدٍ وأبو هريرة: (إنّ في الجنّة مائة درجةٍ أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض) الحديث وفي حديث أبي سعيدٍ: من رضي باللّه ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّد نبيًّا وجبت له الجنّة فعجب لها أبو سعيدٍ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (وأخرى يرفع اللّه بها العبد مائة درجةٍ في الجنّة ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض) فقال: وما هي يا رسول اللّه؟ قال:(الجهاد في سبيل اللّه) فهذا الحديث الصّحيح بيّن أنّ المجاهد يفضّل على القاعد الموعود بالحسنى من غير أولي الضّرر مائة درجةٍ وهو يبطل قول من يقول: إنّ الوعد بالحسنى والتّفضيل بالدّرجة مختصٌّ بأولي الضّرر فهذا القول مخالفٌ للكتاب والسّنّة. وقد يقال: إنّ درجةً منصوبٌ على التّمييز كما قال أعظم درجةً أي فضل درجتهم على درجتهم أفضل كما يقال: فضّل هذا على هذا منزلًا ومقامًا وقد يراد بالدّرجة جنس الدّرج وهي المنزّلة والمستقرّ لا يراد به درجةٌ واحدةٌ من العدد وقوله: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} {درجاتٍ} منصوبٌ بفضل لأنّ التّفضيل زيادةٌ للمفضّل فالتّقدير زادهم عليهم أجرًا عظيمًا درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً فهذا النّزاع في العازم الجازم إذا فعل مقدوره هل يكون كالفاعل في الأجر والوزر أم لا؟ وأمّا في استحقاق الأجر والوزر فلا نزاع في ذلك وقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما) فيه حرص كلّ واحدٍ منهما على قتلٍ صاحبه وفعل مقدوره فكلاهما مستحقٌّ للنّار ويبقى الكلام في تساوي القعودين بشيء آخر. وهكذا حال المقتتلين من المسلمين في الفتن الواقعة بينهم فلا تكون عاقبتهما إلّا عاقبة سوءٍ الغالب والمغلوب فإنّه لم يحصل له دنيا ولا آخرةٌ كما قال الشّعبيّ: أصابتنا فتنةٌ لم نكن فيها بررةً أتقياء ولا فجرةً أشقياء وأمّا الغالب فإنّه يحصل له حظٌّ عاجلٌ ثمّ ينتقم منه في الآخرة وقد يعجّل اللّه له الانتقام في الدّنيا كما جرى لعامّة الغالبين في الفتن فإنّهم أصيبوا في الدّنيا كالغالبين في الحرّة وفتنة أبي مسلمٍ الخراسانيّ ونحو ذلك.
~وأمّا من قال: إنّه لا يؤاخذ بالعزم القلبيّ فاحتجّوا بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها) وهذا ليس فيه أنّه عافٍ لهم عن العزم بل فيه أنّه عفا عن حديث النّفس إلى أن يتكلّم أو يعمل فدلّ على أنّه ما لم يتكلّم أو يعمل لا يؤاخذ؛ ولكن ظنّ من ظنّ أنّ ذلك عزمًا وليس كذلك؛ بل ما لم يتكلّم أو يعمل لا يكون عزمًا؛ فإنّ العزم لا بدّ أن يقترن به المقدور وإن لم يعمل العازم إلى المقصود فالّذي يعزم على القتل أو الزّنا أو نحوه عزمًا جازمًا لا بدّ أن يتحرّك ولو برأسه أو يمشي أو يأخذ آلةً أو يتكلّم كلمةً أو يقول أو يفعل شيئًا فهذا كلّه ما يؤاخذ به كزنا العين واللّسان والرّجل فإنّ هذا يؤاخذ به وهو من مقدّمات الزّنا التّامّ بالفرج وإنّما وقع العفو عمّا ما لم يبرز خارجًا بقول أو فعلٍ ولم يقترن به أمرٌ ظاهرٌ قطّ فهذا يعفى عنه لمن قام بما يجب على القلب من فعل المأمور به سواءٌ كان المأمور به في القلب وموجبه في الجسد أو كان المأمور به ظاهرًا في الجسد وفي القلب معرفته وقصده فهؤلاء إذا حدّثوا أنفسهم بشيء كان عفوًا مثل همٍّ ثابتٍ بلا فعلٍ ومثل الوسواس الّذي يكرهونه وهم يثابون على كراهته وعلى ترك ما همّوا به وعزموا عليه للّه تعالى وخوفًا منه). [مجموع الفتاوى: 14/ 99-128]

- أهمية السر والعلن :
فالمنافقون الّذين يظهرون خلاف ما يبطنون يعاقبون على أنّهم لم تؤمن قلوبهم؛ بل أضمرت الكفر قال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم}، وقال: {في قلوبهم مرضٌ}، وقال: {أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم}فالمنافق لا بدّ أن يظهر في قوله وفعله ما يدلّ على نفاقه وما أضمره كما قال عثمان بن عفان: ما أسرّ أحدٌ سريرةً إلّا أظهرها اللّه على صفحات وجهه وفلتات لسانه وقد قال تعالى عن المنافقين: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم}، ثمّ قال: {ولتعرفنّهم في لحن القول} وهو جواب قسمٍ محذوفٍ أي: واللّه لتعرفهم في لحن القول فمعرفة المنافق في لحن القول لا بدّ منها وأمّا معرفته بالسّيما فموقوفةٌ على المشيئة.
-عقوبات الذنوب السر بالسر والعلن بالعلن:
وهذا قد يكون ممّا يعاقب فيه العبد بالغمّ كما سئل سفيان بن عيينة عن غمٍّ لا يعرف سببه قال هو ذنبٌ هممت به في سرّك ولم تفعله فجزيت همًّا به. فالذّنوب لها عقوباتٌ: السّرّ بالسّرّ والعلانية بالعلانية، وروي عنها مرفوعًا قالت: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}، فقال: (يا عائشة هذه معاتبة اللّه العبد ممّا يصيبه من النّكبة والحمّى حتّى الشّوكة والبضاعة يضعها في كمّه فيفقدها فيروع لها فيجدها في جيبه حتّى إنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير).
قلت: هذا المرفوع هو واللّه أعلم بيان ما يعاقب به المؤمن في الدّنيا؛ وليس فيه أنّ كلّ ما أخفاه يعاقب به بل فيه أنّه إذا عوقب على ما أخفاه عوقب بمثل ذلك وعلى هذا دلّت الأحاديث الصّحيحة.

-فضل تعجيل العقوبة:
وقد روى الروياني في مسنده من طريق اللّيث عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن سعيد بن سنانٍ عن أنسٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: (إذا أراد اللّه بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا وإذا أراد بعبده الشّرّ أمسك عنه العقوبة بذنبه حتّى يوافيه بها يوم القيامة)وقد قال تعالى: {فأثابكم غمًّا بغمٍّ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم واللّه خبيرٌ بما تعملون} {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة يقولون هل لنا من الأمر من شيءٍ قل إنّ الأمر كلّه للّه يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم واللّه عليمٌ بذات الصّدور}.
فهؤلاء كانوا في ظنّهم ظنّ الجاهليّة ظنًّا ينافي اليقين بالقدر وظنًّا ينافي بأنّ اللّه ينصر رسوله فكان عقابهم على ترك اليقين ووجود الشّكّ وظنّ الجاهليّة ومثل هذا كثيرٌ.

-حكم النية:
وممّا يدخل في ذلك نيّات الأعمال فإنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى. و" النّيّة " هي ممّا يخفيه الإنسان في نفسه فإن كان قصده ابتغاء وجه ربّه الأعلى استحقّ الثّواب وإن كان قصده رياء النّاس استحقّ العقاب كما قال تعالى: {فويلٌ للمصلّين} {الّذين هم عن صلاتهم ساهون} {الّذين هم يراءون} وقال: {وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس} .
وفي حديث أبي هريرة الصّحيح في الثّلاثة الّذين أوّل من تسعّر بهم النّار في الّذي تعلّم وعلّم ليقال: عالمٌ قارئٌ والّذي قاتل ليقال جريءٌ وشجاعٌ. والّذي تصدّق ليقال جوادٌ وكريمٌ فهؤلاء إنّما كان قصدهم مدح النّاس لهم وتعظيمهم لهم وطلب الجاه عندهم؛ لم يقصدوا بذلك وجه اللّه وإن كانت صور أعمالهم صورًا حسنةً فهؤلاء إذا حوسبوا كانوا ممّن يستحقّ العذاب كما في الحديث: (من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السّفهاء أو ليصرف به وجوه النّاس إليه فله من عمله النّار) وفي الحديث الآخر: (من طلب علمًا ممّا يبتغى به وجه اللّه لا يطلبه إلّا ليصيب به عرضًا من الدّنيا لم يرح رائحة الجنّة وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عامٍ) .

-بيان أن القلب هو الأصل:
وفي " الجملة " القلب هو الأصل كما قال أبو هريرة: القلب ملك الأعضاء والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث خبثت جنوده وهذا كما في حديث النّعمان بن بشيرٍ المتّفق عليه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إنّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب) فصلاحه وفساده يستلزم صلاح الجسد وفساده فيكون هذا ممّا أبداه لا ممّا أخفاه. وكلّ ما أوجبه اللّه على العباد لا بدّ أن يجب على القلب فإنّه الأصل وإن وجب على غيره تبعًا فالعبد المأمور المنهيّ إنّما يعلم بالأمر والنّهي قلبه وإنّما يقصد بالطّاعة والامتثال القلب والعلم بالمأمور والامتثال يكون قبل وجود الفعل المأمور به كالصّلاة والزّكاة والصّيام وإذا كان العبد قد أعرض عن معرفة الأمر وقصد الامتثال كان أوّل المعصية منه؛ بل كان هو العاصي وغيره تبعٌ له في ذلك؛ ولهذا قال في حقّ الشّقيّ: {فلا صدّق ولا صلّى} {ولكن كذّب وتولّى} الآيات وقال في حقّ السّعداء: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} في غير موضعٍ والمأمور نوعان. " نوعٌ " هو عملٌ ظاهرٌ على الجوارح وهذا لا يكون إلّا بعلم القلب وإرادته. فالقلب هو الأصل فيه كالوضوء والاغتسال وكأفعال الصّلاة: من القيام والرّكوع والسّجود. وأفعال الحجّ: من الوقوف والطّواف وإن كانت أقوالًا فالقلب أخصّ بها فلا بدّ أن يعلم القلب وجود ما يقوله أو بما يقول ويقصده.
ولهذا كانت الأقوال في الشّرع لا تعتبر إلّا من عاقلٍ يعلم ما يقول ويقصده .

-ماورد من أحكام المجنون والصبي مايدل على أن القلب هو الأصل في قبول الأعمال والأقوال :
فأمّا المجنون والطّفل الّذي لا يميّز فأقواله كلّها لغوٌ في الشّرع لا يصحّ منه إيمانٌ ولا كفرٌ ولا عقدٌ من العقود ولا شيءٌ من الأقوال باتّفاق المسلمين وكذلك النّائم إذا تكلّم في منامه فأقواله كلّها لغوٌ سواءٌ تكلّم المجنون والنّائم بطلاق أو كفرٍ أو غيره وهذا بخلاف الطّفل؛ فإنّ المجنون والنّائم إذا أتلف مالًا ضمنه ولو قتل نفسًا وجبت ديتها كما تجب دية الخطأ. وتنازع العلماء في السّكران مع اتّفاقهم أنّه لا تصحّ صلاته لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم:(مروهم بالصّلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرّقوا بينهم في المضاجع) وهو معروفٌ في السّنن. وتنازعوا في عقود السّكران كطلاقه وفي أفعاله المحرّمة كالقتل والزّنا هل يجرى مجرى العاقل أو مجرى المجنون أو يفرّق بين أقواله وأفعاله وبين بعض ذلك وبعضٍ؟ على عدّة أقوالٍ معروفةٍ. والّذي تدلّ عليه النّصوص والأصول وأقوال الصّحابة: أنّ أقواله هدرٌ - كالمجنون - لا يقع بها طلاقٌ ولا غيره؛ فإنّ اللّه تعالى قد قال: {حتّى تعلموا ما تقولون} فدلّ على أنّه لا يعلم ما يقول والقلب هو الملك الّذي تصدر الأقوال والأفعال عنه فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادرًا عن القلب؛ بل يجري مجرى اللّغو والشّارع لم يرتّب المؤاخذة إلّا على ما يكسبه القلب من الأقوال والأفعال الظّاهرة كما قال: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} ولم يؤاخذ على أقوالٍ وأفعالٍ لم يعلم بها القلب ولم يتعمّدها وكذلك ما يحدّث به المرء نفسه لم يؤاخذ منه إلّا بما قاله أو فعله وقال قومٌ: إنّ اللّه قد أثبت للقلب كسبًا فقال: {بما كسبت قلوبكم} فليس للّه عبدٌ أسرّ عملًا أو أعلنه من حركةٍ في جوارحه أو همٍّ في قلبه إلّا يخبره اللّه به ويحاسبه عليه ثمّ يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء. واحتجّوا بقوله تعالى: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولًا} وهذا القول ضعيفٌ شاذٌّ؛ فإنّ قوله: {يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} إنّما ذكره لبيان أنّه يؤاخذ في الأعمال بما كسب القلب لا يؤاخذ بلغو الأيمان كما قال: {بما عقّدتم الأيمان} فالمؤاخذة لم تقع إلّا بما اجتمع فيه كسب القلب مع عمل الجوارح فأمّا ما وقع في النّفس؛ فإنّ اللّه تجاوز عنه ما لم يتكلّم به أو يعمل وما وقع من لفظٍ أو حركةٍ بغير قصد القلب وعلمه فإنّه لا يؤاخذ به. و" أيضًا " فإذا كان السّكران لا يصحّ طلاقه والصّبيّ المميّز تصحّ صلاته ثمّ الصّبيّ لا يقع طلاقه فالسّكران أولى وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لماعز لمّا اعترف بالحدّ: (أبك جنونٌ؟ قال: لا ثمّ أمر باستنكاهه لئلّا يكون سكران) فدلّ على أنّ إقرار السّكران باطلٌ وقضيّة ماعزٍ متأخّرةٌ بعد تحريم الخمر فإنّ الخمر حرّمت سنة ثلاثٍ بعد أحدٍ باتّفاق النّاس وقد ثبت عن عثمان وغيره من الصّحابة كعبد اللّه بن عبّاسٍ أنّ طلاق السّكران لا يقع ولم يثبت عن صحابيٍّ خلافه. والّذين أوقعوا طلاقه لم يذكروا إلّا مأخذًا ضعيفًا وعمدتهم أنّه عاصٍ بإزالة عقله وهذا صحيحٌ يوجب عقوبته على المعصية الّتي هي الشّرب فيحدّ على ذلك وأمّا الطّلاق فلا يعاقب به مسلمٌ على المعصية ولو كان كذلك لكان كلّ من شرب الخمر أو سكر طلقت امرأته وإنّما قال من قال: إذا تكلّم به طلقت فهم اعتبروا كلامه لا معصيته ثمّ إنّه في حال سكره قد يعتق والعتق قربةٌ فإن صحّحوا عتقه بطل الفرق وإن ألغوه فإلغاء الطّلاق أولى فإنّ اللّه يحبّ العتق ولا يحبّ الطّلاق. ثمّ من علّل ذلك بالمعصية لزمه طرد ذلك فيمن زال عقله بغير مسكرٍ كالبنج وهو قول من يسوّي بين البنج والسّكران من أصحاب الشّافعيّ وموافقيه كأبي الخطّاب والأكثرون على الفرق وهو منصوص أحمد وأبي حنيفة وغيرهما؛ لأنّ الخمر تشتهيها النّفس وفيها الحدّ؛ بخلاف البنج فإنّه لا حدّ فيه؛ بل فيه التّعزير؛ لأنّه لا يشتهى كالميتة والدّم ولحم الخنزير فيها التّعزير وعامّة العلماء على أنّه لا حدّ فيها إلّا قولًا نقل عن الحسن فهذا فيمن زال عقله. وأمّا إذا كان يعلم ما يقول فإن كان مختارًا قاصدًا لما يقوله فهذا هو الّذي يعتبر قوله: وإن كان مكرهًا فإن أكره على ذلك بغير حقٍّ فهذا عند جمهور العلماء أقواله كلّها لغوٌ مثل كفره وإيمانه وطلاقه وغيره وهذا مذهب مالكٍ والشّافعيّ وأحمد وغيرهم. وأبو حنيفة وطائفةٌ يفرّقون بين ما يقبل الفسخ وما لا يقبله. قالوا: فما يقبل الفسخ لا يلزم من المكره كالبيع؛ بل يقف على إجازته له وما لا يقبل الفسخ كالنّكاح والطّلاق واليمين فإنّه يلزم من المكره. والجمهور ينازعون في هذا الفرق: في ثبوت الوصف وفي تعلّق الحكم به؛ فإنّهم يقولون: النّكاح ونحوه يقبل الفسخ وكذلك العتق يقبل الفسخ عند الشّافعيّ وأحد القولين في مذهب أحمد حتّى إنّ المكاتب قد يحكمون بعتقه ثمّ يفسخون العتق ويعيدونه عبدًا والأيمان المنعقدة تقبل التّحلّة كما قال تعالى: {قد فرض اللّه لكم تحلّة أيمانكم}.
وبسط الكلام على هذا له موضعٌ آخر.
و " المقصود هنا " أنّ القلب هو الأصل في جميع الأفعال والأقوال فما أمر اللّه به من الأفعال الظّاهرة فلا بدّ فيه من معرفة القلب وقصده وما أمر به من الأقوال وكلّ ما تقدّم والمنهيّ عنه من الأقوال والأفعال إنّما يعاقب عليه إذا كان بقصد القلب وأمّا ثبوت بعض الأحكام كضمان النّفوس والأموال إذا أتلفها مجنونٌ أو نائمٌ أو مخطئٌ أو ناسٍ فهذا من باب العدل في حقوق العباد ليس هو من باب العقوبة.

-فضل آخرآيتين من البقرة:
ولمّا كانت هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} خبرًا من اللّه؛ ليس فيها إثباتٌ إيمانٍ للعبد بخلاف الآيتين بعدها كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلةٍ كفتاه) متّفقٌ عليه وهما قوله: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون} إلى آخرها.


-خلاصة ماورد في الآية:
و" المقصود هنا " أنّ قوله تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} حقٌّ والنّسخ فيها هو رفع فهم من فهم من الآية ما لم تدلّ عليه فمن فهم أنّ اللّه يكلّف نفسًا ما لا تسعه فقد نسخ اللّه فهمه وظنّه ومن فهم منها أنّ المغفرة والعذاب بلا حكمةٍ وعدلٍ فقد نسخ فهمه وظنّه فقوله: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} ردٌّ للأوّل وقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} ردٌّ للثّاني وقوله: {فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء} كقوله في آل عمران: {وللّه ما في السّماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه غفورٌ رحيمٌ} وقوله: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}ونحو ذلك. وقد علّمنا أنّه لا يغفر أن يشرك به وأنّه لا يعذّب المؤمنين وأنّه يغفر لمن تاب كذلك قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}الآية. ودلّت هذه الآية على أنّه سبحانه يحاسب بما في النّفوس وقد قال عمر: زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. و" المحاسبة " تقتضي أنّ ذلك يحسب ويحصى. وأمّا " المغفرة والعذاب " فقد دلّ الكتاب والسّنّة على أنّ من في قلبه الكفر وبغض الرّسول وبغض ما جاء به أنّه كافرٌ باللّه ورسوله وقد عفا اللّه لهذه الأمّة - وهم المؤمنون حقًّا الّذين لم يرتابوا - عمّا حدّثت به أنفسها ما لا تتكلّم به أو تعمل كما هو في الصّحيحين من حديث أبي هريرة وابن عبّاسٍ وروي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (أنّ الّذي يهمّ بالحسنة تكتب له والّذي يهمّ بالسّيّئة لا تكتب عليه حتّى يعملها)؛ إذا كان مؤمنًا من عادته عمل الحسنات وترك السّيّئات فإن ترك السّيّئة للّه كتبت له حسنةٌ فإذا أبدى العبد ما في نفسه من الشّرّ بقول أو فعلٍ صار من الأعمال الّتي يستحقّ عليها الذّمّ والعقاب وإن أخفى ذلك وكان ما أخفاه متضمّنًا لترك الإيمان باللّه والرّسول مثل الشّكّ فيما جاء به الرّسول أو بغضه كان معاقبًا على ما أخفاه في نفسه من ذلك؛ لأنّه ترك الإيمان الّذي لا نجاة ولا سعادة إلّا به وأمّا إن كان وسواسًا والعبد يكرهه فهذا صريح الإيمان كما هو مصرّحٌ به في الصّحيح. وهذه " الوسوسة " هي ممّا يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان وقد خاف من خاف من الصّحابة من العقوبة على ذلك فقال تعالى: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها}.
🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺
🔴مايتعلق بقوله تعالى {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها}:
-معنى قوله تعالى {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها}
حتّى إنّ سفيان بن عيينة سئل عن قوله: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} قال: إلّا يسرها ولم يكلّفها طاقتها.
قال البغوي: وهذا قولٌ حسنٌ؛ لأنّ الوسع ما دون الطّاقة وإنّما قاله طائفةٌ من المتأخّرين لمّا ناظروا المعتزلة في " مسائل القدر " وسلك هؤلاء مسلك الجبر جهمٍ وأتباعه فقالوا هذا القول وصاروا فيه على مراتب وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

معنى الوسع:
و " الوسع " فعلٌ بمعنى المفعول أي ما يسعه لا يكلّفها ما تضيق عنه فلا تسعه وهو المقدور عليه المستطاع وقال بعض النّاس: إنّ " الوسع " اسمٌ لما يسع الإنسان ولا يضيّق عليه.
-حكم الوسع في الشرع:
وليس كذلك؛ بل ما يسع الإنسان هو مباحٌ له وما لم يسعه ليس مأمورًا به فما يسعه قد يؤمر به وأمّا ما لا يسعه فهو المباح يقال: يسعني أن أفعل كذا ولا يسعني أن أفعل كذا والمباح هو الواسع ومنه باحة الدّار فالمباح لك أن تفعله هو يسعك ولا تخرج عنه ومنه يقال: رحم اللّه من وسعته السّنّة فلم يتعدّها إلى البدعة: أي فيما أمر اللّه به وما أباحه ما يكفي المؤمن المتّبع في دينه ودنياه لا يحتاج أن يخرج عنه إلى ما نهي عنه.
-حكم مالا يسع تركه:
وأمّا ما كلّفت به فهو ما أمرت بفعله وذلك يكون ممّا تسعه أنت لا ممّا يسعك هو وقد يقال: لا يسعني تركه؛ بل تركه محرّمٌ وقد قال تعالى: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها} وهو أوّل الحرام وقال: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها}، وهي آخر الحلال
🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺
🔴ماور. في الآية {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} :
معنى قوله تعالى {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} :
قال ابن الأنباريّ في قوله: {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} أي لا تحمّلنا ما يثقل علينا أداؤه وإن كنّا مطيقين له على تجشّمٍ وتحمّلٍ مكروهٍ. قال: فخاطب العرب على حسب ما تعقل؛ فإنّ الرّجل منهم يقول للرّجل ما أطيق النّظر إليك وهو مطيقٌ لذلك؛ لكنّه ثقيلٌ عليه النّظر إليه قال: ومثله قوله: {ما كانوا يستطيعون السّمع} . قلت ليست هذه لغة العرب وحدهم؛ بل هذا ممّا اتّفق عليه العقلاء.

-معنى الاستطاعة:
و" الاستطاعة في الشّرع " هي ما لا يحصل معه للمكلّف ضررٌ راجحٌ كاستطاعة الصّيام والقيام فمتى كان يزيد في المرض أو يؤخّر البرء لم يكن مستطيعًا؛ لأنّ في ذلك مضرّةً راجحةً؛
-الهوى والحسد لا يدخلان في معنى عدم
الاستطاعة :
بخلاف هؤلاء فإنّهم كانوا لا يستطيعون السّمع لبغض الحقّ وثقله عليهم: إمّا حسدًا لقائله وإمّا اتّباعًا للهوى ورين الكفر والمعاصي على القلوب وليس هذا عذرًا فلو لم يأمر العباد إلّا بما يهوونه لفسدت السّموات والأرض ومن فيهنّ.

-بيان بطلان قول الفرق الضالة في علم الله :
~(بأنه لا يطابق المعلوم):
والمقصود أن السّلف لم يكن فيهم من يقول: إنّ العبد لا يكون مستطيعًا إلّا في حال فعله وأنّه قبل الفعل لم يكن مستطيعًا فهذا لم يأت الشّرع به قطّ ولا اللّغة ولا دلّ عليه عقلٌ؛ بل العقل يدلّ على نقيضه كما قد بسط في غير هذا الموضع.
والرّبّ تعالى يعلم أنّ العبد لا يفعل الفعل مع أنّه مستطيعٌ له والمعلوم أنّه لا يفعله ولا يريده لا أنّه لا يقدر عليه والعلم يطابق المعلوم فاللّه يعلم ممّن استطاع الحجّ والقيام والصّيام أنّه مستطيعٌ ويعلم أنّ هذا مستطيعٌ يفعل مستطاعه فالمعلوم هو عدم الفعل لعدم إرادة العبد؛ لا لعدم استطاعته كالمقدورات له الّتي يعلم أنّه لا يفعلها لعدم إرادته لها لا لعدم قدرته عليها والعبد قادرٌ على أن يفعل وقد علم اللّه أنّه لا يفعل مع القدرة؛ ولهذا يعذّبه لأنّه إنّما أمره بما استطاع لا بما لا يستطيع ومن لم يستطع لم يأمره ولا يعذّبه على ما لم يستطعه.
~(القدرة على تغيير علم الله):
وإذا قيل: فيلزم أن يكون قادرًا على تغيير علم اللّه لأنّ اللّه علم أنّه لا يفعل فإذا قدر على الفعل قدر على تغيير علم اللّه. قيل: هذه مغلطةٌ؛ وذلك أنّ مجرّد قدرته على الفعل لا يلزم فيها تغيير العلم وإنّما يظنّ من يظنّ تغيير العلم إذا وقع الفعل ولو وقع الفعل لكان المعلوم وقوعه؛ لا عدم وقوعه فيمتنع أن يحصل وقوع الفعل مع علم اللّه بعدم وقوعه؛ بل إن وقع كان اللّه قد علم أنّه يقع وإن لم يقع كان اللّه قد علم أنّه لا يقع ونحن لا نعرف علم اللّه إلّا بما يظهر وعلم اللّه مطابقٌ للواقع فيمتنع أن يقع شيءٌ يستلزم تغيير العلم بل أيّ شيءٍ وقع كان هو المعلوم والعبد الّذي لم يفعل لم يأت بشيء يغيّر العلم؛ بل هو قادرٌ على فعل ما لم يقع ولو وقع لكان اللّه قد علم أنّه يقع لا أنّه لا يقع. وإذا قيل: فمع عدم وقوعه يعلم اللّه أنّه لا يقع فلو قدر العبد على وقوعه قدر على تغيير العلم. قيل ليس الأمر كذلك؛ بل العبد يقدر على وقوعه وهو لم يوقعه ولو أوقعه لم يكن المعلوم إلّا وقوعه فمقدور العبد إذا وقع لم يكن المعلوم إلّا وقوعه فإذا وقع كان اللّه عالمًا أنّه سيقع وإذا لم يقع كان اللّه عالمًا بأنّه لا يقع ألبتّة فإذا فرض وقوعه مع انتفاءٍ لازم الوقوع صار محالًا من جهة إثبات الملزوم بدون لازمه وكلّ الأشياء بهذا الاعتبار هي محالٌ.
~(أنّه يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء):
وممّا يلزم هؤلاء أن لا يبقى أحدٌ قادرًا على شيءٍ إلّا الرّبّ؛ فإنّ الأمور نوعان: " نوعٌ " علم اللّه أنّه سيكون و" نوعٌ " علم اللّه أنّه لا يكون. ف " الأوّل " لا بدّ من وقوعه. و" الثّاني " لا يقع ألبتّة. فما علم اللّه أنّه سيقع يعلم أنّه يقع بمشيئته وقدرته وما علم أنّه لا يقع يعلم أنّه لا يشاؤه وهو سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

رأي أهل السنة في علم الله :
وأهل السّنّة وسطٌ. وما يفعله العباد باختيارهم يعلم سبحانه أنّهم فعلوه بقدرتهم ومشيئتهم وما لم يفعلوه مع قدرتهم عليه يعلم أنّهم لم يفعلوه لعدم إرادتهم له لا لعدم قدرتهم عليه وهو سبحانه الخالق للعباد ولقدرتهم وإرادتهم وأفعالهم وكلّ ذلك مقدورٌ للرّبّ وليس هذا مقدورًا بين قادرين بل القادر المخلوق هو وقدرته ومقدوره مقدورٌ للخالق مخلوقٌ له.
أحسن الله إليك وبارك فيك
لكن سؤال أختي الغالية:
ما الذي تلخّص في تفسير ابن تيمية تحديدا؟
وأين قائمة العناصر كما تعودنا؟
كل ما فعلتيه أنك وضعت الدرس كما هو وعنونت فقراته، فهل هذا ما تعودنا عليه في تلخيص دروس التفسير؟
أرجو معاودة التلخيص بالطريقة التي تعودنا عليها فهذا تفسير شأنه شأن بقية التفاسير، وأنصحك بتلخيص درس أقصر وأيسر من هذا الدرس فربما يكون في هذا الدرس بعض الصعوبة.
أنتظرك
بارك الله فيك ووفقك لكل خير

رد مع اقتباس
  #53  
قديم 28 جمادى الآخرة 1436هـ/17-04-2015م, 12:49 AM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

تلخيص تفسير قوله تعالى : ({اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]
عناصر التفسير:
-علوم الآية:
-فضل آية الكرسي

المسائل التفسيرية
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
-المعنى الإجمالي
-معنى {إله}
~مسائل لغوية:
- نوع {لا} ودلالتها
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو}
-فائدة البدل
~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي
-المعنى اللغوي ل{الحي}-والمعنى في حق الله تعالى
-المعنى اللغوي ل{القيوم}والمعنى في حق الله
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم)
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم}

تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي
~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي
-مسائل لغوية :
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات}
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}

~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله
-مسائل لغوية:
-المراد من الاستفهام
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة»
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة»
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}

-تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله
-معنى العلم عند الأصوليين
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
~مسائل لغوية:
الغرض من (ما)
~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله
~مسائل لغوية:
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}


~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع)
-معنى «الكرسي»
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}
-معنى (العلي)
-معنى (العظيم )
~مسائل لغوية:
فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛
~الفوائد التي اشتمل عليها قوله تعالى : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
~استطرادات لغوية:
~استطراد عقدي:



-علوم الآية:
-فضل آية الكرسي:
يظهر هذا الفضل من خلال:
1-سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛
2-من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح؛

~المسائل التفسيرية:
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}:
-المعنى الإجمالي: وهذه الجملة العظيمة تدل على نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62] .
-معنى {إله}:أي مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً؛
~مسائل لغوية:
- نوع {لا} ودلالتها: نافية للجنس؛ وهي تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو} :بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛
-فائدة البدل: هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً)

~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي :هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال؛ فكمال الأوصاف في {الحي}؛ وكمال الأفعال في {القيوم}؛
-المعنى اللغوي ل{الحي}؛ ذو الحياة؛
-المعنى في حق الله تعالى: أن حياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة؛
-المعنى اللغوي ل{القيوم}: أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛
-المعنى في حق الله تعالى:فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم): «أل» التعريف مفيدة للاستغراق؛
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم}
1-إثبات أسماء الله الحسنى(الله ،الحي،القيوم)
2-إثبات إنفراد الله باﻷلوهية .
3-إثبات صفتي الحياةوالقيومةالكاملة لله عزوجل .
4 -اشتمالها على اسم الله اﻷعظم الحي القيوم
5- غنى الله سبحانه وفقر اﻹنسان إل


~تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي: أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.

~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي؛أي له وحده مافي السماوات وما في الأرض.
-مسائل لغوية :
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات} :
{الأرض} أفردت؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
- سعة علم الله وقدرته وعظمته.
- إفراد الله بأسمائه وصفاته.
- اثبات صفات الكمال لله وحده.
- غِنى الله عن خلقه مع شدة حاجتهم له.
- عدم تحقق الشفاعة بدون إذن الله ورضاه.
- الهيبة والعزة والجبروت لله وحده عزوجل.

~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله:لا أحد يشفع إلا بإذن الله الكوني لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛

-مسائل لغوية:
-المراد من الاستفهام هو:النفي بدليل الإثبات بعده، حيث قال تعالى: {إلا بإذنه}.
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة» :
جعل الوتر شفعاً؛
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة» :التوسط للغير لجلب منفعة،مثل شفاعة النبي صدى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا أو دفع مضرة؛مثل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون

-تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله:
والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد؛
-معنى العلم عند الأصوليين :
«العلم» عند الأصوليين: إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ فعدم الإدراك: جهل؛ كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول «لا أدري».
والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك؛:كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول : «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» .
والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} أي المستقبل؛ ومعنى:{وما خلفهم} أي الماضي؛وهو الراجح وهناك قول بعيد لا يساعد علي اللفظ وهو عكس القول الراجح
~مسائل لغوية:
الغرض من (ما):
و{ما} من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.

~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله:
المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
~مسائل لغوية:
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛
-معنى العامل وهو حرف ال(ب):
1-الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته
2-ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ و هنا يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
1-: إثبات علم الله بكل شئ وأنه يعلم الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.
2- الرد على القدرية الغلاة؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.
3- التوكل على الله؛ لأنه لا يكون شئ إلا بمشيئته.
اللجوء إلي الله وسؤاله تحصيل العلم؛ لأن العلم كله عنده.
4- علم العباد بضعفهم وعجزهم.
5- خشية الله لأن الله لا يعزب عنه شئ.
6- تجنب المعاصي لأنها سبب حرمانه العلم والتوفيق من الله للعبد؛ فالعلم عنده وحده وهو الذي يمن به على من يشاء من عباده.

~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع) :أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.
-معنى «الكرسي» :
1-القول الراجح:هو موضع قدمي الله عز وجل؛ وهو بين يدي العرش كالمقدمة له؛ وقد صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً (2)، ومثل هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛وهو معتقد أهل السنة والجماعة
-سبب الترجيح: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»(5)؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب
2-القول الباطل: هو العرش؛
دليل البطلان: هو أن«العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي؛
3-القول المنقول من رواية غير صحيحة ؛ ما روي عن ابن عباس أن {كرسيه}: علمه؛
-سبب عدم الصحة:
لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية؛ فهو بعيد جداً من أن يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}؛ أي لا يثقله، ويشق عليه {حفظهما}؛ أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.
-معنى (العلي): أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء؛
-معنى (العظيم ):أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.
~مسائل لغوية:
فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛

~الفوائد في قوله تعالى : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
1- عظم الكرسي ، وبالتالي عظم خالق الكرسي .
2- كفر من أنكر وجود السموات والأرض .
3-إثبات قوة الله؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.
4- أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهذه من الصفات المنفية.
5 - إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة.
6 - أن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.
7 - إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً؛ لقوله تعالى: {وهو العلي} .
8 - الرد على الحلولية، وعلى المعطلة النفاة؛ فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.
9 - التحذير من الطغيان على الغير؛ لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم} .
10 - إثبات العظمة لله؛ لقوله تعالى: {العظيم}.
11 - إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين؛ وهما العلوّ، والعظمة.

