الخريطة الذهنية للمقصد الثالث:
المقصد الثالث : الأحرف السبعة أدلتها ومعناها ومسائلها :
أ- الأدلة على الأحرف السبعة بعده طرق
1- بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
- في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
- وفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى فقرأ قر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ -وفي رواية: ثم قرأ هذا- سوى قراءة صاحبه، فأقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال: ((يا أبي إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه يهون على أمتي فرد إلي في الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم)).
وأخرجه أبو جعفر الطبري في أول تفسيره بسنده عن أبي قال: دخلت المسجد فصليت فقرأت النحل، ثم جاء رجل آخر فقرأها على غير قراءتي، ثم دخل رجل آخر فقرأ بخلاف قراءتنا، فدخل في نفسي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فأخذت بأيديهما فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله استقرئ هذين، فقرأ أحدهما فقال: ((أصبت))، ثم استقرأ الآخر فقال: ((أحسنت))، فدخل قلبي أشد مما كان في الجاهلية من الشك والتكذيب، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري وقال: ((أعاذك الله من الشك وخسأ عنك الشيطان)) ففضت عرقا فقال: ((أتاني جبريل فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: إن أمتي لا تستطيع ذلك، حتى قال سبع مرات فقال لي: اقرأ على سبعة أحرف)).
2- باختلاف قراءه الصحابة وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم
- وفي الصحيحين عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ "سورة الفرقان" على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ((أرسله))، فأرسله عمر فقال لهشام: ((اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)). واللفظ للبخاري.
-وفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى فقرأ قر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ -وفي رواية: ثم قرأ هذا- سوى قراءة صاحبه، فأقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال: ((يا أبي إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه يهون على أمتي فرد إلي في الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم)).
3- بأمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بالقراءة كما تعلموها
- عن أبي جهيم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فلا تماروا فيه فإن مراء فيه كفر))
- عن زيد بن أرقم قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم، بقراءة أيهم آخذ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعلي إلى جنبه، فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم، كل حسن جميل.
4-بيان الاختلاف في خواتيم السور
- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم فردوه إلى عالمه)).
وفي رواية: ((فاقرءوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة)).
- أن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما)).
وفي رواية: ((عليم حكيم غفور رحيم)).
ب- المراد ب (السبعة أحرف ) وأدله كل قول ومناقشته :
وقد قال أبو بكر بن العربي :"لم تتعين هذه السبعة بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بإجماع من الصحابة، وقد اختلفت فيها الأقوال:
القول الأول : المقصود بها سبع لغات من لغات العرب
معناها : قال أبو عبيد القاسم بن سلام : سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم نسمع به قط، ولكن نقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة، قال: ومما يبين ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال"، وكذلك قال ابن سيرين: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل"، ثم فسره ابن سيرين فقال: في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة)، وفي قراءتنا: {صيحة واحدة}، فالمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات.
الأدلة عليه :
- عن أنس بن مالك أن عثمان رحمة الله عليه قال للرهط القرشيين الثلاثة حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم.
قلت: يعني أول نزوله قبل الرخصة في قراءته على سبعة أحرف.
- وجاء عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: نزل القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب. وفي رواية عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ الناس بلغة واحدة، فاشتد ذلك عليهم، فنزل جبريل فقال: يا محمد، أقرئ كل قوم بلغتهم.
إثبات صحته :
- وقد قال بعض الشيوخ: الواضح من ذلك أن يكون الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب، ثم أباح للعرب المخاطبين به المنزل عليهم أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف بعضهم الانتقال من لغة إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم، ولأن العربي إذا فارق لغته التي طبع عليها يدخل عليه الحمية من ذلك، فتأخذه العزة، فجعلهم يقرءونه على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم منا منه عز وجل لئلا يكلفهم ما يشق عليهم، فيتباعدوا عن الإذعان، وكان الأصل على ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الألفاظ والإعراب جميعا مع اتفاق المعنى، فمن أجل ذلك جاء في القرآن ألفاظ مخالفة ألفاظ المصحف المجمع عليه، كالصوف وهو "العهن"، وزقية وهي "صيحة"، وحططنا وهي "وضعنا"، وحطب جهنم وهي "حصب" ونحو ذلك، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل رجل منهم متمسك بما أجازه له صلى الله عليه وسلم وإن كان مخالفا لقراءة صاحبه في اللفظ، وعول المهاجرون والأنصار ومن تبعهم على العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام في العام الذي قبض فيه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه في كل سنة مرة جميع ما أنزل عليه فيها إلا في السنة التي قبض فيها، فإنه عرض عليه مرتين.