~استطرادات لغوية:
إعراب قوله تعالى (من ذا الذي)
؛{من} اسم استفهام مبتدأ؛ و{ذا} ملغاة إعراباً؛ ويأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ؛ و{الذي} اسم موصول خبر {من}؛
-إعراب قوله تعالى {الله لا إله إلا هو}:
الاسم الكريم مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة؛ و{إله} اسم لا؛

~استطراد عقدي:
-وصف الألوهية :ولا أحد يستحق الوصف ب(إله) إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم}[البقرة: 21] ،

-

‏‫من جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

رد مع اقتباس
  #54  
قديم 29 جمادى الآخرة 1436هـ/18-04-2015م, 04:12 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
تلخيص تفسير قوله تعالى : ({اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]
عناصر التفسير:
-علوم الآية:
-فضل آية الكرسي

المسائل التفسيرية
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
-المعنى الإجمالي
-معنى {إله}
~مسائل لغوية:
- نوع {لا} ودلالتها
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو}
-فائدة البدل
~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي
-المعنى اللغوي ل{الحي}-والمعنى في حق الله تعالى
-المعنى اللغوي ل{القيوم}والمعنى في حق الله
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم)
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم}

تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي
~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي
-مسائل لغوية :
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات}
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}

~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله
-مسائل لغوية:
-المراد من الاستفهام
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة»
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة»
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}

-تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله
-معنى العلم عند الأصوليين
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
~مسائل لغوية:
الغرض من (ما)
~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله
~مسائل لغوية:
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}


~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع)
-معنى «الكرسي»
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}
-معنى (العلي)
-معنى (العظيم )
~مسائل لغوية:
فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛
~الفوائد التي اشتمل عليها قوله تعالى : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
~استطرادات لغوية:
~استطراد عقدي:



-علوم الآية:
-فضل آية الكرسي:
يظهر هذا الفضل من خلال:
1-سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛
2-من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح؛

~المسائل التفسيرية:
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}:
-المعنى الإجمالي: وهذه الجملة العظيمة تدل على نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62] .
-معنى {إله}:أي مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً؛
~مسائل لغوية:
- نوع {لا} ودلالتها: نافية للجنس؛ وهي تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو} :بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛
-فائدة البدل: هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً)

~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي :هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال؛ فكمال الأوصاف في {الحي}؛ وكمال الأفعال في {القيوم}؛
-المعنى اللغوي ل{الحي}؛ ذو الحياة؛
-المعنى في حق الله تعالى: أن حياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة؛
-المعنى اللغوي ل{القيوم}: أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛
-المعنى في حق الله تعالى:فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم): «أل» التعريف مفيدة للاستغراق؛
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم}
1-إثبات أسماء الله الحسنى(الله ،الحي،القيوم)
2-إثبات إنفراد الله باﻷلوهية .
3-إثبات صفتي الحياةوالقيومةالكاملة لله عزوجل .
4 -اشتمالها على اسم الله اﻷعظم الحي القيوم
5- غنى الله سبحانه وفقر اﻹنسان إل


~تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي: أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.

~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي؛أي له وحده مافي السماوات وما في الأرض.
-مسائل لغوية :
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات} :
{الأرض} أفردت؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
- سعة علم الله وقدرته وعظمته.
- إفراد الله بأسمائه وصفاته.
- اثبات صفات الكمال لله وحده.
- غِنى الله عن خلقه مع شدة حاجتهم له.
- عدم تحقق الشفاعة بدون إذن الله ورضاه.
- الهيبة والعزة والجبروت لله وحده عزوجل.

~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله:لا أحد يشفع إلا بإذن الله الكوني لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛

-مسائل لغوية:
-المراد من الاستفهام هو:النفي بدليل الإثبات بعده، حيث قال تعالى: {إلا بإذنه}.
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة» :
جعل الوتر شفعاً؛
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة» :التوسط للغير لجلب منفعة،مثل شفاعة النبي صدى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا أو دفع مضرة؛مثل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون

-تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله:
والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد؛
-معنى العلم عند الأصوليين :
«العلم» عند الأصوليين: إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ فعدم الإدراك: جهل؛ كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول «لا أدري».
والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك؛:كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول : «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» .
والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} أي المستقبل؛ ومعنى:{وما خلفهم} أي الماضي؛وهو الراجح وهناك قول بعيد لا يساعد علي اللفظ وهو عكس القول الراجح
~مسائل لغوية:
الغرض من (ما):
و{ما} من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.

~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله:
المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
~مسائل لغوية:
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛
-معنى العامل وهو حرف ال(ب):
1-الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته
2-ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ و هنا يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.
~الفوائد التي اشتمل عليها تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
1-: إثبات علم الله بكل شئ وأنه يعلم الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.
2- الرد على القدرية الغلاة؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.
3- التوكل على الله؛ لأنه لا يكون شئ إلا بمشيئته.
اللجوء إلي الله وسؤاله تحصيل العلم؛ لأن العلم كله عنده.
4- علم العباد بضعفهم وعجزهم.
5- خشية الله لأن الله لا يعزب عنه شئ.
6- تجنب المعاصي لأنها سبب حرمانه العلم والتوفيق من الله للعبد؛ فالعلم عنده وحده وهو الذي يمن به على من يشاء من عباده.

~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع) :أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.
-معنى «الكرسي» :
1-القول الراجح:هو موضع قدمي الله عز وجل؛ وهو بين يدي العرش كالمقدمة له؛ وقد صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً (2)، ومثل هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛وهو معتقد أهل السنة والجماعة
-سبب الترجيح: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»(5)؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب
2-القول الباطل: هو العرش؛
دليل البطلان: هو أن«العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي؛
3-القول المنقول من رواية غير صحيحة ؛ ما روي عن ابن عباس أن {كرسيه}: علمه؛
-سبب عدم الصحة:
لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية؛ فهو بعيد جداً من أن يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}؛ أي لا يثقله، ويشق عليه {حفظهما}؛ أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.
-معنى (العلي): أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء؛
-معنى (العظيم ):أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.
~مسائل لغوية:
فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛

~الفوائد في قوله تعالى : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
1- عظم الكرسي ، وبالتالي عظم خالق الكرسي .
2- كفر من أنكر وجود السموات والأرض .
3-إثبات قوة الله؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.
4- أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهذه من الصفات المنفية.
5 - إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة.
6 - أن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.
7 - إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً؛ لقوله تعالى: {وهو العلي} .
8 - الرد على الحلولية، وعلى المعطلة النفاة؛ فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.
9 - التحذير من الطغيان على الغير؛ لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم} .
10 - إثبات العظمة لله؛ لقوله تعالى: {العظيم}.
11 - إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين؛ وهما العلوّ، والعظمة.

~استطرادات لغوية:
إعراب قوله تعالى (من ذا الذي)
؛{من} اسم استفهام مبتدأ؛ و{ذا} ملغاة إعراباً؛ ويأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ؛ و{الذي} اسم موصول خبر {من}؛
-إعراب قوله تعالى {الله لا إله إلا هو}:
الاسم الكريم مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة؛ و{إله} اسم لا؛

~استطراد عقدي:
-وصف الألوهية :ولا أحد يستحق الوصف ب(إله) إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم}[البقرة: 21] ،

-

‏‫من جهاز الـ iphone الخاص بي‬

بارك الله فيك ونفع بك

ما يتعلق بالإعراب والاشتقاق ونحوه يفصل ضمن المسائل اللغوية إلا ما يكون مهما في تحديد المعنى وبيانه كمسألة دلالة {لا} النافية للجنس، ومسألة معنى: {إلا بما شاء} ونحو ذلك فيذكر ضمن المسائل التفسيرية، لكن مسألة مثلا: خبر كذا، أو إعراب {من} ونحوه ليست من المسائل التفسيرية.
فراعي ترتيب المسائل كالآتي
أولا مسائل التفسير
ثم مسائل اللغة
ثم فوائد الآية كلها في نهاية الملخص، وليس لكل جملة من الآية
أنتظرك
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #55  
قديم 4 رجب 1436هـ/22-04-2015م, 03:23 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}
للحافظ ابن رجب الحنبلي
عناصر الرسالة :
& دلالة الآية في قوله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}:
-دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق والأقوال في دلالة(انما )مع الترجيح
&الأقوال في دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء والترجيح بينها
-أقوال النحاه في دلالة (ما)على النفي هل هو منطوق أم مفهوم والترجيح بينها
-الأقوال في الدلالة على النفي هل هي بالنص أم الظاهر والترجيح بينها
-أدلة القول المرجوح الرد عليها
&دلالة الآية على القول الثاني من جعل (ما)موصولةً أنهاتفيد الحصر .
&دلالة الآية على القول الثالث، وهو نفي العلم من غير أهل الخشية.
&بيان أن القول بثبوت الخشية لكلّ واحدٍ من العلماء أصح من القول بثبوتها لجنس العلماء،
&أقوال السلف في فائدة العلم عن الله
&بيان كيف أنّ العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية
&دواعي الخوف من الذنوب
&أقوال السلف في حكم التوبة الناتجة عن الجهل
&الأقوال في حكم التائب، هل يمكن عوده إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
& دواعي الخوف من الذنب حتى مع قبول التوبة

&أدلة ضمان الله لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك
-الآثار عن السلف والمشايخ حول ثواب الحسنة وثواب السيئة
-بيان هل للعقل مدخل في التحسين والتقبيح ام لا؟
&اختلاف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه في قوله تعالى: {واتّبعوا ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان....}الآية
&الخلاصة


-دلالة الآية في قوله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}:
دلت هذه الآية على :
1-إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق
2- وعلى نفيها عن غيرهم على أصح القولين،
3-وعلى نفي العلم عن غير أهل الخشية

1-دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق:
-من خلال الأقوال في دلالة ( إنما)والترجيح بينها:
1-قيل "إن" تفيد التأكيد و "ما": كافةٌ، فما زائدة تدخل على إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأن، فتكفها عن العمل وهذا قول جمهور النحاة .
2- قيل أنّ "ما" مع الحروف العاملة اسمٌ مبهمٌ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أنّ الجملة بعده مفسرةٌ له ومخبرٌ بها عنه،وهذا رأي بعض الكوفيين، وابن درستويه
3-وقيل: إنه لا يمتنع أن يكون "ما" في هذه الآية بمعنى الذي والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.
4- وقيل أن "ما" هذه نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر. وهذا قول طائفةٌ من الأصوليين وأهل البيان .و أبي علي الفارسي وذكر ذلك في كتاب "الشيرازيات .
-أدلة بطلان القول بأن ما نافية:
1- "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا .و"ما" زائدةٌ كافة لا نافيةٌ وهي الداخلة على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ، وليست في دخولها على هذه الحروف نافيةً بالاتفاق فكذلك الداخلة على إنّ وأنّ، وهذا لا يدل على أنّ "ما" نافيةٌ على ما لا يخفى وإنما مراده أنّهم أجروا "إنما" مجرى النفي و"إلاّ" في هذا الحكم لما فيها معنى النفي ولم يصرّح بأنّ النفي مستفادٌ من "ما" وحدها،

-دلالة إلآية على نفي الخشية عن غير العلماء :
&الأقوال:
-القول بأن من صيغة "إنّما" أمّا على قول الجمهور وأنّ "ما" هي الكافة فيقول إذا دخلت "ما" الكافة على "إنّ " أفادت الحصر هذا هو الصحيح،
-أصحاب هذا القول :
وقد حكاه بعض العلماء عن جمهور الناس وهو قول القاضي، وابن عقيلٍ، والحلواني.
والشيخ موفق الدين، وفخر الدّين إسماعيل بن علي صاحب ابن المنّي، وهو قول أكثر الشافعية كأبي حامدٍ وأبي الطيب، والغزالي والهرّاسي، وقول طائفةٍ من الحنفية كالجرجاني، وكثيرٌ من المتكلمين كالقاضي أبي بكرٍ، وغيره، وكثيرٌ من النحاة وغيرهم، بل قد حكاه أبو علي فيما ذكره الرازيّ عن النحاة جملةً،

-اختلاف النحاه في دلالة (ما)على النفي هل هو منطوق أم مفهوم؟
-القول الأول : إنّ دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء .قاله القاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين: وهو قول أبي حامد، وأبي الطيب من الشافعية، والجرجاني من الحنفية.
-القول الثاني:إلى أنّ دلالتها على النفي بطريق المفهوم
انقسم أصحاب هذا القول الى قسمين:
-أحدهما: من لا يرى كون المفهوم حجّةً بالكلية كالحنفية، ومن وافقهم من المتكلمين.وهم من قال أن : إنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض بل لرفع الحكم إما مطلقًا أو في الاستثناء من الإثبات وحده كما يذكر عن الحنفية وجعلوه من باب المفهوم الذي ينفونه،
-والثاني: من يراه حجةً من الجملة، ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده على أنّه لا مفهوم لها، واختاره بعض المتأخرين .

-الاختلاف في الدلالة على النفي هل هي بالنص أم الظاهر؟
-القول الأول : إنّما تدلّ على الحصر ظاهرًا، أو يحتمل التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاءوهو يشبه قول من يقول إنّ دلالتها بطريق المفهوم فإنّ أكثر دلالات المفهوم بطريق الظاهر لا النّص،

&الترجيح :
، أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص لأنّهم جعلوا "إنّما" كالمستثنى والمستثنى منه سواء وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.

&أدلة القول المرجوح الرد عليها :
1-أنّ "إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة فيستفاد التوكيد من "إنّ " والزائد لا معنى له.
الرد :نعم أكثر ما يقال "إنّ " تفيد تقوية التوكيد كما في الباء الزائدة ونحوها، فأمّا أن يحدث معنًى آخر فلا، وقد يعدم بيان بطلان قول من ادّعى أنّ "ما" نافية وأنّ النفي فيما عدا المذكور مستفادٌ منها.
2-أن ورودها لغير الحصر كثيرٌ جدًّا كقوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة".وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون " وغير ذلك من النصوص ويقال: "إنّما العالم زيد" .
ًوقوله تعالى:{إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا فإنّه سبحانه وتعالى له أسماءٌ وصفاتٌ كثيرةٌ غير توحّده بالإلهية،وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.فإنّه لم ينحصر الوحي إليه في هذا وحده.وكذلك قوله: {إنّما أنت منذرٌ} ومثل هذا كثيرٌ جدًّا وممّا يبيّن عدم إفادتها للحصر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ"فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" فلو كانت "إنّما" للحصر لبطلت أن تكون سائر آيات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومعجزاته سوى القرآن آياتٍ له تدلّ على صدقه لاعترافه بنفي ذلك وهذا باطلٌ قطعًا فدلّ على أنّ "إنما" لا تفيد الحصر في مثل هذا الكلام وشبهه.
الرد :أنّها تدلّ على الحصر، ودلالتها عليه معلومٌ بالاضطرار من لغة العرب، كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي وغير ذلك ولهذا يتوارد "إنّما" وحروف الشرط والاستفهام والنّفي الاستثناء كما في قوله تعالى: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون}.
وقوله: {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
وقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}.
فإنه كقوله: {وما من إلهٍ إلاّ اللّه}.
وقوله: {ما لكم من إلهٍ غيره} ، ونحو ذلك.
ولهذا كانت كلّها واردةً في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه،
-وأمّا قوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم}.
-وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الربا في النسيئة"، و"إنّما الشهر تسع وعشرون " وقولهم: "إنّما العالم زيد" ونحو ذلك،
فيقال: معلومٌ من كلام العرب أنّهم ينفون
الشيء في صيغ الحصر وغيرها تارةً
-لانتفاء ذاته
-وتارةً لانتفاء فائدته ومقصوده،
ويحصرون الشيء في غيره
-تارةً لانحصار جميع الجنس فيه
-وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه،
ثمّ إنهم تارة يعيدون النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغة
وأمثال ذلك كثيرة فقد ورد في أحاديث ، اسم الرقوب والمفلس والغني والشديد ونحو ذلك وهذه الأسماء يتعارفها الناس فيمن عدم ماله وولده أو حصل له مال أو قوّةٌ في بدنه، والنفوس تجزع من الأوّلين وترغب في الآخرين، فيعتقد أنّه هو المستحقّ لهذا الاسم دون غير فبين - صلى الله عليه وسلم - أنّ حقيقة ذلك المعنى ثابتةٌ لغير هذا المتوهم على وجهٍ ينبغي بعلو الاعتقاد والقصد بذلك الغير فإن من عدم المال والولد يوم القيامة حيث يضر عدمه أحقّ باسم المفلس والرقوب ممن يعدمهما حيث قد لا يتضرر بذلك تضررًا معتبرًا ولذلك وجود غنى النفس وقوتها أحقّ بالمدح والطلب من قوّة البدن وغنى المال وهكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنّما الرّبا في النسيئة" أو لا "ربا إلا في النسيئة".
و قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الشهر تسع وعشرون " فإنّ هذا هو عدد الشّهر اللازم الدائم، واليوم الزائد على ذلك أمر جائز يكون في بعض الشهور ولا يكون في بعضها، بخلاف التسعة والعشرين، فإنّه يجب عددها واعتبارها بكلّ حال، وهذا كما يقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمدًا رسول اللّه.
فهذا هو الذي لا بدّ منه، وما زاد على ذلك فقد يجب على الإنسان، وقد يموت قبل التمكن، فلا يكون الإسلام في حقّه إلا ما تكلّم به،
وأما قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، وقوله: {إنّما أًنت منذرٌ}.
ونحو ذلك، فالجواب عنه أن يقال: الحصر تارةً يكون عامًا كقوله:{إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو} ، ونحو ذلك.
وتارةً يكون خاصًّا بما يدل عليه سياق الكلام فليس الحصر أن ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، فيه نفي تعدد الإلهيّة في حقّه سبحانه وأنّه لا إله غيره، ليس المراد أنه لا صفة له سوى وحدانية الإلهية.
وكذلك قوله: {إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
فإنّ المراد به أنه لم يوح إليّ في أمر الإلهية إلا التوحيد لا الإشراك.
- الجواب عن قوله تعالى: {إنّما أنت منذر} ، أي لست ربًّا لهم ولا مجازيًا ولا محاسبًا، وليس عليك أن تجبرهم على الإيمان، ولا أن تتكلف لهم طلب الآيات التي يقترحونها عليك {إنّما أنت منذر} ، فليس عليك إلا الإنذار، كما قال: -
{فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب}، وقال: {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ (21) لست عليهم بمصيطرٍ (22)}.
-الجواب عن قوله: "إنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه اللّه إليّ " فإنّه قال: "ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة"
آيته هو - صلى الله عليه وسلم - التي آمن البشر عليها في حياته وبعد وفاته فهي الوحي التي أوحي إليه وهي التي توجب إيمان البشر إلى يوم القيامة كما قال تعالى: {وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}.
ولهذا قيل: إنّ آيات الأنبياء انقطعت بموتهم وآياته - صلى الله عليه وسلم - باقيةً إلى يوم القيامة،
ومما يبيّن أنّ الحصر لم ينتف عن "إنّما" في شيء من هذه الأنواع التي توهموها، أنّ الحصر قد جاء فيها وفي مثلها بإلاّ كما جاء بـ "إنّما" فإنه جاء "لا ربا إلا في النسيئة" كما جاء "إنما الربا في النسيئة" وجاء في القرآن: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل}.فهذا وجه إفادتها الحصر في هذه الآية على القول المشهور وهو "إنما" في قوله: {إنّما يخشى اللّه من جعباده العلماء} ، هي الكافة.وهذا شبيه لجواب شيخ الإسلام .

3-القول بأن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا،
الرد :أن ذلك يجاب عنه من وجوه:
أ-أحدها: أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا، وقد ذكر ابن مالك أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر:
فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب
قال: وكذلك تحدث في "الكاف " معنى التعليل، في نحو قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) ، ولكن قد نوزع في ذلك وادّعى أنّ "الباء" و"الكاف " للسببية، وأنّ "الكاف " بمجردها تفيد التعليل.
ب-والثاني: أن يقال: لا ريب أنّ "إنّ " تفيد توكيد الكلام، و"ما" الزائدة تقوّي هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام فتفيد ثبوت ذلك المعنى المذكور في اللفظ خاصةً ثبوتًا لا يشاركه فيه غيره واختصاصه به، وهذا من نوع التوكيد والثبوت ليس معنىً آخر مغايرًا له وهو الحصر المدّعى ثبوته بدخول "ما" يخرج عن إفادة قوّة معنى التوكيد وليس ذلك بمنكرٍ إذ المستنكر ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
ج-الوجه الثالث: أنّ "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه، واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، وهكذا يقال في الاستثناء فإنه وإن كان في الأصل للإخراج من الحكم لكن صار حقيقة عرفيةً في مناقضة المستثنى فيه، وهذا شبية بنقل اللفظ عن المعنى الخاص إلى العام إذا صار حقيقة عرفيةً فيه لقولهم "لا أشرب له شربة ماءٍ" ونحو ذلك، ولنقل الأمثال السائرة ونحوها مما ليس هذا موضع بسطه،
وهذا الجواب ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهو قولٌ حكاه غيره في المسألة.

&القول الثاني من جعل (ما)موصولةً أنها
تفيد الحصر .
- فتقدير الكلام :
"إن الذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضي العموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر، ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر،


& دلالة الآية على القول الثالث، وهو نفي العلم من غير أهل الخشية.
إن الحصر في قوله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} فتقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، وتقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه،

&القول بثبوت الخشية لكلّ واحدٍ من العلماء أصح من القول بثبوتها لجنس العلماء، وتقرير ذلك من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحصر هاهنا من الطرفين، ، فحصر الخشية في العلماء يفيد أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه وتفيد أنّ من لا يخشى فليس بعالم،
وحصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ، فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.
والجهة الثانية: أن المحصور مقتضٍ للمحصور فيه فهو عامٌّ فإنّ العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف، ومراده بالمقتضي – العلة المقتضية - وهي التي يتوقف تأثيرها على وجود شروط وانتفاء موانع كأسباب الوعد والوعيد ونحوهما فإنها مقتضياتٌ وهي عامةٌ والمانع بخلاف الشرط، وهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود وهذا الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتم على قول من يجوّز تخصيص العلة وأما من لا يسمّي علةً إلا ما استلزم الحكم ولزم من وجودها وجوده على كلّ حال، فهؤلاء عندهم الشرط وعدم المانع من جملة أجزاء العلة، والمقصود هنا أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية كان ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه. وهذا مختصر قول الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه -:

&أقوال السلف في فائدة العلم عن الله:
فعن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
وعن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
وعن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
وذكر ابن أبي الدنيا عن عطاءٍ الخراسانيّ في هذه الآية: "العلماء باللّه الذين يخافونه ".
وعن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ.
ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك وما علم من لم يخشك وما حكم من لم يؤمن بك.
وعن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".
وروى الدارميّ من طريق عكرمة عن ابن عباسٍ: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} قال: "من خشي اللّه فهو عالمٌ ".
وعن يحيى بن جعدة، عن عليٍّ قال: "يا حملة العلم، اعملوا به فإنّما العالم من عمل بما علم فوافق علمه عمله، وسيكون أقوامٌ يحملون العلم ولا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم.
يجلسون حلقًا فيباهي بعضهم بعضًا، حتى إنّ الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غير ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللّه عزّ وجلّ ".
وعن مسروقٍ قال: " كفى بالمرء علمًا أن يخشى اللّه عزّ وجل وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه ".
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
منه قول الحسن: "إنما الفقيه الزاهد في الدّنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربّه ".
وعن عبيد اللّه بن عمر أنّ عمر بن الخطاب سأل عبد اللّه بن سلامٍ:"من أرباب ألعلم؟
قال: الذين يعملون بما يعلمون ".
وقال رجلٌ للشعبي: أفتني أيها العالم فقال: "إنما العالم من يخاف اللّه ".
وعن الربيع بن أنس عن بعض أصحابه قال: "علامة العلم: خشية اللّه عز وجل ".
وسئل سعد بن إبراهيم -: من أفقه أهل المدينة؟
قال: "أتقاهم لربّه ".
وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟
فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".
ويشهد لهذا قوله تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون).



&بيان كيف أنّ العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية :
1-أن العلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمة والجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيتهويمنع من ارتكاب نهيه، والتفريط في أوامره وهو أصل العلم النافع ، ، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية،، ولهذا قال طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ". وبهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي، وعزتي، وجلالي، وسلطاني "، ويشهد لهذا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً" وحديث أبي ذرٍّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إنّ السماء أطّت وحقّ لها أن تئطّ، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته ساجدٌ للّه - عز وجلّ - واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزّ وجلّ ".وحديث أبو نعيمٍ وغيره بالإسناد عن ابن عباسٍ، عن ما قاله للنفر الذين كانوا يختصمون ويتمارون يبين ذ لك وحديث يزيد الرقاشيّ وحديث ابن أبي الدنيا أثرًا عن زناد بن أبي حبيبٍ يبين ذلك أيضاً

2-أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك.وأن الإيمان يزيد وينقص:
ومما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّه واطّلاعه، ومشاهدته، ومقته لعاصيه وحضور الكرام الكاتبين، كلّ هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور، وإنّما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العلم، والغفلة والشهوة أصل الشرّ، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.
والشهوة وحدها، لا يستقلّ بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإنّ صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة وكانت موجودةً في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكنّ غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الذي أصله التصديق الجازم المترتب على التصور التام، ولهذا كان ذكر اللّه وتوحيده والثناء عليه يزيد الإيمان، والغفلة والإعراض عن ذلك يضعفه وينقصه، كما كان يقول من يقول من الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".
وفي الأثر المشهور عن حماد بن سلمة عن أبي جعفرٍ الخطميّ عن جدّه عمير بن حبيبٍ وكان من الصحابة، قال: "الإيمان يزيد وينقصقيل: وما زيادته ونقصانه؟
قال: إذا ذكرنا اللّه ووحّدناه وسبّحناه، فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا، فذلك نقصانه ".
وفي مسندي الإمام أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "جدّدوا إيمانكم " قالوا: وكيف نجدد إيماننا يا رسول اللّه؟
قال: "قولوا: لا إله إلا اللّه ".
وهذا يبين معنى قول النبيًّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " فإنه لو كان مستحضرًا في تلك الحال لاطّلاع اللّه عليه ومقته له جمع ما توعّده اللّه به من العقاب المجمل والمفصل استحضارًا تامًّا لامتنع منه بعد ذلك وقوع هذا المحظور وإنما وقع فيما وقع فيه لضعف إيمانه ونقصه.
3-أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا، وإن كان قد يصور الخبر عنه، وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصوّر المخبر به فإذا أخبر بما هو محبوبٌ أو مكروهٌ له، ولم يكذّب الخبر بل عرف صدقه لكن قلبه مشغولٌ بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب، في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".
4- أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه له وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه، ولهذا كان القول الصحيح الذي عليه السلف وأئمة السنة أنه يصحّ التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ خلافًا لبعض المعتزلة، فإنّ أحد الذنبين قد يعلم قبحه فيتوب منه ويستهين بالآخر لجهله بقبحه وحقيقة مرتبته فلا يقلع عنه، ، ولا يقال لو كانت الخشية عنده موجودةً لأقلع عن الجميع، لأن أصل الخشية عنده موجودةٌ، ولكنها غير تامةٍ، وسبب نقصها إما نقص علمه، وإما غلبة هواه، فتبعّض توبته نشأ من كون المقتضي للتوبة من أحد الذنبين أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كون المانع من التوبة من أحدهما أشدّ من المانع من الآخر.
5- أنّ كل ما علم علمًا تامًّا جازمًا بانّ فعل شيئًا يضرّه ضررًا راجحًا لم يفعله، فإنّ هذا خاصة العاقل، فإنّ نفسه تنصرف عمّا يعلم رجحان ضرره بالطبع، فإنّ اللّه جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها،
فالزاني والسارق ونحوهما، لو حصل لهم جزم بإقامة الحدود عليهم من الرجم والقطع ونحو ذلك، لم يقدموا على ذلك، فإذا علم هذا فاصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل وعدم العلم بأنها تضرهم ضررًا راجحًا، أو ظنّ أنها تنفعهم نفعًا راجحًا، وذلك كلّه جهل إما بسيط وإمّا مركب، ولهذا يسمّى حال فعل السيئات الجاهلية، فإن صاحبها في حال جاهليةٍ، ولهذا كان الشيطان يزيّن السيئات ويأمر بها، ويذكر ما فيها من المحاسن التي يظنّ أنها منافع لا مضارّ كما أخبر اللّه عنه في قصة آدم أنه: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما}.
قال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}.
وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ (36) وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون (37)}.
وقال تعالى: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنًا}.
وقال: {كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون (108)}.
6- أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد ألبتة.
&دواعي الخوف من الذنوب:
-فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً" وما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه من المفسدة ومؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الذي فيه من السموم ما يمرض أو يقتل ومن هاهنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها، كما لا يؤثر أكل الطعام المسموم للذّته إلا من هو جاهل بحاله أو غير عاقل، ورجاؤه التخلص من شرفا بتوبةٍ أو عفو أو غير ذلك كرجاء آكل الطعام المسموم الطيب للخلاص من شرّ سمّه بعلاج أو غيره، وهو في غاية الحمق والجهل، فقد لا يتمكن من التخلص منه بالكلية، فيقتله سمّه،
- وقد لا يتخلص منه تخلصًا تامًّا فيطول مرضه، وكذلك المذنب قد لا يتمكن من التوبة، فإنّ من وقع في ذنبٍ تجرّأ عليه عمره وهان عليه خوض الذنوب وعسر عليه الخلاص منها ولهذا قيل: "من عقوبة الذنب: الذنب بعده ".
وقد دلّ على ذلك القرآن في غير موضع،
-وإذا قدّر أنه تاب منه فقد لا يتمكن من التوبة النصوح الخالصة التي تمحو أثره بالكلية، وإن قدّر أنه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة على النّدم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة؛ من الألم والمشقة، ولهذا قال الحسن: "ترك الذنب أيسر من طلب التوبة"
- ويكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة الّتي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها.


&أقوال السلف في حكم التوبة الناتجة عن الجهل :
قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".
وعن قتادة قال: "أجمع أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على أنّ كلّ من عصى ربّه فهو جاهلٌ جهالةً، عمدًا كان أو لم يكن، وكلّ من عصى ربّه فهو جاهلٌ ".
وقال مجاهدٌ: "من عمل ذنبًا من شيخ أو شابٍ فهو بجهالةٍ"، وقال أيضًا: "من عصى ربّه فهو جاهلٌ حتى ينزع عن معصيته "، وقال أيضًا: "من عمل سوءًا خطأً أو إثمًا فهو جاهلٌ حتى ينزع منه ".
وقال أيضًا هو وعطاء: "الجهالة: العمد".
رواهنّ ابن أبي حازمٍ وغيره، وقال: وروي عن قتادة، وعمرو بن مرة، والثوريّ نحو ذلك.
وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".
وقال عكرمة: "الدنيا كلّها جهالةٌ".
وعن الحسن البصريّ أنه سئل عنها فقال: "هم قومٌ لم يعلموا ما لهم مما عليهم، قيل له: أرأيت لو كانوا علموا؟ قال: فليخرجوا منها فإنها جهالةٌ".

&الأقوال في حكم التائب، هل يمكن عوده إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
قولين معروفين:
القول بأنه لا يمكن عوده إلى ما كان عليه قول أبي سليمان الدّرانيّ وغيره،
&الاختلاف في حكم التوبة إذا استكملت شروطها، هل يجزم بقبولها؟
على قولين: فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين على أنّه لا يجزم بذلك،
ولكنّ أكثر أهل السنة والمعتزلة وغيرهم على أنه يقطع بقبولها،
&دواعي الخوف من الذنب حتى مع قبول التوبة :
- وإن قدّر أنه عفي عنه من غير توبةٍ فإن كان ذلك بسبب أمرٍ مكفرٍ عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقلٌ أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة.
-وإن عفي عنه بغير سببٍ من هذه الأسباب المكفرة ونحوها، فإنه لابّد أن يلحقه عقوبات كثيرة منها: ما فاته من ثواب المحسنين، فإن اللّه تعالى وإن عفا عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال تعالى: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21).
وقال: (أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار (28)}.
ولهذا قال بعض السلف: عدّ أن المسيء قد عفي عنه.
أليس قد فاته ثواب المحسنين؟
ولولا أنّ اللّه تعالى رضّى أهل الجنة كلّهم بما حصل لهم من المنازل لتقطعت أصحاب اليمين حسرات مما فاتهم من منازل المقربين مع إمكان مشاركتهم لهم في أعمالهم التي نالوا بها منازلهم العالية، وقد جاء في الأحاديث والآثار أنهم يقولون: ألم نكن مع هؤلاء في الدنيا؟ فيقال: كنتم تفطرون، وكانوا يصومون، وكنتم تنامون، وكانوا يقومون، وكنتم تبخلون، وكانوا ينفقون، ونحو ذلك.
وكذلك جاء: "أنّ الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فما تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، فيستبشرون بريحه فيقولون: واهًا لهذه الريح، هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه ".
هذا قد روي من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا، وروي من كلام كعبٍ.
-ومنها ما يلحقه من الخجل والحياء من اللّه عز وجلّ عند عرضه عليه.
وتقريره بأعماله، وربما كان ذلك أصعب عليه من دخول النار ابتداءً، وقد أخبر بذلك بعض المحتضرين في زمان السلف عند احتضاره وكان أغمي عليه حتى ظنّ أنه مات، ثم أفاق فأخبر بذلك.
وجاء تصديق ذلك في الأحاديث والآثار كما روى عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "يدني اللّه عزّ وجلّ العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، قال: فيمرّ بالحسنة، فيبيضّ لها وجهه ويسرّ بها قلبه قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد قبلتها منك.
قال: فيخرّ للّه ساجدًا، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك، قال: فيمرّ بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعمله غيره، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أتعرف يا عبدي؟
قال: فيقول: نعم، يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك؟
قال: فلا يزال حسنةٌ تقبل فيسجد، وسيئةٌ تغفر فيسجد، فلا ترى الخلائق منه إلا السجود، قال: حتى تنادي الخلائق بعضها بعضًا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص اللّه قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين اللّه عز وجل ".
ومما قد وقفه عليه وروي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبد اللّه بن سلامٍوغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد اللّه بن عمر الثابت في "الصحيح "- حديث النجوى - وحديث ابن أبي الدنيا، وابن المنادي وغيرهما عن الحسن وما جاء في الأثر المعروف الذي رواه أبو نعيمٍ وغيره عن علقمة بن مرثدٍ ومن هذا قول الفضيل بن عياضٍ: "بالموقف واسوءتاه منك وإن عفوت ".

7-أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ من الأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ، وهذا من أعظم الجهل، والأمر تجلس باطنه، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا، فيحصل لصاحب المعصية العيشة الضنك، وتفوته الحياة الطيبة، فينعكس قصده بارتكاب المعصية،
&أدلة ضمان الله لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك :
قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}.
وقال: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
وقال: {ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون}.
وقال في أهل الطاعة: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً}.
قال الحسن وغيره من السلف: "لنرزقنّه عبادةً يجد حلاوتها في قلبه ".
ومن فسّرها بالقناعة، فهو صحيح أيضًا، ومن أنواع الحياة الطيبة الرضى
بالمعيشة فإنّ الرّضى، كما قال عبد الواحد بن زيدٍ:"جنة الدنيا ومستراح العابدين ".
وقال تعالى: {وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله}.
وقال: {فآتاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ المحسنين (148)}.
كما قال عن إبراهيم عليه السلام:{وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (122)}.