قلت: وهذا كلام مستقيم حسن، وتتمته أن يقال:
أباح الله تعالى أن يقرأ على سبعة أحرف ما يحتمل ذلك من ألفاظ القرآن وعلى دونها ما يحتمل ذلك من جهة اختلاف اللغات وترادف الألفاظ توسيعا على العباد، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لما أوحي إليه أن يقرأه على حرفين وثلاثة: ((هون على أمتي...)) على ما سبق ذكره في أول الباب، فلما انتهى إلى سبعة وقف، وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه لا يحتاج من ألفاظه لفظة إلى أكثر من ذلك غالبا، والله أعلم.
وجاء فيه تحديد اللغات عده أقوال :
1- وقالت طائفة: سبع لغات من قريش حسب.
2- وقال بعضهم: خمس منها بلغة هوازن، وحرفان لسائر لغات العرب
3- وقال قوم: هي سبع لغات في القرآن متفرقات على لغات العرب كلها يمنها ونزارها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم
4- قال آخرون: هذه اللغات كلها السبع، إنما تكون في مضر، واحتجوا بقول عثمان رضي الله عنه: نزل القرآن بلسان مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب". وأنكره آخرون
مسألة إنكار بعض أهل العلم لهذا القول :
قال أبو عمر: وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) سبع لغات، وقالوا: هذا لا معنى له؛ لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر؛ لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل وطبع عليه وفطر به لم ينكر عليه، وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي مكي، وقد اختلفت قراءتهما، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا
القول الثاني : هي تبديل الكلمات إذا استوى المعنى
معناه : قالوا: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم.
أدله هذا القول :
1- حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين، فقال لي الملك الذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك: على ثلاثة، فقلت: على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف وليس منها إلا شاف كاف، غفورا رحيما، عليما حكيما، عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه كذلك)) -زاد بعضهم- ((ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)).
2- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا، ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة)).*
3- ومنها حديث أبي جهيم الأنصاري:"أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن المراء كفر)).
قال: "وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يعن به سبع لغات، والله أعلم".
4- "وقد جاء عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ: {للذين آمنوا انظرونا}، مهلونا، أخرونا، أرجئونا، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه}، مروا فيه، سعوا فيه، كل هذه الحروف كان يقرأ بها أبي بن كعب، إلا أن مصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو منها حرف واحد". وقال: "وعلى هذا أهل العلم، فاعلم".
عدم وجود هذه السبع أحرف على هذا القول :
وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها، إلا حرف زيد بن ثابت الذي جمع عليه عثمان رضي الله عنه المصاحف".
حكم القراءة بتبديل الكلمات :
"وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من جامعه قال: قيل لمالك: أترى أن يقرأ بمثل ما قرأ به عمر بن الخطاب: "فامضوا إلى ذكر الله" ؟ قال: ذلك جائز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه))، مثل تعملون ويعملون، وقال مالك: لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا".
"قال أبو عمر: معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة على وجه التعليم والوقوف على ما روي في ذلك من علم الخاصة، وإنما ذكرنا ذلك عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث، وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة؛ لأن ما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد، لكنه لا يقدم أحد على القطع في رده، وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود، أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه".
قال أبو عمر: وهو الذي عليه الناس في مصاحفهم وقراءاتهم من بين سائر الحروف؛ لأن عثمان رضي الله عنه جمع المصاحف عليه". قال: "وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه، وتجوز الصلاة به، وبالله العصمة والهدى".