-الآثار عن السلف والمشايخ حول ثواب الحسنة وثواب السيئة:
كان بعض السلف يقول: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ".
وقال أبو سليمان: "أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدّنيا".
وقال: "إنه ليمرّ على القلب أوقاتٌ يضحك فيها ضحكًا".
وقال ابن المبارك وغيره: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، قيل: ما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة اللّه ".
وقال آخر: "أوجدني اللّه قلبًا طيبًا حتى قلت: إن كان أهل الجنة في مثل هذا فإنّهم في عيشٍ طيب ".
وقال مالك بن دينار: "ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر اللّه ".
وهذا بابٌ واسعٌ جدًّا، والمعاصي تقطع هذه الموادّ، وتغلق أبواب هذه الجنة المعجلة، وتفتح أبواب الجحيم العاجلة من الهمّ والغمّ، والضيق والحزن والتكدر وقسوة القلب وظلمته وبعده عن الربّ - عزّ وجلّ - وعن مواهبه السّنيّة الخاصة بأهل التقوى.
كما ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي - رضي الله عنه - قال:"جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعس في اللذة. قيل: وما التعس في اللذة؟ قال: لا ينال شهوةً حلالاً، إلا جاءه ما يبغّضه إيّاها".
وعن الحسن قال: "العمل بالحسنة نورٌ في القلب وقوةٌ في البدن، والعمل بالسيئة ظلمةٌ في القلب ووهن في البدن ".
وروى ابن المنادي وغيره عن الحسن، قال: "إن للحسنة ثوابًا في الدنيا وثوابًا في الآخرة، وإنّ للسيئة ثوابًا في الدنيا، وثوابًا في الآخرة، فثواب الحسنة في الدنيا البصر في الدّين، والنور في القلب، والقوة في البدن مع صحبةٍ حسنةٍ جميلةٍ، وثوابها في الآخرة رضوان اللّه عزّ وجلّ وثواب السيئة في الدنيا العمى في الدنيا، والظلمة في القلب، والوهن في البدن مع عقوباتٍ ونقماتٍ، وثوابها في الآخرة سخط اللّه عزّ وجلّ والنار".
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن مالك بن دينارٍ، قال: "إن للّه عقوبات فتعاهدوهنّ من أنفسكم في القلوب والأبدان: ضنكٌ في المعيشة، ووهن فى العبادة، وسخطٌ في الرزق ".
وعنه أنه قال: "ما ضرب عبدٌ بعقوبةٍ أعظم من قسوة القلب ".
-أمر الله العباد بما فيه صلاحهم :
قال قتادة وغيره من السلف: إن اللّه لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليه، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلاً به، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عمّا فيه فسادهم، وهذا هو الذي عليه المحققون من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، كالقاضي أبي يعلى وغيره.

-هل للعقل مدخل في التحسين والتقبيح ام لا؟
الأقوال: وكثير منهم كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب على أنّ ليس للعقل مدخل في التحسين والتقبيح دليلهم أن ذلك لا يجوز عقلاً
وأما من قال بوقوع مثل ذلك شرعًا فقوله شاذٌ مردودٌ.
الترجيح: أنّ ما أمر اللّه به عباده فهو عين صلاحهم وفلاحهم في دنياهم وآخرتهم، فإنّ نفس الإيمان باللّه ومعرفته وتوحيده وعبادته ومحبته وإجلاله وخشيته وذكره وشكره؛ هو غذاء القلوب وقوتها وصلاحها وقوامها، فلا صلاح للنفوس، ولا قرة للعيون ولا طمأنينة، ولا نعيم للأرواح ولا لذة لها في الدنيا على الحقيقة، إلا بذلك، فحاجتها إلى ذلك أعظم من حاجة الأبدان إلى الطعام والشراب والنّفس، بكثيرٍ، فإنّ حقيقة العبد وخاصيته هي قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بتألهه لإلهه الحقّ الذي لا إله إلا هو، ومتى فقد ذلك هلك وفسد، ولم يصلحه بعد ذلك شيء ألبتة، وكذلك ما حرّمه اللّه على عباده وهو عين فسادهم وضررهم في دينهم ودنياهم، ولهذا حرّم عليهم ما يصدّهم عن ذكره وعبادته كما حرم الخمر والميسر، وبين أنه يصدّ عن ذكره وعن الصلاة مع مفاسد أخر ذكرها فيهما، وكذلك سائر ما حرّمه اللّه فإنّ فيه مضرةً لعباده في دينهم ودنياهم وآخرتهم، كما ذكر ذلك السلف،

&اختلاف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه في قوله تعالى: {واتّبعوا ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكنّ الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلّمان من أحدٍ حتّى يقولا إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر فيتعلّمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارّين به من أحدٍ إلّا بإذن اللّه ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102) ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خيرٌ لو كانوا يعلمون (103)}.
فأخبر أنهم علموا أنّ من اشتراه أي تعوض به في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة ثم قال: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} ، فيدلّ هذا على أنّهم لم يعلموا سوء ما شروا به أنفسهم.
-الأقوال في اختلاف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه مع الترجيح:
القول الأول:- الذين علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، هم الشياطين الذين يعلّمون الناس السحر، والذين قيل فيهم:{لو كانوا يعلمون} هم الناس الذين يتعلمون.
القول الثاني :أنّ قوله: (ولقد علموا) عائدٌ على اليهود الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ثم أخبر ابن جرير أنّ الذين علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه هم اليهود، والذين قيل فيهم: لو كانوا يعلمون، هم الذين يتعلمون من الملكين، وكثيرًا ما يكون فيهم الجهال بأمر اللّه ووعده ووعيده، هذا القول ضعيف وحجته أن الضمير فيهما عائدٌ إلى واحدٍ، وأيضًا فإن الملكين يقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فقد أعلماه تحريمه وسوء عاقبته.
القول الثالث : إنما نفى عنهم العلم بعدما أثبته لانتفاء ثمرته وفائدته، وهو العمل بموجبه ومقضتاه، فلمّا انتفى عنهم العمل بعلمهم جعلهم جهّالاً لا يعلمون، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، وهذا حكاه ابن جريرٍ وغيره، وحكى الماوردي قولاً بمعناه، لكنه جعل العمل مضمرا، وتقديره لو كانوا يعملون بما يعلمون
القول الرابع :قيل إنهم علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له، أي لا نصيب له في الآخرة من الثواب، لكنهم لم يعلموا أنه يستحق عليه العقاب مع حرمانه الثواب، وهذا حكاه الماورديّ وغيره، وهو ضعيف أيضاً لأنّ الضمير إن عاد إلى اليهود، فاليهود لا يخفى عليهم تحريم السحر واستحقاق صاحبه العقوبة، وإن عاد إلى الذين يتعلمون من الملكين فالملكان يقولان لهم: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر} والكفر لا يخفى على أحدٍ أن صاحبه يستحقّ العقوبة، وإن عاد إليهما، وهو الظاهر، فواضح، وأيضًا فإذا علموا أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ فقد علموا أنه يستحقّ العقوبة، لأنّ الخلاق: النصيب من الخير، فإذا علم أنه ليس له نصيب في الخير بالكلية فقد علم أن له نصيبًا من الشرّ، لأنّ أهل التكليف في الآخرة لا يخلو واحد منهم عن أن يحصل له خير أو شرّ لا يمكن انتكاله عنهما جميعًا ألبتة.
القول الخامس:علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له في الآخرة، لكنهم ظنّوا أنهم ينتفعون به في الدنيا، ولهذا اختاروه وتعوّضوا به عن بوار الآخرة وشروا به أنفسهم، وجهلوا أنه في الدنيا يضرّهم أيضًا ولا ينفعهم، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ذلك، وأنّهم إنما باعوا أنفسهم وحظّهم من الآخرة بما يضرّهم في الدنيا أيضًا ولا ينفعهم، وهذا القول حكاه الماورديّ وغيره، وهو الصحيح،
دليل صحته : فإنّ اللّه تعالى قال: {ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم} أي هو في نفس الأمر يضرّهم ولا ينفعهم بحالٍ في الدنيا وفي الآخرة.
ولكنّهم لم يعلموا ذلك لأنهم لم يقدموا عليه إلا لظنّهم أنه ينفعهم في الدنيا.
ثم قال: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ} أي قد تيقّنوا أنّ صاحب السحر لا حظّ له في الآخرة، وإنما يختاره لما يرجو من نفعه في الدنيا، وقد يسمّون ذلك العقل المعيشي أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشةً طيبةً، قال اللّه تعالى:{ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: إن هذا الذي يعوضوا به عن ثواب الآخرة في الدنيا أمرٌ مذمومٌ مضر لا ينفع لو كانوا يعلمون ذلك ثم قال: {ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خير لّو كانوا يعلمون} يعني: أنهم لو اختاروا الإيمان والتقوى بدل السّحر لكان اللّه يثيبهم على ذلك ما هو خير لهم مما طلبوه في الدنيا لو كانوا يعلمون، فيحصل لهم في الدنيا من ثواب الإيمان والتقوى من الخير الذي هو جلب المنفعة ودفع المضرّة ما هو أعظم مما يحصّلونه بالسّحر من خير الدنيا مع ما يدّخر لهم من الثواب في الآخرة.

والمقصود هنا: أن كل من آثر معصية اللّه على طاعته ظانًّا أنه ينتفع بإيثار المعصية في الدنيا، فهو من جنس من آثر السحر - الذي ظنّ أنه ينفعه في الدنيا - على التقوى والإيمان، ولو اتّقى وآمن لكان خيرًا له وأرجى لحصول مقاصده ومطالبه ودفع مضارّه ومكروهاته، ويشهد كذلك أيضًا ما في "مسند البزار" عن حذيفة قال: "قام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس فقال: "هلمّوا إليّ، فأقبلوا إليه فجلسوا"، فقال: "هذا رسول ربّ العالمين جبريل - عليه السلام. - نفث في روعي: أنّه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ولا يحملنّكم استبطاء الرّزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ".
الخلاصة:
-مستلزمات العلم :
1- يستلزم الخشية العلم باللّه بجلاله وعظمته، وهو الذي فسر الآية به جماعةٌ من السلف،
2- الخشية ملازمةٌ للعلم بأوامر الله ونواهيه وأحكامه وشرائعه وأسرار دينه وشرعه وخلقه وقدره،
-مراتب العلم:
قد يجتمع العلم بالله والعلم بأوامر الله وشريعته وقد ينفرد أحدهما عن الآخر،
1-أكمل الأحوال اجتماعهما جميعًا وهي حالة الأنبياء - عليهم السلام - وخواصّ الصديقين ومتى اجتمعا كانت الخشية حاصلةٌ من تلك الوجوه كلها،والعلماء الكمّل أولو العلم في الحقيقة الذين جمعوا الأمرين.
2-وإن انفرد أحدهما حصل من الخشية بحسب ما حصّل من ذلك العلم،
-أقوال السلف:
وقد ذكر الحافظ أبو أحمد بن عديٍّ: ثنا أحمد بن عبد اللّه بن صالح بن شيخ بن عميرة: ثنا إسحاق بن بهلول قال: قال لي إسحاق بن الطباع: قال لي سفيان بن عيينة: "عالمٌ باللّه عالمٌ بالعلم، عالمٌ باللّه ليس بعالمٍ بالعلمعالمٌ بالعلم ليس بعالم باللّه "، قال: قلت لإسحاق: فهمنيه واشرحه لي، قال: عالمٌ باللّه عالمٌ بالعلم، حماد بن سلمة، عالمٌ باللّه ليس بعالم بالعلم مثل أبي الحجاج العابد، عالمٌ بالعلم ليس بعالم باللّه فلانٌ وفلانٌ وذكر بعض الفقهاء.
وروى الثوريّ عن أبي حيّان التميمي سعيد بن حيّان عن رجلٍ قال: كان يقال: العلماء ثلاثةٌ: "فعالمٌ باللّه ليس عالمًا بأمر اللّه، وعالمٌ بأمر اللّه ليس عالمًا باللّه، وعالمٌ باللّه عالمٌ بأمر اللّه ".
فالعالم باللّه وبأوامر اللّه: الذي يخشى اللّه ويعلم الحدود والفرائض.
والعالم باللّه ليس بعالم بأمر اللّه: الذي يخشى اللّه ولا يعلم الحدود والفرائض.
والعالم بأمر اللّه ليس بعالم باللّه: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى اللّه عزّ وجلًّ.
وأما بيان أنّ انتفاء الخشية ينتفي مع العلم، فإنّ العلم له موجب ومقتضى.
وهو اتباعه والاهتداء به وصدّه الجهل، فإذا انتفت فائدته ومقتضاه، صار حاله كحاله عند عدمه وهو الجهل، وقد تقدّم أن الذنوب إنّما تقع عن جهالةٍ، وبيّنا دلالة القرآن على ذلك وتفسير السلف له بذلك، فيلزم حينئذٍ أن ينتفي العلم ويثبت الجهل عند انتفاء فائدة العلم ومقتضاه وهو اتباعه، ومن هذا الباب قوله تعالى:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}.
وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ "وهذا كما يوصف من لا ينتفع بسمعه وبصره وعقله في معرفة الحقّ والانقياد له بأنه أصم أبكم أعمى قال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}.
ويقال أيضًا: إنه لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل كما قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)}.

‏‫من جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

رد مع اقتباس
  #56  
قديم 4 رجب 1436هـ/22-04-2015م, 05:05 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

جزاكم الله خير وأثابكم صبركم علينا
إعادة تفسير آية الكرسي
تلخيص تفسير قوله تعالى : ({اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]
عناصر التفسير:
&المسائل التفسيرية:
-فضل آية الكرسي
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
-المعنى الإجمالي
-معنى {إله}
-استحقاق وصف الألوهية
~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي
-معنى {الحي القيوم} في حق الله
تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي
~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي
~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله
-تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله
-معنى العلم عند الأصوليين
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله
~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع)
-معنى «الكرسي»
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}
-معنى (العلي)
-معنى (العظيم )

مسائل لغوية:
-إعراب قوله تعالى {الله لا إله إلا هو}:
- نوع {لا} ودلالتها
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو}
-فائدة البدل
-المعنى اللغوي ل{الحي}-
-المعنى اللغوي ل{القيوم}
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم)
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-الغرض من (ما))في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات}
-المراد من الاستفهام في قوله تعالى {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة»
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة»
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
-فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛


-علوم الآية:
-فضل آية الكرسي:
يظهر هذا الفضل من خلال:
1-سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛
2-من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح؛

~المسائل التفسيرية:
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}:
-المعنى الإجمالي: وهذه الجملة العظيمة تدل على نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62] .
-معنى {إله}:أي مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً؛
-استحقاق وصف الألوهية :ولا أحد يستحق الوصف ب(إله) إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم}[البقرة: 21] ،
~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي :هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال؛ فكمال الأوصاف في {الحي}؛ وكمال الأفعال في {القيوم}؛
-معنى (الحي)في حق الله تعالى: أن حياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة؛
-معنى (القيوم ) في حق الله تعالى:فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.
تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي: أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.
~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي؛أي له وحده مافي السماوات وما في الأرض.
~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله:لا أحد يشفع إلا بإذن الله الكوني لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة» :التوسط للغير لجلب منفعة،مثل شفاعة النبي صدى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا أو دفع مضرة؛مثل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون
تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله:
والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد؛
-معنى العلم عند الأصوليين :
«العلم» عند الأصوليين: إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ فعدم الإدراك: جهل؛ كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول «لا أدري».
والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك؛:كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول : «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» .
والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} أي المستقبل؛ ومعنى:{وما خلفهم} أي الماضي؛وهو الراجح وهناك قول بعيد لا يساعد علي اللفظ وهو عكس القول الراجح
~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله:
المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع) :أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.
-معنى «الكرسي» :
1-القول الراجح:هو موضع قدمي الله عز وجل؛ وهو بين يدي العرش كالمقدمة له؛ وقد صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً (2)، ومثل هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛وهو معتقد أهل السنة والجماعة
-سبب الترجيح: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»(5)؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب
2-القول الباطل: هو العرش؛
دليل البطلان: هو أن«العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي؛
3-القول المنقول من رواية غير صحيحة ؛ ما روي عن ابن عباس أن {كرسيه}: علمه؛
-سبب عدم الصحة:
لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية؛ فهو بعيد جداً من أن يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}؛ أي لا يثقله، ويشق عليه {حفظهما}؛ أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.
-معنى (العلي): أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء؛
-معنى (العظيم ):أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.

&المسائل اللغوية:
-إعراب قوله تعالى {الله لا إله إلا هو}:
الاسم الكريم مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة؛ و{إله} اسم لا؛
- نوع {لا} ودلالتها: نافية للجنس؛ وهي تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو} :بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛
-فائدة البدل: هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً)
-المعنى اللغوي ل{الحي}؛ ذو الحياة؛
-المعنى اللغوي ل{القيوم}: أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم): «أل» التعريف مفيدة للاستغراق
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات} :
{الأرض} أفردت؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.
إعراب قوله تعالى (من ذا الذي)
؛{من} اسم استفهام مبتدأ؛ و{ذا} ملغاة إعراباً؛ ويأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ؛ و{الذي} اسم موصول خبر {من}؛
-المراد من الاستفهام هو:النفي بدليل الإثبات بعده، حيث قال تعالى: {إلا بإذنه}.
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة» :
جعل الوتر شفعاً؛
الغرض من (ما):في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
و{ما} من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛
-معنى العامل وهو حرف ال(ب):
1-الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته
2-ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ و هنا يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.
فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛

~الفوائد التي اشتملت عليها الآية:
-إثبات أسماء الله الحسنى(الله ،الحي،القيوم) والصفات الكاملة لها واشتمالها على الاسم الأعظم (الحي القيوم)
-إثبات إنفراد الله باﻷلوهية .
- غنى الله سبحانه وفقر اﻹنسان إليه
- سعة علم الله وقدرته وعظمته.
-عدم تحقق الشفاعة بدون إذن الله ورضاه.
- الهيبة والعزة والجبروت لله وحده عزوجل
-: إثبات علم الله بكل شئ وأنه يعلم الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.
- الرد على القدرية الغلاة؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.
- التوكل على الله؛ لأنه لا يكون شئ إلا بمشيئته.
-الاستعانة بالله في تحصيل العلم.
-الخشية من الله لأن الله لا يعزب عنه شئ.
- تجنب المعاصي لأنها سبب حرمانه العلم والتوفيق من الله للعبد؛ فالعلم عنده وحده وهو الذي يمن به على من يشاء من عباده.
- عظم الكرسي ، وبالتالي عظم خالق الكرسي .
- كفر من أنكر وجود السموات والأرض .
-إثبات قوة الله؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}. وهذه من الصفات المنفية.
- إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة.
- أن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.
- إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً؛ لقوله تعالى: {وهو العلي} .
- الرد على الحلولية، وعلى المعطلة النفاة؛ فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.
- التحذير من الطغيان على الغير؛ لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم} .
- إثبات العظمة لله؛ لقوله تعالى: {العظيم}.
- إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين؛ وهما العلوّ، والعظمة.

‏‫من جهاز الـ iphone الخاص بي‬

رد مع اقتباس
  #57  
قديم 8 رجب 1436هـ/26-04-2015م, 09:47 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

س1: ملاك العلم بثلاثة أمور، اذكرها مع بيان أهميّة كل أمر وبم يتحقّق.
وملاك العلم بثلاثة أمور:
1: حسن الفهم.
أهميته - 1-ملكة من رُزقها فقد أوتي خيراً كثيراً، فإنه يستجلب بها من البركة في مسائل العلم شيئاً عظيماً إذا صلحت نيّته وزكت نفسه.
2- يزداد بصيرة بالعلم الذي يدرسه ويكون أقرب إلى النجاة من فتن الشبهات التي تثار في ذلك العلم إذا سلم من اتّباع الهوى.
3/ وكلما ازداد الطالب بصيرة بالعلم الذي يدرسه ازداد معرفة بمظان المسائل التي يبحث فيها.
وحسن الفهم له أمور تعين عليه، من أهمّها 1-أن تكون دراسة طالب العلم على منهج صحيح يراعى فيه التدرّج العلمي ومناسبته لحال الطالب،
2-وضبط أصول العلم الذي يدرسه،
3-أن ينظّم قراءته في تلك المسألة؛ بالاطلاع على ما قيل في تلك المسألة من كتب أهل العلم،
4-وأن تكون دراسته تحت إشراف علمي من عالم أو طالب علم متمكّن ليرشده إلى ما ينفعه ويجيب على ما يشكل عليه من الأسئلة .

2: وقوة الحفظ.
-أهميته:تحصيل علماً غزيراً شاملاً
- مما يعين على قوّة الحفظ:
1-تنظيم الدراسة، 2-ومداومة النظر ، 3-وكثرة التكرار ،4- وأن يكون للطالب أصل مختصر في العلم الذي يدرسه إما أن ينتقي كتاباً مختصراً أو يتّخذ لنفسه ملخّصاً جامعاً يدمن النظر فيه حتى ترسخ مسائله في قلبه.
3: وسَعَة الاطلاع
أهميته:1-أنّها تختصر على الدارس شيئاً كثيراً بإذن الله تعالى، وتعين على حسن فهم المسائل العلمية والإلمام بها وتصوّرها وحفظها.
2-يؤدي إلى معرفة موسوعية عالية
يتحقق بالأمور التالية:
1-أن يكون بشكل مشروع جماعي حتى يسهل
2-تنوع المراجع وكثرتها ليس فقط في العلم المختص به بل في كل علم له صلة به
س2: بين أهمية الفهرسة العلمية لطالب العلم. أن الفهرسة العلمية تفيد الدارس في استجلاء المسائل العلمية في العلم الذي يدرسه بتفصيل حسن وترتيب وتنظيم يعينه على حسن الفهم وقوة الحفظ إذا داوم على المطالعة وتعاهد هذا الفهرس بالقراءة والإضافة والتحسين. ويختصر على الدارس شيئاً كثيراً بإذن الله تعالى،
س3: حاجة الأمة إلى إعداد العلماء ماسة ، وضح ذلك بالدليل.
وحاجة الناس إلى من يرشدهم ويبصّرهم حاجة ماسّة لا بدّ لهم منها،خاصة في الفتن فإذا لم يجدوا علماء صالحين يرشدونهم إلى الحقّ ؛ عظّموا بعض المتعالمين وصدروا عن رأيهم، ويدلّ لذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتّخذ الناس رؤوساً جهّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا )). رواه البخاري ومسلم.

‏‫من جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

رد مع اقتباس
  #58  
قديم 14 رجب 1436هـ/2-05-2015م, 11:20 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
تعالى {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَان نَزْع فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } .
تكلم المفسرون عن هذه الآيةفأوضحوا معناها بياناً شافياً.
ومما قيل في ذلك:
قَالَ ابْن زَيْد { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَان نَزْغ }
هَذَا الْغَضَب .
وقال عبد الرحمن بن زيد : لما نزلت هذه الآية : " خذ العفو " ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كيف يا رب والغضب " ؟ فنزل : "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله " أي : استجر بالله ( إنه سميع عليم ) .
وقال الزجاج : النزغ أدنى حركة تكون من الآدمي ، ومن الشيطان أدنى وسوسة .
قال الراغب : النزغ دخول في أمر لإفساده . واستشهد له بقول يوسف عليه السلام : من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( 12 : 100 ) . فالنزغ كالنسغ والنخس والنخز والنغز والنكز والوكز والهمز ألفاظ متقاربة المعنى ، وأصله إصابة الجسد برأس شيء محدد كالإبرة والمهماز والرمح أو ما يشبه المحدد كالإصبع ، والمراد من نزغ الشيطان إثارته داعية الشر والفساد في غضب أو شهوة حيوانية أو معنوية ، بحيث تقحم صاحبها إلى العمل بتأثيرها ، كما تنخس الدابة بالمهماز لتسرع .
والنزغ النخس والغرز ، كذا فسره في الكشاف وهو التحقيق ، وأما الراغب وابن عطية فقيداه بأنه دخول شيء في شيء لإفساده .

وإطلاق النزغ هنا على وسوسة الشيطان استعارة شبه حدوث الوسوسة الشيطانية في النفس بنزغ الإبرة ونحوها في الجسم بجامع التأثير الخفي ، وشاعت هذه الاستعارة بعد نزول القرءان حتى صارت كالحقيقة . وفي ذلك إشارة إلى أن نزغات الشيطان قد تزداد ثورتها في بعض الأحيان إذا صادف من الإنسان غفلة، أو شهوة، أو غضباً، أو فراغاً، أو أيَّ نوع من المثيرات التي تحرك فيه نوازع الشر.
وهذا الأمر مراد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتداء وهو شامل لأمته ., يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِمَّا يُلْقِيَنَّ الشَّيْطَان يَا مُحَمَّد فِي نَفْسك وَسْوَسَة مِنْ حَدِيث النَّفْس إِرَادَة حَمْلك عَلَى مُجَازَاة الْمُسِيء بِالْإِسَاءَةِ , وَدُعَائِك إِلَى مَسَاءَته , فَاسْتَجِرْ بِاللَّهِ وَاعْتَصِمْ مِنْ خُطُوَاته , إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع لِاسْتِعَاذَتِك مِنْهُ وَاسْتِجَارَتك بِهِ مِنْ نَزَغَاته فالاستعاذة مصدر طلب العوذ ، فالسين والتاء فيها للطلب ، والعوذ الالتجاء إلى شيء يدفع مكروها عن الملتجئ ، يقال : عاذ بفلان ، وعاذ بالحرم ، وأعاذه إذا منعه من الضر الذي عاذ من أجله .
فأمر الله بدفع وسوسة الشيطان بالعوذ بالله ، والعوذ بالله هو الالتجاء إليه بالدعاء بالعصمة ، أو استحضار ما حدده الله له من حدود الشريعة ، فإن شيطان الجن لا منجى منه إلا بالاستعاذة بالله منه فالجأ إلى الله بقلبك ، وعبر عن ذلك بلسانك ، فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنه تعالى سميع لما تقول ، عليم بما تتوجه إليه ، فهو يصرف عنك تأثير نزغه بتزيين الشر . ومن المجرب أن الالتجاء إلى الله تعالى وذكره بالقلب واللسان ، يصرف عن القلب وسوسة الشيطان (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ).
فإن الاستعاذة عبادة عظيمة يجب إخلاصها لله جل وعلا، وأنها تستلزم ما تستلزم من الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العليا فالمستعيذ يؤمن بسعة علم الله عز وجل وسمعه وبصره وقدرته ورحمته وعزته وملكه وغيرها من الصفات الجليلة التي يجد المؤمن الذي يحسن الاستعاذة أن الإيمان بها ضروري لتحقيق معنى الاستعاذة.
وهي تقتضي من العبد محبة الله تعالى وحسن الظن به والإنابة إليه والتوكل عليه واعتقاد أن النفع والضر بيده وحده جل وعلا؛ فيحصل للعبد بذلك من السكينة والطمأنينة والثقة بالله جل وعلا ما لا تقوم له وساوس الشيطان ولا الشرورُ كلها؛ لأن الله تعالى مع عباده المؤمنين المتقين، وهو وليّهم الذي ينصرهم ويؤيدهم ويحفظهم، ويحبهم ويحبونه؛ فلا يخذلهم ولا يتخلى عنهم، ولا يعجز عن نصرهم، ولا يُشقيهم بعبادته وتوحيده.
بل يريهم أن السعادة والفوز والفلاح في الإيمان به واتباع رضوانه.
أما أساليب الشيطان مع المؤمنين ، فهي :
الوسوسة :
وهي الخاطرة الرديئة ، قال تعالى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }

الطائف :
الطائف من الشيطان هو الذي يطوف حول القلب لتقع فيه وتستقر عليه . أين الاستشهاد على هذه المسألة؟

النزغ :
إذا استقرّت الوسوسة فإنها تتطوّر لتصبح نزغاً ، قال تعالى : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف: 200] . والنزغ هو حركة وبداية التحرّك والتحريك نحو الباطل . إخوة يوسف جاءتهم الوسوسة عندما فكّروا بالقضاء على أخيهم يوسف ، وعندما بدأوا بتنفيذ ما فكّروا به أصبحت هذه الفكرة نزغاً ، قال تعالى : { مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [يوسف : 100] .

استزلّ : الاستزلال!
يقول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [آل عمران: 155] . فكل إنسان عنده شيطان (قرين) . وهذا الشيطان ينتظرك ويتحرّى زلاّتك في أي موضوع (زنا ، أو غيبة ، أو رشوة ، أو عقوق ...) ، وينتظر زلّتك ، فهذا استزلال .

الزلّة : الإزلال
عند الزلّة يهجم الشيطان على الإنسان لكي يزلّ فعلاً ، فيزلّه { إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ } . عندما انسحبوا من المعركة (أزلّهم) أي طبّقها فعلاً . ، وعندما تُمعِن في الرُخص تفتح باب الزلاّت ، ويدخل الشيطان من باب الصغائر حتى تصبح كبائر .

سوّل : التسويل
بعد أن يوسوس الشيطان ، ثم ينزغ ، ثم يستزلّ ، ثم يزلّ ، فإنه يسوّل أي : يجعله يصرّ على الذنب الذي فعله فيستمر في الذنب ويكرّره ويعود إليه ، { الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } [محمد: 25] .

الإملاء :
يملي عليه : بعد أن يستمرّ بالتسويل ويستمرّ على ضلاله يملي الشيطان عليه ويفتح عليه أفكاره ،
قال تعالى : { الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } [محمد: 25] . فبعد أن يحرص على الضلالة ويصرّ على المعصية يملي عليه الشيطان بأفكار وفلسفات . وكثير من البِدع تأتي بالنزغ ثم الاستزلال ثم زلة ثم تسويل ثم تصبح فلسفة يتبعها الناس
وبحسب ما يكون مع العبد من تحقيق للإخلاص يعظم إيمانه ويعظم توكله على الله جل وعلا حتى يكون من عباد الله المخلَصين وينال بذلك أعظم تحصين من كيد الشيطان الرجيم .
ويحسن بنا أن نذكّر بأصول عظيمة في هذا الباب ينبغي للمؤمن أن يعتني بها ، ويفقهها حق الفقه، وهي مقررة في القرآن العظيم أحسن تقرير وأبينه، فإياك ثم إياك أن تستهين بها؛ فإن الاستهانةبها قد توقع العبد في أنواع من العذاب الأليم والشقاء العظيم. .

الأصل الأول: أن الشيطان عدو مبين؛ فهو بيّن العداوة كما قال تعالى: {إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا}، وقال تعالى : {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، وقال: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم}، وقال: {إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}.
فكل ما يوسوس لك به الشيطان فغايته أن يأمرك بما فيه هلاكك وشقاؤك.

الأصل الثاني: أنه يجب علينا أن نتخذه عدواً كما قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}
ولو تأملت أصل البلاء وجدته الاستهانة باتخاذ الشيطان عدواً.

الأصل الثالث: أن الله قد حرّم اتباع خطوات الشيطان كما قال تعالى في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}.
وقال الله تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم}.

الأصل الرابع: أنه لا ضمان للعبد ولا أمان له إلا أن يتبع هدى الله جل وعلا، كما قال الله تعالى لما أهبط أبوينا وأهبط إبليس إلى الأرض عند بدء هذه الحياة الدنيا: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}.

الأصل الخامس: أن اتباع هدى الله يفضي إلى العاقبة الحسنة، ومهما يكن على العبد من كيد الشيطان ووسوسته وأذيته فإن العبد المؤمن يعان على ذلك ما دام متبعاً لهدى الله جل وعلا

الأصل السادس: أن الشيطان يحضر ابن آدم عند كل شيء من شأنه ؛ فله وسوسة في الشؤون كلها، و له تصرفات في بعض أجساد الناس؛ كما صح أن التثاؤب من الشيطان، والحلم من الشيطان، والاستحاضة من الشيطان، وعيرها كثير .
بل قد يكون له تأثير على الناس في تصرفاتهم، في منازلهم وسفرهم وذهابهم وإيابهم بسبب وسوسته ، كما في سنن أبي داوود والنسائي من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا تفرقوا في الشعاب والأودية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن تفرقكم في الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان))؛ فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض).


وقد ورد في النصوص أيضاً بيان ما لا يقدر عليه الشيطان: فهو لا يفتح باباً مغلقاً، ولا يحلّ وكاءً، ولا يكشف إناء، ولا يرى من يسمي إذا دخل الخلاء، ولا يأكل مع من يسمي عند أكله، ولا يدخل مع من يسمي عند دخوله، ولا يشارك الرجل في أهله إذا سمى عند الجماع.
ولا يتمثل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام.

الأصل السابع: أن العبد لا يُعذر في مخالفته هدى الله جل وعلا فيما ينزغ له به الشيطان فيطيعه على ذلك؛ كما في الصحيحين من حديث همام عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار)).


الأصل الثامن: أن الشيطان له مداخل للتسلط على الإنسان ينبغي للمؤمن أن يحترز منها: كالغَضَبِ الشديدِ، والفَرَحِ الشَّديدِ، والانْكِبابِ على الشَّهواتِ، والشُّذُوذِ عن الجماعةِ، والوَحْدةِ، ولا سِيَّما في السَّفَرِ، ونَقْلِ الحديثِ بينَ الناسِ، وخَلْوةِ الرجُلِ بالمرأةِ، والظنِّ السَّيِّئِ، وغِشْيانِ مَواضِعِ الرِّيَبِ.وقد شُرِعت التسميةُ في كلِّ شأنٍ من شُئونِ الإنسانِ لحُصولِ البَرَكةِ والحِفْظِ من كيدِ الشيطانِ، فيُسَمِّي العبدُ إذا أكَلَ، وإذا شَرِبَ، وإذا دخَلَ المَنْزِلَ، وإذا خَرَجَ منه، وإذا أَصْبَحَ، وإذا أمْسَى، وإذا رَكِبَ، وإذا جَامَعَ، وإذا دخَلَ الخَلاءَ، وإذا أرادَ النَّوْمَ.
وفي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم
قال: ((إذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطَاعَ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ في فِيهِ)). ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسناتالكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه


المراجع :
-تفسيرالبغوي
-تفسيرالطبري
-تفسيرالسعدي
-تفسير المنار
-دروس في تفسير المعوذتين للدكتور عبد العزيز الداخل
-.ملتقى أهل التفسير
-شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية
-الأسلوب المستخدم :
تم استخدام الأسلوب الوعظي في كتابة هذه الرسالة
‏‫من جهاز الـ iphone الخاص بي‬

أحسنت بارك الله فيك وأحسن إليك.
- ومقصد الرسالة واضح جدا، وقد أحسنت اختيار عناصر الرسالة ورتبتيها ترتيبا جيدا يخدم مقصدها.
- واعتنيت عناية جيدة بالنظائر
- لكن يلاحظ فيها قلة الاستشهاد بالأحاديث وآثار السلف فانتبهي لهذا في الرسالة التالية إن شاء الله.
- ويلاحظ الاختصار في تناول مسألة "أساليب الشيطان مع المؤمنين" وكانت تحتاج إلى مزيد بسط وتفصيل.

التقييم:
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 20 / 20
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 15
رابعاً: المواءمة ( مناسبة المسائل المذكورة للمخاطبين ) : 20 / 18
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 10 /9
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 10 / 10
= 92 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #59  
قديم 14 رجب 1436هـ/2-05-2015م, 12:53 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

الواجب الأول :فهرسة وتلخيص مسائل نزول القرآن /معرفة أسباب النزول

عناصر الموضوع
أنواع مسائل نزول القرآن:
&نزول القرآن مفرقاً
&نزول القرآن على قسمين
& بيان كيفية صيغة سبب النزول
&الجمع بين الاختلاف في سبب النزول
& بأيهما يبدأ المفسّر ببيان معنى الآية أم ببيان سبب نزولها؟
& الداعي الى التأليف في أسباب النزول
&المؤلفات في أسباب النزول
& حكم القول في أسباب النزول بغير علم
&حكم قول الصحابي والتابعي في أسباب النزول
&أهمية العلم بسبب النزول

&استطرادات

-أنواع مسائل نزول القرآن:
&نزول القرآن مفرقاً:
أنزل الله القرآن مفرقًا نجومًا وأودعه أحكامًا وعلومًا؛ قال عز من قائل: {وَقُرآَنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلاً} . كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنةأنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر وبالمدينة عشر سنين. ذكره الواحدي في

&نزول القرآن على قسمين:
1-قسم نزل ابتداء،بعقائد الإيمان وواجبات الإسلام وغير ذلك من التشريع،
2-وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال من القرآن أن تحدث حادثة فينزل القرآن الكريم بشأنها كما في سبب نزول {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}.أو أن يُسْأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن شيء فينزل القرآن
وذلك ماتضمنه قول الجعبري وذكره السيوطي في الإتقان وما قاله الوادعي في الصحيح المسند لأسباب النزول

& بيان كيفية صيغة سبب النزول :
ذكر الوادعي في كتابه الصحيح المسند أن صيغة سبب النزول :
1-إما أن تكون صريحة في السببيةإذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا أو إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال
2- وإما أن تكون محتملة. إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا فذلك يراد به تارة أنه سبب النزول وتارة أنه داخل في معنى الآية.وكذا إذا قال أحسب هذه الآية نزلت في كذا أو ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في كذا فهاتان صيغتان تحتملان السببية وغيرها

&الجمع بين الاختلاف في سبب النزول :
ذكر السيوطي في كتابه لباب النقول طريقة الجمع بين ما يذكره المفسرون من أسباب متعددة لنزول الآية كالتالي:
1-فإن عبر أحدهم بقوله: نزلت في كذا والآخر نزلت في كذا وذكر أمرا آخر فقد تقدم أن هذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول فلا منافاة بين قولهما إذا كان اللفظ يتناولهمافحينئذ فحق مثل هذا أن لا يورد في تصانيف أسباب النزول وإنما يذكر في تصانيف أحكام القرآن.
2-وإن عبر واحد بقوله: نزلت في كذا وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد كما قال ابن عمر في قوله: {نساؤكم حرث لكم} أنها نزلت رخصة في وطء النساء في أدبارهن وصرح جابر بذكر سبب خلافه فاعتمد حديث جابر.
3-وإن ذكر واحد سببا وآخر سببا غيره فقد تكون نزلت عقيب تلك الأسباب كما في آية اللعان وقد تكون نزلت مرتين كما في آية الروح وفي خواتيم النحل وفي قوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا} الآية مما يعتمد في الترجيح النظر إلى الإسناد وكون راوي أحد السببين حاضرا القصة أو من علماء التفسير كابن عباس وابن مسعود.

& بأيهما يبدأ المفسّر ببيان معنى الآية أم ببيان سبب نزولها؟
بين الزَّرْكَشِيُّ في البرهان أنه جرت عادة المفسرين أن يبدءوا بذكر سبب النزول و عقب أنه اذا كان وجه المناسبة متوقفا على سبب النزول يبدأ به لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد، وإن لم يتوقف على ذلك فالأولى تقديم وجه المناسبة


& الداعي الى التأليف في أسباب النزول:
1-ماذكره الواحدي في أسباب النزول : (وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئًا ويختلق إفكًا وكذبًا ملقيًا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول هذا القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب).
2-ما ذكره السيوطي في الاتقان :(ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال تترى فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} نحو عشرة أقوال، وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع التابعين وأتباعهم حتى قال ابن أبي حاتم لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين )

3-ما قالَه ابن عَاشُورٍ : (أُولِعَ كثير من المفسرين بتطلّب أسباب نزول آي القرآن، وهي حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك، وأغربوا في ذلك وأكثروا حتى كاد بعضهم أن يوهم الناس أن كل آية من القرآن نزلت على سبب، وحتى رفعوا الثقة بما ذكروا. بيد أنا نجد في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعت إلى نزولها ونجد لبعض الآي أسبابا ثبتت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك رأي الناقل، فكان أمر أسباب نزول القرآن دائرا بين القصد والإسراف، وكان في غض النظر عنه وإرسال حبله على غاربه خطر عظيم في فهم القرآن. فذلك الذي دعاني إلى خوض هذا الغرض في مقدمات التفسير لظهور شدة الحاجة إلى تمحيصه في أثناء التفسير، وللاستغناء عن إعادة الكلام عليه عند عروض تلك المسائل، غير مدخر ما أراه في ذلك رأيا يجمع شتاتها.)

&المؤلفات في أسباب النزول:
لأهمية هذا العلم عده الزركشي النوع الأول في كتابه البرهان
وعده البلقيني النوع العاشر في كتابه مواقع العلوم.
وعده السيوطي النوع الحادي عشر في كتابه التحبير.
.وقد ألف فيه عدة مصنفات من أهمها:
كتاب الواحدي "أسباب النزول"
-وألف السيوطي فيه كتاب لباب النقول في أسباب النزول وما تميز به على كتاب الواحدي من الاختصار والجمع الكثير وعزوه كل حديث الى من خرجه وتمييز الصحيح من غيره والجمع بين الروايات .ذكره السيوطي في لباب النقول
وذكر السيوطي أنه ألف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر كتابا مات عنه مسودة لم يقف عليه كاملا.

& حكم القول في أسباب النزول بغير علم :
قال الواحدي في أول كتابه أسباب النزول ونقله عنه ابن عاشور (لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل)ا.هـ.

&حكم قول الصحابي والتابعي في أسباب النزول:
قالَ السيوطيُّ في التحبير :( وما كان عن صحابي: فهو مسند مرفوع، إذ قول الصحابي فيما لا مدخل فيه للاجتهاد مرفوع، أو تابعي: فمرسل، وشرط قبولهما: صحة السند، ويزيد الثاني: أن يكون راويه معروفاً بأن لا يروي إلا عن الصحابة، أو ورد له شاهد مرسل أو متصل ولو ضعيفاً).


&أهمية العلم بسبب النزول :
1-- فهم كلام الله تعالى على الوجه الصحيح، والوقوف على المعنى وإزالة الإشكال.وذكر الواحدي أنه"لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها".وذكر القشيري في قوله: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز"؛ وقول ابن تيمية في مقدمة التفسير -: "ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"؛ .
-مثاله: قوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} الآية [الطلاق: 4]، قد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة وقد بينه سبب النزول، روي أن ناسا قالوا: (يا رسول الله قد عرفنا عدة ذوات الأقراء، فما عدة اللائي لم يحضن من الصغار والكبار؟) فنزلت فهذا يبين معنى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن فهذا حكمهن.
-ومن ذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الآية [البقرة: 115] فإنا لو تركنا مدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا، وهو خلاف الإجماع، فلا يفهم مراد الآية حتى يعلم سببها وذلك أنها نزلت لما صلى النبي صلى عليه وسلم على راحلته وهو مستقبل من مكة إلى المدينة حيث توجهت به فعلم أن هذا هو المراد.
ذكره الزركشي في البرهان
2-معرفة المجملات ودفع المتشابهات.
-مثل قوله تعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} فإذا ظن أحد أن من للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا، ثم إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن من موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمدأيضاً معرفة أسباب النزول يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض كما في قوله تعالى، في سورة النساء: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} الآية، فقد تخفى الملازمة بين الشرط وجزائه فيبينها ما في الصحيح، عن عائشة أن عروة بن الزبير سألها عنها فقالت: هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.ذكره ابن عاشور في كتابه التحرير
3- وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
4-معرفة أن سبب النزول لا يخرج عن حكم الآية إذا ورد مخصِّص له قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع ؛ لأن دخول السبب قطعي. ماتضمن من أقوال الواحدي والقشيري والسيوطي والزركشي
5-معرفة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
وقد يكون السبب خاصا والصيغة عامة لينبه على أن العبرة بعموم اللفظ. قاله الزركشي في البرهان
الحكمة من أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه.ذكره الزمخشري ونقله عنه الزركشي في البرهان
مثاله:حديث عويمر العجلاني الذي نزلت عنه آية اللعان، ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عنه آية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام} الآية فقد قال كعب بن عجرة: هي لي خاصة ولكم عامة، ذكره ابن عاشور في التنوير .
ومن أمثلة ذلك آية الظهار في سلمة بن صخر وآية اللعان في شأن هلال بن أمية وحد القذف في رماة عائشة ثم تعدى إلى غيرهم قاله الزركشي في البرهان
-الرد على من قال أن ابن عباس لم يعتبر العموم:
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم {لا تحسبن الذين يفرحون}الآية [آل عمران: 188]، بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب.
الرد : لا يخفى على ابن عباس رضي الاه عنهما أن اللفظ أعم من السبب لكنه بين أن المراد باللفظ خاص.
ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى:{ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] بالشرك، من قوله: {إن الشرك لظلم عظيم} الآية [لقمان: 13]، مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
أيضاً ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت، قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا .قاله السيوطي في الاتقان
-متى يبطل القول بالعموم:
يبطل القول بالعموم إذا نزلت آية في معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعا :كقوله تعالى:{وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى}[الليل: 17] فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع. فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم: أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد.واللام في {الأتقى} الآية [الليل: 17]، ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، و{الأتقى} الآية [الليل: 17]، ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود، خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه.ذكره السيوطي في الاتقا
6- دفع توهم الحصر :
قد ترد آية تفيد بظاهرها الحصر، لكن سبب النزول يدفع هذا التوهم
مثاله :ما قال الشافعي ما معناه في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية [الأنعام: 145]، إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله وكانوا على المضادة والمحاداة فجاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا نزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه تعالى قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل. ذكره السيوطي في الاتقان
7-معرفة اسم النازل في الآية وتعيين المبهم فيها ولقد قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: (إنه الذي أنزل فيه {والذي قال لوالديه أف لكما} الآية [الأحقاف: 17])، حتى ردت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها).
8- وثمة فائدة أخرى عظيمة لأسباب النزول وهي أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين. ذكره ابن عاشور في التنوير
9-معرفة ما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي،
مثاله:كقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك)) فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم.ذكره الوادعي في كتابه المسند الصحيح
10- معرفة ما في أسباب النزول من مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف). قاله الوادعي في الصحيح المسند


&استطرادات:
-مدح الواحدي للقرآن وللرسول صلى الله عليه وسلم :
-أنزله قرآنًا عظيمًا وذكرًا حكيمًا وحبلاً ممدودًا وعهدًا معهودًا وظلاً عميمًا وصراطًا مستقيمًا
-فيه معجزات باهرة وآيات ظاهرة وحجج صادقة ودلالات ناطقة أدحض به حجج المبطلين ورد به كيد الكائدين وقوى به الإسلام والدين فلحب منهاجه وثقب سراجه وشملت بركته وبلغت حكمته على خاتم الرسالة والصادع بالدلالة الهادي للأمة الكاشف للغمة الناطق بالحكمة المبعوث بالرحمة فرفع أعلام الحق وأحيا معالم الصدق ودمغ الكذب ومحا آثاره وقمع الشرك وهدم مناره ولم يزل يعارض ببيناته أباطيل المشركين حتى مهد الدين
وأبطل شبه الملحدين صلى الله عليه صلاة لا ينتهي أمدها ولا ينقطع مددها وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم وبصحبته خصهم وآثرهم وسلم كثيرًا.
وبعد هذا فإن علوم القرآن غزيرة وضروبها جمة كثيرة يقصر عنها القول وإن كان بالغًا ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغًا وقد سبقت لي ولله الحمد مجموعات تشتمل على أكثرها وتنطوي على غررها وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ وعما عداها من جميع المصنفات غنية وفراغ لاشتمالها على عظمها متحققًا وتأديته إلى متأمله متسقًا
-أهمية جمع طرق الحديث:
-معرفة وصل الحديث وإرساله وصحته وإعلاله فرب حديث ظاهر سنده الصحة في كتاب ويكون في كتاب آخر معلولا
وروى عن علي بن المديني قال: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)ا.هـ. ذكره الوادعي في كتابه المسند الصحيح

--معرفة أنه قد يكون النزول سابقا على الحكم :
مثاله:نزل بمكة {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} الآية [القمر: 45]، قال عمر بن الخطاب: (كنت لا أدري: أي الجمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}))). ذكره الزركشي في البرهان

&أمثله على ما وقع من التساهل في نقل ما لم يثبت في كتب التفسير:
1- وهذا المثال هو قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} ويمكن أنه لا يوجد تفسير إلا وهي مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
2--ماذكر السيوطي في التحبير مما حرره ً كآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} الآية[النساء: 58].وقد اشتهر أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة، وأسانيد ذلك بعضها ضعيف، وبعضها منقطع،



‏من جهاز الـ iPhone الخاص بي














‏‫من جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

رد مع اقتباس
  #60  
قديم 17 رجب 1436هـ/5-05-2015م, 01:10 AM
إدارة الاختبارات إدارة الاختبارات غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 4,427
افتراضي

حياك الله أختي
ليتك تضعين نسخة من المشاركة الخاصة بفهرسة نزول القرآن
في الموضوع المخصص في المنتدى
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...3#.VUft15MprAE

رد مع اقتباس
  #61  
قديم 18 رجب 1436هـ/6-05-2015م, 02:04 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
الواجب الأول :فهرسة وتلخيص مسائل نزول القرآن /معرفة أسباب النزول

عناصر الموضوع
أنواع مسائل نزول القرآن:
&نزول القرآن مفرقاً
&نزول القرآن على قسمين
& بيان كيفية صيغة سبب النزول
&الجمع بين الاختلاف في سبب النزول
& بأيهما يبدأ المفسّر ببيان معنى الآية أم ببيان سبب نزولها؟
& الداعي الى التأليف في أسباب النزول
&المؤلفات في أسباب النزول
& حكم القول في أسباب النزول بغير علم
&حكم قول الصحابي والتابعي في أسباب النزول
&أهمية العلم بسبب النزول

&استطرادات

-أنواع مسائل نزول القرآن:
&نزول القرآن مفرقاً:
أنزل الله القرآن مفرقًا نجومًا وأودعه أحكامًا وعلومًا؛ قال عز من قائل: {وَقُرآَنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلاً} . كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنةأنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر وبالمدينة عشر سنين. ذكره الواحدي في

&نزول القرآن على قسمين:
1-قسم نزل ابتداء،بعقائد الإيمان وواجبات الإسلام وغير ذلك من التشريع،
2-وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال من القرآن أن تحدث حادثة فينزل القرآن الكريم بشأنها كما في سبب نزول {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}.أو أن يُسْأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن شيء فينزل القرآن
وذلك ماتضمنه قول الجعبري وذكره السيوطي في الإتقان وما قاله الوادعي في الصحيح المسند لأسباب النزول

& بيان كيفية صيغة سبب النزول :
ذكر الوادعي في كتابه الصحيح المسند أن صيغة سبب النزول :
1-إما أن تكون صريحة في السببيةإذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا أو إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال
2- وإما أن تكون محتملة. إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا فذلك يراد به تارة أنه سبب النزول وتارة أنه داخل في معنى الآية.وكذا إذا قال أحسب هذه الآية نزلت في كذا أو ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في كذا فهاتان صيغتان تحتملان السببية وغيرها

&الجمع بين الاختلاف في سبب النزول :
ذكر السيوطي في كتابه لباب النقول طريقة الجمع بين ما يذكره المفسرون من أسباب متعددة لنزول الآية كالتالي:
1-فإن عبر أحدهم بقوله: نزلت في كذا والآخر نزلت في كذا وذكر أمرا آخر فقد تقدم أن هذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول فلا منافاة بين قولهما إذا كان اللفظ يتناولهمافحينئذ فحق مثل هذا أن لا يورد في تصانيف أسباب النزول وإنما يذكر في تصانيف أحكام القرآن.
2-وإن عبر واحد بقوله: نزلت في كذا وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد كما قال ابن عمر في قوله: {نساؤكم حرث لكم} أنها نزلت رخصة في وطء النساء في أدبارهن وصرح جابر بذكر سبب خلافه فاعتمد حديث جابر.
3-وإن ذكر واحد سببا وآخر سببا غيره فقد تكون نزلت عقيب تلك الأسباب كما في آية اللعان وقد تكون نزلت مرتين كما في آية الروح وفي خواتيم النحل وفي قوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا} الآية مما يعتمد في الترجيح النظر إلى الإسناد وكون راوي أحد السببين حاضرا القصة أو من علماء التفسير كابن عباس وابن مسعود.
ما زال هناك أحوال أخرى للخلاف في أسباب النزول لم تذكريها.

& بأيهما يبدأ المفسّر ببيان معنى الآية أم ببيان سبب نزولها؟
بين الزَّرْكَشِيُّ في البرهان أنه جرت عادة المفسرين أن يبدءوا بذكر سبب النزول و عقب أنه اذا كان وجه المناسبة متوقفا على سبب النزول يبدأ به لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد، وإن لم يتوقف على ذلك فالأولى تقديم وجه المناسبة


& الداعي الى التأليف في أسباب النزول:
1-ماذكره الواحدي في أسباب النزول : (وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئًا ويختلق إفكًا وكذبًا ملقيًا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول هذا القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب).
2-ما ذكره السيوطي في الاتقان :(ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال تترى فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} نحو عشرة أقوال، وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع التابعين وأتباعهم حتى قال ابن أبي حاتم لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين )

3-ما قالَه ابن عَاشُورٍ : (أُولِعَ كثير من المفسرين بتطلّب أسباب نزول آي القرآن، وهي حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك، وأغربوا في ذلك وأكثروا حتى كاد بعضهم أن يوهم الناس أن كل آية من القرآن نزلت على سبب، وحتى رفعوا الثقة بما ذكروا. بيد أنا نجد في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعت إلى نزولها ونجد لبعض الآي أسبابا ثبتت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك رأي الناقل، فكان أمر أسباب نزول القرآن دائرا بين القصد والإسراف، وكان في غض النظر عنه وإرسال حبله على غاربه خطر عظيم في فهم القرآن. فذلك الذي دعاني إلى خوض هذا الغرض في مقدمات التفسير لظهور شدة الحاجة إلى تمحيصه في أثناء التفسير، وللاستغناء عن إعادة الكلام عليه عند عروض تلك المسائل، غير مدخر ما أراه في ذلك رأيا يجمع شتاتها.)
هذا الإسهاب لا يناسب مقام التلخيص، فلخصي كلامهم بأسلوبك ولا تنسخيه

&المؤلفات في أسباب النزول:
لأهمية هذا العلم عده الزركشي النوع الأول في كتابه البرهان
وعده البلقيني النوع العاشر في كتابه مواقع العلوم.
وعده السيوطي النوع الحادي عشر في كتابه التحبير.
.وقد ألف فيه عدة مصنفات من أهمها:
كتاب الواحدي "أسباب النزول"
-وألف السيوطي فيه كتاب لباب النقول في أسباب النزول وما تميز به على كتاب الواحدي من الاختصار والجمع الكثير وعزوه كل حديث الى من خرجه وتمييز الصحيح من غيره والجمع بين الروايات .ذكره السيوطي في لباب النقول
وذكر السيوطي أنه ألف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر كتابا مات عنه مسودة لم يقف عليه كاملا. هو مطبوع الآن واسمه: العجاب في بيان الأسباب.
وهناك مصنف الواحدي.

& حكم القول في أسباب النزول بغير علم :
قال الواحدي في أول كتابه أسباب النزول ونقله عنه ابن عاشور (لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل)ا.هـ.

&حكم قول الصحابي والتابعي في أسباب النزول:
قالَ السيوطيُّ في التحبير :( وما كان عن صحابي: فهو مسند مرفوع، إذ قول الصحابي فيما لا مدخل فيه للاجتهاد مرفوع، أو تابعي: فمرسل، وشرط قبولهما: صحة السند، ويزيد الثاني: أن يكون راويه معروفاً بأن لا يروي إلا عن الصحابة، أو ورد له شاهد مرسل أو متصل ولو ضعيفاً).


&أهمية العلم بسبب النزول :
1-- فهم كلام الله تعالى على الوجه الصحيح، والوقوف على المعنى وإزالة الإشكال.وذكر الواحدي أنه"لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها".وذكر القشيري في قوله: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز"؛ وقول ابن تيمية في مقدمة التفسير -: "ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"؛ .
-مثاله: قوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} الآية [الطلاق: 4]، قد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة وقد بينه سبب النزول، روي أن ناسا قالوا: (يا رسول الله قد عرفنا عدة ذوات الأقراء، فما عدة اللائي لم يحضن من الصغار والكبار؟) فنزلت فهذا يبين معنى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن فهذا حكمهن.
-ومن ذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الآية [البقرة: 115] فإنا لو تركنا مدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا، وهو خلاف الإجماع، فلا يفهم مراد الآية حتى يعلم سببها وذلك أنها نزلت لما صلى النبي صلى عليه وسلم على راحلته وهو مستقبل من مكة إلى المدينة حيث توجهت به فعلم أن هذا هو المراد.
ذكره الزركشي في البرهان
2-معرفة المجملات ودفع المتشابهات.
-مثل قوله تعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} فإذا ظن أحد أن من للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا، ثم إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن من موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمدأيضاً معرفة أسباب النزول يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض كما في قوله تعالى، في سورة النساء: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} الآية، فقد تخفى الملازمة بين الشرط وجزائه فيبينها ما في الصحيح، عن عائشة أن عروة بن الزبير سألها عنها فقالت: هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.ذكره ابن عاشور في كتابه التحرير
3- وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
4-معرفة أن سبب النزول لا يخرج عن حكم الآية إذا ورد مخصِّص له قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع ؛ لأن دخول السبب قطعي. ماتضمن من أقوال الواحدي والقشيري والسيوطي والزركشي
5-معرفة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا نعبر هكذا، بل نقول: معرفة ما يقتضيه اللفظ من العموم أو الخصوص، فليس شرطا أن يفيد سبب النزول القول بالعموم.
وقد يكون السبب خاصا والصيغة عامة لينبه على أن العبرة بعموم اللفظ. قاله الزركشي في البرهان
الحكمة من أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه.ذكره الزمخشري ونقله عنه الزركشي في البرهان
مثاله:حديث عويمر العجلاني الذي نزلت عنه آية اللعان، ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عنه آية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام} الآية فقد قال كعب بن عجرة: هي لي خاصة ولكم عامة، ذكره ابن عاشور في التنوير .
ومن أمثلة ذلك آية الظهار في سلمة بن صخر وآية اللعان في شأن هلال بن أمية وحد القذف في رماة عائشة ثم تعدى إلى غيرهم قاله الزركشي في البرهان
-الرد على من قال أن ابن عباس لم يعتبر العموم: هذا التفصيل لا داعي له في سرد الفوائد إنما يلحق بالكلام على القاعدة.
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم {لا تحسبن الذين يفرحون}الآية [آل عمران: 188]، بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب.
الرد : لا يخفى على ابن عباس رضي الاه عنهما أن اللفظ أعم من السبب لكنه بين أن المراد باللفظ خاص.
ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى:{ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] بالشرك، من قوله: {إن الشرك لظلم عظيم} الآية [لقمان: 13]، مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
أيضاً ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت، قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا .قاله السيوطي في الاتقان
-متى يبطل القول بالعموم:
يبطل القول بالعموم إذا نزلت آية في معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعا :كقوله تعالى:{وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى}[الليل: 17] فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع. فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم: أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد.واللام في {الأتقى} الآية [الليل: 17]، ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، و{الأتقى} الآية [الليل: 17]، ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود، خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه.ذكره السيوطي في الاتقا
6- دفع توهم الحصر :
قد ترد آية تفيد بظاهرها الحصر، لكن سبب النزول يدفع هذا التوهم
مثاله :ما قال الشافعي ما معناه في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية [الأنعام: 145]، إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله وكانوا على المضادة والمحاداة فجاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا نزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه تعالى قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل. ذكره السيوطي في الاتقان
7-معرفة اسم النازل في الآية وتعيين المبهم فيها ولقد قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: (إنه الذي أنزل فيه {والذي قال لوالديه أف لكما} الآية [الأحقاف: 17])، حتى ردت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها).
8- وثمة فائدة أخرى عظيمة لأسباب النزول وهي أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين. ذكره ابن عاشور في التنوير
9-معرفة ما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي،
مثاله:كقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك)) فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم.ذكره الوادعي في كتابه المسند الصحيح
10- معرفة ما في أسباب النزول من مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف). قاله الوادعي في الصحيح المسند هذا هو نفسه فقرة: معرفة وجه الحكمة الباعثة للتشريع.


&استطرادات:
-مدح الواحدي للقرآن وللرسول صلى الله عليه وسلم :
-أنزله قرآنًا عظيمًا وذكرًا حكيمًا وحبلاً ممدودًا وعهدًا معهودًا وظلاً عميمًا وصراطًا مستقيمًا
-فيه معجزات باهرة وآيات ظاهرة وحجج صادقة ودلالات ناطقة أدحض به حجج المبطلين ورد به كيد الكائدين وقوى به الإسلام والدين فلحب منهاجه وثقب سراجه وشملت بركته وبلغت حكمته على خاتم الرسالة والصادع بالدلالة الهادي للأمة الكاشف للغمة الناطق بالحكمة المبعوث بالرحمة فرفع أعلام الحق وأحيا معالم الصدق ودمغ الكذب ومحا آثاره وقمع الشرك وهدم مناره ولم يزل يعارض ببيناته أباطيل المشركين حتى مهد الدين
وأبطل شبه الملحدين صلى الله عليه صلاة لا ينتهي أمدها ولا ينقطع مددها وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم وبصحبته خصهم وآثرهم وسلم كثيرًا.
وبعد هذا فإن علوم القرآن غزيرة وضروبها جمة كثيرة يقصر عنها القول وإن كان بالغًا ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغًا وقد سبقت لي ولله الحمد مجموعات تشتمل على أكثرها وتنطوي على غررها وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ وعما عداها من جميع المصنفات غنية وفراغ لاشتمالها على عظمها متحققًا وتأديته إلى متأمله متسقًا
أولا: هذه ليست استطرادات وليست مسائل، إنما هي مقدمات وضعها أهل العلم في كتبهم نختصرها نحن في موضوعنا.
ثانيا: الاستطرادات مكانها آخر الملخص إن افترضنا وجود مسائل استطرادية.
-أهمية جمع طرق الحديث:
-معرفة وصل الحديث وإرساله وصحته وإعلاله فرب حديث ظاهر سنده الصحة في كتاب ويكون في كتاب آخر معلولا
وروى عن علي بن المديني قال: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)ا.هـ. ذكره الوادعي في كتابه المسند الصحيح
مثاله؟

--معرفة أنه قد يكون النزول سابقا على الحكم :
مثاله:نزل بمكة {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} الآية [القمر: 45]، قال عمر بن الخطاب: (كنت لا أدري: أي الجمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}))). ذكره الزركشي في البرهان

&أمثله على ما وقع من التساهل في نقل ما لم يثبت في كتب التفسير:
1- وهذا المثال هو قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} ويمكن أنه لا يوجد تفسير إلا وهي مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
2--ماذكر السيوطي في التحبير مما حرره ً كآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} الآية[النساء: 58].وقد اشتهر أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة، وأسانيد ذلك بعضها ضعيف، وبعضها منقطع،

‏‫من جهاز الـ iPhone الخاص بي‬
بارك الله فيك وأحسن إليك
قد أحسنت في المسائل المذكورة، وغابت مسائل أخرى كثيرة، ويمكنك التعرف عليها بمراجعة نموذج الإجابة.
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...404#post199404

التقييم:
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 20
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 17
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 12
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 10 /9
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 10 / 10
= 78 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 30 رجب 1436هـ/18-05-2015م, 03:25 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خير وأثابكم صبركم علينا
إعادة تفسير آية الكرسي
تلخيص تفسير قوله تعالى : ({اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]
عناصر التفسير:
&المسائل التفسيرية:
-فضل آية الكرسي
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
-المعنى الإجمالي
-معنى {إله}
-استحقاق وصف الألوهية
~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي
-معنى {الحي القيوم} في حق الله
تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي
~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي
~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله
-تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله
-معنى العلم عند الأصوليين
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله
~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع)
-معنى «الكرسي»
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}
-معنى (العلي)
-معنى (العظيم )

مسائل لغوية:
-إعراب قوله تعالى {الله لا إله إلا هو}:
- نوع {لا} ودلالتها
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو}
-فائدة البدل
-المعنى اللغوي ل{الحي}-
-المعنى اللغوي ل{القيوم}
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم)
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-الغرض من (ما))في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات}
-المراد من الاستفهام في قوله تعالى {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة»
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة»
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
-فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛


-علوم الآية:
-فضل آية الكرسي:
يظهر هذا الفضل من خلال:
1-سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛
2-من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح؛

~المسائل التفسيرية:
~تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}:
-المعنى الإجمالي: و لا داعي لهذه الواو)) ((هذه الجملة العظيمة تدل على نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62] .
-معنى {إله}:أي مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً؛
-استحقاق وصف الألوهية :ولا أحد يستحق الوصف ب(إله) إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم}[البقرة: 21] ،
~تفسير قوله تعالى: {الحي القيوم} :
-التفسير الإجمالي :هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال؛ فكمال الأوصاف في {الحي}؛ وكمال الأفعال في {القيوم}؛
-معنى (الحي)في حق الله تعالى: أن حياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة؛
-معنى (القيوم ) في حق الله تعالى:فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.
لا تقدمي المعنى الإجمالي بل اذكري معاني الألفاظ في الآية أولا.
تفسير قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}:
-المعنى الإجمالي: أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.
هنا مسألة: معنى {سنة}
~تفسير قوله تعالى {له ما في السموات وما في الأرض} :
-المعنى الإجمالي؛أي له وحده مافي السماوات وما في الأرض.
لا يناسب أن نذكر الآية ومعناها الإجمالي فقط، فهذا ليس تلخيصا، أين مسائلها؟
- ما يفيده تقديم الجار والمجرور {له}
- لماذا أفردت الأرض وجمعت السموات؟
~تفسير قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}:
-المعنى في حق الله:لا أحد يشفع إلا بإذن الله الكوني لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛
- المعنى الإصطلاحي ل«الشفاعة» :التوسط للغير لجلب منفعة،مثل شفاعة النبي صدى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا أو دفع مضرة؛مثل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون
- الغرض من الاستفهام {من ذا الذي ..}
- المراد بالإذن
- ما يفيده نفي الشفاعة في الآية إلا بعد الإذن
تفسير قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛
-المعنى الإجمالي لعلم الله: صياغة هذه المسألة خطأ، يمكننا القول: ما يفيده مجيء {ما}: تفيد العموم أي أن الله عز وجل أحاط علما بجميع الأشياء.
والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد؛
-معنى العلم عند الأصوليين :
«العلم» عند الأصوليين: إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ فعدم الإدراك: جهل؛ كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول «لا أدري».
والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك؛:كأن تسئل متى كانت غزوة بدر؟ فتقول : «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» .
والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛
-الأقوال في معنى قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} أي المستقبل؛ ومعنى:{وما خلفهم} أي الماضي؛وهو الراجح وهناك قول بعيد لا يساعد علي اللفظ وهو عكس القول الراجح
~تفسير قوله تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} :
- المعنى في حق الله:
المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه؛
- نوع {ما} ومعناها في الآية
~تفسير قوله تعالى: { {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}.؛
معنى (وسع) :أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.
-معنى «الكرسي» :
1-القول الراجح:هو موضع قدمي الله عز وجل؛ وهو بين يدي العرش كالمقدمة له؛ وقد صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً (2)، ومثل هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛وهو معتقد أهل السنة والجماعة
-سبب الترجيح: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»(5)؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب
2-القول الباطل: هو العرش؛ لا تصفي الأقوال المرجوحة دوما بالبطلان إلا إذا تأكد بطلانها بالفعل.
دليل البطلان: هو أن«العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي؛
3-القول المنقول من رواية غير صحيحة ؛ ما روي عن ابن عباس أن {كرسيه}: علمه؛
-سبب عدم الصحة:
لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية؛ فهو بعيد جداً من أن يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛
-معنى قوله تعالى: {ولا يؤوده}؛ أي لا يثقله، ويشق عليه {حفظهما}؛ أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.
-معنى (العلي): أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء؛
-معنى (العظيم ):أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.

&المسائل اللغوية:
-إعراب قوله تعالى {الله لا إله إلا هو}:
الاسم الكريم مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة؛ و{إله} اسم لا؛
- نوع {لا} ودلالتها: نافية للجنس؛ وهي تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛
-نوع البدل في قوله تعالى {إلا هو} :بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛
-فائدة البدل: هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً)
-المعنى اللغوي ل{الحي}؛ ذو الحياة؛
-المعنى اللغوي ل{القيوم}: أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛
-فائدة التعريف في قوله تعالى (الحي القيوم): «أل» التعريف مفيدة للاستغراق
-فائدة تقديم الخبر (له)في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض} على المبتدأ هي:الحصر
-سبب إفراد {الأرض}وجمع {السموات} :
{الأرض} أفردت؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.
إعراب قوله تعالى (من ذا الذي)
؛{من} اسم استفهام مبتدأ؛ و{ذا} ملغاة إعراباً؛ ويأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ؛ و{الذي} اسم موصول خبر {من}؛
-المراد من الاستفهام هو:النفي بدليل الإثبات بعده، حيث قال تعالى: {إلا بإذنه}.
-المعنى اللغوي ل«الشفاعة» :
جعل الوتر شفعاً؛
الغرض من (ما):في قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
و{ما} من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.
-نوع الاستثناء في قوله تعالى :{إلا بما شاء}
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛
-معنى العامل وهو حرف ال(ب):
1-الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته
2-ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ و هنا يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.
فائدة التعريف في قوله تعالى: {وهو العلي العظيم}: يفيد الحصر؛
الكثير من هذه المسائل أساسية في بيان معنى الآية وليست استطرادية يمكننا الاستغناء عنها، لذلك لا تفصل ضمن اللغوية، وهذا هو معيار الحكم على أي مسألة إن كانت من صلب التفسير أو لا.
~الفوائد التي اشتملت عليها الآية:
-إثبات أسماء الله الحسنى(الله ،الحي،القيوم) والصفات الكاملة لها واشتمالها على الاسم الأعظم (الحي القيوم)
-إثبات إنفراد الله باﻷلوهية .
- غنى الله سبحانه وفقر اﻹنسان إليه
- سعة علم الله وقدرته وعظمته.
-عدم تحقق الشفاعة بدون إذن الله ورضاه.
- الهيبة والعزة والجبروت لله وحده عزوجل
-: إثبات علم الله بكل شئ وأنه يعلم الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.
- الرد على القدرية الغلاة؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.
- التوكل على الله؛ لأنه لا يكون شئ إلا بمشيئته.
-الاستعانة بالله في تحصيل العلم.
-الخشية من الله لأن الله لا يعزب عنه شئ.
- تجنب المعاصي لأنها سبب حرمانه العلم والتوفيق من الله للعبد؛ فالعلم عنده وحده وهو الذي يمن به على من يشاء من عباده.
- عظم الكرسي ، وبالتالي عظم خالق الكرسي .
- كفر من أنكر وجود السموات والأرض .
-إثبات قوة الله؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}. وهذه من الصفات المنفية.
- إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة.
- أن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.
- إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً؛ لقوله تعالى: {وهو العلي} .
- الرد على الحلولية، وعلى المعطلة النفاة؛ فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.
- التحذير من الطغيان على الغير؛ لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم} .
- إثبات العظمة لله؛ لقوله تعالى: {العظيم}.
- إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين؛ وهما العلوّ، والعظمة.