سبب جواز تبديل الكلمات في السابق :
وقال أبو جعفر الطحاوي: كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غيرها؛ لأنهم كانوا أميين، لا يكتبون إلا القليل منهم، فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك، حتى كثر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه، ولم يسعهم حينئذ أن يقرؤوا بخلافها، وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص، لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد".
- قال البيهقي: أما الأخبار التي وردت في إجازة قراءة "غفور رحيم" بدل "عليم حكيم"، فلأن جميع ذلك مما نزل به الوحي، فإذا قرأ ذلك في غير موضعه فكأنه قرأ آية من سورة، وآية من سورة أخرى، فلا يأثم بقراءتها كذلك ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، ولا آية رحمة بآية عذاب.
- قال المصنف : وكان هذا سائغا قبل جمع الصحابة المصحف تسهيلا على الأمة حفظه؛ لأنه نزل على قوم لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء بلفظه، بل هم قوم عرب فصحاء يعبرون عما يسمعون باللفظ الفصيح.
ثم إن الصحابة رضي الله عنهم خافوا من كثرة الاختلاف، وألهموا، وفهموا أن تلك الرخصة قد استغني عنها بكثرة الحفظة للقرآن، ومن نشأ على حفظه صغيرا فحسموا مادة ذلك بنسخ القرآن على اللفظ المنزل غير اللفظ المرادف له، وصار الأصل ما استقرت عليه القراءة في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما عارضه به جبريل عليه السلام في تلك السنة مرتين، ثم اجتمعت الصحابة على إثباته بين الدفتين، وبقي من الأحرف السبعة التي كان أبيح قراءة القرآن عليها ما لا يخالف المرسوم، وهو ما يتعلق بتلك الألفاظ من الحركات والسكنات والتشديد والتخفيف وإبدال حرف بحرف يوافقه في الرسم، ونحو ذلك؛ وما لا يحتمله المرسوم الواحد فرق في المصاحف فكتب بعضها على رسم قراءة، وبعضها على رسم قراءة أخرى، وأمثلة ذلك كله معروفة عند العلماء بالقراءات، وصح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وعن غيره أنه قال: إن القراءة سنة.
- قال البيهقي: أراد أن اتباع من قبلنا في الحروف سنة متبعة، لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغا في اللغة، أو أظهر منها.
قال أبو بكر بن العربي: سقط جميع اللغات والقراءات إلا ما ثبت في المصحف بإجماع من الصحابة وما أذن فيه قبل ذلك ارتفع وذهب والله أعلم.
القول الثالث : وهو أن المراد به التوسعة، ليس حصرا للعدد".
هذا موافق لما جاء عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: نزل القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب. وفي رواية عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ الناس بلغة واحدة، فاشتد ذلك عليهم، فنزل جبريل فقال: يا محمد، أقرئ كل قوم بلغتهم.
وهو كما قيل في معنى قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} إنه جرى كالمثل في التعبير عن التكثير، لا حصرا في هذا العدد، والله أعلم.
القول الرابع : أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه
دليله : حديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
رد هذا القول ومناقشته :
1- هذا حديث عند أهل العلم لم يثبت، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده
2- رده قوم من أهل النظر، منهم أحمد بن أبي عمران فيما سمعه الطحاوي منه قال: من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد؛ لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه؛ لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله
3- فإن صح فمعنى قوله: "سبعة أحرف": أي سبعة أوجه، وليس المراد به ما ورد في الحديث الآخر من نزول القرآن على سبعة أحرف، ذاك المراد به اللغات التي أبيحت القراءة عليها، وهذا المراد به الأنواع التي نزل القرآن عليها، والله أعلم
4- ذكر أبو علي الأهواز، والحافظ أبو العلاء أن قوله "زاجر وآمر" إلى آخره استئناف كلام آخر، أي هو كذلك، ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة، وإنما توهم ذلك من توهمه، لاتفاقهما في العدد وهو السبعة، وروي "زاجرا وآمرا..." بالنصب، أي نزل على هذه الصفة من سبعة أبواب على سبعة أحرف، ويكون المراد بالأحرف غير ذلك.