‏‫من جهاز الـ iphone الخاص بي‬
بارك الله فيك وأحسن إليك
أرجو أن ندقق أكثر مستقبلا إن شاء الله في تحديد مسائل التفسير من غيرها، وهذه هي الملاحظة على تلخيصك، لأن غياب المسائل الأساسية عن ترتيبها الصحيح أثناء تفسير الآية يخل ببيان المعنى بيانا وافيا.
هذه إجابة إحدى الزميلات مع تصحيحها، وهي تعتبر من أوفى تلخيصات هذه الرسالة أرجو أن تفيدك:

اقتباس:
بسم الله الرحمن الرحيم
آية الكرسي

المسائل:
●فضل الآية:
قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
● بيان معنى إله.
●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
● دلالة (لا) في الآية.
● دلالة " لا إله إلا هو".

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
● دلالة لفظ "الحي".
●دلالة لفظ "القيوم".
● بيان معنى "الحي":
●دلالة دخول ( أل التعريف):
● بيان معنى القيوم.


قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
●المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".


قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
بيان استعمال العرب ل"ذا".
●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
● المراد بالإذن في الآية.
●ما يفيده نفي الشفاعة إلا بعد الإذن.

قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
●بيان المراد من قوله تعالى :"من خلفهم".
● دلالة "ما".


قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".


قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
● المراد بالكرسي.


قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".


قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة التعريف في كل من {العلي} و{العظيم}.
●معنى {العلي}.
● معنى {العظيم}.


المسائل اللغوية:
( الله لا إله إلا هو)
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
● نوع ( لا ) في الآية .
●بيان اسمها.
●بيان خبرها.

قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":

الفوائد العقدية:
● إثبات أسماء لله تعالى:
●انفراد الله تعالى بالألوهية.
●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
● امتناع السنة عن الله تعالى:
●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
●عموم ملك الله تعالى:
● إثبات أن السماوات عدد.
●كمال سلطان الله تعالى:
●إثبات الشفاعة بإذن الله.
●إثبات إذن الله وشروطه:
●إثبات علم الله تعالى:
●الرد على القدرية:
● الرد على الخوارج والمعتزلة.
●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
●تحريم تكييف صفات الله.
●الرد على الممثلة.
●إثبات مشيئة الله.
●عظم الكرسي.
●عظمة خالق الكرسي.
●كفر من أنكر السموات، والأرض.
●إثبات قوة الله.
●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
●الرد على الحلوليه والمعطلة.
● التحذير من الطغيان على الغير
●إثبات العظمة لله.
●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.

●الفوائد السلوكية:


التلخيص:

●فضل الآية:
هذه الآية أعظم آية في كتاب الله كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛ ولهذا من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
● بيان معنى إله.
بمعنى مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً.

●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
و)) لا أحد يستحق هذا الوصف إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} ، وقال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.

● دلالة (لا) في الآية.
تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛ فـ{لا إله} نفي عام محض شامل لجميع أفراده.

● دلالة "لا إله إلا هو".
نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال.

● دلالة لفظ "الحي". دلالة (اسم) ...
تدل على كمال الأوصاف لله تعالى.

●دلالة لفظ "القيوم". دلالة (اسم) ...
تدل على كمال الأفعال لله تعالى.

● بيان معنى "الحي":
أي :ذو الحياة الكاملة.

●دلالة دخول ( أل التعريف) على الاسم:
ال المفيدة للاستغراق؛ تدل على كمال حياته تعالى: من حيث الوجود، والعدم؛ ومن حيث الكمال، والنقص؛ فحياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة.

● بيان معنى القيوم.
أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛ فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.

المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
تفيد الحصر ، أي له وحده.

●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".
أفردت لفظة الأرض؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.

قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
- معنى الاستفهام
● بيان استعمال العرب ل"ذا".
يأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ.

●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
في اللغة: جعل الوتر شفعاً.
وفي الاصطلاح: التوسط للغير لجلب منفعة، أو دفع مضرة.

●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
1-شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون: شفاعة لدفع مضرة.
2-شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة: شفاعة في جلب منفعة.

● المراد بالإذن في الآية.
أي الكوني؛ يعني: إلا إذا أذن في هذه الشفاعة -
●ما يفيده نفي الشفاعة إلا بعد الإذن.
حتى أعظم الناس جاهاً عند الله لا يشفع إلا بإذن الله؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة - وهو أعظم الناس جاهاً عند الله؛ ومع ذلك لا يشفع إلا بإذن الله لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛ وكلما كمل السلطان صار أهيب للملِك، وأعظم؛ حتى إن الناس لا يتكلمون في مجلسه إلا إذا تكلم؛ وانظر وصف رسولِ قريشٍ النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، حيث وصفهم بأنه إذا تكلم سكتوا؛ كل ذلك من باب التعظيم. لو لخصت هذه العبارة بأسلوبك لكان أخف عليك وأيسر.

قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
العلم عند الأصوليين:
إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ والإدراك أنواع:
1-فعدم الإدراك: جهل
2-والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك
3- والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب.
مثال:لو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «لا أدري» فهذا جهل؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» فهذا شك؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛ والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد.

● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
قيل المستقبل وهو الراجح لدلالة اللفظ.
وقيل الماضي ،وهو بعيد.
●بيان المراد من قوله تعالى :"ما خلفهم".
قيل :الماضي، وهو الراجح لدلالة اللفظ.
وقيل المستقبل ،وهو بعيد

● دلالة "ما".
من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.

قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
لها معنيان:
1- المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.
2-المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.

● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛ لكنه بإعادة العامل؛ وهي الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته؛ ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ وعلى التقدير الثاني يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.

قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.

● المراد بالكرسي.
-الأقوال:
1-القول الأول:
موضع قدمي الله عزوجل،وهو بين يدي العرش كالمقدمة له.
- القائلين به:
صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً، وبهذا جزم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما من أهل العلم، وأئمة التحقيق.
2-القول الثاني:
قيل هو العرش.
3-القول الثالث:
هو علم الله تعالى.
-القائلين به:
روي عن ابن عباس ، وأغلب الظن أنها لا تصح عنه.

-الترجيح بين الأقوال:
الذين قالوا بأن المراد بالكرسي هو العرش ،فليس بصحيح؛ فإن «العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي.
ومن قال بأن المراد هو علم الله تعالى ، فلا تصح هذه الرواية عن ابن عباس؛ لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية،فقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب.
والراجح :
هو أن الكرسي موضع قدمي الله عزوجل ،وهو بين يدي الله كالمقدمة له ،لأنه موقوف عن ابن عباس وله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛ وما قيل من أن ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ عن بني إسرائيل فلا صحة له؛ بل الذي صح عنه في البخاري أنه كان ينهى عن الأخذ عن بني إسرائيل؛ فأهل السنّة والجماعة عامتهم على أن الكرسي موضع قدمي الله عز وجل

قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
أي لا يثقله، ويشق عليه.

● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".
أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.

قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة الجملة التي طرفاها معرفان: فائدة التعريف في كل من {العلي} و{العظيم}
هذه الجملة التي طرفاها معرفتان تفيد الحصر.

●معنى {العلي}.
أي وحده العلي؛ أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء.

●معنى {العظيم}
أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.

المسائل اللغوية:
قوله تعالى :{الله لا إله إلا هو }
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
لفظ الجلالة مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة.
● نوع ( لا ) في الآية.
نافية للجنس.
●بيان اسمها.
{إله} اسم لا.
●بيان خبرها.
قوله تعالى: {إلا هو} بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛ والبدل في الحقيقة هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً) .

قوله تعالى:"{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":
اسم استفهام مبتدأ.


الفوائد العقدية
● إثبات أسماء لله تعالى:
إثبات هذه الأسماء الخمسة؛ وهي {الله}؛ {الحي}؛ {القيوم}؛ {العلي}؛ {العظيم}؛ وما تضمنته من الصفات.

●انفراد الله تعالى بالألوهية.
في قوله تعالى: {لا إله إلا هو}.

●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
إثبات صفة الحياة الكاملة: لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا توصف بنقص، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} ، وقال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ، وقال تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} .

●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
لقوله تعالى: {القيوم}؛ وهذا الوصف لا يكون لمخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وهو محتاج إلى غيره: فنحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا؛ ونحن محتاجون إلى الأولاد، والأولاد يحتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى المال، والمال محتاج إلينا من جهة حفظه، وتنميته؛ والكل محتاج إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} ؛ وما من أحد يكون قائماً على غيره في جميع الأحوال؛ بل في دائرة ضيقة؛ ولهذا قال الله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}؛ يعني الله؛ فلا أحد سواه قائم على كل نفس بما كسبت.

● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
لله تعالى غني عما سواه؛ وأن كل شيء مفتقر إليه تعالى؛ فإن قلت: كيف تجمع بين هذا، وبين قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7] ، وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40] ؛ فأثبت أنه يُنصر؟
فالجواب: أن المراد بنصره تعالى نصر دينه.

●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
قوله تعالى: {الحي القيوم} اسم الله الأعظم؛ وقد ذكر هذان الاسمان الكريمان في ثلاثة مواضع من القرآن: في «البقرة»؛ و«آل عمران»؛ و«طه»؛ في «البقرة»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ؛ وفي «آل عمران»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}؛ وفي «طه»: {وعنت الوجوه للحي القيوم} [طه: 111] ؛ قال أهل العلم: وإنما كان الاسم الأعظم في اجتماع هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى؛ فصفة الكمال في {الحي}؛ وصفة الإحسان، والسلطان في {القيوم}.

● امتناع السنة عن الله تعالى:
وذلك لكمال حياته، وقيوميته، بحيث لا يعتريهما أدنى نقص؛ لقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ والإيمان بالصفات المنفية يتضمن شيئين؛ أحدهما: الإيمان بانتفاء الصفة المذكورة؛ والثاني: إثبات كمال ضدها؛ لأن الكمال قد يطلق باعتبار الأغلب الأكثر، وإن كان يرد عليه النقص من بعض الوجوه؛ لكن إذا نفي النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يرد عليه نقصٌ أبداً بوجه من الوجوه؛ مثال ذلك: إذا قيل: «فلان كريم» فقد يراد به أنه كريم في الأغلب الأكثر؛ فإذا قيل: «فلان كريم لا يبخل» عُلم أن المراد كمال كرمه، بحيث لا يحصل منه بخل؛ وهنا النفي حصل بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ فدل على كمال حياته، وقيوميته.

●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}، وقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ و«الصفات المنفية» ما نفاه الله عن نفسه؛ وهي متضمنة لثبوت كمال ضدها.

●عموم ملك الله تعالى:
لقوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}، ويتفرع على كون الملك لله ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه.

● إثبات أن السماوات عدد.
لقوله تعالى: {السموات}؛ وأما كونها سبعاً، أو أقل، أو أكثر، فمن دليل آخر.

●كمال سلطان الله تعالى:
لقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}؛ وهذا غير عموم الملك؛ لكن إذا انضمت قوة السلطان إلى عموم الملك صار ذلك أكمل، وأعلى.

●إثبات الشفاعة بإذن الله.
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}؛ وإلا لما صح الاستثناء.

●إثبات إذن الله وشروطه:
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}.
وشروط إذن الله في الشفاعة:
1-رضى الله عن الشافع.
2- الرضى عن المشفوع له؛ لقوله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} [النجم: 26] ، وقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] .

●إثبات علم الله تعالى:
إثبات علم الله، وأنه عام في الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.

●الرد على القدرية:
لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.

● الرد على الخوارج والمعتزلة.
لأن الخوارج، والمعتزلة ينكرون الشفاعة في أهل الكبائر؛ لأن مذهبهما أن فاعل الكبيرة مخلد في النار لا تنفع فيه الشفاعة.

●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
قال تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103] ، وقال تعالى: {ولا يحيطون به علماً}.

●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
لقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} على أحد الوجهين في تفسيرها.

●تحريم تكييف صفات الله.
لأن الله ما أعلمنا بكيفية صفاته؛ فإذا ادعينا علمه فقد قلنا على الله بلا علم.

●الرد على الممثلة.
لأن ذلك قول على الله بلا علم؛ بل بما يعلم خلافه؛ لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}

●إثبات مشيئة الله.
لقوله: {إلا بما شاء}.

●عظم الكرسي.
لقوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض}.

●عظمة خالق الكرسي.
لأن عظم المخلوق يدل على عظمة الخالق.

●كفر من أنكر السموات، والأرض.
لأنه يستلزم تكذيب خبر الله؛ أما الأرض فلا أظن أحداً ينكرها؛ لكن السماء أنكرها من أنكرها، وقالوا: ما فوقنا فضاء لا نهاية له، ولا حدود؛ وإنما هي سدوم، ونجوم، وما أشبه ذلك؛ وهذا لا شك أنه كفر بالله العظيم سواء اعتقده الإنسان بنفسه، ووهمه؛ أو صدَّق من قال به ممن يعظمهم إذا كان عالماً بما دل عليه الكتاب والسنّة.

●إثبات قوة الله.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.

●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ فهي كقوله تعالى: {وما مسنا من لغوب}.

●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة،وأن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ ولولا حفظ الله لفسدتا؛ لقوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً}.

●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
لقوله تعالى: {وهو العلي}؛ و{العلي} صفة مشبهة تدل على الثبوت، والاستمرار؛ وعلوّ الله عند أهل السنة، والجماعة ينقسم إلى قسمين:
1- الأول: علو الذات؛ بمعنى أنه سبحانه نفسه فوق كل شيء؛ وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة؛ وتفصيل هذه الأدلة في كتب العقائد؛ وخالفهم في ذلك طائفتان؛
أ) الأولى: من قالوا: إنه نفسه في كل مكان في السماء، والأرض؛ وهؤلاء حلولية الجهمية، ومن وافقهم؛ وقولهم باطل بالكتاب، والسنّة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة.
ب) الطائفة الثانية: قالوا: إنه لا يوصف بعلوّ، ولا غيره؛ فهو ليس فوق العالم، ولا تحته، ولا عن يمين، ولا عن شمال، ولا متصل، ولا منفصل؛ وهذا قول يكفي تصوره في رده؛ لأنه يَؤول إلى القول بالعدم المحض؛ إذ ما من موجود إلا وهو فوق، أو تحت، أو عن يمين، أو شمال، أو متصل، أو منفصل؛ فالحمد لله الذي هدانا للحق؛ ونسأل الله أن يثبتنا عليه.
2- والقسم الثاني: علو الصفة: وهو أنه كامل الصفات من كل وجه لا يساميه أحد في ذلك؛ وهذا متفق عليه بين فرق الأمة، وإن اختلفوا في تفسير الكمال.

●الرد على الحلوليه والمعطلة.
فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.

●إثبات العظمة لله.
لقوله تعالى: {العظيم}.

●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.
وهما العلوّ، والعظمة

●الفوائد السلوكية:
1-أن الحكم الشرعي بين الناس، والفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله؛ وأن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين، والقوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل؛ لأن الملك لله عز وجل.
2- تسلية الإنسان على المصائب، ورضاه بقضاء الله عز وجل، وقدره؛ لأنه متى علم أن الملك لله وحده رضي بقضائه، وسلّم؛ ولهذا كان في تعزية النبي صلى الله عليه وسلم لابنته أنه قال: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»(6).
3- عدم إعجاب الإنسان بما حصل بفعله؛ لأن هذا من الله؛ والملك له.
4-التحذير من الطغيان على الغير،لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم}؛ ولهذا قال الله في سورة النساء: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} [النساء: 34] ؛ فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو الله عز وجل؛ وإذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة الله؛ وإذا كنت كبيراً في نفسك فاذكر كبرياء الله.

والله تعالى أعلم.


التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 27/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 14/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 15/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 15/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 86/100
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 10 شعبان 1436هـ/28-05-2015م, 01:37 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
رسالة في تفسير قول الله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}
للحافظ ابن رجب الحنبلي
عناصر الرسالة :
& دلالة الآية في قوله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}:
-دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق والأقوال في دلالة(انما )مع الترجيح
&الأقوال في دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء والترجيح بينها
-أقوال النحاه في دلالة (ما)على النفي هل هو منطوق أم مفهوم والترجيح بينها
-الأقوال في الدلالة على النفي هل هي بالنص أم الظاهر والترجيح بينها
-أدلة القول المرجوح الرد عليها
&دلالة الآية على القول الثاني من جعل (ما)موصولةً أنهاتفيد الحصر .
&دلالة الآية على القول الثالث، وهو نفي العلم من غير أهل الخشية.
&بيان أن القول بثبوت الخشية لكلّ واحدٍ من العلماء أصح من القول بثبوتها لجنس العلماء،
&أقوال السلف في فائدة العلم عن الله
&بيان كيف أنّ العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية
&دواعي الخوف من الذنوب
&أقوال السلف في حكم التوبة الناتجة عن الجهل
&الأقوال في حكم التائب، هل يمكن عوده إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
& دواعي الخوف من الذنب حتى مع قبول التوبة

&أدلة ضمان الله لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك
-الآثار عن السلف والمشايخ حول ثواب الحسنة وثواب السيئة
-بيان هل للعقل مدخل في التحسين والتقبيح ام لا؟
&اختلاف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه في قوله تعالى: {واتّبعوا ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان....}الآية
&الخلاصة


-دلالة الآية في (( دلالة قوله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}:
دلت هذه الآية على :
1-إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق
2- وعلى نفيها عن غيرهم على أصح القولين،
3-وعلى نفي العلم عن غير أهل الخشية

1-دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق:
-من خلال الأقوال في دلالة ( إنما)والترجيح بينها:
1-قيل "إن" تفيد التأكيد و "ما": كافةٌ، فما زائدة تدخل على إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأن، فتكفها عن العمل وهذا قول جمهور النحاة .
2- قيل أنّ "ما" مع الحروف العاملة اسمٌ مبهمٌ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أنّ الجملة بعده مفسرةٌ له ومخبرٌ بها عنه،وهذا رأي بعض الكوفيين، وابن درستويه
3-وقيل: إنه لا يمتنع أن يكون "ما" في هذه الآية بمعنى الذي والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.
4- وقيل أن "ما" هذه نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر. وهذا قول طائفةٌ من الأصوليين وأهل البيان .و أبي علي الفارسي وذكر ذلك في كتاب "الشيرازيات .
-أدلة بطلان القول بأن ما نافية:
1- "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا .و"ما" زائدةٌ كافة لا نافيةٌ وهي الداخلة على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ، وليست في دخولها على هذه الحروف نافيةً بالاتفاق فكذلك الداخلة على إنّ وأنّ، وهذا لا يدل على أنّ "ما" نافيةٌ على ما لا يخفى وإنما مراده أنّهم أجروا "إنما" مجرى النفي و"إلاّ" في هذا الحكم لما فيها معنى النفي ولم يصرّح بأنّ النفي مستفادٌ من "ما" وحدها،

-دلالة إلآية على نفي الخشية عن غير العلماء :
&الأقوال:
-القول بأن من صيغة "إنّما" أمّا على قول الجمهور وأنّ "ما" هي الكافة فيقول إذا دخلت "ما" الكافة على "إنّ " أفادت الحصر هذا هو الصحيح،
-أصحاب هذا القول :
وقد حكاه بعض العلماء عن جمهور الناس وهو قول القاضي، وابن عقيلٍ، والحلواني.
والشيخ موفق الدين، وفخر الدّين إسماعيل بن علي صاحب ابن المنّي، وهو قول أكثر الشافعية كأبي حامدٍ وأبي الطيب، والغزالي والهرّاسي، وقول طائفةٍ من الحنفية كالجرجاني، وكثيرٌ من المتكلمين كالقاضي أبي بكرٍ، وغيره، وكثيرٌ من النحاة وغيرهم، بل قد حكاه أبو علي فيما ذكره الرازيّ عن النحاة جملةً،

-اختلاف النحاه في دلالة (ما)على النفي هل هو منطوق أم مفهوم؟
-القول الأول : إنّ دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء .قاله القاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين: وهو قول أبي حامد، وأبي الطيب من الشافعية، والجرجاني من الحنفية.
-القول الثاني:إلى أنّ دلالتها على النفي بطريق المفهوم
انقسم أصحاب هذا القول الى قسمين:
-أحدهما: من لا يرى كون المفهوم حجّةً بالكلية كالحنفية، ومن وافقهم من المتكلمين.وهم من قال أن : إنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض بل لرفع الحكم إما مطلقًا أو في الاستثناء من الإثبات وحده كما يذكر عن الحنفية وجعلوه من باب المفهوم الذي ينفونه،
-والثاني: من يراه حجةً من الجملة، ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده على أنّه لا مفهوم لها، واختاره بعض المتأخرين .

-الاختلاف في الدلالة على النفي هل هي بالنص أم الظاهر؟
-القول الأول : إنّما تدلّ على الحصر ظاهرًا، أو يحتمل التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاءوهو يشبه قول من يقول إنّ دلالتها بطريق المفهوم فإنّ أكثر دلالات المفهوم بطريق الظاهر لا النّص،

&الترجيح :
، أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص لأنّهم جعلوا "إنّما" كالمستثنى والمستثنى منه سواء وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.

&أدلة القول المرجوح الرد عليها :
1-أنّ "إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة فيستفاد التوكيد من "إنّ " والزائد لا معنى له.
الرد :نعم أكثر ما يقال "إنّ " تفيد تقوية التوكيد كما في الباء الزائدة ونحوها، فأمّا أن يحدث معنًى آخر فلا، وقد يعدم بيان بطلان قول من ادّعى أنّ "ما" نافية وأنّ النفي فيما عدا المذكور مستفادٌ منها.
2-أن ورودها لغير الحصر كثيرٌ جدًّا كقوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة".وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون " وغير ذلك من النصوص ويقال: "إنّما العالم زيد" .
ًوقوله تعالى:{إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا فإنّه سبحانه وتعالى له أسماءٌ وصفاتٌ كثيرةٌ غير توحّده بالإلهية،وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.فإنّه لم ينحصر الوحي إليه في هذا وحده.وكذلك قوله: {إنّما أنت منذرٌ} ومثل هذا كثيرٌ جدًّا وممّا يبيّن عدم إفادتها للحصر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ"فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" فلو كانت "إنّما" للحصر لبطلت أن تكون سائر آيات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومعجزاته سوى القرآن آياتٍ له تدلّ على صدقه لاعترافه بنفي ذلك وهذا باطلٌ قطعًا فدلّ على أنّ "إنما" لا تفيد الحصر في مثل هذا الكلام وشبهه.
الرد :أنّها تدلّ على الحصر، ودلالتها عليه معلومٌ بالاضطرار من لغة العرب، كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي وغير ذلك ولهذا يتوارد "إنّما" وحروف الشرط والاستفهام والنّفي الاستثناء كما في قوله تعالى: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون}.
وقوله: {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
وقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}.
فإنه كقوله: {وما من إلهٍ إلاّ اللّه}.
وقوله: {ما لكم من إلهٍ غيره} ، ونحو ذلك.
ولهذا كانت كلّها واردةً في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه،
-وأمّا قوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم}.
-وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الربا في النسيئة"، و"إنّما الشهر تسع وعشرون " وقولهم: "إنّما العالم زيد" ونحو ذلك،
فيقال: معلومٌ من كلام العرب أنّهم ينفون
الشيء في صيغ الحصر وغيرها تارةً
-لانتفاء ذاته
-وتارةً لانتفاء فائدته ومقصوده،
ويحصرون الشيء في غيره
-تارةً لانحصار جميع الجنس فيه
-وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه،
ثمّ إنهم تارة يعيدون النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغة
وأمثال ذلك كثيرة فقد ورد في أحاديث ، اسم الرقوب والمفلس والغني والشديد ونحو ذلك وهذه الأسماء يتعارفها الناس فيمن عدم ماله وولده أو حصل له مال أو قوّةٌ في بدنه، والنفوس تجزع من الأوّلين وترغب في الآخرين، فيعتقد أنّه هو المستحقّ لهذا الاسم دون غير فبين - صلى الله عليه وسلم - أنّ حقيقة ذلك المعنى ثابتةٌ لغير هذا المتوهم على وجهٍ ينبغي بعلو الاعتقاد والقصد بذلك الغير فإن من عدم المال والولد يوم القيامة حيث يضر عدمه أحقّ باسم المفلس والرقوب ممن يعدمهما حيث قد لا يتضرر بذلك تضررًا معتبرًا ولذلك وجود غنى النفس وقوتها أحقّ بالمدح والطلب من قوّة البدن وغنى المال وهكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنّما الرّبا في النسيئة" أو لا "ربا إلا في النسيئة".
و قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الشهر تسع وعشرون " فإنّ هذا هو عدد الشّهر اللازم الدائم، واليوم الزائد على ذلك أمر جائز يكون في بعض الشهور ولا يكون في بعضها، بخلاف التسعة والعشرين، فإنّه يجب عددها واعتبارها بكلّ حال، وهذا كما يقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمدًا رسول اللّه.
فهذا هو الذي لا بدّ منه، وما زاد على ذلك فقد يجب على الإنسان، وقد يموت قبل التمكن، فلا يكون الإسلام في حقّه إلا ما تكلّم به،
وأما قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، وقوله: {إنّما أًنت منذرٌ}.
ونحو ذلك، فالجواب عنه أن يقال: الحصر تارةً يكون عامًا كقوله:{إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو} ، ونحو ذلك.
وتارةً يكون خاصًّا بما يدل عليه سياق الكلام فليس الحصر أن ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، فيه نفي تعدد الإلهيّة في حقّه سبحانه وأنّه لا إله غيره، ليس المراد أنه لا صفة له سوى وحدانية الإلهية.
وكذلك قوله: {إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
فإنّ المراد به أنه لم يوح إليّ في أمر الإلهية إلا التوحيد لا الإشراك.
- الجواب عن قوله تعالى: {إنّما أنت منذر} ، أي لست ربًّا لهم ولا مجازيًا ولا محاسبًا، وليس عليك أن تجبرهم على الإيمان، ولا أن تتكلف لهم طلب الآيات التي يقترحونها عليك {إنّما أنت منذر} ، فليس عليك إلا الإنذار، كما قال: -
{فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب}، وقال: {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ (21) لست عليهم بمصيطرٍ (22)}.
-الجواب عن قوله: "إنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه اللّه إليّ " فإنّه قال: "ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة"
آيته هو - صلى الله عليه وسلم - التي آمن البشر عليها في حياته وبعد وفاته فهي الوحي التي أوحي إليه وهي التي توجب إيمان البشر إلى يوم القيامة كما قال تعالى: {وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}.
ولهذا قيل: إنّ آيات الأنبياء انقطعت بموتهم وآياته - صلى الله عليه وسلم - باقيةً إلى يوم القيامة،
ومما يبيّن أنّ الحصر لم ينتف عن "إنّما" في شيء من هذه الأنواع التي توهموها، أنّ الحصر قد جاء فيها وفي مثلها بإلاّ كما جاء بـ "إنّما" فإنه جاء "لا ربا إلا في النسيئة" كما جاء "إنما الربا في النسيئة" وجاء في القرآن: {وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل}.فهذا وجه إفادتها الحصر في هذه الآية على القول المشهور وهو "إنما" في قوله: {إنّما يخشى اللّه من جعباده العلماء} ، هي الكافة.وهذا شبيه لجواب شيخ الإسلام .

3-القول بأن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا،
الرد :أن ذلك يجاب عنه من وجوه:
أ-أحدها: أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا، وقد ذكر ابن مالك أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر:
فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب
قال: وكذلك تحدث في "الكاف " معنى التعليل، في نحو قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) ، ولكن قد نوزع في ذلك وادّعى أنّ "الباء" و"الكاف " للسببية، وأنّ "الكاف " بمجردها تفيد التعليل.
ب-والثاني: أن يقال: لا ريب أنّ "إنّ " تفيد توكيد الكلام، و"ما" الزائدة تقوّي هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام فتفيد ثبوت ذلك المعنى المذكور في اللفظ خاصةً ثبوتًا لا يشاركه فيه غيره واختصاصه به، وهذا من نوع التوكيد والثبوت ليس معنىً آخر مغايرًا له وهو الحصر المدّعى ثبوته بدخول "ما" يخرج عن إفادة قوّة معنى التوكيد وليس ذلك بمنكرٍ إذ المستنكر ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
ج-الوجه الثالث: أنّ "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه، واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، وهكذا يقال في الاستثناء فإنه وإن كان في الأصل للإخراج من الحكم لكن صار حقيقة عرفيةً في مناقضة المستثنى فيه، وهذا شبية بنقل اللفظ عن المعنى الخاص إلى العام إذا صار حقيقة عرفيةً فيه لقولهم "لا أشرب له شربة ماءٍ" ونحو ذلك، ولنقل الأمثال السائرة ونحوها مما ليس هذا موضع بسطه،
وهذا الجواب ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهو قولٌ حكاه غيره في المسألة.

&القول الثاني من جعل (ما)موصولةً أنها
تفيد الحصر .
- فتقدير الكلام :
"إن الذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضي العموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر، ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر،


& دلالة الآية على القول الثالث، وهو نفي العلم من غير أهل الخشية.
إن الحصر في قوله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} فتقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، وتقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه،

&القول بثبوت الخشية لكلّ واحدٍ من العلماء أصح من القول بثبوتها لجنس العلماء، وتقرير ذلك من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحصر هاهنا من الطرفين، ، فحصر الخشية في العلماء يفيد أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه وتفيد أنّ من لا يخشى فليس بعالم،
وحصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ، فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.
والجهة الثانية: أن المحصور مقتضٍ للمحصور فيه فهو عامٌّ فإنّ العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف، ومراده بالمقتضي – العلة المقتضية - وهي التي يتوقف تأثيرها على وجود شروط وانتفاء موانع كأسباب الوعد والوعيد ونحوهما فإنها مقتضياتٌ وهي عامةٌ والمانع بخلاف الشرط، وهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود وهذا الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتم على قول من يجوّز تخصيص العلة وأما من لا يسمّي علةً إلا ما استلزم الحكم ولزم من وجودها وجوده على كلّ حال، فهؤلاء عندهم الشرط وعدم المانع من جملة أجزاء العلة، والمقصود هنا أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية كان ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه. وهذا مختصر قول الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه -:

&أقوال السلف في فائدة العلم عن الله:
فعن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
وعن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
وعن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
وذكر ابن أبي الدنيا عن عطاءٍ الخراسانيّ في هذه الآية: "العلماء باللّه الذين يخافونه ".
وعن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ.
ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك وما علم من لم يخشك وما حكم من لم يؤمن بك.
وعن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".
وروى الدارميّ من طريق عكرمة عن ابن عباسٍ: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} قال: "من خشي اللّه فهو عالمٌ ".
وعن يحيى بن جعدة، عن عليٍّ قال: "يا حملة العلم، اعملوا به فإنّما العالم من عمل بما علم فوافق علمه عمله، وسيكون أقوامٌ يحملون العلم ولا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم.
يجلسون حلقًا فيباهي بعضهم بعضًا، حتى إنّ الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غير ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللّه عزّ وجلّ ".
وعن مسروقٍ قال: " كفى بالمرء علمًا أن يخشى اللّه عزّ وجل وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه ".
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
منه قول الحسن: "إنما الفقيه الزاهد في الدّنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربّه ".
وعن عبيد اللّه بن عمر أنّ عمر بن الخطاب سأل عبد اللّه بن سلامٍ:"من أرباب ألعلم؟
قال: الذين يعملون بما يعلمون ".
وقال رجلٌ للشعبي: أفتني أيها العالم فقال: "إنما العالم من يخاف اللّه ".
وعن الربيع بن أنس عن بعض أصحابه قال: "علامة العلم: خشية اللّه عز وجل ".
وسئل سعد بن إبراهيم -: من أفقه أهل المدينة؟
قال: "أتقاهم لربّه ".
وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟
فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".
ويشهد لهذا قوله تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون).