5- أن يكون ذلك تفسيرًا للأبواب، لا للأحرف، أي هذه سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأنواعه، أي أنزله الله تعالى كائنا من هذه الأصناف، لم يقتصر به على صنف واحد، بخلاف ما يحكى أن الإنجيل كله مواعظ وأمثال، والله أعلم.
ومما يؤيده قول الطبري : "فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
"وأما معنى قوله: "إن الكتاب الأول نزل من باب واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب"، فقد مضى تفسير "الأبواب السبعة".
وهي أنه آمر وزاجر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، ولم يجمع كتاب مما تقدم هذه "الأبواب السبعة" كزبور داود الذي هو تذكر ومواعظ، وإنجيل عيسى الذي هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض".
وأطال الطبري رحمه الله كلامه في تقرير ذلك، والله أعلم.
القول الخامس : قال قوم: السبعة الأحرف منها ستة مختلفة الرسم، كانت الصحابة تقرأ بها إلى خلافة عثمان رضي الله عنهم، نحو الزيادة، والألفاظ المرادفة، والتقديم، والتأخير، نحو (إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي)، (وجاءت سكرة الحق بالموت)، (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين)، (يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)، (والعصر ونوائب الدهر)، (وله أخ أو أخت من أمه)،
- فجمعهم عثمان على الحرف السابع الذي كتبت عليه المصاحف، وبقي من القراءات ما وافق المرسوم، فهو المعتبر، إلا حروفا يسيرة اختلف رسمها في مصاحف الأمصار، نحو (أوصى) و(وصى)، و {من يرتد} و(من يرتدد)، و(من تحتها) و(تحتها)، وكأنهم أسقطوا ما فهموا نسخه بالعرضة الأخيرة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، ورسموا ما سوى ذلك من القراءات التي لم تنسخ.
القول السادس : استخراج الأحرف السبعة من القراءات السبعة المشهورة :
حاول جماعة من أهل العلم بالقراءات استخراج سبعة أحرف من هذه القراءات المشهورة
وفيه أقوال :
أ - فقال بعضهم: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة:
1- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل {هن أطهر لكم} , (أطهر لكم)، {ويضيق صدري} (ويضيق صدري) بالرفع والنصب فيهما،
2- ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا تتغير صورته، مثل (ربنا باعد بين أسفارنا) و {ربنا باعد بين أسفارنا}،
3- ومنا ما يتغير معناه بالحروف واختلافها باللفظ ولا تتغير صورته في الخط، مثل (إلى العظام كيف ننشرها) بالراء والزاي،
4- ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه، مثل {كالعهن المنفوش} و(كالصوف المنفوش)،
5- ومنها ما تتغير صورته ومعناه، مثل {وطلح منضود} "وطلع منضود".
6- ومنها التقديم والتأخير، مثل {وجاءت سكرة الموت بالحق} "وجاء سكرة الحق بالموت"،
7- ومنها الزيادة والنقصان، نحو "نعجة أنثى"، و"من تحتها" في آخر التوبة، و"هو الغني الحميد" في الحديد.
ب - اختار أبو علي الأهوازي طريقة أخرى فقال:
"قال بعضهم: معنى ذلك هو الاختلاف الواقع في القرآن، يجمع ذلك سبعة أوجه: ا1- لجمع والتوحيد، كقوله تعالى: {وكتبه} "وكتابه"،
2- والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: {لا يقبل} و"لا تقبل"،
3- والإعراب، كقوله تعالى: "المجيد" و {المجيد}،
4- والتصريف، كقوله تعالى: "يعرشون" و {يعرشون}،
5- والأدوات التي يتغير الإعراب لتغيرها، كقوله تعالى: "ولكن الشياطين" {ولكن الشياطين}،
6- واللغات، كالهمز وتركه، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، وبين بين، والمد، والقصر، والإدغام، والإظهار،
7- وتغيير اللفظ والنقط بالتفاق الخط، كقوله تعالى: "ننشرها" و {ننشزها}، ونحو ذلك". قال: "وهذا القول أعدل الأقوال وأقربها لما قصدناه، وأشبهه بالصواب".