&بيان كيف أنّ العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية :
1-أن العلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمة والجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيتهويمنع من ارتكاب نهيه، والتفريط في أوامره وهو أصل العلم النافع ، ، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية،، ولهذا قال طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ". وبهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي، وعزتي، وجلالي، وسلطاني "، ويشهد لهذا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً" وحديث أبي ذرٍّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إنّ السماء أطّت وحقّ لها أن تئطّ، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته ساجدٌ للّه - عز وجلّ - واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزّ وجلّ ".وحديث أبو نعيمٍ وغيره بالإسناد عن ابن عباسٍ، عن ما قاله للنفر الذين كانوا يختصمون ويتمارون يبين ذ لك وحديث يزيد الرقاشيّ وحديث ابن أبي الدنيا أثرًا عن زناد بن أبي حبيبٍ يبين ذلك أيضاً

2-أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك.وأن الإيمان يزيد وينقص:
ومما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّه واطّلاعه، ومشاهدته، ومقته لعاصيه وحضور الكرام الكاتبين، كلّ هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور، وإنّما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العلم، والغفلة والشهوة أصل الشرّ، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.
والشهوة وحدها، لا يستقلّ بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإنّ صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة وكانت موجودةً في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكنّ غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الذي أصله التصديق الجازم المترتب على التصور التام، ولهذا كان ذكر اللّه وتوحيده والثناء عليه يزيد الإيمان، والغفلة والإعراض عن ذلك يضعفه وينقصه، كما كان يقول من يقول من الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".
وفي الأثر المشهور عن حماد بن سلمة عن أبي جعفرٍ الخطميّ عن جدّه عمير بن حبيبٍ وكان من الصحابة، قال: "الإيمان يزيد وينقصقيل: وما زيادته ونقصانه؟
قال: إذا ذكرنا اللّه ووحّدناه وسبّحناه، فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا، فذلك نقصانه ".
وفي مسندي الإمام أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "جدّدوا إيمانكم " قالوا: وكيف نجدد إيماننا يا رسول اللّه؟
قال: "قولوا: لا إله إلا اللّه ".
وهذا يبين معنى قول النبيًّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " فإنه لو كان مستحضرًا في تلك الحال لاطّلاع اللّه عليه ومقته له جمع ما توعّده اللّه به من العقاب المجمل والمفصل استحضارًا تامًّا لامتنع منه بعد ذلك وقوع هذا المحظور وإنما وقع فيما وقع فيه لضعف إيمانه ونقصه.
3-أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا، وإن كان قد يصور الخبر عنه، وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصوّر المخبر به فإذا أخبر بما هو محبوبٌ أو مكروهٌ له، ولم يكذّب الخبر بل عرف صدقه لكن قلبه مشغولٌ بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب، في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".
4- أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه له وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه، ولهذا كان القول الصحيح الذي عليه السلف وأئمة السنة أنه يصحّ التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ خلافًا لبعض المعتزلة، فإنّ أحد الذنبين قد يعلم قبحه فيتوب منه ويستهين بالآخر لجهله بقبحه وحقيقة مرتبته فلا يقلع عنه، ، ولا يقال لو كانت الخشية عنده موجودةً لأقلع عن الجميع، لأن أصل الخشية عنده موجودةٌ، ولكنها غير تامةٍ، وسبب نقصها إما نقص علمه، وإما غلبة هواه، فتبعّض توبته نشأ من كون المقتضي للتوبة من أحد الذنبين أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كون المانع من التوبة من أحدهما أشدّ من المانع من الآخر.
5- أنّ كل ما علم علمًا تامًّا جازمًا بانّ فعل شيئًا يضرّه ضررًا راجحًا لم يفعله، فإنّ هذا خاصة العاقل، فإنّ نفسه تنصرف عمّا يعلم رجحان ضرره بالطبع، فإنّ اللّه جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها،
فالزاني والسارق ونحوهما، لو حصل لهم جزم بإقامة الحدود عليهم من الرجم والقطع ونحو ذلك، لم يقدموا على ذلك، فإذا علم هذا فاصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل وعدم العلم بأنها تضرهم ضررًا راجحًا، أو ظنّ أنها تنفعهم نفعًا راجحًا، وذلك كلّه جهل إما بسيط وإمّا مركب، ولهذا يسمّى حال فعل السيئات الجاهلية، فإن صاحبها في حال جاهليةٍ، ولهذا كان الشيطان يزيّن السيئات ويأمر بها، ويذكر ما فيها من المحاسن التي يظنّ أنها منافع لا مضارّ كما أخبر اللّه عنه في قصة آدم أنه: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما}.
قال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}.
وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ (36) وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون (37)}.
وقال تعالى: {أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنًا}.
وقال: {كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون (108)}.
6- أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد ألبتة.
&دواعي الخوف من الذنوب:
-فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً" وما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه من المفسدة ومؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الذي فيه من السموم ما يمرض أو يقتل ومن هاهنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها، كما لا يؤثر أكل الطعام المسموم للذّته إلا من هو جاهل بحاله أو غير عاقل، ورجاؤه التخلص من شرفا بتوبةٍ أو عفو أو غير ذلك كرجاء آكل الطعام المسموم الطيب للخلاص من شرّ سمّه بعلاج أو غيره، وهو في غاية الحمق والجهل، فقد لا يتمكن من التخلص منه بالكلية، فيقتله سمّه،
- وقد لا يتخلص منه تخلصًا تامًّا فيطول مرضه، وكذلك المذنب قد لا يتمكن من التوبة، فإنّ من وقع في ذنبٍ تجرّأ عليه عمره وهان عليه خوض الذنوب وعسر عليه الخلاص منها ولهذا قيل: "من عقوبة الذنب: الذنب بعده ".
وقد دلّ على ذلك القرآن في غير موضع،
-وإذا قدّر أنه تاب منه فقد لا يتمكن من التوبة النصوح الخالصة التي تمحو أثره بالكلية، وإن قدّر أنه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة على النّدم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة؛ من الألم والمشقة، ولهذا قال الحسن: "ترك الذنب أيسر من طلب التوبة"
- ويكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة الّتي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها.


&أقوال السلف في حكم التوبة الناتجة عن الجهل :
الكلام عام عمن تاب سواء عصى عن جهل أو عمد، ويسمى في كلا الحالين جاهلا.
وهذه الفائدة وما بعدها من فوائد يحسن فصلها آخر الملخص.
قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".
وعن قتادة قال: "أجمع أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على أنّ كلّ من عصى ربّه فهو جاهلٌ جهالةً، عمدًا كان أو لم يكن، وكلّ من عصى ربّه فهو جاهلٌ ".
وقال مجاهدٌ: "من عمل ذنبًا من شيخ أو شابٍ فهو بجهالةٍ"، وقال أيضًا: "من عصى ربّه فهو جاهلٌ حتى ينزع عن معصيته "، وقال أيضًا: "من عمل سوءًا خطأً أو إثمًا فهو جاهلٌ حتى ينزع منه ".
وقال أيضًا هو وعطاء: "الجهالة: العمد".
رواهنّ ابن أبي حازمٍ وغيره، وقال: وروي عن قتادة، وعمرو بن مرة، والثوريّ نحو ذلك.
وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".
وقال عكرمة: "الدنيا كلّها جهالةٌ".
وعن الحسن البصريّ أنه سئل عنها فقال: "هم قومٌ لم يعلموا ما لهم مما عليهم، قيل له: أرأيت لو كانوا علموا؟ قال: فليخرجوا منها فإنها جهالةٌ".

&الأقوال في حكم التائب، هل يمكن عوده إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
قولين معروفين:
القول بأنه لا يمكن عوده إلى ما كان عليه قول أبي سليمان الدّرانيّ وغيره،
&الاختلاف في حكم التوبة إذا استكملت شروطها، هل يجزم بقبولها؟
على قولين: فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين على أنّه لا يجزم بذلك،
ولكنّ أكثر أهل السنة والمعتزلة وغيرهم على أنه يقطع بقبولها،
&دواعي الخوف من الذنب حتى مع قبول التوبة :
- وإن قدّر أنه عفي عنه من غير توبةٍ فإن كان ذلك بسبب أمرٍ مكفرٍ عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقلٌ أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة.
-وإن عفي عنه بغير سببٍ من هذه الأسباب المكفرة ونحوها، فإنه لابّد أن يلحقه عقوبات كثيرة منها: ما فاته من ثواب المحسنين، فإن اللّه تعالى وإن عفا عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال تعالى: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21).
وقال: (أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار (28)}.
ولهذا قال بعض السلف: عدّ أن المسيء قد عفي عنه.
أليس قد فاته ثواب المحسنين؟
ولولا أنّ اللّه تعالى رضّى أهل الجنة كلّهم بما حصل لهم من المنازل لتقطعت أصحاب اليمين حسرات مما فاتهم من منازل المقربين مع إمكان مشاركتهم لهم في أعمالهم التي نالوا بها منازلهم العالية، وقد جاء في الأحاديث والآثار أنهم يقولون: ألم نكن مع هؤلاء في الدنيا؟ فيقال: كنتم تفطرون، وكانوا يصومون، وكنتم تنامون، وكانوا يقومون، وكنتم تبخلون، وكانوا ينفقون، ونحو ذلك.
وكذلك جاء: "أنّ الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فما تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، فيستبشرون بريحه فيقولون: واهًا لهذه الريح، هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه ".
هذا قد روي من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا، وروي من كلام كعبٍ.
-ومنها ما يلحقه من الخجل والحياء من اللّه عز وجلّ عند عرضه عليه.
وتقريره بأعماله، وربما كان ذلك أصعب عليه من دخول النار ابتداءً، وقد أخبر بذلك بعض المحتضرين في زمان السلف عند احتضاره وكان أغمي عليه حتى ظنّ أنه مات، ثم أفاق فأخبر بذلك.
وجاء تصديق ذلك في الأحاديث والآثار كما روى عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "يدني اللّه عزّ وجلّ العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، قال: فيمرّ بالحسنة، فيبيضّ لها وجهه ويسرّ بها قلبه قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد قبلتها منك.
قال: فيخرّ للّه ساجدًا، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك، قال: فيمرّ بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعمله غيره، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أتعرف يا عبدي؟
قال: فيقول: نعم، يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك؟
قال: فلا يزال حسنةٌ تقبل فيسجد، وسيئةٌ تغفر فيسجد، فلا ترى الخلائق منه إلا السجود، قال: حتى تنادي الخلائق بعضها بعضًا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص اللّه قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين اللّه عز وجل ".
ومما قد وقفه عليه وروي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبد اللّه بن سلامٍوغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد اللّه بن عمر الثابت في "الصحيح "- حديث النجوى - وحديث ابن أبي الدنيا، وابن المنادي وغيرهما عن الحسن وما جاء في الأثر المعروف الذي رواه أبو نعيمٍ وغيره عن علقمة بن مرثدٍ ومن هذا قول الفضيل بن عياضٍ: "بالموقف واسوءتاه منك وإن عفوت ".

7-أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ من الأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ، وهذا من أعظم الجهل، والأمر تجلس باطنه، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا، فيحصل لصاحب المعصية العيشة الضنك، وتفوته الحياة الطيبة، فينعكس قصده بارتكاب المعصية،
&أدلة ضمان الله لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك :
قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}.
وقال: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
وقال: {ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون}.
وقال في أهل الطاعة: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً}.
قال الحسن وغيره من السلف: "لنرزقنّه عبادةً يجد حلاوتها في قلبه ".
ومن فسّرها بالقناعة، فهو صحيح أيضًا، ومن أنواع الحياة الطيبة الرضى
بالمعيشة فإنّ الرّضى، كما قال عبد الواحد بن زيدٍ:"جنة الدنيا ومستراح العابدين ".
وقال تعالى: {وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله}.
وقال: {فآتاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ المحسنين (148)}.
كما قال عن إبراهيم عليه السلام:{وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (122)}.

-الآثار عن السلف والمشايخ حول ثواب الحسنة وثواب السيئة:
كان بعض السلف يقول: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ".
وقال أبو سليمان: "أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدّنيا".
وقال: "إنه ليمرّ على القلب أوقاتٌ يضحك فيها ضحكًا".
وقال ابن المبارك وغيره: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، قيل: ما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة اللّه ".
وقال آخر: "أوجدني اللّه قلبًا طيبًا حتى قلت: إن كان أهل الجنة في مثل هذا فإنّهم في عيشٍ طيب ".
وقال مالك بن دينار: "ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر اللّه ".
وهذا بابٌ واسعٌ جدًّا، والمعاصي تقطع هذه الموادّ، وتغلق أبواب هذه الجنة المعجلة، وتفتح أبواب الجحيم العاجلة من الهمّ والغمّ، والضيق والحزن والتكدر وقسوة القلب وظلمته وبعده عن الربّ - عزّ وجلّ - وعن مواهبه السّنيّة الخاصة بأهل التقوى.
كما ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي - رضي الله عنه - قال:"جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعس في اللذة. قيل: وما التعس في اللذة؟ قال: لا ينال شهوةً حلالاً، إلا جاءه ما يبغّضه إيّاها".
وعن الحسن قال: "العمل بالحسنة نورٌ في القلب وقوةٌ في البدن، والعمل بالسيئة ظلمةٌ في القلب ووهن في البدن ".
وروى ابن المنادي وغيره عن الحسن، قال: "إن للحسنة ثوابًا في الدنيا وثوابًا في الآخرة، وإنّ للسيئة ثوابًا في الدنيا، وثوابًا في الآخرة، فثواب الحسنة في الدنيا البصر في الدّين، والنور في القلب، والقوة في البدن مع صحبةٍ حسنةٍ جميلةٍ، وثوابها في الآخرة رضوان اللّه عزّ وجلّ وثواب السيئة في الدنيا العمى في الدنيا، والظلمة في القلب، والوهن في البدن مع عقوباتٍ ونقماتٍ، وثوابها في الآخرة سخط اللّه عزّ وجلّ والنار".
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن مالك بن دينارٍ، قال: "إن للّه عقوبات فتعاهدوهنّ من أنفسكم في القلوب والأبدان: ضنكٌ في المعيشة، ووهن فى العبادة، وسخطٌ في الرزق ".
وعنه أنه قال: "ما ضرب عبدٌ بعقوبةٍ أعظم من قسوة القلب ".
-أمر الله العباد بما فيه صلاحهم :
قال قتادة وغيره من السلف: إن اللّه لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليه، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلاً به، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عمّا فيه فسادهم، وهذا هو الذي عليه المحققون من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، كالقاضي أبي يعلى وغيره.

-هل للعقل مدخل في التحسين والتقبيح ام لا؟
الأقوال: وكثير منهم كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب على أنّ ليس للعقل مدخل في التحسين والتقبيح دليلهم أن ذلك لا يجوز عقلاً
وأما من قال بوقوع مثل ذلك شرعًا فقوله شاذٌ مردودٌ.
الترجيح: أنّ ما أمر اللّه به عباده فهو عين صلاحهم وفلاحهم في دنياهم وآخرتهم، فإنّ نفس الإيمان باللّه ومعرفته وتوحيده وعبادته ومحبته وإجلاله وخشيته وذكره وشكره؛ هو غذاء القلوب وقوتها وصلاحها وقوامها، فلا صلاح للنفوس، ولا قرة للعيون ولا طمأنينة، ولا نعيم للأرواح ولا لذة لها في الدنيا على الحقيقة، إلا بذلك، فحاجتها إلى ذلك أعظم من حاجة الأبدان إلى الطعام والشراب والنّفس، بكثيرٍ، فإنّ حقيقة العبد وخاصيته هي قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بتألهه لإلهه الحقّ الذي لا إله إلا هو، ومتى فقد ذلك هلك وفسد، ولم يصلحه بعد ذلك شيء ألبتة، وكذلك ما حرّمه اللّه على عباده وهو عين فسادهم وضررهم في دينهم ودنياهم، ولهذا حرّم عليهم ما يصدّهم عن ذكره وعبادته كما حرم الخمر والميسر، وبين أنه يصدّ عن ذكره وعن الصلاة مع مفاسد أخر ذكرها فيهما، وكذلك سائر ما حرّمه اللّه فإنّ فيه مضرةً لعباده في دينهم ودنياهم وآخرتهم، كما ذكر ذلك السلف،

&اختلاف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه في قوله تعالى: {واتّبعوا ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكنّ الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلّمان من أحدٍ حتّى يقولا إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر فيتعلّمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارّين به من أحدٍ إلّا بإذن اللّه ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102) ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خيرٌ لو كانوا يعلمون (103)}.
فأخبر أنهم علموا أنّ من اشتراه أي تعوض به في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة ثم قال: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} ، فيدلّ هذا على أنّهم لم يعلموا سوء ما شروا به أنفسهم.
-الأقوال في اختلاف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه مع الترجيح:
القول الأول:- الذين علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، هم الشياطين الذين يعلّمون الناس السحر، والذين قيل فيهم:{لو كانوا يعلمون} هم الناس الذين يتعلمون.
القول الثاني :أنّ قوله: (ولقد علموا) عائدٌ على اليهود الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ثم أخبر ابن جرير أنّ الذين علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه هم اليهود، والذين قيل فيهم: لو كانوا يعلمون، هم الذين يتعلمون من الملكين، وكثيرًا ما يكون فيهم الجهال بأمر اللّه ووعده ووعيده، هذا القول ضعيف وحجته أن الضمير فيهما عائدٌ إلى واحدٍ، وأيضًا فإن الملكين يقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فقد أعلماه تحريمه وسوء عاقبته.
القول الثالث : إنما نفى عنهم العلم بعدما أثبته لانتفاء ثمرته وفائدته، وهو العمل بموجبه ومقضتاه، فلمّا انتفى عنهم العمل بعلمهم جعلهم جهّالاً لا يعلمون، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، وهذا حكاه ابن جريرٍ وغيره، وحكى الماوردي قولاً بمعناه، لكنه جعل العمل مضمرا، وتقديره لو كانوا يعملون بما يعلمون
القول الرابع :قيل إنهم علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له، أي لا نصيب له في الآخرة من الثواب، لكنهم لم يعلموا أنه يستحق عليه العقاب مع حرمانه الثواب، وهذا حكاه الماورديّ وغيره، وهو ضعيف أيضاً لأنّ الضمير إن عاد إلى اليهود، فاليهود لا يخفى عليهم تحريم السحر واستحقاق صاحبه العقوبة، وإن عاد إلى الذين يتعلمون من الملكين فالملكان يقولان لهم: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر} والكفر لا يخفى على أحدٍ أن صاحبه يستحقّ العقوبة، وإن عاد إليهما، وهو الظاهر، فواضح، وأيضًا فإذا علموا أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ فقد علموا أنه يستحقّ العقوبة، لأنّ الخلاق: النصيب من الخير، فإذا علم أنه ليس له نصيب في الخير بالكلية فقد علم أن له نصيبًا من الشرّ، لأنّ أهل التكليف في الآخرة لا يخلو واحد منهم عن أن يحصل له خير أو شرّ لا يمكن انتكاله عنهما جميعًا ألبتة.
القول الخامس:علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له في الآخرة، لكنهم ظنّوا أنهم ينتفعون به في الدنيا، ولهذا اختاروه وتعوّضوا به عن بوار الآخرة وشروا به أنفسهم، وجهلوا أنه في الدنيا يضرّهم أيضًا ولا ينفعهم، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ذلك، وأنّهم إنما باعوا أنفسهم وحظّهم من الآخرة بما يضرّهم في الدنيا أيضًا ولا ينفعهم، وهذا القول حكاه الماورديّ وغيره، وهو الصحيح،
دليل صحته : فإنّ اللّه تعالى قال: {ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم} أي هو في نفس الأمر يضرّهم ولا ينفعهم بحالٍ في الدنيا وفي الآخرة.
ولكنّهم لم يعلموا ذلك لأنهم لم يقدموا عليه إلا لظنّهم أنه ينفعهم في الدنيا.
ثم قال: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ} أي قد تيقّنوا أنّ صاحب السحر لا حظّ له في الآخرة، وإنما يختاره لما يرجو من نفعه في الدنيا، وقد يسمّون ذلك العقل المعيشي أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشةً طيبةً، قال اللّه تعالى:{ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: إن هذا الذي يعوضوا به عن ثواب الآخرة في الدنيا أمرٌ مذمومٌ مضر لا ينفع لو كانوا يعلمون ذلك ثم قال: {ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خير لّو كانوا يعلمون} يعني: أنهم لو اختاروا الإيمان والتقوى بدل السّحر لكان اللّه يثيبهم على ذلك ما هو خير لهم مما طلبوه في الدنيا لو كانوا يعلمون، فيحصل لهم في الدنيا من ثواب الإيمان والتقوى من الخير الذي هو جلب المنفعة ودفع المضرّة ما هو أعظم مما يحصّلونه بالسّحر من خير الدنيا مع ما يدّخر لهم من الثواب في الآخرة.

والمقصود هنا: أن كل من آثر معصية اللّه على طاعته ظانًّا أنه ينتفع بإيثار المعصية في الدنيا، فهو من جنس من آثر السحر - الذي ظنّ أنه ينفعه في الدنيا - على التقوى والإيمان، ولو اتّقى وآمن لكان خيرًا له وأرجى لحصول مقاصده ومطالبه ودفع مضارّه ومكروهاته، ويشهد كذلك أيضًا ما في "مسند البزار" عن حذيفة قال: "قام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس فقال: "هلمّوا إليّ، فأقبلوا إليه فجلسوا"، فقال: "هذا رسول ربّ العالمين جبريل - عليه السلام. - نفث في روعي: أنّه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ولا يحملنّكم استبطاء الرّزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ".
الخلاصة:
-مستلزمات العلم :
1- يستلزم الخشية العلم باللّه بجلاله وعظمته، وهو الذي فسر الآية به جماعةٌ من السلف،
2- الخشية ملازمةٌ للعلم بأوامر الله ونواهيه وأحكامه وشرائعه وأسرار دينه وشرعه وخلقه وقدره،
-مراتب العلم:
قد يجتمع العلم بالله والعلم بأوامر الله وشريعته وقد ينفرد أحدهما عن الآخر،
1-أكمل الأحوال اجتماعهما جميعًا وهي حالة الأنبياء - عليهم السلام - وخواصّ الصديقين ومتى اجتمعا كانت الخشية حاصلةٌ من تلك الوجوه كلها،والعلماء الكمّل أولو العلم في الحقيقة الذين جمعوا الأمرين.
2-وإن انفرد أحدهما حصل من الخشية بحسب ما حصّل من ذلك العلم،
-أقوال السلف:
وقد ذكر الحافظ أبو أحمد بن عديٍّ: ثنا أحمد بن عبد اللّه بن صالح بن شيخ بن عميرة: ثنا إسحاق بن بهلول قال: قال لي إسحاق بن الطباع: قال لي سفيان بن عيينة: "عالمٌ باللّه عالمٌ بالعلم، عالمٌ باللّه ليس بعالمٍ بالعلمعالمٌ بالعلم ليس بعالم باللّه "، قال: قلت لإسحاق: فهمنيه واشرحه لي، قال: عالمٌ باللّه عالمٌ بالعلم، حماد بن سلمة، عالمٌ باللّه ليس بعالم بالعلم مثل أبي الحجاج العابد، عالمٌ بالعلم ليس بعالم باللّه فلانٌ وفلانٌ وذكر بعض الفقهاء.
وروى الثوريّ عن أبي حيّان التميمي سعيد بن حيّان عن رجلٍ قال: كان يقال: العلماء ثلاثةٌ: "فعالمٌ باللّه ليس عالمًا بأمر اللّه، وعالمٌ بأمر اللّه ليس عالمًا باللّه، وعالمٌ باللّه عالمٌ بأمر اللّه ".
فالعالم باللّه وبأوامر اللّه: الذي يخشى اللّه ويعلم الحدود والفرائض.
والعالم باللّه ليس بعالم بأمر اللّه: الذي يخشى اللّه ولا يعلم الحدود والفرائض.
والعالم بأمر اللّه ليس بعالم باللّه: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى اللّه عزّ وجلًّ.
وأما بيان أنّ انتفاء الخشية ينتفي مع العلم، فإنّ العلم له موجب ومقتضى.
وهو اتباعه والاهتداء به وصدّه الجهل، فإذا انتفت فائدته ومقتضاه، صار حاله كحاله عند عدمه وهو الجهل، وقد تقدّم أن الذنوب إنّما تقع عن جهالةٍ، وبيّنا دلالة القرآن على ذلك وتفسير السلف له بذلك، فيلزم حينئذٍ أن ينتفي العلم ويثبت الجهل عند انتفاء فائدة العلم ومقتضاه وهو اتباعه، ومن هذا الباب قوله تعالى:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}.
وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ "وهذا كما يوصف من لا ينتفع بسمعه وبصره وعقله في معرفة الحقّ والانقياد له بأنه أصم أبكم أعمى قال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}.
ويقال أيضًا: إنه لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل كما قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)}.

‏‫من جهاز الـ iphone الخاص بي‬

بارك الله فيك ونفع بك
وقد أحسنت كثيرا في تناول المسائل التفسيرية والفوائد المتعلقة بها، فقط ينتبه لطريقة ترتيب المسائل
ويمكنك الاستفادة من هذا النموذج بإذن الله:


تلخيص رسالة في تفسير قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}
لابن رجب الحنبلي رحمه الله.


عناصر الرسالة:

دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية.
● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية
● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم
بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.

● فوائد
• إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم
أصل العلم النافع العلم باللّه.
قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو ما كان عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.
• صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟

• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟

• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
.
• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.


تلخيص المسائل الواردة في تفسير ابن رجب رحمه الله لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.



● دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلت الآية على إثبات الخشية للعلماء من صيغة "إنما" التي تقتضي تأكد ثبوت المذكور بالاتّفاق؛ لأنّ خصوصية "إن" إفادة التأكيد، وأمّا


● دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلت الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
من صيغة "إنّما" أيضا لأنّ "ما" الكافة إذا دخلت على "إنّ " أفادت الحصر وهو قول الجمهور.
"ما"فالجمهور على أنّها كافةٌ.
- واختلفوا في دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
فقال كثيرٌ من الحنابلة، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين: إنّ دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء وهو قول أبي حامد، وأبي الطيب من الشافعية، والجرجاني من الحنفية.
وذهبت طائفةٌ منهم كالقاضي في قوله الآخر وابن عقيلٍ والحلوانيإلى أنّ دلالتها على النفي بطريق المفهوم وهو قول كثيرٍ من الحنفية، والمتكلمين.
- واختلفوا أيضًا هل دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟

فقالت طائفة: إنّما تدلّ على الحصر ظاهرًا، أو يحتمل التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء وهو يشبه قول من يقول إنّ دلالتها بطريق المفهوم فإنّ أكثر دلالات المفهوم بطريق الظاهر لا النّص.
وظاهر كلام كثيرٍ من الحنابلة وغيرهم، أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص لأنّهم جعلوا "إنّما" كالمستثنى والمستثنى منه سواء وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.

● دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
دلت الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية، من جهة الحصر أيضا فإنّ الحصر المعروف المطرد فهو حصر الأول في الثاني، وهو هاهنا حصر الخشية في العلماء، وأما حصر الثاني في الأول فقد ذكره الشيخ أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - وأنه قد يكون مرادًا أيضًا فيصير الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين، فيكون قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} يقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، ويقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه.

● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية
ما ورد عن السلف في تفسير الآية يوافق ما سبق من إثبات الخشية للعلماء ونفيها عن غيرهم ونفي العلم عن غير أهل الخشية.
- فعن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
- وعن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- وعن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
- وعن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ، ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك، وما علم من لم يخشك وما حكمة من لم يؤمن بك؟
- وعن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".
- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
- ومنه قول الحسن: "إنما الفقيه الزاهد في الدّنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربّه ".
- وعن عبيد اللّه بن عمر أنّ عمر بن الخطاب سأل عبد اللّه بن سلامٍ: "من أرباب ألعلم؟قال: الذين يعملون بما يعلمون ".
- وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".
ويشهد لهذا قوله تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون). وكذلك قوله تعالى: (إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}.
وقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ}.
وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ ثمّ تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ (119)}.
- قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".
- وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".

● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية.
وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن العلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمة والجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيته، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية.
ولهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي، وعزتي، وجلالي، وسلطاني ".
ويشهد له قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا"
وفي "المسند" وكتاب الترمذيّ وابن ماجة من حديث أبي ذرٍّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إنّ السماء أطّت وحقّ لها أن تئطّ، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته ساجدٌ للّه - عز وجلّ - واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزّ وجلّ ".

وقال الترمذيّ: حسنٌ غريبٌ.

الوجه الثاني: أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك وبما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّه واطّلاعه، ومشاهدته، ومقته لعاصيه وحضور الكرام الكاتبين، كلّ هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور.
وإنّما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العلم، والغفلة والشهوة أصل الشرّ، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

والشهوة وحدها، لا تستقلّ بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإنّ صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة وكانت موجودةً في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكنّ غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الذي أصله التصديق الجازم المترتب على التصور التام،
ولهذا كان ذكر اللّه وتوحيده والثناء عليه يزيد الإيمان، والغفلة والإعراض عن ذلك يضعفه وينقصه، كما كان يقول من يقول من الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".

الوجه الثالث: أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا، وإن كان قد يصور الخبر عنه.
وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصوّر المخبر به فإذا أخبر بما هو محبوبٌ أو مكروهٌ له، ولم يكذّب الخبر بل عرف صدقه لكن قلبه مشغولٌ بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب، في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

الوجه الرابع: أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه له وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح.
فيكون جهله بذلك هو الذي جرّأه عليه وأوقعه فيه، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه.

الوجه الخامس: أنّ الله جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها، فلا يفعل ما يجزم بأنه يضرّها ضررًا راجحًا، لذلك لا يقدم عاقل على فعل ما يضرّه مع علمه بما فيه من الضرر إلا لظنّه أنّ منفعته راجحة إمّا بأن يجزم بأن ضرره مرجوح، أو يظنّ أن خيره راجح.
فالزاني والسارق ونحوهما، لو حصل لهم جزم بإقامة الحدود عليهم من الرجم والقطع ونحو ذلك، لم يقدموا على ذلك، فإذا علم هذا فأصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل وعدم العلم بأنها تضرهم ضررًا راجحًا، أو ظنّ أنها تنفعهم نفعًا راجحًا، وذلك كلّه جهل إما بسيط وإمّا مركب.
ومثال هذا ما جاء في قصة آدم أنه: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما}.

قال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}.
وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ (36) وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون (37)}.
فالفاعل للذنب لو جزم بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله، لكنه يزين له ما فيه من اللذة التي يظنّ أنها مصلحة، ولا يجزم بوقوع عقوبته، بل يرجو العفو بحسناتٍ أو توبةٍ أو بعفو الله ونحو ذلك، وهذا كله من اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولو كان له علم كامل لعرف به رجحان ضرر السيئة، فأوجب له ذلك الخشية المانعة له من مواقعتها.

الوجه السادس: وهو أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد البتة فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك.
ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً".
- ما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه من المفسدة ومؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الذي فيه من السموم ما يمرض أو يقتل ومن هاهنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها.
-
المذنب قد لا يتمكن من التوبة، فإنّ من وقع في ذنبٍ تجرّأ عليه عمره وهان عليه خوض الذنوب وعسر عليه الخلاص منها ولهذا قيل: "من عقوبة الذنب: الذنب بعده ".
- إذا قدّر للمذنب أنه تاب منه فقد لا يتمكن من التوبة النصوح الخالصة التي تمحو أثره بالكلية.
- وإن قدّر أنه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة على النّدم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة؛ من الألم والمشقة، ولهذا قال الحسن: "ترك الذنب أيسر من طلب التوبة".
- يكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة الّتي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها.

- إن قدّر أنه عفي عنه من غير توبةٍ فإن كان ذلك بسبب أمرٍ مكفرٍ عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقلٌ أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة.

- إن عفي عنه بغير سببٍ من هذه الأسباب المكفرة ونحوها، فإنه لابّد أن يلحقه عقوبات كثيرة منها:
1: ما فاته من ثواب المحسنين، فإن اللّه تعالى وإن عفا عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال تعالى: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21).

وقال: (أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار (28)}.
2: ما يلحقه من الخجل والحياء من اللّه عز وجلّ عند عرضه عليه وتقريره بأعماله، وربما كان ذلك أصعب عليه من دخول النار ابتداءً.
كما جاء في الأحاديث والآثار كما روى عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "يدني اللّه عزّ وجلّ العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، قال: فيمرّ بالحسنة، فيبيضّ لها وجهه ويسرّ بها قلبه قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد قبلتها منك.
قال: فيخرّ للّه ساجدًا، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك، قال: فيمرّ بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعمله غيره، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أتعرف يا عبدي؟
قال: فيقول: نعم، يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك؟
قال: فلا يزال حسنةٌ تقبل فيسجد، وسيئةٌ تغفر فيسجد، فلا ترى الخلائق منه إلا السجود، قال: حتى تنادي الخلائق بعضها بعضًا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص اللّه قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين اللّه عز وجل ".
ومما قد وقفه عليه وروي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبد اللّه بن سلامٍ وغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد اللّه بن عمر الثابت في "الصحيح "- حديث النجوى - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم القيامة دعا اللّه بعبده فيضع عليه كنفه فيقول: ألم تعمل يوم كذا وكذا ذنب كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا ربّ، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وغفرت ذلك لك اليوم " وهذا كلّه في حقّ من يريد اللّه أن يعفو عنه ويغفر له فما الظنّ بغيره؟

الوجه السابع: وهو أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ من الأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ.
وهذا من أعظم الجهل، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا، فيحصل لصاحب المعصية العيشة الضنك، وتفوته الحياة الطيبة، فينعكس قصده بارتكاب المعصية، فإنّ اللّه ضمن لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}،
وقال: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}
وقال في أهل الطاعة: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً}.

● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم
فقد الخشية يسلتزم فقد العلم وذلك لأن العلم له موجب ومقتضى وهو اتباعه والاهتداء به وضدّه الجهل، فإذا انتفت فائدته ومقتضاه، صار حاله كحاله عند عدمه وهو الجهل.وقد تقدّم أن الذنوب إنّما تقع عن جهالةٍ، وظهرت دلالة القرآن على ذلك وتفسير السلف له بذلك، فيلزم حينئذٍ أن ينتفي العلم ويثبت الجهل عند انتفاء فائدة العلم ومقتضاه وهو اتباعه. ومن هذا الباب قوله تعالى:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}، وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ " وهذا كما يوصف من لا ينتفع بسمعه وبصره وعقله في معرفة الحقّ والانقياد له بأنه أصم أبكم أعمى قال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}.

بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.
العلم النافع علمان:
1: علم باللّه بجلاله وعظمته، وهو الذي فسر الآية به جماعةٌ من السلف.
2: علم بأوامر الله ونواهيه وأحكامه وشرائعه وأسرار دينه وشرعه وخلقه وقدره.
ولا تنافي بين هذا العلم والعلم باللّه؛ فإنّهما قد يجتمعان وقد ينفرد أحدهما عن الآخر، وأكمل الأحوال اجتماعهما جميعًا وهي حالة الأنبياء - عليهم السلام - وخواصّ الصديقين ومتى اجتمعا كانت الخشية حاصلةٌ من تلك الوجوه كلها، وإن انفرد أحدهما حصل من الخشية بحسب ما حصّل من ذلك العلم، والعلماء الكمّل أولو العلم في الحقيقة الذين جمعوا الأمرين.

وقد روى الثوريّ عن أبي حيّان التميمي سعيد بن حيّان عن رجلٍ قال: كان يقال: العلماء ثلاثةٌ: "فعالمٌ باللّه ليس عالمًا بأمر اللّه، وعالمٌ بأمر اللّه ليس عالمًا باللّه، وعالمٌ باللّه عالمٌ بأمر اللّه ".
فالعالم باللّه وبأوامر اللّه: الذي يخشى اللّه ويعلم الحدود والفرائض.
والعالم باللّه ليس بعالم بأمر اللّه: الذي يخشى اللّه ولا يعلم الحدود والفرائض.
والعالم بأمر اللّه ليس بعالم باللّه: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى اللّه عزّ وجلًّ.

● فوائد
إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم.
قوله تعالى: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء} يقتضي ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء ولا يراد به جنس العلماء، وتقريره من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحصر هاهنا من الطرفين، حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول، كما تقدّم بيانه، فحصر الخشية في العلماء يفيد أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه وتفيد أنّ من لا يخشى فليس بعالم، وحصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ، فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.
والجهة الثانية: أن المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
قال الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه -: (وفي هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ فهو عامٌّ فإنّ العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف).
ومراده بالمقتضي – العلة المقتضية - وهي التي يتوقف تأثيرها على وجود شروط وانتفاء موانع كأسباب الوعد والوعيد ونحوهما فإنها مقتضياتٌ وهي عامةٌ، ومراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب وهو الذي يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، كالإسلام بالنسبة إلى الحجّ.

والمانع بخلاف الشرط، وهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود وهذا الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتم على قول من يجوّز تخصيص العلة وأما من لا يسمّي علةً إلا ما استلزم الحكم ولزم من وجودها وجوده على كلّ حال، فهؤلاء عندهم الشرط وعدم المانع من جملة أجزاء العلة، والمقصود هنا أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية كان ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.


أصل العلم النافع العلم باللّه.
وبأسمائه وصفاته وأفعاله من قدره، وخلقه، والتفكير في عجائب آياته المسموعة المتلوة، وآياته المشاهدة المرئية من عجائب مصنوعاته، وحكم مبتدعاته ونحو ذلك مما يوجب خشيته وإجلاله، ويمنع من ارتكاب نهيه، والتفريط في أوامره.
ولهذا قال طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".

وقال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو الذي عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.
ويؤيد ذلك ما كان يقوله بعض الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".
وما جاء
في الأثر المشهور عن حماد بن سلمة عن أبي جعفرٍ الخطميّ عن جدّه عمير بن حبيبٍ وكان من الصحابة، قال: "الإيمان يزيد وينقص قيل: وما زيادته ونقصانه؟

قال: إذا ذكرنا اللّه ووحّدناه وسبّحناه، فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا، فذلك نقصانه ".
وفي مسندي الإمام أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "جدّدوا إيمانكم " قالوا: وكيف نجدد إيماننا يا رسول اللّه؟
قال: "قولوا: لا إله إلا اللّه ".
فالمؤمن يحتاج دائمًا كلّ وقتٍ إلى تحديد إيمانه وتقوية يقينه، وطلب الزيادة في معارفه، والحذر من أسباب الشكّ والريب والشبهة، ومن هنا يعلم معنى قول النبيًّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " فإنه لو كان مستحضرًا في تلك الحال لاطّلاع اللّه عليه ومقته له جمع ما توعّده اللّه به من العقاب المجمل والمفصل استحضارًا تامًّا لامتنع منه بعد ذلك وقوع هذا المحظور وإنما وقع فيما وقع فيه لضعف إيمانه ونقصه.

صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
فإنّ أحد الذنبين قد يعلم قبحه فيتوب منه ويستهين بالآخر لجهله بقبحه وحقيقة مرتبته فلا يقلع عنه، ولذلك قد يقهره هواه ويغلبه في أحدهما دون الآخر فيقلع عما لم يغلبه هواه دون ما غلبه فيه هواه، ولا يقال لو كانت الخشية عنده موجودةً لأقلع عن الجميع، لأن أصل الخشية عنده موجودةٌ، ولكنها غير تامةٍ، وسبب نقصها إما نقص علمه، وإما غلبة هواه، فتبعّض توبته نشأ من كون المقتضي للتوبة من أحد الذنبين أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كون المانع من التوبة من أحدهما أشدّ من المانع من الآخر.

• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
اختلف الناس في ذلك على قولين، والقول بأنه لا يمكن عوده إلى ما كان عليه قول أبي سليمان الدّرانيّ وغيره.

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟
اختلف الناس في ذلك على قولين:فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين على أنّه لا يجزم بذلك.
و
أكثر أهل السنة والمعتزلة وغيرهم على أنه يقطع بقبولها.


• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟
ورد في "مراسيل الحسن " عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد اللّه أن يستر على عبده يوم القيامة أراه ذنوبه فيما بينه وبينه ثمّ غفرها له ".
ولهذا كان أشهر القولين أنّ هذا الحكم عامٌّ في حقّ التائب وغيره، وقد ذكره أبو سليمان الدمشقيّ عن أكثر العلماء، واحتجّوا بعموم هذه الأحاديث مع قوله تعالى: {ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا}.

وقد نقل ذلك صريحًا عن غير واحدٍ من السلف كالحسن البصريّ وبلال بن سعد - حكيم أهل الشام - كما روى ابن أبي الدنيا، وابن المنادي وغيرهما عن الحسن: "أنه سئل عن الرجل يذنب ثم يتوب هل يمحى من صحيفته؟ قال: لا، دون أن يوقفه عليه ثم يسأله عنه "
ثم في رواية ابن المنادي وغيره: "ثم بكى الحسن، وقال: لو لم تبك الأحياء من ذلك المقام لكان يحقّ لنا أن نبكي فنطيل البكاء".

وذكر ابن أبي الدنيا عن بعض السلف أنه قال: "ما يمرّ عليّ أشد من الحياء من اللّه عزّ وجلّ ".
وفي الأثر المعروف الذي رواه أبو نعيمٍ وغيره عن علقمة بن مرثدٍ: "أنّ الأسود بن يزيد لما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع، ومن أحقّ بذلك مني؟واللّه لو أتيت بالمغفرة من اللّه عزّ وجلّ، لهمّني الحياء منه مما قد صنعته، إنّ الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحيًا منه ".
ومن هذا قول الفضيل بن عياضٍبالموقف: "واسوءتاه منك وإن عفوت ".

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

إن اللّه لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليه، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلاً به، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عمّا فيه فسادهم، وهذا هو الذي عليه المحققون من الفقهاء من الحنابلة وغيرهم، كالقاضي أبي يعلى وغيره.
وإن كان بينهم في جواز وقوع خلاف ذلك عقلاً نزاعٌ مبنيّ على أن العقل هل له مدخل في التحسين والتقبيح أم لا؟
وكثير منهم كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب على أنّ ذلك لا يجوز عقلاً أيضًا وأما من قال بوقوع مثل ذلك شرعًا فقوله شاذٌ مردودٌ.

والصواب: أنّ ما أمر اللّه به عباده فهو عين صلاحهم وفلاحهم في دنياهم وآخرتهم، فإنّ نفس الإيمان باللّه ومعرفته وتوحيده وعبادته ومحبته وإجلاله وخشيته وذكره وشكره؛ هو غذاء القلوب وقوتها وصلاحها وقوامها، فلا صلاح للنفوس، ولا قرة للعيون ولا طمأنينة، ولا نعيم للأرواح ولا لذة لها في الدنيا على الحقيقة، إلا بذلك، فحاجتها إلى ذلك أعظم من حاجة الأبدان إلى الطعام والشراب والنّفس، بكثيرٍ، فإنّ حقيقة العبد وخاصيته هي قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بتألهه لإلهه الحقّ الذي لا إله إلا هو، ومتى فقد ذلك هلك وفسد، ولم يصلحه بعد ذلك شيء البتة، وكذلك ما حرّمه اللّه على عباده وهو عين فسادهم وضررهم في دينهم ودنياهم، ولهذا حرّم عليهم ما يصدّهم عن ذكره وعبادته كما حرم الخمر والميسر، وبين أنه يصدّ عن ذكره وعن الصلاة مع مفاسد أخر ذكرها فيهما، وكذلك سائر ما حرّمه اللّه فإنّ فيه مضرةً لعباده في دينهم ودنياهم وآخرتهم، كما ذكر ذلك السلف، وإذا تبيّن هذا وعلم أنّ صلاح العباد ومنافعهم ولذاتهم في امتثال ما أمرهم الله به، واجتناب ما نهاهم اللّه عنه تبيّن أن من طلب حصول اللذة والراحة من فعل المحظور أو ترك المأمور، فهو في غاية الجهل والحمق، وتبيّن أنّ كلّ من عصى اللّه هو جاهل، كما قاله السلف ودلّ عليه القرآن كما تقدم، ولهذا قال: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (216)}.
وقال: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا (66) وإذًا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عظيمًا (67) ولهديناهم صراطًا مستقيمًا (68)}.

فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
اختلف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه هاهنا.
1: قالت طائفة: الذين علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، هم الشياطين الذين يعلّمون الناس السحر، والذين قيل فيهم: {لو كانوا يعلمون} هم الناس الذين يتعلمون.
قال ابن جرير: وهذا القول خطأٌ مخالفٌ لإجماع أهل التأويل على أنّ قوله: (ولقد علموا) عائدٌ على اليهود الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان.
2: ذكر ابن جرير أنّ الذين علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه هم اليهود، والذين قيل فيهم: لو كانوا يعلمون، هم الذين يتعلمون من الملكين، وكثيرًا ما يكون فيهم الجهال بأمر اللّه ووعده ووعيده.
وهذا أيضًا ضعيفٌ فإنّ الضمير فيهما عائدٌ إلى واحدٍ، وأيضًا فإن الملكين يقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فقد أعلماه تحريمه وسوء عاقبته.

3: قالت طائفة: إنما نفى عنهم العلم بعدما أثبته لانتفاء ثمرته وفائدته، وهو العمل بموجبه ومقضتاه، فلمّا انتفى عنهم العمل بعلمهم جعلهم جهّالاً لا يعلمون، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، وهذا حكاه ابن جريرٍ وغيره، وحكى الماوردي قولاً بمعناه، لكنه جعل العمل مضمرا، وتقديره لو كانوا يعملون بما يعلمون.
4: قيل: إنهم علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له، أي لا نصيب له في الآخرة من الثواب، لكنهم لم يعلموا أنه يستحق عليه العقاب مع حرمانه الثواب، وهذا حكاه الماورديّ وغيره.
وهو ضعيف أيضًا، فإنّ الضمير إن عاد إلى اليهود، فاليهود لا يخفى عليهم تحريم السحر واستحقاق صاحبه العقوبة، وإن عاد إلى الذين يتعلمون من الملكين فالملكان يقولان لهم: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر} والكفر لا يخفى على أحدٍ أن صاحبه يستحقّ العقوبة، وإن عاد إليهما، وهو الظاهر، فواضح، وأيضًا فإذا علموا أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ فقد علموا أنه يستحقّ العقوبة، لأنّ الخلاق: النصيب من الخير، فإذا علم أنه ليس له نصيب في الخير بالكلية فقد علم أن له نصيبًا من الشرّ، لأنّ أهل التكليف في الآخرة لا يخلو واحد منهم عن أن يحصل له خير أو شرّ لا يمكن انتكاله عنهما جميعًا ألبتة.

5: قالت طائفة: علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له في الآخرة، لكنهم ظنّوا أنهم ينتفعون به في الدنيا، ولهذا اختاروه وتعوّضوا به عن بوار الآخرة وشروا به أنفسهم، وجهلوا أنه في الدنيا يضرّهم أيضًا ولا ينفعهم، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ذلك، وأنّهم إنما باعوا أنفسهم وحظّهم من الآخرة بما يضرّهم في الدنيا أيضًا ولا ينفعهم.
وهذا القول حكاه الماورديّ وغيره، وهو الصحيح، فإنّ اللّه تعالى قال: {ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم} أي هو في نفس الأمر يضرّهم ولا ينفعهم بحالٍ في الدنيا وفي الآخرة.

ولكنّهم لم يعلموا ذلك لأنهم لم يقدموا عليه إلا لظنّهم أنه ينفعهم في الدنيا.
ثم قال: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ} أي قد تيقّنوا أنّ صاحب السحر لا حظّ له في الآخرة، وإنما يختاره لما يرجو من نفعه في الدنيا، وقد يسمّون ذلك العقل المعيشي أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشةً طيبةً، قال اللّه تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: إن هذا الذي يعوضوا به عن ثواب الآخرة في الدنيا أمرٌ مذمومٌ مضر لا ينفع لو كانوا يعلمون ذلك ثم قال: {ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خير لّو كانوا يعلمون} يعني: أنهم لو اختاروا الإيمان والتقوى بدل السّحر لكان اللّه يثيبهم على ذلك ما هو خير لهم مما طلبوه في الدنيا لو كانوا يعلمون، فيحصل لهم في الدنيا من ثواب الإيمان والتقوى من الخير الذي هو جلب المنفعة ودفع المضرّة ما هو أعظم مما يحصّلونه بالسّحر من خير الدنيا مع ما يدّخر لهم من الثواب في الآخرة.
والمقصود هنا:
أن كل من آثر معصية اللّه على طاعته ظانًّا أنه ينتفع بإيثار المعصية في الدنيا، فهو من جنس من آثر السحر - الذي ظنّ أنه ينفعه في الدنيا - على التقوى والإيمان، ولو اتّقى وآمن لكان خيرًا له وأرجى لحصول مقاصده ومطالبه ودفع مضارّه ومكروهاته.
ويشهد كذلك أيضًا ما في "مسند البزار" عن حذيفة قال: "قام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس فقال: "هلمّوا إليّ، فأقبلوا إليه فجلسوا"، فقال: "هذا رسول ربّ العالمين جبريل - عليه السلام. - نفث في روعي: أنّه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ولا يحملنّكم استبطاء الرّزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ".


• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
القول الأول: أنّها كافةٌ، وأن "ما" هي الزائدة التي تدخل على إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأن، فتكفها عن العمل، وهذا قول جمهور النحاة.
القول الثاني: أنّ "ما" مع هذه الحروف اسمٌ مبهمٌ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أنّ الجملة بعده مفسرةٌ له ومخبرٌ بها عنه، وهو قول
بعض الكوفيين، وابن درستويه.
القول الثالث: أن "ما" هنا نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه وهو قول بعض الأصوليين وأهل البيان.
وهذا باطلٌ باتفاق أهل المعرفة باللسان فإنّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
و"ما" زائدةٌ كافة لا نافيةٌ وهي الداخلة على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ، وليست في دخولها على هذه الحروف نافيةً بالاتفاق فكذلك الداخلة على إنّ وأنّ.
-
نسب القول بأنها نافيةٌ إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ".

وهذا لا يدل على أنّ "ما" نافيةٌ على ما لا يخفى وإنما مراده أنّهم أجروا "إنما" مجرى النفي و"إلاّ" في هذا الحكم لما فيها معنى النفي ولم يصرّح بأنّ النفي مستفادٌ من "ما" وحدها.
القول الرابع: أنه لا يمتنع أن يكون "ما" في هذه الآية بمعنى الذي والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.

وأطلقت "ما" على جماعة العقلاء كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}.

• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.
اختلف النحاة في ذلك على أقوال:
القول الأول: إذا دخلت "ما" الكافة على "إنّ " أفادت الحصر هذا هو الصحيح، وهو قول الجمهور.

القول الثاني: من خالف في إفادتها الحصر.
حجتهم في ذلك:
1- قالوا إنّ "إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة فيستفاد التوكيد من "إنّ " والزائد لا معنى له، وقد تفيد تقوية التوكيد كما في الباء الزائدة ونحوها، لكنها لا تحدث معنى زائدا.
2- وقالوا إن ورودها لغير الحصر كثيرٌ جدًّا كقوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة". وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون " وغير ذلك من النصوص ويقال: "إنّما العالم زيد" ومثل هذا لو أريد به الحصر لكان هذا.
وقد يقال: إن أغلب مواردها لا تكون فيها للحصر فإنّ قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا فإنّه سبحانه وتعالى له أسماءٌ وصفاتٌ كثيرةٌ غير توحّده بالإلهية، وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
فإنّه لم ينحصر الوحي إليه في هذا وحده.
مناقشة أقوالهم:
- الصواب أن "إنما" تدلّ على الحصر في هذه الأمثلة، ودلالتها عليه معلومٌ بالاضطرار من لغة العرب، كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي وغير ذلك، ولهذا يتوارد "إنّما" وحروف الشرط والاستفهام والنّفي الاستثناء كما في قوله تعالى: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون} فإنه
كقوله: {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}،
وقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ وقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}فإنه كقوله: {وما من إلهٍ إلاّ اللّه}وقوله: {ما لكم من إلهٍ غيره}، ونحو ذلك، ولهذا كانت كلّها واردةً في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه.

- وأما قولهم إنّ "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا، يجاب عنه من وجوه:

أحدها: أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا.
وقد ذكر ابن مالك أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر:
فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب
قال: وكذلك تحدث في "الكاف " معنى التعليل، في نحو قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) ، ولكن قد نوزع في ذلك وادّعى أنّ "الباء" و"الكاف " للسببية، وأنّ "الكاف " بمجردها تفيد التعليل.
والثاني: أن يقال: لا ريب أنّ "إنّ " تفيد توكيد الكلام، و"ما" الزائدة تقوّي هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام فتفيد ثبوت ذلك المعنى المذكور في اللفظ خاصةً ثبوتًا لا يشاركه فيه غيره واختصاصه به، وهذا من نوع التوكيد والثبوت ليس معنىً آخر مغايرًا له وهو الحصر المدّعى ثبوته بدخول "ما" يخرج عن إفادة قوّة معنى التوكيد وليس ذلك بمنكرٍ إذ المستنكر ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
الوجه الثالث: أنّ "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه، واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، وهكذا يقال في الاستثناء فإنه وإن كان في الأصل للإخراج من الحكم لكن صار حقيقة عرفيةً في مناقضة المستثنى فيه، وهذا شبية بنقل اللفظ عن المعنى الخاص إلى العام إذا صار حقيقة عرفيةً فيه لقولهم "لا أشرب له شربة ماءٍ" ونحو ذلك، ولنقل الأمثال السائرة ونحوها، وهذا الجواب ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهو قولٌ حكاه غيره في المسألة.

القول الثالث:
من جعل "ما" موصولةً.
فتفيد الحصر من جهةٍ أخرى وهو أنّها إذا كانت موصولةً فتقدير الكلام "إن الذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضي العموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى ئحصر المبتدأ في الخبر، ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر.


التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 28/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 19/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 18/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 15/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة:
95/100
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 19 شعبان 1436هـ/6-06-2015م, 11:54 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
رسالة تفسيرية لسورة العصر :
بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ(3) وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(4) }
سورة العصر سورة عظيمة تبين منهج الحياة ومما يدل على عمق فهم هذه السورة وما احتوت قول الشافعي رحمه الله: "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"؛وفهم الصحابة رضوان الله عليهم لسورة العصر جعلهم يطبقوها في حياتهم ففي حديث ثابت عن عبد الله بن حصن [ أبي مدينة ] ، قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا ، لم يتفرقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر " سورة العصر " إلى آخرها ، ثم يسلم أحدهما على الآخر .فانتقاءهم لزمن اللقاء بينهم ليتواصوا بهذه السورة وتذكير بعضهم البعض فيها هو خير دليل على فهمها وتطبيقها في حياتهم كما هو تعاملهم مع القرآن بأكمله .
أقسمَ الله تعالى بالعصرِ{وَالْعَصْرِ} اسمٌ للدهرِ، وهو العشيُّ والليلُ والنهارُ، ولم يُخصِّصْ ممَّا شمِلَهُ هذا الاسمُ معنًى دونَ معنًى، فكلُّ ما لزِمَهُ هذا الاسمُ فداخلٌ فيما أقْسَمَ بهِ جلَّ ثناؤُه. لأن سبب الاختلاف هو الاشتراك اللغوي في لفظ العصر وأقسم الله به لعظيم أهميته واشْتِمَالِهِ على الأعاجيبِ والْعِبَرِ، فالزمن هو رأس مال الإنسان .
كل يوم يمضي على غير هدى فهو خسران؛ ففي حديث أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك"يبين مدى قصر زمن الإنسان وفي حديث آخر لأبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏:‏ ‏"‏ إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِي سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ ‏"‏‏.‏ لذلك لا بد من استثمار هذا الزمن بحكمة وذكاء بحيث يحمل الانسان هم الدار الآخرة فهي الزمن الحقيقي الأبدي
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} يقولُ: إنَّ ابنَ آدمَ لفي هلكةٍ ونقصانٍ وضلال وكانَ عليٌّ رضيَ اللَّهُ عنهُ يقرأُ ذلك: إنَّ الإنسانَ لفي خسرٍ، وإنهُ فيهِ إلى آخرِ الدهرِ. , {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} قالَ: الناسُ كلُّهم).
واستثنى الله من جنس الإنسان الخاسر-لأن الإنسانَ بمعنى الجمعِ، لا بمعنى الواحدِ-.من تنطبق عليهم شروط وهي أن يؤمنوا بقلوبهم ويعملوا الصالحات بجوارحهم ويتواصىوا بالحق والصبر على كل ذلك .
فالإيمان هو التصديق لله وتوحيده والإقرار بالطاعة واجتناب النواهي فحتى يؤمن الانسان على بصيرة لا بد من تعلم العلم .
والعمل الصالح هو أن يؤدوا ما لزِمَهم من فرائضِهِ، ويجتنبوا ما نهاهُم عنهُ من معاصيهِ، والعمل الصالح لابد أن يلازمه شرطين حتى يقبله الله وهما الإخلاص والمتابعة ففي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) يتبين مدى أهمية الإخلاص كما يتبين في قوله تعالى :(وَمَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)معنى المتابعة .
وقوله تعالى {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} أن يوصي بعضُهم بعضاً بلزومِ العملِ بما أنزلَ اللَّهُ فِي كتابِهِ، من أمرِهِ، واجتنابِ ما نهَى عنهُ فيهِ.
فسَّر الحسن الحقَّ: بأنه كتابُ الله، وهذا تفسيرٌ صحيح؛ لأنَّ القرآنَ حق، فهما كالشيءِ الواحد، فعبَّر الحسن عن المسمَّى بأحدِ معانيه التي يحتمِلُها، ولو قيل: وتواصوا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو وتواصوا على طاعة الله، لصحَّ ذلك.
وقوله تعالى {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ، والصبرِ عَلَى فَرَائِضِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَقْدَارِهِ المُؤْلِمَةِ.قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : «وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». فالعصر خلاصة الزمان، والعصر يكون لاستخراج خلاصات الأشياء وبالصبر يستخرج معدن الانسان ومدى نقاءه فلابد من ترويض للنفس وعصر ها للإيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق حتى تعتاد الصبر الذي يقود إلى سائر الأخلاق ومن ثم يقودها للجنان قالَ تعالَى:﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
وبذلك نتعلم من سورة العصر أنها منهاج حياة لابد أن تتعلم أولاً، ثم تعمل بما تعلمت، ثمَّ تدعو إلى ما وفقك الله له ولا بد للصبر في جميع هذه المراحل قال العلامة ابن سعدي رحمة الله تعالى عن وصايا سورة العصر : "فبالأمرين الأولين يكمل الإنسان نفسه - أي: بالإيمان والعمل الصالح -، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره - وهما التواصي بالحق وبالتواصي بالصبر -، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار وفاز بالربح العظيم".

المراجع:
تفسير جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :(. [الدر المنثور])
تفسير جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)

الطريقة في عمل الرسالة :أسلوب التقرير العلمي والوعظي

أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.
ورسالتك جيدة وقد تناولت غالب مسائل السورة، وإن كان في بعضها ضعف من حيث استيفاء الأقوال الواردة فيها كتفسير المراد بالعصر، فإنك رجحت مباشرة دون ذكر الأقوال الوارة فيها.
ونوصي دائما بتوسيع دائرة الاطّلاع وتنويع المصادر المعتمد عليها في كتابة الرسالة، لأن الاقتصار على مصدر واحد أو مصدرين غير كاف في استيعاب جميع المسائل وجميع الأقوال الواردة فيها، وهذا هو الملحظ الرئيس على رسالتك.
ونوصيك بكثرة التدرب على كتابة الرسائل التفسيرية والاستفاضة في تناول مسائلها، ويمكنك مراجعة رسائل الأخت مضاوي وفقها الله كمثال.
التقييم:
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 20 / 17
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 /
20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 16
رابعاً: المواءمة ( مناسبة المسائل المذكورة للمخاطبين ) : 20 / 19
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 10 /9
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 10 / 9
= 90 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 25 شعبان 1436هـ/12-06-2015م, 11:50 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

- عمل بحث في مسألة تفسيرية
قوله تعالى:{ وقال قرينه هذا ما لدي عتيد }
-المعنى اللغوي لكلمة (قرين) :
قرين فَعيل بمعنى مفعول ، أي مقرون إلى غيره . وكأنَّ فعلَ قَرَنَ مشتق من القَرَن بالتحريك وهو الحبل وكانوا يقرنون البعير بمثله لوضع الهودج ، فاستعير القرين للملازم .قاله ابن عاشور
-أقوال المفسرين في معنى (قرين)،وما يقتضيه كل قول :
اختلف المفسرون في المراد بالقرين في هذه الآية على ثلاثة أقوال :
~القول الأول هو :المَلَك الموكل بالإنسان الذي يسوقه إلى المحشر أي هو السائق الشهيد ،.قاله قتادة والحسن والضحاك وابن زيد ومجاهد في أحد قوليه .
يقتضي هذا القول أن يكون القرين في قوله الآتي { قال قرينه ربنا ما أطغيته } ]بمعنى غير معنى القرين في قوله : { وقال قرينه هذا ما لدي عتيد } .ما تصمنه قول ابن عاشور و ابن كثير والطبري ،وابن عطية،والثعلبي.
~ القول الثاني: أن القرين شيطان الكافر الذي كان يزين له الكفر في الدنيا،قاله مجاهد ،وفي الحديث: «ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير»
وهذا القول يقتضي أنه نفسه الذي ورد في قوله تعالى : { وقيّضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم }، ان هذا القول لا ينافي ما حكاه سبحانه عن القرين في قوله تعالى : {وَقَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} لأن هذا نظير قول الشيطان: {وَلاَضِلَّنَّهُمْ} وقوله: {وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}وذاك نظير قوله: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ}. ما تضمنه قول ابن عاشور، والسيوطي،والألوسي .
والحديث ورد في سياق تحذير الصحابة من فتنة القرين ،ويكفيك للوقاية من شر ه ما دلنا الله تعالى عليه من الدعاء كقوله : ( وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين في الصباح والمساء مع ما صح من أذكار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قراءة آية الكرسي قبل النوم والبسملة عند عمل أي شيء والاستعاذة كلما أحسست بوسوسة من الشيطان قال تعالى : ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).

~القول الثالث : أن قرينه صاحبه من الإنس ، أي الذي كان قرينَه في الدنيا .قاله ابن زيد.كما ذكر ذلك ابن عاشور .
وقد دعا الإسلام إلى اتخاذ الأصدقاء من الصالحين، وحذر من صداقة الأشرار الذين يزينون إلى أصدقائهم فعل الشر، فيقعون في المعاصي والآثام، وتكون عاقبتهم النار يوم القيامة، فيندمون حيث لا ينفع ا‏لندم
قال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ‏، إضافة إلى أن المسلم الملتزم أومن يرجى له الخير إذا خالط الفسقة فإنه يصنف تبعاً لهم، ‏ويلحق بهم، ويحسب عليهم حتى ولو كان لا يرضى صنيعهم، إنك إن صحبت الأخيار ارتقيت بهم إلى الله، وإن صحبت الأشرار هووا بك إلىالهلاك ‏وقال الشاعر [عدي بن زيد العبادي]:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي.
وقد أوجد الله لنا في كتابه الوقاية من صحبة السوء من خلال قوله تعالى :﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ دلالة الآية أن تأخذ الصاحب الصالح من بيوت الله ؛فهو مكان التعرف على الأصحاب ،أما الطرقات والأماكن العامة فليست المكان المناسب لمصاحبة من يخاف الله.فالجليس الصالح هو من يقربك الى الله ويحببك فيه بكلامه وأفعاله .ولقد حثنا الحبيب صلى الله عليه وسلم على الصحبة الصالحة فقال :((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))فباتباع منهج القرآن والسنة نحمي أنفسنا من المهالك .

~القول الرابع :قرينه عمله قلبًا وجوارح،قاله الألوسي.

الترجيح:
-لفظ القرين: اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبه من الزبانية قرين، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين ومماشي الإنسان في طريقه قرين وكل هذه الألفاظ تحتمله هذه الآية، ذكره ابن عطية .

-عود هاء الغائب في قوله : { قرينه }:
1-تعود إلى { كل نفس } [ ق : 21 ]أو إلى الإنسان .قاله ابن عاشور.

-الأقوال في عود اسم الإشارة في قوله تعالى : { هذا ما لدي عتيد } ،مع ذكر السبب:
1-إن كان القرين الملَكَ كانت الإشارة بقوله { هذا } إلى العذاب الموكَّل به ذلك المَلكُ.وسبب قول القرين هو التحريض على الكافر والاستعجال به. فيحصل التلهف والتحسر والإشفاق للكافر ، لأنه لما رأى ما به العذاب علم أنه قد هُيّىء له.ما تضمن قول ابن عاشور وابن عطية .
2-وإن كان القرين شيطاناً أو إنساناً كانت الإشارة محتمِلة لأن تعود إلى:أ- العذاب كما في الوجه الأول .ب-أو إلى نفس الكافِر ،قاله ابن عاشور .
سبب قوله هو :أنه لما رأى ما قدم إليه قرينه علم أنه لاحِق على أثره .قاله ابن عاشور

-اختلاف معنى عتيد تبعاً لاختلاف الأقوال :
-فإذا كان ملك زبانية العذاب يكون
قوله : العذاب أنه مُعَدٌّ ومهيَّأ للكافر .قاله ابن كثير.
-اذا كان الملك كاتب سيئاته فإنه يقول مشيرًا إلى ما في صحيفته :(أي هذا مكتوب عندي عتيد مهيأ للعرض،)قاله الألوسي والثعلبي.
-اذا كان قرينه الملك الموكل بسوقه يقول مشيرًا إليه: (هذا ما لدى حاضر)قاله قتادة. وابن زيد
-وإذا كان القرين هو شيطانه أو إنساناً فيكون قوله :إشارة إلى الشخص الكافر نفسه( أي هذا ما
عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم قد هيأته لها بإغوائي وإضلالي)قاله الألوسي أو كما قال ابن زيدأنه قول القرين الشيطان أو الإنسان :( هذا الذي كنت أحبه ويحبني قد حضر)وذكره الماوردي

-الأقوال في (ما):
أحدهما: أنها بمعنى من، قاله مجاهد.
والثاني: أنها بمعنى الشيء، فتقديره: هذا شيء لديَّ عتيدٌ، قاله الزجاج وذلك كما ذكر ابن الجوزي .
~نوع الجملة في قوله تعالى {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد (23)} :
-الواو واو الحال والجملة حال من تاء الخطاب في قوله : { لقد كنت في غفلة من هذا } أيْ يوبخ عند مشاهدة العذاب بكلمة { لقد كنتَ في غفلة من هذا } ، في حال قول قرينه { هذا ما لدي عتيد } .وهذا ليس بالتفات إذ ليس هو تغيير ضمير ولكنه تعيين أسلوب الكلام وأعيد عليه ضمير الغائب المفرد باعتبار معنى { نفس }أي شخص ، أو غلب التذكير على التأنيث .
قاله ابن عاشور .

-التفسيراللغوي لقوله تعالى : {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد (23)} :
الإعراب :
(ما): نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد أوموصولة والظرف صلتها.
-اعراب (عتيد):
1-صفة لـ {ما} فيمن جعل " {ما} " في مذهب النكرة، المعنى هذا شيء لدي عتيد.
2-{عتيد} مرفوعة بإضمار، كأنك قلت: هذا شيء لديّ هو عتيد ويجوز أن ترفعه على أنه خبر بعد خبر، كما تقول هذا حلو حامض، فيكون المعنى هذا شيء لديّ عتيد.
3-ويجوز أن يكون رفعه على البدل من " {ما} "، فيكون المعنى هذا عتيد)،فقيل عليه إنه ضعيف لما يلزم الأول من حذف البدل وقد أباه النحاة، ،ما تضمن قول الزجاج ،والألوسي.

-القراءات :قرأ عبد الله {عتيدًا} بالنصب على الحال.قاله الألوسي.
المراجع:
1. تفسير ابن جرير الطبري.
2. تفسير ابن أبي حاتم.
3. تفسير الزجاج
4. تفسير الثعلبي.
5. تفسير الماوردي.
6. تفسير ابن عطية.
7. زاد المسير لابن الجوزي
8. تفسير ابن كثير.
9. الدر المنثور للسيوطي.
10. روح المعاني للألوسي.
11. التحرير والتنوير لابن عاشور.
بالإضافة إلى مواقع في النت
.


جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 29 شعبان 1436هـ/16-06-2015م, 06:59 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

الواجب:
- استخلص المسائل التي تناولها الشيخ في محاضرته، واذكر خلاصة القول في كلّ مسألة.

-الفرق بين الإنشاء والخبر:
الإنشاء: لا يستطيع إنسان أن ينكر على آخر ما أنشأه من كلام؛ لأنه لا يحتاج إلى مبدأ التثبت؛يدخل فيه الكلام العادي والمواعظ والآراء والتوجيهات لا يحتاج الى دليل لأنه من إنشاء الشخص فهو لا يفتقر إلى علوم الآلة التي وضعت لقبول الأخبار وردها.والإنشاء يخضع للرد أو القبول وذلك حينما يكون معبرًا عن رأي مرفوض أو رأي عليه تحفظ إما من منطلق عقدي أو منطلق أصولي أو غير ذلك .
-ضوابط قبول الإنشاء في كتب التفسير :
1- أن يكون موافقا للغة العرب.
مثال:ما روي عن الحسن البصري وغيره قول الله جل وعلا: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} ذهب بعضهم إلى أن الصر هنا هو البْرد أو البَرد أو أنه الصوت أو الحركة أو أنه النار؛ ريح فيها نار أو نحو ذلك، فهذا كله من باب الإنشاء وليس من باب الخبر
-الخبر: هو الذي يحتاج إلى ما يضبطه؛ لنعلم هل هو صحيح أو غير صحيح، هل هو مقبول أو مردود، هل هو صدق أو كذب؛ .
-ضوابط قبول الخبر:
علوم الحديث التي وضعها المحدثون وضعوها لتكون ضوابط لقبول الأخبار وردها، ومن القضايا التي تهم في هذا قضية الإسناد الذي هو خصيصة من خصائص هذه الأمة المحمدية؛

-القواعد التي وضعها المفسرون لتفسير القرآن:
1- تفسير القرآن بالقرآن: مثلما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم بالشرك.أهمها ولكنه في آيات محدودة .
2- تفسير القرآن بالسنة.
3-تفسير القرآن بأقوال الصحابة،
4- تفسير القرآن بأقوال التابعين،
5-تفسير القرآن بلغة العرب.
نجد تفسير القرآن بالسنة في كتب التفسير التي وضعها الأئمة والتي تروي بالإسناد مثل: تفسير عبد الرزاق، أو تفسير سفيان الثوري، أو تفسير ابن جرير الطبري، أو تفسير ابن المنذر، أو تفسير سعيد بن منصور، أوتفسير ابن أبي حاتم، أو غير ذلك من كتب التفاسير المسندة.
أيضاً نجده في كتب الأحاديث حينما تفرد كتابًا بأكمله للتفسير؛ فصحيح البخاري فيه كتاب بأكمله للتفسير، كذلك في صحيح مسلم، كذلك في جامع الترمذي، كذلك في السنن الكبرى للنسائي .وهذا يدل على أهمية تطبيق قواعد المحدثين على مرويات التفسير لقبولها أو ردها .ومما يدل على هذا ما نجده في كتب العلل من جعل مرويات التفسير أسوة لبقية الأحاديث التي تروى في جميع أبواب الدين .
-مثال:حديثٍ رواه يوسف ابن موسى قال حدثنا عبيد الله ابن موسى قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فأذن له فانطلق في يومٍ مطير فإذا هو بامرأة يعني بتلك المرأة على غدير ماءٍ تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هدبة، فذكر ذلك، فقال النبي: "أربع ركعاتٍ" يعني صلي أريع ركعات فأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *} لما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، قال أبوه هذا خطأ. وللعلماء كلامًا في هذا الحديث يصل إلى حد التكذيب فالإمام أحمد رحمه الله كما في كتاب العلل بن عبد الله يقول: "ما أرى هذا إلا كذابًا أو كذبًا" ، وأنكره جداً

- ما يمكن التساهل فيه في تطبيق قواعد المحدثين على مرويات التفسير :
1- ما يندرس تحت لغة العرب فهذا أمره واثق ونحن نعرف أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فلا يمكن إطلاقًا أنني حينما أقول: {الحمد لله رب العالمين} أنني سأحتاج إلى ما يفسر لي معنى هذه النقطة، لا، أنا عربي وفاهم وأدرك معنى هذه النقطة،
2-مالا يحتاج إلى تدخل مما فسر بآية أخرى أو من خلال حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو بتفسيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بحكم أنهم من أنصف بالوحي، أو لو تنزلنا قلنا عن طريق بعض التابعين الذين لازموا الصحابة، وبعضهم قد يكون عرف القرآن أو عرض تفسير القرآن على بعض الصحابة مثل: مجاهد حينما عرض القرآن على ابن عباس ونحو ذلك..