ج - "قال بعضهم: معنى ذلك سبعة معان في القراءة".:
1- "أحدها: أن يكون الحرف له معنى واحد، تختلف فيه قراءتان تخالفان بين نقطة ونقطة مثل {تعملون} و"يعملون".
2- "الثاني: أن يكون المعنى واحدا وهو بلفظتين مختلفتين، مثل قوله تعالى: {فاسعوا} و"فامضوا".
"3- والثالث: أن تكون القراءتان مختلفتين في اللفظ، إلا أن المعنيين متفرقان في الموصوف، مثل قوله تعالى: "ملك" و {مالك}.
4- "والرابع: أن تكون في الحرف لغتان، والمعنى واحد وهجاؤها واحد، مثل قوله تعالى: "الرشد" والرشد".
5- "والخامس: أن يكون الحرف مهموزا وغير مهموز، مثل "النبيء" و {النبي}.
6- "والسادس: التثقيل والتخفيف، مثل {الأكل} و"الأكل".*
7- "والسابع: الإثبات والحذف، مثل "المنادي" و {المناد} ".
قال أبو علي: "وهذا معنى يضاهي معنى القول الأول الذي قبله، وعليه اختلاف قراءة السبعة الأحرف
أدله هذا القول :
قال ابن عبد البر: "وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا، وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها، إلا حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيها يوافق صورته من الحركات واختلاف النقط من سائر الحروف".
تضعيف هذا القول :
وهذه الطرق المذكورة في بيان وجود السبعة الأحرف في هذه القراءات المشهورة كلها ضعيفة؛ إذ لا دليل على تعيين ما عينه كل واحد منهم، ومن الممكن تعيين ما لم يعينوا. ثم لم يحصل حصر جميع القراءات فيما ذكروه من الضوابط، فما الدليل على جعل ما ذكروه مما دخل في ضابطهم من جملة الأحرف السبعة دون ما لم يدخل في ضابطهم، وكان أولى من جميع ذلك لو حملت على سبعة أوجه من الأصول المطردة كصلة الميم، وهاء الضمير، وعدم ذلك، والإدغام، والإظهار، والمد، والقصر، وتحقيق الهمز، وتخفيفه، والإمالة، وتركها، والوقف بالسكون، وبالإشارة إلى الحركة، وفتح الياءات، وإسكانها، وإثباتها، وحذفها، والله أعلم.
الترجيح بين الأقوال :
1- ضعف الأهوازي تفسير الأحرف السبعة باللغات، قال: لأن اللغات في القبائل كثير عددها، وأبطل تفسيرها بالأصناف؛ لأن أصنافه أكثر من ذلك، منها الإخبار، والاستخبار على وجه التقرير والتقريع، ومنها الوعد، والوعيد، والخبر بما كان وبما يكون، والقصص، والمواعظ، والاحتجاج، والتوحيد، والثناء، وغير ذلك.
2- اختار الحافظ أبو العلاء تفسيرها باللغات المتفرقة في القرآن، قال: وليس الغرض أن تأتي اللغات السبع في كل كلمة من كلم القرآن، بل يجوز أن يأتي في الكلمة وجهان أو ثلاثة، فصاعدا إلى سبعة، ولم تأت سبعة أوجه إلا في كلمات محصورة، نحو "جبريل"، و{عبد الطاغوت}، و(أرجئه)، و(أف)، و {عذاب بئيس}، و {هيهات}، و(دري توقد)، ونظائرها
3- قال صاحب شرح السنة:
"أظهر الأقاويل وأصحها وأشبهها بظاهر الحديث أن المراد من هذه الحروف اللغات، وهو أن يقرأ كل قوم من العرب بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم من الإدغام والإظهار والإمالة والتفخيم والإشمام والإتمام والهمز والتليين وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلة الواحدة".
ج - مسائل متعلقة بالأحرف السبعة :
1- المراد بالمراء في القرآن :
وفي "كتاب غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله قال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر)).
"ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل، ولكنه عندنا على الاختلاف في اللفظ أن يقرأ الرجل القرآن على حرف، فيقول له الآخر: ليس هو هكذا ولكنه هكذا، على خلافه، وقد أنزلهما الله تبارك وتعالى جميعا، يعلم ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن القرآن نزل على سبعة أحرف كل حرف منها شاف كاف)).
"ومنه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إياكم والاختلاف والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال، فإذا جحد هذان الرجلان كل واحد منهما ما قرأ صاحبه لم يؤمن أن يكون ذلك قد أخرجه إلى الكفر لهذا المعنى".
"ومنه حديث عمر رضي الله عنه: اقرءوا القرآن ما اتفقتم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه".
"ومنه حديث أبي العالية الرياحي: أنه إذا قرأ القرآن عنده إنسان لم يقل: ليس هو هكذا، ولكن يقول: أما أنا فأقرأ هكذا".
"قال شعيب بن الحبحاب: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: أرى صاحبك قد سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله".
2- هل المصحف يشمل الأحرف السبعة أو حرف منها :
فيها قولان :
1- ميل القاضي أبي بكر إلى أنه جميعها :
"ليس الأمر على ما توهمتم من أن عثمان رضي الله عنه جمعهم على حرف واحد وقراءة واحدة، بل إنما جمعهم على القراءة بسبعة أحرف وسبع قراءات، كلها عنده وعند الأمة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم".
وساق الكلام في تقرير ذلك إلى أن قال:
".. لئلا تسقط قراءة قرأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعفو أثرها، ويندرس رسمها، ويظن بعد ذلك القارئ بها أنه قارئ بغير ما أنزل الله من القرآن".
"وعرف عثمان حاجة الناس إلى معرفة جميع تلك الأحرف، كتبها في مصاحفه، وأنفذ كل إمام منها إلى ناحية، لتكون جميع القراءات محروسة محفوظة".
وقال في موضع آخر:
"إنما اختار عثمان حرف زيد؛ لأنه هو كان حرف جماعة المهاجرين والأنصار، وهو القراءة الراتبة المشهورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليها كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي وعبد الله ومعاذ ومجمع بن جارية وجميع السلف رضي الله عنهم، وعدل عما عداها من القراءات والأحرف؛ لأنها لم تكن عند عثمان والجماعة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مشهورة مستفيضة استفاضة حرف زيد"
2- صرح أبو جعفر الطبري والأكثرون من بعده على أنه حرف منها
قلت: لأن خط المصحف نفى ما كان يقرأ به من ألفاظ الزيادة والنقصان والمرادفة والتقديم والتأخير، وكانوا علموا أن تلك الرخصة قد انتهت بكثرة المسلمين واجتهاد القراء وتمكنهم من الحفظ.
3- مسألة بالاختلاف في الأحرف السبعة:
قال صاحب شرح السنه :
- : "ولا يكون هذا الاختلاف داخلا تحت قوله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ؛ إذ ليس معنى هذه الحروف أن يقرأ كل فريق بما شاء مما يوافق لغته من غير توقيف، بل كل هذه الحروف منصوصة، وكلها كلام الله عز وجل، نزل بها الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم، يدل عليه قوله عليه السلام: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف))، فجعل الأحرف كلها منزلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارض جبريل عليه السلام في كل شهر رمضان بما يجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله فيه ما شاء وينسخ ما يشاء، وكان يعرض عليه في كل عرضة وجها من الوجوه التي أباح الله له أن يقرأ القرآن به، وكان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى أن يقرأ ويقرئ بجميع ذلك، وهي كلها متفقة المعاني وإن اختلف بعض حروفها".
4- معنى (كلها شاف كاف )
ثم قال: وقوله في الأحاديث: ((كلها شاف كاف))، يريد -والله أعلم- أن كل حرف من هذه الأحرف السبعة شاف لصدور المؤمنين، لاتفاقها في المعنى، وكونها من عند الله وتنزيله ووحيه، كما قال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}، وهو كاف في الحجة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه وعجز الخلائق عن الإتيان بمثله".