-ضوابط التدبر:
التدبر من الأمور التي دعا إليها كتاب الله جل وعلا {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إجتهاداً كثيراً}ولا بد له من ضوابط منها:
1-أن لا يكون بغير علم، أو إلى الإتيان بأقوال شنيعة مستبشعة ليس هناك ما يدل على أصلها، وليس لها أصل ثابت مثل والله أن يأتينا ويفسر مثلاً البقرة بأنها عائشة {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} – إن الله يأمركم أن تذبحوا عائشة – حكم هذا الاستتاب وإلا تطبيق الحد الشرعي .
2-ممكن أن يكون التدبر فيما تتعلق بأبواب الإعتقاد، من أسماء الله وصفاته، أو في غير ذلك من أبواب الإعتقاد، فهي وإن كانت وردت في كتب التفسير فلابد أن نطبق عليها قواعد المحدثين

-الضوابط الشرعية في قبول الإسرائيليات:
1-ما كان عليه دليل من الشرع نصدقه .
2-مالم يكن عليه دليل من الشرع فلا نصدقه ولا نكذبه .يجوز الحديث عنه ولكنه لا يضر ولا ينفع ولكنه مزيد علم تتشوف له النفوس مثل عدد أصحاب الكهف ولون كلبهم.وما كان يحدث به عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، من كتب أهل الكتاب وكان يقرأ من هذه الكتب ويحدث بها، بناءًعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد"
و رجح الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى على أن الكثير مما فسر من الآيات بالإسرائيليات من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص مثل تفسير قول الله جل وعلا: {ببابل هاروت وماروت} وهو ليس أحاديث مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم،
3-مادل الشرع على عدم صحته نكذبه ولا نصدقه .مثل إساءتهم وسوء أدبهم في أقوالهم عن الرسل .

-تعريف التحسين قبل عصر ابن الصلاح:
يطلق في كثير من الأحيان على بعض الأحاديث التي فيها ضعف، ولكن هذا الضَعف يمكن أن يُتسامح فيه.
-أصحاب هذا اللفظ:
عروة بن الزبير وهو من التابعين، و كشعبة وهو من أتباع التابعين وعبد الله بن المبارك، وكيع بن الجراح، والإمام الشافعي. والإمام أحمد، وعلي بن المَديني، وأبي حاتم الرازي، والبخاري،والترمذي رحمه الله تعالى، مِن أكثر من أشاع ذلك وأشهره، وأكثر من ذِكْرِه،

-أسباب ضعف الحديث:
1-بسبب سقط في الإسناد،
2-بسبب طَعْن في الراوي،
هذا الطعن إما أن يكون :
أ-إما في عدالته، ب-وإما في حفظه،
ج-وإما في صفة روايته،

مثال يبين الفرق بين الطعن في صفة الراوي والسقط في الإسناد ::رواية عبيد الله بن موسى- وهو العبسي-، عن سفيان بن عيينة، وصفها الإمام أحمد بأنها كذب، فليس معنى هذا أن عبيد الله بن موسى يمكن أن يكذب، عبيد الله بن موسى عدْل في نفسه، وهو موثوق أيضا بالحفظ، ولكن تُكلم في حفظه، في بعض رواياته، وهذا لا يمكن إطلاقا أن يكون عن عمد من عبيد الله بن موسى، ولكن يمكن أن يكون بأحد سببين: إما على سبيل الوهم الذي لا يسلم منه بشر، - وهذا الذي أُنشئ لأجله علم العلل؛وإما أن يكون عبيد الله بن موسى أَسْقَط من الإسناد؛ يعني دلّس

-سبب وجود علم العلل:
علم نشأ لبيان أوهام الثقات .

-سبب ردّ بعض المحدثين للإسناد:
1- أن الراوي حتى لو لم يكن موصوفا بالتدليس، ليس معنى ذلك أنه لا يَصْنع هذا، قد يكون يصنعه أحيانا ولكن لم يُتفطن له،
2-تحميل العلّة على الإسناد المعنعن إذا لم يجدوا موطنا للعلة في باقي الإسناد إلا ذلك الموضع؛ فإنه يمكن أن يُعلّه أيضا بالعنعنة، ولو كانت صادرة من غير مدلّس، وبعضهم يُصرّح يقول: لعله سمعه من غيره. خاصة إذا كان ذلك الخبر مما للراوي فيه هوى؛ مثل أن تكون تلك الرواية يُمكن أن توافق هوى إنسان موصوف بالتشيع؛ ...
ثم دلّس فيها؛ لأجل أنها توافق هواه؛ فإن هذا الذي جعل بعض علماء الحديث لا يقبلون رواية المبتدع؛ إذا روى ما يؤيد بدعته،

-قاعدة في التحديث:
التشديد في مرويات الحلال والحرام والتساهل في مرويات الفضائل. قالها سفيان الثوري، عبد الله بن المبارك، والإمام أحمد وعبد الرحمن بن المهدي وغيرهم.
مثاله:اذا كان حديث يدل على فضل صلاة الجماعة فإنهم يتسمحون في ذلك, ويعدون هذا من باب الترغيب والترهيب،

- من تسامح المحدثين في قبول مروياتهم:
(الضحاك عن ابن عباس) وهي منقطعة،ومن قبول رواية (جويبر بن سعيد عن الضحاك)؛ سواء عن (الضحاك) من قوله، أو من رواية (الضحاك عن ابن عباس)،
سبب هذا التسامح:
لأنّها عبارة عن بيان لمعاني الآيات، ولا تتضمن أحكاما؛ ولكن لو أنّ رواية (جويبر بن سعيد) تضمنت حكماً شرعياً؛ يحتاج إلى دعامة، يحتاج إلى ما يقويه، يحتاج إلى ما يستند عليه من أصل ثابت؛ فإنه لا بد من تطبيق قواعد المحدثين في هذه الحالة،

-عدم اشتراط أن يكون المفسر محدّث وإنما هو يحتاج بعض الأمور التي للتعامل مع كتاب الله جل وعلا وهي :
أولا: أن يعمد إلى ما وجده من روايات فينظر في أحكام الأئمة ،فيبحث عنها في كتاب العلل لابن أبي حاتم)، أو (كتاب العلل للترمذي) أو يأتي لـ(كتاب العلل للدارقطني) أو غير ذلك من كتب العلل_ فيجد فيها بعض المرويات التي أعلها هؤلاء الأئمة؛
-التعامل مع ما وجده من الرواية المعلولة والصحيحة:
فإذا وجد هذه الرواية مما أعله بعض الأئمة فيقول: هذا الحديث أعله الإمام الفلاني ويتنبه لهذا ولا يستشهد به، ولا يستدل به؛ بل ينبه عليه، والعكس كذلك، لو وجد هذه الرواية من الروايات التي صححها بعض الأئمة، سواء كانت موجودة في بعض الكتب التي اشترطت الصحة مثل صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، أو وجدناها -مثلا- في (كتاب الترمذي), وحكم عليها الترمذي بالصحة ولم يُخالف من إمام آخر، أو وجدناها -مثلا- في (مستدرك أبي عبد الله الحاكم) وصححها الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي،
-في حالة وجد حكم الرواية في مستدرك (أبي عبد الله الحاكم ) ينبغي ما يلي
لا بد من النظر في أسانيد (أبي عبد الله الحاكم) ولا يكتفى بحكمه، وليس شرطا أن يكون الذهبي قد تعقبه في كل شيء؛ لأن (الذهبي) -رحمه الله- ألف كتابه هذا الذي هوالتلخيص في بداية عمره وكان متعجلاً في كتابته، فترك (الذهبي) أشياء كثيرة لم يتعقب الحاكم فيها، وهي متعَقَبة في حقيقة الأمر؛
فينبغي في الحقيقة أنه إذا نظر في كتاب التفسير في (مستدرك أبي عبد الله الحاكم) ينبغي أن يبذل جُهدا آخر، يحاول أن ينظر هل هناك من تكلم على هذه الرواية تصحيحاً، أو تضعيفا من أئمة آخرين؛ خاصة من الأئمة الذين يمكن أن تشد اليد بأحكامهم؛ يعني: لا يعتمد على الأئمة الذين عرفوا بالتساهل، أو لهم منهج في التصحيح واسع مثل: (ابن حبان -مثلا-)، وهلم جرا، فضلا عن (أبي عبد الله الحاكم)؛ بل ينبغي أن يعمد إلى أئمة أشد تطبيقاً لقواعد المحدثين من هؤلاء الأئمة.
-في حالة لم يجد حكم الرواية:
فإن لم يجد فإنه على الأقل يمكن أن يأخذ من علوم الحديث بالمقدار الذي يعينه إلى حد ما؛ مثل: أن ينظر في الإسناد، هل فيه أحد ضُعِّف -وربما خُدم-، مثل ما نجده في (تقريب التهذيب) من أحكام الحافظ ابن حجر على أولئك الرجال. وأن يستعين بمن يمكن أن يخدمه في هذا من طلبة العلم المعروفين بالقدرة على الحكم على الأحاديث
‫من جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 16 رمضان 1436هـ/2-07-2015م, 11:10 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
الواجب:
- استخلص المسائل التي تناولها الشيخ في محاضرته، واذكر خلاصة القول في كلّ مسألة.

-الفرق بين الإنشاء والخبر من حيث الخضوع لمبدأ التثبت:
الإنشاء: لا يستطيع إنسان أن ينكر على آخر ما أنشأه من كلام؛ لأنه لا يحتاج إلى مبدأ التثبت؛يدخل فيه الكلام العادي والمواعظ والآراء والتوجيهات لا يحتاج الى دليل لأنه من إنشاء الشخص فهو لا يفتقر إلى علوم الآلة التي وضعت لقبول الأخبار وردها.والإنشاء يخضع للرد أو القبول وذلك حينما يكون معبرًا عن رأي مرفوض أو رأي عليه تحفظ إما من منطلق عقدي أو منطلق أصولي أو غير ذلك .
-ضوابط قبول الإنشاء في كتب التفسير :
1- أن يكون موافقا للغة العرب.
مثال:ما روي عن الحسن البصري وغيره قول الله جل وعلا: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} ذهب بعضهم إلى أن الصر هنا هو البْرد أو البَرد أو أنه الصوت أو الحركة أو أنه النار؛ ريح فيها نار أو نحو ذلك، فهذا كله من باب الإنشاء وليس من باب الخبر
-الخبر: هو الذي يحتاج إلى ما يضبطه؛ لنعلم هل هو صحيح أو غير صحيح، هل هو مقبول أو مردود، هل هو صدق أو كذب؛ .
-ضوابط قبول الخبر:
علوم الحديث التي وضعها المحدثون وضعوها لتكون ضوابط لقبول الأخبار وردها، ومن القضايا التي تهم في هذا قضية الإسناد الذي هو خصيصة من خصائص هذه الأمة المحمدية؛

-القواعد التي وضعها المفسرون لتفسير القرآن:
1- تفسير القرآن بالقرآن: مثلما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم بالشرك.أهمها ولكنه في آيات محدودة .
2- تفسير القرآن بالسنة.
3-تفسير القرآن بأقوال الصحابة،
4- تفسير القرآن بأقوال التابعين،
5-تفسير القرآن بلغة العرب.
نجد تفسير القرآن بالسنة في كتب التفسير التي وضعها الأئمة والتي تروي بالإسناد مثل: تفسير عبد الرزاق، أو تفسير سفيان الثوري، أو تفسير ابن جرير الطبري، أو تفسير ابن المنذر، أو تفسير سعيد بن منصور، أوتفسير ابن أبي حاتم، أو غير ذلك من كتب التفاسير المسندة.
أيضاً نجده في كتب الأحاديث حينما تفرد كتابًا بأكمله للتفسير؛ فصحيح البخاري فيه كتاب بأكمله للتفسير، كذلك في صحيح مسلم، كذلك في جامع الترمذي، كذلك في السنن الكبرى للنسائي .وهذا يدل على أهمية تطبيق قواعد المحدثين على مرويات التفسير لقبولها أو ردها .ومما يدل على هذا ما نجده في كتب العلل من جعل مرويات التفسير أسوة لبقية الأحاديث التي تروى في جميع أبواب الدين .
-مثال:حديثٍ رواه يوسف ابن موسى قال حدثنا عبيد الله ابن موسى قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فأذن له فانطلق في يومٍ مطير فإذا هو بامرأة يعني بتلك المرأة على غدير ماءٍ تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هدبة، فذكر ذلك، فقال النبي: "أربع ركعاتٍ" يعني صلي أريع ركعات فأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *} لما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، قال أبوه هذا خطأ. وللعلماء كلامًا في هذا الحديث يصل إلى حد التكذيب فالإمام أحمد رحمه الله كما في كتاب العلل بن عبد الله يقول: "ما أرى هذا إلا كذابًا أو كذبًا" ، وأنكره جداً

- ما يمكن التساهل فيه في تطبيق قواعد المحدثين على مرويات التفسير :
1- ما يندرس (يندرج) تحت لغة العرب فهذا أمره واثق ونحن نعرف أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فلا يمكن إطلاقًا أنني حينما أقول: {الحمد لله رب العالمين} أنني سأحتاج إلى ما يفسر لي معنى هذه النقطة، لا، أنا عربي وفاهم وأدرك معنى هذه النقطة،
2-مالا يحتاج إلى تدخل مما فسر بآية أخرى أو من خلال حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو بتفسيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بحكم أنهم من أنصف بالوحي، أو لو تنزلنا قلنا عن طريق بعض التابعين الذين لازموا الصحابة، وبعضهم قد يكون عرف القرآن أو عرض تفسير القرآن على بعض الصحابة مثل: مجاهد حينما عرض القرآن على ابن عباس ونحو ذلك..

-ضوابط التدبر:
التدبر من الأمور التي دعا إليها كتاب الله جل وعلا {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إجتهاداً كثيراً}ولا بد له من ضوابط منها:
1-أن لا يكون بغير علم، أو إلى الإتيان بأقوال شنيعة مستبشعة ليس هناك ما يدل على أصلها، وليس لها أصل ثابت مثل والله أن يأتينا ويفسر مثلاً البقرة بأنها عائشة {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} – إن الله يأمركم أن تذبحوا عائشة – حكم هذا الاستتاب وإلا تطبيق الحد الشرعي .
2-ممكن أن يكون التدبر فيما تتعلق بأبواب الإعتقاد، من أسماء الله وصفاته، أو في غير ذلك من أبواب الإعتقاد، فهي وإن كانت وردت في كتب التفسير فلابد أن نطبق عليها قواعد المحدثين (عبارتك هذه غير واضحة، ما معنى أن نطبق على التدبر قواعد المحدثين؟)

-الضوابط الشرعية في قبول الإسرائيليات:
1-ما كان عليه دليل من الشرع نصدقه .
2-مالم يكن عليه دليل من الشرع فلا نصدقه ولا نكذبه .يجوز الحديث عنه ولكنه لا يضر ولا ينفع ولكنه مزيد علم تتشوف له النفوس مثل عدد أصحاب الكهف ولون كلبهم.وما كان يحدث به عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، من كتب أهل الكتاب وكان يقرأ من هذه الكتب ويحدث بها، بناءًعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد"
و رجح الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى على أن الكثير مما فسر من الآيات بالإسرائيليات من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص مثل تفسير قول الله جل وعلا: {ببابل هاروت وماروت} وهو ليس أحاديث مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم،
3-مادل الشرع على عدم صحته نكذبه ولا نصدقه .مثل إساءتهم وسوء أدبهم في أقوالهم عن الرسل .

-تعريف التحسين قبل عصر ابن الصلاح:
يطلق في كثير من الأحيان على بعض الأحاديث التي فيها ضعف، ولكن هذا الضَعف يمكن أن يُتسامح فيه.
-أصحاب هذا اللفظ:
عروة بن الزبير وهو من التابعين، و كشعبة وهو من أتباع التابعين وعبد الله بن المبارك، وكيع بن الجراح، والإمام الشافعي. والإمام أحمد، وعلي بن المَديني، وأبي حاتم الرازي، والبخاري،والترمذي رحمه الله تعالى، مِن أكثر من أشاع ذلك وأشهره، وأكثر من ذِكْرِه،

-أسباب ضعف الحديث:
1-بسبب سقط في الإسناد،
2-بسبب طَعْن في الراوي،
هذا الطعن إما أن يكون :
أ-إما في عدالته، ب-وإما في حفظه،
ج-وإما في صفة روايته،

مثال يبين الفرق بين الطعن في صفة الراوي والسقط في الإسناد ::رواية عبيد الله بن موسى- وهو العبسي-، عن سفيان بن عيينة، وصفها الإمام أحمد بأنها كذب، فليس معنى هذا أن عبيد الله بن موسى يمكن أن يكذب، عبيد الله بن موسى عدْل في نفسه، وهو موثوق أيضا بالحفظ، ولكن تُكلم في حفظه، في بعض رواياته، وهذا لا يمكن إطلاقا أن يكون عن عمد من عبيد الله بن موسى، ولكن يمكن أن يكون بأحد سببين: إما على سبيل الوهم الذي لا يسلم منه بشر، - وهذا الذي أُنشئ لأجله علم العلل؛وإما أن يكون عبيد الله بن موسى أَسْقَط من الإسناد؛ يعني دلّس

-سبب وجود علم العلل:
علم نشأ لبيان أوهام الثقات .

-سبب ردّ بعض المحدثين للإسناد:
1- أن الراوي حتى لو لم يكن موصوفا بالتدليس، ليس معنى ذلك أنه لا يَصْنع هذا، قد يكون يصنعه أحيانا ولكن لم يُتفطن له،
2-تحميل العلّة على الإسناد المعنعن إذا لم يجدوا موطنا للعلة في باقي الإسناد إلا ذلك الموضع؛ فإنه يمكن أن يُعلّه أيضا بالعنعنة، ولو كانت صادرة من غير مدلّس، وبعضهم يُصرّح يقول: لعله سمعه من غيره. خاصة إذا كان ذلك الخبر مما للراوي فيه هوى؛ مثل أن تكون تلك الرواية يُمكن أن توافق هوى إنسان موصوف بالتشيع؛ ...
ثم دلّس فيها؛ لأجل أنها توافق هواه؛ فإن هذا الذي جعل بعض علماء الحديث لا يقبلون رواية المبتدع؛ إذا روى ما يؤيد بدعته،

-قاعدة في التحديث:
التشديد في مرويات الحلال والحرام والتساهل في مرويات الفضائل. قالها سفيان الثوري، عبد الله بن المبارك، والإمام أحمد وعبد الرحمن بن المهدي وغيرهم.
مثاله:اذا كان حديث يدل على فضل صلاة الجماعة فإنهم يتسمحون في ذلك, ويعدون هذا من باب الترغيب والترهيب،

- من تسامح المحدثين في قبول مروياتهم:
(الضحاك عن ابن عباس) وهي منقطعة،ومن قبول رواية (جويبر بن سعيد عن الضحاك)؛ سواء عن (الضحاك) من قوله، أو من رواية (الضحاك عن ابن عباس)،
سبب هذا التسامح:
لأنّها عبارة عن بيان لمعاني الآيات، ولا تتضمن أحكاما؛ ولكن لو أنّ رواية (جويبر بن سعيد) تضمنت حكماً شرعياً؛ يحتاج إلى دعامة، يحتاج إلى ما يقويه، يحتاج إلى ما يستند عليه من أصل ثابت؛ فإنه لا بد من تطبيق قواعد المحدثين في هذه الحالة،

-عدم اشتراط أن يكون المفسر محدّث وإنما هو يحتاج بعض الأمور التي للتعامل مع كتاب الله جل وعلا وهي :
أولا: أن يعمد إلى ما وجده من روايات فينظر في أحكام الأئمة ،فيبحث عنها في كتاب العلل لابن أبي حاتم)، أو (كتاب العلل للترمذي) أو يأتي لـ(كتاب العلل للدارقطني) أو غير ذلك من كتب العلل_ فيجد فيها بعض المرويات التي أعلها هؤلاء الأئمة؛
-التعامل مع ما وجده من الرواية المعلولة والصحيحة:
فإذا وجد هذه الرواية مما أعله بعض الأئمة فيقول: هذا الحديث أعله الإمام الفلاني ويتنبه لهذا ولا يستشهد به، ولا يستدل به؛ بل ينبه عليه، والعكس كذلك، لو وجد هذه الرواية من الروايات التي صححها بعض الأئمة، سواء كانت موجودة في بعض الكتب التي اشترطت الصحة مثل صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، أو وجدناها -مثلا- في (كتاب الترمذي), وحكم عليها الترمذي بالصحة ولم يُخالف من إمام آخر، أو وجدناها -مثلا- في (مستدرك أبي عبد الله الحاكم) وصححها الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي،
-في حالة وجد حكم الرواية في مستدرك (أبي عبد الله الحاكم ) ينبغي ما يلي
لا بد من النظر في أسانيد (أبي عبد الله الحاكم) ولا يكتفى بحكمه، وليس شرطا أن يكون الذهبي قد تعقبه في كل شيء؛ لأن (الذهبي) -رحمه الله- ألف كتابه هذا الذي هوالتلخيص في بداية عمره وكان متعجلاً في كتابته، فترك (الذهبي) أشياء كثيرة لم يتعقب الحاكم فيها، وهي متعَقَبة في حقيقة الأمر؛
فينبغي في الحقيقة أنه إذا نظر في كتاب التفسير في (مستدرك أبي عبد الله الحاكم) ينبغي أن يبذل جُهدا آخر، يحاول أن ينظر هل هناك من تكلم على هذه الرواية تصحيحاً، أو تضعيفا من أئمة آخرين؛ خاصة من الأئمة الذين يمكن أن تشد اليد بأحكامهم؛ يعني: لا يعتمد على الأئمة الذين عرفوا بالتساهل، أو لهم منهج في التصحيح واسع مثل: (ابن حبان -مثلا-)، وهلم جرا، فضلا عن (أبي عبد الله الحاكم)؛ بل ينبغي أن يعمد إلى أئمة أشد تطبيقاً لقواعد المحدثين من هؤلاء الأئمة.
-في حالة لم يجد حكم الرواية:
فإن لم يجد فإنه على الأقل يمكن أن يأخذ من علوم الحديث بالمقدار الذي يعينه إلى حد ما؛ مثل: أن ينظر في الإسناد، هل فيه أحد ضُعِّف -وربما خُدم-، مثل ما نجده في (تقريب التهذيب) من أحكام الحافظ ابن حجر على أولئك الرجال. وأن يستعين بمن يمكن أن يخدمه في هذا من طلبة العلم المعروفين بالقدرة على الحكم على الأحاديث
‫من جهاز الـ iphone الخاص بي‬
أحسنت بارك الله فيك.
يلاحظ عدم تناولك للمسائل الواردة في الأسئلة على المحاضرة وهي مهمة، ويمكنك تحسن الدرجة بإضافتها.

التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 23/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 19/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 17/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 14/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 88/100
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 15 شوال 1436هـ/31-07-2015م, 03:56 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
- عمل بحث في مسألة تفسيرية
قوله تعالى:{ وقال قرينه هذا ما لدي عتيد }
يجب أن أقدم للرسالة بمقدمة يسيرة أعرف فيها بموضوعها وأين وردت الآية موضوع البحث وكم رقمها ونحو ذلك مما يحسن التقديم به.
وموضوع بحثك جدير بالكلام عن سياق الآيات الذي وردت فيه هذه الآية موضوع البحث حيث تكرر لفظ القرين وكان لهذا التكرار أثر في الأقوال التي وردت في تفسيرها كما أنها تتصل اتصالا وثيقا بالآيات قبلها كما أشرتِ أنه يراد به السائق والشهيد الذي وردت في الآية قبلها.
-المعنى اللغوي لكلمة (قرين) :
قرين فَعيل بمعنى مفعول ، أي مقرون إلى غيره . وكأنَّ فعلَ قَرَنَ مشتق من القَرَن بالتحريك وهو الحبل وكانوا يقرنون البعير بمثله لوضع الهودج ، فاستعير القرين للملازم .قاله ابن عاشور (وماذا قال بقية المفسّرين؟ في معنى الكلمة لغة؟ إذا كان كلامهم موافقا لكلام ابن عاشور فنعمت ويشار إلى ذلك في الإسناد، وإن كانت هناك زيادات فيحسن بك إضافتها للفائدة)
-أقوال المفسرين في معنى (قرين)،وما يقتضيه كل قول :
اختلف المفسرون في المراد بالقرين في هذه الآية على ثلاثة أقوال :
~القول الأول هو :المَلَك الموكل بالإنسان الذي يسوقه إلى المحشر أي هو السائق الشهيد (أشيري إلى موضعها في السورة)،.قاله قتادة والحسن والضحاك وابن زيد ومجاهد في أحد قوليه (يراعى تقديم كبار التابعين على صغارهم، كذلك لم تشيري إلى من نقل عنهم ذلك من المفسّرين).
يقتضي هذا القول أن يكون القرين في قوله الآتي { قال قرينه ربنا ما أطغيته }(لماذا؟ وضحي معنى القرين في هذه الآية أولا ليظهر التغاير بينهما) ]بمعنى غير معنى القرين في قوله : { وقال قرينه هذا ما لدي عتيد } .ما تصمنه قول ابن عاشور و ابن كثير والطبري ،وابن عطية،والثعلبي.(يراعى ترتيب أسماء المفسّرين على تاريخ الوفيات)
بالنسبة للقول السابق هل استدل له أهل العلم بأدلة ما؟
~ القول الثاني: أن القرين شيطان الكافر الذي كان يزين له الكفر في الدنيا،قاله مجاهد (من نقله عن مجاهد؟) ،وفي الحديث: «ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير»
وهذا القول يقتضي أنه نفسه الذي ورد في قوله تعالى : { وقيّضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم }، ان هذا القول لا ينافي ما حكاه سبحانه عن القرين في قوله تعالى : {وَ(الواو ليست من الآية) {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} لأن هذا نظير قول الشيطان: {وَلاَضِلَّنَّهُمْ} وقوله: {وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}وذاك نظير قوله: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ}. ما تضمنه قول ابن عاشور، والسيوطي،والألوسي (يراعى ترتيب أسماء المفسّرين).
والحديث ورد في سياق تحذير الصحابة من فتنة القرين ،ويكفيك للوقاية من شر ه ما دلنا الله تعالى عليه من الدعاء كقوله : ( وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين في الصباح والمساء مع ما صح من أذكار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قراءة آية الكرسي قبل النوم والبسملة عند عمل أي شيء والاستعاذة كلما أحسست بوسوسة من الشيطان قال تعالى : ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).

~القول الثالث : أن قرينه صاحبه من الإنس ، أي الذي كان قرينَه في الدنيا .قاله ابن زيد.كما ذكر ذلك ابن عاشور . (هل استدل المفسّرون لهذا القول بأية أدلّة؟)
وقد دعا الإسلام إلى اتخاذ الأصدقاء من الصالحين، وحذر من صداقة الأشرار الذين يزينون إلى أصدقائهم فعل الشر، فيقعون في المعاصي والآثام، وتكون عاقبتهم النار يوم القيامة، فيندمون حيث لا ينفع ا‏لندم
قال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ‏، إضافة إلى أن المسلم الملتزم أومن يرجى له الخير إذا خالط الفسقة فإنه يصنف تبعاً لهم، ‏ويلحق بهم، ويحسب عليهم حتى ولو كان لا يرضى صنيعهم، إنك إن صحبت الأخيار ارتقيت بهم إلى الله، وإن صحبت الأشرار هووا بك إلىالهلاك ‏وقال الشاعر [عدي بن زيد العبادي]:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي.
وقد أوجد الله لنا في كتابه الوقاية من صحبة السوء من خلال قوله تعالى :﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ دلالة الآية أن تأخذ الصاحب الصالح من بيوت الله ؛فهو مكان التعرف على الأصحاب ،أما الطرقات والأماكن العامة فليست المكان المناسب لمصاحبة من يخاف الله.فالجليس الصالح هو من يقربك الى الله ويحببك فيه بكلامه وأفعاله .ولقد حثنا الحبيب صلى الله عليه وسلم على الصحبة الصالحة فقال :((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))فباتباع منهج القرآن والسنة نحمي أنفسنا من المهالك .

~القول الرابع :قرينه عمله قلبًا وجوارح،قاله الألوسي. (لم تذكري تعقيب الألوسي على هذا القول بالضعف، وتجب العناية جيدا بناقشة المفسّرين للأقوال وذكر أية تعقيبات لهم في المسألة)

الترجيح:
-لفظ القرين: اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبه من الزبانية قرين، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين ومماشي الإنسان في طريقه قرين وكل هذه الألفاظ تحتمله هذه الآية، ذكره ابن عطية .
(فقرة الترجيح تحتاج إلى جهد أفضل من ذلك، فلا نكتفي بترجيح مفسّر واحد فقط، إلا إذا لم يرجح في هذه المسألة غيره وهو شيء مستبعد،
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
فيرجع لتفاسير ابن جرير وابن عطية وابن كثير وابن عاشور ومحمد الأمين للشنقيطي، وما جمع من تفاسير شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إذا وجد فيها شيئ يتعلق بمسألة البحث)

-عود (مرجع) هاء الغائب في قوله : { قرينه }: هذه المسألة تحتاج لأن تقدم على المسألة الأصل لأن لها أثرا في تفسيرها.
1-تعود إلى { كل نفس } [ ق : 21 ]أو إلى الإنسان .قاله ابن عاشور.

-الأقوال في عود اسم الإشارة في قوله تعالى : { هذا ما لدي عتيد } ،مع ذكر السبب:
1-إن كان القرين الملَكَ كانت الإشارة بقوله { هذا } إلى العذاب الموكَّل به ذلك المَلكُ.وسبب قول القرين هو التحريض على الكافر والاستعجال به. فيحصل التلهف والتحسر والإشفاق للكافر ، لأنه لما رأى ما به العذاب علم أنه قد هُيّىء له.ما تضمن قول ابن عاشور وابن عطية (ترتب الأسماء).
2-وإن كان القرين شيطاناً أو إنساناً كانت الإشارة محتمِلة لأن تعود إلى:أ- العذاب كما في الوجه الأول .ب-أو إلى نفس الكافِر ،قاله ابن عاشور .
سبب قوله هو :أنه لما رأى ما قدم إليه قرينه علم أنه لاحِق على أثره .قاله ابن عاشور

-اختلاف معنى عتيد تبعاً لاختلاف الأقوال :
-فإذا كان ملك زبانية العذاب يكون
قوله : العذاب أنه مُعَدٌّ ومهيَّأ للكافر .قاله ابن كثير.
-اذا كان الملك كاتب سيئاته فإنه يقول مشيرًا إلى ما في صحيفته :(أي هذا مكتوب عندي عتيد مهيأ للعرض،)قاله الألوسي والثعلبي.
-اذا كان قرينه الملك الموكل بسوقه يقول مشيرًا إليه: (هذا ما لدى حاضر)قاله قتادة. وابن زيد
-وإذا كان القرين هو شيطانه أو إنساناً فيكون قوله :إشارة إلى الشخص الكافر نفسه( أي هذا ما
عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم قد هيأته لها بإغوائي وإضلالي)قاله الألوسي أو كما قال ابن زيدأنه قول القرين الشيطان أو الإنسان :( هذا الذي كنت أحبه ويحبني قد حضر)وذكره الماوردي

-الأقوال في (ما):
أحدهما: أنها بمعنى من، قاله مجاهد.
والثاني: أنها بمعنى الشيء، فتقديره: هذا شيء لديَّ عتيدٌ، قاله الزجاج وذلك كما ذكر ابن الجوزي .
~نوع الجملة في قوله تعالى {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد (23)} :
-الواو واو الحال والجملة حال من تاء الخطاب في قوله : { لقد كنت في غفلة من هذا } أيْ يوبخ عند مشاهدة العذاب بكلمة { لقد كنتَ في غفلة من هذا } ، في حال قول قرينه { هذا ما لدي عتيد } .وهذا ليس بالتفات إذ ليس هو تغيير ضمير ولكنه تعيين أسلوب الكلام وأعيد عليه ضمير الغائب المفرد باعتبار معنى { نفس }أي شخص ، أو غلب التذكير على التأنيث .
قاله ابن عاشور .

-التفسيراللغوي لقوله تعالى : {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد (23)} : (هذا ليس تفسيرا لغويا وإنما إعراب، وقد لا نحتاج إليه في مسألة البحث إلا أذا أثّر اختلاف الإعراب في المعنى)
الإعراب :
(ما): نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد أوموصولة والظرف صلتها.
-اعراب (عتيد):
1-صفة لـ {ما} فيمن جعل " {ما} " في مذهب النكرة، المعنى هذا شيء لدي عتيد.
2-{عتيد} مرفوعة بإضمار، كأنك قلت: هذا شيء لديّ هو عتيد ويجوز أن ترفعه على أنه خبر بعد خبر، كما تقول هذا حلو حامض، فيكون المعنى هذا شيء لديّ عتيد.
3-ويجوز أن يكون رفعه على البدل من " {ما} "، فيكون المعنى هذا عتيد)،فقيل عليه إنه ضعيف لما يلزم الأول من حذف البدل وقد أباه النحاة، ،ما تضمن قول الزجاج ،والألوسي.

-القراءات :قرأ عبد الله {عتيدًا} بالنصب على الحال.قاله الألوسي. من الجيد أن تقدم مسائل القراءات فقد تؤثر هي الأخرى كذلك في المعنى ويكون لها دور في الترجيح بين الأقوال.
المراجع:
1. تفسير ابن جرير الطبري.
2. تفسير ابن أبي حاتم.
3. تفسير الزجاج
4. تفسير الثعلبي.
5. تفسير الماوردي.
6. تفسير ابن عطية.
7. زاد المسير لابن الجوزي
8. تفسير ابن كثير.
9. الدر المنثور للسيوطي.
10. روح المعاني للألوسي.
11. التحرير والتنوير لابن عاشور.
بالإضافة إلى مواقع في النت
.


جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
لا أكون مبالغة إذا قلت أن بحثك أفضل بحث قدم للآن ومن أول محاولة، زادك الله من فضله.
ولكن هذا البحث القيّم يحتاج منك إلى بعض التهذيب والمراجعة وقد بينت لك شيئا من ذلك أعلاه.
وأسألك هل سيقت أدلّة على كل قول من الأقوال السابقة، أما عُقّب عليها فقط بما ذكرتيه؟
إن كانت هناك استدلالات للأقوال فلابد من ذكرها، والأهم من ذلك إن كانت هناك مناقشات لهذه الأقوال وهذه الأدلة والتعقيب عليها بالتصحيح أو التضعيف فهذا من أهمّ ما يكون.
وتبقى فقرة الترجيح لا يصلح أن تكون ضعيفة هكذا بل هي ثمرة البحث أن أخرج بالقول النهائي في مسألتي، فأرجو أن تحوز عناية أكثر من ذلك.
ويراعى ترتيب المسائل ما أشرنا.
ويجب التحقق من نسبة الأقوال إلى من قال بها من السلف في مصدر أصيل أو بديل (يراجع الرابط أدناه)
وأريدك أن تكتبي بحثك في صورة رسالة، لا تتعجلي وضع عناوين فرعية وفقط بل حدثي القاريء والمستمع بكلام متصل تنتقلين فيها انتقالا شيقا بين الأقوال، وهو أمر يسير إن شاء الله لا يحتاج منك إلا إلى كلمات وحرف يسيرة للربط بين مسائل الرسالة.
أسأل الله أن يبارك فيك وأن ينفع بك، وفور الانتهاء من تقديم التعديلات وتصحيح البحث سيوضع في منتدى المجموعة ليستفيد منه زملاؤك بإذن الله.
وننتظر مشاركتك في هذا الموضوع والذي قبله، ولعل الموضوع الخاص بالمرحلة الثالثة يوضع الليلة بإذن الله فيفيدك.
http://www.afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=29520
وفقك الله.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir