دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ربيع الثاني 1436هـ/25-01-2015م, 03:45 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي صفحة الطالبة نورة الأمير للقراءة المنظمة

صفحة الطالبة نورة الأمير للقراءة المنظمة

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 رجب 1436هـ/10-05-2015م, 07:15 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

المقصد الكلي لكتاب التبيان في آداب حملة القرآن للنووي:
فضل القرآن وأهله والأحكام والآداب المتعلقة بهما

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1436هـ/10-05-2015م, 07:18 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

المقصد الكلي لكتاب التبيان في آداب حملة القرآن للنووي:
فضل القرآن وأهله والأحكام والآداب المتعلقة بهما

المقاصد الفرعية:
1- بيان فضل القرآن
2- فضل القراء وتقديمهم على غيرهم في شؤون الدنيا والآخرة
3- إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم
4-آداب معلم القرآن ومتعلمه ومجلسه
5-آداب حامل القرآن
6- آداب قراءة القرآن وختمه والأحكام المتعلقة بتلاوته
7-الآداب والأحكام المتعلقة بالناس عامة مع القرآن
8- الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
9-الأحكام المتعلقة بالمصحف : كتابته وإكرامه ومسه وبيعه

التلخيص:

المقصد الأول: بيان فضل القرآن*:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
((فضل كلام الله سبحانه وتعالى*عن*سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه))*رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

أ. فضل استيعاب القلب للقرآن:
1-الأمن من العذاب لقلب وعى القرآن
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((اقرؤوا القرآن؛*فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعي القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر))*رواه الدارمي.

ب: فضل تعلم القرآن وتعليمه:
1- الخيرية لمن تعلم القرآن وعلمه:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))*رواه البخاري.
-*قال الحميدي الجمالي:*سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال:*"يقرأ القرآن*؛*لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))".

ج. فضل تلاوة القرآن:
1-الأجور المترتبة على تلاوته:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول*{ألم}*حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))*رواه الترمذي*وقال: حديث حسن صحيح.*

د.فضل الاشتغال بالقرآن:
1-عطاء الله للمشتغل بقراءة القرآن:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:*((يقول سبحانه وتعالى: [من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين]رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

هـ. فضل قراءة القرآن على التسبيح والتهليل وبقية الأذكار:

-اعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه من يعتمد من العلماء: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، والله أعلم. ذكره النوووي في التبيان

و. ذمّ من ليس في جوفه شيء من القرآن:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب))رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح .


المقصد الثاني: فضل أهل القرآن وتقديمهم على غيرهم في شؤون الدنيا والآخرة:

أ. فضل صاحب القرآن:
1-فوزه بتجارة غير بائرة وأجور عظيمة:
- قال الله عز وجل:*{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}.*
2-وصفه بالأترجة في طيب رييحها وطعمها:
-*وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب))*رواه البخاري ومسلم.
3-إلباسه والديه تاجا يوم القيامة:
-*وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا))*رواه أبو داود.*
4-ضمان نجاته من العذاب:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله*عليه وسلم، قال:*((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذّب قلباً وعى القرآن))*رواه الدارمي.
5-رفعته في الدنيا والآخرة:
- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين))*رواه مسلم.*
-*عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله*عليه وسلم قال:*((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها))*رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.*
6-شفاعة القرآن لأصحابه يوم القيامة:
- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:*((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه))*رواه مسلم.
7- استحقاق صاحب القرآن الغبطة:
- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله*عليه وسلم قال:((لا حسد إلا في إثنتين؛*رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار،*ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))رواه البخاري ومسلم.

ب. فضل الماهر بالقرآن، وبيان ثواب الذي يقرأ القرآن وهو عليه*شاق:
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران))*رواه البخاري وأبو الحسين مسلم بن مسلم القشيري*النيسابوري في صحيحهما.

ج. تقديم أهل القرآن على غيرهم في شؤون الدنيا والآخرة:

1-تقديم القراء على غيرهم في أمور الدين:

- ثبت عن ابن مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى))رواه مسلم.
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن*النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول:*((أيهما أكثر أخذا للقرآن؟))،*فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، رواه البخاري.*

2-تقديم القراء على غيرهم في أمور الدنيا:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا وشبابا) رواه البخاري في صحيحه.*


المقصد الثالث: إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم:

أ. أدلة وجوب إكرام أهل القرآن وأسباب ذلك:

1-إجلال أهل القرآن من إجلال الله:
-قال الله عز وجل:*{ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}
-قال الله تعالى:*{ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}
- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط))*رواه أبو داود وهو حديث حسن.*
2- دخولهم في عامة المؤمنين الذين أمرنا باحترامهم ونهينا عن إيذائهم بل واستحقاقهم الأولوية في ذلك:
-قال تعالى:*{واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}
-قال تعالى:*{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}.
3- إجلالهم من باب إنزال الناس منازلهم:
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت:*(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)*رواه أبو داود في سننه، والبزار في مسنده، قال الحاكم أبو عبد الله في علوم الحديث: هو حديث صحيح.*
4- أنهم من أولياء الله:
- عن الإمامين الجليلين أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما، قالا:*"إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي".

ب. أدلة النهي عن إيذاء أهل القرآن وأسباب ذلك:
1- أذيتهم إيذان بأذية من آذاهم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله عز وجل قال: [من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب]))*رواه البخاري.*
- ثبت في الصحيحين، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:*((من صلى الصبح فهو في ذمة الله تعالى، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته)).*
2- أن لحومهم مسمومة فمن آذاهم ابتلاه الله قبل موته:
- قال الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله:*"اعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن*يغشاه*ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب،*{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}".ذكره النووي في التبيان

المقصد الرابع: آداب معلم القرآن ومتعلمه:


أ: حكم تعلم القرآن:
تعليم المتعلمين فرض كفاية، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين، وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم ببعضهم، فإن امتنعوا كلهم أثموا، وإن قام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين، وإن طلب من أحدهم وامتنع فأظهر الوجهين أنه لا يأثم، لكن يكره له ذلك إن لم يكن عذر.

ب: شروط المعلم الذي يؤخذ عنه العلم:

ولا يتعلم إلا ممن*تكلمت*أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف:*"هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم".

ج: آداب في حق معلم القرآن ومتعلمه:

1:إخلاص النية لله:

-أول ما ينبغي للمقرئ والقارئ أن يقصدا بذلك رضا الله تعالى، قال الله تعالى:*{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}*أي: الملة المستقيمة.*
- وفي الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))،*وهذا الحديث من أصول الإسلام.
- و عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"إنما يعطى الرجل على قدر نيته"،*وعن غيره:*"إنما يعطى الناس على قدر نياتهم". رواه النووي في التبيان في آداب حملة القرآن
- و عن الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى، قال: الإخلاص:*"إفراد الحق في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة أو مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى"، قال: "ويصح أن يقال: الإخلاص: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين".*رواه النووي في التبيان في آداب حملة القرآن
- وعن حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى:*"الإخلاص: استواء أفعال العبد في الظاهر والباطن".*
- وعن ذي النون رحمه الله تعالى، قال:"ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية العمل في الأعمال، واقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة".
- وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه، قال:*"ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
- وعن سهل التستري رحمه الله تعالى، قال:*"نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شيء، لا نفس ولا هوى ولا دنيا".*
- وعن السري رحمه الله، قال:"لا تعمل للناس شيئا، ولا تترك لهم شيئا، ولا تغط لهم شيئا، ولا تكشف لهم شيئا".
- وعن القشيري، قال:*"أفضل الصدق: استواء الصدق والعلانية".
- وعن الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى، قال:*"الصادق: هو الذي لا يبالي ولو خرج عن كل قدر له في قلوب الخلائق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره إطلاع الناس على السيئ من عمله، فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم، وليس هذا من أخلاق الصديقين".
- وعن غيره:*"إذا طلبت الله تعالى بالصدق أعطاك الله مرآة تبصر فيها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة".*
-وينبغي أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال أو رياسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك.
-ولا يشوب المقرئ إقراءه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه، سواء كان الرفق مالا أو خدمة، وإن قل، ولو كان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه، قال تعالى:*{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}،*وقال تعالى:*{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد}*الآية.*
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من تعلم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة))*رواه أبو داود بإسناد صحيح، ومثله أحاديث كثيرة.*
- وعن أنس وحذيفة وكعب بن مالك رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله*عليه وسلم قال:*((من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار))*رواه الترمذي من رواية كعب بن مالك، وقال:*((أدخله النار)).
-وليحذر كل الحذر من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم، فإنه لو أراد الله بتعليمه لما كره ذلك، بل قال لنفسه: أنا أردت الطاعة بتعليمه وقد حصلت، وقد قصد بقراءته على غيري زيادة علم فلا عتب عليه.*
- وقد روينا في مسند الإمام المجمع على حفظه وإمامته أبي محمد الدارمي رحمة الله عليه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال:*"يا حملة القرآن"،*أو قال:*"يا حملة العلم؛ اعملوا به فإنما العلم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى".*
- وقد صح عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، أنه قال:*"وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم*-يعني: علمه وكتبه-*و*أن لا ينسب إلي حرف منه".

2: التخلق بمحاسن الشرع:

وينبغي للمعلم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخصال الحميدة والشيم المرضية التي أرشده الله إليها، من الزهادة في الدنيا والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر، والتنزه عن دنيئ المكاسب، وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الوظائف الشرعية كالتنظيف وتقليم بإزالة الأوساخ والشعور التي ورد الشرع بإزالتها كقص الشارب وتقليم الظفر وتسريح اللحية وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة، وليحذر كل الحذر من الحسد والرياء والعجب، واحتقار غيره وإن كان دونه.*
وينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويحافظ على ذلك، وأن يكون تعويله في جميع أموره على الله تعالى.

3:احترام العلم :
ومن احترامه أن لا يذل العلم فيذهب إلى مكان ينسب إلى من يتعلم منه ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه عنه السلف رضي الله عنهم، وحكاياتهم في هذا كثيرة مشهورة.

4: اجتناب الأسباب الشاعلة عن التحصيل:
يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا سببا لا بد منه للحاجة.

5: تطهير القلب من الأدناس:
وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:*((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)).*
وقد أحسن القائل بقوله: "يطيب القلب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة".*

د:آداب في حق المعلم:

1:إحسان معاملة المتعلم:

-ينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه، وأن يرحب به ويحسن إليه بحسب حالهما.*
فقد روينا عن أبي هرون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فيقول: "مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا))"*رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.*
وروينا نحوه في مسند الدارمي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
-وينبغي أن يشفق على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده ومصالح نفسه، ويجري المتعلم مجرى ولده في الشفقة عليه والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص لا سيما إن كان صغير السن، وينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره له ما يكره لنفسه من النقص مطلقا.*
فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:*((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).*
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي، لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت"*وفي رواية:*"إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني".
-وينبغي أن يظهر لهم البشر وطلاقة الوجه، ويتفقد أحوالهم ويسأل عمن غاب منهم.

2:بذل النصيحة لطالب العلم ومساعدته:

-ينبغي أن يبذل لهم النصيحة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*((الدين النصيحة؛ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))*رواه مسلم.*
ومن النصيحة لله تعالى ولكتابه: إكرام قارئه وطالبه وإرشاده إلى مصلحته، والرفق به ومساعدته على طلبه بما أمكن، وتأليف قلب الطالب، وأن يكون سمحا بتعليمه في رفق متلطفا به ومحرضا له على التعلم.*
-ينبغي أن يذكره فضيلة العلم ليكون سببا في نشاطه وزيادة في رغبته، ويزهده في الدنيا ويصرفه عن الركون إليها والاغترار بها، ويذكره فضيلة الاشتغال بالقرآن وسائر العلوم الشرعية، وهو طريق العارفين وعباد الله الصالحين وأن ذلك رتبة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.*


3: التواضع مع المتعلم واللين معه:

وينبغي أن لا يتعاظم على المتعلمين، بل يلين إليهم ويتواضع لهم، فقد جاء في التواضع لآحاد الناس أشياء كثيرة معروفة، فكيف بهؤلاء الذين هم بمنزلة أولاده، مع ما هم عليه من الاشتغال بالقرآن، مع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم إليه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:*((لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه)).*
وعن أبي أيوب السختياني رحمه الله، قال:*"ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله عز وجل".

4: استخدام التعليم بالتدرج:

-ينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق الخفية.

5: تفريغ القلب واستفراغ الجهد لهم:
يستحب للمعلم أن يكون حريصا على تعليمهم، مؤثرا ذلك على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية، وأن يفرغ قلبه في حال جلوسه لإقرائهم من الأسباب الشاغلة كلها وهي كثيرة معروفة.

6: إعطاء كل ذي حق حقه والعدل بينهم:
-أن يكون حريصا على تفهيمهم، وأن يعطي كل إنسان منهم ما يليق به، فلا يكثر على من لا يحتمل الإكثار ولا يقصر لمن يحتمل الزيادة، ويأخذهم بإعادة محفوظاتهم، ويثني على من ظهرت نجابته ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره، ومن قصر عنفه تعنيفا*لظيفا*في ما لم يخش عليه تنفيره.
-ويقدم في تعليمهم إذا ازدحموا الأول فالأول، فإن رضي الأول بتقديم غيره قدمه.

7: الحذر من حسدهم واستكثار تعليمهم:
ولا يحسد أحدا منه لبراعة تظهر منه، ولا يستكثر فيه ما أنعم الله به عليه، فإن الحسد للأجانب حرام شديد التحريم، فكيف للمتعلم الذي هو بمنزلة الولد، ويعود من فضيلته إلى معلمه في الآخرة الثواب الجزيل، وفي الدنيا الثناء الجميل، والله الموفق.


8: النهي عن امتناع التعليم بحجة عدم صحة نية المتعلم

قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، فقد قال سفيان وغيره:*"طلبهم للعلم نية"، وقالوا:*"طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله"*معناه: كانت غايته أن صار لله تعالى.

هـ: آداب في حق المتعلم:

1: التواضع مع المعلم:
وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويتأدب معه وإن كان أصغر منه سنا وأقل شهرة ونسبا وصلاحا وغير ذلك، ويتواضع للعلم، فبتواضعه يدركه، وقد قالوا:*
العلم حرب للفتى المتعالي*.......*كالسيل حرب للمكان العالي

2: الانقياد للمعلم واحترامه:
-وينبغي أن ينقاد لمعلمه ويشاوره في أموره ويقبل قوله، كالمريض العاقل يقبل قول الطبيب الناصح الحاذق، وهذا أولى.
-وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء، وقال:*"اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تذهب بركة علمه مني"، وقال الربيع صاحب الشافعي رحمهما الله:*"ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له".
*من صور احترام المعلم:
ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:*"من حق المعلم عليك: 1-أن تسلم على الناس عامة وتخصه دونهم بتحية2- وأن تجلس أمامه3-ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تغمزن بعينيك4-ولا تقولن: قال فلان خلاف ما تقول5- ولا تغتابن عنده أحدا6-ولا تشاور جليسك في مجلسه7- ولا تأخذ بثوبه إذا قام8- ولا تلح عليه إذا كسل9-ولا تعرض أي تشبع من طول صحبته".*ذكره النووي في التبيان
10-أن يرد غيبة شيخه إن قدر، فإن تعذر عليه ردها فارق ذلك المجلس.

3:أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ويتأول لأفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه، وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار إلى الشيخ وأظهر أن الذنب له والعتب عليه، فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة وإنقاء لقلب شيخ له.
وقد قالوا: من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا، ومنه الأثر المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما:*"ذللت طالبا فعززت مطلوبا".
وقد أحسن من قال:
من لم يذق طعم المذلة ساعة*.......*قطع الزمان بأسره مذلول
4: أن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها، ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير، ولا يحمل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل، وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال.*

5:إذا جاء إلى مجلس الشيخ فلم يجده انتظر ولازم بابه ولا يفوت وظيفته إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه وأنه لا يقرئ في غيره، وإذا وجد الشيخ نائما أو مشتغلا بمهم لم يستأذن عليه بل يصبر إلى استيقاظه أو فراغه أو ينصرف، والصبر أولى كما كان ابن عباس رضي الله عنهما وغيره يفعلون

6: ينبغي أن يأخذ نفسه بالاجتهاد في التحصيل في وقت الفراغ والنشاط وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشاغلات قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة، فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:*"تفقهوا قبل أن تسودوا"،*معناه: اجتهدوا في كمال أهليتكم*قبل*وأنتم أتباع قبل أن تصيروا سادة، فإنكم إذا صرتم سادة متبوعين امتنعتم من التعلم، لارتفاع منزلتكم وكثرة شغلكم، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رضي الله عنه:*"تفقه قبل أن ترأس، فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه".

7: ينبغي أن يبكر بقراءته على الشيخ أول النهار، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:*((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).*

8: ليس من الأدب الإيثار في القرب فلا يؤثر الطالب بنوبته غيره:
وينبغي أن يحافظ على قراءة محفوظة، وينبغي أن لا يؤثر بنوبته غيره فإن الإيثار مكروه في القرب، بخلاف الإيثار بحظوظ النفس فإنه محبوب، فإن رأى الشيخ المصلحة في الإيثار في بعض الأوقات لمعنى شرعي فأشار عليه بذلك امتثل أمره.*

و: آداب متعلقة بمجلس العلم:

1: أن يدخل الطالب المجلس كامل الخصال، متطهرا مستعملا للسواك، فارغ القلب من الأمور الشاغلة.

2:أن لا يدخل الطالب بغير استئذان إذا كان الشيخ في مكان يحتاج فيه إلى استئذان.

3: أن يسلم الطالب على الحاضرين إذا دخل ويخص معلمه دونهم بالتحية، وأن يسلم عليه وعليهم إذا انصرف كما جاء في الحديث، فليست الأولى بأحق من الثانية.

4: ألا يتخطى الطالب رقاب الناس بل يجلس حيث ينتهي به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يقيم أحدا من موضعه، فإن آثره غيره لم يقبل اقتداء بابن عمر رضي الله عنهما، إلا أن يكون في تقديمه مصلحة للحاضرين أو أمره الشيخ بذلك، ولا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة، ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما، وإن فسحا له قعد وضم نفسه.

5:وينبغي أيضا أن يتأدب الطالب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ، فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه، ويقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين، ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة، ولا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة، بل يكون متوجها إلى الشيخ مصغيا إلى كلامه.*

6: أن لا يقرأ الطالب على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله*واستيفازه سنة*وروعه وغمه وفرحه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك، مما يشق عليه أو يمنعه من كمال حضور القلب والنشاط، وأن يغتنم أوقات نشاطه.

7:أن *يصون الطالب يديه في حال الإقراء عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويقعد على طهارة مستقبل القبلة ويجلس بوقار، وتكون ثيابه بيضا نظيفة، وإذا وصل إلى موضع جلوسه صلى ركعتين قبل الجلوس سواء كان الموضع مسجدا أو غيره، فإن كان مسجدا كان آكد فيه فإنه يكره الجلوس فيه قبل أن يصلي ركعتين، ويجلس متربعا إن شاء أو غير متربع، روى أبو بكر بن أبي داود السجستاني بإسناده، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كان يقرئ الناس في المسجد جاثيا على ركبتيه.

8:ينبغي أن يكون المجلس واسعا ليتمكن جلساؤه فيه، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:*((خير المجالس أوسعها))*رواه أبو داود في سنته، في أوائل كتاب الآداب بإسناد صحيح، من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.*

ز: آداب الطالب مع إخوته الطلبة:

1-ألا يحسد أحدا من رفقته أو غيرهم على فضيلة رزقه الله إياها.
وطريقه في نفي الحسد:*أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا، فينبغي أن لا يعترض عليها ولا يكره حكمة أرادها الله تعالى ولم يكرهه.
2-أن لا يعجب بنفسه بما خصه الله عن غيره.
وطريقه في نفي العجب:*أن يذكر نفسه أنه لم يحصل ما حصله بحوله وقوته وإنما هو فضل من الله، ولا ينبغي أن يعجب بشيء لم يخترعه بل أودعه الله تعالى فيه،*

المقصد الخامس: آداب حامل القرآن:

1-أن يتميز عن غيره من الناس:

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:*"ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصحته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".

2-أن يرفع نفسه عما نهى القرآن عنه ويأتي بما أمر به:

-أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن، وأن يكون مصونا عن دني الاكتساب شريف النفس مرتفعا على الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعا للصالحين وأهل الخير والمساكين، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال:*"يا معشر القراء! ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، فاستبقوا الخيرات لا تكونوا عيالا على الناس". ذكره النووي في التبيان
- عن الفضيل بن عياض، قال:*"ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم"،*وعنه أيضا، قال:*"حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن".

3- أن لا يتخذ القرآن وسيلة لنيل أمر دنيوي:

-ومن أهم ما يؤمر به: أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها، فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبيل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه)).
-وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:*((اقرؤوا القرآن من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه*ولا يتأجلونه))*رواه بمعناه من رواية سهل بن سعد، معناه: يتعجلون أجره إما بمال وإما سمعة ونحوها.
-وعن فضيل بن عمرو رضي الله عنه، قال: دخل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا، فلما سلم الإمام، قام رجل فتلا آيات من القرآن ثم سأل، فقال أحدهما: إنا لله وإنا إليه راجعون، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:*((سيجيء قوم يسألون بالقرآن، فمن سأل بالقرآن فلا تعطوه))،*وهذا الإسناد منقطع، فإن الفضل بن عمرو لم يسمع الصحابة.*

*مسألة حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن:

وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه على أقوال:
1-منع أخذ الأجرة عليه. حكى ذلك الإمام أبو سليمان الخطابي من جماعة من العلماء منهم الزهري وأبو حنيفة.
2- يجوز إن لم يشترطه، وهو قول الحسن البصري والشعبي وابن سيرين.
3- يجوز إن شارطه واستأجره إجارة صحيحة،وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون إلى جوازها وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة.*
حجة من منعوا أخذ الأجرة على القرآن:
واحتج من منعها بحديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن، فأهدى له قوسا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:*((إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها))،*وهو حديث مشهور رواه أبو داود وغيره، وبآثار كثيرة عن السلف.
وأجاب المجوزون عن حديث عبادة*بجوابين:
أحدهما:*أن في إسناده مقالا.
والثاني:*أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم، والله أعلم.
وبالتالي يترجح قول من أجاز الأخذ .

5:المحافظة على تلاوة القرآن والإكثار منها وختمه بشكل دوري:

-ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها..
*القدر الذي كان يختم السلف فيه القرآن:
وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم:
-أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة
- وعن بعضهم في كل شهر ختمة
-وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة
-وعن بعضهم في كل ثمان ليال
- وعن الأكثرين في كل سبع ليال
- وعن بعضهم في كل ست
- وعن بعضهم في كل خمس
- وعن بعضهم في كل أربع
- وعن كثيرين في كل ثلاث
- وعن بعضهم في كل ليلتين
-وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة
- ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين
- ومنهم من كان يختم ثلاثا
- وختم بعضهم ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار.*
*من السلف الذين كانت لهم ختمة مقدرة بأوقات:
-فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون.*
-ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه.*
-وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات
- وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.*
-وقال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله*عنه: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: "كان ابن الكاتب رضي الله عنه يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات، وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة".*
-وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده، عن منصور بن زادان،*عن*عباد التابعين*رضي الله*عنه،*أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضا فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئا، وكانوا*يخرونالعشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل.*
-وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن مجاهدا كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء.*
-وعن منصور، قال: "كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان".*
-وعن إبراهيم بن سعد، قال: "كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن".
-وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم؛ فمن المتقدمين: عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم، ختمة في كل ركعة في الكعبة.*
-وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون؛ نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.*

*مسألة: ما هو القدر من الأيام الصالح لختم القرآن فيها:
-ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة.*
-كراهية بعض السلف الختم في اليوم والليلة:
وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))*رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، والله أعلم.*

*أوقات الابتداء والختم:
-وأما وقت الابتداء والختم لمن يختم في*الأسبوع؛ فقد روى أبو داود أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفتتح القرآن ليلة الجمعة ويختمه ليلة الخميس.*
-وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره.
-وروى ابن أبي داود عن عمر بن مرة التابعي، قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل أو من أول النهار.
-وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل، قال:*"من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح"،*وعن مجاهد نحوه.*
-وروى الدارمي في مسنده، بإسناده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال:*"إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإذا وافق ختمه آخر الليل صلت عليه الملائكة حتى يمسي"،*قال الدارمي: هذا حسن من سعد.*
-وعن حبيب بن أبي ثابت التابعي أنه كان يختم قبل الركوع، قال ابن أبي داود: وكذا قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

6: القيام بالقرآن في الليل وأهمية ذلك وشرفه:
*
-ينبغي أن يكون الاعتناء بقراءة القرآن في الليل أكثر، قال الله تعالى:*{من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}.
- وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:*((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)).
- وفي الحديث الآخر من الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال:*((يا عبد الله! لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه)).
- وروى الطبراني وغيره، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((شرف المؤمن قيام الليل))،والأحاديث والآثار في هذا كثيرة.*
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:*"ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون.
- وعن الحسن بن علي رضي الله عنه، قال:*"إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار".
- وقد جاء عن أبي الأحوص الحبشي، قال:*"إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقا*-أي: يأتيه ليلا-*فيسمع لأهله دويا كدوي النحل"، قال:*"فما بال هؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون".*
- وعن إبراهيم النخعي، كان يقول:*"اقرؤوا من الليل ولو حلب شاة".
- وعن يزيد الرقاشي، قال:*"إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي".*
-وروى صاحب بهجة الأسرار بإسناده، عن سليمان الأنماطي، قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام يقول شعرا:
لولا الذين لهم ورد يقومونا*........*ولم وآخرون لهم سرد يصومونا*
لدككت أهل أرضكم من تحتكم سحرا*.......*حديث لأنكم قوم سوء ما تطيعونا
- وعن ابن أبي الدنيا، عن بعض حفاظ القرآن، أنه نام ليلة عن حزبه فأري في منامه كأن قائلا يقول له:*
عجبت من جسم ومن صحة*.......*لو ومن فتى نام إلى الفجر*
والموت لا يؤمن خطفاته*.......*يكون في ظلم الليل يسري

*سبب ترجيح صلاة الليل وقراءته:
إنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات*والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل.
أدلة ذلك:
-أن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلا.
- وحديث:*((ينزل ربكم كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، فيقول: [هل من داع فأستجيب له]))*الحديث.
-وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*((في الليل ساعة يستجيب الله فيها الدعاء كل ليلة)).


*حصول فضيلة القيام بالليل بقراءة القليل والكثير أفضل:
-واعلم أن فضيلة القيام بالليل والقراءة فيه تحصل بالقليل والكثير، وكلما كثر كان أفضل، إلا أن يستوعب الليل كله فإنه يكره الدوام عليه، وإلا أن يضر بنفسه،*
-ومما يدل على حصوله بالقليل: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقسطين))*رواه أبو داود وغيره.
-وحكى الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"من صلى بالليل ركعتين فقد بات لله ساجدا وقائما".

*فصل فيمن نام عن ورده من الليل:*
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنه قرأه من الليل))*رواه مسلم.*
- وعن سليمان بن يسار، قال: قال أبو أسيد رضي الله عنه:*"نمت البارحة عن وردي حتى أصبحت فلما أصبحت استرجعت وكان وردي سورة البقرة فرأيت في المنام كأن بقرة تنطحني"*رواه ابن أبي داود.

7:الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان:
- ثبت عن أبي موسى*الأشرعي*يا*رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها))*رواه البخاري ومسلم.*
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت))*رواه مسلم والبخاري.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها))*رواه أبو داود والترمذي وتكلم فيه.
- وعن سعد بن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:*((من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم))*رواه أبو داود والدارمي.

المقصد السادس: آداب قراءة القرآن وختمه والأحكام المتعلقة به:*

أ. آداب القرآن وأحكامه قبل القراءة:

1-الإخلاص واستحضار مرأى الله في قراءة القرآن:
-يجب على القارئ الإخلاص ، ومراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه.

2-التنظف قبيل قراءة القرآن:
-ينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره، والاختيار في السواك: أن يكون بعود من أراك، ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة والأشنان وغير ذلك

3-قراءة القرآن على طهارة:
-يستحب أن يقرأ وهو على طهارة فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين، والأحاديث فيه كثيرة معروفة، قال إمام الحرمين: ولا يقال: ارتكب مكروها، بل هو تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء تيمم.


*المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث.*

*أحكام متعلقة بالجنب والحائض مع قراءة القرآن:
*حرمة قراءة الجنب والحائض للقرآن:
وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به.
*جواز نظر الجنب والحائض في المصحف والتسبيح والتهليل وغير ذلك من الأذكار:
ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار، للجنب والحائض.
*جواز التلفظ بألفاظ القرآن دون القصد بأنه من القرآن:
قال النووي عن أصحابه:*وكذا إن قالا لإنسان: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" وقصد به غير القرآن فهو جائز، وكذا ما أشبهه، ويجوز لهما أن يقولا عند المصيبة: "إنا لله وإنا إليه راجعون" إذا لم يقصدا القراءة.*
وقال الخراسانيون: ويجوز أن يقولا عند ركوب*الدابة: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين"، وعند الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" إذا لم يقصدا القراءة.*
قال إمام الحرمين: فإذا قال الجنب: بسم الله والحمد لله، فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد شيئا لم يأثم.
*جواز قراءة ما نسخت تلاوته، كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة".
*حكم القراءة بعد التيمم إذا لم يجد الجنب والحائض الماء:
القول الأول: إذا لم يجد الجنب أو الحائض ماء تيمم، ويباح له القراءة والصلاة وغيرهما، فإن أحدث حرمت عليه الصلاة ولم تحرم القراءة والجلوس في المسجد وغيرهما مما لا يحرم على المحدث، كما لو اغتسل ثم أحدث، وهذا مما يسأل عنه ويستغرب فيقال: جنب يمنع من الصلاة ولا يمنع من قراءة القرآن والجلوس في المسجد من غير ضرورة، كيف صورته؟ فهذا صورته، ثم الأقرب: لا فرق مما ذكرناه بين تيمم الجنب في الحضر والسفر.*
القول الثاني: وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه إذا تيمم في الحضر استباح الصلاة ولا يقرأ بعدها ولا يجلس في المسجد.
والصحيح: جواز ذلك .
*حرمة القراءة على الجنب المتيمم إذا رأى الماء :
ولو تيمم ثم صلى وقرأ ثم رأى ماء يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل
*الحكم إذا تيمم الجنب وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو لفريضة أخرى أو لغير ذلك:
القول الأول: أنه لا يحرم عليه القراءة .
القول الثاني: أنه لا يجوز لبعض أصحاب الشافعي .
الراجح: المذهب الصحيح المختار والمعروف الأول.
* إذا لم يجد الجنب ماء ولا ترابا فإنه لا يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، ويحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على فاتحة الكتاب، وهل يحرم عليه قراءة الفاتحة؟*فيه وجهان:*
الصحيح المختار:*أنه لا يحرم، بل يجب، فإن الصلاة لا تصح إلا بها، وكلما جازت الصلاة لضرورة مع الجنابة يجوز القراءة.*
والثاني:*لا يجوز، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي لا يحفظ شيئا من القرآن، لأن هذا عاجز شرعا فصار كالعاجز حسا، والصواب الأول.*

4:اختيار المكان الشريف النظيف للقراءة فيه:

يستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار.*ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة، ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف.
فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل، بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف، وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه.*

*حكم القراءة في الحمام:

وأما القراءة في الحمام؛ فقد اختلف السلف في كراهيتها، فقال أصحابنا: لا يكره، ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف، عن إبراهيم النخعي ومالك، وهو قول عطاء،*
وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه عنه ابن أبي داود.
وحكى ابن المنذر، عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب،*ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين،*قال الشعبي:"تكره*القراءة في ثلاثة مواضع:*في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور"،*وعن أبي ميسرة، قال:*"لا يذكر الله إلا في مكان طيب"، والله أعلم.*

*حكم القراءة في الطريق:
1- أنها جائزة وهو المختار:
وأما القراءة في الطريق؛ فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من الخلط، وروى أبو داود، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقرأ في الطريق، وروى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أذن فيها.*
2- أنها مكروهة:
قال ابن أبي داود: حدثني أبو الربيع، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل فيخرج إلى المسجد وقد بقي من السورة التي كان يقرأ فيها شيء، قال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق، وكره ذلك، وهذا إسناد صحيح عن مالك رحمه الله.

ب. الأوقات الفاضلة للقراءة:

-اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وغيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود.*
-وأما القراءة في غير الصلاة؛ فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول.
-القراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.*
- القراءة في النهار؛ فأفضلها بعد صلاة الصبح.
*حكم القراءة بعد العصر:
القول الأول:لا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه والعصر يدخل في ذلك.
القول الثاني: كراهية ذلك ، لما رواه ابن أبي داود، عن معاذ بن رفاعة، عن مشايخه، أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا: هي دراسة اليهود.
والأصح القول الأول لأن الثاني غير مقبول ولا أصل له.*

الأيام الفاضلة للقراءة:
ويختار من الأيام:
-الجمعة
-والاثنين
-والخميس
-ويوم عرفة.
ومن الأعشار:
-العشر الأخير من رمضان
-والعشر الأول من ذي الحجة
ومن الشهور:
-رمضان.

ج.مشروعية الاستعاذة :

1- وقتها:
فيه قولان:
القول الأول:إذا أراد الشروع في القراءة استعاذ، فقال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" هكذا قال الجمهور من العلماء.
القول الثاني:وقال به بعض العلماء: يتعوذ بعد القراءة، لقوله تعالى:*{فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
والقول الأول هو الراجح لدى الجمهور*وتقدير الآية التي احتج بها المخالفون عند الجمهور: إذا أردت القراءة فاستعذ.

2-صيغتها:
1- (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
2- (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) وكان جماعة من السلف يقومون بذلك ولا بأس بهذا.
ولكن الاختيار هو الأول.*

حكمها:
ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها، ويستحب في الصلاة في كل ركعة على الصحيح من الوجهين عند أصحابنا، وعلى الوجه الثاني إنما يستحب في الركعة الأولى، فإن تركه في الأولى أتى به في الثانية، ويستحب التعوذ في التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة على أصح الوجهين.*

د. الأحكام المتعلقة بالبسملة:
*وجوب المحافظة على قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول كل سورة سوى براءة ،فإن أكثر العلماء قالوا إنها آية حيث تكتب في المصحف.
وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإذا قرأها كان متيقنا قراءة الختمة أو السورة، فإذا أخل بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن عند الأكثرين. *
-فإذا كانت القراءة في وظيفة عليها جعل كالأسباع سعيد والأجراء التي عليها أوقاف وأرزاق كان الاعتناء بالبسملة أكثر لتيقن قراءة الختمة، فإنه إذا تركها لم يستحق شيئا من الوقف عند من يقول البسملة آية من أول السورة، وهذه دقيقة نفيسة يتأكد الاعتناء بها وإشاعتها.



هـ. آداب القرآن وأحكامه أثناء القراءة:
1:استحباب استقبال القبلة أثناء القراءة:

يستحب للقارئ في غير الصلاة أن*يستقل*القبلة.
فقد جاء في الحديث:*((خير المجالس ما استقبل به القبلة))

2-استحباب القراءة بخشوع وسكينة :

يستحب أن يجلس متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل.
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل:*{أفلا يتدبرون القرآن}، وقال تعالى:*{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}،*والأحاديث فيه كثيرة وأقاويل السلف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعات حال القراءة.*
وروينا عن بهز بن حكيم، أن زرارة بن أوفى التابعي الجليل رضي الله عنه، أمهم في صلاة الفجر فقرأ حتى بلغ:*{فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير}*خر ميتا، قال بهز: وكنت فيمن حمله.*
وقال السيد الجليل ذو المواهب والمعارف إبراهيم الخواص*رضي الله تعالى عنه:*"دواء القلب خمسة أشياء:*قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين".
وكان أحمد بن أبي الحواري رضي الله عنه وهو ريحانة الشام كما قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله، إذا قرئ عنده القرآن يصيح ويصعق.
*حكم من إذا قرئ عنده القرآن صاح وصعق:

القول الأول: الإنكار على من فعل ذلك ، فقد قال ابن أبي داود: وكان القاسم بن عثمان الجوني رحمه الله ينكر على ابن الحواري -وقد كان يصعق عند قراءة القرآن-.*وكان الجوني فاضلا من محدثي أهل دمشق تقدم في الفضل على ابن أبي الحواري، قال: وكذلك أنكره أبو الجوزاء وقيس بن جبير وغيرهما.*
القول الثاني والأصح: أن الصواب*عدم الإنكار إلا على من اعترف أنه يفعله تصنعا، والله أعلم.

3-استحباب القراءة قائما وجواز القراءة على أي وضعية:*

ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول.
قال الله عز وجل:*{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}.
وثبت في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:*"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن"،رواه البخاري ومسلم، وفي رواية:*"يقرأ القرآن ورأسه في حجري".*
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال:*"إني أقرأ القرآن في صلاتي، وأقرأ على فراشي".*
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:*"إني لا أقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير".

4-استحباب ترديد الآية للتدبر :

-عن أبي ذر رضي الله تعالى*عنه، قال:*"قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح"، والآية:*{إن تعذبهم فإنهم عبادك}*الآية، رواه النسائي وابن ماجه.*
-وعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه، أنه كرر هذه الآية حتى أصبح:*{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}.
-وعن عبادة بن حمزة، قال: دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ*{فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}*فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو، فطال علي ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو،*
ورويت هذه القصة عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
-وردد ابن مسعود رضي الله عنه:*{رب زدني علما}
- وردد سعيد بن جبير:*{واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}
- وردد أيضا:*{فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم}*الآية
- وردد أيضا:*{ما غرك بربك الكريم}
- وكان الضحاك إذا تلا قوله تعالى:*{لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل}*رددها إلى السحر.

5-استحباب البكاء عند قراءة القرآن:
قال الإمام أبو حامد الغزالي: البكاء مستحب مع القراءة وعندها
-قال الله تعالى:*{ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.*
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف،*فمن ذلك:
- عن النبي صلى الله عليه وسلم:*((اقرؤوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)).
- وعن عمر*بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته.*وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، وفي رواية: أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
- وعن أبي*رجاء، قال: "رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع".
- وعن أبي صالح، قال: قدم ناس من أهل اليمن على*ابي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:*"هكذا كنا".
- وعن هشام، قال: "ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة".
والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها، وفيما أشرنا إليه ونبهنا عليه كفاية، والله أعلم.
*طريقه في تحصيله:*
أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب.

6-استحباب الترتيل في قراءة القرآن:
وينبغي أن يرتل قراءته، وقد اتفق العلماء -رضي الله عنهم- على استحباب الترتيل.
قال العلماء: والترتيل مستحب للتدبر ولغيره، قالوا: يستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه، لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب.
- قال الله تعالى:*{ورتل القرآن ترتيلا}.
-وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها نعتت*قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا، رواه أبو داود*والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.*
-وعن معاوية بن قرة رضي الله عنه، عن عبد الله*بن مغفل رضي الله عنه، قال:*(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع في قراءته)*رواه البخاري ومسلم.*
-وعن مجاهد، أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء، فقال:*(الذي قرأ البقرة وحدها أفضل).
-وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله".

7-النهي عن الإفراط في الإسراع:*
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع، ويسمى الهذرمة، فثبت عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود:*(هكذا هكذا الشعر، إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع القلب فرسخ فيه نفع)*رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته.*

8-يستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب وإذا مر بآية تنزيه يسبح وإذا مر بسؤال سأل :
يستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب ،*أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمة ربنا.
- صح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما،*قال:*(صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ ترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ)*رواه مسلم*في صحيحه، وكانت سورة النساء في ذلك الوقت مقدمة على آل عمران.*
*مسألة حكم السؤال والاستعاذة والتسبيح في الصلاة:
-القول الأول: مستحب .
قال النووي عن أصحابه رحمهم الله تعالى: ويستحب هذا السؤال والاستعاذة والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارجا منها، قالوا: ويستحب ذلك في صلاة الإمام والمنفرد والمأموم، لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين عقب الفاتحة، وهذا الذي ذكر من استحباب السؤال والاستعاذة هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وجماهير العلماء رحمهم الله.
القول الثاني: يكره.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: ولا يستحب ذلك بل يكره في الصلاة.
والصواب قول الجماهير لما قدمناه.

9-اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه والبعد عن العبث والنظر إلى ما يلهي:

- وليمتثل قول الله تعالى:*{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.
-وليقتد بما رواه ابن أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه، ذكره في كتاب التفسير في قوله تعالى:*{نساؤكم حرث لكم}.*
ومن ذلك: العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.*
ومن ذلك: النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن.*
وأقبح من هذا كله: النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره، فإن النظر إلى الأمرد الحسن من غير حاجة حرام، سواء كان بشهوة أو بغيرها، سواء أمن الفتنة أو لم يأمنها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء، وقد نص على تحريمه*الإمام*الشافعي ومن لا يحصى من العلماء، ودليله قوله تعالى:*{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}،*ولأنه في معنى المرأة بل ربما كان بعضهم أو كثير منهم أحسن من كثير من النساء، ويتمكن من أسباب الريبة فيه ويتسهل من طرق الشر في حقه ما لا يتسهل في حق المرأة، فكان تحريمه أولى، وأقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن تحصى، وقد سموهم الأنتان لكونهم مستقذرين شرعا.
وأما النظر إليه في حال البيع والشراء والأخذ والإعطاء والتطبب والتعليم ونحوها من مواضع الحاجة فجائز للضرورة، لكن يقتصر الناظر على قدر الحاجة ولا يديم النظر من غير ضرورة، وكذا المعلم إنما يباح له النظر الذي يحتاج إليه،*ويحرم عليهم كلهم في كل الأحوال النظرة بشهوة، ولا يختص هذا بالأمرد بل يحرم على كل مكلف النظر بشهوة إلى كل أحد رجلا كان أو امرأة محرما كانت المرأة أو غيرها، إلا الزوجة أو المملوكة التي يملك الاستمتاع بها، حتى قال أصحابنا: يحرم النظر بشهوة إلى محارمه كأخته وأمه، والله أعلم.*
وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا شيئا من هذه المنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان، باليد لمن قدر، وباللسان لمن عجز عن اليد وقدر على اللسان، وإلا فلينكر بقلبه، والله أعلم.

10-حرمة قراءة القرآن بالأعجمية:

لا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها، سواء كان في الصلاة أم في غيرها، فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا، ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك وتصح به الصلاة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية، ولا يجوز لمن يحسنها.

11-جواز قراءة القرآن بالقراءات السبع ولا يجوز بغيرها:

وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها، ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة.
*بطلان صلاة من قرأ بالشواذ إن كان عالما:*
قال أصحاب النووي وغيرهم: لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالما، وإن كان جاهلا لم تبطل، ولم تحسب له تلك القراءة، وقد نقل الإمام أبو عمر بن عبد البر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها.
قال العلماء: من قرأ الشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه عرف بذلك، فإن عاد إليه أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهي عن ذلك، ويجب على كل متمكن من الإنكار عليه والمنع الإنكار عليه ومنعه.

12-إذا ابتدأ بقراءة فينبغي أن يستمر عليها ما دام الكلام مرتبطا ببعض:

إذا ابتدأ بقراءة أحد القراء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أحد من السبعة، والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس.

13-استحباب القراءة على ترتيب المصحف:

قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب، وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها، حتى قال بعض أصحاب النووي: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة*{قل أعوذ برب الناس}*يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة.*
قال بعض أصحاب النووي: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها.
*دليل ذلك:
أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه.
*أوقات استثنيت من القراءة على ترتيب المصحف:
كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى: سورة السجدة، وفي الثانية:*{هل أتى على الإنسان}، وصلاة العيد في الأولى: قاف، وفي الثانية:*{اقتربت الساعة}، وركعتين سنة الفجر في الأولى:*{قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية:*{قل هو الله أحد}، وركعات الوتر في الأولى:*{سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية:*{قل يا أيها الكافرون}،*وفي الثالثة:*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين.*
*جواز مخالفة الموالاة في ترتيب سور المصحف:
ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز
*الآثار الواردة على ذلك:
-أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ في الركعة الأولى من الصبح بـ"الكهف"، وفي الثانية بـ"يوسف".
*كراهية جماعة من السلف نخالفة ترتيب المصحف:
وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف.*
-روى ابن أبي داود، عن الحسن، أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف.
وبإسناده الصحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا، فقال:*"ذلك منكوس القلب".*

15-حرمة قراءة السورة من آخرها إلى أولها:

وأما قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا، فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات، وقد روى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل، والإمام مالك بن أنس، أنهما كرها ذلك، وأن مالكا كان يعيبه، ويقول: هذا عظيم.*

16-جواز تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله:
وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس هذا من هذا الباب، فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم.

17-مسألة: أفضلية القراءة من المصحف على قراءته عن ظهر قلب:

-قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا، وأبو حامد الغزالي وجماعات من السلف، ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف، ولم أر فيه خلافا . ذكره النووي في التبيان
-ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولا حسنا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.

18-استحباب*قراءة الجماعة مجتمعين وفضله :

اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة، وأفعال السلف والخلف المتظاهرة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أنه قال:*((ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده))*صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.*
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:*((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكره*الله فيمن عنده))*رواه مسلم، وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.*
وعن معاوية رضي الله عنه، أن النبي*صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال:*((ما يجلسكم؟))،*قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به، فقال:*((أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة))*رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والأحاديث في هذا كثيرة.*
وروى الدارمي بإسناده، عن ابن عباس رضي*الله عنهما، قال:*"من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نورا"، وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا.*
وروى ابن أبي داود فعل الدراسة مجتمعين عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين.*
وعن حسان بن عطية والأوزاعي أنهما قالا: أول من أحدث الدراسة في مسجد دمشق: هشام بن إسماعيل في مقدمته على عبد الملك.*
وأما ما روى ابن أبي داود، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، أنه أنكر هذه الدراسة، وقال: ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: ما رأيت أحدا فعلها.*
وعن ابن وهب قال: قلت لمالك: أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابه،*وقال: ليس هكذا تصنع الناس، إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه.*
فهذا الإنكار منهما مخالف لما عليه السلف والخلف ولما يقتضيه الدليل فهو متروك، والاعتماد على ما تقدم من استحبابها، لكن القراءة في حال الاجتماع لها شروط قدمناها ينبغي أن يعتنى بها، والله أعلم.*

*فضيلة من يجمع الجماعة على القراءة:

وأما فضيلة من يجمعهم على القراءة ففيها نصوص كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم:*((الدال على الخير كفاعله))، وقوله صلى الله عليه وسلم:*((لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم))،*والأحاديث فيه كثيرة مشهورة.*
وقد قال الله تعالى:*{وتعاونوا على البر والتقوى}،*ولا شك في عظم أجر الساعي في ذلك.
فصل] في الإدارة بالقرآن
*كيفية ذلك:
وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك ثم يسكت، ويقرأ الأخر من حيث انتهى الأول، ثم يقرأ الآخر، وهذا جائز حسن، وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه، فقال: لا بأس به.

19-أحكام متعلقة بالجهر بالقراءة والإسرار:*
اعلم أنه جاء أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره دالة على استحباب رفع الصوت بالقراءة، وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت، وسنذكر منها طرفا يسيرا إشارة إلى أصلها إن شاء الله تعالى.
*طريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا مع العلة:
قال الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا:
-أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك.
-فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والمتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه
- وإن حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر.
* الأدلة على استحباب الجهر بالقرآن:
- ثبت في الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:*((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به))*رواه البخاري ومسلم، ومعنى*((أذن)): استمع، وهو إشارة إلى الرضا والقبول.*
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((لقد أوتيت مزمارا من مزامير*آل داود))*رواه البخاري ومسلم،*وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله*عليه وسلم قال له:*((لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة))،*ورواه مسلم من رواية بريد بن الحصيب.*
- وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((لله أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته))*رواه ابن ماجه.
- وعن أبي موسى أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف*مازلهم*كل من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار))*رواه البخاري ومسلم.
- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((زينوا القرآن بأصواتكم))*رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.*
- وعن ابن أبي داود، عن علي*رضي الله عنه أنه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن، فقال:*"طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم".*
وفي إثبات الجهر أحاديث كثيرة.*
*شروط الجهر بالقراءة:
1- ألا يخاف رياء ولا إعجابا ولا نحوهما من القبائح.
2- ألا يؤذي جماعة بلبس صلاتهم وتخليطها عليهم.*
وقد نقل عن جماعة السلف اختيار الإخفاء، لخوفهم مما ذكرناه.
*وأدلة القائلين بالإخفاء:*
- عن الأعمش، قال: دخلت على إبراهيم وهو يقرأ بالمصحف، فاستأذن عليه رجل فغطاه، وقال:*"لا يرى هذا أني أقرأ كل ساعة".*
-*وعن أبي العالية، قال: كنت جالسا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، فقال رجل منهم:*"قرأت الليلة كذا"،فقالوا:*"هذا حظك منه".
ويستدل لهؤلاء بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:*((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة))*رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن، قال: ومعناه أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بها، لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، قال: وإنما معنى هذا الحديث عند أهل العلم: لكي يأمن الرجل من العجب، لأن الذي يسر بالعمل لا يخاف عليه من العجب كما يخاف عليه من علانيته.*
*الخلاصة: وكل هذا موافق لما تقدم تقريره في أول الفصل من التفصيل، وأنه إن خاف بسبب الجهر شيئا مما يكره لم يجهر، وإن لم يخف استحب الجهر، فإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر لما قدمناه، ولما يحصل فيه من نفع غيرهم، والله أعلم.*

*الجهر في حق الإمام والمنفرد مستحب ،وأما المأموم؛ فلا يجهر بالإجماع،*

*أوقات يستحب الجهر فيها بالقراءة:

أجمع المسلمون على استحباب الجهر بالقراءة في:
- الصبح
-والجمعة
-والعيدين
-والأولتين من المغرب والعشاء
-وفي صلاة التراويح والوتر عقيبها.
-ويسن الجهر في صلاة كسوف القمر
- ويجهر في*الاستقاء

*صلوات لا يجهر فيها بالقراءة:
-لا يجهر في الجنازة إذا صليت بالنهار، وكذا في الليل على المذهب الصحيح المختار
- ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيدين والاستسقاء.*
-ولا يجهر في كسوف الشمس

*حكم الجهر في نوافل الليل:
واختلف في الجهر في نوافل الليل
-الأظهر: أنه لا يجهر،
-والثاني: أنه يجهر
-والثالث -وهو الأصح، وبه قطع القاضي حسين والبغوي-: يقرأ بين الجهر والإسرار

*ولو فاته صلاة بالليل فقضاها بالنهار أو بالنهار فقضاها بالليل، فهل يعتبر في الجهر والإسرار وقت الفوات أم وقت القضاء؟
فيه وجهان :
أظهرهما: الاعتبار بوقت القضاء.*
ولو جهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه، ولا يسجد للسهو.

*كيفية الإسرار بالقراءة:
واعلم أن الإسرار في القراءة والتكبيرات وغيرهما من الأذكار هو أن يقوله بحيث يسمع نفسه، ولا بد من نطقه بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض له، فإن لم يسمع نفسه لم تصح قراءته ولا غيرها من الأذكار بلا خلاف.*

20-استحباب تحسين الصوت بالقراءة وحرمة الإفراط في ذلك والتمطيط:

قال العلماء رحمهم الله: فيستحب تحسين الصوت بالقراءة*ترتيبهاما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفاه فهو حرام.
وقد أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين، على استحباب تحسين الصوت بالقرآن، وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة، فنحن مستغنون عن نقل شيء من أفرادها.*
ودلائل هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفيضة عند الخاصة والعامة، كحديث:*((زينوا القرآن بأصواتكم))، وحديث:*((لقد أوتي هذا مزمارا))، وحديث:*((ما أذن الله))، وحديث:*((لله أشد أذنا))،وحديث أمامة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((من لم يتغن بالقرآن فليس منا))*رواه أبو داود بإسنادين جيدين، وفي إسناد سعد اختلاف لا يضر،*قال جمهور العلماء: معنى*((لم يتغن)): لم يحسن صوته، وحديث البراء رضي الله عنه، قال:*(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بـ"التين والزيتون"، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه)*رواه البخاري ومسلم.*


21-حكم قراءة القرآن بالألحان:


وأما القراءة بالألحان؛ فقد قال العلماء فيها بالتالي:
1- مكروهة . قاله الشافعي رحمه الله
2- غير مكروهة . قال به الشافعي في موضع آخر
وفصل في ذلك بعض العلماء فقالوا:
ليست على قولين، بل فيه تفصيل:
- إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه ، وقال أقضى القضاة الماوردي في كتابه الحاوي: القراءة بالألحان الموضوعة؛ إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ ويتلبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع، لأنه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج والله تعالى يقول:*{قرآنا عربيا غير ذي عوج}.*وقال النووي: وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة الذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة يأثم كل مستمع لها، كما قاله أقضى القضاة الماوردي، ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك، وقد بذلت فيها بعض قدرتي، وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك وأن يجعله في عافية.*
- وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه،*قال الماوردي: وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا، لأنه زاد على ألحانه في تحسينه، هذا كلام أقضى القضاة.*
*استحباب تحسين الصوت والتحزين بقراءة القرآن:
قال الشافعي في مختصر المزني: ويحسن صوته بأي وجه كان، قال: وأحب ما يقرأ حدرا وتحزينا، قال أهل اللغة: يقال: حدرت بالقراءة إذا أدرجتها ولم تمططها، ويقال: فلان يقرأ بالتحزين إذا رقق صوته.*
وقد روى ابن أبي داود بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ*{إذا الشمس كورت}*يحزنها شبه الرثاء.
وفي سنن أبي داود، قيل لابن أبي مليكة: أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ فقال: "يحسنه ما استطاع".*

و. أحكام قراءة القرآن في أحوال ومواطن:

1-حكم قراءة القرآن في حالة الخطبة:
أما من لم يسمعها ففيه قولان:
الأول: لا تكره. جاء عن إبراهيم
الثاني: كراهيتها ، جاء عن طاوس كراهيتها.
الجمع بين القولين:
فيجوز أن يجمع بين كلاميهما بأنها تكره حال استماع الخطبة ولا تكره بل تستحب عند عدم استماعها، كما ذكره أصحابنا.*ذكره النووي في التبيان

2-حكم قراءة القرآن في الطواف:
فيه قولان:
الأول:لا تكره القراءة في الطواف. هذا مذهب النووي، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي
الثاني: تكره ، حكي عن الحسن البصري وعروة بن الزبير ومالك
والصحيح الأول.

3-أحوال تكره فيها القراءة:

- فتكره القراءة في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام*
- وتكره القراءة بما زاد على الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام
- وتكره حالة القعود على الخلاء*
- وفي حالة النعاس
- وكذا إذا استعجم عليه القرآن*

ز. أحكام أخرى متعلقة بالقراءة

1-استحباب طلب القراءة الطيبة من حسن الصوت:

اعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون، وهذا متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين، وهى سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.*
فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي*الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((اقرأ علي القرآن))،*فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال:*((إني أحب أن أسمعه من غيري))فقرأت عليه سورة النساء، حتى إذا جئت إلى هذه الآية:*{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}،*قال:((حسبك الآن))*فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، رواه البخاري ومسلم.*
وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري:*(ذكرنا ربنا)، فيقرأ عنده القرآن،*والآثار في هذا كثيرة معروفة.*
وقد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة، والله أعلم.*

2-استحباب استفتاح مجالس الحديث بالقرآن واختتامها به من قارئ حسن الصوت:

وقد استحب العلماء أن يستفتح مجلس حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر من القرآن

*آداب متعلقة بقارئ القرآن في هذه المواطن:
1- ينبغي للقارئ في هذه المواطن أن يقرأ ما يليق بالمجلس ويناسبه
2- وأن تكون قراءته في آيات الرجاء والخوف والمواعظ والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والتأهيب لها وقصر الأمل ومكارم الأخلاق.

3-حكم أن يقال القرآن بشيء من أمور الدنيا:

فيه قولان:
القول الأول: الكراهة:*
- روي*عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقال القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا.*
القول الثاني: الجواز:
- عن حكيم -بضم الحاء- بن سعد، أن رجلا من المحكمية أتى عليا رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح، فقال:*{لئن أشركت ليحبطن عملك}، فأجابه علي في الصلاة:*{فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذي لا يوقنون}.*

4-مسألة :*إذا أراد أن يستدل بآية فهل يقول: قال الله تعالى كذا، أو : الله تعالى يقول كذا:
فيه قولان:
الأول:*لا كراهة في شيء من هذا، هذا هو الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف.*
الثاني:ما روي ابن أبي داود، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير*التابعي المشهور، قال: "لا تقولوا: إن الله تعالى يقول، ولكن قولوا: إن الله تعالى قال"،*وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما جاء به القرآن والسنة وفعلته الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم، فقد قال الله تعالى:*{والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.*
والصحيح الأول لما ورد من أحاديث صحيحة:
ففي صحيح مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((يقول الله سبحانه وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)).*
وفي صحيح البخاري، في باب تفسير*{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}،*فقال أبو طلحة:*(يا رسول الله! إن الله تعالى يقول:*{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون})،*فهذا كلام أبي طلحة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.*
وفي الصحيح، عن مسروق رحمه الله، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: ألم يقل الله تعالى:*{ولقد رآه بالأفق المبين}؟،*فقالت:*(ألم تسمع أن الله تعالى يقول:*{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}؟*أو لم تسمع أن الله تعالى يقول:*{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}؟)*الآية، ثم*قالت في هذا الحديث:*(والله تعالى يقول:*{يا أيها الرسول بلغ})،*ثم قالت:*(والله تعالى يقول:*{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}).*ونظائر هذا في كلام السلف والخلف أكثر من أن تحصر، والله أعلم.

ح. آداب الوقف في القرآن:

ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيد بالأعشار والأجزاء، فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط.
*أمثلة على ذلك:
كالجزء الذي في قوله تعالى:*{وما*أبرئ*نفسي}، وفي قوله تعالى:*{فما كان جواب قومه}،*وقوله تعالى:*{ومن يقنت منكن لله ورسوله}،*وفي قوله تعالى:*{وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء}،*وفي قوله تعالى:*{إليه يرد علم الساعة}،*وفي قوله تعالى:*{وبدا لهم سيئات}،*وفي قوله:*{قال فما خطبكم أيها المرسلون}،*وكذلك الأحزاب كقوله تعالى:*{واذكروا الله في أيام معدودات}،*وقوله تعالى:*{قل هل أنبئكم بخير من ذلكم}.*
فكل هذا وشبيهه ينبغي أن يبتدأ به ولا يوقف عليه فإنه متعلق بما قبله، ولا يغترن بكثرة الغافلين له من القراء الذين لا يراعون هذه الآداب، ولا يفكرون في هذه المعاني.*
وليمتثل ما رواه الحاكم أبو عبد الله بإسناده، عن السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي الله عنه، قال:*"لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغترن بكثرة الهالكين ولا يضرك قلة السالكين".
ولهذا المعنى قالت العلماء: قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة، فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال.*
وقد روى ابن أبي داود بإسناده، عن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي المعروف رضي الله عنه، قال: "كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويتركوا بعضها".


ط. من البدع المنكرة في القراءة:*

ما يفعله جهلة المصلين بالناس في التراويح من قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة، فيجمعون أمورا منكرة*:
منها اعتقادها مستحبة،*
ومنها إيهام العوام ذلك،*
ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنة تطويل الأولى،*
ومنها التطويل على المأمومين،*
ومنها هذرمة القراءة،*
ومن البدع المشابهة لهذا: قراءة بعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة بسجدة غير سجدة*{ألم تنزيل}*قاصدا ذلك، وإنما السنة قراءة*{ألم تنزيل}*في الركعة الأولى، و{هل أتى}*في الثانية.

ي. مسائل غريبة تدعو الحاجة إليها:

*مسألة أنه إذا كان يقرأ فعرض له ريح فينبغي أن يمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجها ثم يعود إلى القراءة ، كذا رواه ابن أبي داود وغيره عن عطاء، وهو أدب حسن.*
*مسألة أنه إذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ،*قال مجاهد، وهو حسن،*ويدل عليه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي*الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل))رواه مسلم.*
*مسألة:*أنه إذا قرأ قول الله عز وجل:*{وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله}، {وقالت اليهود يد الله مغلولة}، {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا}*ونحو ذلك من الآيات، ينبغي أن يخفض بها صوته، كذا كان إبراهيم النخعي رضي الله عنه يفعله
*مسألة:*ما رواه ابن أبي داود بإسناد ضعيف، عن الشعبي، أنه قيل له: إذا قرأ الإنسان:*{إن الله وملائكته يصلون على النبي}يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.*
*مسألة:*أنه يستحب له أن يقول ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن*النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:*((من قرأ*{والتين والزيتون}فقال:*{أليس الله بأحكم الحاكمين}، فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين))*رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، عن رجل، عن أعرابي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي: هذا الحديث إنما يروى بهذا الإسناد، عن الأعرابي، عن أبي هريرة، ولا يسمى.*
وروى ابن أبي داود والترمذي*((ومن قرأ آخر*{لا أقسم بيوم القيامة}:*{أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى}*فليقل: بلى، ومن قرأ*{فبأي آلاء ربكما تكذبان}*أو*{فبأي حديث بعده يؤمنون}*فليقل: آمنت بالله)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وابن الزبير وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم*{سبح اسم ربك الأعلى}قال:*"سبحان ربي الأعلى".*
وعن*عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول فيها:*"سبحان ربي الأعلى"، ثلاث مرات.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى فقرأ آخر سورة بني إسرائيل، ثم قال:*"الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا"،*
وقد نص بعض أصحابنا على أنه يستحب أن يقال في الصلاة ما قدمناه.*وفي حديث أبي هريرة في السور الثلاث، وكذلك يستحب أن يقال باقي ما ذكرناه وما كان في معناه، والله أعلم.
*مسألة*إذا كان يقرأ ماشيا فمر على قوم يستحب أن يقطع القراءة ويسلم عليهم ثم يرجع إلى القراءة، ولو أعاد التعوذ كان حسنا.
*مسألة لو كان يقرأ جالسا فمر عليه غيره ؛ فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام على القارئ لاشتغاله بالتلاوة.
*مسألة إذا مر على القارئ شخص فسلم عليه فهل يكفيه الرد بالإشارة؟
فيه قولان:
الأول: إن أراد الرد باللفظ رده ثم استأنف الاستعاذة وعاود التلاوة، وهذا الذي قاله ضعيف، الثاني والظاهر: وجوب الرد باللفظ.
سبب الترجيح: أنه إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة وقلنا الإنصات سنة وجب له رد السلام على أصح الوجهين، فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات وتحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع أولى، مع أن رد السلام واجب بالجملة، والله أعلم.*
* إذا عطس في حال القراءة فإنه يستحب أن يقول: الحمد لله، وكذا لو كان في الصلاة، ولو عطس غيره وهو يقرأ في غير الصلاة وقال: الحمد لله يستحب للقارئ أن يشمته فيقول: يرحمك الله، ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته، وهذا متفق عليه عند أصحاب النووي.*
* إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة وأمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة وعلم أنه لا ينكسر قلبه ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذي*بينها بينهما*ونحوه فالأولى أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة، فإن قطعها جاز، والله أعلم.

ك. أحكام نفيسة تتعلق بالقراءة*في الصلاة :

*أحكام تتعلق بالفاتحة:
- يجب القراءة في الصلاة المفروضة بإجماع العلماء، واختلفوا في تعين قراءة الفاتحة في كل ركعة:
القول الأول: تتعين قراءة الفاتحة في كل ركعة،قال به مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء .
الثاني: لا تتعين الفاتحة أبدا، ولا تجب قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين،قال به أبو حنيفة وجماعة
والصواب الأول، فقد تظاهرت عليها الأدلة من السنة، ويكفي من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:*((ولا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن)).*
-وأجمعوا على استحباب قراءة السورة بعد الفاتحة في ركعتي الصبح والأولتين من باقي الصلوات.
-حكم قراءة الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة:
اختلفوا في استحبابها في الثالثة والرابعة، وللشافعي فيها قولان: الجديد: أنها تستحب، والقديم: أنها لا تستحب.*
قال أصحاب النووي: وإذا قلنا إنها تستحب فلا خلاف أنه يستحب أن يكون أقل من القراءة في الأولتين، قالوا: وتكون القراءة في الثالثة والرابعة سواء،*
-حكم تطويل الأولى على الثانية؟*فيها وجهان:
أصحهما عند جمهور*أصحاب النووي: أنها*لا تطول.
والثاني وهو الصحيح*عند المحققين: أنها*تطول، وهو المختار للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطول في الأولى ما لا يطول في الثانية، وفائدته أن يدرك المتأخر الركعة الأولى، والله أعلم.*
-إذا أدرك المسبوق مع الإمام الركعتين الأخيرتين من الظهر وغيرها ثم قام إلى الإتيان بما بقي عليه استحب أن يقرأ السورة،قاله الشافعي و قال الجماهير : هذا على القولين، وقال بعضهم: هذا على قوله يقرأ السورة في الأخيرتين، أما على الآخر فلا، والصواب الأول لئلا تخلو صلاته من سورة، والله أعلم، هذا حكم الإمام المنفرد.*
فأما المأموم؛ فإن كانت صلاته سرية وجبت عليه الفاتحة واستحب له السورة، وإن كانت جهرية فإن كان يسمع قراءة الإمام كره له قراءة السورة، وفي*وجوب الفاتحة*قولان:*أصحهما: تجب، والثاني: لا تجب.
وإن كان لا يسمع القراءة فالصحيح وجوب الفاتحة واستحباب السورة، وقيل: تجب ولا تستحب السورة، والله أعلم.*
-وتجب قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من صلاة الجنازة، وأما قراءة الفاتحة في صلاة النافلة فلا بد منها،*واختلف أصحاب النووي في تسميتها فيها على ثلاثة تسميات:
الأول:فقال القفال: تسمى واجبة،
الثاني:وقال صاحبه القاضي حسين: تسمى شرطا،
الثالث:وقال غيرهما: تسمى ركنا، وهو الأظهر، والله أعلم.*
-والعاجز عن الفاتحة في هذا كله يأتي ببدلها، فيقرأ بقدرها من غيرها من القرآن، فإن لم يحسن أتى بقدرها من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما، فإن لم يحسن شيئا وقف بقدر القراءة، والله أعلم.

*لا بأس بالجمع بين سورتين في ركعة واحدة
فقد ثبت في الصحيحين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:*"لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن"، فذكر عشرين سورة من المفصل كل سورتين في ركعة، وقد قدمنا عن جماعة من السلف قراءة الختمة في ركعة واحدة.

*مسألة**إذا استأذن إنسان على المصلي، فقال المصلي:*{ادخلوها بسلام آمنين}،*فإن أراد التلاوة وأراد الإعلام لم تبطل صلاته، وإن أراد الإعلام ولم يحضره نية بطلت صلاته.
*فصل:إذا أرتج على القارئ ولم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره:
- ينبغي أن يتأدب بما جاء عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وبشير بن أبي مسعود رضي الله عنهم، قالوا:*(إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول: كيف كذا وكذا، فإنه يلبس عليه).

ل. فصل في سجود التلاوة:
*حكمه وأهميته وفضله:

هو مما يتأكد الاعتناء به، فقد أجمع العلماء على الأمر بسجود*التلاوة،*واختلفوا في أنه أمر استحباب أم إيجاب، على قولين:

الأول: ليس بواجب بل مستحب، قال به الجمهور ، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والأوزاعي*والشافعي وأحمد وإسحق وأبي*ثور وداود وغيرهم.
الثاني: هو واجب، قاله أبو حنيفة واحتج بقوله تعالى:*{فما لهم لا يؤمنون * وإذا*قرأ*عليهم القرآن لا يسجدون}.*

الراجح الأول ، وسبب الترجيح:
احتج الجمهور بما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النمل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة، قال:*"يا أيها الناس إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه"، ولم يسجد عمر، رواه البخاري، وهذا الفعل والقول من عمر رضي الله عنه في هذا المجمع دليل ظاهر. *
وأما الجواب عن الآية التي احتج بها أبو حنيفة رضي الله عنه فظاهر، لأن المراد ذمهم على ترك السجود تكذيبا، كما قال تعالى بعده:*{بل الذين كفروا يكذبون}.*
وثبت في الصحيحين، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم*{والنجم}*فلم يسجد.*
وثبت في الصحيحين، أنه صلى الله عليه وسلم سجد في النجم، فدل على أنه ليس بواجب.

*بيان عدد السجدات ومحلها:
اختلفوا على أقوال:
الأول:أنها أربع عشرة سجدة. قاله الشافعي رحمه الله وأحمد ومالك والجماهير:
في الأعراف والرعد والنحل وسبحان ومريم، وفي الحج سجدتان، وفي الفرقان والنمل وألم وحم السجدة والنجم، و{إذا السماء انشقت}*و{اقرأ باسم ربك}.*
وأما سجدة ص فمستحبة، فليست من عزائم السجود، أي: متأكد*أنه*ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها"، هذا مذهب الشافعي ومن قال مثله.*
الثاني: أنها أربع عشرة أيضا،قاله أبو حنيفة ، لكن أسقط الثانية من الحج، وأثبت سجدة ص، وجعلها من العزائم،*
الثالث: أنها خمس عشرة، زاد ص، وهو قول أحمد و أبي العباس بن شريح وأبي إسحق المروزي من أصحاب الشافعي،*
الرابع: أنها إحدى عشرة، أسقط النجم و{إذا السماء انشقت}*و{اقرأ}، وهو قول قديم للشافعي، وقال به مالك وهو الأشهر .
والصحيح الأول، والأحاديث الصحيحة تدل عليه.*

*أما محلها:
- فسجدة الأعراف في آخرها.*
- والرعد: عقيب قوله عز وجل:*{بالغدو والآصال}.*
- والنحل:*{ويفعلون ما يؤمرون}.*
- وفي سبحان:*{ويزيدهم خشوعا}.*
- وفي مريم:*{خروا سجدا وبكيا}.
- والأولى من سجدتي الحج:*{إن الله يفعل ما يشاء}، والثانية:*{وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.*
- والفرقان:*{وزادهم نفورا}.*
- والنمل:*{رب العرش العظيم}.*
- و{ألم * تنزيل}: {وهم لا يستكبرون}.*
- وحم:*{لا يسأمون}.*
- والنجم في آخرها.*
- و{إذا السماء انشقت}: {لا يسجدون}.*
- و{اقرأ}*في آخرها.*
ولا خلاف يعتد به في شيء من مواضعها إلا التي في حم، فإن العلماء اختلفوا فيها، فذهب الشافعي وأصحابه*إنها ما ذكرناه إنهاعقيب*{يسأمون}، وهذا مذهب سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وأبي وائل شقيق ابن سلمة وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق بن راهويه، وذهب آخرون إلى أنها عقيب قوله تعالى:*{إن كنتم إياه تعبدون}،*حكاه ابن المنذر، عن عمر بن الخطاب والحسن البصري وأصحاب عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي صالح وطلعت بن مصرف وزبير بن الحرث ومالك بن أنس والليث بن سعد، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي حكاه البغوي في التهذيب،*
وأما قول أبي الحسن علي بن سعيد العبد من أصحابنا في كتابه الكفاية في اختلاف الفقهاء: عندنا أن سجدة النمل هي عند قوله تعالى:*{ويعلم ما يخفون وما يعلنون}، قال: وهذا مذهب أكثر الفقهاء.
وقال مالك: هي عند قوله تعالى:*{رب العرش العظيم}،*
فهذا الذي نقله عن مذهبنا ومذهب أكثر الفقهاء غير معروف ولا مقبول بل غلط ظاهر، وهذه كتب أصحابنا مصرحة بأنها عند قوله تعالى:*{رب العرش العظيم}. ذكره النووي في التبيان

*شروط سجود التلاوة:

حكم سجود التلاوة حكم صلاة النافلة في اشتراط الطهارة عن الحدث وعن النجاسة، وفي استقباله القبلة، وستر العورة، فتحرم على من ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها، وعلى المحدث إلا إذا تيمم في موضع يجوز فيه التيمم، وتحرم إلى غير القبلة إلا في السفر حيث تجوز النافلة إلى غير القبلة، وهذا كله متفق عليه.*

*فصل فيمن يسن له السجود:

-اعلم أنه يسن للقارئ المطهر بالماء أو التراب حيث يجوز سواء كان في الصلاة أو خارجا منها، ويسن للمستمع.
-أما السامع فاختلفوا فيه:
القول الأول: أنه يسن أيضا للسامع غير المستمع، ولكن قال الشافعي: لا أؤكد في حقه كما أؤكد في حق المستمع، هذا هو الصحيح
القول الثاني: لا يسجد السامع،قاله إمام الحرمين
والمشهور الأول .
-وسواء كان القارئ في الصلاة أو خارجا منها يسن للسامع والمستمع السجود، وإذا سجد القارئ ، أما إذا لم يسجد القارئ ففيه قولان:
الأول: لا يسن السجود إلا أن يسجد القارئ،قاله الصيدلاني من أصحاب الشافعي
الثاني: يسن السجود ولو لم يسجد القارئ وهو الصواب.
-حكم السجود إذا كان القارئ كافرا:
فيه قولان:
الأول: لا فرق بين أن يكون القارئ مسلما بالغا متطهرا رجلا، وبين أن يكون كافرا أو صبيا أو محدثا أو امرأة،و هذا هو الصحيح عند النووي، وبه قال أبو حنيفة، الثاني: لا يسجد لقراءة الكافر والصبي والمحدث والسكران، وقال جماعة من السلف: لا يسجد لقراءة المرأة، حكاه ابن المنذر عن قتادة ومالك وإسحق، والصواب الأول.

*وقت السجود للتلاوة وحكم قضاءها:

قال العلماء: ينبغي أن يقع عقيب آية السجدة التي قرأها أو سمعها، فإن أخر ولم يطل الفصل سجد، وإن طال فقد فات السجود، فلا يقضي على المذهب الصحيح المشهور، كما لا تقضى صلاة الكسوف.
وقال بعض أصحابنا فيه قول ضعيف أنه يقضي كما تقضى السنن الراتبة كسنة الصبح والظهر وغيرهما، فأما إذا كان القارئ أو المستمع محدثا عند تلاوة السجدة فإن تطهر عن قرب سجد، وإن تأخرت طهارته حتى طال الفصل فالصحيح المختار الذي قطع به الأكثرون: أنه لا يسجد، وقيل: يسجد، وهو اختيار البغوي من أصحابنا، كما يجيب المؤذن بعد الفراغ من الصلاة، والاعتبار في طول الفصل في هذا بالعرف على المختار، والله أعلم.

*أحكام متعلقة بسجود التلاوة:
-فصل*إذا قرأ السجدات كلها أو سجدات منها في مجلس واحد :
إذا قرأ السجدات كلها أو سجدات منها في مجلس واحد
يسجد لكل سجدة بلا خلاف، فإن كرر الآية الواحدة في مجالس سجد لكل مرة بلا خلاف، فإن كررها في المجلس الواحد نظر فإن لم يسجد للمرة الأولى كفاه سجدة واحدة عن الجميع، وإن سجد للأولى*ففيه ثلاثة أوجه:*
أصحها:*يسجد لكل مرة سجدة لتجدد السبب بعد توفية حكم الأولى.*
والثاني:*يكفيه سجدة الأولى عن الجميع، وهو قول ابن سريج، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، قال صاحب العدة من أصحابنا: وعليه الفتوى، واختاره الشيخ نصر المقدسي الزاهد من أصحابنا.*
والثالث:*إن طال الفصل سجد، وإلا فتكفيه الأولى، أما إذا كرر السجدة الواحدة في الصلاة فإن كان في ركعة فيه كالمجلس الواحد فيكون فيه الأوجه الثلاثة، وإن كان في ركعتين فكالمجلسين فيعيد السجود بلا خلاف.*

-*إذا قرأ السجدة وهو راكب على دابة في السفر :

يسجد بالإيماء، هذا مذهب النووي ومذهب مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأحمد وزفر وداود وغيرهم، وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: لا يسجد، والصواب مذهب الجماهير، وأما الراكب في الحضر فلا يجوز أن يسجد بالإيماء.

-إذا قرأ آية السجدة في الصلاة قبل الفاتحة سجد، بخلاف ما إذا قرأ في الركوع أو السجود فإنه لا يجوز أن يسجد لأن القيام محل القراءة، ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة فإنه يسجد للتلاوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة، لأن سجود التلاوة لا يؤخر.

-لو قرأ آية السجدة بالفارسية لا يسجد عند النووي، كما لو فسر آية سجدة، وقال أبو حنيفة: يسجد.

-إذا سجد المستمع مع القارئ لا يرتبط به، ولا ينوي الاقتداء به، وله الرفع من السجود قبله.

-لا تكره قراءة آية السجدة للإمام عند النووي سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، ويسجد إذا قرأها، وقال مالك: يكره ذلك مطلقا، وقال أبو حنيفة: يكره في السرية دون الجهرية.

*لا يكره عند النووي سجود التلاوة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وبه قال الشعبي والحسن البصري وسالم بن عبد الله والقاسم وعطاء وعكرمة وأبو حنيفة وأصحاب الرأي ومالك في إحدى الروايتين.*
وكرهت ذلك طائفة من العلماء، منهم عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب ومالك في الرواية الأخرى وإسحق بن راهويه وأبو ثور.

-لا يقوم الركوع مقام سجدة التلاوة في حال الاختيار، وهذا مذهب النووي ومذهب جماهير العلماء السلف والخلف، وقال أبو حنيفة رحمه الله: يقوم مقامه، ودليل الجمهور: القياس على سجود الصلاة، وأما العاجز عن السجود فيومئ إليه كما يومئ بسجود الصلاة.


* صفة السجود
اعلم أن الساجد للتلاوة له*حالان:
أحدهما: أن يكون خارج الصلاة.*والثاني: أن يكون*فيها.*
- أما الأول؛*فإذا أراد السجود نوى سجود التلاوة وكبر للإحرام ورفع يديه حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام للصلاة، ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوي إلى السجود ولا يرفع فيها اليد، وهذه التكبيرة الثانية مستحبة ليست بشرط كتكبيرة سجدة الصلاة، وأما التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام*ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا:
أظهرها*-وهو قول الأكثرين منهم-: أنها ركن ولا يصح السجود إلا بها.
والثاني:*أنها مستحبة ولو تركت صح السجود، وهذا قول الشيخ أبي محمد الجويني.
والثالث:*ليست مستحبة، والله أعلم.*
ثم إن كان الذي يريد السجود قائما كبر للإحرام في حال قيامه ثم يكبر للسجود في انحطاطه إلى السجود، وإن كان جالسا فقد قال جماعات من أصحابنا: يستحب له أن يقوم فيكبر للإحرام قائما ثم يهوي للسجود كما إذا كان في الابتداء قائما، ودليل هذا القياس على الإحرام والسجود في الصلاة، وممن نص على هذا وجزم به من أئمة أصحابنا: الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين وصاحباه صاحب التتمة والتهذيب والإمام المحقق أبو القاسم الرافعي، وحكاه إمام الحرمين عن والده الشيخ أبي محمد، ثم أنكره وقال: لم أر لهذا أصلا ولا ذكرا، وهذا الذي قاله إمام الحرمين ظاهر، فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عمن يقتدي به من السلف، ولا تعرض له الجمهور من أصحابنا، والله أعلم.
ثم إذا سجد فينبغي أن يراعي آداب السجود في الهيئة والتسبيح،*
أما الهيئة؛ فينبغي أن يضع يديه حذو منكبيه على الأرض ويضم أصابعه وينشرها إلى جهة القبلة ويخرجها من كمه ويباشر المصلي بها ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه إن كان رجلا، فإن كانت امرأة أو خنثى لم يجاف، ويرفع الساجد أسافله على رأسه ويمكن جبهته وأنفه من المصلى ويطمئن في سجوده.
وأما التسبيح في السجود؛ فقال أصحابنا: يسبح بما يسبح به في سجود الصلاة، فيقول ثلاث مرات: سبحان ربي الأعلى، ثم يقول: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين، ويقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فهذا كله مما يقوله المصلي في سجوده في الصلاة.*
قالوا: ويستحب أن يقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني وزرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود صلى الله عليه وسلم، وهذا الدعاء خصيص بهذا السجود فينبغي أن يحافظ عليه.*
وذكر الأستاذ إسماعيل الضرير في كتابه التفسير أن اختيار الشافعي رضي الله عنه في دعاء سجود التلاوة أن يقول:*{سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا}،*وهذا النقل عن الشافعي غريب جدا وهو حسن، فإن ظاهر القرآن يقتضي مدح قائله في السجود، فيستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها، ويدعو بما يريد من أمور الآخرة والدنيا، فإن اقتصر على بعضها حصل أصل التسبيح، ولو لم يسبح بشيء أصلا حصل السجود كسجود الصلاة.
ثم إذا فرغ من التسبيح والدعاء رفع رأسه مكبرا، وهل يفتقر إلى السلام؟*فيه قولان منصوصان للشافعي مشهوران:
أصحهما*عند جماهير أصحابه: أنه يفتقر لافتقاره إلى الإحرام ويصير كصلاة الجنارة، ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي داود بإسناده الصحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ السجدة سجد ثم سلم.*
والثاني:*لا يفتقر كسجود التلاوة في الصلاة، ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.*
فعلى الأول هل يفتقر إلى التشهد ؟ فيه وجهان، أصحهما لا يفتقر كما لا يفتقر إلى القيام .
وبعض أصحابنا يجمع بين المسألتين ويقول في التشهد والسلامثلاثة أوجه:*
أصحها:*أنه لا بد من السلام دون التشهد.*
والثاني:*لا يحتاج إلى واحد منهما.*
والثالث:*لا بد منهما.*
وممن قال من السلف: يسلم، محمد بن سيرين وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو الأحوص وأبو قلابة وإسحاق بن راهويه. وممن قال: لا يسلم، الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب وأحمد.
وهذا كله في الحال الأول وهو السجود خارج الصلاة،*
- والحال الثاني:*أن يسجد للتلاوة في الصلاة فلا يكبر للإحرام،*ويستحب أن يكبر للسجود ولا يرفع يديه ويكبر للرفع من السجود، هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور.
وقال أبو علي بن أبي هريرة من أصحابنا: لا يكبر للسجود ولا للرفع، والمعروف الأول.*ذكره النووي في التبيان

*الآداب في هيئة السجود والتسبيح:
-إذا كان الساجد إماما فينبغي أن لا يطول التسبيح إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل
- ثم إذا رفع من السجود قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف، وهذه مسألة غريبة قل من نص عليها، وممن نص عليها القاضي حسين والبغوي والرافعي، هذا بخلاف سجود الصلاة فإن القول الصحيح المنصوص للشافعي المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة في البخاري وغيره استحباب جلسته للاستراحة عقيب السجدة الثانية من الركعة الأولى في كل الصلوات، ومن الثالثة في الرباعيات.*
-ثم إذا رفع من سجدة التلاوة فلا بد من الانتصاب قائما، والمستحب إذا انتصب أن يقرأ شيئا ثم يركع، فإن انتصب ثم ركع من غير قراءة جاز. ذكره النووي في التبيان

م. آداب الختم وما يتعلق به:

*أوقات يستحب فيها الختم:

الختم للقارئ وحده يستحب أن يكون في الصلاة، وأنه قيل: يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر وركعتي سنة المغرب، وفي ركعتي الفجر أفضل، وأنه يستحب أن يختم ختمة في أول النهار في دور، ويختم ختمة أخرى في آخر النهار في دور آخر، وأما من يختم في غير الصلاة والجماعة الذين يختمون مجتمعين فيستحب أن تكون ختمتهم*يقول*أول النهار أو في أول الليل، وأول النهار أفضل عند بعض العلماء.*

*استحباب صيام يوم الختم:

يستحب صيام يوم الختم إلا أن يصادف يوما نهى الشرع عن صيامه، وقد روى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن طلحة بن مطرف وحبيب بن أبي ثابت والمسيب بن رافع التابعيين الكوفيين رضي الله عنهم أجمعين، كانوا يصبحون في اليوم الذي يختمون فيه القرآن صياما.

*استحباب حضور مجلس ختم القرآن:*

يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا، فقد ثبت في الصحيحين،*أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحيض بالخروج يوم العيد، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.
وروى الدارمي*وابن أبي داود بإسنادهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس، فيشهد ذلك.
وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين،*عن قتادة التابعي الجليل صاحب أنس رضي الله عنه، قال: "كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا".*
وروى بأسانيده الصحيحة عن الحكم بن عيينة التابعي الجليل،*قال: قال:*أرسل إلي مجاهد وعتبة بن لبابة فقالا:*"إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يستجاب عند ختم القرآن"، وفي بعض الروايات الصحيحة:*"وأنه كان يقال أن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن".*
وروى بإسناده الصحيح، عن مجاهد، قال:*"كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، يقولون: تنزل الرحمة".*

*استحباب الدعاء عقيب الختم:*

الدعاء مستحب عقيب الختم استحبابا متأكدا، لما ذكر في المسألة التي قبلها، وروى الدارمي بإسناده، عن حميد الأعرج، قال:*"من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك".
وينبغي أن يلح في الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة، وأن يكثر في ذلك في صلاح المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم، وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري بإسناده، أن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن كان أكثر دعائه للمسلمين والمؤمنين والمؤمنات، وقد قال نحو ذلك غيره
-اختيار ادعوات الجامعة في دعاء الختمة:*
فيختار الداعي الدعوات الجامعة، كقوله:*اللهم أصلح قلوبنا وأزل عيوبنا وتولنا بالحسنى وزينا بالتقوى واجمع لنا خير الآخرة والأولى وارزقنا طاعتك ما أبقيتنا*، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأعذنا من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال*، اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى، اللهم إنا نستودعك أدياننا وأبداننا وخواتيم أعمالنا وأنفسنا وأهلينا وأحبابنا وسائر المسلمين وجميع ما أنعمت علينا وعليهم من أمور الآخرة والدنيا*، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة واجمع بيننا وبين أحبابنا في دار كرامتك بفضلك ورحمتك*، اللهم أصلح ولاة المسلمين ووفقهم للعدل في رعاياهم والإحسان إليهم والشفقة عليهم والرفق بهم والاعتناء بمصالحهم وحببهم إلى الرعية وحبب الرعية إليهم ووفقهم لصراطك الذي المستقيم والعمل بوظائف دينك القويم*، اللهم الطف بعبدك سلطاننا ووفقه لمصالح الدنيا والآخرة وحببه إلى رعيته وحبب الرعية إليه.*
ويقول باقي الدعوات المذكورة في جملة الولاة، ويزيد: اللهم ارحم نفسه وبلاده وصن أتباعه وأجناده وانصره على أعداء الدين وسائر المخالفين ووفقه لإزالة المنكرات، وإظهار المحاسن وأنواع الخيرات، وزد الإسلام بسببه ظهورا وأعزه ورعيته إعزازا باهرا*، اللهم أصلح أحوال المسلمين وأرخص أسعارهم وآمنهم في أوطانهم واقض ديونهم وعاف مرضاهم وانصر جيوشهم وسلم غيابهم وفك أسراهم واشف صدورهم وأذهب غيظ قلوبهم وألف بينهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك صلى الله عليه وسلم وأوزعهم*ن*يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم*، اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين به ناهين عن المنكر مجتنبين له محافظين على حدودك قائمين على طاعتك متناصفين متناصحين*، اللهم صنهم*لأن*في أقوالهم وأفعالهم وبارك لهم في جميع أحوالهم*،*
ويفتح دعاءه ويختمه بقوله: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.*

*استحباب الشروع في ختمة أخرى عقيب فروغه من الختمة:*

يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة، فقد استحبه السلف واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*((خير الأعمال الحل والرحلة))، قيل: وما هما؟ قال:*((افتتاح القرآن وختمه)).

المقصد السابع: الآداب والأحكام المتعلقة بالناس عامة مع القرآن:

أ. الواجبات المتعلقة بالمؤمن مع القرآن:

1: وجوب الإيمان بالقرآن على أنه المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: {الحمد لله رب العالمين} إلى آخر {قل أعوذ برب الناس} كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق:
وقد أجمع المسلمون على ذلك.

2: وجوب النصيحة للقرآن:

ثبت في صحيح مسلم رضي الله عنه، عن تميم الداري رضي الله عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة))،قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).

*تتحقق النصيحة لكتاب الله عبر المقاصد التالية:
قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي
1-الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم.
2-تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة
3-الذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين
4-التصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه
5-العمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه
6-نشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته.

3: وجوب تعظيم القرآن:

أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته.

ب. اعتقادات وأفعال متعلقة بالقرآن تكفر صاحبها:

1: كفر من جحد حرفا من القران أو زاد حرفا وهو عالم بذلك:
أجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر. 
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين ، وكذلك إذا جحد التوراة والإنجيل أو كتب الله المنزلة أو كفر بها أو سبها أو استخف بها فهو كافر. 
وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع فيه الإجماع وأجمع على أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا فهو كافر، قال أبو عثمان بن الحذاء: جميع أهل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر. 
وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذ المقرئ أحد أئمة المقرئين المتصدرين بها مع ابن مجاهد لقراءته وإقرائه بشواذ من الحروف مما ليس في المصحف، وعقدوا عليه للرجوع عنه والتوبة سجلا أشهدوا فيه على نفسه في مجلس الوزير أبي علي بن مقلة سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة

2: كفر من استهزأ بالقرآن أو سبه ولعنه:
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين
وأفتى محمد بن أبي زيد فيمن قال لصبي: لعن الله معلمك وما علمك، قال: أردت سوء الأدب ولم أرد القرآن، قال: يؤدب القائل، قال: وأما من لعن المصحف فإنه يقتل، هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله.

ج. أحكام عامة تتعلق بالقرآن:
1: حرمة تفسير القرآن بغير علم:

ويحرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، والأحاديث في ذلك كثيرة والإجماع منعقد عليه، وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه، فمن كان أهلا للتفسير جامعا للأدوات حتى التي يعرف بها معناه وغلب على ظنه المراد فسره إن كان مما يدرك بالاجتهاد كالمعاني والأحكام الجلية والخفية والعموم والخصوص والإعراب وغير ذلك، وإن كان مما لا يدرك بالاجتهاد كالأمور التي طريقها النقل وتفسير الألفاظ اللغوية فلا يجوز الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله، وأما من كان ليس من أهله لكونه غير جامع لأدواته فحرام عليه التفسير، لكن له أن ينقل التفسير عن المعتمدين من أهله.

2: حرمة تفسير القرآن بالرأي وأقسام المفسرين برأيهم :

المفسرون برأيهم من غير دليل صحيح أقسام: 
1-منهم من يحتج بأنه على تصحيح مذهبه وتقوية خاطره مع أنه لا يغلب على ظنه أن ذلك هو المراد بالآية وإنما يقصد الظهور على خصمه ،
2-منهم من يقصد الدعاء إلى خير ويحتج بآية من غير أن تظهر له دلالة لما قاله ، 
3-منهم من يفسر ألفاظه العربية من غير وقوف على معانيها عند أهلها وهي مما لا يؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية وأهل التفسير كبيان معنى اللفظ وإعرابها وما فيها من الحذف والاختصار والإضمار والحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والتقديم والتأخير والإجمال والبيان وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر. 
ولا يكفي مع ذلك معرفة العربية وحدها بل لا بد معها من معرفة ما قاله أهل التفسير فيها، فقد يكونون مجتمعين على ترك الظاهر أو على إرادة الخصوص أو الإضمار وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر، وكما إذا كان اللفظ مشتركا في معان فعلم في موضع أن المراد أحد المعاني ثم فسر كل ما جاء به، فهذا كله تفسير بالرأي، وهو حرام، والله أعلم.

3: حرمة المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق:

يحرم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق، فمن ذلك أن يظهر فيه دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ويحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه فيحملها على مذهبه، ويناظر على ذلك مع ظهورها في خلاف ما يقول، وأما من لا يظهر له ذلك فهو معذور، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المراء في القرآن كفر))، قال الخطابي: المراد بالمراء الشك، وقيل: الجدال المشكك فيه، وقيل: وهو الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر ونحوها.

د: آداب متعلقة بالقرآن :

*ينبغي لمن أراد السؤال عن تقديم آية على آية في المصحف أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع ونحو ذلك أن يقول: ما الحكمة في كذا؟

* كراهة قول نسيت آية كذا:

يكره أن يقول: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيتها أو أسقطتها.
فقد ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم: نسيت آية كذا وكذا، بل هو شيء نسي))، وفي رواية في الصحيحين أيضا: ((بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي)).
وثبت في الصحيحين أيضا، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ فقال: ((رحمه الله، لقد ذكرني آية كنت أسقطتها))، وفي رواية في الصحيح: ((كنت أنسيتها)). 
وأما ما رواه ابن أبي داود، عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل، أنه قال: "لا تقل: أسقطت آية كذا، قل: أغفلت"، فهو خلاف ما ثبت في الحديث الصحيح، فالاعتماد على الحديث، وهو جواز (أسقطت) وعدم الكراهة فيه أولى.

4: جواز قول سورة البقرة وآل عمران وكذا:

يجوز أن يقال: سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وسورة الأنعام وكذا الباقي، لا كراهة في ذلك، وكره بعض المتقدمين هذا وقال: يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، والسورة التي يذكر فيها النساء، وكذا البواقي، والصواب الأول، فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((سورة البقرة)) و((سورة الكهف))، وغيرهما مما لا يحصى، وكذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم. 
قال ابن مسعود: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، وعنه، في الصحيحين: "قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء"، والأحاديث وأقوال السلف في هذا أكثر من أن تحصر. 
وفي السورة لغتان، الهمز وتركه، والترك أفصح، وهو الذي جاء به القرآن، وممن ذكر اللغتين ابن قتيبة في غريب الحديث.

5: جواز قول قراءة فلان:

ولا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو حمزة أو الكسائي أو غيرهم، هذا هو المختار، الذي عليه السلف والخلف من غير إنكار، وروى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي، أنه قال: "كانوا يكرهون أن يقال: سنة فلان وقراءة فلان"، والصحيح ما قدمناه.


6: استحباب النفث مع القرآن للرقية:

روى ابن أبي داود، عن أبي جحيفة الصحابي رضي الله عنه -واسمه: وهب بن عبد الله، وقيل غير ذلك- وعن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا ذلك، والمختار: أن ذلك غير مكروه بل هو سنة مستحبة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق}و{قل أعوذ برب الناس}، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات)رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. 
وفي روايات في الصحيحين زيادة على هذا، ففي بعضها قالت عائشة رضي الله عنها: (فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به) ، وفي بعضها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات). 
قالت عائشة رضي الله عنها: (فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها)، وفي بعضها: (كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث). 
قال أهل اللغة: النفث: نفخ لطيف بلا ريق ، والله أعلم.

هـ. أحكام متعلقة بالكافر مع القرآن:
*جواز سماع الكافر للقرآن وامتناع مسه للمصحف:
لا يمنع الكافر من سماع القرآن لقول الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، ويمتنع من مس المصحف

*حكم تعليم القرآن للكافر:
هل يجوز تعليمه القرآن؟ قال أصحابنا: إن كان لا يرجى إسلامه لم يجز تعليمه، وإن رجي إسلامه ففيه وجهان: 
أصحهما: يجوز رجاء إسلامه. 
والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيع المصحف منه وإن رجي إسلامه.


المقصد الثامن: الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة:

أ. أوقات مخصوصة باستحباب كثرة الاعتناء بتلاوة القرآن فيها:

-السنة كثرة الاعتناء بتلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي العشر آكد، وليالي الوتر منه آكد
- ومن ذلك العشر الأول من ذي الحجة
- ويوم عرفة
-ويوم الجمعة
-وبعد الصبح
-وفي الليل.*

ب. سور وآيات مخصوصة باستحباب المحافظة على قراءتها:

وينبغي أن يحافظ على قراءة "يس" والواقعة وتبارك الملك*ويستحب الإكثار من تلاوة آية الكرسي في جميع المواطن.

ج. سور وآيات مخصوصة يستحب قراءتها في صلوات مخصوصة:

1:السنة أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة*{ألم تنزيل}*بكمالها، وفي الثانية*{هل أتى على الإنسان}*بكمالها، ولا يفعل ما يفعله كثير من أئمة المساجد من الاقتصار على آيات من كل واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل.*
2:والسنة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء*{سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية*{هل أتاك حديث الغاشية}، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليتجنب الاقتصار على البعض، وليفعل ما قدمناه.*

3:والسنة في صلاة العيد في الركعة الأولى سورة ق، وفي الثانية سورة الساعة بكمالها، وإن شاء "سبح"، و"هل أتاك"، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليجتنب الاقتصار على البعض.

4: ويقرأ في ركعتي سنة الفجر بعد الفاتحة الأولى*{قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية*{قل هو الله أحد}، وإن شاء قرأ في الأولى*{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا}*الآية، وفي الثانية*{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}،*فكلاهما صحيح من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5:ويقرأ في سنة المغرب*{قل يا أيها الكافرون}*و{قل هو الله أحد}، ويقرأ بهما أيضا في ركعتي الطواف، وركعتي الاستخارة.

6:ويقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الركعة الأولى*{سبح اسم ربك الأعلى}*وفي الثانية*{قل يا أيها الكافرون}*وفي الثالثة*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين.

د. استحباب قراءة سور مخصوصة في أيام مخصوصة:

1:يوم الجمعة:
ويستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وغيره فيه.*
قال الإمام الشافعي في الأم: ويستحب أن يقرأها أيضا ليلة الجمعة، ودليل هذا ما رواه أبو محمد الدارمي بإسناده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:*(من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق).*
وذكر الدارمي حديثا في استحباب قراءة سورة هود يوم الجمعة، وعن مكحول التابعي الجليل استحباب قراءة آل عمران يوم الجمعة.
هـ. استحباب قراءة سور وآيات مخصوصة في أوقات مخصوصة:

*1:عقب كل صلاة:
أن يقرأ المعوذتين عقب كل صلاة، فقد صح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال:*(أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذتين دبر كل صلاة)،*رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.*

2: عند النوم:
يستحب أن يقرأ عند النوم آية الكرسي و{قل هو الله أحد}والمعوذتين وآخر سورة البقرة، فهذا مما يهتم له ويتأكد الاعتناء به، فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه))،*قال جماعة من العلماء: كفتاه من قيام الليل، وقال آخرون: كفتاه المكروه في ليلته.
وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كل ليلة يقرأ*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين)،*وقد قدمناه في فصل النفث بالقرآن.*
وروى عن أبي داود بإسناده، عن علي كرم الله وجهه، قال:*(ما كنت أرى أحدا يعقل دخل في الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي).*
وعن علي رضي الله عنه أيضا، قال:*(ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة)*إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.*
وعن عقبة بن عامر*رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((لا تمر بك ليلة إلا قرأت فيها*{قل هو الله أحد}والمعوذتين))،*فما أتت علي ليلة إلا وأنا أقرؤهن.*
وعن إبراهيم النخعي قال:*(كانوا يستحبون أن يقرؤوا هذه السور كل ليلة ثلاث مرات:*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين)،*إسناده صحيح على شرط مسلم.**
وعن إبراهيم أيضا:*(كانوا يعلمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوذتين).
وعن عائشة رضي الله عنها:*(كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل)، رواه الترمذي، وقال: حسن.

3: عند الاستيقاظ من النوم
ويستحب أن يقرأ إذا استيقظ من النوم كل ليلة آخر آل عمران، من قوله تعالى:*{إن في خلق السماوات والأرض}*إلى آخرها، فقد ثبت في الصحيحين:*(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ).

و. سور يستحب قراءتها في أحوال مخصوصة:

1:عند المريض:
يستحب أن يقرأ عند المريض بالفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيها:*((وما أدراك أنها رقية)).*
ويستحب أن يقرأ عنده*{قل هو الله أحد}*و{قل أعوذ برب الفلق}*و{قل أعوذ برب الناس}*مع النفث في اليدين، فقد ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم بيانه في فصل النفث في آخر الباب الذي قبل هذا.*
وعن طلحة بن مطرف، قال: "كان المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد لذلك خفة"، فدخلت على خيمته وهو مريض فقلت: إني أراك اليوم صالحا، فقال: "إني قرئ عندي القرآن".*
وروى الخطيب أبو بكر البغدادي رحمه الله بإسناده، أن الرمادي رضي الله عنه كان إذا اشتكى شيئا قال: "هاتوا أصحاب*إلا*حديث"، فإذا حضروا قال: "اقرؤوا علي الحديث"، فهذا في الحديث، فالقرآن أولى.

2: عند الميت:
قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يستحب أن تقرأ عنده يس، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى*الله عليه وسلم، قال:*((اقرؤوا يس على موتاكم))،*رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه بإسناد ضعيف.*
وروى مجالد، عن الشعبي، قال: كانت الأنصار إذا حضروا عند الميت قرؤوا سورة البقرة، ومجالد ضعيف، والله أعلم.

المقصد التاسع: الأحكام المتعلقة بالمصحف : كتابته وإكرامه ومسه وبيعه:

أ. صيانة المصحف واجب وعدم احترامه كفر:

*أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه.
* ولو ألقاه مسلم في القاذورة والعياذ بالله تعالى صار الملقي كافرا
*يحرم توسد المصحف، بل توسد آحاد كتب العلم حرام.*
ب: كتابة المصحف :
1: مراحل جمع المصحف كتابة وأول من قام به من الصحابة وسبب ذلك:
*المرحلة الأولى: جمع المصحف في عهد أبي بكر
وهو أول من قام بجمع المصحف
*سبب جمع المصحف في عهد أبي بكر:
اعلم أن القرآن العزيز كان مؤلفا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما هو في المصاحف اليوم، ولكن لم يكن مجموعا في مصحف بل كان محفوظا في صدور الرجال، فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كله، وطوائف يحفظون أبعاضا منه، فلما كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقتل كثير من حملة القرآن خاف موتهم واختلاف من بعدهم فيه، فاستشار الصحابة -رضي الله عنهم- في جمعه في مصحف فأشاروا بذلك، فكتبه في مصحف وجعله في بيت حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنها-
*المرحلة الثانية: في عهد عثمان رضي الله عنه
*سبب جمع المصحف في عهد عثمان:
فلما كان في زمن عثمان -رضي الله عنه- وانتشر الإسلام خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحف وبعث بها إلى البلدان وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب وسائر الصحابة وغيرهم -رضي الله عنهم-، وإنما لم يجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو، ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته -صلى الله عليه وسلم-، فلما أمن أبو بكر وسائر أصحابه ذلك التوقع واقتضت المصلحة جمعه فعلوه -رضي الله عنهم-.*
*عدد المصاحف التي بعث بها عثمان:
واختلفوا في عدد المصاحف التي بعث بها عثمان؛ فقال الإمام أبو عمرو الداني: أكثر العلماء على أن عثمان كتب أربع نسخ؛ فبعث إلى البصرة إحداهن، وإلى الكوفة أخرى، وإلى الشام أخرى، وحبس عنده أخرى.*
وقال أبو حاتم السجستاني: كتب عثمان سبعة مصاحف؛ بعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا،*
وهذا مختصر ما يتعلق بأول جمع المصحف، وفيه أحاديث كثيرة في الصحيح.*

ج. أحكام متعلقة بكتابة المصاحف:
1: استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبيينها:

*اتفق العلماء على استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبيينها وإيضاحها وتحقق الخط دون مشقة وتعليقه.*
* ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة، فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك، والله أعلم.

2: حرمة كتابة القرآن بشيء نجس:

لا تجوز كتابة القرآن بشيء نجس، وتكره كتابته على الجدران عندنا، وفيه مذهب عطاء الذي قدمناه، وقد قدمنا أنه إذا كتب على الأطعمة فلا بأس بأكلها، وأنه إذا كتب على خشبة كره إحراقها.

3:حكم كتابة القرآن في إناء ونحوه:
اختلف العلماء في كتابة القرآن في إناء ثم يغسل ويسقى المريض
فقال الحسن ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي: لا بأس به، وكرهه النخعي. 
قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما من أصحابنا: ولو كتب القرآن على الحلوى وغيرها من الأطعمة فلا بأس بأكلها، قال القاضي: ولو كان خشبة كره إحراقها.

4: كراهة نقش الحيطان والثياب ونحوه بالقران:
 يكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى، قال عطاء: لا بأس بكتب القرآن في قبلة المسجد، 
وأما كتابة الحروز من القرآن؛ فقال مالك: لا بأس به إذا كان في قصبة أو جلد وخرز عليه، وقال بعض أصحابنا: إذا كتب في الخرز قرآنا مع غيره فليس بحرام، ولكن الأولى تركه، لكونه يحمل في حال الحدث، وإذا كتب يصان بما قاله الإمام مالك رحمه الله، وبهذا أفتى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله.


د. أحكام عامة متعلقة بالمصحف:

1:استحباب القيام للمصحف إذا قدم به عليه:

ويستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه، لأن القيام مستحب للفضلاء من العلماء والأخيار فالمصحف أولى، وقد قررت دلائل استحباب القيام في الجزء الذي جمعته فيه.*
وروينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح، عن ابن أبي مليكة، أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يضع المصحف على وجهه، ويقول:*(كتاب ربي، كتاب ربي).

2:حرمة السفر بالمصحف إلى أرض العدو إذا خيف وقوعه في أيديهم:

تحرم المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو إذا خيف وقوعه في أيديهم، للحديث المشهور في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى*ارض العدو.

هـ. الأحكام المتعلقة بمس المصحف والكتب التي تحتوي آيات:

1: وجوب منع الصبي والمجنون من مس المصحف مخافة انتهاك حرمته :

ويمنع المجنون والصبي الذي لا يميز من مس المصحف مخافة من انتهاك حرمته، وهذا المنع واجب على الولي وغيره ممن رآه يتعرض لحمله.

2: حرمة مس المصحف وحمله للمحدث والجنب:

-يحرم على المحدث مس المصحف وحمله، سواء حمله بعلاقته أو بغيرها، سواء مس نفس الكتابة أو الحواشي أو الجلد، ويحرم مس الخريطة والغلاف والصندوق إذا كان فيهن المصحف، هذا هو المذهب المختار، وقيل: لا تحرم هذه الثلاثة، وهو ضعيف،*
ولو كتب القرآن في لوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر، حتى لو كان بعض آية كتب للدراسة حرم مس اللوح.
-إذا تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود أو شبهه ففي جوازه وجهان لأصحابنا:*
أظهرهما: جوازه، وبه قطع العراقيون من أصحابنا، لأنه غير ماس ولا حامل،*
والثاني: تحريمه، لأنه يعد حاملا للورقة والورقة كالجميع،*
وأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة فحرام بلا خلاف، وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين، والصواب القطع بالتحريم، لأن القلب يقع باليد لا بالكم.
-إذا كتب الجنب أو المحدث مصحكان يحمل الورقة أو جسها حال الكتابة فحرام،*
وإن لم يحملها ولم يمسها ففيه ثلاثة أوجه:*
الصحيح: جوازه، والثاني: تحريمه، والثالث: يجوز للمحدث، ويحرم على الجنب.*

3:جواز مس كتب الفقه أو غيره من العلوم والثياب المطرزة وفيها آيات من القرآن للمحدث والجنب:

إذا مس المحدث أو الجنب أو الحائض أو حمل كتابا من كتب الفقه أو غيره من العلوم وفيه آيات من القرآن أو ثوبا مطرزا بالقرآن أو دراهم أو دنانير منقوشة به أو حمل متاعا في جملته مصحف أو لمس الجدار أو الحلوى أو الخبز المنقوش به فالمذهب الصحيح جواز هذا كله، لأنه ليس بمصحف، وفيه وجه أنه حرام.*
وقال أقضى القضاة أبو حسن الماوردي في كتابه الحاوي: يجوز مس الثياب المطرزة بالقرآن، ولا يجوز لبسها بلا خلاف، لأن المقصود بلبسها التبرك بالقرآن، وهذا الذي ذكره أو قاله ضعيف لم يوافقه أحد عليه فيما رأيته، بل صرح الشيخ أبو محمد الجويني وغيره بجواز لبسها، وهذا هو الصواب، والله أعلم.*

4: حكم مس وحمل كتب التفسير للمحدث والجنب:

وأما كتب تفسير القرآن؛ فإن كان القرآن فيها أكثر من غيره حرم مسها وحملها، وإن كان غيره*أكثر كما هو الغالب ففيها ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يحرم.
والثاني: يحرم.
والثالث: إن كان*القرآن بخط متميز بغلظ أو حمرة أو غيرها حرم، وإن لم يتميز لم يحرم.*
قلت: ويحرم المس إذا استويا.*
قال صاحب التتمة من أصحابنا: وإذا قلنا لا يحرم فهو مكروه

5: حكم مس كتب الأحاديث التي تحتوي على آيات القرآن على غير طهارة:

أما كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيها آيات من القرآن لم يحرم مسها، والأولى أن لا تمس إلا على طهارة، وإن كان فيها آيات من القرآن لم يحرم على المذهب، وفيه وجه أنه يحرم، وهو الذي في كتب الفقه.*
وأما المنسوخ تلاوته كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وغير ذلك، فلا يحرم مسه ولا حمله، قال أصحابنا: وكذلك التوراة والإنجيل.

6: حكم مس المصحف وموضع من البدن فيه نجاسة:

إذا كان في موضع من بدن المتطهر نجاسة غير معفو عنها حرم عليه مس المصحف بموضع النجاسة بلا خلاف، ولا يحرم بغيره على المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء، وقال أبو القاسم الصيمري من أصحابنا: يحرم، وغلطه أصحابنا في هذا، قال القاضي أبو الطيب: هذا الذي قاله مردود بالإجماع، ثم على المشهور قال بعض أصحابنا: إنه مكروه، والمختار: أنه ليس بمكروه.
7: جواز مس المصحف بعد التيمم:

من لم يجد ماء فتيمم حيث يجوز التيمم له مس المصحف، سواء كان تيممه للصلاة أو لغيرها مما يجوز التيمم له.
وأما من لم يجد ماء ولا ترابا فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يجوز له مس المصحف لأنه محدث جوزنا له الصلاة للضرورة، ولو كان معه مصحف ولم يجد من يودعه عنده وعجز عن الوضوء جاز له حمله للضرورة، قال القاضي أبو الطيب: ولا يلزمه التيمم، وفيما قاله نظر، وينبغي أن يلزمه التيمم، أما إذا خاف على المصحف من حرق أو غرق أو وقوع في نجاسة أو حصوله في يد كافر فإنه يأخذه ولو كان محدثا للضرورة.

8:لا يجب تكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف:

هل يجب على الولي والمعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف واللوح اللذين يقرأ فيهما؟*
فيه وجهان مشهوران، أصحهما عند الأصحاب: لا يجب للمشقة.*

و. الأحكام المتعلقة ببيع وشراء المصحف:

1: حكم بيع المصحف وشراؤه:
يصح بيع المصحف وشراؤه، ولا كراهة في شرائه وفي كراهة بيعه وجهان لأصحابنا، أصحهما وهو نص الشافعي: أنه يكره.*
ومن*قال لا يكره بيعه وشراؤه: الحسن البصري وعكرمة والحكم بن عيينة وهو مروي عن ابن عباس،*
وكرهت طائفة من العلماء بيعه وشراؤه، وحكاه ابن المنذر عن علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد.*
وروي عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري التغليظ في بيعه.*
وذهبت طائفة إلى الترخيص في الشراء وكراهة البيع، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رضي الله*عنهم*أجمعين، والله أعلم.

2: حرمة بيع المصحف من الذمي:
ويحرم بيع المصحف من الذمي، فإن باعه*ففي صحة البيع قولان للشافعي:
أصحهما: لا يصح،
والثاني: يصح،*ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 رجب 1436هـ/17-05-2015م, 02:13 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

مقاصد مقّدمة تفسير ابن كثير

المقصد العام للمقدّمة: بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن لتكون مقدّمة ينتفع بها من يقرأ التفسير.
المقاصد الفرعية:
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
ب: بيان فضل القرآن
ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف
د: نزول القرآن على سبعة أحرف
هـ: فضل تلاوة القرآن وحفظه وآدابه وأحكامه
و: ذكر فوائد متفرّقة متعلقة بعلوم القرآن


أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير:
1: وجوب الإيمان بالقرآن ووعيد من كذّب به
- قال الله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}.
- قال ابن كثير: (فمن كفر بالقرآن ممن ذكرنا فالنار موعده بنصِّ الله تعالى).

2: الإنذار بالقرآن من مقاصد إرسال الرسل.
- قال الله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ}
قال ابن كثير: (فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم، وأسود وأحمر، وإنس وجان، فهو نذير له).

3: عموم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين
- قال الله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأحمر والأسود)). قال مجاهد: يعني: الإنس والجن.
- قال ابن كثير: (فهو -صلوات الله وسلامه عليه- رسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، مبلغا لهم عن الله ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}).

4: الأمر بتدبّر القرآن
- قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.

5: حكم تفسير القرآن وبيان معانيه للناس
- قال ابن كثير: (فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه).
- قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
- وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.

6: ذمّ المعرضين عن تدبّر كتاب الله
- قال ابن كثير: (ذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه).
- قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}.
لطيفة:
قال ابن كثير: (ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم).


6: أحسن طرق التفسير
6-أ: تفسير القرآن بالقرآن.
- ما أجمل في موضع من القرآن فإنه قد فسر في موضع آخر.
6-ب: تفسير القرآن بالسنّة.
- السنّة مبيّنة للقرآن وشارحة له.
- قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
- وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
- السنّة وحي من الله إلا أنها لا تُتلى كما يُتلى القرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة.
- قال الشافعي: (كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} ).

6-ج: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
- إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنّة رجعنا إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم
- الصحابة أعلم الناس بالقرآن لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
- علماء الصحابة وكبراؤهم لهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس.
علم ابن مسعود رضي الله عنه بتفسير القرآن
- قال ابن مسعود: (والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته). رواه ابن جرير.
- وقال ابن مسعود أيضاً: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن).
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا).
علم ابن عباس رضي الله عنهما بتفسير القرآن
- دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)).
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (نعم ترجمان القرآن ابن عباس). رواه ابن جرير وصحّحه ابن كثير وقال: (وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود رضي الله عنه؟!!).
- وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف عليٌّ عبدَ الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.
7: حكم رواية الإسرائيليات
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري.
- كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
- الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد.
7-أ: أقسام الإسرائيليات
- الإسرائيليات على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
7-ب: من أسباب اختلاف المفسّرين اختلاف الأخبار المرويّة عن بني إسرائيل
قال ابن كثير: (ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم ).
7-ج: حكم نقل الخلاف عن بني إسرائيل
- قال ابن كثير: (نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22]).
- اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما.
- ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
7-د: أصول وآداب حكاية الخلاف في المسائل العلمية
- أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم.
- من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا.
- مَن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ.
- مَن نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.


8: تفسير القرآن بأقوال التابعين
- قال ابن كثير: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة؛ فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين).
- من أئمة التابعين في التفسير: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية الرياحي، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم.
- إذا أجمع التابعون على تفسير فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم.
- من أقوال التابعين في التفسير أقوال فيها تنوّع في الدلالة على المراد ويقع بسبب ذلك تباين في الألفاظ وهي ترجع إلى معنى واحد في حقيقة الأمر ؛ فقد يظنّها الظان اختلافاً وليست كذلك.
- بيان ذلك: أن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من المواضع.

9: علم مجاهد بن جبر بالتفسير
- قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها). رواه ابن إسحاق.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله).
- قال ابن كثير: (ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).


10: هل تفسير التابعي حجّة؟
- قال شعبة بن الحجاج وغيره: (أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟)
- قال ابن كثير: (يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة).

11: حكم التفسير بالرأي
- تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام.
- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)). رواه الترمذي والنسائي وابن جرير.
- عن جندب بن جنادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ)). رواه أبو داوود والترمذي والنسائي، وفي لفظ لهم: ((من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ)).
- قال ابن كثير: (لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه).

12: تحرّج بعض السلف عن التفسير خشية القول فيه بغير علم
- قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم؟!).
- عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها). رواه ابن جرير وقال ابن كثير: (إسناده صحيح).
- قال عبيد الله بن عمر: (لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع). رواه ابن جرير.
- قال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة يعني السلماني عن آية من القرآن فقال: (ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد).
- قال مسروق بن الأجدع: (اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله). رواه أبو عبيد.
- قال إبراهيم النخعي: (كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه). رواه أبو عبيد.
- وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: (إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن).
- عن يزيد بن أبي يزيد قال: (كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع).

13: توجيه الآثار المرويّة عن بعض السلف في التحرّج من التفسير
- قال ابن كثير: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد).
- كما يجب سكوت المرء عما لا علم له به، فكذلك يجب عليه القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).

14: تنبيه على ضعف حديث في التفسير النبوي
- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعددٍ علَّمهن إياه جبريل عليه السلام). رواه ابن جرير.
- قال عنه ابن كثير: (حديث منكر غريب).
- وجّه ابن جرير هذا الحديث بأنّه محمول على ما لا يُعلم إلا بالتوقيف من أمور الغيب مما علّمه إيّاه جبريل.
- قال ابن كثير: (وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث؛ فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، كما صرح بذلك ابن عباس).
- عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله). رواه ابن جرير.

ب: بيان فضل القرآن:
1: هيمنة القرآن على ما قبله من الكتب
قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
- عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: (المهيمن: الأمين). قال: (القرآن أمين على كل كتاب قبله). وفي رواية: (شهيدا عليه). رواه ابن جرير وعلقه البخاري.
- وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.
- قال ابن كثير: (وبنحو ذلك قال مجاهد والسدي وقتادة وابن جريج والحسن البصري وغير واحد من أئمة السلف).
- أصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه.
- قدم ابن كثير الفضائل قبل التفسير وذكر فضل كل سورة قبل تفسيرها ليكون ذلك باعثا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه.
2: الأحاديث الواردة في فضل القرآن
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)). رواه البخاري.
- في هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء؛ لأنها معجزة باقية مؤثّرة.
- عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنها ستكون فتنة)) فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟
قال: (( كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)). رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وفي إسناده الحارث الأعور متكلّم فيه، قال ابن كثير: (قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث).
- قال ابن كثير: (وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم).
- عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)). رواه أبو عبيد، وفي إسناده مقال.

3: من فضائل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله
- من فضل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، قال الله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
- تحدّى الله العرب أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا وهو أهل الفصاحة والبلاغة ؛ قال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}


4: مدّة نزول الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة وابن عباس قالا: (لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) رواه البخاري والنسائي.
- قال ابن كثير: (أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه، وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح).
- يحتمل أنه حذف ما زاد على العشرة اختصارا في الكلام على عادة العرب في حذف الكسور، أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل به عليه السلام ؛ لما روى الإمام أحمد أنه قرن به ميكائيل في ابتداء الأمر يلقي إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به جبريل.
- ابتُدئ نزول القرآن في مكان شريف وهو البلد الحرام، وفي زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان.


5: الملَك الموكّل بنزول الوحي
- قال معتمر بن سليمان: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل، أو كما قال.
قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام).
- جبريل عليه السلام ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} ، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون} الآيات.


6: تتابع الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن ابن شهاب الزهري قال: (أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد). رواه البخاري ومسلم.
- تابع الله نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه.
- فتر الوحي بعد نزول: {اقرأ باسم ربك} واختلف في مدة هذه الفترة حتى قيل إنها قريب من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع.
- أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم فأنذر}.
- عن جندب بن عبد الله البجلي قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} ). رواه البخاري ومسلم.
- في الحديث دلالة على محبّة الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وعنايته به إذ جعل الوحي عليه متتابعاً.
- إنما أنزل القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.

7: شدّة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
- روى البخاري حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فذكر الحديث الذي سأل عمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب وعليه جبة، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم فجئه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أي: تعال، فجاء يعلى، فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه، فقال: ((أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟)) فذكر أمره بنزع الجبة وغسل الطيب.

8: معرفة المكّي والمدنيّ
- القرآن منه مكّي ومدني؛ فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء أكان بالمدينة أم بغيرها من البلاد، حتى ولو كان بمكة أو عرفة.
- أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر.
- أراد بعض العلماء ضبط الفروق بين المكّي والمدني بضوابط كليّة، وفيما ذكروه عًسرٌ ونظر.
- قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية.
- وقال علقمة: (كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة) رواه أبو عبيد.
- وقال ميمون بن مهران: (ما كان في القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني). رواه أبو عبيد.
- قال بعض العلماء بتكرر نزول بعض السور مرّة بمكة ومرّة بالمدينة.
- بعض العلماء يقول بالاستثناء في بعض السور؛ فيستثني من بعض السور المكيّة آيات يدّعي أنها من المدني.
- الصواب أن تمييز المكيّ من المدني يرجع فيه إلى ما دلّ عليه الدليل الصحيح.
- قال علي بن أبي طلحة: (نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و{يا أيها النبي لم تحرم} والفجر، {والليل إذا يغشى} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {لم يكن الذين كفروا} و {إذا زلزلت} و {إذا جاء نصر الله} وسائر ذلك بمكة).
- ذكر علي بن أبي طلحة في المدني سورا في كونها مدنية نظر، وفاته الحجرات والمعوذات.

9: نزول القرآن باللسان العربي
- قال الله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}، وقال تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.
- عن أنس بن مالك قال: (فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: (إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم) ففعلوا). رواه البخاري.
- عن جابر بن سمرة، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف). رواه ابن أبي داوود، وقال ابن ثير: (هذا إسناد صحيح).
- عن عبد الله بن فضالة قال: (لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال: (إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر). رواه البخاري.
- قال البخاري: (نزل القرآن بلسان قريش والعرب، {قرآنا عربيا}، {بلسان عربي مبين}).
- القرآن نزل بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب.



10: نزول السكينة والملائكة عند القراءة
- قال الله تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم .
- عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)). رواه البخاري ومسلم.
- عن أسيد بن الحضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)). رواه البخاري معلّقاً.
- عن أسيد بن حضير أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت..) رواه أبو عبيد. ، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.
- عن أسيد بن حضير قال: قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ". رواه أبو عبيد.



11: القرآن أعظم إرث النبي صلى الله عليه وسلم
- عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين).
قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين). تفرد به البخاري.
- معناه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرّث شيئاً من الدنيا، وإنما ترك لنا القرآن، والسنّة مفسّرة للقرآن مبيّنة له.
- قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا).
- وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))


12: فضل القرآن على سائر الكلام
- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)). رواه البخاري.
- طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما؛ فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.
- كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه.


13: الوصايا بكتاب الله
- قال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( لا )؛ فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أُمروا بها ولم يوص؟ قال: (أوصى بكتاب الله عز وجل). رواه البخاري.
- المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الناس باتّباع كتاب الله عز وجل.
- النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا من الدنيا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك.
- لم يوصِ النبي صلى الله عليه وسلم إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ لحديث ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).



14: معنى التغنّي بالقرآن وفضل حسن الصوت بالقرآن
- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))، وقال صاحب له: يريد يجهر به. رواه البخاري.
- قال حرملة: (سمعت ابن عيينة يقول: معناه: (يستغني به) فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به).
- قال ابن كثير: (معناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك).
- عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)). رواه ابن ماجة بسند جيّد.
- الله تعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم لكن استماع الله لقراءة النبي والمؤمنين استماع تشريف.
- عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العقل)). رواه أبو عبيد، وفي رواية له: ((واقتنوه وتغنوا به)) ولم يشك، وهكذا رواه أحمد والنسائي.
- عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون))
- قال ابن كثير: (وهذا مرسل).
- قال أبو عبيد: (قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم).
- عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)) رواه أبو عبيد وابن ماجة.
- قال أبو عبيد: (يعني: الاستماع. وقوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لشيء)) أي: ما استمع).
- عن السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا)). رواه أبو القاسم البغوي.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). رواه أبو داوود.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)). رواه ابن ماجة.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال وكيع: يعني: يستغنى به). رواه أحمد.
- قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجل رث البيت، رث الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع). رواه أبو داود.
- قال ابن كثير: (فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله).
- واستدلّ لذلك بحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)). رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه.
- المراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه وتحزينه والتخشع به،
- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا). رواه مسلم.
- قال ابن كثير: (والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه).

15: من عُرف بحسن الصوت من الصحابة
- عن أبي سلمة قال: (كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه أبو عبيد.
- قال أبو عثمان النهدي: (كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته).
- عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
- عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه). متفق عليه.
- أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب.

16: أحسن الناس صوتاً بالقرآن أخشاهم لله
قال طاووس بن كيسان: (أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله). رواه أبو عبيد.
- عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله)) ". رواه أبو عبيد.
17: تحسين الصوت بالقرآن وحكم القراءة بالألحان
- قال ابن كثير: (المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك).
- عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). رواه أبو عبيد.
- عن عُلَيم قال: (كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين). رواه أبو عبيد.
- قال ابن كثير: (وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه).

18: اغتباط صاحب القرآن
- عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)). رواه البخاري.
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل". رواه البخاري ومسلم.
- ينبغي أن يكون صاحب القرآن شديد الاغتباط بما هو فيه، وينبغي لغيره أن يغبطه على ذلك بأن يتمنّى مثل ما هو فيه من النعمة.
- الغبطة غير الحسد المذموم الذي هو تمنّي زوال النعمة.
- ورد في فضل الغبطة أحاديث من أصحّها حديث أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)). رواه الإمام أحمد ، وقال ابن كثير: (إسناد صحيح).

19: فضل من تعلَّم القرآن وعلمه
-قال سعد بن عبيدة: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم من رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه).
- من شأن خيار الأبرار أن يكمل المرء نفسه ويسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} .
- ومن شأن الفجار أنهم لا ينتفعون بالهدى، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع به، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب}، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه}، في أصح قولي المفسرين في هذا.

20: تزويج الخاطب بما معه من القرآن
- عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)). متفق عليه.
- في رواية لمسلم: (فعلّمها)، وهذا سبب إيراد البخاري لهذا الحديث بعد حديث : ( خيركم من تعلّم القرآن القرآن وعلّمه).


21: وصايا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقرآن
- قال ابن كثير: (وهكذا أذكر آثارا مروية عن ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود أحد قراء القرآن من الصحابة المأمور بالتلاوة على نحوهم).
- قال ابن مسعود: (كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض). رواه الطبراني.
- وقال: (من أراد العلم فليثوّر من القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين).
- وقال: (إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع).
- وقال: (أعربوا هذا القرآن فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم).
- وقال: (أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر).
وقال: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم.
قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟
قال: (يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء) ، وفي رواية: (لا يبقى في مصحف منه شيء، ويصبح الناس فقراء كالبهائم). ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} ). رواه عبد الرزاق.
- وقال: (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز). رواه الطبراني.
- عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: (إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي).


ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف:

1: مراحل جمع القرآن:

1:في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
ثبت في الصحيحين عن أنس قال: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، كلهم من الأنصار؛ أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. فقيل له: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. وفي لفظ للبخاري عن أنس قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة؛ أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه. ذكره ابن كثير

* معارضة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن:
كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم
قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
ثم قال: عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"، وهذا الحديث متفق عليه وقد تقدم الكلام عليه في أول الصحيح وما فيه من الحكم والفوائد، والله أعلم.
ثم قال: عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من غير وجه عن أبي بكر . ذكره البخاري
*المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة:
مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى.
*أسباب معارضة النبي جبريل بالقرآن:
ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا؛ ولهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك؛ ولهذا فهم، عليه السلام، اقتراب أجله.
* معارضة النبي جبريل بالقرآن مرتين في السنة الأخيرة:
-سبب ذلك: لاقتراب أجل الرسول صلى الله عليه وسلم.
*جمع المصحف على العرضة الأخيرة:
وعثمان، رضي الله عنه، جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة، رضي الله عنه وأرضاه
*الشهر الذي جمع فيه المصحف وسبب ذلك:
خص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن.

2: القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
*القراء الذين وصى الرسول بأخذ القراءة عنهم:
-عبدالله بن مسعود
-سالم مولى أبي حذيفة
-معاذ بن جبل
-أبي بن كعب
-زيد بن ثابت
-أبو زيد
-أبو الدرداء

*الأدلة على أخذ القرآن منهم واستحقاقهم لذلك:
-عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع، ومسلم والنسائي عن عمرو بن مرة به. وأخرجاه والترمذي والنسائي -أيضا- من حديث الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق به. -فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة
- وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة،
-واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران، رضي الله عنهم أجمعين.
- عن شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك. رواه البخاري
- عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد. رواه البخاري
-عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. رواه البخاري
وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخبارا عن يوسف لما قال لصاحب مصر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} [يوسف: 55]
-ويكفي ابن مسعود مدحا وثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقرئوا القرآن من أربعة))، فبدأ به.
-وقال أبو عبيد: عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية وصححه الدارقطني
-وفي مسند عمر وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.

*الصحابة الذين اختصوا بجمع القرآن كاملا :
من الأنصار/
-أبي بن كعب
-معاذ بن جبل
-زيد بن ثابت
-أبو زيد
-أبو الدرداء
-عبادة بن الصامت

*الأدلة على اختصاصهم بالجمع:
-حكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال -بعد ذكره حديث أنس بن مالك هذا- : فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
-قال البخاري: عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام.
-عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه. رواه البخاري
*رد التعارض في تخصيص هؤلاء الأربع بالجمع:
-فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون
-فقول أنس: "لم يجمعه غير أربعة" يحتمل أنه لم يأخذه تلقيا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الأربعة، وأن بعضهم تلقى بعضه عن بعض. قال: وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل سبقهم إلى الإسلام، وإعظام الرسول لهم. حكاه القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني
*المراد بأبي زيد:
إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه
-قال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
-وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس.
-وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد
الراجح: قول الواقدي أصح
سبب الترجيح: لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي. وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي، وقد شهد أبو زيد هذا بدرا، فيما ذكره غير واحد. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة.

*الصحابة الذين اختصوا بجمع القرآن من المهاجرين :
-عبدالله بن عباس
-عبدالله بن مسعود
-سالم مولى أبي حذيفة
-أبو بكر الصديق
-عثمان بن عفان
-علي بن أبي طالب

*أدلة ذلك:
-والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولا يشك فيه، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني في ذلك جزءا، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب مسند الشيخين، رضي الله عنهما.
-ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة -كما سنذكره- . ذكره ابن كثير
-وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل، وقد قدمنا هذا. ذكره ابن كثير
- ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه. ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا.
-ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن، وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.

*الصحابة الذين قاموا بجمع القرآن من غير المهاجرين والأنصار:
-تميم الداري
-عبدالله بن عمرو بن العاص

*دليل ذلك:
حكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال -بعد ذكره حديث أنس بن مالك هذا- : فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

*نسبية الخطأ من هؤلاء القراء وجواز ترك ما عرف عنهم باللحن فيه:
عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106]. رواه البخاري
وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه.

2: في عهد أبي بكر رضي الله عنه:
*سبب الجمع في عهد أبي بكر ودور عمر في الإشارة لذلك الجمع:
-عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
-وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هو الذي تنبه لذلك لما استحر القتل بالقراء، أي اشتد القتل وكثر في قراء القرآن يوم اليمامة، يعني: يوم اليمامة، يعني يوم قتال مسيلمة الكذاب وأصحابه من بني حنيفة بأرض اليمامة في حديقة الموت، وذلك أن مسيلمة التف معه من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهز الصديق لقتاله خالد بن الوليد في قريب من ثلاثة عشر ألفا، فالتقوا معهم فانكشف الجيش الإسلامي لكثرة من فيه من الأعراب، فنادى القراء من كبار الصحابة: يا خالد، يقولون: ميزنا من هؤلاء الأعراب فتميزوا منهم، وانفردوا، فكانوا قريبا من ثلاثة آلاف، ثم صدقوا الحملة، وقاتلوا قتالا شديدا، وجعلوا يتنادون: يا أصحاب سورة البقرة، فلم يزل ذلك دأبهم حتى فتح الله عليهم وولى جيش الكفار فارا، وأتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلا وأسرا، وقتل الله مسيلمة، وفرق شمل أصحابه، ثم رجعوا إلى الإسلام، ولكن قتل من القراء يومئذ قريب من خمسمائة، رضي الله عنهم، فلهذا أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن؛ لئلا يذهب منه شيء بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال، فإذا كتب وحفظ صار ذلك محفوظا فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته، فراجعه الصديق قليلا ليستثبت الأمر، ثم وافقه، وكذلك راجعهما زيد بن ثابت في ذلك ثم صارا إلى ما رأياه، رضي الله عنهم أجمعين، وهذا المقام من أعظم فضائل زيد بن ثابت الأنصاري؛ ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، حدثنا يزيد، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن؛ أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، فأمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه في المصحف.
هذا منقطع، فإن الحسن لم يدرك عمر، ومعناه: أنه أشار بجمعه فجمع؛ ولهذا كان مهيمنا على حفظه وجمعه. قاله أبو بكر بن أبي داوود في كتاب المصاحف

*تكليف زيد بجمع المصحف:
قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.

*المواطن التي جمع زيد القرآن منها:
-العسب واللخاف وصدور الرجال
قال زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة.وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
ومنهم من لم يكن يحسن الكتابة أو يثق بحفظه، فكان يحفظه، فتلقاه زيد بن ثابت من هذا من عسيبه، ومن هذا من لخافه، ومن صدر هذا، أي من حفظه
-تعريف العسب واللخاف
أما العسب فجمع عسيب. قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: وهو من السعف فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعف.
واللخاف: جمع لخفة وهي القطعة من الحجارة مستدقة، كانوا يكتبون عليها وعلى العسب وغير ذلك، مما يمكنهم الكتابة عليه بما يناسب ما يسمعونه من القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*الأشخاص الذين احتفظوا بالصحف:
-فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم.
وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
- كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه. ذكره ابن أبي داوود في المصاحف

*جمع المصحف من أعظم وأجل الأعمال التي قام بها أبو بكر:
وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق، رضي الله عنه، فإنه أقامه الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد بعده، قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، رضي الله عنه وأرضاه.
ولهذا روي غير واحد من الأئمة منهم وكيع وابن مهدي وقبيصة عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. هذا إسناده صحيح.

*اشتراط المجيء بشاهدين على الآية من كتاب الله حين الجمع:
-عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عمر لما جمع القرآن كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان. رواه أبو داود
-وذلك عن أمر الصديق له في ذلك، كما قال أبو بكر بن أبي داود: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر، رضي الله عنه، أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. منقطع حسن.
-استثناء أبو خزيمة الأنصاري من المجيء بشاهدين لأن شهادته باثنين:
قال زيد بن ثابت: وجدت آخر سورة التوبة، يعني قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128، 129]، مع أبي خزيمة الأنصاري، وفي رواية: مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين في قصة الفرس التي ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، فأنكر الأعرابي البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي. والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور.
-وقد روى ابن وهب عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب؛ أن عثمان شهد بذلك أيضا.

3: جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه :
*أسباب جمع عثمان للقرآن:
عن أن أنس بن مالك، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. رواه البخاري

*الصحابة الذين قاموا بنسخ الصحف في المصاحف:
-زيد بن ثابت
-عبد الله بن الزبير
-سعيد بن العاص
-عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

*طريقة الجمع والترتيب:
-ترتيب الآيات توقيفي عن الرسول أما السور فاجتهادية من عثمان:
وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين؛ ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار،عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
-ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا.
-استحباب القراءة بترتيب عثمان اقتداء به وجواز عدم فعل ذلك:
وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، رضي الله عنه، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية}، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة}، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف.

*كيفية التعامل مع الاختلاف في القراءة واللسان الذي أمر عثمان بالكتابة به:
قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم.

*أمر عثمان بإحراق الصحف سوى الذي قاموا بجمعه حتى أحرقه مروان بن الحكم:
- حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
فلم تزل الصحف عند حفصة حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق.
-سبب الحرق:
وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.

*عظم منقبة عثمان ودوره في جمع الناس وعدم اختلافهم:
وهذا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة.
وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.

*غضب ابن مسعود من الجمع وسبب ذلك ثم رضاه:
روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام
عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة.
ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو بكر: عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]، غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء.
-رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:
قال أبو بكر بن أبي داود: عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف -أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم.

*اتفاق الصحابة على هذا الجمع وتأييدهم له:
حتى قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا. فاتفق الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)).
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
وقال أيضا: عن ثابت بن عمارة الحنفي، قال: سمعت غنيم بن قيس المازني قال: قرأت القرآن على الحرفين جميعا، والله ما يسرني أن عثمان لم يكتب المصحف، وأنه ولد لكل مسلم كلما أصبح غلام، فأصبح له مثل ما له. قال: قلنا له: يا أبا العنبر، ولم؟ قال: لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرؤون الشعر.
وعن أبي مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرؤون الشعر.

*المواطن التي بعث عثمان بالمصاحف إليها:
-مصحف إلى أهل مكة
-ومصحفا إلى البصرة
- وآخر إلى الكوفة
- وآخر إلى الشام
- وآخر إلى اليمن
وآخر إلى البحرين
- وترك عند أهل المدينة مصحفا، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله.
-وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب.

*وجوب اعتقاد بلوغ القرآن كاملا إلينا وأمانة الصحابة في جمعه ونقله:
كان الصحابة أحرص شيء على أداء الأمانات وهذا من أعظم الأمانة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]، ففعل، صلوات الله وسلامه عليه، ما أمر به؛ ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رؤوس الأشهاد، والصحابة أوفر ما كانوا مجتمعين، فقال: ((إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟)). فقالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يشير بأصبعه إلى السماء، وينكبها عليهم ويقول: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)). رواه مسلم عن جابر.
وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: ((بلغوا عني ولو آية)) يعني: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه، فبلغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((من كتب عني سوى القرآن فليمحه)) أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه: ألا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم.
فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة، فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4. تأليف القرآن:
*المراد بتأليف القرآن:
ترتيب سوره.

*الأحكام المتعلقة بتأليف القرآن:
-حكم قراءة القرآن بدون ترتيب سوره:
القول الأول: لا يضر أن يقرأ سور القرآن بدون ترتيب وهو الراجح
القول الثاني:وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان، رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور.
والرد على ذلك: أن الظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.
-دليل جواز قراءة سور القرآن بدون ترتيب:
عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.
وهكذا رواه النسائي من حديث ابن جريج به
فهذا العراقي أخبر عائشة أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.
وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه، عليه السلام، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران.
ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده.
قال أبو الحسن بن بطال: ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

-ترتيب الصحابة للسور باجتهادهم:
حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة
-اختلاف مصحف ابن مسعود عن مصحف عثمان:
عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.
وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان، رضي الله عنه، من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه. رواه البخاري

-حكم تأليف السور في الرسم والخط خاصة:
واجب. قاله أبو الحسن البطال

-حكم قراءة السور منكوسة بالابتداء بآخرها إلى أولها:
حرام محذور.
روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب

-كيفية تحزيب القرآن لدى أصحاب رسول الله:
عن أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.
ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن. رواه الإمام أحمد

-حكم قراءة القرآن بترتيب أياته:
أما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك.
دليل ذلك:
ولهذا لم ترخص عائشة للعراقي في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم.

5. نقط المصحف وشكله وتقسيمه:
*أول من أمر به:
يقال: عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك
ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي
ويقال: أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.

*أول من كتب الأعشار على الحواشي:
قيل: الحجاج
وقيل: بل أول من فعله المأمون

-حكم كتابة الأعشار على الحواشي:
حكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه
وقال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.

د: نزول القرآن على سبعة أحرف:


*المقصود بسبعة أحرف:

وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ونحن نذكر منها خمسة أقوال:
فالأول- وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
وقال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل".
وروى عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
قال الطحاوي. وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر
القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا} [يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا.
قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعرابيا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.
القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.
القول الرابع: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".
القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.

*تنبيه حول القراءات السبع التي تنسب للقراء السبعة في عصرنا الآن:
قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.

*أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف:
-عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
وقد رواه -أيضا- في بدء الخلق، ومسلم من حديث يونس، ومسلم -أيضا- من حديث معمر، كلاهما عن الزهري بنحوه ورواه ابن جرير من حديث الزهري به
وهذا مبسوط في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال: عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).وقد رواه النسائي .
عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) . رواه ابن جرير
عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). رواه أحمد وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.
عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)). رواه ابن جرير
عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). رواه ابن جرير وإسناده صحيح.
وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27].
وفي لفظ لأبي داود عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)).
وقد روى ثابت بن قاسم نحوا من هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن كلام ابن مسعود، رضي الله عنه، نحو ذلك.
حديث آخر في معناه عن سليمان بن صرد -يرفعه- قال: "أتاني ملكان، فقال أحدهما: ((اقرأ. قال: على كم؟ قال: على حرف. قال: زده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). ورواه النسائي في اليوم والليلة عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام عن إسحاق الأزرق عن العوام بن حوشب، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد قال: أتى أبي بن كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين اختلفا في القراءة، فذكر الحديث. رواه ابن جرير
عن أبي بن كعب قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال: قلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت قد أحسنت. قال: فضرب بيده على صدري ثم قال: ((اللهم أذهب عن أبي الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا. قال: ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما: اقرأ القرآن على حرف، وقال الآخر: زده. قال: قلت: زدني. فقال اقرأه على حرفين، حتى بلغ سبعة أحرف فقال: اقرأه على سبعة أحرف)). رواه ابن جرير
وقد رواه أبو عبيد عن حجاج، بنحو ذلك ورواه أبو داود بنحوه. فهذا الحديث محفوظ من حيث الجملة عن أبي بن كعب، والظاهر أن سليمان بن صرد الخزاعي شاهد على ذلك، والله أعلم.
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة)). رواه أحمد وهكذا رواه ابن جرير وزاد في آخره كقولك: ((هلم وتعال)).
عن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).رواه أحمد، وإسناده صحيح، ولم يخرجوه.
عن أبي هريرة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على سبعة أحرف، مراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما علمتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)). رواه أحمد ورواه النسائي .
عن أم أيوب- يعني امرأة أبي أيوب الأنصارية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أجزأك)). رواه أحمد وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.
عن أبي جهيم الأنصاري؛ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلاقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أبو جهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا، فإن مراء فيه كفر)). وهكذا رواه أبو عبيد على الشك وقد رواه الإمام أحمد على الصواب.
عن أبي قيس -مولى عمرو بن العاص- أن رجلا قرأ آية من القرآن، فقال له عمرو -يعني ابن العاص- : إنما هي كذا وكذا، بغير ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتياه، فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم أصبتم، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء فيه كفر)). رواه أبو عبيد ورواه الإمام أحمد ، وفيه: ((فإن المراء فيه كفر أو إنه الكفر به)). وهذا -أيضا- حديث جيد.
عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)). رواه ابن جرير
قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها عن الأحرف السبعة إلا ما حدثني عفان، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على ثلاثة أحرف)).
قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنها المشهورة.

*سبب مشروعية قراءة القرآن بسبع أحرف:
التخفيف عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
لما ورد في الأحاديث والآثار:
عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)).رواه ابن جرير
عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.رواه ابن جرير وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية شعبة به.
عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). رواه أحمد وهكذا رواه مسلم .
عن أبي قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة، والغلام، فقال: مرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف)).رواه أحمد وأخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وقد رواه أبو عبيد والله أعلم.
عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية؛ الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني، الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).رواه أحمد عفان
وقال أحمد أيضا: عن ربعي بن حراش: حدثني من لم يكذبني -يعني حذيفة- قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم، ولا يرجع عنه. وقال عبد الرحمن: إن في أمتك الضعيف، فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه. وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه.

*اختلاف الأحرف يكون في الأمر الذي يكون واحدا :
قال الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا تختلف في حلال ولا في حرام.

*من اللغات التي نزل القرآن بها:
-نزل القرآن على خمس بلغة العجز من هوازن.رواه الكلبي عن ابن عباس :
والعجز هم بنو أسد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف هم عليا هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم. ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
-واللغتان الأخريان: قريش وخزاعة رواه قتادة عن ابن عباس، ولكن لم يلقه.وقاله ابن جرير

*نزول القراءات السبع من أبواب الجنة السبع:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما تقدم. يعني كما تقدم في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.
-تفسير ذلك:
قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.

*الأخذ بقول عثمان بالاقتصار على قراءة واحدة وثمرة ذلك وأسبابه:

أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف، ثم نسخه عثمان بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.
ثم لما رأى اختلاف الناس في القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم -جمعهم على حرف واحد، وهو هذا المصحف الإمام، قال: واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعله من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له، ونظر منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها.
فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين. إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)) بمعزل؛ لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر، كما تقدم.


هـ: فضل تلاوة القرآن وحفظه وآدابه وأحكامه:
1: وجوب الإخلاص في تلاوة القرآن:

*التحذير من المراءاة بقراءة القرآن أو التأكل به أو الفجور به وكون هذه خصلة من خصل الخوارج الذين أمرنا بقتلهم:

عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا قوم يقرؤون القرآن فقال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله -عز وجل- من قبل أن يأتي بقوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)). رواه الإمام أحمد

قال علي، رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)).رواه البخاري

عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق)).رواه مسلم وأبو داود والنسائي

-الأمر بقتل الخوارج لمراءاتهم :

أمر بقتلهم لأنهم مراؤون في أعمالهم في نفس الأمر، وإن كان بعضهم قد لا يقصد ذلك، إلا أنهم أسسوا أعمالهم على اعتقاد غير صالح، فكانوا في ذلك كالمذمومين في قوله: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} [التوبة: 109]، وقد اختلف العلماء في تكفير الخوارج وتفسيقهم ورد رواياتهم، كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله.

* أحوال الناس مع القرآن عامة والمرائي بتلاوته خاصة وتشبيههم بما يناسبهم:

عن أنس بن مالك، عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مر)). رواه البخاري

والمنافق المشبه بالريحانة التي لها ريح ظاهر وطعمها مر هو المرائي بتلاوته، كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142].

* بيان أن أكثر المنافقين من القراء:
عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أكثر منافقي أمتي قراؤها)).رواه أحمد



2: فضل تلاوة القرآن

*أحاديث تتعلق بتلاوة القرآن وآدابه وفضائله وفضائل أهله:

-فضائل متعلقة بصاحب القرآن:

1-أنهم عرفاء أهل الجنة يوم القيامة:
عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة)).رواه الطبراني
2- أنهم أشرف الأمة:
 عن ابن عباس مرفوعا: ((أشرف أمتي حملة القرآن)). رواه لطبراني
3- ارتقاؤه بكل آية درجة في الجنة:
عن أبي سعيد قال: قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)).رواه أحمد
4-أنهم أهل الله وخاصته:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس)). قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) ". رواه أحمد

-أحاديث متعلقة بأحوال الناس مع القرآن:

عن أبي سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون خلف من بعد الستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر)). رواه أحمد
عن الوليد قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به.

عن أبي سعيد أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: ((ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؛ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله، ولا يرعوي إلى شيء منه)). رواه أحمد

عن أنس بن مالك قال: بينما نحن نقرأ فينا العربي والعجمي والأسود والأبيض، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أنتم في خير تقرؤون كتاب الله وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي على الناس زمان يثقفونه كما يثقف القدح، يتعجلون أجورهم ولا يتأجلونها)). رواه أحمد

-أحاديث في فضل القرآن :

1-أنه غنى:

عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه)). رواه الطبراني

2- تفضيله على سائر الكلام:

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين)). رواه البزار

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه))تفرد به محمد بن الحسن ولم يتابع عليه.

-أحاديث في فضل تلاوة القرآن:

1-تشبيه القارى بمن يستدرج النبوة بين جنبيه بقراءته:

عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه)). رواه الطبراني

2-ذكر قارئ القرآن في السماء وإنارته بالقرآن في الأرض:
عن أبي سعيد مرفوعا: ((عليك بتقوى الله، فإنها رأس كل خير، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، واخزن لسانك إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان)).رواه أبو يعلى

3- أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسه النار:

عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن القرآن جعل في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق)).رواه الإمام أحمد

قيل: معناه: أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسه النار.
-أحاديث متعلقة بالبيت الذي يقرأ فيه القرآن:

1-بركة البيت الذي يقرأ فيه القرآن:

عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره)). رواه البزار

2- أمنة البيت الذي يقرأ فيه القرآن:

عن عبد الله بن عمرو قال: أن رجلا جاء بابن له فقال: يا رسول الله، إن ابني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما)).رواه أحمد

-أحاديث في نفع القرآن لصاحبه يوم القيامة:

1- أنه نور يوم القيامة:

عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)). رواه أحمد

2- شفاعة القرآن لأهله يوم القيامة:

عن عبد الله بن مسعود قال: ((إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه -أو كلمة نحوها- زج في قفاه إلى النار)). رواه البزار

عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))، قال: ((فيشفعان)).رواه أحمد



-أحاديث في الأجور المترتبة على قراءة القرآن:

عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ ألف آية كتب الله له قنطارا، والقنطار مائة رطل، والرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية ستة دنانير، والدينار أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط مثل أحد، ومن قرأ ثلاثمائة آية قال الله لملائكته: نصب عبدي لي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت له، ومن بلغه عن الله فضيلة فعمل بها إيمانا به ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك)).رواه أبو يعلى

عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)). رواه أحمد

-آداب قارئ القرآن:

1-آداب عامة :

عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله، وصغر ما عظم الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه، أو يغضب فيمن يغضب، أو يحتد فيمن يحتد، ولكن يعفو ويصفح، لفضل القرآن)). رواه الطبراني

عن عبيدة المليكي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته من آناء الليل والنهار، وتغنوه وتقنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تستعجلوا ثوابه، فإن له ثوابا)).رواه الطبراني

2-توطين القلب بالإيمان قبل القرآن:

عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أقرأ القرآن فلا أجد قلبي يعقل عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قلبك حشي الإيمان، وإن العبد يعطى الإيمان قبل القرآن)). رواه أحمد
3- استحضار خشية الله أثناء القراءة:
عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن قراءة؟ قال: ((من إذا سمعته يقرأ رؤيت أنه يخشى الله، عز وجل)). رواه البزار

4- استحباب ترتيل القرآن وتحسين الصوت به

عن أنس قال: قعد أبو موسى في بيت واجتمع إليه ناس، فأنشأ يقرأ عليهم القرآن، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ألا أعجبك من أبي موسى أنه قعد في بيت فاجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتستطيع أن تقعدني حيث لا يراني منهم أحد؟)). قال: نعم. قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى فقال: ((إنه ليقرأ على مزمار من مزامير داود، عليه السلام)). رواه أبو يعلى وقال: هذا غريب ويزيد الرقاشي ضعيف.

عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحسن الناس قراءة من قرأ القرآن يتحزن به)).رواه الطبراني

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحسنوا الأصوات بالقرآن)). رواه الطبراني

عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن)). رواه البزار وقال: ابن المحرر ضعيف.

5-المداومة على قراءة القرآن

عن ابن عباس قال: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: ((الحال المرتحل)). قال: يا رسول الله، ما الحال المرتحل؟ قال: ((صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، وفي آخره حتى يبلغ أوله)) ". رواه الطبراني

6-الدعوة لتعاهد القرآن:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت)). رواه أحمد

7- مشروعية الدعاء بعد ختم القرآن:

عن ثابت، أن أنس بن مالك، رضي الله عنه: كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم. رواه الطبراني

-حديث في كراهية خلو الجوف من القرآن:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)). رواه أحمد

قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.

-أحاديث في وجوب اتباع القرآن والعمل به وأن الانتفاع لا يحصل إلا بالعمل:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة، وذلك أن الله عز وجل يقول: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123] )). رواه الطبراني

عن عقبة بن عامر مرفوعا: ((من تعلم القرآن ثم تركه فقد عصاني)). سنن ابن ماجه

-حديث في فضل استماع القرآن:
عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)).رواه أحمد
-حديث في تكفير المرائي في القرآن:
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مراء في القرآن كفر)). رواه البزار ثم قال: عنبسة: هذا ليس بالقوي. وعنده فيه إسناد آخر.
-حديث في الدعوة لإعراب القرآن والتماس غرائبه:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه)). رواه أبو يعلى
3: حفظ القرآن وتعاهده وفضل ذلك والمسائل المتعلقة به:

*فضل حفظ القرآن:

أفرد البخاري في هذه الترجمة حديث أبي حازم عن سهل بن سعد، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).

وهذه الترجمة من البخاري، رحمه الله، مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل، والله أعلم. 

*مسألة: أيهما أفضل قراءة القرآن عن ظهر غيب أم من المصحف :

القول الأول: الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة، كما صرح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه، واستدلوا على فضيلة التلاوة في المصحف بما رواه الإمام العلم أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن حيث قال:

عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظهرا، كفضل الفريضة على النافلة)) وهذا الإسناد ضعيف فإن معاوية بن يحيى هو الصدفي أو الأطرابلسي، وأيهما كان فهو ضعيف.

وقال الثوري عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف.

وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس، عن عمر: أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه.

وقال حماد أيضا: عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن مسعود: أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف، فقرؤوا، وفسر لهم. إسناد صحيح.

وقال حماد بن سلمة: عن حجاج بن أرطاة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ.

وقال الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف فقال: هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة.

فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير، فالاستثبات أولى، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال.

القول الثاني: الحديث الذي تقدم الآن، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).

والرد عليه بأمرين:

الأول: إن كان البخاري، رحمه الله، أراد بذكر حديث سهل للدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها في المصحف، ففيه نظر؛ لأنها قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن، إذ لو دل هذا لكان ذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاوته عن ظهر قلب -لأنه أمي لا يدري الكتابة- أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده.

الثاني: أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب؛ ليمكنه تعليمها لزوجته، وليس المراد هاهنا: أن هذا أفضل من التلاوة نظرا، ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم.

الفصل في هذه المسألة:

وقال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع في القراءة، فإن كان الخشوع عند القراءة على ظهر القلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى؛ لأنها أثبت وتمتاز بالنظر في المصحف قال الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله، في التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.

*مسألة : هل الأفضل في التلقين النظر من المصحف أم التلقي من فم الملقن:

فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن؛ لأن الكتابة لا تدل على كمال الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على لفظ القرآن، فأما عند العجز عمن يلقن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فإذا قرأ في المصحف -والحالة هذه- فلا حرج عليه، ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه، فقد قال الإمام أبو عبيد:

عن الأوزاعي؛ أن رجلا صحبهم في سفر قال: فحدثنا حديثا ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل))

وعن بكير بن الأخنس قال: كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل.

* أهمية استذكار القرآن وتعاهده:

عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)) هكذا رواه مسلم والنسائي من حديث مالك به. 

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار، كمثل رجل له إبل، فإن عقلها حفظها، وإن أطلق عقالها ذهبت، فكذلك صاحب القرآن)). رواه أحمد

عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من رواية شعبة.

عن شقيق: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة وهكذا رواه مسلم وستأتي رواية البخاري له والنسائي وفي مسند أبي يعلى فإنما هو نسي بالتخفيف.

عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)). وهكذا رواه مسلم .

عن عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا كتاب الله، وتعاهدوه وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل)). رواه أحمد

ومضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده؛ لئلا يعرضه حافظه للنسيان فإن ذلك خطر كبير، نسأل الله العافية منه.



*عقوبة نسيان القرآن وعظم جرم من نسي: 

عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل، وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة يلقاه وهو أجذم)).قاله الإمام أحمد

عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه منها إلا عدله، وما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم)).رواه أحمد

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها)).

قال ابن جريج: وحدثت عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها)).

وقد روى أبو داود والترمذي وأبو يعلى والبزار وغيرهم من حديث ابن أبي رواد، عن ابن جريج، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)).قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به البخاري فاستغربه، وحكى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك.

وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه: 124- 126]، وهذا الذي قاله هذا -وإن لم يكن هو المراد جميعه- فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير وتفريط شديد، نعوذ بالله منه؛ ولهذا قال عليه السلام: ((تعاهدوا القرآن))، وفي لفظ: ((استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).

التفصي: التخلص يقال: تفصى فلان من البلية: إذا تخلص منها، ومنه: تفصى النوى من التمرة: إذا تخلص منها، أي: إن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال.

وقال أبو عبيد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود- : إني لأمقت القارئ أن أراه سمينا نسيا للقرآن.

*أسباب نسيان القرآن:

1-الذنوب:

حدثنا عبد الله بن المبارك، عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله تعالى يقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30]، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب.

2- عدم تعاهده بالقراءة:

عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)). وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد الأشعري، كلاهما عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.

*كراهية قول نسيت آية كذا والأصح نُسيت آية كذا:

عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من رواية شعبة.
عن شقيق: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة وهكذا رواه مسلم وستأتي رواية البخاري له والنسائي وفي مسند أبي يعلى فإنما هو نسي بالتخفيف.

عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: ((يرحمه الله، فقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا)). ورواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة.

الحديث الثاني: عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي)) ورواه مسلم والنسائي، من حديث منصور به. وقد تقدم. وفي مسند أبي يعلى: ((فإنما هو نسي))، بالتخفيف، هذا لفظه.

وفي هذا الحديث -والذي قبله- دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص، وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: ((بل هو نسي))، مبني لما لم يسم فاعله، وأدب -أيضا- في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: 24] وهو، والله أعلم 

-جواز قول نسيت للأدلة التالية:

{سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله} [الأعلى:6، 7]

عن عائشة قالت: لقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا من سورة كذا)). انفرد به الربيع بن يحيى

عن هشام وقال: أسقطتهن من سورة كذا وكذا. انفرد به أيضا. تابعه علي بن مسهر وعبدة عن هشام.

وقد أسندهما البخاري في موضع آخر، ومسلم معه في عبدة.

*الأدعية المأثورة لحفظ القرآن وطرد النسيان:

عن ابن عباس قال: "قال علي بن أبي طالب: يا رسول الله، القرآن يتفلت من صدري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع من علمته)). قال: قال: نعم بأبي وأمي، قال: ((صل ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله واثن عليه، وصل على النبيين، واستغفر للمؤمنين، ثم قل: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، وأسألك أن تنور بالكتاب بصري، وتطلق به لساني، وتفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وتستعمل به بدني، وتقويني على ذلك وتعينني على ذلك فإنه لا يعينني على الخير غيرك، ولا يوفق له إلا أنت، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط)). فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن والحديث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مؤمن ورب الكعبة))، علم أبو الحسن علم أبو الحسن" هذا سياق الطبراني.

عن ابن عباس أنه قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال: بأبي أنت وأمي، تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟)) قال: أجل يا رسول الله، فعلمني، قال: ((إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه: {سوف أستغفر لكم ربي} [يوسف: 98]، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد، فاحمد الله وأحسن الثناء على الله، وصل علي وأحسن وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك، أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن، تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب بإذن الله تعالى، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط)). قال ابن عباس: فوالله ما لبث علي إلا خمسا أو سبعا حتى جاء علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله، والله إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن، فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها، فإذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث، فإذا رددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((مؤمن ورب الكعبة يا أبا الحسن)).
روه الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن غريب ورواه الحاكم في مستدركه ثم قال: على شرط الشيخين .

4: ترتيل القرآن وتجويد تلاوته والأحكام المتعلقة بذلك:

* الحث على الترتيل في القراءة:

قال الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]، 

وقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]

عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).رواه أحمد

وقال أبو عبيد: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل فإنه زين القرآن. قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن.

وفي الحديث: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: 16]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه. وذكر تمام الحديث كما سيأتي، وهو متفق عليه، وفيه وفي الذي قبله دليل على استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة ولا سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر، قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص: 29].

*كراهية هذ القرآن كهذ الشعر:

يكره أن يهذ كهذ الشعر

عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القراءات التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم. رواه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن مهدي بن ميمون، عن واصل -وهو ابن حيان الأحدب- عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود به.

عن عائشة أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون القرآن في الليل مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه. رواه أحمد

عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة وإني أقرأ القرآن في ثلاث فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول.

وعن حجاج، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس نحو ذلك، إلا أن في حديث حماد: أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمع هذرمة.

*حسن الصوت بالقرآن :

عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن أبي يحيى الحماني -واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن- وقال: حسن صحيح.

وقد رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى وفيه قصة.

*مد القراءة:

-كيفيته:

عن قتادة قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. انفرد به البخاري من هذا الوجه

وفي معناه الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد: عن أم سلمة: أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا.

وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل، عن يحيى بن إسحاق، وأبو داود عن يزيد بن خالد الرملي، والترمذي والنسائي، كلاهما عن قتيبة، كلهم عن الليث بن سعد به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

ثم قال أبو عبيد: وحدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته؛ بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وهكذا.

وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن جريج. وقال الترمذي: غريب وليس إسناده بمتصل، يعني: أن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة لم يسمعه من أم سلمة، وإنما رواه عن يعلى بن مملك، كما تقدم، والله أعلم. قاله البخاري

-بيان فعل الرسول لذلك:

عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يمد مدا. رواه البخاري

* الترجيع:

-تعريفه: هو الترديد في الصوت كما جاء -أيضا- في البخاري أنه جعل يقول: (آ آ آ)، وكأن ذلك صدر من حركة الدابة تحته.

-بيان أن ذلك من فعل الرسول:

عن عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته -أو جمله- وهي تسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع. قاله البخاري

5: أحكام متفرّقة في تلاوة القرآن واستماعه:

أ. أحكام متعلقة باستماع القرآن:

*استماع القرآن من الغير خصوصا إذا كان حسن الصوت:

عن عبد الله قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن)). قلت: عليك أقرأ وعليك أنزل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) ".

وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه، من طرق عن الأعمش وله طرق يطول ذكرها وبسطها، وقد تقدم فيما رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا موسى، لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة)). فقال: أما والله لو أعلم أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا.

وقال الزهري، عن أبي سلمة: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى. فيقرأ عنده.

وقال أبو عثمان النهدي: كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته. 

*مشروعية قول المقرئ للقارئ: حسبك:

عن عبد الله قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). فقلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم))، فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.رواه البخاري

ب. أحكام متعلقة بمواطن القراءة:

1- القراءة على الدابة:

عن عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح".

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة سوى ابن ماجة من طرق، عن شعبة، عن أبي إياس، وهو معاوية بن قرة به وهذا -أيضا- له تعلق بما تقدم من تعاهد القرآن وتلاوته سفرا وحضرا، ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارئ في الطريق

2- القراءة في الطريق:

-من العلماء من رأى إباحتها:

نقل ابن أبي داود عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ في الطريق، 

وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن في ذلك.

-ومن العلماء من رأى كراهيتها:

عن الإمام مالك أنه كره ذلك، كما قال ابن أبي داود: وحدثني أبو الربيع، أخبرنا ابن وهب قال سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل، فيخرج إلى المسجد، وقد بقي من السورة التي كان يقرأ منها شيء، فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق.

3- القراءة في الحمام:

من العلماء من رأى كراهيتها:

قال الشعبي تكره.

وروى ابن أبي داود عن علي بن أبي طالب: أنه كره ذلك، ونقله ابن المنذر عن أبي وائل شقيق بن سلمة، والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب، وهو رواية عن إبراهيم النخعي، ويحكى عن أبي حنيفة، رحمهم الله، أن القراءة في الحمام تكره.

-من العلماء من رأى جوازها وعدم كراهيتها:

فقالوا: أنها لا تكره، وهو مذهب مالك والشافعي وإبراهيم النخعي وغيرهم

4- القراءة في الحشوش:

القراءة في الحشوش فكراهتها ظاهرة، ولو قيل بتحريم ذلك صيانة لشرف القرآن لكان مذهبا

وقال الشعبي: تكره قراءة القرآن في ثلاثة مواطن: في الحمام، وفي الحشوش، وفي بيت الرحى وهي تدور. 

5- القراءة في بيت الرحى:

وأما القراءة في بيت الرحى وهي تدور فمكروه لئلا يعلو غير القرآن عليه، والحق يعلو ولا يعلى، وقال بذلك الشعبي، والله أعلم.

ج. أحكام متعلقة بتعليم الصبيان القرآن:

*حكم تعليم الصبيان القرآن:

يجوز تعليمهم القرآن في الصبا، وهو ظاهر، بل قد يكون مستحبا أو واجبا ، وكره بعضهم ذلك إذا كان لا يعقل ما يقال له. قاله البخاري

*السبب:

لأن الصبي إذا تعلم القرآن بلغ وهو يعرف ما يصلي به، وحفظه في الصغر أولى من حفظه كبيرا، وأشد علوقا بخاطره وأرسخ وأثبت، كما هو المعهود من حال الناس، وقد استحب بعض السلف أن يترك الصبي في ابتداء عمره قليلا للعب، ثم توفر همته على القراءة، لئلا يلزم أولا بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب، وكره بعضهم تعليمه القرآن وهو لا يعقل ما يقال له، ولكن يترك حتى إذا عقل وميز علم قليلا قليلا بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه. قاله البخاري

*الأدلة على ذلك:

عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم. وواه البخاري

عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال: "المفصل".

انفرد بإخراجه البخاري، وفيه دلالة على جواز تعلم الصبيان القرآن؛ لأن ابن عباس أخبر عن سنه حين موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان جمع المفصل، وهو من الحجرات، كما تقدم ذلك، وعمره آنذاك عشر سنين. وقد روى البخاري أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مختون. وكانوا لا يختنون الغلام حتى يحتلم، فيحتمل أنه تجوز في هذه الرواية بذكر العشر، وترك ما زاد عليها من الكسر، والله أعلم.

وعلى كل تقدير، ففيه دلالة على جواز ذلك بل واستحبابه وقد يكون وجوبه. قاله البخاري

*طريقة تعليمهم القرآن:

واستحب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن يلقن خمس آيات خمس آيات، رواه البخاري عنه بسند جيد.

د. الأحكام المتعلقة بقول سورة البقرة، وسورة كذا وكذا:

*حكم قول سورة البقرة وسورة كذا وكذا:

1- جائز

دليل ذلك:

عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه)).

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة من حديث عبد الرحمن بن يزيد وصاحبا الصحيح والنسائي وابن ماجة من حديث علقمة، كلاهما عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري.

الحديث الثاني: ما رواه من حديث الزهري، عن عروة، عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القارئ، كلاهما عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان... وذكر الحديث بطوله، كما تقدم، وكما سيأتي.

الحديث الثالث: ما رواه من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا)).

وهكذا في الصحيحين عن ابن مسعود: أنه كان يرمي الجمرة من الوادي ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. 

2- مكروه

دليل ذلك:

كره بعض السلف ذلك، ولم يروا إلا أن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، كما تقدم من رواية يزيد الفارسي عن ابن عباس، عن عثمان أنه قال: إذا نزل شيء من القرآن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))

الفصل في المسألة:

ولا شك أن قول السورة التي فيها كذا وكذا أحوط وأولى، ولكن قد صحت الأحاديث بالرخصة فيقول سورة كذا، وعليه عمل الناس اليوم في ترجمة السور في مصاحفهم، وبالله التوفيق.

هـ. في كم يقرأ القرآن والأحكام المتعلقة بذلك:

* في كم يقرأ القرآن:

ذكروا في ذلك أقوالا:

1-ألا يقرأ أقل من ثلاث آيات:

عن سفيان، قال: قال لي ابن شبرمة: نظرت كم يكفي الرجل من القرآن فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات. فقلت: لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات. 

2- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كافيتان:

قال سفيان: أخبره علقمة عن أبي مسعود، فلقيته وهو يطوف بالبيت، فذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم أن "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".

3-قراءة القرآن في كل شهر:

عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ((ألقني به))، فلقيته بعد، فقال: ((كيف تصوم؟)). قلت: كل يوم. قال: ((وكيف تختم؟)). قال: كل ليلة. قال: ((صم كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر))

ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة- عن أبي سلمة: قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ". 

4-قراءة القرآن في ثلاث ليال:

عن سعد بن المنذر الأنصاري؛ أنه قال: يا رسول الله، أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: ((نعم)). قال: فكان يقرؤه حتى توفي. رواه أحمد وهذا إسناد جيد قوي حسن.

وقد رواه أبو عبيد، رحمه الله، عن سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال: "يا رسول الله، أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: ((نعم، إن استطعت)) ". قال: فكان يقرؤه كذلك حتى توفي.

حديث آخر: قال أبو عبيد: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).

وهكذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

حديث آخر: قال أبو عبيد: حدثتنا عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.

هذا حديث غريب وفيه ضعف، فإن الطيب بن سليمان هذا بصري، ضعفه الدارقطني، وليس هو بذاك المشهور، والله أعلم.

5-قراءة القرآن في خمس ليال:

عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست، وكان علقمة يختمه في كل خمس.

6- قراءة القرآن في سبع ليال:

عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ((ألقني به))، فلقيته بعد، فقال: ((كيف تصوم؟)). قلت: كل يوم. قال: ((وكيف تختم؟)). قال: كل ليلة. قال: ((صم كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر)): قال: قلت: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم ثلاثة أيام في الجمعة)). قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: ((أفطر يومين وصوم يوما)). قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة))،

ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة- عن أبي سلمة: قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ".

عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).

عن محمد بن ذكوان -رجل من أهل الكوفة- قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول: كان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة.

وعليه أكثرهم.

7-في خمس عشرة ليلة:

عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).

8- في ثمان ليال:

عن أيوب: سمعت أبا قلابة، عن أبي المهلب قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.

عن أبي قلابة قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.

وكان تميم الداري يختمه في كل سبع، 

وعن إبراهيم: أنه كان يختم القرآن في كل سبع.

9- في ست ليال:

عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست.

*أحاديث دلت على كراهية ختم القرآن في أقل من سبع:

روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ". فهذا السياق ظاهره يقتضي المنع من قراءة القرآن في أقل من سبع.

*أحاديث دلت على النهي عن ختم القرآن في أقل من ثلاث وأن ذلك ليس من الفقه:

قال أبو عبيد: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).

وهكذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

حديث آخر: قال أبو عبيد: حدثتنا عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.

هذا حديث غريب وفيه ضعف، فإن الطيب بن سليمان هذا بصري، ضعفه الدارقطني، وليس هو بذاك المشهور، والله أعلم.

وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث، كما هو مذهب أبي عبيد وإسحاق وابن راهويه وغيرهما من الخلف -أيضا- قال أبو عبيد: عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. صحيح.

قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز. 

وفي المسند عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا: ((اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به)).

-سبب النهي:

قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغلوا فيه)) أي: لا تبالغوا في تلاوته بسرعة في أقصر مدة، فإن ذلك ينافي التدبر غالبا؛ ولهذا قابله بقوله: ((ولا تجفوا عنه)) أي: لا تتركوا تلاوته.

*ترخيص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ثلاث:

ترخص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ذلك؛ منهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه.

قال أبو عبيد: عن السائب بن يزيد: أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة طلحة بن عبيد فقال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان، رضي الله عنه، فقال: نعم. قال: قلت: لأعلين الليلة على الحجر، فقمت، فلما قمت إذا أنا برجل مقنع يزحمني، فنظرت فإذا عثمان بن عفان، فتأخرت عنه، فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن، حتى إذا قلت: هذه هوادي الفجر، أوتر بركعة لم يصل غيرها. وهذا إسناد صحيح.

عن ابن سيرين قال: قالت نائلة بنت الفرافصة الكلبية حيث دخلوا على عثمان ليقتلوه: إن يقتلوه أو يدعوه، فقد كان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. وهذا حسن أيضا.

وقال -أيضا- : عن ابن سيرين: إن تميما الداري قرأ القرآن في ركعة.

عن سعيد بن جبير: أنه قال: قرأت القرآن في ركعة في البيت -يعني الكعبة.

عن علقمة أنه قرأ القرآن في ليلة، طاف بالبيت أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالطول، ثم طاف بالبيت أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمئين، ثم طاف أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمثاني، ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بقية القرآن.

وهذه كلها أسانيد صحيحة، ومن أغرب ما هاهنا: ما رواه أبو عبيد رحمه الله: عن بكر بن مضر، أن سليم بن عتر التجيبي كان يختم القرآن في ليلة ثلاث مرات، ويجامع ثلاث مرات، قال: فلما مات قالت امرأته: رحمك الله، إن كنت لترضي ربك وترضي أهلك، قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: كان يقوم من الليل فيختم القرآن، ثم يلم بأهله ثم يغتسل، ويعود فيقرأ حتى يختم ثم يلم بأهله، ثم يغتسل، ويعود فيقرأ حتى يختم، ثم يلم بأهله ثم يغتسل، ويخرج إلى صلاة الصبح.

وكان سليم بن عتر تابعيا جليلا ثقة نبيلا وكان قاضيا بمصر أيام معاوية وقاصها.

وقد روى ابن أبي داود عن مجاهد أنه كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء.

وعن منصور قال: كان علي الأزدي يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان.

وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن.

وروي عن منصور بن زاذان: أنه كان يختم فيما بين الظهر والعصر، ويختم أخرى فيما بين المغرب والعشاء، وكانوا يؤخرونها قليلا.

وعن الإمام الشافعي، رحمه الله: أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة.

وعن أبي عبد الله البخاري -صاحب الصحيح- : أنه كان يختم في الليلة ويومها من رمضان ختمة.

ومن غريب هذا وبديعه ما ذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي قال: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات.

وهذا نادر جدا. 

*دفع التعارض فيما ورد من أحاديث عن النهي وأفعال صادرة من السلف:

فهذا وأمثالة من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مع هذه السرعة، والله أعلم.

*خلاصة المسألة:

قال الشيخ أبو زكريا النووي في كتابه التبيان بعد ذكر طرف مما تقدم: (والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة).

و. البكاء عند القراءة:

عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري)). قال: فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال لي: ((كف أو أمسك))، فرأيت عيناه تذرفان ". رواه الأعمش

وهذا من المتفق عليه 

ز.قراءة القرآن ما ائتلفت عليه القلوب:

*دليل ذلك:

عن جندب بن عبد الله، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه)).

تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد، عن أبي عمران، ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان.

وقال غندر: عن شعبة، عن أبي عمران قال: سمعت جندبا. قوله: وقال ابن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله. وجندب أصح وأكثر .

وقد رواه في موضع آخر، ومسلم كلاهما عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد، عن همام، عن أبي عمران به ومسلم -أيضا- عن يحيى بن يحيى، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة، عن أبي عمران به، ورواه مسلم -أيضا- عن أحمد بن سعيد، عن حبان بن هلال، عن أبان العطار، عن أبي عمران به مرفوعا.

وقد حكى البخاري: أن أبان وحماد بن سلمة لم يرفعاه، فالله أعلم.

ورواه النسائي والطبراني من حديث مسلم بن إبراهيم، عن هارون بن موسى الأعور النحوي، عن أبي عمران به.

ورواه النسائي -أيضا- من طرق عن سفيان، عن حجاج بن فرافصة، عن أبي عمران به مرفوعا وفي رواية عن هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، عن أبيه، عن سفيان عن حجاج، عن أبي عمران، عن جندب موقوفا، ورواه عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الله بن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله.

قال أبو بكر بن أبي داود: لم يخطئ ابن عون في حديث قط إلا في هذا، والصواب عن جندب. ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن مسلم بن إبراهيم وسعيد بن منصور قالا حدثنا الحارث بن عبيد، عن أبي عمران، عن جندب مرفوعا.

فهذا مما تيسر من ذكر طرق هذا الحديث على سبيل الاختصار، والصحيح منها ما أرشد إليه شيخ هذه الصناعة أبو عبد الله البخاري، رحمه الله، من أن الأكثر والأصح: أنه عن جندب بن عبد الله مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*معنى الحديث:

ومعنى الحديث أنه، عليه السلام، أرشد وحض أمته على تلاوة القرآن إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته، متفكرة فيه، متدبرة له، لا في حال شغلها وملالها، فإنه لا يحصل المقصود من التلاوة بذلك كما ثبت في الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وقال: ((أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل))، وفي اللفظ الآخر: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).

ثم قال البخاري: عن عبد الله -هو ابن مسعود- "أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كلاكما محسن فاقرآ)) أكبر علمي قال: ((فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم الله عز وجل)) ".

وأخرجه النسائي من رواية شعبة به وهذا في معنى الحديث الذي تقدمه، وأنه ينهى عن الاختلاف في القراءة والمنازعة في ذلك والمراء فيه كما تقدم النهي عن ذلك، والله أعلم.

وقريب من هذا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه:قال: قال عبد الله بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن فقلنا: خمس وثلاثون آية، ست وثلاثون آية قال: فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا عليا يناجيه فقلنا له: اختلفنا في القراءة، فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرؤوا كما قد علمتم.



و: ذكر فوائد متفرّقة متعلقة بعلوم القرآن:1: ما يتعلق بالسور المكية والمدنية:

عن قتادة قال: "نزل في المدينة من القرآن البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وبراءة، والرعد، والنحل، والحج، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والرحمن، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة والمنافقون، والتغابن، والطلاق، ويا أيها النبي لم تحرم، إلى رأس العشر، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله. هؤلاء السور نزلت بالمدينة، وسائر السور نزل بمكة". ذكره الأنباري

2- عدد آيات القرآن:

فأما عدد آيات القرآن العظيم فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال:

1-فمنهم من لم يزد على ذلك

2- ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات

3-وقيل: وأربع عشرة آية

4-وقيل: ومائتان وتسع عشرة

5- وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية

6-وقيل: مئتان و ست وعشرون آية

7- وقيل: مائتان وست وثلاثون آية. حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان.

3: عدد كلمات القرآن:

وأما كلماته، فقال الفضل بن شاذان، عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.

4:عدد حروف القرآن:

وأما حروفه، فاختلفوا على ثلاثة أقوال:

1- فقال عبد الله بن كثير، عن مجاهد: هذا ما أحصينا من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفا.

2-وقال الفضل، عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا.

3-وقال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا. 

5:نصف القرآن وثلثه وسبعه:

قال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا.قال: فأخبروني عن نصفه. فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف: {وليتلطف} [الكهف: 19]، وثلثه الأول عند رأس مائة آية من براءة، والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء، والثالث إلى آخره. وسبعه الأول إلى الدال من قوله تعالى: {فمنهم من آمن به ومنهم من صد} [النساء: 55]. والسبع الثاني إلى الياء من قوله تعالى في سورة الأعراف: {أولئك حبطت} [الأعراف: 147]، والثالث إلى الألف الثانية من قوله تعالى في الرعد: {أكلها} [الرعد: 35]، والرابع إلى الألف في الحج من قوله: {جعلنا منسكا} [الحج: 67]، والخامس إلى الهاء من قوله في الأحزاب: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} [الأحزاب: 36]، والسادس إلى الواو من قوله تعالى في الفتح: {الظانين بالله ظن السوء} [الفتح: 6]، والسابع إلى آخر القرآن. قال سلام أبو محمد: عملنا ذلك في أربعة أشهر.

6: ما يتعلق بتحزيب القرآن وتجزئته:

وأما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها، وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث وخمس وسبع وتسع وأحد عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل حتى تختم.

قالوا: وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، فالأول إلى آخر الأنعام، والثاني إلى {وليتلطف} من سورة الكهف، والثالث إلى آخر الزمر، والرابع إلى آخر القرآن. وقد حكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه البيان خلافا في هذا كله، والله أعلم.

7-أحكام متعلقة بلفظ ومعاني السورة والآية والكلمة:

السورة:

* معنى السورة:

واختلف في معنى السورة: مم هي مشتقة؟ فقيل: من الإبانة والارتفاع. قال النابغة:

ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

فكأن القارئ يتنقل بها من منزلة إلى منزلة. 

وقيل: لشرفها وارتفاعها كسور البلدان. 

وقيل: سميت سورة لكونها قطعة من القرآن وجزءا منه، مأخوذ من أسآر الإناء وهو البقية

-أصل الواو مهموزة في السورة:

وذلك لمن قال بأن السورة مأخوذة من أسآر وعلى هذا فيكون أصلها مهموزا، وإنما خففت الهمزة فأبدلت الهمزة واوا لانضمام ما قبلها. 

وقيل: لتمامها وكمالها لأن العرب يسمون الناقة التامة سورة.

قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون من الجمع والإحاطة لآياتها كما يسمى سور البلد لإحاطته بمنازله ودوره.

*جمع السورة:

وجمع السورة سور بفتح الواو، وقد تجمع على سورات وسورات.

الآية:

*معنى الآية:

وأما الآية فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالها، أي: هي بائنة عن أختها ومنفردة. قال الله تعالى: {إن آية ملكه} [البقرة: 248]، وقال النابغة:

توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع

وقيل: لأنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم. قال الشاعر: 

خرجنا من النقبين لا حي مثلنا بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا

وقيل: سميت آية لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها.

*أصل الآية :

قال سيبويه: وأصلها أيية مثل أكمة وشجرة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصارت آية، بهمزة بعدها مدة.

وقال الكسائي: أصلها آيية على وزن آمنة، فقلبت ألفا، ثم حذفت لالتباسها.

وقال الفراء: أصلها أيّة -بتشديد الياء- الأولى فقلبت ألفا، كراهة التشديد فصارت آية.

*جمع الآية:

وجمعها: آي وآياي وآيات.

الكلمة:

*معنى الكلمة:

وأما الكلمة فهي اللفظة الواحدة.

-أقلها:

وقد تكون على حرفين مثل: ما ولا وله ونحو ذلك.

وقد تكون أكثر. 

-وأكثر ما تكون:

عشرة أحرف مثل: {ليستخلفنهم} [النور: 55]، و {أنلزمكموها} [هود: 28]، {فأسقيناكموه} [الحجر: 22]

-قد تكون الكلمة الواحدة آية، مثل: والفجر، والضحى، والعصر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم -في قول الكوفيين- وحم، عسق عندهم كلمتان.

- وغيرهم لا يسمي هذه آيات بل يقول: هي فواتح السور. وقال أبو عمرو الداني: لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى: {مدهامتان} بسورة الرحمن. 



* الإجماع على عدم وجود تراكيب أعجمية في القرآن والإجماع على وجود أعلام أعجمية:

قال القرطبي: أجمعوا على أنه ليس في القرآن شيء من التراكيب الأعجمية وأجمعوا أن فيه أعلاما من الأعجمية كإبراهيم ونوح، ولوط، واختلفوا: هل فيه شيء من غير ذلك بالأعجمية؟ فأنكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا ما وقع فيه مما يوافق الأعجمية، فهو من باب ما توافقت فيه اللغات.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 شعبان 1436هـ/25-05-2015م, 06:31 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
المقصد الكلي لكتاب التبيان في آداب حملة القرآن للنووي:
فضل القرآن وأهله و [بيان ] الأحكام والآداب المتعلقة بهما [ أحسنتِ ]

المقاصد الفرعية:
1- بيان فضل القرآن
2- فضل القراء وتقديمهم على غيرهم في شؤون الدنيا والآخرة
3- إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم
4-آداب معلم القرآن ومتعلمه ومجلسه
5-آداب حامل القرآن
6- آداب قراءة القرآن وختمه والأحكام المتعلقة بتلاوته
7-الآداب والأحكام المتعلقة بالناس عامة مع القرآن
8- الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة
9-الأحكام المتعلقة بالمصحف : كتابته وإكرامه ومسه وبيعه
[ أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ ]
التلخيص:

المقصد الأول: بيان فضل القرآن*:
[ يمكن صياغة مسألة لهذا الحديث : فضل القرآن على سائر الكلام :
- يُفضل القرآن على سائر الكلام لأنه كلام الله عز وجل.
ثم نورد الحديث ]

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
((فضل كلام الله سبحانه وتعالى*عن*سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه))*رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

أ. فضل استيعاب القلب للقرآن:
1-الأمن من العذاب لقلب وعى القرآن
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((اقرؤوا القرآن؛*فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعي القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر))*رواه الدارمي.

ب: فضل تعلم القرآن وتعليمه:
1- الخيرية لمن تعلم القرآن وعلمه:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))*رواه البخاري.
-*قال الحميدي الجمالي:*سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال:*"يقرأ القرآن*؛*لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))". [ من رواه ؟ ]

ج. فضل تلاوة القرآن:
1-الأجور المترتبة على تلاوته:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول*{ألم}*حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))*رواه الترمذي*وقال: حديث حسن صحيح.*

د.فضل الاشتغال بالقرآن:
1-عطاء الله للمشتغل بقراءة القرآن:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:*((يقول سبحانه وتعالى: [من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين]رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

هـ. فضل قراءة القرآن على التسبيح والتهليل وبقية الأذكار:

-اعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه من يعتمد من العلماء: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، والله أعلم. ذكره النوووي في التبيان

و. ذمّ من ليس في جوفه شيء من القرآن:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب))رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح .


المقصد الثاني: فضل أهل القرآن وتقديمهم على غيرهم في شؤون الدنيا والآخرة:

أ. فضل صاحب القرآن:
1-فوزه بتجارة غير بائرة وأجور عظيمة:
- قال الله عز وجل:*{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}.*
2-وصفه بالأترجة في طيب رييحها وطعمها:
-*وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب))*رواه البخاري ومسلم.
3-إلباسه والديه تاجا يوم القيامة:
-*وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا))*رواه أبو داود.*
4-ضمان نجاته من العذاب:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله*عليه وسلم، قال:*((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذّب قلباً وعى القرآن))*رواه الدارمي.
5-رفعته في الدنيا والآخرة:
- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين))*رواه مسلم.*
-*عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله*عليه وسلم قال:*((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها))*رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.*
6-شفاعة القرآن لأصحابه يوم القيامة:
- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:*((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه))*رواه مسلم.
7- استحقاق صاحب القرآن الغبطة:
- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله*عليه وسلم قال:((لا حسد إلا في إثنتين؛*رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار،*ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))رواه البخاري ومسلم.

ب. فضل الماهر بالقرآن، وبيان ثواب الذي يقرأ القرآن وهو عليه*شاق:
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران))*رواه البخاري وأبو الحسين مسلم بن مسلم القشيري*النيسابوري في صحيحهما.

ج. تقديم أهل القرآن على غيرهم في شؤون الدنيا والآخرة:

1-تقديم القراء على غيرهم في أمور الدين:

- ثبت عن ابن مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى))رواه مسلم.
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن*النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول:*((أيهما أكثر أخذا للقرآن؟))،*فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، رواه البخاري.*

2-تقديم القراء على غيرهم في أمور الدنيا:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا وشبابا) رواه البخاري في صحيحه.*


المقصد الثالث: إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم:

أ. أدلة وجوب إكرام أهل القرآن وأسباب ذلك:

1-إجلال أهل القرآن من إجلال الله:
-قال الله عز وجل:*{ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}
-قال الله تعالى:*{ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}
- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط))*رواه أبو داود وهو حديث حسن.*
2- دخولهم في عامة المؤمنين الذين أمرنا باحترامهم ونهينا عن إيذائهم بل واستحقاقهم الأولوية في ذلك:
-قال تعالى:*{واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}
-قال تعالى:*{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}.
3- إجلالهم من باب إنزال الناس منازلهم:
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت:*(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)*رواه أبو داود في سننه، والبزار في مسنده، قال الحاكم أبو عبد الله في علوم الحديث: هو حديث صحيح.*
4- أنهم من أولياء الله:
- عن الإمامين الجليلين أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما، قالا:*"إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي".

ب. أدلة النهي عن إيذاء أهل القرآن وأسباب ذلك:
1- أذيتهم إيذان بأذية من آذاهم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله عز وجل قال: [من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب]))*رواه البخاري.*
- ثبت في الصحيحين، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:*((من صلى الصبح فهو في ذمة الله تعالى، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته)).*
2- أن لحومهم مسمومة فمن آذاهم ابتلاه الله قبل موته:
- قال الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله:*"اعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن*يغشاه*ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب،*{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}".ذكره النووي في التبيان

المقصد الرابع: آداب معلم القرآن ومتعلمه:


أ: حكم تعلم القرآن:
تعليم المتعلمين فرض كفاية، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين، وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم ببعضهم، فإن امتنعوا كلهم أثموا، وإن قام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين، وإن طلب من أحدهم وامتنع فأظهر الوجهين أنه لا يأثم، لكن يكره له ذلك إن لم يكن عذر.

ب: شروط المعلم الذي يؤخذ عنه العلم:

ولا يتعلم إلا ممن*تكلمت*أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف:*"هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم".

ج: آداب في حق معلم القرآن ومتعلمه:

1:إخلاص النية لله:

-أول ما ينبغي للمقرئ والقارئ أن يقصدا بذلك رضا الله تعالى، قال الله تعالى:*{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}*أي: الملة المستقيمة.*
- وفي الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))،*وهذا الحديث من أصول الإسلام.
- و عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"إنما يعطى الرجل على قدر نيته"،*وعن غيره:*"إنما يعطى الناس على قدر نياتهم". رواه النووي في التبيان في آداب حملة القرآن
- و عن الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى، قال: الإخلاص:*"إفراد الحق في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة أو مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى"، قال: "ويصح أن يقال: الإخلاص: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين".*رواه النووي في التبيان في آداب حملة القرآن
- وعن حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى:*"الإخلاص: استواء أفعال العبد في الظاهر والباطن".*
- وعن ذي النون رحمه الله تعالى، قال:"ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية العمل في الأعمال، واقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة".
- وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه، قال:*"ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
- وعن سهل التستري رحمه الله تعالى، قال:*"نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شيء، لا نفس ولا هوى ولا دنيا".*
- وعن السري رحمه الله، قال:"لا تعمل للناس شيئا، ولا تترك لهم شيئا، ولا تغط لهم شيئا، ولا تكشف لهم شيئا".
- وعن القشيري، قال:*"أفضل الصدق: استواء الصدق والعلانية".
- وعن الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى، قال:*"الصادق: هو الذي لا يبالي ولو خرج عن كل قدر له في قلوب الخلائق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره إطلاع الناس على السيئ من عمله، فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم، وليس هذا من أخلاق الصديقين".
- وعن غيره:*"إذا طلبت الله تعالى بالصدق أعطاك الله مرآة تبصر فيها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة".*
-وينبغي أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال أو رياسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك.
-ولا يشوب المقرئ إقراءه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه، سواء كان الرفق مالا أو خدمة، وإن قل، ولو كان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه، قال تعالى:*{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}،*وقال تعالى:*{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد}*الآية.*
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من تعلم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة))*رواه أبو داود بإسناد صحيح، ومثله أحاديث كثيرة.*
- وعن أنس وحذيفة وكعب بن مالك رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله*عليه وسلم قال:*((من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار))*رواه الترمذي من رواية كعب بن مالك، وقال:*((أدخله النار)).
-وليحذر كل الحذر من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم، فإنه لو أراد الله بتعليمه لما كره ذلك، بل قال لنفسه: أنا أردت الطاعة بتعليمه وقد حصلت، وقد قصد بقراءته على غيري زيادة علم فلا عتب عليه.*
- وقد روينا في مسند الإمام المجمع على حفظه وإمامته أبي محمد الدارمي رحمة الله عليه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال:*"يا حملة القرآن"،*أو قال:*"يا حملة العلم؛ اعملوا به فإنما العلم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى".*
- وقد صح عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، أنه قال:*"وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم*-يعني: علمه وكتبه-*و*أن لا ينسب إلي حرف منه".
[ خصصي مسألة لما يوجبه الإخلاص من آداب على حامل القرآن ، ويُكتفى بأصح الأدلة ]
2: التخلق بمحاسن الشرع:

وينبغي للمعلم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخصال الحميدة والشيم المرضية التي أرشده الله إليها، من الزهادة في الدنيا والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر، والتنزه عن دنيئ المكاسب، وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح، وملازمة الوظائف الشرعية كالتنظيف وتقليم بإزالة الأوساخ والشعور التي ورد الشرع بإزالتها كقص الشارب وتقليم الظفر وتسريح اللحية وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة، وليحذر كل الحذر من الحسد والرياء والعجب، واحتقار غيره وإن كان دونه.*
وينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويحافظ على ذلك، وأن يكون تعويله في جميع أموره على الله تعالى.

3:احترام العلم :
ومن احترامه أن لا يذل العلم فيذهب إلى مكان ينسب إلى من يتعلم منه ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه عنه السلف رضي الله عنهم، وحكاياتهم في هذا كثيرة مشهورة.

4: اجتناب الأسباب الشاعلة عن التحصيل:
يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا سببا لا بد منه للحاجة.

5: تطهير القلب من الأدناس:
وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:*((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)).*
وقد أحسن القائل بقوله: "يطيب القلب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة".*

د:آداب في حق المعلم:

1:إحسان معاملة المتعلم:

-ينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه، وأن يرحب به ويحسن إليه بحسب حالهما.*
فقد روينا عن أبي هرون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فيقول: "مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا))"*رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.*
وروينا نحوه في مسند الدارمي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه. [ روينا ؟ ]
-وينبغي أن يشفق على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده ومصالح نفسه، ويجري المتعلم مجرى ولده في الشفقة عليه والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص لا سيما إن كان صغير السن، وينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره له ما يكره لنفسه من النقص مطلقا.*
فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:*((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).*
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي، لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت"*وفي رواية:*"إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني".
-وينبغي أن يظهر لهم البشر وطلاقة الوجه، ويتفقد أحوالهم ويسأل عمن غاب منهم.

2:بذل النصيحة لطالب العلم ومساعدته:

-ينبغي أن يبذل لهم النصيحة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*((الدين النصيحة؛ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))*رواه مسلم.*
ومن النصيحة لله تعالى ولكتابه: إكرام قارئه وطالبه وإرشاده إلى مصلحته، والرفق به ومساعدته على طلبه بما أمكن، وتأليف قلب الطالب، وأن يكون سمحا بتعليمه في رفق متلطفا به ومحرضا له على التعلم.*
-ينبغي أن يذكره فضيلة العلم ليكون سببا في نشاطه وزيادة في رغبته، ويزهده في الدنيا ويصرفه عن الركون إليها والاغترار بها، ويذكره فضيلة الاشتغال بالقرآن وسائر العلوم الشرعية، وهو طريق العارفين وعباد الله الصالحين وأن ذلك رتبة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.*


3: التواضع مع المتعلم واللين معه:

وينبغي أن لا يتعاظم على المتعلمين، بل يلين إليهم ويتواضع لهم، فقد جاء في التواضع لآحاد الناس أشياء كثيرة معروفة، فكيف بهؤلاء الذين هم بمنزلة أولاده، مع ما هم عليه من الاشتغال بالقرآن، مع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم إليه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:*((لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه)).*
وعن أبي أيوب السختياني رحمه الله، قال:*"ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله عز وجل".

4: استخدام التعليم بالتدرج:

-ينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق الخفية.

5: تفريغ القلب واستفراغ الجهد لهم:
يستحب للمعلم أن يكون حريصا على تعليمهم، مؤثرا ذلك على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية، وأن يفرغ قلبه في حال جلوسه لإقرائهم من الأسباب الشاغلة كلها وهي كثيرة معروفة.

6: إعطاء كل ذي حق حقه والعدل بينهم:
-أن يكون حريصا على تفهيمهم، وأن يعطي كل إنسان منهم ما يليق به، فلا يكثر على من لا يحتمل الإكثار ولا يقصر لمن يحتمل الزيادة، ويأخذهم بإعادة محفوظاتهم، ويثني على من ظهرت نجابته ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره، ومن قصر عنفه تعنيفا*لظيفا*في ما لم يخش عليه تنفيره.
-ويقدم في تعليمهم إذا ازدحموا الأول فالأول، فإن رضي الأول بتقديم غيره قدمه.

7: الحذر من حسدهم واستكثار تعليمهم:
ولا يحسد أحدا منه لبراعة تظهر منه، ولا يستكثر فيه ما أنعم الله به عليه، فإن الحسد للأجانب حرام شديد التحريم، فكيف للمتعلم الذي هو بمنزلة الولد، ويعود من فضيلته إلى معلمه في الآخرة الثواب الجزيل، وفي الدنيا الثناء الجميل، والله الموفق.


8: النهي عن امتناع التعليم بحجة عدم صحة نية المتعلم

قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، فقد قال سفيان وغيره:*"طلبهم للعلم نية"، وقالوا:*"طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله"*معناه: كانت غايته أن صار لله تعالى.

هـ: آداب في حق المتعلم:

1: التواضع مع المعلم:
وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويتأدب معه وإن كان أصغر منه سنا وأقل شهرة ونسبا وصلاحا وغير ذلك، ويتواضع للعلم، فبتواضعه يدركه، وقد قالوا:*
العلم حرب للفتى المتعالي*.......*كالسيل حرب للمكان العالي

2: الانقياد للمعلم واحترامه:
-وينبغي أن ينقاد لمعلمه ويشاوره في أموره ويقبل قوله، كالمريض العاقل يقبل قول الطبيب الناصح الحاذق، وهذا أولى.
-وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء، وقال:*"اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تذهب بركة علمه مني"، وقال الربيع صاحب الشافعي رحمهما الله:*"ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له".
*من صور احترام المعلم:
ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:*"من حق المعلم عليك: 1-أن تسلم على الناس عامة وتخصه دونهم بتحية2- وأن تجلس أمامه3-ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تغمزن بعينيك4-ولا تقولن: قال فلان خلاف ما تقول5- ولا تغتابن عنده أحدا6-ولا تشاور جليسك في مجلسه7- ولا تأخذ بثوبه إذا قام8- ولا تلح عليه إذا كسل9-ولا تعرض أي تشبع من طول صحبته".*ذكره النووي في التبيان
10-أن يرد غيبة شيخه إن قدر، فإن تعذر عليه ردها فارق ذلك المجلس.

3:أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ويتأول لأفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه، وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار إلى الشيخ وأظهر أن الذنب له والعتب عليه، فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة وإنقاء لقلب شيخ له.
وقد قالوا: من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا، ومنه الأثر المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما:*"ذللت طالبا فعززت مطلوبا".
وقد أحسن من قال:
من لم يذق طعم المذلة ساعة*.......*قطع الزمان بأسره مذلول
4: أن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها، ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير، ولا يحمل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل، وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال.*

5:إذا جاء إلى مجلس الشيخ فلم يجده انتظر ولازم بابه ولا يفوت وظيفته إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه وأنه لا يقرئ في غيره، وإذا وجد الشيخ نائما أو مشتغلا بمهم لم يستأذن عليه بل يصبر إلى استيقاظه أو فراغه أو ينصرف، والصبر أولى كما كان ابن عباس رضي الله عنهما وغيره يفعلون

6: ينبغي أن يأخذ نفسه بالاجتهاد في التحصيل في وقت الفراغ والنشاط وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشاغلات قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة، فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:*"تفقهوا قبل أن تسودوا"،*معناه: اجتهدوا في كمال أهليتكم*قبل*وأنتم أتباع قبل أن تصيروا سادة، فإنكم إذا صرتم سادة متبوعين امتنعتم من التعلم، لارتفاع منزلتكم وكثرة شغلكم، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رضي الله عنه:*"تفقه قبل أن ترأس، فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه".

7: ينبغي أن يبكر بقراءته على الشيخ أول النهار، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:*((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).*

8: ليس من الأدب الإيثار في القرب فلا يؤثر الطالب بنوبته غيره:
وينبغي أن يحافظ على قراءة محفوظة، وينبغي أن لا يؤثر بنوبته غيره فإن الإيثار مكروه في القرب، بخلاف الإيثار بحظوظ النفس فإنه محبوب، فإن رأى الشيخ المصلحة في الإيثار في بعض الأوقات لمعنى شرعي فأشار عليه بذلك امتثل أمره.*

و: آداب متعلقة بمجلس العلم:

1: أن يدخل الطالب المجلس كامل الخصال، متطهرا مستعملا للسواك، فارغ القلب من الأمور الشاغلة.

2:أن لا يدخل الطالب بغير استئذان إذا كان الشيخ في مكان يحتاج فيه إلى استئذان.

3: أن يسلم الطالب على الحاضرين إذا دخل ويخص معلمه دونهم بالتحية، وأن يسلم عليه وعليهم إذا انصرف كما جاء في الحديث، فليست الأولى بأحق من الثانية.

4: ألا يتخطى الطالب رقاب الناس بل يجلس حيث ينتهي به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يقيم أحدا من موضعه، فإن آثره غيره لم يقبل اقتداء بابن عمر رضي الله عنهما، إلا أن يكون في تقديمه مصلحة للحاضرين أو أمره الشيخ بذلك، ولا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة، ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما، وإن فسحا له قعد وضم نفسه.

5:وينبغي أيضا أن يتأدب الطالب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ، فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه، ويقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين، ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة، ولا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة، بل يكون متوجها إلى الشيخ مصغيا إلى كلامه.*

6: أن لا يقرأ الطالب على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله*واستيفازه سنة*وروعه وغمه وفرحه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك، مما يشق عليه أو يمنعه من كمال حضور القلب والنشاط، وأن يغتنم أوقات نشاطه.

7:أن *يصون الطالب يديه في حال الإقراء عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويقعد على طهارة مستقبل القبلة ويجلس بوقار، وتكون ثيابه بيضا نظيفة، وإذا وصل إلى موضع جلوسه صلى ركعتين قبل الجلوس سواء كان الموضع مسجدا أو غيره، فإن كان مسجدا كان آكد فيه فإنه يكره الجلوس فيه قبل أن يصلي ركعتين، ويجلس متربعا إن شاء أو غير متربع، روى أبو بكر بن أبي داود السجستاني بإسناده، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كان يقرئ الناس في المسجد جاثيا على ركبتيه.

8:ينبغي أن يكون المجلس واسعا ليتمكن جلساؤه فيه، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:*((خير المجالس أوسعها))*رواه أبو داود في سنته، في أوائل كتاب الآداب بإسناد صحيح، من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.*

ز: آداب الطالب مع إخوته الطلبة:

1-ألا يحسد أحدا من رفقته أو غيرهم على فضيلة رزقه الله إياها.
وطريقه في نفي الحسد:*أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا، فينبغي أن لا يعترض عليها ولا يكره حكمة أرادها الله تعالى ولم يكرهه.
2-أن لا يعجب بنفسه بما خصه الله عن غيره.
وطريقه في نفي العجب:*أن يذكر نفسه أنه لم يحصل ما حصله بحوله وقوته وإنما هو فضل من الله، ولا ينبغي أن يعجب بشيء لم يخترعه بل أودعه الله تعالى فيه،*

المقصد الخامس: آداب حامل القرآن:

1-أن يتميز عن غيره من الناس:

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:*"ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصحته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".

2-أن يرفع نفسه عما نهى القرآن عنه ويأتي بما أمر به:

-أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن، وأن يكون مصونا عن دني الاكتساب شريف النفس مرتفعا على الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعا للصالحين وأهل الخير والمساكين، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال:*"يا معشر القراء! ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، فاستبقوا الخيرات لا تكونوا عيالا على الناس". ذكره النووي في التبيان
- عن الفضيل بن عياض، قال:*"ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم"،*وعنه أيضا، قال:*"حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن".

3- أن لا يتخذ القرآن وسيلة لنيل أمر دنيوي:

-ومن أهم ما يؤمر به: أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها، فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبيل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه)).
-وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:*((اقرؤوا القرآن من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه*ولا يتأجلونه))*رواه بمعناه من رواية سهل بن سعد، معناه: يتعجلون أجره إما بمال وإما سمعة ونحوها.
-وعن فضيل بن عمرو رضي الله عنه، قال: دخل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا، فلما سلم الإمام، قام رجل فتلا آيات من القرآن ثم سأل، فقال أحدهما: إنا لله وإنا إليه راجعون، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:*((سيجيء قوم يسألون بالقرآن، فمن سأل بالقرآن فلا تعطوه))،*وهذا الإسناد منقطع، فإن الفضل بن عمرو لم يسمع الصحابة.*

*مسألة حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن:

وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه على أقوال:
1-منع أخذ الأجرة عليه. حكى ذلك الإمام أبو سليمان الخطابي من جماعة من العلماء منهم الزهري وأبو حنيفة.
2- يجوز إن لم يشترطه، وهو قول الحسن البصري والشعبي وابن سيرين.
3- يجوز إن شارطه واستأجره إجارة صحيحة،وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون إلى جوازها وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة.*
حجة من منعوا أخذ الأجرة على القرآن:
واحتج من منعها بحديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن، فأهدى له قوسا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:*((إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها))،*وهو حديث مشهور رواه أبو داود وغيره، وبآثار كثيرة عن السلف.
وأجاب المجوزون عن حديث عبادة*بجوابين:
أحدهما:*أن في إسناده مقالا.
والثاني:*أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم، والله أعلم.
وبالتالي يترجح قول من أجاز الأخذ .

5:المحافظة على تلاوة القرآن والإكثار منها وختمه بشكل دوري:

-ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها..
*القدر الذي كان يختم السلف فيه القرآن:
وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم:
-أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة
- وعن بعضهم في كل شهر ختمة
-وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة
-وعن بعضهم في كل ثمان ليال
- وعن الأكثرين في كل سبع ليال
- وعن بعضهم في كل ست
- وعن بعضهم في كل خمس
- وعن بعضهم في كل أربع
- وعن كثيرين في كل ثلاث
- وعن بعضهم في كل ليلتين
-وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة
- ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين
- ومنهم من كان يختم ثلاثا
- وختم بعضهم ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار.*
*من السلف الذين كانت لهم ختمة مقدرة بأوقات:
-فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون.*
-ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه.*
-وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات
- وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.*
-وقال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله*عنه: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: "كان ابن الكاتب رضي الله عنه يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات، وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة".*
-وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده، عن منصور بن زادان،*عن*عباد التابعين*رضي الله*عنه،*أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضا فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئا، وكانوا*يخرونالعشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل.*
-وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن مجاهدا كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء.*
-وعن منصور، قال: "كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان".*
-وعن إبراهيم بن سعد، قال: "كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن".
-وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم؛ فمن المتقدمين: عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم، ختمة في كل ركعة في الكعبة.*
-وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون؛ نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.*

*مسألة: ما هو القدر من الأيام الصالح لختم القرآن فيها:
-ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة.*
-كراهية بعض السلف الختم في اليوم والليلة:
وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))*رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، والله أعلم.*

*أوقات الابتداء والختم:
-وأما وقت الابتداء والختم لمن يختم في*الأسبوع؛ فقد روى أبو داود أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفتتح القرآن ليلة الجمعة ويختمه ليلة الخميس.*
-وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره.
-وروى ابن أبي داود عن عمر بن مرة التابعي، قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل أو من أول النهار.
-وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل، قال:*"من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح"،*وعن مجاهد نحوه.*
-وروى الدارمي في مسنده، بإسناده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال:*"إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإذا وافق ختمه آخر الليل صلت عليه الملائكة حتى يمسي"،*قال الدارمي: هذا حسن من سعد.*
-وعن حبيب بن أبي ثابت التابعي أنه كان يختم قبل الركوع، قال ابن أبي داود: وكذا قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

6: القيام بالقرآن في الليل وأهمية ذلك وشرفه:
*
-ينبغي أن يكون الاعتناء بقراءة القرآن في الليل أكثر، قال الله تعالى:*{من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}.
- وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:*((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)).
- وفي الحديث الآخر من الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال:*((يا عبد الله! لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه)).
- وروى الطبراني وغيره، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((شرف المؤمن قيام الليل))،والأحاديث والآثار في هذا كثيرة.*
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:*"ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون.
- وعن الحسن بن علي رضي الله عنه، قال:*"إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار".
- وقد جاء عن أبي الأحوص الحبشي، قال:*"إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقا*-أي: يأتيه ليلا-*فيسمع لأهله دويا كدوي النحل"، قال:*"فما بال هؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون".*
- وعن إبراهيم النخعي، كان يقول:*"اقرؤوا من الليل ولو حلب شاة".
- وعن يزيد الرقاشي، قال:*"إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي".*
-وروى صاحب بهجة الأسرار بإسناده، عن سليمان الأنماطي، قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام يقول شعرا:
لولا الذين لهم ورد يقومونا*........*ولم وآخرون لهم سرد يصومونا*
لدككت أهل أرضكم من تحتكم سحرا*.......*حديث لأنكم قوم سوء ما تطيعونا
- وعن ابن أبي الدنيا، عن بعض حفاظ القرآن، أنه نام ليلة عن حزبه فأري في منامه كأن قائلا يقول له:*
عجبت من جسم ومن صحة*.......*لو ومن فتى نام إلى الفجر*
والموت لا يؤمن خطفاته*.......*يكون في ظلم الليل يسري

*سبب ترجيح صلاة الليل وقراءته:
إنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات*والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل.
أدلة ذلك:
-أن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلا.
- وحديث:*((ينزل ربكم كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، فيقول: [هل من داع فأستجيب له]))*الحديث.
-وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*((في الليل ساعة يستجيب الله فيها الدعاء كل ليلة)).


*حصول فضيلة القيام بالليل بقراءة القليل والكثير أفضل:
-واعلم أن فضيلة القيام بالليل والقراءة فيه تحصل بالقليل والكثير، وكلما كثر كان أفضل، إلا أن يستوعب الليل كله فإنه يكره الدوام عليه، وإلا أن يضر بنفسه،*
-ومما يدل على حصوله بالقليل: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقسطين))*رواه أبو داود وغيره.
-وحكى الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"من صلى بالليل ركعتين فقد بات لله ساجدا وقائما".

*فصل فيمن نام عن ورده من الليل:* [ ما يفعله من نام عن ورده بالليل ]
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنه قرأه من الليل))*رواه مسلم.*
- وعن سليمان بن يسار، قال: قال أبو أسيد رضي الله عنه:*"نمت البارحة عن وردي حتى أصبحت فلما أصبحت استرجعت وكان وردي سورة البقرة فرأيت في المنام كأن بقرة تنطحني"*رواه ابن أبي داود.

7:الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان:
- ثبت عن أبي موسى*الأشرعي*يا*رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها))*رواه البخاري ومسلم.*
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت))*رواه مسلم والبخاري.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها))*رواه أبو داود والترمذي وتكلم فيه.
- وعن سعد بن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:*((من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم))*رواه أبو داود والدارمي.

المقصد السادس: آداب قراءة القرآن وختمه والأحكام المتعلقة به:*

أ. آداب القرآن وأحكامه قبل القراءة:

1-الإخلاص واستحضار مرأى الله في قراءة القرآن:
-يجب على القارئ الإخلاص ، ومراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه.

2-التنظف قبيل قراءة القرآن:
-ينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره، والاختيار في السواك: أن يكون بعود من أراك، ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة والأشنان وغير ذلك

3-قراءة القرآن على طهارة:
-يستحب أن يقرأ وهو على طهارة فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين، والأحاديث فيه كثيرة معروفة، قال إمام الحرمين: ولا يقال: ارتكب مكروها، بل هو تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء تيمم.


*المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث.* [ لعلكِ تؤخرين هذه العبارة للمسألة التالية ]

*أحكام متعلقة بالجنب والحائض مع قراءة القرآن:
*حرمة قراءة الجنب والحائض للقرآن:
وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به.
*جواز نظر الجنب والحائض في المصحف والتسبيح والتهليل وغير ذلك من الأذكار:
ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار، للجنب والحائض.
*جواز التلفظ بألفاظ القرآن دون القصد بأنه من القرآن:
قال النووي عن أصحابه:*وكذا إن قالا لإنسان: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" وقصد به غير القرآن فهو جائز، وكذا ما أشبهه، ويجوز لهما أن يقولا عند المصيبة: "إنا لله وإنا إليه راجعون" إذا لم يقصدا القراءة.*
وقال الخراسانيون: ويجوز أن يقولا عند ركوب*الدابة: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين"، وعند الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" إذا لم يقصدا القراءة.*
قال إمام الحرمين: فإذا قال الجنب: بسم الله والحمد لله، فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد شيئا لم يأثم.
*جواز قراءة ما نسخت تلاوته، كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة".
*حكم القراءة بعد التيمم إذا لم يجد الجنب والحائض الماء:
القول الأول: إذا لم يجد الجنب أو الحائض ماء تيمم، ويباح له القراءة والصلاة وغيرهما، فإن أحدث حرمت عليه الصلاة ولم تحرم القراءة والجلوس في المسجد وغيرهما مما لا يحرم على المحدث، كما لو اغتسل ثم أحدث، وهذا مما يسأل عنه ويستغرب فيقال: جنب يمنع من الصلاة ولا يمنع من قراءة القرآن والجلوس في المسجد من غير ضرورة، كيف صورته؟ فهذا صورته، ثم الأقرب: لا فرق مما ذكرناه بين تيمم الجنب في الحضر والسفر.*
القول الثاني: وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه إذا تيمم في الحضر استباح الصلاة ولا يقرأ بعدها ولا يجلس في المسجد.
والصحيح: جواز ذلك .
*حرمة القراءة على الجنب المتيمم إذا رأى الماء :
ولو تيمم ثم صلى وقرأ ثم رأى ماء يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل
*الحكم إذا تيمم الجنب وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو لفريضة أخرى أو لغير ذلك:
القول الأول: أنه لا يحرم عليه القراءة .
القول الثاني: أنه لا يجوز لبعض أصحاب الشافعي .
الراجح: المذهب الصحيح المختار والمعروف الأول.
* إذا لم يجد الجنب ماء ولا ترابا فإنه لا يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، ويحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على فاتحة الكتاب، وهل يحرم عليه قراءة الفاتحة؟*فيه وجهان:*
الصحيح المختار:*أنه لا يحرم، بل يجب، فإن الصلاة لا تصح إلا بها، وكلما جازت الصلاة لضرورة مع الجنابة يجوز القراءة.*
والثاني:*لا يجوز، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي لا يحفظ شيئا من القرآن، لأن هذا عاجز شرعا فصار كالعاجز حسا، والصواب الأول.*

4:اختيار المكان الشريف النظيف للقراءة فيه:

يستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار.*ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة، ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف.
فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل، بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف، وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه.*

*حكم القراءة في الحمام:

وأما القراءة في الحمام؛ فقد اختلف السلف في كراهيتها، فقال أصحابنا: لا يكره، ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف، عن إبراهيم النخعي ومالك، وهو قول عطاء،*
وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه عنه ابن أبي داود.
وحكى ابن المنذر، عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب،*ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين،*قال الشعبي:"تكره*القراءة في ثلاثة مواضع:*في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور"،*وعن أبي ميسرة، قال:*"لا يذكر الله إلا في مكان طيب"، والله أعلم.*

*حكم القراءة في الطريق:
1- أنها جائزة وهو المختار:
وأما القراءة في الطريق؛ فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من الخلط، وروى أبو داود، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقرأ في الطريق، وروى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أذن فيها.*
2- أنها مكروهة:
قال ابن أبي داود: حدثني أبو الربيع، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل فيخرج إلى المسجد وقد بقي من السورة التي كان يقرأ فيها شيء، قال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق، وكره ذلك، وهذا إسناد صحيح عن مالك رحمه الله.

ب. الأوقات الفاضلة للقراءة:

-اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وغيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود.*
-وأما القراءة في غير الصلاة؛ فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول.
-القراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.*
- القراءة في النهار؛ فأفضلها بعد صلاة الصبح.
*حكم القراءة بعد العصر:
القول الأول:لا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه والعصر يدخل في ذلك.
القول الثاني: كراهية ذلك ، لما رواه ابن أبي داود، عن معاذ بن رفاعة، عن مشايخه، أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا: هي دراسة اليهود.
والأصح القول الأول لأن الثاني غير مقبول ولا أصل له.*

الأيام الفاضلة للقراءة:
ويختار من الأيام:
-الجمعة
-والاثنين
-والخميس
-ويوم عرفة.
ومن الأعشار:
-العشر الأخير من رمضان
-والعشر الأول من ذي الحجة
ومن الشهور:
-رمضان.

ج.مشروعية الاستعاذة :

1- وقتها:
فيه قولان:
القول الأول:إذا أراد الشروع في القراءة استعاذ، فقال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" هكذا قال الجمهور من العلماء.
القول الثاني:وقال به بعض العلماء: يتعوذ بعد القراءة، لقوله تعالى:*{فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
والقول الأول هو الراجح لدى الجمهور*وتقدير الآية التي احتج بها المخالفون عند الجمهور: إذا أردت القراءة فاستعذ.

2-صيغتها:
1- (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
2- (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) وكان جماعة من السلف يقومون بذلك ولا بأس بهذا.
ولكن الاختيار هو الأول.*

حكمها:
ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها، ويستحب في الصلاة في كل ركعة على الصحيح من الوجهين عند أصحابنا، وعلى الوجه الثاني إنما يستحب في الركعة الأولى، فإن تركه في الأولى أتى به في الثانية، ويستحب التعوذ في التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة على أصح الوجهين.*

د. الأحكام المتعلقة بالبسملة:
*وجوب المحافظة على قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول كل سورة سوى براءة ،فإن أكثر العلماء قالوا إنها آية حيث تكتب في المصحف.
وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإذا قرأها كان متيقنا قراءة الختمة أو السورة، فإذا أخل بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن عند الأكثرين. *
-فإذا كانت القراءة في وظيفة عليها جعل كالأسباع سعيد والأجراء التي عليها أوقاف وأرزاق كان الاعتناء بالبسملة أكثر لتيقن قراءة الختمة، فإنه إذا تركها لم يستحق شيئا من الوقف عند من يقول البسملة آية من أول السورة، وهذه دقيقة نفيسة يتأكد الاعتناء بها وإشاعتها.



هـ. آداب القرآن وأحكامه أثناء القراءة:
1:استحباب استقبال القبلة أثناء القراءة:

يستحب للقارئ في غير الصلاة أن*يستقل*القبلة.
فقد جاء في الحديث:*((خير المجالس ما استقبل به القبلة))

2-استحباب القراءة بخشوع وسكينة :

يستحب أن يجلس متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل.
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل:*{أفلا يتدبرون القرآن}، وقال تعالى:*{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}،*والأحاديث فيه كثيرة وأقاويل السلف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعات حال القراءة.*
وروينا عن بهز بن حكيم، أن زرارة بن أوفى التابعي الجليل رضي الله عنه، أمهم في صلاة الفجر فقرأ حتى بلغ:*{فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير}*خر ميتا، قال بهز: وكنت فيمن حمله.*
وقال السيد الجليل ذو المواهب والمعارف إبراهيم الخواص*رضي الله تعالى عنه:*"دواء القلب خمسة أشياء:*قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين".
وكان أحمد بن أبي الحواري رضي الله عنه وهو ريحانة الشام كما قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله، إذا قرئ عنده القرآن يصيح ويصعق.
*حكم من إذا قرئ عنده القرآن صاح وصعق:

القول الأول: الإنكار على من فعل ذلك ، فقد قال ابن أبي داود: وكان القاسم بن عثمان الجوني رحمه الله ينكر على ابن الحواري -وقد كان يصعق عند قراءة القرآن-.*وكان الجوني فاضلا من محدثي أهل دمشق تقدم في الفضل على ابن أبي الحواري، قال: وكذلك أنكره أبو الجوزاء وقيس بن جبير وغيرهما.*
القول الثاني والأصح: أن الصواب*عدم الإنكار إلا على من اعترف أنه يفعله تصنعا، والله أعلم.

3-استحباب القراءة قائما وجواز القراءة على أي وضعية:*

ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول.
قال الله عز وجل:*{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}.
وثبت في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:*"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن"،رواه البخاري ومسلم، وفي رواية:*"يقرأ القرآن ورأسه في حجري".*
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال:*"إني أقرأ القرآن في صلاتي، وأقرأ على فراشي".*
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:*"إني لا أقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير".

4-استحباب ترديد الآية للتدبر :

-عن أبي ذر رضي الله تعالى*عنه، قال:*"قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح"، والآية:*{إن تعذبهم فإنهم عبادك}*الآية، رواه النسائي وابن ماجه.*
-وعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه، أنه كرر هذه الآية حتى أصبح:*{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}.
-وعن عبادة بن حمزة، قال: دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ*{فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}*فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو، فطال علي ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو،*
ورويت هذه القصة عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
-وردد ابن مسعود رضي الله عنه:*{رب زدني علما}
- وردد سعيد بن جبير:*{واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}
- وردد أيضا:*{فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم}*الآية
- وردد أيضا:*{ما غرك بربك الكريم}
- وكان الضحاك إذا تلا قوله تعالى:*{لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل}*رددها إلى السحر.

5-استحباب البكاء عند قراءة القرآن:
قال الإمام أبو حامد الغزالي: البكاء مستحب مع القراءة وعندها
-قال الله تعالى:*{ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.*
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف،*فمن ذلك:
- عن النبي صلى الله عليه وسلم:*((اقرؤوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)).
- وعن عمر*بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته.*وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، وفي رواية: أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
- وعن أبي*رجاء، قال: "رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع".
- وعن أبي صالح، قال: قدم ناس من أهل اليمن على*ابي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:*"هكذا كنا".
- وعن هشام، قال: "ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة".
والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها، وفيما أشرنا إليه ونبهنا عليه كفاية، والله أعلم.
*طريقه في تحصيله:*
أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب.

6-استحباب الترتيل في قراءة القرآن:
وينبغي أن يرتل قراءته، وقد اتفق العلماء -رضي الله عنهم- على استحباب الترتيل.
قال العلماء: والترتيل مستحب للتدبر ولغيره، قالوا: يستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه، لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب.
- قال الله تعالى:*{ورتل القرآن ترتيلا}.
-وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها نعتت*قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا، رواه أبو داود*والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.*
-وعن معاوية بن قرة رضي الله عنه، عن عبد الله*بن مغفل رضي الله عنه، قال:*(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع في قراءته)*رواه البخاري ومسلم.*
-وعن مجاهد، أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء، فقال:*(الذي قرأ البقرة وحدها أفضل).
-وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله".

7-النهي عن الإفراط في الإسراع:*
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع، ويسمى الهذرمة، فثبت عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود:*(هكذا هكذا الشعر، إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع القلب فرسخ فيه نفع)*رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته.*

8-يستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب وإذا مر بآية تنزيه يسبح وإذا مر بسؤال سأل :
يستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب ،*أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمة ربنا.
- صح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما،*قال:*(صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ ترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ)*رواه مسلم*في صحيحه، وكانت سورة النساء في ذلك الوقت مقدمة على آل عمران.*
*مسألة حكم السؤال والاستعاذة والتسبيح في الصلاة:
-القول الأول: مستحب .
قال النووي عن أصحابه رحمهم الله تعالى: ويستحب هذا السؤال والاستعاذة والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارجا منها، قالوا: ويستحب ذلك في صلاة الإمام والمنفرد والمأموم، لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين عقب الفاتحة، وهذا الذي ذكر من استحباب السؤال والاستعاذة هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وجماهير العلماء رحمهم الله.
القول الثاني: يكره.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: ولا يستحب ذلك بل يكره في الصلاة.
والصواب قول الجماهير لما قدمناه.

9-اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه والبعد عن العبث والنظر إلى ما يلهي:

- وليمتثل قول الله تعالى:*{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.
-وليقتد بما رواه ابن أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه، ذكره في كتاب التفسير في قوله تعالى:*{نساؤكم حرث لكم}.*
ومن ذلك: العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.*
ومن ذلك: النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن.*
وأقبح من هذا كله: النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره، فإن النظر إلى الأمرد الحسن من غير حاجة حرام، سواء كان بشهوة أو بغيرها، سواء أمن الفتنة أو لم يأمنها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء، وقد نص على تحريمه*الإمام*الشافعي ومن لا يحصى من العلماء، ودليله قوله تعالى:*{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}،*ولأنه في معنى المرأة بل ربما كان بعضهم أو كثير منهم أحسن من كثير من النساء، ويتمكن من أسباب الريبة فيه ويتسهل من طرق الشر في حقه ما لا يتسهل في حق المرأة، فكان تحريمه أولى، وأقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن تحصى، وقد سموهم الأنتان لكونهم مستقذرين شرعا.
وأما النظر إليه في حال البيع والشراء والأخذ والإعطاء والتطبب والتعليم ونحوها من مواضع الحاجة فجائز للضرورة، لكن يقتصر الناظر على قدر الحاجة ولا يديم النظر من غير ضرورة، وكذا المعلم إنما يباح له النظر الذي يحتاج إليه،*ويحرم عليهم كلهم في كل الأحوال النظرة بشهوة، ولا يختص هذا بالأمرد بل يحرم على كل مكلف النظر بشهوة إلى كل أحد رجلا كان أو امرأة محرما كانت المرأة أو غيرها، إلا الزوجة أو المملوكة التي يملك الاستمتاع بها، حتى قال أصحابنا: يحرم النظر بشهوة إلى محارمه كأخته وأمه، والله أعلم.*
وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا شيئا من هذه المنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان، باليد لمن قدر، وباللسان لمن عجز عن اليد وقدر على اللسان، وإلا فلينكر بقلبه، والله أعلم.

10-حرمة قراءة القرآن بالأعجمية:

لا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها، سواء كان في الصلاة أم في غيرها، فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا، ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك وتصح به الصلاة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية، ولا يجوز لمن يحسنها.

11-جواز قراءة القرآن بالقراءات السبع ولا يجوز بغيرها:

وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها، ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة.
*بطلان صلاة من قرأ بالشواذ إن كان عالما:*
قال أصحاب النووي وغيرهم: لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالما، وإن كان جاهلا لم تبطل، ولم تحسب له تلك القراءة، وقد نقل الإمام أبو عمر بن عبد البر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها.
قال العلماء: من قرأ الشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه عرف بذلك، فإن عاد إليه أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهي عن ذلك، ويجب على كل متمكن من الإنكار عليه والمنع الإنكار عليه ومنعه.

12-إذا ابتدأ بقراءة فينبغي أن يستمر عليها ما دام الكلام مرتبطا ببعض:

إذا ابتدأ بقراءة أحد القراء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أحد من السبعة، والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس.

13-استحباب القراءة على ترتيب المصحف:

قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب، وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها، حتى قال بعض أصحاب النووي: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة*{قل أعوذ برب الناس}*يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة.*
قال بعض أصحاب النووي: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها.
*دليل ذلك:
أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه.
*أوقات استثنيت من القراءة على ترتيب المصحف:
كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى: سورة السجدة، وفي الثانية:*{هل أتى على الإنسان}، وصلاة العيد في الأولى: قاف، وفي الثانية:*{اقتربت الساعة}، وركعتين سنة الفجر في الأولى:*{قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية:*{قل هو الله أحد}، وركعات الوتر في الأولى:*{سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية:*{قل يا أيها الكافرون}،*وفي الثالثة:*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين.*
*جواز مخالفة الموالاة في ترتيب سور المصحف:
ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز
*الآثار الواردة على ذلك:
-أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ في الركعة الأولى من الصبح بـ"الكهف"، وفي الثانية بـ"يوسف".
*كراهية جماعة من السلف نخالفة ترتيب المصحف:
وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف.*
-روى ابن أبي داود، عن الحسن، أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف.
وبإسناده الصحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا، فقال:*"ذلك منكوس القلب".*

15-حرمة قراءة السورة من آخرها إلى أولها:

وأما قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا، فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات، وقد روى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل، والإمام مالك بن أنس، أنهما كرها ذلك، وأن مالكا كان يعيبه، ويقول: هذا عظيم.*

16-جواز تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله:
وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس هذا من هذا الباب، فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم.

17-مسألة: أفضلية القراءة من المصحف على قراءته عن ظهر قلب:

-قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا، وأبو حامد الغزالي وجماعات من السلف، ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف، ولم أر فيه خلافا . ذكره النووي في التبيان
-ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولا حسنا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.

18-استحباب*قراءة الجماعة مجتمعين وفضله :

اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة، وأفعال السلف والخلف المتظاهرة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أنه قال:*((ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده))*صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.*
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:*((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكره*الله فيمن عنده))*رواه مسلم، وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.*
وعن معاوية رضي الله عنه، أن النبي*صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال:*((ما يجلسكم؟))،*قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به، فقال:*((أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة))*رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والأحاديث في هذا كثيرة.*
وروى الدارمي بإسناده، عن ابن عباس رضي*الله عنهما، قال:*"من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نورا"، وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا.*
وروى ابن أبي داود فعل الدراسة مجتمعين عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين.*
وعن حسان بن عطية والأوزاعي أنهما قالا: أول من أحدث الدراسة في مسجد دمشق: هشام بن إسماعيل في مقدمته على عبد الملك.*
وأما ما روى ابن أبي داود، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، أنه أنكر هذه الدراسة، وقال: ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: ما رأيت أحدا فعلها.*
وعن ابن وهب قال: قلت لمالك: أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابه،*وقال: ليس هكذا تصنع الناس، إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه.*
فهذا الإنكار منهما مخالف لما عليه السلف والخلف ولما يقتضيه الدليل فهو متروك، والاعتماد على ما تقدم من استحبابها، لكن القراءة في حال الاجتماع لها شروط قدمناها ينبغي أن يعتنى بها، والله أعلم.*

*فضيلة من يجمع الجماعة على القراءة:

وأما فضيلة من يجمعهم على القراءة ففيها نصوص كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم:*((الدال على الخير كفاعله))، وقوله صلى الله عليه وسلم:*((لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم))،*والأحاديث فيه كثيرة مشهورة.*
وقد قال الله تعالى:*{وتعاونوا على البر والتقوى}،*ولا شك في عظم أجر الساعي في ذلك.
فصل] في الإدارة بالقرآن
*كيفية ذلك:
وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك ثم يسكت، ويقرأ الأخر من حيث انتهى الأول، ثم يقرأ الآخر، وهذا جائز حسن، وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه، فقال: لا بأس به.

19-أحكام متعلقة بالجهر بالقراءة والإسرار:*
اعلم أنه جاء أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره دالة على استحباب رفع الصوت بالقراءة، وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت، وسنذكر منها طرفا يسيرا إشارة إلى أصلها إن شاء الله تعالى.
*طريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا مع العلة:
قال الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا:
-أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك.
-فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والمتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه
- وإن حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر.
* الأدلة على استحباب الجهر بالقرآن:
- ثبت في الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:*((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به))*رواه البخاري ومسلم، ومعنى*((أذن)): استمع، وهو إشارة إلى الرضا والقبول.*
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((لقد أوتيت مزمارا من مزامير*آل داود))*رواه البخاري ومسلم،*وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله*عليه وسلم قال له:*((لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة))،*ورواه مسلم من رواية بريد بن الحصيب.*
- وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((لله أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته))*رواه ابن ماجه.
- وعن أبي موسى أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف*مازلهم*كل من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار))*رواه البخاري ومسلم.
- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((زينوا القرآن بأصواتكم))*رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.*
- وعن ابن أبي داود، عن علي*رضي الله عنه أنه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن، فقال:*"طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم".*
وفي إثبات الجهر أحاديث كثيرة.*
*شروط الجهر بالقراءة:
1- ألا يخاف رياء ولا إعجابا ولا نحوهما من القبائح.
2- ألا يؤذي جماعة بلبس صلاتهم وتخليطها عليهم.*
وقد نقل عن جماعة السلف اختيار الإخفاء، لخوفهم مما ذكرناه.
*وأدلة القائلين بالإخفاء:*
- عن الأعمش، قال: دخلت على إبراهيم وهو يقرأ بالمصحف، فاستأذن عليه رجل فغطاه، وقال:*"لا يرى هذا أني أقرأ كل ساعة".*
-*وعن أبي العالية، قال: كنت جالسا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، فقال رجل منهم:*"قرأت الليلة كذا"،فقالوا:*"هذا حظك منه".
ويستدل لهؤلاء بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:*((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة))*رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن، قال: ومعناه أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بها، لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، قال: وإنما معنى هذا الحديث عند أهل العلم: لكي يأمن الرجل من العجب، لأن الذي يسر بالعمل لا يخاف عليه من العجب كما يخاف عليه من علانيته.*
*الخلاصة: وكل هذا موافق لما تقدم تقريره في أول الفصل من التفصيل، وأنه إن خاف بسبب الجهر شيئا مما يكره لم يجهر، وإن لم يخف استحب الجهر، فإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر لما قدمناه، ولما يحصل فيه من نفع غيرهم، والله أعلم.*

*الجهر في حق الإمام والمنفرد مستحب ،وأما المأموم؛ فلا يجهر بالإجماع،*

*أوقات يستحب الجهر فيها بالقراءة:

أجمع المسلمون على استحباب الجهر بالقراءة في:
- الصبح
-والجمعة
-والعيدين
-والأولتين من المغرب والعشاء
-وفي صلاة التراويح والوتر عقيبها.
-ويسن الجهر في صلاة كسوف القمر
- ويجهر في*الاستقاء

*صلوات لا يجهر فيها بالقراءة:
-لا يجهر في الجنازة إذا صليت بالنهار، وكذا في الليل على المذهب الصحيح المختار
- ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيدين والاستسقاء.*
-ولا يجهر في كسوف الشمس

*حكم الجهر في نوافل الليل:
واختلف في الجهر في نوافل الليل
-الأظهر: أنه لا يجهر،
-والثاني: أنه يجهر
-والثالث -وهو الأصح، وبه قطع القاضي حسين والبغوي-: يقرأ بين الجهر والإسرار

*ولو فاته صلاة بالليل فقضاها بالنهار أو بالنهار فقضاها بالليل، فهل يعتبر في الجهر والإسرار وقت الفوات أم وقت القضاء؟
فيه وجهان :
أظهرهما: الاعتبار بوقت القضاء.*
ولو جهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه، ولا يسجد للسهو.

*كيفية الإسرار بالقراءة:
واعلم أن الإسرار في القراءة والتكبيرات وغيرهما من الأذكار هو أن يقوله بحيث يسمع نفسه، ولا بد من نطقه بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض له، فإن لم يسمع نفسه لم تصح قراءته ولا غيرها من الأذكار بلا خلاف.*

20-استحباب تحسين الصوت بالقراءة وحرمة الإفراط في ذلك والتمطيط:

قال العلماء رحمهم الله: فيستحب تحسين الصوت بالقراءة*ترتيبهاما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفاه فهو حرام.
وقد أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين، على استحباب تحسين الصوت بالقرآن، وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة، فنحن مستغنون عن نقل شيء من أفرادها.*
ودلائل هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفيضة عند الخاصة والعامة، كحديث:*((زينوا القرآن بأصواتكم))، وحديث:*((لقد أوتي هذا مزمارا))، وحديث:*((ما أذن الله))، وحديث:*((لله أشد أذنا))،وحديث أمامة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:*((من لم يتغن بالقرآن فليس منا))*رواه أبو داود بإسنادين جيدين، وفي إسناد سعد اختلاف لا يضر،*قال جمهور العلماء: معنى*((لم يتغن)): لم يحسن صوته، وحديث البراء رضي الله عنه، قال:*(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بـ"التين والزيتون"، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه)*رواه البخاري ومسلم.*


21-حكم قراءة القرآن بالألحان:


وأما القراءة بالألحان؛ فقد قال العلماء فيها بالتالي:
1- مكروهة . قاله الشافعي رحمه الله
2- غير مكروهة . قال به الشافعي في موضع آخر
وفصل في ذلك بعض العلماء فقالوا:
ليست على قولين، بل فيه تفصيل:
- إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه ، وقال أقضى القضاة الماوردي في كتابه الحاوي: القراءة بالألحان الموضوعة؛ إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ ويتلبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع، لأنه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج والله تعالى يقول:*{قرآنا عربيا غير ذي عوج}.*وقال النووي: وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة الذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة يأثم كل مستمع لها، كما قاله أقضى القضاة الماوردي، ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك، وقد بذلت فيها بعض قدرتي، وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك وأن يجعله في عافية.*
- وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه،*قال الماوردي: وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا، لأنه زاد على ألحانه في تحسينه، هذا كلام أقضى القضاة.*
*استحباب تحسين الصوت والتحزين بقراءة القرآن:
قال الشافعي في مختصر المزني: ويحسن صوته بأي وجه كان، قال: وأحب ما يقرأ حدرا وتحزينا، قال أهل اللغة: يقال: حدرت بالقراءة إذا أدرجتها ولم تمططها، ويقال: فلان يقرأ بالتحزين إذا رقق صوته.*
وقد روى ابن أبي داود بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ*{إذا الشمس كورت}*يحزنها شبه الرثاء.
وفي سنن أبي داود، قيل لابن أبي مليكة: أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ فقال: "يحسنه ما استطاع".*

و. أحكام قراءة القرآن في أحوال ومواطن:

1-حكم قراءة القرآن في حالة الخطبة:
أما من لم يسمعها ففيه قولان:
الأول: لا تكره. جاء عن إبراهيم
الثاني: كراهيتها ، جاء عن طاوس كراهيتها.
الجمع بين القولين:
فيجوز أن يجمع بين كلاميهما بأنها تكره حال استماع الخطبة ولا تكره بل تستحب عند عدم استماعها، كما ذكره أصحابنا.*ذكره النووي في التبيان

2-حكم قراءة القرآن في الطواف:
فيه قولان:
الأول:لا تكره القراءة في الطواف. هذا مذهب النووي، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي
الثاني: تكره ، حكي عن الحسن البصري وعروة بن الزبير ومالك
والصحيح الأول.

3-أحوال تكره فيها القراءة:

- فتكره القراءة في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام*
- وتكره القراءة بما زاد على الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام
- وتكره حالة القعود على الخلاء*
- وفي حالة النعاس
- وكذا إذا استعجم عليه القرآن*

ز. أحكام أخرى متعلقة بالقراءة

1-استحباب طلب القراءة الطيبة من حسن الصوت:

اعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون، وهذا متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين، وهى سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.*
فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي*الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((اقرأ علي القرآن))،*فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال:*((إني أحب أن أسمعه من غيري))فقرأت عليه سورة النساء، حتى إذا جئت إلى هذه الآية:*{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}،*قال:((حسبك الآن))*فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، رواه البخاري ومسلم.*
وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري:*(ذكرنا ربنا)، فيقرأ عنده القرآن،*والآثار في هذا كثيرة معروفة.*
وقد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة، والله أعلم.*

2-استحباب استفتاح مجالس الحديث بالقرآن واختتامها به من قارئ حسن الصوت:

وقد استحب العلماء أن يستفتح مجلس حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر من القرآن

*آداب متعلقة بقارئ القرآن في هذه المواطن:
1- ينبغي للقارئ في هذه المواطن أن يقرأ ما يليق بالمجلس ويناسبه
2- وأن تكون قراءته في آيات الرجاء والخوف والمواعظ والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والتأهيب لها وقصر الأمل ومكارم الأخلاق.

3-حكم أن يقال القرآن بشيء من أمور الدنيا:

فيه قولان:
القول الأول: الكراهة:*
- روي*عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقال القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا.*
القول الثاني: الجواز:
- عن حكيم -بضم الحاء- بن سعد، أن رجلا من المحكمية أتى عليا رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح، فقال:*{لئن أشركت ليحبطن عملك}، فأجابه علي في الصلاة:*{فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذي لا يوقنون}.*

4-مسألة :*إذا أراد أن يستدل بآية فهل يقول: قال الله تعالى كذا، أو : الله تعالى يقول كذا:
فيه قولان:
الأول:*لا كراهة في شيء من هذا، هذا هو الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف.*
الثاني:ما روي ابن أبي داود، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير*التابعي المشهور، قال: "لا تقولوا: إن الله تعالى يقول، ولكن قولوا: إن الله تعالى قال"،*وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما جاء به القرآن والسنة وفعلته الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم، فقد قال الله تعالى:*{والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.*
والصحيح الأول لما ورد من أحاديث صحيحة:
ففي صحيح مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((يقول الله سبحانه وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)).*
وفي صحيح البخاري، في باب تفسير*{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}،*فقال أبو طلحة:*(يا رسول الله! إن الله تعالى يقول:*{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون})،*فهذا كلام أبي طلحة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.*
وفي الصحيح، عن مسروق رحمه الله، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: ألم يقل الله تعالى:*{ولقد رآه بالأفق المبين}؟،*فقالت:*(ألم تسمع أن الله تعالى يقول:*{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}؟*أو لم تسمع أن الله تعالى يقول:*{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}؟)*الآية، ثم*قالت في هذا الحديث:*(والله تعالى يقول:*{يا أيها الرسول بلغ})،*ثم قالت:*(والله تعالى يقول:*{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}).*ونظائر هذا في كلام السلف والخلف أكثر من أن تحصر، والله أعلم.

ح. آداب الوقف في القرآن:

ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيد بالأعشار والأجزاء، فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط.
*أمثلة على ذلك:
كالجزء الذي في قوله تعالى:*{وما*أبرئ*نفسي}، وفي قوله تعالى:*{فما كان جواب قومه}،*وقوله تعالى:*{ومن يقنت منكن لله ورسوله}،*وفي قوله تعالى:*{وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء}،*وفي قوله تعالى:*{إليه يرد علم الساعة}،*وفي قوله تعالى:*{وبدا لهم سيئات}،*وفي قوله:*{قال فما خطبكم أيها المرسلون}،*وكذلك الأحزاب كقوله تعالى:*{واذكروا الله في أيام معدودات}،*وقوله تعالى:*{قل هل أنبئكم بخير من ذلكم}.*
فكل هذا وشبيهه ينبغي أن يبتدأ به ولا يوقف عليه فإنه متعلق بما قبله، ولا يغترن بكثرة الغافلين له من القراء الذين لا يراعون هذه الآداب، ولا يفكرون في هذه المعاني.*
وليمتثل ما رواه الحاكم أبو عبد الله بإسناده، عن السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي الله عنه، قال:*"لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغترن بكثرة الهالكين ولا يضرك قلة السالكين".
ولهذا المعنى قالت العلماء: قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة، فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال.*
وقد روى ابن أبي داود بإسناده، عن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي المعروف رضي الله عنه، قال: "كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويتركوا بعضها".


ط. من البدع المنكرة في القراءة:*

ما يفعله جهلة المصلين بالناس في التراويح من قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة، فيجمعون أمورا منكرة*:
منها اعتقادها مستحبة،*
ومنها إيهام العوام ذلك،*
ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنة تطويل الأولى،*
ومنها التطويل على المأمومين،*
ومنها هذرمة القراءة،*
ومن البدع المشابهة لهذا: قراءة بعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة بسجدة غير سجدة*{ألم تنزيل}*قاصدا ذلك، وإنما السنة قراءة*{ألم تنزيل}*في الركعة الأولى، و{هل أتى}*في الثانية.

ي. مسائل غريبة تدعو الحاجة إليها:

*مسألة أنه إذا كان يقرأ فعرض له ريح فينبغي أن يمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجها ثم يعود إلى القراءة ، كذا رواه ابن أبي داود وغيره عن عطاء، وهو أدب حسن.*
*مسألة أنه إذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ،*قال مجاهد، وهو حسن،*ويدل عليه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي*الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل))رواه مسلم.*
*مسألة:*أنه إذا قرأ قول الله عز وجل:*{وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله}، {وقالت اليهود يد الله مغلولة}، {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا}*ونحو ذلك من الآيات، ينبغي أن يخفض بها صوته، كذا كان إبراهيم النخعي رضي الله عنه يفعله
*مسألة:*ما رواه ابن أبي داود بإسناد ضعيف، عن الشعبي، أنه قيل له: إذا قرأ الإنسان:*{إن الله وملائكته يصلون على النبي}يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.*
*مسألة:*أنه يستحب له أن يقول ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن*النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:*((من قرأ*{والتين والزيتون}فقال:*{أليس الله بأحكم الحاكمين}، فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين))*رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، عن رجل، عن أعرابي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي: هذا الحديث إنما يروى بهذا الإسناد، عن الأعرابي، عن أبي هريرة، ولا يسمى.*
وروى ابن أبي داود والترمذي*((ومن قرأ آخر*{لا أقسم بيوم القيامة}:*{أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى}*فليقل: بلى، ومن قرأ*{فبأي آلاء ربكما تكذبان}*أو*{فبأي حديث بعده يؤمنون}*فليقل: آمنت بالله)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وابن الزبير وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم*{سبح اسم ربك الأعلى}قال:*"سبحان ربي الأعلى".*
وعن*عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول فيها:*"سبحان ربي الأعلى"، ثلاث مرات.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى فقرأ آخر سورة بني إسرائيل، ثم قال:*"الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا"،*
وقد نص بعض أصحابنا على أنه يستحب أن يقال في الصلاة ما قدمناه.*وفي حديث أبي هريرة في السور الثلاث، وكذلك يستحب أن يقال باقي ما ذكرناه وما كان في معناه، والله أعلم.
*مسألة*إذا كان يقرأ ماشيا فمر على قوم يستحب أن يقطع القراءة ويسلم عليهم ثم يرجع إلى القراءة، ولو أعاد التعوذ كان حسنا.
*مسألة لو كان يقرأ جالسا فمر عليه غيره ؛ فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام على القارئ لاشتغاله بالتلاوة.
*مسألة إذا مر على القارئ شخص فسلم عليه فهل يكفيه الرد بالإشارة؟
فيه قولان:
الأول: إن أراد الرد باللفظ رده ثم استأنف الاستعاذة وعاود التلاوة، وهذا الذي قاله ضعيف، الثاني والظاهر: وجوب الرد باللفظ.
سبب الترجيح: أنه إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة وقلنا الإنصات سنة وجب له رد السلام على أصح الوجهين، فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات وتحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع أولى، مع أن رد السلام واجب بالجملة، والله أعلم.*
* إذا عطس في حال القراءة فإنه يستحب أن يقول: الحمد لله، وكذا لو كان في الصلاة، ولو عطس غيره وهو يقرأ في غير الصلاة وقال: الحمد لله يستحب للقارئ أن يشمته فيقول: يرحمك الله، ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته، وهذا متفق عليه عند أصحاب النووي.*
* إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة وأمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة وعلم أنه لا ينكسر قلبه ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذي*بينها بينهما*ونحوه فالأولى أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة، فإن قطعها جاز، والله أعلم.

ك. أحكام نفيسة تتعلق بالقراءة*في الصلاة :

*أحكام تتعلق بالفاتحة:
- يجب القراءة في الصلاة المفروضة بإجماع العلماء، واختلفوا في تعين قراءة الفاتحة في كل ركعة:
القول الأول: تتعين قراءة الفاتحة في كل ركعة،قال به مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء .
الثاني: لا تتعين الفاتحة أبدا، ولا تجب قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين،قال به أبو حنيفة وجماعة
والصواب الأول، فقد تظاهرت عليها الأدلة من السنة، ويكفي من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:*((ولا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن)).*
-وأجمعوا على استحباب قراءة السورة بعد الفاتحة في ركعتي الصبح والأولتين من باقي الصلوات.
-حكم قراءة الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة:
اختلفوا في استحبابها في الثالثة والرابعة، وللشافعي فيها قولان: الجديد: أنها تستحب، والقديم: أنها لا تستحب.*
قال أصحاب النووي: وإذا قلنا إنها تستحب فلا خلاف أنه يستحب أن يكون أقل من القراءة في الأولتين، قالوا: وتكون القراءة في الثالثة والرابعة سواء،*
-حكم تطويل الأولى على الثانية؟*فيها وجهان:
أصحهما عند جمهور*أصحاب النووي: أنها*لا تطول.
والثاني وهو الصحيح*عند المحققين: أنها*تطول، وهو المختار للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطول في الأولى ما لا يطول في الثانية، وفائدته أن يدرك المتأخر الركعة الأولى، والله أعلم.*
-إذا أدرك المسبوق مع الإمام الركعتين الأخيرتين من الظهر وغيرها ثم قام إلى الإتيان بما بقي عليه استحب أن يقرأ السورة،قاله الشافعي و قال الجماهير : هذا على القولين، وقال بعضهم: هذا على قوله يقرأ السورة في الأخيرتين، أما على الآخر فلا، والصواب الأول لئلا تخلو صلاته من سورة، والله أعلم، هذا حكم الإمام المنفرد.*
فأما المأموم؛ فإن كانت صلاته سرية وجبت عليه الفاتحة واستحب له السورة، وإن كانت جهرية فإن كان يسمع قراءة الإمام كره له قراءة السورة، وفي*وجوب الفاتحة*قولان:*أصحهما: تجب، والثاني: لا تجب.
وإن كان لا يسمع القراءة فالصحيح وجوب الفاتحة واستحباب السورة، وقيل: تجب ولا تستحب السورة، والله أعلم.*
-وتجب قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من صلاة الجنازة، وأما قراءة الفاتحة في صلاة النافلة فلا بد منها،*واختلف أصحاب النووي في تسميتها فيها على ثلاثة تسميات:
الأول:فقال القفال: تسمى واجبة،
الثاني:وقال صاحبه القاضي حسين: تسمى شرطا،
الثالث:وقال غيرهما: تسمى ركنا، وهو الأظهر، والله أعلم.*
-والعاجز عن الفاتحة في هذا كله يأتي ببدلها، فيقرأ بقدرها من غيرها من القرآن، فإن لم يحسن أتى بقدرها من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما، فإن لم يحسن شيئا وقف بقدر القراءة، والله أعلم.

*لا بأس بالجمع بين سورتين في ركعة واحدة
فقد ثبت في الصحيحين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:*"لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن"، فذكر عشرين سورة من المفصل كل سورتين في ركعة، وقد قدمنا عن جماعة من السلف قراءة الختمة في ركعة واحدة.

*مسألة**إذا استأذن إنسان على المصلي، فقال المصلي:*{ادخلوها بسلام آمنين}،*فإن أراد التلاوة وأراد الإعلام لم تبطل صلاته، وإن أراد الإعلام ولم يحضره نية بطلت صلاته.
*فصل:إذا أرتج على القارئ ولم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره:
- ينبغي أن يتأدب بما جاء عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وبشير بن أبي مسعود رضي الله عنهم، قالوا:*(إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول: كيف كذا وكذا، فإنه يلبس عليه).

ل. فصل في سجود التلاوة:
*حكمه وأهميته وفضله:

هو مما يتأكد الاعتناء به، فقد أجمع العلماء على الأمر بسجود*التلاوة،*واختلفوا في أنه أمر استحباب أم إيجاب، على قولين:

الأول: ليس بواجب بل مستحب، قال به الجمهور ، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والأوزاعي*والشافعي وأحمد وإسحق وأبي*ثور وداود وغيرهم.
الثاني: هو واجب، قاله أبو حنيفة واحتج بقوله تعالى:*{فما لهم لا يؤمنون * وإذا*قرأ*عليهم القرآن لا يسجدون}.*

الراجح الأول ، وسبب الترجيح:
احتج الجمهور بما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النمل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة، قال:*"يا أيها الناس إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه"، ولم يسجد عمر، رواه البخاري، وهذا الفعل والقول من عمر رضي الله عنه في هذا المجمع دليل ظاهر. *
وأما الجواب عن الآية التي احتج بها أبو حنيفة رضي الله عنه فظاهر، لأن المراد ذمهم على ترك السجود تكذيبا، كما قال تعالى بعده:*{بل الذين كفروا يكذبون}.*
وثبت في الصحيحين، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم*{والنجم}*فلم يسجد.*
وثبت في الصحيحين، أنه صلى الله عليه وسلم سجد في النجم، فدل على أنه ليس بواجب.

*بيان عدد السجدات ومحلها:
اختلفوا على أقوال:
الأول:أنها أربع عشرة سجدة. قاله الشافعي رحمه الله وأحمد ومالك والجماهير:
في الأعراف والرعد والنحل وسبحان ومريم، وفي الحج سجدتان، وفي الفرقان والنمل وألم وحم السجدة والنجم، و{إذا السماء انشقت}*و{اقرأ باسم ربك}.*
وأما سجدة ص فمستحبة، فليست من عزائم السجود، أي: متأكد*أنه*ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:*"ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها"، هذا مذهب الشافعي ومن قال مثله.*
الثاني: أنها أربع عشرة أيضا،قاله أبو حنيفة ، لكن أسقط الثانية من الحج، وأثبت سجدة ص، وجعلها من العزائم،*
الثالث: أنها خمس عشرة، زاد ص، وهو قول أحمد و أبي العباس بن شريح وأبي إسحق المروزي من أصحاب الشافعي،*
الرابع: أنها إحدى عشرة، أسقط النجم و{إذا السماء انشقت}*و{اقرأ}، وهو قول قديم للشافعي، وقال به مالك وهو الأشهر .
والصحيح الأول، والأحاديث الصحيحة تدل عليه.*

*أما محلها:
- فسجدة الأعراف في آخرها.*
- والرعد: عقيب قوله عز وجل:*{بالغدو والآصال}.*
- والنحل:*{ويفعلون ما يؤمرون}.*
- وفي سبحان:*{ويزيدهم خشوعا}.*
- وفي مريم:*{خروا سجدا وبكيا}.
- والأولى من سجدتي الحج:*{إن الله يفعل ما يشاء}، والثانية:*{وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.*
- والفرقان:*{وزادهم نفورا}.*
- والنمل:*{رب العرش العظيم}.*
- و{ألم * تنزيل}: {وهم لا يستكبرون}.*
- وحم:*{لا يسأمون}.*
- والنجم في آخرها.*
- و{إذا السماء انشقت}: {لا يسجدون}.*
- و{اقرأ}*في آخرها.*
ولا خلاف يعتد به في شيء من مواضعها إلا التي في حم، فإن العلماء اختلفوا فيها، فذهب الشافعي وأصحابه*إنها ما ذكرناه إنهاعقيب*{يسأمون}، وهذا مذهب سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وأبي وائل شقيق ابن سلمة وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق بن راهويه، وذهب آخرون إلى أنها عقيب قوله تعالى:*{إن كنتم إياه تعبدون}،*حكاه ابن المنذر، عن عمر بن الخطاب والحسن البصري وأصحاب عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي صالح وطلعت بن مصرف وزبير بن الحرث ومالك بن أنس والليث بن سعد، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي حكاه البغوي في التهذيب،*
وأما قول أبي الحسن علي بن سعيد العبد من أصحابنا في كتابه الكفاية في اختلاف الفقهاء: عندنا أن سجدة النمل هي عند قوله تعالى:*{ويعلم ما يخفون وما يعلنون}، قال: وهذا مذهب أكثر الفقهاء.
وقال مالك: هي عند قوله تعالى:*{رب العرش العظيم}،*
فهذا الذي نقله عن مذهبنا ومذهب أكثر الفقهاء غير معروف ولا مقبول بل غلط ظاهر، وهذه كتب أصحابنا مصرحة بأنها عند قوله تعالى:*{رب العرش العظيم}. ذكره النووي في التبيان

*شروط سجود التلاوة:

حكم سجود التلاوة حكم صلاة النافلة في اشتراط الطهارة عن الحدث وعن النجاسة، وفي استقباله القبلة، وستر العورة، فتحرم على من ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها، وعلى المحدث إلا إذا تيمم في موضع يجوز فيه التيمم، وتحرم إلى غير القبلة إلا في السفر حيث تجوز النافلة إلى غير القبلة، وهذا كله متفق عليه.*

*فصل فيمن يسن له السجود:

-اعلم أنه يسن للقارئ المطهر بالماء أو التراب حيث يجوز سواء كان في الصلاة أو خارجا منها، ويسن للمستمع.
-أما السامع فاختلفوا فيه:
القول الأول: أنه يسن أيضا للسامع غير المستمع، ولكن قال الشافعي: لا أؤكد في حقه كما أؤكد في حق المستمع، هذا هو الصحيح
القول الثاني: لا يسجد السامع،قاله إمام الحرمين
والمشهور الأول .
-وسواء كان القارئ في الصلاة أو خارجا منها يسن للسامع والمستمع السجود، وإذا سجد القارئ ، أما إذا لم يسجد القارئ ففيه قولان:
الأول: لا يسن السجود إلا أن يسجد القارئ،قاله الصيدلاني من أصحاب الشافعي
الثاني: يسن السجود ولو لم يسجد القارئ وهو الصواب.
-حكم السجود إذا كان القارئ كافرا:
فيه قولان:
الأول: لا فرق بين أن يكون القارئ مسلما بالغا متطهرا رجلا، وبين أن يكون كافرا أو صبيا أو محدثا أو امرأة،و هذا هو الصحيح عند النووي، وبه قال أبو حنيفة، الثاني: لا يسجد لقراءة الكافر والصبي والمحدث والسكران، وقال جماعة من السلف: لا يسجد لقراءة المرأة، حكاه ابن المنذر عن قتادة ومالك وإسحق، والصواب الأول.

*وقت السجود للتلاوة وحكم قضاءها:

قال العلماء: ينبغي أن يقع عقيب آية السجدة التي قرأها أو سمعها، فإن أخر ولم يطل الفصل سجد، وإن طال فقد فات السجود، فلا يقضي على المذهب الصحيح المشهور، كما لا تقضى صلاة الكسوف.
وقال بعض أصحابنا فيه قول ضعيف أنه يقضي كما تقضى السنن الراتبة كسنة الصبح والظهر وغيرهما، فأما إذا كان القارئ أو المستمع محدثا عند تلاوة السجدة فإن تطهر عن قرب سجد، وإن تأخرت طهارته حتى طال الفصل فالصحيح المختار الذي قطع به الأكثرون: أنه لا يسجد، وقيل: يسجد، وهو اختيار البغوي من أصحابنا، كما يجيب المؤذن بعد الفراغ من الصلاة، والاعتبار في طول الفصل في هذا بالعرف على المختار، والله أعلم.

*أحكام متعلقة بسجود التلاوة:
-فصل*إذا قرأ السجدات كلها أو سجدات منها في مجلس واحد :
إذا قرأ السجدات كلها أو سجدات منها في مجلس واحد
يسجد لكل سجدة بلا خلاف، فإن كرر الآية الواحدة في مجالس سجد لكل مرة بلا خلاف، فإن كررها في المجلس الواحد نظر فإن لم يسجد للمرة الأولى كفاه سجدة واحدة عن الجميع، وإن سجد للأولى*ففيه ثلاثة أوجه:*
أصحها:*يسجد لكل مرة سجدة لتجدد السبب بعد توفية حكم الأولى.*
والثاني:*يكفيه سجدة الأولى عن الجميع، وهو قول ابن سريج، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، قال صاحب العدة من أصحابنا: وعليه الفتوى، واختاره الشيخ نصر المقدسي الزاهد من أصحابنا.*
والثالث:*إن طال الفصل سجد، وإلا فتكفيه الأولى، أما إذا كرر السجدة الواحدة في الصلاة فإن كان في ركعة فيه كالمجلس الواحد فيكون فيه الأوجه الثلاثة، وإن كان في ركعتين فكالمجلسين فيعيد السجود بلا خلاف.*

-*إذا قرأ السجدة وهو راكب على دابة في السفر :

يسجد بالإيماء، هذا مذهب النووي ومذهب مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأحمد وزفر وداود وغيرهم، وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: لا يسجد، والصواب مذهب الجماهير، وأما الراكب في الحضر فلا يجوز أن يسجد بالإيماء.

-إذا قرأ آية السجدة في الصلاة قبل الفاتحة سجد، بخلاف ما إذا قرأ في الركوع أو السجود فإنه لا يجوز أن يسجد لأن القيام محل القراءة، ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة فإنه يسجد للتلاوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة، لأن سجود التلاوة لا يؤخر.

-لو قرأ آية السجدة بالفارسية لا يسجد عند النووي، كما لو فسر آية سجدة، وقال أبو حنيفة: يسجد.

-إذا سجد المستمع مع القارئ لا يرتبط به، ولا ينوي الاقتداء به، وله الرفع من السجود قبله.

-لا تكره قراءة آية السجدة للإمام عند النووي سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، ويسجد إذا قرأها، وقال مالك: يكره ذلك مطلقا، وقال أبو حنيفة: يكره في السرية دون الجهرية.

*لا يكره عند النووي سجود التلاوة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وبه قال الشعبي والحسن البصري وسالم بن عبد الله والقاسم وعطاء وعكرمة وأبو حنيفة وأصحاب الرأي ومالك في إحدى الروايتين.*
وكرهت ذلك طائفة من العلماء، منهم عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب ومالك في الرواية الأخرى وإسحق بن راهويه وأبو ثور.

-لا يقوم الركوع مقام سجدة التلاوة في حال الاختيار، وهذا مذهب النووي ومذهب جماهير العلماء السلف والخلف، وقال أبو حنيفة رحمه الله: يقوم مقامه، ودليل الجمهور: القياس على سجود الصلاة، وأما العاجز عن السجود فيومئ إليه كما يومئ بسجود الصلاة.


* صفة السجود
اعلم أن الساجد للتلاوة له*حالان:
أحدهما: أن يكون خارج الصلاة.*والثاني: أن يكون*فيها.*
- أما الأول؛*فإذا أراد السجود نوى سجود التلاوة وكبر للإحرام ورفع يديه حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام للصلاة، ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوي إلى السجود ولا يرفع فيها اليد، وهذه التكبيرة الثانية مستحبة ليست بشرط كتكبيرة سجدة الصلاة، وأما التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام*ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا:
أظهرها*-وهو قول الأكثرين منهم-: أنها ركن ولا يصح السجود إلا بها.
والثاني:*أنها مستحبة ولو تركت صح السجود، وهذا قول الشيخ أبي محمد الجويني.
والثالث:*ليست مستحبة، والله أعلم.*
ثم إن كان الذي يريد السجود قائما كبر للإحرام في حال قيامه ثم يكبر للسجود في انحطاطه إلى السجود، وإن كان جالسا فقد قال جماعات من أصحابنا: يستحب له أن يقوم فيكبر للإحرام قائما ثم يهوي للسجود كما إذا كان في الابتداء قائما، ودليل هذا القياس على الإحرام والسجود في الصلاة، وممن نص على هذا وجزم به من أئمة أصحابنا: الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين وصاحباه صاحب التتمة والتهذيب والإمام المحقق أبو القاسم الرافعي، وحكاه إمام الحرمين عن والده الشيخ أبي محمد، ثم أنكره وقال: لم أر لهذا أصلا ولا ذكرا، وهذا الذي قاله إمام الحرمين ظاهر، فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عمن يقتدي به من السلف، ولا تعرض له الجمهور من أصحابنا، والله أعلم.
ثم إذا سجد فينبغي أن يراعي آداب السجود في الهيئة والتسبيح،*
أما الهيئة؛ فينبغي أن يضع يديه حذو منكبيه على الأرض ويضم أصابعه وينشرها إلى جهة القبلة ويخرجها من كمه ويباشر المصلي بها ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه إن كان رجلا، فإن كانت امرأة أو خنثى لم يجاف، ويرفع الساجد أسافله على رأسه ويمكن جبهته وأنفه من المصلى ويطمئن في سجوده.
وأما التسبيح في السجود؛ فقال أصحابنا: يسبح بما يسبح به في سجود الصلاة، فيقول ثلاث مرات: سبحان ربي الأعلى، ثم يقول: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين، ويقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فهذا كله مما يقوله المصلي في سجوده في الصلاة.*
قالوا: ويستحب أن يقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني وزرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود صلى الله عليه وسلم، وهذا الدعاء خصيص بهذا السجود فينبغي أن يحافظ عليه.*
وذكر الأستاذ إسماعيل الضرير في كتابه التفسير أن اختيار الشافعي رضي الله عنه في دعاء سجود التلاوة أن يقول:*{سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا}،*وهذا النقل عن الشافعي غريب جدا وهو حسن، فإن ظاهر القرآن يقتضي مدح قائله في السجود، فيستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها، ويدعو بما يريد من أمور الآخرة والدنيا، فإن اقتصر على بعضها حصل أصل التسبيح، ولو لم يسبح بشيء أصلا حصل السجود كسجود الصلاة.
ثم إذا فرغ من التسبيح والدعاء رفع رأسه مكبرا، وهل يفتقر إلى السلام؟*فيه قولان منصوصان للشافعي مشهوران:
أصحهما*عند جماهير أصحابه: أنه يفتقر لافتقاره إلى الإحرام ويصير كصلاة الجنارة، ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي داود بإسناده الصحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ السجدة سجد ثم سلم.*
والثاني:*لا يفتقر كسجود التلاوة في الصلاة، ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.*
فعلى الأول هل يفتقر إلى التشهد ؟ فيه وجهان، أصحهما لا يفتقر كما لا يفتقر إلى القيام .
وبعض أصحابنا يجمع بين المسألتين ويقول في التشهد والسلامثلاثة أوجه:*
أصحها:*أنه لا بد من السلام دون التشهد.*
والثاني:*لا يحتاج إلى واحد منهما.*
والثالث:*لا بد منهما.*
وممن قال من السلف: يسلم، محمد بن سيرين وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو الأحوص وأبو قلابة وإسحاق بن راهويه. وممن قال: لا يسلم، الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب وأحمد.
وهذا كله في الحال الأول وهو السجود خارج الصلاة،*
- والحال الثاني:*أن يسجد للتلاوة في الصلاة فلا يكبر للإحرام،*ويستحب أن يكبر للسجود ولا يرفع يديه ويكبر للرفع من السجود، هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور.
وقال أبو علي بن أبي هريرة من أصحابنا: لا يكبر للسجود ولا للرفع، والمعروف الأول.*ذكره النووي في التبيان

*الآداب في هيئة السجود والتسبيح:
-إذا كان الساجد إماما فينبغي أن لا يطول التسبيح إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل
- ثم إذا رفع من السجود قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف، وهذه مسألة غريبة قل من نص عليها، وممن نص عليها القاضي حسين والبغوي والرافعي، هذا بخلاف سجود الصلاة فإن القول الصحيح المنصوص للشافعي المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة في البخاري وغيره استحباب جلسته للاستراحة عقيب السجدة الثانية من الركعة الأولى في كل الصلوات، ومن الثالثة في الرباعيات.*
-ثم إذا رفع من سجدة التلاوة فلا بد من الانتصاب قائما، والمستحب إذا انتصب أن يقرأ شيئا ثم يركع، فإن انتصب ثم ركع من غير قراءة جاز. ذكره النووي في التبيان

م. آداب الختم وما يتعلق به:

*أوقات يستحب فيها الختم:

الختم للقارئ وحده يستحب أن يكون في الصلاة، وأنه قيل: يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر وركعتي سنة المغرب، وفي ركعتي الفجر أفضل، وأنه يستحب أن يختم ختمة في أول النهار في دور، ويختم ختمة أخرى في آخر النهار في دور آخر، وأما من يختم في غير الصلاة والجماعة الذين يختمون مجتمعين فيستحب أن تكون ختمتهم*يقول*أول النهار أو في أول الليل، وأول النهار أفضل عند بعض العلماء.*

*استحباب صيام يوم الختم:

يستحب صيام يوم الختم إلا أن يصادف يوما نهى الشرع عن صيامه، وقد روى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن طلحة بن مطرف وحبيب بن أبي ثابت والمسيب بن رافع التابعيين الكوفيين رضي الله عنهم أجمعين، كانوا يصبحون في اليوم الذي يختمون فيه القرآن صياما.

*استحباب حضور مجلس ختم القرآن:*

يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا، فقد ثبت في الصحيحين،*أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحيض بالخروج يوم العيد، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.
وروى الدارمي*وابن أبي داود بإسنادهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس، فيشهد ذلك.
وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين،*عن قتادة التابعي الجليل صاحب أنس رضي الله عنه، قال: "كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا".*
وروى بأسانيده الصحيحة عن الحكم بن عيينة التابعي الجليل،*قال: قال:*أرسل إلي مجاهد وعتبة بن لبابة فقالا:*"إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يستجاب عند ختم القرآن"، وفي بعض الروايات الصحيحة:*"وأنه كان يقال أن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن".*
وروى بإسناده الصحيح، عن مجاهد، قال:*"كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، يقولون: تنزل الرحمة".*

*استحباب الدعاء عقيب الختم:*

الدعاء مستحب عقيب الختم استحبابا متأكدا، لما ذكر في المسألة التي قبلها، وروى الدارمي بإسناده، عن حميد الأعرج، قال:*"من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك".
وينبغي أن يلح في الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة، وأن يكثر في ذلك في صلاح المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم، وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري بإسناده، أن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن كان أكثر دعائه للمسلمين والمؤمنين والمؤمنات، وقد قال نحو ذلك غيره
-اختيار ادعوات الجامعة في دعاء الختمة:*
فيختار الداعي الدعوات الجامعة، كقوله:*اللهم أصلح قلوبنا وأزل عيوبنا وتولنا بالحسنى وزينا بالتقوى واجمع لنا خير الآخرة والأولى وارزقنا طاعتك ما أبقيتنا*، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأعذنا من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال*، اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى، اللهم إنا نستودعك أدياننا وأبداننا وخواتيم أعمالنا وأنفسنا وأهلينا وأحبابنا وسائر المسلمين وجميع ما أنعمت علينا وعليهم من أمور الآخرة والدنيا*، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة واجمع بيننا وبين أحبابنا في دار كرامتك بفضلك ورحمتك*، اللهم أصلح ولاة المسلمين ووفقهم للعدل في رعاياهم والإحسان إليهم والشفقة عليهم والرفق بهم والاعتناء بمصالحهم وحببهم إلى الرعية وحبب الرعية إليهم ووفقهم لصراطك الذي المستقيم والعمل بوظائف دينك القويم*، اللهم الطف بعبدك سلطاننا ووفقه لمصالح الدنيا والآخرة وحببه إلى رعيته وحبب الرعية إليه.*
ويقول باقي الدعوات المذكورة في جملة الولاة، ويزيد: اللهم ارحم نفسه وبلاده وصن أتباعه وأجناده وانصره على أعداء الدين وسائر المخالفين ووفقه لإزالة المنكرات، وإظهار المحاسن وأنواع الخيرات، وزد الإسلام بسببه ظهورا وأعزه ورعيته إعزازا باهرا*، اللهم أصلح أحوال المسلمين وأرخص أسعارهم وآمنهم في أوطانهم واقض ديونهم وعاف مرضاهم وانصر جيوشهم وسلم غيابهم وفك أسراهم واشف صدورهم وأذهب غيظ قلوبهم وألف بينهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك صلى الله عليه وسلم وأوزعهم*ن*يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم*، اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين به ناهين عن المنكر مجتنبين له محافظين على حدودك قائمين على طاعتك متناصفين متناصحين*، اللهم صنهم*لأن*في أقوالهم وأفعالهم وبارك لهم في جميع أحوالهم*،*
ويفتح دعاءه ويختمه بقوله: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.*

*استحباب الشروع في ختمة أخرى عقيب فروغه من الختمة:*

يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة، فقد استحبه السلف واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:*((خير الأعمال الحل والرحلة))، قيل: وما هما؟ قال:*((افتتاح القرآن وختمه)).

المقصد السابع: الآداب والأحكام المتعلقة بالناس عامة مع القرآن:

أ. الواجبات المتعلقة بالمؤمن مع القرآن:

1: وجوب الإيمان بالقرآن على أنه المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: {الحمد لله رب العالمين} إلى آخر {قل أعوذ برب الناس} كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق:
وقد أجمع المسلمون على ذلك.

2: وجوب النصيحة للقرآن:

ثبت في صحيح مسلم رضي الله عنه، عن تميم الداري رضي الله عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة))،قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).

*تتحقق النصيحة لكتاب الله عبر المقاصد التالية:
قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي
1-الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم.
2-تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة
3-الذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين
4-التصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه
5-العمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه
6-نشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته.

3: وجوب تعظيم القرآن:

أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته.

ب. اعتقادات وأفعال متعلقة بالقرآن تكفر صاحبها:

1: كفر من جحد حرفا من القران أو زاد حرفا وهو عالم بذلك:
أجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر. 
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين ، وكذلك إذا جحد التوراة والإنجيل أو كتب الله المنزلة أو كفر بها أو سبها أو استخف بها فهو كافر. 
وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع فيه الإجماع وأجمع على أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا فهو كافر، قال أبو عثمان بن الحذاء: جميع أهل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر. 
وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذ المقرئ أحد أئمة المقرئين المتصدرين بها مع ابن مجاهد لقراءته وإقرائه بشواذ من الحروف مما ليس في المصحف، وعقدوا عليه للرجوع عنه والتوبة سجلا أشهدوا فيه على نفسه في مجلس الوزير أبي علي بن مقلة سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة

2: كفر من استهزأ بالقرآن أو سبه ولعنه:
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين
وأفتى محمد بن أبي زيد فيمن قال لصبي: لعن الله معلمك وما علمك، قال: أردت سوء الأدب ولم أرد القرآن، قال: يؤدب القائل، قال: وأما من لعن المصحف فإنه يقتل، هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله.

ج. أحكام عامة تتعلق بالقرآن:
1: حرمة تفسير القرآن بغير علم:

ويحرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، والأحاديث في ذلك كثيرة والإجماع منعقد عليه، وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه، فمن كان أهلا للتفسير جامعا للأدوات حتى التي يعرف بها معناه وغلب على ظنه المراد فسره إن كان مما يدرك بالاجتهاد كالمعاني والأحكام الجلية والخفية والعموم والخصوص والإعراب وغير ذلك، وإن كان مما لا يدرك بالاجتهاد كالأمور التي طريقها النقل وتفسير الألفاظ اللغوية فلا يجوز الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله، وأما من كان ليس من أهله لكونه غير جامع لأدواته فحرام عليه التفسير، لكن له أن ينقل التفسير عن المعتمدين من أهله.

2: حرمة تفسير القرآن بالرأي وأقسام المفسرين برأيهم :

المفسرون برأيهم من غير دليل صحيح أقسام: 
1-منهم من يحتج بأنه على تصحيح مذهبه وتقوية خاطره مع أنه لا يغلب على ظنه أن ذلك هو المراد بالآية وإنما يقصد الظهور على خصمه ،
2-منهم من يقصد الدعاء إلى خير ويحتج بآية من غير أن تظهر له دلالة لما قاله ، 
3-منهم من يفسر ألفاظه العربية من غير وقوف على معانيها عند أهلها وهي مما لا يؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية وأهل التفسير كبيان معنى اللفظ وإعرابها وما فيها من الحذف والاختصار والإضمار والحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والتقديم والتأخير والإجمال والبيان وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر. 
ولا يكفي مع ذلك معرفة العربية وحدها بل لا بد معها من معرفة ما قاله أهل التفسير فيها، فقد يكونون مجتمعين على ترك الظاهر أو على إرادة الخصوص أو الإضمار وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر، وكما إذا كان اللفظ مشتركا في معان فعلم في موضع أن المراد أحد المعاني ثم فسر كل ما جاء به، فهذا كله تفسير بالرأي، وهو حرام، والله أعلم.

3: حرمة المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق:

يحرم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق، فمن ذلك أن يظهر فيه دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ويحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه فيحملها على مذهبه، ويناظر على ذلك مع ظهورها في خلاف ما يقول، وأما من لا يظهر له ذلك فهو معذور، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المراء في القرآن كفر))، قال الخطابي: المراد بالمراء الشك، وقيل: الجدال المشكك فيه، وقيل: وهو الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر ونحوها.

د: آداب متعلقة بالقرآن :

*ينبغي لمن أراد السؤال عن تقديم آية على آية في المصحف أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع ونحو ذلك أن يقول: ما الحكمة في كذا؟

* كراهة قول نسيت آية كذا:

يكره أن يقول: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيتها أو أسقطتها.
فقد ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم: نسيت آية كذا وكذا، بل هو شيء نسي))، وفي رواية في الصحيحين أيضا: ((بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي)).
وثبت في الصحيحين أيضا، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ فقال: ((رحمه الله، لقد ذكرني آية كنت أسقطتها))، وفي رواية في الصحيح: ((كنت أنسيتها)). 
وأما ما رواه ابن أبي داود، عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل، أنه قال: "لا تقل: أسقطت آية كذا، قل: أغفلت"، فهو خلاف ما ثبت في الحديث الصحيح، فالاعتماد على الحديث، وهو جواز (أسقطت) وعدم الكراهة فيه أولى.

4: جواز قول سورة البقرة وآل عمران وكذا:

يجوز أن يقال: سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وسورة الأنعام وكذا الباقي، لا كراهة في ذلك، وكره بعض المتقدمين هذا وقال: يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، والسورة التي يذكر فيها النساء، وكذا البواقي، والصواب الأول، فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((سورة البقرة)) و((سورة الكهف))، وغيرهما مما لا يحصى، وكذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم. 
قال ابن مسعود: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، وعنه، في الصحيحين: "قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء"، والأحاديث وأقوال السلف في هذا أكثر من أن تحصر. 
وفي السورة لغتان، الهمز وتركه، والترك أفصح، وهو الذي جاء به القرآن، وممن ذكر اللغتين ابن قتيبة في غريب الحديث.

5: جواز قول قراءة فلان:

ولا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو حمزة أو الكسائي أو غيرهم، هذا هو المختار، الذي عليه السلف والخلف من غير إنكار، وروى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي، أنه قال: "كانوا يكرهون أن يقال: سنة فلان وقراءة فلان"، والصحيح ما قدمناه.


6: استحباب النفث مع القرآن للرقية:

روى ابن أبي داود، عن أبي جحيفة الصحابي رضي الله عنه -واسمه: وهب بن عبد الله، وقيل غير ذلك- وعن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا ذلك، والمختار: أن ذلك غير مكروه بل هو سنة مستحبة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق}و{قل أعوذ برب الناس}، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات)رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. 
وفي روايات في الصحيحين زيادة على هذا، ففي بعضها قالت عائشة رضي الله عنها: (فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به) ، وفي بعضها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات). 
قالت عائشة رضي الله عنها: (فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها)، وفي بعضها: (كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث). 
قال أهل اللغة: النفث: نفخ لطيف بلا ريق ، والله أعلم.

هـ. أحكام متعلقة بالكافر مع القرآن:
*جواز سماع الكافر للقرآن وامتناع مسه للمصحف:
لا يمنع الكافر من سماع القرآن لقول الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، ويمتنع من مس المصحف

*حكم تعليم القرآن للكافر:
هل يجوز تعليمه القرآن؟ قال أصحابنا: إن كان لا يرجى إسلامه لم يجز تعليمه، وإن رجي إسلامه ففيه وجهان: 
أصحهما: يجوز رجاء إسلامه. 
والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيع المصحف منه وإن رجي إسلامه.


المقصد الثامن: الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة:

أ. أوقات مخصوصة باستحباب كثرة الاعتناء بتلاوة القرآن فيها:

-السنة كثرة الاعتناء بتلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي العشر آكد، وليالي الوتر منه آكد
- ومن ذلك العشر الأول من ذي الحجة
- ويوم عرفة
-ويوم الجمعة
-وبعد الصبح
-وفي الليل.*

ب. سور وآيات مخصوصة باستحباب المحافظة على قراءتها:

وينبغي أن يحافظ على قراءة "يس" والواقعة وتبارك الملك*ويستحب الإكثار من تلاوة آية الكرسي في جميع المواطن.

ج. سور وآيات مخصوصة يستحب قراءتها في صلوات مخصوصة:

1:السنة أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة*{ألم تنزيل}*بكمالها، وفي الثانية*{هل أتى على الإنسان}*بكمالها، ولا يفعل ما يفعله كثير من أئمة المساجد من الاقتصار على آيات من كل واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل.*
2:والسنة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء*{سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية*{هل أتاك حديث الغاشية}، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليتجنب الاقتصار على البعض، وليفعل ما قدمناه.*

3:والسنة في صلاة العيد في الركعة الأولى سورة ق، وفي الثانية سورة الساعة بكمالها، وإن شاء "سبح"، و"هل أتاك"، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليجتنب الاقتصار على البعض.

4: ويقرأ في ركعتي سنة الفجر بعد الفاتحة الأولى*{قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية*{قل هو الله أحد}، وإن شاء قرأ في الأولى*{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا}*الآية، وفي الثانية*{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}،*فكلاهما صحيح من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5:ويقرأ في سنة المغرب*{قل يا أيها الكافرون}*و{قل هو الله أحد}، ويقرأ بهما أيضا في ركعتي الطواف، وركعتي الاستخارة.

6:ويقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الركعة الأولى*{سبح اسم ربك الأعلى}*وفي الثانية*{قل يا أيها الكافرون}*وفي الثالثة*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين.

د. استحباب قراءة سور مخصوصة في أيام مخصوصة:

1:يوم الجمعة:
ويستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وغيره فيه.*
قال الإمام الشافعي في الأم: ويستحب أن يقرأها أيضا ليلة الجمعة، ودليل هذا ما رواه أبو محمد الدارمي بإسناده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:*(من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق).*
وذكر الدارمي حديثا في استحباب قراءة سورة هود يوم الجمعة، وعن مكحول التابعي الجليل استحباب قراءة آل عمران يوم الجمعة.
هـ. استحباب قراءة سور وآيات مخصوصة في أوقات مخصوصة:

*1:عقب كل صلاة:
أن يقرأ المعوذتين عقب كل صلاة، فقد صح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال:*(أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذتين دبر كل صلاة)،*رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.*

2: عند النوم:
يستحب أن يقرأ عند النوم آية الكرسي و{قل هو الله أحد}والمعوذتين وآخر سورة البقرة، فهذا مما يهتم له ويتأكد الاعتناء به، فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:*((الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه))،*قال جماعة من العلماء: كفتاه من قيام الليل، وقال آخرون: كفتاه المكروه في ليلته.
وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كل ليلة يقرأ*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين)،*وقد قدمناه في فصل النفث بالقرآن.*
وروى عن أبي داود بإسناده، عن علي كرم الله وجهه، قال:*(ما كنت أرى أحدا يعقل دخل في الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي).*
وعن علي رضي الله عنه أيضا، قال:*(ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة)*إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.*
وعن عقبة بن عامر*رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:*((لا تمر بك ليلة إلا قرأت فيها*{قل هو الله أحد}والمعوذتين))،*فما أتت علي ليلة إلا وأنا أقرؤهن.*
وعن إبراهيم النخعي قال:*(كانوا يستحبون أن يقرؤوا هذه السور كل ليلة ثلاث مرات:*{قل هو الله أحد}*والمعوذتين)،*إسناده صحيح على شرط مسلم.**
وعن إبراهيم أيضا:*(كانوا يعلمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوذتين).
وعن عائشة رضي الله عنها:*(كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل)، رواه الترمذي، وقال: حسن.

3: عند الاستيقاظ من النوم
ويستحب أن يقرأ إذا استيقظ من النوم كل ليلة آخر آل عمران، من قوله تعالى:*{إن في خلق السماوات والأرض}*إلى آخرها، فقد ثبت في الصحيحين:*(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ).

و. سور يستحب قراءتها في أحوال مخصوصة:

1:عند المريض:
يستحب أن يقرأ عند المريض بالفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيها:*((وما أدراك أنها رقية)).*
ويستحب أن يقرأ عنده*{قل هو الله أحد}*و{قل أعوذ برب الفلق}*و{قل أعوذ برب الناس}*مع النفث في اليدين، فقد ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم بيانه في فصل النفث في آخر الباب الذي قبل هذا.*
وعن طلحة بن مطرف، قال: "كان المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد لذلك خفة"، فدخلت على خيمته وهو مريض فقلت: إني أراك اليوم صالحا، فقال: "إني قرئ عندي القرآن".*
وروى الخطيب أبو بكر البغدادي رحمه الله بإسناده، أن الرمادي رضي الله عنه كان إذا اشتكى شيئا قال: "هاتوا أصحاب*إلا*حديث"، فإذا حضروا قال: "اقرؤوا علي الحديث"، فهذا في الحديث، فالقرآن أولى.

2: عند الميت:
قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يستحب أن تقرأ عنده يس، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى*الله عليه وسلم، قال:*((اقرؤوا يس على موتاكم))،*رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه بإسناد ضعيف.*
وروى مجالد، عن الشعبي، قال: كانت الأنصار إذا حضروا عند الميت قرؤوا سورة البقرة، ومجالد ضعيف، والله أعلم.

المقصد التاسع: الأحكام المتعلقة بالمصحف : كتابته وإكرامه ومسه وبيعه:

أ. صيانة المصحف واجب وعدم احترامه كفر:

*أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه.
* ولو ألقاه مسلم في القاذورة والعياذ بالله تعالى صار الملقي كافرا
*يحرم توسد المصحف، بل توسد آحاد كتب العلم حرام.*
ب: كتابة المصحف :
1: مراحل جمع المصحف كتابة وأول من قام به من الصحابة وسبب ذلك:
*المرحلة الأولى: جمع المصحف في عهد أبي بكر
وهو أول من قام بجمع المصحف
*سبب جمع المصحف في عهد أبي بكر:
اعلم أن القرآن العزيز كان مؤلفا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما هو في المصاحف اليوم، ولكن لم يكن مجموعا في مصحف بل كان محفوظا في صدور الرجال، فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كله، وطوائف يحفظون أبعاضا منه، فلما كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقتل كثير من حملة القرآن خاف موتهم واختلاف من بعدهم فيه، فاستشار الصحابة -رضي الله عنهم- في جمعه في مصحف فأشاروا بذلك، فكتبه في مصحف وجعله في بيت حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنها-
*المرحلة الثانية: في عهد عثمان رضي الله عنه
*سبب جمع المصحف في عهد عثمان:
فلما كان في زمن عثمان -رضي الله عنه- وانتشر الإسلام خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحف وبعث بها إلى البلدان وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب وسائر الصحابة وغيرهم -رضي الله عنهم-، وإنما لم يجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو، ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته -صلى الله عليه وسلم-، فلما أمن أبو بكر وسائر أصحابه ذلك التوقع واقتضت المصلحة جمعه فعلوه -رضي الله عنهم-.*
*عدد المصاحف التي بعث بها عثمان:
واختلفوا في عدد المصاحف التي بعث بها عثمان؛ فقال الإمام أبو عمرو الداني: أكثر العلماء على أن عثمان كتب أربع نسخ؛ فبعث إلى البصرة إحداهن، وإلى الكوفة أخرى، وإلى الشام أخرى، وحبس عنده أخرى.*
وقال أبو حاتم السجستاني: كتب عثمان سبعة مصاحف؛ بعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا،*
وهذا مختصر ما يتعلق بأول جمع المصحف، وفيه أحاديث كثيرة في الصحيح.*

ج. أحكام متعلقة بكتابة المصاحف:
1: استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبيينها:

*اتفق العلماء على استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبيينها وإيضاحها وتحقق الخط دون مشقة وتعليقه.*
* ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة، فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك، والله أعلم.

2: حرمة كتابة القرآن بشيء نجس:

لا تجوز كتابة القرآن بشيء نجس، وتكره كتابته على الجدران عندنا، وفيه مذهب عطاء الذي قدمناه، وقد قدمنا أنه إذا كتب على الأطعمة فلا بأس بأكلها، وأنه إذا كتب على خشبة كره إحراقها.

3:حكم كتابة القرآن في إناء ونحوه:
اختلف العلماء في كتابة القرآن في إناء ثم يغسل ويسقى المريض
فقال الحسن ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي: لا بأس به، وكرهه النخعي. 
قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما من أصحابنا: ولو كتب القرآن على الحلوى وغيرها من الأطعمة فلا بأس بأكلها، قال القاضي: ولو كان خشبة كره إحراقها.

4: كراهة نقش الحيطان والثياب ونحوه بالقران:
 يكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى، قال عطاء: لا بأس بكتب القرآن في قبلة المسجد، 
وأما كتابة الحروز من القرآن؛ فقال مالك: لا بأس به إذا كان في قصبة أو جلد وخرز عليه، وقال بعض أصحابنا: إذا كتب في الخرز قرآنا مع غيره فليس بحرام، ولكن الأولى تركه، لكونه يحمل في حال الحدث، وإذا كتب يصان بما قاله الإمام مالك رحمه الله، وبهذا أفتى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله.


د. أحكام عامة متعلقة بالمصحف:

1:استحباب القيام للمصحف إذا قدم به عليه:

ويستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه، لأن القيام مستحب للفضلاء من العلماء والأخيار فالمصحف أولى، وقد قررت دلائل استحباب القيام في الجزء الذي جمعته فيه.*
وروينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح، عن ابن أبي مليكة، أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يضع المصحف على وجهه، ويقول:*(كتاب ربي، كتاب ربي).

2:حرمة السفر بالمصحف إلى أرض العدو إذا خيف وقوعه في أيديهم:

تحرم المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو إذا خيف وقوعه في أيديهم، للحديث المشهور في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى*ارض العدو.

هـ. الأحكام المتعلقة بمس المصحف والكتب التي تحتوي آيات:

1: وجوب منع الصبي والمجنون من مس المصحف مخافة انتهاك حرمته :

ويمنع المجنون والصبي الذي لا يميز من مس المصحف مخافة من انتهاك حرمته، وهذا المنع واجب على الولي وغيره ممن رآه يتعرض لحمله.

2: حرمة مس المصحف وحمله للمحدث والجنب:

-يحرم على المحدث مس المصحف وحمله، سواء حمله بعلاقته أو بغيرها، سواء مس نفس الكتابة أو الحواشي أو الجلد، ويحرم مس الخريطة والغلاف والصندوق إذا كان فيهن المصحف، هذا هو المذهب المختار، وقيل: لا تحرم هذه الثلاثة، وهو ضعيف،*
ولو كتب القرآن في لوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر، حتى لو كان بعض آية كتب للدراسة حرم مس اللوح.
-إذا تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود أو شبهه ففي جوازه وجهان لأصحابنا:*
أظهرهما: جوازه، وبه قطع العراقيون من أصحابنا، لأنه غير ماس ولا حامل،*
والثاني: تحريمه، لأنه يعد حاملا للورقة والورقة كالجميع،*
وأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة فحرام بلا خلاف، وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين، والصواب القطع بالتحريم، لأن القلب يقع باليد لا بالكم.
-إذا كتب الجنب أو المحدث مصحكان يحمل الورقة أو جسها حال الكتابة فحرام،*
وإن لم يحملها ولم يمسها ففيه ثلاثة أوجه:*
الصحيح: جوازه، والثاني: تحريمه، والثالث: يجوز للمحدث، ويحرم على الجنب.*

3:جواز مس كتب الفقه أو غيره من العلوم والثياب المطرزة وفيها آيات من القرآن للمحدث والجنب:

إذا مس المحدث أو الجنب أو الحائض أو حمل كتابا من كتب الفقه أو غيره من العلوم وفيه آيات من القرآن أو ثوبا مطرزا بالقرآن أو دراهم أو دنانير منقوشة به أو حمل متاعا في جملته مصحف أو لمس الجدار أو الحلوى أو الخبز المنقوش به فالمذهب الصحيح جواز هذا كله، لأنه ليس بمصحف، وفيه وجه أنه حرام.*
وقال أقضى القضاة أبو حسن الماوردي في كتابه الحاوي: يجوز مس الثياب المطرزة بالقرآن، ولا يجوز لبسها بلا خلاف، لأن المقصود بلبسها التبرك بالقرآن، وهذا الذي ذكره أو قاله ضعيف لم يوافقه أحد عليه فيما رأيته، بل صرح الشيخ أبو محمد الجويني وغيره بجواز لبسها، وهذا هو الصواب، والله أعلم.*

4: حكم مس وحمل كتب التفسير للمحدث والجنب:

وأما كتب تفسير القرآن؛ فإن كان القرآن فيها أكثر من غيره حرم مسها وحملها، وإن كان غيره*أكثر كما هو الغالب ففيها ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يحرم.
والثاني: يحرم.
والثالث: إن كان*القرآن بخط متميز بغلظ أو حمرة أو غيرها حرم، وإن لم يتميز لم يحرم.*
قلت: ويحرم المس إذا استويا.*
قال صاحب التتمة من أصحابنا: وإذا قلنا لا يحرم فهو مكروه

5: حكم مس كتب الأحاديث التي تحتوي على آيات القرآن على غير طهارة:

أما كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيها آيات من القرآن لم يحرم مسها، والأولى أن لا تمس إلا على طهارة، وإن كان فيها آيات من القرآن لم يحرم على المذهب، وفيه وجه أنه يحرم، وهو الذي في كتب الفقه.*
وأما المنسوخ تلاوته كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وغير ذلك، فلا يحرم مسه ولا حمله، قال أصحابنا: وكذلك التوراة والإنجيل.

6: حكم مس المصحف وموضع من البدن فيه نجاسة:

إذا كان في موضع من بدن المتطهر نجاسة غير معفو عنها حرم عليه مس المصحف بموضع النجاسة بلا خلاف، ولا يحرم بغيره على المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء، وقال أبو القاسم الصيمري من أصحابنا: يحرم، وغلطه أصحابنا في هذا، قال القاضي أبو الطيب: هذا الذي قاله مردود بالإجماع، ثم على المشهور قال بعض أصحابنا: إنه مكروه، والمختار: أنه ليس بمكروه.
7: جواز مس المصحف بعد التيمم:

من لم يجد ماء فتيمم حيث يجوز التيمم له مس المصحف، سواء كان تيممه للصلاة أو لغيرها مما يجوز التيمم له.
وأما من لم يجد ماء ولا ترابا فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يجوز له مس المصحف لأنه محدث جوزنا له الصلاة للضرورة، ولو كان معه مصحف ولم يجد من يودعه عنده وعجز عن الوضوء جاز له حمله للضرورة، قال القاضي أبو الطيب: ولا يلزمه التيمم، وفيما قاله نظر، وينبغي أن يلزمه التيمم، أما إذا خاف على المصحف من حرق أو غرق أو وقوع في نجاسة أو حصوله في يد كافر فإنه يأخذه ولو كان محدثا للضرورة.

8:لا يجب تكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف:

هل يجب على الولي والمعلم تكليف الصبي المميز الطهارة لحمل المصحف واللوح اللذين يقرأ فيهما؟*
فيه وجهان مشهوران، أصحهما عند الأصحاب: لا يجب للمشقة.*

و. الأحكام المتعلقة ببيع وشراء المصحف:

1: حكم بيع المصحف وشراؤه:
يصح بيع المصحف وشراؤه، ولا كراهة في شرائه وفي كراهة بيعه وجهان لأصحابنا، أصحهما وهو نص الشافعي: أنه يكره.*
ومن*قال لا يكره بيعه وشراؤه: الحسن البصري وعكرمة والحكم بن عيينة وهو مروي عن ابن عباس،*
وكرهت طائفة من العلماء بيعه وشراؤه، وحكاه ابن المنذر عن علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد.*
وروي عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري التغليظ في بيعه.*
وذهبت طائفة إلى الترخيص في الشراء وكراهة البيع، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رضي الله*عنهم*أجمعين، والله أعلم.

2: حرمة بيع المصحف من الذمي:
ويحرم بيع المصحف من الذمي، فإن باعه*ففي صحة البيع قولان للشافعي:
أصحهما: لا يصح،
والثاني: يصح،*ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه.



ما شاء الله ، أحسنتِ أختي الفاضلة ، وأسعدني تطبيقكِ للملحوظات على تلخيصاتكِ السابقة وتعديلكِ لها ، فاتتكِ في بعض المواضع لكن هذا لا يقدح في تلخيصكِ ولا يقلل من مجهودكِ ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.



تقييم التلخيص :

الشمول : 20 / 20
الترتيب : 20 / 20
التحرير العلمي : 18 / 20
الصياغة : 15 / 15
العرض : 15 / 15
المقصد الكلي : 10 / 10
______________

المجموع الكلي = 98 %
بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11 شعبان 1436هـ/29-05-2015م, 09:25 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي تم تلخيص مقدمة تفسير ابن كثير من جديد ..

مقاصد مقّدمة تفسير ابن كثير

المقصد العام للمقدّمة: بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن لتكون مقدّمة ينتفع بها من يقرأ التفسير.

المقاصد الفرعية:
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
ب: بيان فضل القرآن
ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف
د: نزول القرآن على سبعة أحرف
هـ: فضل تلاوة القرآن وحفظه وآدابه وأحكامه
و: ذكر فوائد متفرّقة متعلقة بعلوم القرآن


أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير:
1: وجوب الإيمان بالقرآن ووعيد من كذّب به
- قال الله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}.
- قال ابن كثير: (فمن كفر بالقرآن ممن ذكرنا فالنار موعده بنصِّ الله تعالى).

2: الإنذار بالقرآن من مقاصد إرسال الرسل.
- قال الله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ}
قال ابن كثير: (فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم، وأسود وأحمر، وإنس وجان، فهو نذير له).

3: عموم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين
- قال الله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأحمر والأسود)). قال مجاهد: يعني: الإنس والجن.
- قال ابن كثير: (فهو -صلوات الله وسلامه عليه- رسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، مبلغا لهم عن الله ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}).

4: الأمر بتدبّر القرآن
- قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.

5: حكم تفسير القرآن وبيان معانيه للناس
- قال ابن كثير: (فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه).
- قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
- وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.

6: ذمّ المعرضين عن تدبّر كتاب الله
- قال ابن كثير: (ذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه).
- قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}.
لطيفة:
قال ابن كثير: (ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم).


6: أحسن طرق التفسير
6-أ: تفسير القرآن بالقرآن.
- ما أجمل في موضع من القرآن فإنه قد فسر في موضع آخر.
6-ب: تفسير القرآن بالسنّة.
- السنّة مبيّنة للقرآن وشارحة له.
- قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
- وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
- السنّة وحي من الله إلا أنها لا تُتلى كما يُتلى القرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة.
- قال الشافعي: (كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} ).

6-ج: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
- إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنّة رجعنا إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم
- الصحابة أعلم الناس بالقرآن لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
- علماء الصحابة وكبراؤهم لهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس.
علم ابن مسعود رضي الله عنه بتفسير القرآن
- قال ابن مسعود: (والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته). رواه ابن جرير.
- وقال ابن مسعود أيضاً: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن).
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا).
علم ابن عباس رضي الله عنهما بتفسير القرآن
- دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)).
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (نعم ترجمان القرآن ابن عباس). رواه ابن جرير وصحّحه ابن كثير وقال: (وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود رضي الله عنه؟!!).
- وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف عليٌّ عبدَ الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.
7: حكم رواية الإسرائيليات
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري.
- كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
- الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد.
7-أ: أقسام الإسرائيليات
- الإسرائيليات على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
7-ب: من أسباب اختلاف المفسّرين اختلاف الأخبار المرويّة عن بني إسرائيل
قال ابن كثير: (ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم ).
7-ج: حكم نقل الخلاف عن بني إسرائيل
- قال ابن كثير: (نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22]).
- اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما.
- ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
7-د: أصول وآداب حكاية الخلاف في المسائل العلمية
- أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم.
- من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا.
- مَن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ.
- مَن نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.


8: تفسير القرآن بأقوال التابعين
- قال ابن كثير: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة؛ فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين).
- من أئمة التابعين في التفسير: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية الرياحي، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم.
- إذا أجمع التابعون على تفسير فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم.
- من أقوال التابعين في التفسير أقوال فيها تنوّع في الدلالة على المراد ويقع بسبب ذلك تباين في الألفاظ وهي ترجع إلى معنى واحد في حقيقة الأمر ؛ فقد يظنّها الظان اختلافاً وليست كذلك.
- بيان ذلك: أن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من المواضع.

9: علم مجاهد بن جبر بالتفسير
- قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها). رواه ابن إسحاق.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله).
- قال ابن كثير: (ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).


10: هل تفسير التابعي حجّة؟
- قال شعبة بن الحجاج وغيره: (أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟)
- قال ابن كثير: (يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة).

11: حكم التفسير بالرأي
- تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام.
- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)). رواه الترمذي والنسائي وابن جرير.
- عن جندب بن جنادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ)). رواه أبو داوود والترمذي والنسائي، وفي لفظ لهم: ((من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ)).
- قال ابن كثير: (لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه).

12: تحرّج بعض السلف عن التفسير خشية القول فيه بغير علم
- قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم؟!).
- عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها). رواه ابن جرير وقال ابن كثير: (إسناده صحيح).
- قال عبيد الله بن عمر: (لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع). رواه ابن جرير.
- قال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة يعني السلماني عن آية من القرآن فقال: (ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد).
- قال مسروق بن الأجدع: (اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله). رواه أبو عبيد.
- قال إبراهيم النخعي: (كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه). رواه أبو عبيد.
- وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: (إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن).
- عن يزيد بن أبي يزيد قال: (كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع).

13: توجيه الآثار المرويّة عن بعض السلف في التحرّج من التفسير
- قال ابن كثير: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد).
- كما يجب سكوت المرء عما لا علم له به، فكذلك يجب عليه القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).

14: تنبيه على ضعف حديث في التفسير النبوي
- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعددٍ علَّمهن إياه جبريل عليه السلام). رواه ابن جرير.
- قال عنه ابن كثير: (حديث منكر غريب).
- وجّه ابن جرير هذا الحديث بأنّه محمول على ما لا يُعلم إلا بالتوقيف من أمور الغيب مما علّمه إيّاه جبريل.
- قال ابن كثير: (وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث؛ فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، كما صرح بذلك ابن عباس).
- عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله). رواه ابن جرير.

ب: بيان فضل القرآن:
1: هيمنة القرآن على ما قبله من الكتب
قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
- عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: (المهيمن: الأمين). قال: (القرآن أمين على كل كتاب قبله). وفي رواية: (شهيدا عليه). رواه ابن جرير وعلقه البخاري.
- وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.
- قال ابن كثير: (وبنحو ذلك قال مجاهد والسدي وقتادة وابن جريج والحسن البصري وغير واحد من أئمة السلف).
- أصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه.
- قدم ابن كثير الفضائل قبل التفسير وذكر فضل كل سورة قبل تفسيرها ليكون ذلك باعثا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه.
2: الأحاديث الواردة في فضل القرآن
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)). رواه البخاري.
- في هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء؛ لأنها معجزة باقية مؤثّرة.
- عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنها ستكون فتنة)) فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟
قال: (( كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)). رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وفي إسناده الحارث الأعور متكلّم فيه، قال ابن كثير: (قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث).
- قال ابن كثير: (وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم).
- عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)). رواه أبو عبيد، وفي إسناده مقال.

3: من فضائل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله
- من فضل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، قال الله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
- تحدّى الله العرب أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا وهو أهل الفصاحة والبلاغة ؛ قال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}


4: مدّة نزول الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة وابن عباس قالا: (لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) رواه البخاري والنسائي.
- قال ابن كثير: (أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه، وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح).
- يحتمل أنه حذف ما زاد على العشرة اختصارا في الكلام على عادة العرب في حذف الكسور، أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل به عليه السلام ؛ لما روى الإمام أحمد أنه قرن به ميكائيل في ابتداء الأمر يلقي إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به جبريل.
- ابتُدئ نزول القرآن في مكان شريف وهو البلد الحرام، وفي زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان.


5: الملَك الموكّل بنزول الوحي
- قال معتمر بن سليمان: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل، أو كما قال.
قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام).
- جبريل عليه السلام ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} ، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون} الآيات.


6: تتابع الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن ابن شهاب الزهري قال: (أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد). رواه البخاري ومسلم.
- تابع الله نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه.
- فتر الوحي بعد نزول: {اقرأ باسم ربك} واختلف في مدة هذه الفترة حتى قيل إنها قريب من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع.
- أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم فأنذر}.
- عن جندب بن عبد الله البجلي قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} ). رواه البخاري ومسلم.
- في الحديث دلالة على محبّة الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وعنايته به إذ جعل الوحي عليه متتابعاً.
- إنما أنزل القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.

7: شدّة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
- روى البخاري حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فذكر الحديث الذي سأل عمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب وعليه جبة، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم فجئه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أي: تعال، فجاء يعلى، فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه، فقال: ((أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟)) فذكر أمره بنزع الجبة وغسل الطيب.

8: معرفة المكّي والمدنيّ
- القرآن منه مكّي ومدني؛ فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء أكان بالمدينة أم بغيرها من البلاد، حتى ولو كان بمكة أو عرفة.
- أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر.
- أراد بعض العلماء ضبط الفروق بين المكّي والمدني بضوابط كليّة، وفيما ذكروه عًسرٌ ونظر.
- قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية.
- وقال علقمة: (كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة) رواه أبو عبيد.
- وقال ميمون بن مهران: (ما كان في القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني). رواه أبو عبيد.
- قال بعض العلماء بتكرر نزول بعض السور مرّة بمكة ومرّة بالمدينة.
- بعض العلماء يقول بالاستثناء في بعض السور؛ فيستثني من بعض السور المكيّة آيات يدّعي أنها من المدني.
- الصواب أن تمييز المكيّ من المدني يرجع فيه إلى ما دلّ عليه الدليل الصحيح.
- قال علي بن أبي طلحة: (نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و{يا أيها النبي لم تحرم} والفجر، {والليل إذا يغشى} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {لم يكن الذين كفروا} و {إذا زلزلت} و {إذا جاء نصر الله} وسائر ذلك بمكة).
- ذكر علي بن أبي طلحة في المدني سورا في كونها مدنية نظر، وفاته الحجرات والمعوذات.

9: نزول القرآن باللسان العربي
- قال الله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}، وقال تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.
- عن أنس بن مالك قال: (فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: (إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم) ففعلوا). رواه البخاري.
- عن جابر بن سمرة، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف). رواه ابن أبي داوود، وقال ابن ثير: (هذا إسناد صحيح).
- عن عبد الله بن فضالة قال: (لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال: (إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر). رواه البخاري.
- قال البخاري: (نزل القرآن بلسان قريش والعرب، {قرآنا عربيا}، {بلسان عربي مبين}).
- القرآن نزل بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب.



10: نزول السكينة والملائكة عند القراءة
- قال الله تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم .
- عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)). رواه البخاري ومسلم.
- عن أسيد بن الحضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)). رواه البخاري معلّقاً.
- عن أسيد بن حضير أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت..) رواه أبو عبيد. ، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.
- عن أسيد بن حضير قال: قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ". رواه أبو عبيد.



11: القرآن أعظم إرث النبي صلى الله عليه وسلم
- عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين).
قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين). تفرد به البخاري.
- معناه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرّث شيئاً من الدنيا، وإنما ترك لنا القرآن، والسنّة مفسّرة للقرآن مبيّنة له.
- قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا).
- وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))


12: فضل القرآن على سائر الكلام
- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)). رواه البخاري.
- طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما؛ فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.
- كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه.


13: الوصايا بكتاب الله
- قال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( لا )؛ فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أُمروا بها ولم يوص؟ قال: (أوصى بكتاب الله عز وجل). رواه البخاري.
- المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الناس باتّباع كتاب الله عز وجل.
- النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا من الدنيا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك.
- لم يوصِ النبي صلى الله عليه وسلم إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ لحديث ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).



14: معنى التغنّي بالقرآن وفضل حسن الصوت بالقرآن
- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))، وقال صاحب له: يريد يجهر به. رواه البخاري.
- قال حرملة: (سمعت ابن عيينة يقول: معناه: (يستغني به) فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به).
- قال ابن كثير: (معناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك).
- عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)). رواه ابن ماجة بسند جيّد.
- الله تعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم لكن استماع الله لقراءة النبي والمؤمنين استماع تشريف.
- عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العقل)). رواه أبو عبيد، وفي رواية له: ((واقتنوه وتغنوا به)) ولم يشك، وهكذا رواه أحمد والنسائي.
- عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون))
- قال ابن كثير: (وهذا مرسل).
- قال أبو عبيد: (قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم).
- عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)) رواه أبو عبيد وابن ماجة.
- قال أبو عبيد: (يعني: الاستماع. وقوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لشيء)) أي: ما استمع).
- عن السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا)). رواه أبو القاسم البغوي.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). رواه أبو داوود.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)). رواه ابن ماجة.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال وكيع: يعني: يستغنى به). رواه أحمد.
- قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجل رث البيت، رث الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع). رواه أبو داود.
- قال ابن كثير: (فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله).
- واستدلّ لذلك بحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)). رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه.
- المراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه وتحزينه والتخشع به،
- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا). رواه مسلم.
- قال ابن كثير: (والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه).

15: من عُرف بحسن الصوت من الصحابة
- عن أبي سلمة قال: (كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه أبو عبيد.
- قال أبو عثمان النهدي: (كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته).
- عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
- عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه). متفق عليه.
- أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب.

16: أحسن الناس صوتاً بالقرآن أخشاهم لله
قال طاووس بن كيسان: (أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله). رواه أبو عبيد.
- عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله)) ". رواه أبو عبيد.
17: تحسين الصوت بالقرآن وحكم القراءة بالألحان
- قال ابن كثير: (المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك).
- عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). رواه أبو عبيد.
- عن عُلَيم قال: (كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين). رواه أبو عبيد.
- قال ابن كثير: (وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه).

18: اغتباط صاحب القرآن
- عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)). رواه البخاري.
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل". رواه البخاري ومسلم.
- ينبغي أن يكون صاحب القرآن شديد الاغتباط بما هو فيه، وينبغي لغيره أن يغبطه على ذلك بأن يتمنّى مثل ما هو فيه من النعمة.
- الغبطة غير الحسد المذموم الذي هو تمنّي زوال النعمة.
- ورد في فضل الغبطة أحاديث من أصحّها حديث أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)). رواه الإمام أحمد ، وقال ابن كثير: (إسناد صحيح).

19: فضل من تعلَّم القرآن وعلمه
-قال سعد بن عبيدة: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم من رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه).
- من شأن خيار الأبرار أن يكمل المرء نفسه ويسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} .
- ومن شأن الفجار أنهم لا ينتفعون بالهدى، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع به، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب}، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه}، في أصح قولي المفسرين في هذا.

20: تزويج الخاطب بما معه من القرآن
- عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)). متفق عليه.
- في رواية لمسلم: (فعلّمها)، وهذا سبب إيراد البخاري لهذا الحديث بعد حديث : ( خيركم من تعلّم القرآن القرآن وعلّمه).


21: وصايا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقرآن
- قال ابن كثير: (وهكذا أذكر آثارا مروية عن ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود أحد قراء القرآن من الصحابة المأمور بالتلاوة على نحوهم).
- قال ابن مسعود: (كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض). رواه الطبراني.
- وقال: (من أراد العلم فليثوّر من القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين).
- وقال: (إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع).
- وقال: (أعربوا هذا القرآن فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم).
- وقال: (أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر).
وقال: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم.
قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟
قال: (يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء) ، وفي رواية: (لا يبقى في مصحف منه شيء، ويصبح الناس فقراء كالبهائم). ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} ). رواه عبد الرزاق.
- وقال: (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز). رواه الطبراني.
- عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: (إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي).


ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف:

1: مراحل جمع القرآن:

1:في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
ثبت في الصحيحين عن أنس قال: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، كلهم من الأنصار؛ أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. فقيل له: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. وفي لفظ للبخاري عن أنس قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة؛ أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه. ذكره ابن كثير

* معارضة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن:
كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم
قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
ثم قال: عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"، وهذا الحديث متفق عليه وقد تقدم الكلام عليه في أول الصحيح وما فيه من الحكم والفوائد، والله أعلم.
ثم قال: عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من غير وجه عن أبي بكر . ذكره البخاري

*المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة:
مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى.

*أسباب معارضة النبي جبريل بالقرآن:
ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا؛ ولهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك؛ ولهذا فهم، عليه السلام، اقتراب أجله.

* معارضة النبي جبريل بالقرآن مرتين في السنة الأخيرة:
-سبب ذلك: لاقتراب أجل الرسول صلى الله عليه وسلم.

*جمع المصحف على العرضة الأخيرة:
عثمان، رضي الله عنه، جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة، رضي الله عنه وأرضاه.

*الشهر الذي جمع فيه المصحف وسبب ذلك:
خص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن.

2: القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

*القراء الذين وصى الرسول بأخذ القراءة عنهم:
-عبدالله بن مسعود
-سالم مولى أبي حذيفة
-معاذ بن جبل
-أبي بن كعب
-زيد بن ثابت
-أبو زيد
-أبو الدرداء

*الأدلة على أخذ القرآن منهم واستحقاقهم لذلك:
-عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع، ومسلم والنسائي عن عمرو بن مرة به. وأخرجاه والترمذي والنسائي -أيضا- من حديث الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق به. -فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة
- وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة،
-واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران، رضي الله عنهم أجمعين.
- عن شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك. رواه البخاري
- عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد. رواه البخاري
-عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. رواه البخاري
وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخبارا عن يوسف لما قال لصاحب مصر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} [يوسف: 55]
-ويكفي ابن مسعود مدحا وثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقرئوا القرآن من أربعة))، فبدأ به.
-وقال أبو عبيد: عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية وصححه الدارقطني
-وفي مسند عمر وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.

*الصحابة الذين اختصوا بجمع القرآن كاملا :
من الأنصار/
-أبي بن كعب
-معاذ بن جبل
-زيد بن ثابت
-أبو زيد
-أبو الدرداء
-عبادة بن الصامت

*الأدلة على اختصاصهم بالجمع:
-حكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال -بعد ذكره حديث أنس بن مالك هذا- : فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
-قال البخاري: عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام.
-عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه. رواه البخاري

*رد التعارض في تخصيص هؤلاء الأربع بالجمع:
-فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون
-فقول أنس: "لم يجمعه غير أربعة" يحتمل أنه لم يأخذه تلقيا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الأربعة، وأن بعضهم تلقى بعضه عن بعض. قال: وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل سبقهم إلى الإسلام، وإعظام الرسول لهم. حكاه القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني

*المراد بأبي زيد:
أبو زيد هذا غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه :
-قال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
-وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس.
-وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد .

-الراجح: قول الواقدي أصح.
-سبب الترجيح: لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي. وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي، وقد شهد أبو زيد هذا بدرا، فيما ذكره غير واحد. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة.

*الصحابة الذين اختصوا بجمع القرآن من المهاجرين :
-عبدالله بن عباس
-عبدالله بن مسعود
-سالم مولى أبي حذيفة
-أبو بكر الصديق
-عثمان بن عفان
-علي بن أبي طالب

*أدلة ذلك:
-والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولا يشك فيه، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني في ذلك جزءا، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب مسند الشيخين، رضي الله عنهما.
-ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة -كما سنذكره- . ذكره ابن كثير
-وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل، وقد قدمنا هذا. ذكره ابن كثير
- ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه. ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا.
-ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن، وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.

*الصحابة الذين قاموا بجمع القرآن من غير المهاجرين والأنصار:
-تميم الداري
-عبدالله بن عمرو بن العاص

*دليل ذلك:
حكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال -بعد ذكره حديث أنس بن مالك هذا- : فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

*نسبية الخطأ من هؤلاء القراء وجواز ترك ما عرف عنهم باللحن فيه:
عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106]. رواه البخاري
وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه.

2: في عهد أبي بكر رضي الله عنه:

*سبب الجمع في عهد أبي بكر ودور عمر في الإشارة لذلك الجمع:
-عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
-وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هو الذي تنبه لذلك لما استحر القتل بالقراء، أي اشتد القتل وكثر في قراء القرآن يوم اليمامة، يعني: يوم اليمامة، يعني يوم قتال مسيلمة الكذاب وأصحابه من بني حنيفة بأرض اليمامة في حديقة الموت، وذلك أن مسيلمة التف معه من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهز الصديق لقتاله خالد بن الوليد في قريب من ثلاثة عشر ألفا، فالتقوا معهم فانكشف الجيش الإسلامي لكثرة من فيه من الأعراب، فنادى القراء من كبار الصحابة: يا خالد، يقولون: ميزنا من هؤلاء الأعراب فتميزوا منهم، وانفردوا، فكانوا قريبا من ثلاثة آلاف، ثم صدقوا الحملة، وقاتلوا قتالا شديدا، وجعلوا يتنادون: يا أصحاب سورة البقرة، فلم يزل ذلك دأبهم حتى فتح الله عليهم وولى جيش الكفار فارا، وأتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلا وأسرا، وقتل الله مسيلمة، وفرق شمل أصحابه، ثم رجعوا إلى الإسلام، ولكن قتل من القراء يومئذ قريب من خمسمائة، رضي الله عنهم، فلهذا أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن؛ لئلا يذهب منه شيء بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال، فإذا كتب وحفظ صار ذلك محفوظا فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته، فراجعه الصديق قليلا ليستثبت الأمر، ثم وافقه، وكذلك راجعهما زيد بن ثابت في ذلك ثم صارا إلى ما رأياه، رضي الله عنهم أجمعين، وهذا المقام من أعظم فضائل زيد بن ثابت الأنصاري؛ ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، حدثنا يزيد، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن؛ أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، فأمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه في المصحف.
هذا منقطع، فإن الحسن لم يدرك عمر، ومعناه: أنه أشار بجمعه فجمع؛ ولهذا كان مهيمنا على حفظه وجمعه. قاله أبو بكر بن أبي داوود في كتاب المصاحف

*تكليف زيد بجمع المصحف:
قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.

*المواطن التي جمع زيد القرآن منها:
-العسب واللخاف وصدور الرجال
قال زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة.وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
ومنهم من لم يكن يحسن الكتابة أو يثق بحفظه، فكان يحفظه، فتلقاه زيد بن ثابت من هذا من عسيبه، ومن هذا من لخافه، ومن صدر هذا، أي من حفظه
-تعريف العسب واللخاف
أما العسب فجمع عسيب. قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: وهو من السعف فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعف.
واللخاف: جمع لخفة وهي القطعة من الحجارة مستدقة، كانوا يكتبون عليها وعلى العسب وغير ذلك، مما يمكنهم الكتابة عليه بما يناسب ما يسمعونه من القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*الأشخاص الذين احتفظوا بالصحف:
-فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم.
وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
- كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه. ذكره ابن أبي داوود في المصاحف

*جمع المصحف من أعظم وأجل الأعمال التي قام بها أبو بكر:
وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق، رضي الله عنه، فإنه أقامه الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد بعده، قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، رضي الله عنه وأرضاه.
ولهذا روي غير واحد من الأئمة منهم وكيع وابن مهدي وقبيصة عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. هذا إسناده صحيح.

*اشتراط المجيء بشاهدين على الآية من كتاب الله حين الجمع:
-عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عمر لما جمع القرآن كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان. رواه أبو داود
-وذلك عن أمر الصديق له في ذلك، كما قال أبو بكر بن أبي داود: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر، رضي الله عنه، أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. منقطع حسن.
-استثناء أبو خزيمة الأنصاري من المجيء بشاهدين لأن شهادته باثنين:
قال زيد بن ثابت: وجدت آخر سورة التوبة، يعني قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128، 129]، مع أبي خزيمة الأنصاري، وفي رواية: مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين في قصة الفرس التي ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، فأنكر الأعرابي البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي. والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور.
-وقد روى ابن وهب عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب؛ أن عثمان شهد بذلك أيضا.

3: جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه :

*أسباب جمع عثمان للقرآن:
عن أن أنس بن مالك، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. رواه البخاري

*الصحابة الذين قاموا بنسخ الصحف في المصاحف:
-زيد بن ثابت
-عبد الله بن الزبير
-سعيد بن العاص
-عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

*طريقة الجمع والترتيب:
-ترتيب الآيات توقيفي عن الرسول أما السور فاجتهادية من عثمان:
وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين؛ ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار،عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
-ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا.

*استحباب القراءة بترتيب عثمان اقتداء به وجواز عدم فعل ذلك:
وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، رضي الله عنه، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية}، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة}، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف.

*كيفية التعامل مع الاختلاف في القراءة واللسان الذي أمر عثمان بالكتابة به:
قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم.

*أمر عثمان بإحراق الصحف سوى الذي قاموا بجمعه حتى أحرقه مروان بن الحكم:
- حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
فلم تزل الصحف عند حفصة حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق.
-سبب الحرق:
وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.

*عظم منقبة عثمان ودوره في جمع الناس وعدم اختلافهم:
وهذا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة.
وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.

*غضب ابن مسعود من الجمع وسبب ذلك ثم رضاه:
روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام
عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة.
ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو بكر: عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]، غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء.
-رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:
قال أبو بكر بن أبي داود: عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف -أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم.

*اتفاق الصحابة على هذا الجمع وتأييدهم له:
حتى قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا. فاتفق الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)).
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
وقال أيضا: عن ثابت بن عمارة الحنفي، قال: سمعت غنيم بن قيس المازني قال: قرأت القرآن على الحرفين جميعا، والله ما يسرني أن عثمان لم يكتب المصحف، وأنه ولد لكل مسلم كلما أصبح غلام، فأصبح له مثل ما له. قال: قلنا له: يا أبا العنبر، ولم؟ قال: لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرؤون الشعر.
وعن أبي مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرؤون الشعر.

*المواطن التي بعث عثمان بالمصاحف إليها:
-مصحف إلى أهل مكة
-ومصحفا إلى البصرة
- وآخر إلى الكوفة
- وآخر إلى الشام
- وآخر إلى اليمن
وآخر إلى البحرين
- وترك عند أهل المدينة مصحفا، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله.
-وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب.

*وجوب اعتقاد بلوغ القرآن كاملا إلينا وأمانة الصحابة في جمعه ونقله:
كان الصحابة أحرص شيء على أداء الأمانات وهذا من أعظم الأمانة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]، ففعل، صلوات الله وسلامه عليه، ما أمر به؛ ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رؤوس الأشهاد، والصحابة أوفر ما كانوا مجتمعين، فقال: ((إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟)). فقالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يشير بأصبعه إلى السماء، وينكبها عليهم ويقول: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)). رواه مسلم عن جابر.
وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: ((بلغوا عني ولو آية)) يعني: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه، فبلغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((من كتب عني سوى القرآن فليمحه)) أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه: ألا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم.
فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة، فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4. تأليف القرآن:
*المراد بتأليف القرآن:
ترتيب سوره.

*الأحكام المتعلقة بتأليف القرآن:

-حكم قراءة القرآن بدون ترتيب سوره:

-القول الأول: لا يضر أن يقرأ سور القرآن بدون ترتيب وهو الراجح.

-القول الثاني:وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان، رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور.

-والرد على ذلك: أن الظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.

-دليل جواز قراءة سور القرآن بدون ترتيب:
عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور. وهكذا رواه النسائي من حديث ابن جريج به.
فهذا العراقي أخبر عائشة أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.
وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه، عليه السلام، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران.
ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده.
قال أبو الحسن بن بطال: ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

-ترتيب الصحابة للسور باجتهادهم:
حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة

-اختلاف مصحف ابن مسعود عن مصحف عثمان:
عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.
وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان، رضي الله عنه، من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه. رواه البخاري

-حكم تأليف السور في الرسم والخط خاصة:
واجب. قاله أبو الحسن البطال

-حكم قراءة السور منكوسة بالابتداء بآخرها إلى أولها:
حرام محذور.
روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب

-كيفية تحزيب القرآن لدى أصحاب رسول الله:
عن أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.
ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن. رواه الإمام أحمد

-حكم قراءة القرآن بترتيب أياته:
أما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك.
دليل ذلك:
ولهذا لم ترخص عائشة للعراقي في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم.

5. نقط المصحف وشكله وتقسيمه:

*أول من أمر به:

يقال: عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك
ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي
ويقال: أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.

*أول من كتب الأعشار على الحواشي:
قيل: الحجاج
وقيل: بل أول من فعله المأمون

-حكم كتابة الأعشار على الحواشي:
حكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه
وقال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.

د: نزول القرآن على سبعة أحرف:

*المقصود بسبعة أحرف:

وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، نذكر منها خمسة أقوال:


القول الأول: - وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
وقال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل".
وروى عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
قال الطحاوي. وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر


القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر.
قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا} [يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا.
قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعرابيا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.


القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.


القول الرابع: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".


القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.



*تنبيه حول القراءات السبع التي تنسب للقراء السبعة في عصرنا الآن:
قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.

*أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف:
-عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
وقد رواه -أيضا- في بدء الخلق، ومسلم من حديث يونس، ومسلم -أيضا- من حديث معمر، كلاهما عن الزهري بنحوه ورواه ابن جرير من حديث الزهري به
وهذا مبسوط في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال: عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).وقد رواه النسائي .

-عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) . رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). رواه أحمد وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.

-عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)). رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). رواه ابن جرير وإسناده صحيح.
وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27].

-وفي لفظ لأبي داود عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)).

-وقد روى ثابت بن قاسم نحوا من هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن كلام ابن مسعود، رضي الله عنه، نحو ذلك.
حديث آخر في معناه عن سليمان بن صرد -يرفعه- قال: "أتاني ملكان، فقال أحدهما: ((اقرأ. قال: على كم؟ قال: على حرف. قال: زده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). ورواه النسائي في اليوم والليلة عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام عن إسحاق الأزرق عن العوام بن حوشب، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد قال: أتى أبي بن كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين اختلفا في القراءة، فذكر الحديث. رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال: قلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت قد أحسنت. قال: فضرب بيده على صدري ثم قال: ((اللهم أذهب عن أبي الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا. قال: ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما: اقرأ القرآن على حرف، وقال الآخر: زده. قال: قلت: زدني. فقال اقرأه على حرفين، حتى بلغ سبعة أحرف فقال: اقرأه على سبعة أحرف)). رواه ابن جرير
وقد رواه أبو عبيد عن حجاج، بنحو ذلك ورواه أبو داود بنحوه. فهذا الحديث محفوظ من حيث الجملة عن أبي بن كعب، والظاهر أن سليمان بن صرد الخزاعي شاهد على ذلك، والله أعلم.

-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة)). رواه أحمد وهكذا رواه ابن جرير وزاد في آخره كقولك: ((هلم وتعال)).

-عن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).رواه أحمد، وإسناده صحيح، ولم يخرجوه.

-عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على سبعة أحرف، مراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما علمتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)). رواه أحمد ورواه النسائي .

-عن أم أيوب- يعني امرأة أبي أيوب الأنصارية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أجزأك)). رواه أحمد وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.

-عن أبي جهيم الأنصاري؛ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلاقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أبو جهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا، فإن مراء فيه كفر)). وهكذا رواه أبو عبيد على الشك وقد رواه الإمام أحمد على الصواب.

-عن أبي قيس -مولى عمرو بن العاص- أن رجلا قرأ آية من القرآن، فقال له عمرو -يعني ابن العاص- : إنما هي كذا وكذا، بغير ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتياه، فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم أصبتم، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء فيه كفر)). رواه أبو عبيد ورواه الإمام أحمد ، وفيه: ((فإن المراء فيه كفر أو إنه الكفر به)). وهذا -أيضا- حديث جيد.
عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)). رواه ابن جرير

-قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها عن الأحرف السبعة إلا ما حدثني عفان، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على ثلاثة أحرف)).
-قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنها المشهورة.

*سبب مشروعية قراءة القرآن بسبع أحرف:
التخفيف عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
لما ورد في الأحاديث والآثار:
-عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)).رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.رواه ابن جرير وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية شعبة به.

-عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). رواه أحمد وهكذا رواه مسلم .

-عن أبي قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة، والغلام، فقال: مرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف)).رواه أحمد وأخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وقد رواه أبو عبيد والله أعلم.

-عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية؛ الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني، الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).رواه أحمد عفان
وقال أحمد أيضا: عن ربعي بن حراش: حدثني من لم يكذبني -يعني حذيفة- قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم، ولا يرجع عنه. وقال عبد الرحمن: إن في أمتك الضعيف، فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه. وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه.

*اختلاف الأحرف يكون في الأمر الذي يكون واحدا :
قال الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا تختلف في حلال ولا في حرام.

*من اللغات التي نزل القرآن بها:
-نزل القرآن على خمس بلغة العجز من هوازن.رواه الكلبي عن ابن عباس
والعجز هم: بنو أسد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف هم عليا هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم. ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
-واللغتان الأخريان: قريش وخزاعة رواه قتادة عن ابن عباس، ولكن لم يلقه.وقاله ابن جرير

*نزول القراءات السبع من أبواب الجنة السبع:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما تقدم. يعني كما تقدم في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.
-تفسير ذلك:
قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.

*الأخذ بقول عثمان بالاقتصار على قراءة واحدة وثمرة ذلك وأسبابه:

أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف، ثم نسخه عثمان بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.
ثم لما رأى اختلاف الناس في القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم -جمعهم على حرف واحد، وهو هذا المصحف الإمام، قال: واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعله من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له، ونظر منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها.
فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين. إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)) بمعزل؛ لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر، كما تقدم.


هـ: فضل تلاوة القرآن وحفظه وآدابه وأحكامه:

1: وجوب الإخلاص في تلاوة القرآن:



*التحذير من المراءاة بقراءة القرآن أو التأكل به أو الفجور به وكون هذه خصلة من خصل الخوارج الذين أمرنا بقتلهم:


عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا قوم يقرؤون القرآن فقال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله -عز وجل- من قبل أن يأتي بقوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)). رواه الإمام أحمد


قال علي، رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)).رواه البخاري


عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق)).رواه مسلم وأبو داود والنسائي


-الأمر بقتل الخوارج لمراءاتهم :

أمر بقتلهم لأنهم مراؤون في أعمالهم في نفس الأمر، وإن كان بعضهم قد لا يقصد ذلك، إلا أنهم أسسوا أعمالهم على اعتقاد غير صالح، فكانوا في ذلك كالمذمومين في قوله: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} [التوبة: 109]، وقد اختلف العلماء في تكفير الخوارج وتفسيقهم ورد رواياتهم.



* أحوال الناس مع القرآن عامة والمرائي بتلاوته خاصة وتشبيههم بما يناسبهم:


عن أنس بن مالك، عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مر)). رواه البخاري


والمنافق المشبه بالريحانة التي لها ريح ظاهر وطعمها مر هو المرائي بتلاوته، كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142].



* بيان أن أكثر المنافقين من القراء:

عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أكثر منافقي أمتي قراؤها)).رواه أحمد





2: فضل تلاوة القرآن

:

*أحاديث تتعلق بتلاوة القرآن وآدابه وفضائله وفضائل أهله:



-فضائل متعلقة بصاحب القرآن:

1-أنهم عرفاء أهل الجنة يوم القيامة:

عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة)).رواه الطبراني


2- أنهم أشرف الأمة:

عن ابن عباس مرفوعا: ((أشرف أمتي حملة القرآن)). رواه لطبراني


3- ارتقاؤه بكل آية درجة في الجنة:

عن أبي سعيد قال: قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)).رواه أحمد


4-أنهم أهل الله وخاصته:

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس)). قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) ". رواه أحمد



-أحاديث متعلقة بأحوال الناس مع القرآن:


عن أبي سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون خلف من بعد الستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر)). رواه أحمد

عن الوليد قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به.



عن أبي سعيد أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: ((ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؛ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله، ولا يرعوي إلى شيء منه)). رواه أحمد



عن أنس بن مالك قال: بينما نحن نقرأ فينا العربي والعجمي والأسود والأبيض، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أنتم في خير تقرؤون كتاب الله وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي على الناس زمان يثقفونه كما يثقف القدح، يتعجلون أجورهم ولا يتأجلونها)). رواه أحمد



-أحاديث في فضل القرآن :



1-أنه غنى:


عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه)). رواه الطبراني



2- تفضيله على سائر الكلام:


عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين)). رواه البزار


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه))تفرد به محمد بن الحسن ولم يتابع عليه.



-أحاديث في فضل تلاوة القرآن:



1-تشبيه القارى بمن يستدرج النبوة بين جنبيه بقراءته:


عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه)). رواه الطبراني



2-ذكر قارئ القرآن في السماء وإنارته بالقرآن في الأرض:

عن أبي سعيد مرفوعا: ((عليك بتقوى الله، فإنها رأس كل خير، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، واخزن لسانك إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان)).رواه أبو يعلى



3- أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسه النار:


عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن القرآن جعل في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق)).رواه الإمام أحمد


قيل: معناه: أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسه النار.


-أحاديث متعلقة بالبيت الذي يقرأ فيه القرآن:



1-بركة البيت الذي يقرأ فيه القرآن:


عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره)). رواه البزار



2- أمنة البيت الذي يقرأ فيه القرآن:


عن عبد الله بن عمرو قال: أن رجلا جاء بابن له فقال: يا رسول الله، إن ابني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما)).رواه أحمد



-أحاديث في نفع القرآن لصاحبه يوم القيامة:



1- أنه نور يوم القيامة:


عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)). رواه أحمد



2- شفاعة القرآن لأهله يوم القيامة:


-عن عبد الله بن مسعود قال: ((إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه -أو كلمة نحوها- زج في قفاه إلى النار)). رواه البزار


-عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))، قال: ((فيشفعان)).رواه أحمد





-أحاديث في الأجور المترتبة على قراءة القرآن:



-عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ ألف آية كتب الله له قنطارا، والقنطار مائة رطل، والرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية ستة دنانير، والدينار أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط مثل أحد، ومن قرأ ثلاثمائة آية قال الله لملائكته: نصب عبدي لي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت له، ومن بلغه عن الله فضيلة فعمل بها إيمانا به ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك)).رواه أبو يعلى


-عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)). رواه أحمد



-آداب قارئ القرآن:



1-آداب عامة :


-عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله، وصغر ما عظم الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه، أو يغضب فيمن يغضب، أو يحتد فيمن يحتد، ولكن يعفو ويصفح، لفضل القرآن)). رواه الطبراني


-عن عبيدة المليكي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته من آناء الليل والنهار، وتغنوه وتقنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تستعجلوا ثوابه، فإن له ثوابا)).رواه الطبراني



2-توطين القلب بالإيمان قبل القرآن:


عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أقرأ القرآن فلا أجد قلبي يعقل عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قلبك حشي الإيمان، وإن العبد يعطى الإيمان قبل القرآن)). رواه أحمد


3- استحضار خشية الله أثناء القراءة:

عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن قراءة؟ قال: ((من إذا سمعته يقرأ رؤيت أنه يخشى الله، عز وجل)). رواه البزار



4- استحباب ترتيل القرآن وتحسين الصوت به:


-عن أنس قال: قعد أبو موسى في بيت واجتمع إليه ناس، فأنشأ يقرأ عليهم القرآن، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ألا أعجبك من أبي موسى أنه قعد في بيت فاجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتستطيع أن تقعدني حيث لا يراني منهم أحد؟)). قال: نعم. قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى فقال: ((إنه ليقرأ على مزمار من مزامير داود، عليه السلام)). رواه أبو يعلى وقال: هذا غريب ويزيد الرقاشي ضعيف.


-عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحسن الناس قراءة من قرأ القرآن يتحزن به)).رواه الطبراني


-عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحسنوا الأصوات بالقرآن)). رواه الطبراني


-عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن)). رواه البزار ، وقال: ابن المحرر ضعيف.



5-المداومة على قراءة القرآن

:
عن ابن عباس قال: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: ((الحال المرتحل)). قال: يا رسول الله، ما الحال المرتحل؟ قال: ((صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، وفي آخره حتى يبلغ أوله)) ". رواه الطبراني



6-الدعوة لتعاهد القرآن:


عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت)). رواه أحمد



7- مشروعية الدعاء بعد ختم القرآن:


عن ثابت، أن أنس بن مالك، رضي الله عنه: كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم. رواه الطبراني



-حديث في كراهية خلو الجوف من القرآن:



عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)). رواه أحمد

 ،وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.



-أحاديث في وجوب اتباع القرآن والعمل به وأن الانتفاع لا يحصل إلا بالعمل:


-عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة، وذلك أن الله عز وجل يقول: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123] )). رواه الطبراني


-عن عقبة بن عامر مرفوعا: ((من تعلم القرآن ثم تركه فقد عصاني)). سنن ابن ماجه



-حديث في فضل استماع القرآن:

عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)).رواه أحمد


-حديث في تكفير المرائي في القرآن:
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مراء في القرآن كفر)). رواه البزار ثم قال: عنبسة: هذا ليس بالقوي. وعنده فيه إسناد آخر.


-حديث في الدعوة لإعراب القرآن والتماس غرائبه:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه)). رواه أبو يعلى


3: حفظ القرآن وتعاهده وفضل ذلك والمسائل المتعلقة به:



*فضل حفظ القرآن:


أفرد البخاري في هذه الترجمة حديث أبي حازم عن سهل بن سعد، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).

وهذه الترجمة من البخاري، رحمه الله، مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل، والله أعلم. 



*مسألة: أيهما أفضل قراءة القرآن عن ظهر غيب أم من المصحف :


القول الأول: الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة، كما صرح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه، واستدلوا على فضيلة التلاوة في المصحف بما رواه الإمام العلم أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن حيث قال:

عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظهرا، كفضل الفريضة على النافلة)) وهذا الإسناد ضعيف فإن معاوية بن يحيى هو الصدفي أو الأطرابلسي، وأيهما كان فهو ضعيف.


وقال الثوري عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف.


وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس، عن عمر: أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه.


وقال حماد أيضا: عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن مسعود: أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف، فقرؤوا، وفسر لهم. إسناد صحيح.


وقال حماد بن سلمة: عن حجاج بن أرطاة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ.


وقال الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف فقال: هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة.


فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير، فالاستثبات أولى، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال.



القول الثاني: الحديث الذي تقدم الآن، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).



والرد عليه بأمرين:


الأول: إن كان البخاري، رحمه الله، أراد بذكر حديث سهل للدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها في المصحف، ففيه نظر؛ لأنها قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن، إذ لو دل هذا لكان ذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاوته عن ظهر قلب -لأنه أمي لا يدري الكتابة- أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده.


الثاني: أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب؛ ليمكنه تعليمها لزوجته، وليس المراد هاهنا: أن هذا أفضل من التلاوة نظرا، ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم.



الفصل في هذه المسألة:


قال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع في القراءة، فإن كان الخشوع عند القراءة على ظهر القلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى؛ لأنها أثبت وتمتاز بالنظر في المصحف ، قال الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله، في التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.



*مسألة : هل الأفضل في التلقين النظر من المصحف أم التلقي من فم الملقن:


فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن؛ لأن الكتابة لا تدل على كمال الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على لفظ القرآن، فأما عند العجز عمن يلقن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فإذا قرأ في المصحف -والحالة هذه- فلا حرج عليه، ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه، فقد قال الإمام أبو عبيد:

عن الأوزاعي؛ أن رجلا صحبهم في سفر قال: فحدثنا حديثا ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل))

وعن بكير بن الأخنس قال: كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل.



* أهمية استذكار القرآن وتعاهده:


-عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)) هكذا رواه مسلم والنسائي من حديث مالك به. 


-عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار، كمثل رجل له إبل، فإن عقلها حفظها، وإن أطلق عقالها ذهبت، فكذلك صاحب القرآن)). رواه أحمد


-عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من رواية شعبةعن شقيق: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة وهكذا رواه مسلم وستأتي رواية البخاري له والنسائي وفي مسند أبي يعلى فإنما هو نسي بالتخفيف.


-عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)). وهكذا رواه مسلم .

-عن عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا كتاب الله، وتعاهدوه وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل)). رواه أحمد

ومضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده؛ لئلا يعرضه حافظه للنسيان فإن ذلك خطر كبير، نسأل الله العافية منه.





*عقوبة نسيان القرآن وعظم جرم من نسي: 


عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل، وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة يلقاه وهو أجذم)).قاله الإمام أحمد


عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه منها إلا عدله، وما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم)).رواه أحمد


عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها)). رواه أحمد


قال ابن جريج: وحدثت عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها)).رواه أحمد
-قال أبو عبيد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود- : إني لأمقت القارئ أن أراه سمينا نسيا للقرآن.


-عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)).رواه أبو داود والترمذي وأبو يعلى والبزار وغيرهم ، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به البخاري فاستغربه، وحكى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك.


وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه: 124- 126]، وهذا الذي قاله هذا -وإن لم يكن هو المراد جميعه- فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير وتفريط شديد، نعوذ بالله منه؛ ولهذا قال عليه السلام: ((تعاهدوا القرآن))، وفي لفظ: ((استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).

التفصي: التخلص يقال: تفصى فلان من البلية: إذا تخلص منها، ومنه: تفصى النوى من التمرة: إذا تخلص منها، أي: إن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال.



*أسباب نسيان القرآن:


1-الذنوب:


عن الضحاك بن مزاحم قال: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله تعالى يقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30]، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب.



2- عدم تعاهده بالقراءة:


عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)). وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد الأشعري، كلاهما عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.



*كراهية قول نسيت آية كذا والأصح نُسيت آية كذا:


-عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من رواية شعبة.
عن شقيق: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة وهكذا رواه مسلم وستأتي رواية البخاري له والنسائي وفي مسند أبي يعلى فإنما هو نسي بالتخفيف.


-عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: ((يرحمه الله، فقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا)). ورواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة.


-عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي)) ورواه مسلم والنسائي، من حديث منصور به. وقد تقدم. وفي مسند أبي يعلى: ((فإنما هو نسي))، بالتخفيف، هذا لفظه.


وفي هذا الحديث -والذي قبله- دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص، وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: ((بل هو نسي))، مبني لما لم يسم فاعله، وأدب -أيضا- في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: 24] وهو، والله أعلم 



-جواز قول نسيت للأدلة التالية:


-قوله تعالى:{سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله} [الأعلى:6، 7]


-عن عائشة قالت: لقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا من سورة كذا)). انفرد به الربيع بن يحيى

عن هشام وقال: أسقطتهن من سورة كذا وكذا. انفرد به أيضا. تابعه علي بن مسهر وعبدة عن هشام.

وقد أسندهما البخاري في موضع آخر، ومسلم معه في عبدة.



*الأدعية المأثورة لحفظ القرآن وطرد النسيان:


-عن ابن عباس قال: "قال علي بن أبي طالب: يا رسول الله، القرآن يتفلت من صدري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع من علمته)). قال: قال: نعم بأبي وأمي، قال: ((صل ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله واثن عليه، وصل على النبيين، واستغفر للمؤمنين، ثم قل: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، وأسألك أن تنور بالكتاب بصري، وتطلق به لساني، وتفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وتستعمل به بدني، وتقويني على ذلك وتعينني على ذلك فإنه لا يعينني على الخير غيرك، ولا يوفق له إلا أنت، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط)). فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن والحديث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مؤمن ورب الكعبة))، علم أبو الحسن علم أبو الحسن" هذا سياق الطبراني.


-عن ابن عباس أنه قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال: بأبي أنت وأمي، تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟)) قال: أجل يا رسول الله، فعلمني، قال: ((إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه: {سوف أستغفر لكم ربي} [يوسف: 98]، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد، فاحمد الله وأحسن الثناء على الله، وصل علي وأحسن وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك، أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن، تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب بإذن الله تعالى، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط)). قال ابن عباس: فوالله ما لبث علي إلا خمسا أو سبعا حتى جاء علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله، والله إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن، فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها، فإذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث، فإذا رددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((مؤمن ورب الكعبة يا أبا الحسن)).
روه الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن غريب ورواه الحاكم في مستدركه ثم قال: على شرط الشيخين .



4: ترتيل القرآن وتجويد تلاوته والأحكام المتعلقة بذلك:



* الحث على الترتيل في القراءة:


-قال الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]
-

وقال تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]


-عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).رواه أحمد


-وقال أبو عبيد: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل فإنه زين القرآن. قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن.


-وفي الحديث: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: 16]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه. وذكر تمام الحديث كما سيأتي، وهو متفق عليه، وفيه وفي الذي قبله دليل على استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة ولا سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر، قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص: 29].



*كراهية هذ القرآن كهذ الشعر:


يكره أن يهذ كهذ الشعر

 للآثار الواردة:
-عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القراءات التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم. رواه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن مهدي بن ميمون، عن واصل -وهو ابن حيان الأحدب- عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود به.


-عن عائشة أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون القرآن في الليل مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه. رواه أحمد


-عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة وإني أقرأ القرآن في ثلاث فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول.

وعن حجاج، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس نحو ذلك، إلا أن في حديث حماد: أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمع هذرمة.



*حسن الصوت بالقرآن :


عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن أبي يحيى الحماني -واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن- وقال: حسن صحيح.

وقد رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى وفيه قصة.



*مد القراءة:


-كيفيته:


عن قتادة قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. انفرد به البخاري من هذا الوجه

 ، وفي معناه الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد: عن أم سلمة: أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا.

وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل، عن يحيى بن إسحاق، وأبو داود عن يزيد بن خالد الرملي، والترمذي والنسائي، كلاهما عن قتيبة، كلهم عن الليث بن سعد به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

ثم قال أبو عبيد: وحدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته؛ بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وهكذا.

وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن جريج. وقال الترمذي: غريب وليس إسناده بمتصل، يعني: أن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة لم يسمعه من أم سلمة، وإنما رواه عن يعلى بن مملك، كما تقدم، والله أعلم. قاله البخاري



-بيان فعل الرسول لذلك:


عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يمد مدا. رواه البخاري



* الترجيع:


-تعريفه: هو الترديد في الصوت كما جاء -أيضا- في البخاري أنه جعل يقول: (آ آ آ)، وكأن ذلك صدر من حركة الدابة تحته.



-بيان أن ذلك من فعل الرسول:


عن عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته -أو جمله- وهي تسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع. قاله البخاري



5: أحكام متفرّقة في تلاوة القرآن واستماعه:



أ. أحكام متعلقة باستماع القرآن:



*استماع القرآن من الغير خصوصا إذا كان حسن الصوت:


عن عبد الله قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن)). قلت: عليك أقرأ وعليك أنزل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) ".

وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه، من طرق عن الأعمش وله طرق يطول ذكرها وبسطها.
وقد تقدم فيما رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا موسى، لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة)). فقال: أما والله لو أعلم أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا.


وقال الزهري، عن أبي سلمة: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى. فيقرأ عنده.


وقال أبو عثمان النهدي: كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته. 



*مشروعية قول المقرئ للقارئ: حسبك:


عن عبد الله قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). فقلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم))، فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.رواه البخاري

.

أحكام متعلقة بمواطن القراءة:



1- القراءة على الدابة:


عن عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح".

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة سوى ابن ماجة من طرق، عن شعبة، عن أبي إياس، وهو معاوية بن قرة به وهذا -أيضا- له تعلق بما تقدم من تعاهد القرآن وتلاوته سفرا وحضرا، ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارئ في الطريق



2- القراءة في الطريق:


-من العلماء من رأى إباحتها: 

نقل ابن أبي داود عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ في الطريق، 

وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن في ذلك.


-ومن العلماء من رأى كراهيتها:

عن الإمام مالك أنه كره ذلك، كما قال ابن أبي داود: وحدثني أبو الربيع، أخبرنا ابن وهب قال سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل، فيخرج إلى المسجد، وقد بقي من السورة التي كان يقرأ منها شيء، فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق.



3- القراءة في الحمام:


-من العلماء من رأى كراهيتها:

قال الشعبي تكره.

وروى ابن أبي داود عن علي بن أبي طالب: أنه كره ذلك، ونقله ابن المنذر عن أبي وائل شقيق بن سلمة، والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب، وهو رواية عن إبراهيم النخعي، ويحكى عن أبي حنيفة، رحمهم الله، أن القراءة في الحمام تكره.


-من العلماء من رأى جوازها وعدم كراهيتها:

فقالوا: أنها لا تكره، وهو مذهب مالك والشافعي وإبراهيم النخعي وغيرهم

.

4- القراءة في الحشوش:


القراءة في الحشوش فكراهتها ظاهرة، ولو قيل بتحريم ذلك صيانة لشرف القرآن لكان مذهبا

، وقال الشعبي: تكره قراءة القرآن في ثلاثة مواطن: في الحمام، وفي الحشوش، وفي بيت الرحى وهي تدور.



5- القراءة في بيت الرحى:

وأما القراءة في بيت الرحى وهي تدور فمكروه لئلا يعلو غير القرآن عليه، والحق يعلو ولا يعلى، وقال بذلك الشعبي، والله أعلم.



ج. أحكام متعلقة بتعليم الصبيان القرآن:



*حكم تعليم الصبيان القرآن:


يجوز تعليمهم القرآن في الصبا، وهو ظاهر، بل قد يكون مستحبا أو واجبا ، وكره بعضهم ذلك إذا كان لا يعقل ما يقال له. قاله البخاري



*السبب:

لأن الصبي إذا تعلم القرآن بلغ وهو يعرف ما يصلي به، وحفظه في الصغر أولى من حفظه كبيرا، وأشد علوقا بخاطره وأرسخ وأثبت، كما هو المعهود من حال الناس، وقد استحب بعض السلف أن يترك الصبي في ابتداء عمره قليلا للعب، ثم توفر همته على القراءة، لئلا يلزم أولا بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب، وكره بعضهم تعليمه القرآن وهو لا يعقل ما يقال له، ولكن يترك حتى إذا عقل وميز علم قليلا قليلا بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه. قاله البخاري



*الأدلة على ذلك:


-عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم. رواه البخاري


-عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال: "المفصل".

انفرد بإخراجه البخاري.
وفيه دلالة على جواز تعلم الصبيان القرآن؛ لأن ابن عباس أخبر عن سنه حين موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان جمع المفصل، وهو من الحجرات، كما تقدم ذلك، وعمره آنذاك عشر سنين.
وقد روى البخاري أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مختون. وكانوا لا يختنون الغلام حتى يحتلم، فيحتمل أنه تجوز في هذه الرواية بذكر العشر، وترك ما زاد عليها من الكسر، والله أعلم.

وعلى كل تقدير، ففيه دلالة على جواز ذلك بل واستحبابه وقد يكون وجوبه. قاله البخاري



*طريقة تعليمهم القرآن:


استحب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن يلقن خمس آيات خمس آيات، رواه البخاري عنه بسند جيد.



د. الأحكام المتعلقة بقول سورة البقرة، وسورة كذا وكذا:



*حكم قول سورة البقرة وسورة كذا وكذا:


1- جائز.


دليل ذلك:


عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه)).

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة من حديث عبد الرحمن بن يزيد وصاحبا الصحيح والنسائي وابن ماجة من حديث علقمة، كلاهما عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري.


الحديث الثاني: ما رواه من حديث الزهري، عن عروة، عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القارئ، كلاهما عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان... وذكر الحديث بطوله، كما تقدم، وكما سيأتي.


الحديث الثالث: ما رواه من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا)).

وهكذا في الصحيحين
عن ابن مسعود: أنه كان يرمي الجمرة من الوادي ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. 



2- مكروه

.
دليل ذلك:


كره بعض السلف ذلك، ولم يروا إلا أن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، كما تقدم من رواية يزيد الفارسي عن ابن عباس، عن عثمان أنه قال: إذا نزل شيء من القرآن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))

.

الفصل في المسألة:


لا شك أن قول السورة التي فيها كذا وكذا أحوط وأولى، ولكن قد صحت الأحاديث بالرخصة فيقول سورة كذا، وعليه عمل الناس اليوم في ترجمة السور في مصاحفهم، وبالله التوفيق.



هـ. في كم يقرأ القرآن والأحكام المتعلقة بذلك:



* في كم يقرأ القرآن:


ذكروا في ذلك أقوالا:



1-ألا يقرأ أقل من ثلاث آيات:

عن سفيان، قال: قال لي ابن شبرمة: نظرت كم يكفي الرجل من القرآن فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات. فقلت: لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات. 


2- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كافيتان:

قال سفيان: أخبره علقمة عن أبي مسعود، فلقيته وهو يطوف بالبيت، فذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم أن "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".


3-قراءة القرآن في كل شهر:

عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ((ألقني به))، فلقيته بعد، فقال: ((كيف تصوم؟)). قلت: كل يوم. قال: ((وكيف تختم؟)). قال: كل ليلة. قال: ((صم كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر))

ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة- عن أبي سلمة: قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ". 


4-قراءة القرآن في ثلاث ليال:

عن سعد بن المنذر الأنصاري؛ أنه قال: يا رسول الله، أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: ((نعم)). قال: فكان يقرؤه حتى توفي. رواه أحمد وهذا إسناد جيد قوي حسن.

وقد رواه أبو عبيد، رحمه الله، عن سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال: "يا رسول الله، أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: ((نعم، إن استطعت)) ". قال: فكان يقرؤه كذلك حتى توفي.


حديث آخر: قال أبو عبيد: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).

وهكذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة به. وقال الترمذي: حسن صحيح.


حديث آخر: قال أبو عبيد: حدثتنا عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.

هذا حديث غريب وفيه ضعف، فإن الطيب بن سليمان هذا بصري، ضعفه الدارقطني، وليس هو بذاك المشهور، والله أعلم.


5-قراءة القرآن في خمس ليال:

عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست، وكان علقمة يختمه في كل خمس.


6- قراءة القرآن في سبع ليال:

عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ((ألقني به))، فلقيته بعد، فقال: ((كيف تصوم؟)). قلت: كل يوم. قال: ((وكيف تختم؟)). قال: كل ليلة. قال: ((صم كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر)): قال: قلت: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم ثلاثة أيام في الجمعة)). قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: ((أفطر يومين وصوم يوما)). قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة))،

ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة- عن أبي سلمة: قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ".


عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).


عن محمد بن ذكوان -رجل من أهل الكوفة- قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول: كان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة.

وعليه أكثرهم.


7-في خمس عشرة ليلة:

عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).


8- في ثمان ليال:

عن أيوب: سمعت أبا قلابة، عن أبي المهلب قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.


عن أبي قلابة قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.


9- في ست ليال:

عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست.



*حديث دل على كراهية ختم القرآن في أقل من سبع:


روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ". فهذا السياق ظاهره يقتضي المنع من قراءة القرآن في أقل من سبع.



*أحاديث دلت على النهي عن ختم القرآن في أقل من ثلاث وأن ذلك ليس من الفقه:


قال أبو عبيد: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).

وهكذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة به. وقال الترمذي: حسن صحيح.


حديث آخر: قال أبو عبيد: حدثتنا عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.

هذا حديث غريب وفيه ضعف، فإن الطيب بن سليمان هذا بصري، ضعفه الدارقطني، وليس هو بذاك المشهور، والله أعلم.


وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث، كما هو مذهب أبي عبيد وإسحاق وابن راهويه وغيرهما من الخلف -أيضا- قال أبو عبيد: عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. صحيح.


قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز. وفي المسند عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا: ((اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به)).



-سبب النهي:


قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغلوا فيه)) أي: لا تبالغوا في تلاوته بسرعة في أقصر مدة، فإن ذلك ينافي التدبر غالبا؛ ولهذا قابله بقوله: ((ولا تجفوا عنه)) أي: لا تتركوا تلاوته.



*ترخيص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ثلاث:


ترخص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ذلك؛ منهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه.


-قال أبو عبيد: عن السائب بن يزيد: أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة طلحة بن عبيد فقال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان، رضي الله عنه، فقال: نعم. قال: قلت: لأعلين الليلة على الحجر، فقمت، فلما قمت إذا أنا برجل مقنع يزحمني، فنظرت فإذا عثمان بن عفان، فتأخرت عنه، فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن، حتى إذا قلت: هذه هوادي الفجر، أوتر بركعة لم يصل غيرها. وهذا إسناد صحيح.

عن ابن سيرين قال: قالت نائلة بنت الفرافصة الكلبية حيث دخلوا على عثمان ليقتلوه: إن يقتلوه أو يدعوه، فقد كان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. وهذا حسن أيضا.


-عن ابن سيرين: إن تميما الداري قرأ القرآن في ركعة.

 حسن ، قاله أبو عبيد.
-عن سعيد بن جبير: أنه قال: قرأت القرآن في ركعة في البيت -يعني الكعبة.


-عن علقمة أنه قرأ القرآن في ليلة، طاف بالبيت أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالطول، ثم طاف بالبيت أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمئين، ثم طاف أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمثاني، ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بقية القرآن.

وهذه كلها أسانيد صحيحة.
-ومن أغرب ما هاهنا: ما رواه أبو عبيد رحمه الله: عن بكر بن مضر، أن سليم بن عتر التجيبي كان يختم القرآن في ليلة ثلاث مرات، ويجامع ثلاث مرات، قال: فلما مات قالت امرأته: رحمك الله، إن كنت لترضي ربك وترضي أهلك، قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: كان يقوم من الليل فيختم القرآن، ثم يلم بأهله ثم يغتسل، ويعود فيقرأ حتى يختم ثم يلم بأهله، ثم يغتسل، ويعود فيقرأ حتى يختم، ثم يلم بأهله ثم يغتسل، ويخرج إلى صلاة الصبح.

وكان سليم بن عتر تابعيا جليلا ثقة نبيلا وكان قاضيا بمصر أيام معاوية وقاصها.

وقد روى ابن أبي داود عن مجاهد أنه كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء.


-وعن منصور قال: كان علي الأزدي يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان.


-وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن.


-وروي عن منصور بن زاذان: أنه كان يختم فيما بين الظهر والعصر، ويختم أخرى فيما بين المغرب والعشاء، وكانوا يؤخرونها قليلا.


-وعن الإمام الشافعي، رحمه الله: أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة.


-وعن أبي عبد الله البخاري -صاحب الصحيح- : أنه كان يختم في الليلة ويومها من رمضان ختمة.


-ومن غريب هذا وبديعه ما ذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي قال: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات.

وهذا نادر جدا.



*دفع التعارض فيما ورد من أحاديث عن النهي وأفعال صادرة من السلف:


فهذا وأمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مع هذه السرعة، والله أعلم.



*خلاصة المسألة:


قال الشيخ أبو زكريا النووي في كتابه التبيان بعد ذكر طرف مما تقدم: (والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة).



و. البكاء عند القراءة:


عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري)). قال: فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال لي: ((كف أو أمسك))، فرأيت عيناه تذرفان ". رواه الأعمش

وهذا من المتفق عليه



ز.قراءة القرآن ما ائتلفت عليه القلوب:



*دليل ذلك:


عن جندب بن عبد الله، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه)).

تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد، عن أبي عمران، ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان.

وقال غندر: عن شعبة، عن أبي عمران قال: سمعت جندبا. قوله: وقال ابن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله. وجندب أصح وأكثر .

وقد رواه في موضع آخر، ومسلم كلاهما عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد، عن همام، عن أبي عمران به ومسلم -أيضا- عن يحيى بن يحيى، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة، عن أبي عمران به، ورواه مسلم -أيضا- عن أحمد بن سعيد، عن حبان بن هلال، عن أبان العطار، عن أبي عمران به مرفوعا.

وقد حكى البخاري: أن أبان وحماد بن سلمة لم يرفعاه، فالله أعلم.

ورواه النسائي والطبراني من حديث مسلم بن إبراهيم، عن هارون بن موسى الأعور النحوي، عن أبي عمران به.

ورواه النسائي -أيضا- من طرق عن سفيان، عن حجاج بن فرافصة، عن أبي عمران به مرفوعا وفي رواية عن هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، عن أبيه، عن سفيان عن حجاج، عن أبي عمران، عن جندب موقوفا، ورواه عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الله بن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله.

قال أبو بكر بن أبي داود: لم يخطئ ابن عون في حديث قط إلا في هذا، والصواب عن جندب. ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن مسلم بن إبراهيم وسعيد بن منصور قالا حدثنا الحارث بن عبيد، عن أبي عمران، عن جندب مرفوعا.

فهذا مما تيسر من ذكر طرق هذا الحديث على سبيل الاختصار، والصحيح منها ما أرشد إليه شيخ هذه الصناعة أبو عبد الله البخاري، رحمه الله، من أن الأكثر والأصح: أنه عن جندب بن عبد الله مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.



*معنى الحديث:


ومعنى الحديث أنه، عليه السلام، أرشد وحض أمته على تلاوة القرآن إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته، متفكرة فيه، متدبرة له، لا في حال شغلها وملالها، فإنه لا يحصل المقصود من التلاوة بذلك كما ثبت في الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وقال: ((أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل))، وفي اللفظ الآخر: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).

ثم قال البخاري: عن عبد الله -هو ابن مسعود- "أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كلاكما محسن فاقرآ)) أكبر علمي قال: ((فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم الله عز وجل)) ".

وأخرجه النسائي من رواية شعبة به وهذا في معنى الحديث الذي تقدمه، وأنه ينهى عن الاختلاف في القراءة والمنازعة في ذلك والمراء فيه كما تقدم النهي عن ذلك، والله أعلم.

وقريب من هذا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه:قال: قال عبد الله بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن فقلنا: خمس وثلاثون آية، ست وثلاثون آية قال: فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا عليا يناجيه فقلنا له: اختلفنا في القراءة، فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرؤوا كما قد علمتم.

و: ذكر فوائد متفرّقة متعلقة بعلوم القرآن:

1: ما يتعلق بالسور المكية والمدنية:


عن قتادة قال: "نزل في المدينة من القرآن البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وبراءة، والرعد، والنحل، والحج، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والرحمن، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة والمنافقون، والتغابن، والطلاق، ويا أيها النبي لم تحرم، إلى رأس العشر، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله. هؤلاء السور نزلت بالمدينة، وسائر السور نزل بمكة". ذكره الأنباري



2- عدد آيات القرآن:


فأما عدد آيات القرآن العظيم فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال:


1-فمنهم من لم يزد على ذلك

.
2- ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات.


3-وقيل: وأربع عشرة آية

.
4-وقيل: ومائتان وتسع عشرة

.
5- وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية.


6-وقيل: مئتان و ست وعشرون آية

.
7- وقيل: مائتان وست وثلاثون آية. حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان.



3: عدد كلمات القرآن:


وأما كلماته، فقال الفضل بن شاذان، عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.



4:عدد حروف القرآن:


وأما حروفه، فاختلفوا على ثلاثة أقوال:


1- فقال عبد الله بن كثير، عن مجاهد: هذا ما أحصينا من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفا.


2-وقال الفضل، عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا.


3-وقال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا. 



5:نصف القرآن وثلثه وسبعه:


قال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا.
قال: فأخبروني عن نصفه. فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف: {وليتلطف} [الكهف: 19]
وثلثه الأول عند رأس مائة آية من براءة
والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء
والثالث إلى آخره.
وسبعه الأول إلى الدال من قوله تعالى: {فمنهم من آمن به ومنهم من صد} [النساء: 55].
والسبع الثاني إلى الياء من قوله تعالى في سورة الأعراف: {أولئك حبطت} [الأعراف: 147]
والثالث إلى الألف الثانية من قوله تعالى في الرعد: {أكلها} [الرعد: 35]
والرابع إلى الألف في الحج من قوله: {جعلنا منسكا} [الحج: 67]
والخامس إلى الهاء من قوله في الأحزاب: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} [الأحزاب: 36]
والسادس إلى الواو من قوله تعالى في الفتح: {الظانين بالله ظن السوء} [الفتح: 6]
والسابع إلى آخر القرآن.
قال سلام أبو محمد: عملنا ذلك في أربعة أشهر.



6: ما يتعلق بتحزيب القرآن وتجزئته:


وأما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها، وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث وخمس وسبع وتسع وأحد عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل حتى تختم.


قالوا: وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، فالأول إلى آخر الأنعام، والثاني إلى {وليتلطف} من سورة الكهف، والثالث إلى آخر الزمر، والرابع إلى آخر القرآن. وقد حكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه البيان خلافا في هذا كله، والله أعلم.



7-أحكام متعلقة بلفظ ومعاني السورة والآية والكلمة:



السورة:


* معنى السورة:


واختلف في معنى السورة: مم هي مشتقة؟
فقيل: من الإبانة والارتفاع. قال النابغة:

ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب 

فكأن القارئ يتنقل بها من منزلة إلى منزلة. 


وقيل: لشرفها وارتفاعها كسور البلدان.


وقيل: سميت سورة لكونها قطعة من القرآن وجزءا منه، مأخوذ من أسآر الإناء وهو البقية

.
-أصل الواو مهموزة في السورة:

وذلك لمن قال بأن السورة مأخوذة من أسآر وعلى هذا فيكون أصلها مهموزا، وإنما خففت الهمزة فأبدلت الهمزة واوا لانضمام ما قبلها.


وقيل: لتمامها وكمالها لأن العرب يسمون الناقة التامة سورة.


قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون من الجمع والإحاطة لآياتها كما يسمى سور البلد لإحاطته بمنازله ودوره.



*جمع السورة:


وجمع السورة سور بفتح الواو، وقد تجمع على سورات وسورات.



الآية:


*معنى الآية:


وأما الآية فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالها، أي: هي بائنة عن أختها ومنفردة. قال الله تعالى: {إن آية ملكه} [البقرة: 248]، وقال النابغة:

توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع


وقيل: لأنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم. قال الشاعر: 

خرجنا من النقبين لا حي مثلنا بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا


وقيل: سميت آية لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها.



*أصل الآية :


قال سيبويه: وأصلها أيية مثل أكمة وشجرة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصارت آية، بهمزة بعدها مدة.


وقال الكسائي: أصلها آيية على وزن آمنة، فقلبت ألفا، ثم حذفت لالتباسها.


وقال الفراء: أصلها أيّة -بتشديد الياء- الأولى فقلبت ألفا، كراهة التشديد فصارت آية.



*جمع الآية:


وجمعها: آي وآياي وآيات.



الكلمة:


*معنى الكلمة:


وأما الكلمة فهي اللفظة الواحدة.



-أقلها:

على حرفين مثل: ما ولا وله ونحو ذلك.



-أكثر ما تكون:

عشرة أحرف مثل: {ليستخلفنهم} [النور: 55]، و {أنلزمكموها} [هود: 28]، {فأسقيناكموه} [الحجر: 22]



-قد تكون الكلمة الواحدة آية، مثل: والفجر، والضحى، والعصر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم -في قول الكوفيين- وحم، عسق عندهم كلمتان.

- وغيرهم لا يسمي هذه آيات بل يقول: هي فواتح السور. وقال أبو عمرو الداني: لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى: {مدهامتان} بسورة الرحمن.





* الإجماع على عدم وجود تراكيب أعجمية في القرآن والإجماع على وجود أعلام أعجمية:


قال القرطبي: أجمعوا على أنه ليس في القرآن شيء من التراكيب الأعجمية وأجمعوا أن فيه أعلاما من الأعجمية كإبراهيم ونوح، ولوط، واختلفوا: هل فيه شيء من غير ذلك بالأعجمية؟ فأنكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا ما وقع فيه مما يوافق الأعجمية، فهو من باب ما توافقت فيه اللغات.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 شعبان 1436هـ/2-06-2015م, 04:02 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
مقاصد مقّدمة تفسير ابن كثير

المقصد العام للمقدّمة: بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن لتكون مقدّمة ينتفع بها من يقرأ التفسير.

المقاصد الفرعية:
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
ب: بيان فضل القرآن
ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف
د: نزول القرآن على سبعة أحرف
هـ: فضل تلاوة القرآن وحفظه وآدابه وأحكامه
و: ذكر فوائد متفرّقة متعلقة بعلوم القرآن


أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير:
1: وجوب الإيمان بالقرآن ووعيد من كذّب به
- قال الله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}.
- قال ابن كثير: (فمن كفر بالقرآن ممن ذكرنا فالنار موعده بنصِّ الله تعالى).

2: الإنذار بالقرآن من مقاصد إرسال الرسل.
- قال الله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ}
قال ابن كثير: (فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم، وأسود وأحمر، وإنس وجان، فهو نذير له).

3: عموم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين
- قال الله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأحمر والأسود)). قال مجاهد: يعني: الإنس والجن.
- قال ابن كثير: (فهو -صلوات الله وسلامه عليه- رسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، مبلغا لهم عن الله ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}).

4: الأمر بتدبّر القرآن
- قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.

5: حكم تفسير القرآن وبيان معانيه للناس
- قال ابن كثير: (فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه).
- قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
- وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.

6: ذمّ المعرضين عن تدبّر كتاب الله
- قال ابن كثير: (ذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه).
- قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}.
لطيفة:
قال ابن كثير: (ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم).


6: أحسن طرق التفسير
6-أ: تفسير القرآن بالقرآن.
- ما أجمل في موضع من القرآن فإنه قد فسر في موضع آخر.
6-ب: تفسير القرآن بالسنّة.
- السنّة مبيّنة للقرآن وشارحة له.
- قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
- وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
- السنّة وحي من الله إلا أنها لا تُتلى كما يُتلى القرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة.
- قال الشافعي: (كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} ).

6-ج: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
- إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنّة رجعنا إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم
- الصحابة أعلم الناس بالقرآن لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح.
- علماء الصحابة وكبراؤهم لهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس.
علم ابن مسعود رضي الله عنه بتفسير القرآن
- قال ابن مسعود: (والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته). رواه ابن جرير.
- وقال ابن مسعود أيضاً: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن).
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا).
علم ابن عباس رضي الله عنهما بتفسير القرآن
- دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)).
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (نعم ترجمان القرآن ابن عباس). رواه ابن جرير وصحّحه ابن كثير وقال: (وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود رضي الله عنه؟!!).
- وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف عليٌّ عبدَ الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.
7: حكم رواية الإسرائيليات
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري.
- كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
- الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد.
7-أ: أقسام الإسرائيليات
- الإسرائيليات على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
7-ب: من أسباب اختلاف المفسّرين اختلاف الأخبار المرويّة عن بني إسرائيل
قال ابن كثير: (ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم ).
7-ج: حكم نقل الخلاف عن بني إسرائيل
- قال ابن كثير: (نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22]).
- اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما.
- ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
7-د: أصول وآداب حكاية الخلاف في المسائل العلمية
- أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم.
- من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا.
- مَن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ.
- مَن نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.


8: تفسير القرآن بأقوال التابعين
- قال ابن كثير: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة؛ فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين).
- من أئمة التابعين في التفسير: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية الرياحي، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم.
- إذا أجمع التابعون على تفسير فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم.
- من أقوال التابعين في التفسير أقوال فيها تنوّع في الدلالة على المراد ويقع بسبب ذلك تباين في الألفاظ وهي ترجع إلى معنى واحد في حقيقة الأمر ؛ فقد يظنّها الظان اختلافاً وليست كذلك.
- بيان ذلك: أن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من المواضع.

9: علم مجاهد بن جبر بالتفسير
- قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها). رواه ابن إسحاق.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله).
- قال ابن كثير: (ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).


10: هل تفسير التابعي حجّة؟
- قال شعبة بن الحجاج وغيره: (أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟)
- قال ابن كثير: (يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة).

11: حكم التفسير بالرأي
- تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام.
- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)). رواه الترمذي والنسائي وابن جرير.
- عن جندب بن جنادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ)). رواه أبو داوود والترمذي والنسائي، وفي لفظ لهم: ((من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ)).
- قال ابن كثير: (لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه).

12: تحرّج بعض السلف عن التفسير خشية القول فيه بغير علم
- قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم؟!).
- عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها). رواه ابن جرير وقال ابن كثير: (إسناده صحيح).
- قال عبيد الله بن عمر: (لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع). رواه ابن جرير.
- قال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة يعني السلماني عن آية من القرآن فقال: (ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد).
- قال مسروق بن الأجدع: (اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله). رواه أبو عبيد.
- قال إبراهيم النخعي: (كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه). رواه أبو عبيد.
- وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: (إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن).
- عن يزيد بن أبي يزيد قال: (كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع).

13: توجيه الآثار المرويّة عن بعض السلف في التحرّج من التفسير
- قال ابن كثير: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد).
- كما يجب سكوت المرء عما لا علم له به، فكذلك يجب عليه القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).

14: تنبيه على ضعف حديث في التفسير النبوي
- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعددٍ علَّمهن إياه جبريل عليه السلام). رواه ابن جرير.
- قال عنه ابن كثير: (حديث منكر غريب).
- وجّه ابن جرير هذا الحديث بأنّه محمول على ما لا يُعلم إلا بالتوقيف من أمور الغيب مما علّمه إيّاه جبريل.
- قال ابن كثير: (وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث؛ فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، كما صرح بذلك ابن عباس).
- عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله). رواه ابن جرير.

ب: بيان فضل القرآن:
1: هيمنة القرآن على ما قبله من الكتب
قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
- عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: (المهيمن: الأمين). قال: (القرآن أمين على كل كتاب قبله). وفي رواية: (شهيدا عليه). رواه ابن جرير وعلقه البخاري.
- وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.
- قال ابن كثير: (وبنحو ذلك قال مجاهد والسدي وقتادة وابن جريج والحسن البصري وغير واحد من أئمة السلف).
- أصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه.
- قدم ابن كثير الفضائل قبل التفسير وذكر فضل كل سورة قبل تفسيرها ليكون ذلك باعثا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه.
2: الأحاديث الواردة في فضل القرآن
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)). رواه البخاري.
- في هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء؛ لأنها معجزة باقية مؤثّرة.
- عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنها ستكون فتنة)) فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟
قال: (( كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)). رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وفي إسناده الحارث الأعور متكلّم فيه، قال ابن كثير: (قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث).
- قال ابن كثير: (وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم).
- عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)). رواه أبو عبيد، وفي إسناده مقال.

3: من فضائل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله
- من فضل القرآن أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، قال الله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
- تحدّى الله العرب أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا وهو أهل الفصاحة والبلاغة ؛ قال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}


4: مدّة نزول الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة وابن عباس قالا: (لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا) رواه البخاري والنسائي.
- قال ابن كثير: (أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه، وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح).
- يحتمل أنه حذف ما زاد على العشرة اختصارا في الكلام على عادة العرب في حذف الكسور، أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل به عليه السلام ؛ لما روى الإمام أحمد أنه قرن به ميكائيل في ابتداء الأمر يلقي إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به جبريل.
- ابتُدئ نزول القرآن في مكان شريف وهو البلد الحرام، وفي زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان.


5: الملَك الموكّل بنزول الوحي
- قال معتمر بن سليمان: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل، أو كما قال.
قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام).
- جبريل عليه السلام ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} ، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون} الآيات.


6: تتابع الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم
- عن ابن شهاب الزهري قال: (أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد). رواه البخاري ومسلم.
- تابع الله نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه.
- فتر الوحي بعد نزول: {اقرأ باسم ربك} واختلف في مدة هذه الفترة حتى قيل إنها قريب من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع.
- أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم فأنذر}.
- عن جندب بن عبد الله البجلي قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} ). رواه البخاري ومسلم.
- في الحديث دلالة على محبّة الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وعنايته به إذ جعل الوحي عليه متتابعاً.
- إنما أنزل القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.

7: شدّة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
- روى البخاري حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فذكر الحديث الذي سأل عمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب وعليه جبة، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم فجئه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أي: تعال، فجاء يعلى، فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه، فقال: ((أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟)) فذكر أمره بنزع الجبة وغسل الطيب.

8: معرفة المكّي والمدنيّ
- القرآن منه مكّي ومدني؛ فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء أكان بالمدينة أم بغيرها من البلاد، حتى ولو كان بمكة أو عرفة.
- أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر.
- أراد بعض العلماء ضبط الفروق بين المكّي والمدني بضوابط كليّة، وفيما ذكروه عًسرٌ ونظر.
- قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية.
- وقال علقمة: (كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة) رواه أبو عبيد.
- وقال ميمون بن مهران: (ما كان في القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني). رواه أبو عبيد.
- قال بعض العلماء بتكرر نزول بعض السور مرّة بمكة ومرّة بالمدينة.
- بعض العلماء يقول بالاستثناء في بعض السور؛ فيستثني من بعض السور المكيّة آيات يدّعي أنها من المدني.
- الصواب أن تمييز المكيّ من المدني يرجع فيه إلى ما دلّ عليه الدليل الصحيح.
- قال علي بن أبي طلحة: (نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و{يا أيها النبي لم تحرم} والفجر، {والليل إذا يغشى} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {لم يكن الذين كفروا} و {إذا زلزلت} و {إذا جاء نصر الله} وسائر ذلك بمكة).
- ذكر علي بن أبي طلحة في المدني سورا في كونها مدنية نظر، وفاته الحجرات والمعوذات.

9: نزول القرآن باللسان العربي
- قال الله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}، وقال تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.
- عن أنس بن مالك قال: (فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: (إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم) ففعلوا). رواه البخاري.
- عن جابر بن سمرة، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف). رواه ابن أبي داوود، وقال ابن ثير: (هذا إسناد صحيح).
- عن عبد الله بن فضالة قال: (لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال: (إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر). رواه البخاري.
- قال البخاري: (نزل القرآن بلسان قريش والعرب، {قرآنا عربيا}، {بلسان عربي مبين}).
- القرآن نزل بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب.



10: نزول السكينة والملائكة عند القراءة
- قال الله تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} ، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم .
- عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)). رواه البخاري ومسلم.
- عن أسيد بن الحضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)). رواه البخاري معلّقاً.
- عن أسيد بن حضير أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت..) رواه أبو عبيد. ، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.
- عن أسيد بن حضير قال: قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ". رواه أبو عبيد.



11: القرآن أعظم إرث النبي صلى الله عليه وسلم
- عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين).
قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: (ما ترك إلا ما بين الدفتين). تفرد به البخاري.
- معناه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرّث شيئاً من الدنيا، وإنما ترك لنا القرآن، والسنّة مفسّرة للقرآن مبيّنة له.
- قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا).
- وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))


12: فضل القرآن على سائر الكلام
- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)). رواه البخاري.
- طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما؛ فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.
- كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه.


13: الوصايا بكتاب الله
- قال طلحة بن مصرف: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( لا )؛ فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أُمروا بها ولم يوص؟ قال: (أوصى بكتاب الله عز وجل). رواه البخاري.
- المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الناس باتّباع كتاب الله عز وجل.
- النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا من الدنيا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك.
- لم يوصِ النبي صلى الله عليه وسلم إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ لحديث ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).



14: معنى التغنّي بالقرآن وفضل حسن الصوت بالقرآن
- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))، وقال صاحب له: يريد يجهر به. رواه البخاري.
- قال حرملة: (سمعت ابن عيينة يقول: معناه: (يستغني به) فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به).
- قال ابن كثير: (معناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك).
- عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)). رواه ابن ماجة بسند جيّد.
- الله تعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم لكن استماع الله لقراءة النبي والمؤمنين استماع تشريف.
- عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العقل)). رواه أبو عبيد، وفي رواية له: ((واقتنوه وتغنوا به)) ولم يشك، وهكذا رواه أحمد والنسائي.
- عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون))
- قال ابن كثير: (وهذا مرسل).
- قال أبو عبيد: (قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم).
- عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)) رواه أبو عبيد وابن ماجة.
- قال أبو عبيد: (يعني: الاستماع. وقوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لشيء)) أي: ما استمع).
- عن السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا)). رواه أبو القاسم البغوي.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). رواه أبو داوود.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)). رواه ابن ماجة.
- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال وكيع: يعني: يستغنى به). رواه أحمد.
- قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجل رث البيت، رث الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع). رواه أبو داود.
- قال ابن كثير: (فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله).
- واستدلّ لذلك بحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)). رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه.
- المراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه وتحزينه والتخشع به،
- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا). رواه مسلم.
- قال ابن كثير: (والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه).

15: من عُرف بحسن الصوت من الصحابة
- عن أبي سلمة قال: (كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه أبو عبيد.
- قال أبو عثمان النهدي: (كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته).
- عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) ". رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
- عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه). متفق عليه.
- أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب.

16: أحسن الناس صوتاً بالقرآن أخشاهم لله
قال طاووس بن كيسان: (أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله). رواه أبو عبيد.
- عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله)) ". رواه أبو عبيد.
17: تحسين الصوت بالقرآن وحكم القراءة بالألحان
- قال ابن كثير: (المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك).
- عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). رواه أبو عبيد.
- عن عُلَيم قال: (كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين). رواه أبو عبيد.
- قال ابن كثير: (وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه).

18: اغتباط صاحب القرآن
- عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)). رواه البخاري.
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل". رواه البخاري ومسلم.
- ينبغي أن يكون صاحب القرآن شديد الاغتباط بما هو فيه، وينبغي لغيره أن يغبطه على ذلك بأن يتمنّى مثل ما هو فيه من النعمة.
- الغبطة غير الحسد المذموم الذي هو تمنّي زوال النعمة.
- ورد في فضل الغبطة أحاديث من أصحّها حديث أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)). رواه الإمام أحمد ، وقال ابن كثير: (إسناد صحيح).

19: فضل من تعلَّم القرآن وعلمه
-قال سعد بن عبيدة: عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا). رواه البخاري.
- قال ابن كثير: (كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم من رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه).
- من شأن خيار الأبرار أن يكمل المرء نفسه ويسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} .
- ومن شأن الفجار أنهم لا ينتفعون بالهدى، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع به، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب}، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه}، في أصح قولي المفسرين في هذا.

20: تزويج الخاطب بما معه من القرآن
- عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)). متفق عليه.
- في رواية لمسلم: (فعلّمها)، وهذا سبب إيراد البخاري لهذا الحديث بعد حديث : ( خيركم من تعلّم القرآن القرآن وعلّمه).


21: وصايا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقرآن
- قال ابن كثير: (وهكذا أذكر آثارا مروية عن ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود أحد قراء القرآن من الصحابة المأمور بالتلاوة على نحوهم).
- قال ابن مسعود: (كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض). رواه الطبراني.
- وقال: (من أراد العلم فليثوّر من القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين).
- وقال: (إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع).
- وقال: (أعربوا هذا القرآن فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم).
- وقال: (أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر).
وقال: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم.
قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟
قال: (يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء) ، وفي رواية: (لا يبقى في مصحف منه شيء، ويصبح الناس فقراء كالبهائم). ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} ). رواه عبد الرزاق.
- وقال: (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز). رواه الطبراني.
- عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: (إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي).


ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف:

1: مراحل جمع القرآن:

1:في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
ثبت في الصحيحين عن أنس قال: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، كلهم من الأنصار؛ أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. فقيل له: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. وفي لفظ للبخاري عن أنس قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة؛ أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه. ذكره ابن كثير

* معارضة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن:
كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم
قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
ثم قال: عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"، وهذا الحديث متفق عليه وقد تقدم الكلام عليه في أول الصحيح وما فيه من الحكم والفوائد، والله أعلم.
ثم قال: عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من غير وجه عن أبي بكر . ذكره البخاري

*المراد من معارضته له بالقرآن كل سنة:
مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى.

*أسباب معارضة النبي جبريل بالقرآن:
ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا؛ ولهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك؛ ولهذا فهم، عليه السلام، اقتراب أجله.

* معارضة النبي جبريل بالقرآن مرتين في السنة الأخيرة:
-سبب ذلك: لاقتراب أجل الرسول صلى الله عليه وسلم.

*جمع المصحف على العرضة الأخيرة:
عثمان، رضي الله عنه، جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة، رضي الله عنه وأرضاه.

*الشهر الذي جمع فيه المصحف وسبب ذلك:
خص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن.

2: القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

*القراء الذين وصى الرسول بأخذ القراءة عنهم:
-عبدالله بن مسعود
-سالم مولى أبي حذيفة
-معاذ بن جبل
-أبي بن كعب
-زيد بن ثابت
-أبو زيد
-أبو الدرداء

*الأدلة على أخذ القرآن منهم واستحقاقهم لذلك:
-عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع، ومسلم والنسائي عن عمرو بن مرة به. وأخرجاه والترمذي والنسائي -أيضا- من حديث الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق به. -فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة
- وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة،
-واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران، رضي الله عنهم أجمعين.
- عن شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك. رواه البخاري
- عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد. رواه البخاري
-عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. رواه البخاري
وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخبارا عن يوسف لما قال لصاحب مصر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} [يوسف: 55]
-ويكفي ابن مسعود مدحا وثناء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقرئوا القرآن من أربعة))، فبدأ به.
-وقال أبو عبيد: عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية وصححه الدارقطني
-وفي مسند عمر وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.

*الصحابة الذين اختصوا بجمع القرآن كاملا :
من الأنصار/
-أبي بن كعب
-معاذ بن جبل
-زيد بن ثابت
-أبو زيد
-أبو الدرداء
-عبادة بن الصامت

*الأدلة على اختصاصهم بالجمع:
-حكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال -بعد ذكره حديث أنس بن مالك هذا- : فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
-قال البخاري: عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام.
-عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه. رواه البخاري

*رد التعارض في تخصيص هؤلاء الأربع بالجمع:
-فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون
-فقول أنس: "لم يجمعه غير أربعة" يحتمل أنه لم يأخذه تلقيا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الأربعة، وأن بعضهم تلقى بعضه عن بعض. قال: وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل سبقهم إلى الإسلام، وإعظام الرسول لهم. حكاه القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني

*المراد بأبي زيد:
أبو زيد هذا غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه :
-قال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
-وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس.
-وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد .

-الراجح: قول الواقدي أصح.
-سبب الترجيح: لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي. وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي، وقد شهد أبو زيد هذا بدرا، فيما ذكره غير واحد. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة.

*الصحابة الذين اختصوا بجمع القرآن من المهاجرين :
-عبدالله بن عباس
-عبدالله بن مسعود
-سالم مولى أبي حذيفة
-أبو بكر الصديق
-عثمان بن عفان
-علي بن أبي طالب

*أدلة ذلك:
-والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولا يشك فيه، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني في ذلك جزءا، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب مسند الشيخين، رضي الله عنهما.
-ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة -كما سنذكره- . ذكره ابن كثير
-وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل، وقد قدمنا هذا. ذكره ابن كثير
- ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه. ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا.
-ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن، وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.

*الصحابة الذين قاموا بجمع القرآن من غير المهاجرين والأنصار:
-تميم الداري
-عبدالله بن عمرو بن العاص

*دليل ذلك:
حكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال -بعد ذكره حديث أنس بن مالك هذا- : فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

*نسبية الخطأ من هؤلاء القراء وجواز ترك ما عرف عنهم باللحن فيه:
عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106]. رواه البخاري
وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه.


2: في عهد أبي بكر رضي الله عنه:

*سبب الجمع في عهد أبي بكر ودور عمر في الإشارة لذلك الجمع:
-عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
-وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هو الذي تنبه لذلك لما استحر القتل بالقراء، أي اشتد القتل وكثر في قراء القرآن يوم اليمامة، يعني: يوم اليمامة، يعني يوم قتال مسيلمة الكذاب وأصحابه من بني حنيفة بأرض اليمامة في حديقة الموت، وذلك أن مسيلمة التف معه من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهز الصديق لقتاله خالد بن الوليد في قريب من ثلاثة عشر ألفا، فالتقوا معهم فانكشف الجيش الإسلامي لكثرة من فيه من الأعراب، فنادى القراء من كبار الصحابة: يا خالد، يقولون: ميزنا من هؤلاء الأعراب فتميزوا منهم، وانفردوا، فكانوا قريبا من ثلاثة آلاف، ثم صدقوا الحملة، وقاتلوا قتالا شديدا، وجعلوا يتنادون: يا أصحاب سورة البقرة، فلم يزل ذلك دأبهم حتى فتح الله عليهم وولى جيش الكفار فارا، وأتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلا وأسرا، وقتل الله مسيلمة، وفرق شمل أصحابه، ثم رجعوا إلى الإسلام، ولكن قتل من القراء يومئذ قريب من خمسمائة، رضي الله عنهم، فلهذا أشار عمر على الصديق بأن يجمع القرآن؛ لئلا يذهب منه شيء بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال، فإذا كتب وحفظ صار ذلك محفوظا فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته، فراجعه الصديق قليلا ليستثبت الأمر، ثم وافقه، وكذلك راجعهما زيد بن ثابت في ذلك ثم صارا إلى ما رأياه، رضي الله عنهم أجمعين، وهذا المقام من أعظم فضائل زيد بن ثابت الأنصاري؛ ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، حدثنا يزيد، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن؛ أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، فأمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه في المصحف.
هذا منقطع، فإن الحسن لم يدرك عمر، ومعناه: أنه أشار بجمعه فجمع؛ ولهذا كان مهيمنا على حفظه وجمعه. قاله أبو بكر بن أبي داوود في كتاب المصاحف


*تكليف زيد بجمع المصحف:
قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.

*المواطن التي جمع زيد القرآن منها:
-العسب واللخاف وصدور الرجال
قال زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة.وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
ومنهم من لم يكن يحسن الكتابة أو يثق بحفظه، فكان يحفظه، فتلقاه زيد بن ثابت من هذا من عسيبه، ومن هذا من لخافه، ومن صدر هذا، أي من حفظه
-تعريف العسب واللخاف
أما العسب فجمع عسيب. قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: وهو من السعف فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعف.
واللخاف: جمع لخفة وهي القطعة من الحجارة مستدقة، كانوا يكتبون عليها وعلى العسب وغير ذلك، مما يمكنهم الكتابة عليه بما يناسب ما يسمعونه من القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*الأشخاص الذين احتفظوا بالصحف:
-فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم.
وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به.
- كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه. ذكره ابن أبي داوود في المصاحف

*جمع المصحف من أعظم وأجل الأعمال التي قام بها أبو بكر:
وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق، رضي الله عنه، فإنه أقامه الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد بعده، قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، رضي الله عنه وأرضاه.
ولهذا روي غير واحد من الأئمة منهم وكيع وابن مهدي وقبيصة عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. هذا إسناده صحيح.

*اشتراط المجيء بشاهدين على الآية من كتاب الله حين الجمع: [ يُقدم بعد تكليف زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع المصحف ]
-عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عمر لما جمع القرآن كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان. رواه أبو داود
-وذلك عن أمر الصديق له في ذلك، كما قال أبو بكر بن أبي داود: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر، رضي الله عنه، أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. منقطع حسن.
-استثناء أبو خزيمة الأنصاري من المجيء بشاهدين لأن شهادته باثنين:
قال زيد بن ثابت: وجدت آخر سورة التوبة، يعني قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128، 129]، مع أبي خزيمة الأنصاري، وفي رواية: مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين في قصة الفرس التي ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، فأنكر الأعرابي البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي. والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور.
-وقد روى ابن وهب عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب؛ أن عثمان شهد بذلك أيضا.

3: جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه :

*أسباب جمع عثمان للقرآن:
عن أن أنس بن مالك، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. رواه البخاري

*الصحابة الذين قاموا بنسخ الصحف في المصاحف:
-زيد بن ثابت
-عبد الله بن الزبير
-سعيد بن العاص
-عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

*طريقة الجمع والترتيب:
-ترتيب الآيات توقيفي عن الرسول أما السور فاجتهادية من عثمان:
وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين؛ ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار،عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
-ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا.

*استحباب القراءة بترتيب عثمان اقتداء به وجواز عدم فعل ذلك:
وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، رضي الله عنه، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية}، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة}، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف.

*كيفية التعامل مع الاختلاف في القراءة واللسان الذي أمر عثمان بالكتابة به:
قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم.

*أمر عثمان بإحراق الصحف سوى الذي قاموا بجمعه حتى أحرقه مروان بن الحكم:
- حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
فلم تزل الصحف عند حفصة حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق.
-سبب الحرق:
وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.

*عظم منقبة عثمان ودوره في جمع الناس وعدم اختلافهم:
وهذا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة.
وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.

*غضب ابن مسعود من الجمع وسبب ذلك ثم رضاه:
روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام
عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة.
ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو بكر: عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]، غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء.
-رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:
قال أبو بكر بن أبي داود: عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف -أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم.
[ وإن كان عبد الله بن مسعود رضي بعد ذلك ، إلا أن الأثر الذي ذكره ابن كثير عن ابن أبي داوود لا يدل على ذلك كما أشار لذلك ابن كثير ]
*اتفاق الصحابة على هذا الجمع وتأييدهم له: [ يقدم الاتفاق على اختلاف ابن مسعود رضي الله عنه مع عثمان رضي الله عنه في مسألة الجمع ]
حتى قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا. فاتفق الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)).
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
وقال أيضا: عن ثابت بن عمارة الحنفي، قال: سمعت غنيم بن قيس المازني قال: قرأت القرآن على الحرفين جميعا، والله ما يسرني أن عثمان لم يكتب المصحف، وأنه ولد لكل مسلم كلما أصبح غلام، فأصبح له مثل ما له. قال: قلنا له: يا أبا العنبر، ولم؟ قال: لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرؤون الشعر.
وعن أبي مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرؤون الشعر.

*المواطن التي بعث عثمان بالمصاحف إليها:
-مصحف إلى أهل مكة
-ومصحفا إلى البصرة
- وآخر إلى الكوفة
- وآخر إلى الشام
- وآخر إلى اليمن
وآخر إلى البحرين
- وترك عند أهل المدينة مصحفا، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله.
-وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب.

*وجوب اعتقاد بلوغ القرآن كاملا إلينا وأمانة الصحابة في جمعه ونقله:
كان الصحابة أحرص شيء على أداء الأمانات وهذا من أعظم الأمانة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]، ففعل، صلوات الله وسلامه عليه، ما أمر به؛ ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رؤوس الأشهاد، والصحابة أوفر ما كانوا مجتمعين، فقال: ((إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟)). فقالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يشير بأصبعه إلى السماء، وينكبها عليهم ويقول: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)). رواه مسلم عن جابر.
وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: ((بلغوا عني ولو آية)) يعني: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه، فبلغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((من كتب عني سوى القرآن فليمحه)) أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه: ألا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم.
فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة، فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4. تأليف القرآن: [ كان من الممكن اختصار الكلام عن تأليف القرآن في جمع عثمان لئلا يتكرر هنا ، فالاختصار مطلوب ]
*المراد بتأليف القرآن:
ترتيب سوره.

*الأحكام المتعلقة بتأليف القرآن:

-حكم قراءة القرآن بدون ترتيب سوره:

-القول الأول: لا يضر أن يقرأ سور القرآن بدون ترتيب وهو الراجح.

-القول الثاني:وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان، رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور.

-والرد على ذلك: أن الظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.

-دليل جواز قراءة سور القرآن بدون ترتيب:
عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور. وهكذا رواه النسائي من حديث ابن جريج به.
فهذا العراقي أخبر عائشة أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.
وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه، عليه السلام، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران.
ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده.
قال أبو الحسن بن بطال: ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

-ترتيب الصحابة للسور باجتهادهم:
حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة

-اختلاف مصحف ابن مسعود عن مصحف عثمان:
عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.
وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان، رضي الله عنه، من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه. رواه البخاري

-حكم تأليف السور في الرسم والخط خاصة:
واجب. قاله أبو الحسن البطال

-حكم قراءة السور منكوسة بالابتداء بآخرها إلى أولها:
حرام محذور.
روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب

-كيفية تحزيب القرآن لدى أصحاب رسول الله:
عن أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.
ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن. رواه الإمام أحمد

-حكم قراءة القرآن بترتيب أياته:
أما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك.
دليل ذلك:
ولهذا لم ترخص عائشة للعراقي في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم.

5. نقط المصحف وشكله وتقسيمه:

*أول من أمر به:

يقال: عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك
ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي
ويقال: أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.

*أول من كتب الأعشار على الحواشي:
قيل: الحجاج
وقيل: بل أول من فعله المأمون

-حكم كتابة الأعشار على الحواشي:
حكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه
وقال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.

د: نزول القرآن على سبعة أحرف:

*المقصود بسبعة أحرف:

وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، نذكر منها خمسة أقوال:


القول الأول: - وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
وقال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل".
وروى عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
قال الطحاوي. وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر


القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر.
قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا} [يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا.
قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعرابيا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.


القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.


القول الرابع: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".


القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.



*تنبيه حول القراءات السبع التي تنسب للقراء السبعة في عصرنا الآن: [ هل القراءات السبعة هي الأحرف السبعة ؟]
قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.

*أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف:
-عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
وقد رواه [ البخاري ] -أيضا- في بدء الخلق، ومسلم من حديث يونس، ومسلم -أيضا- من حديث معمر، كلاهما عن الزهري بنحوه ورواه ابن جرير من حديث الزهري به
وهذا مبسوط في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال: عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).وقد رواه النسائي .

-عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) . رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). رواه أحمد وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.

-عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)). رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). رواه ابن جرير وإسناده صحيح.
وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27].

-وفي لفظ لأبي داود عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)).

-وقد روى ثابت بن قاسم نحوا من هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن كلام ابن مسعود، رضي الله عنه، نحو ذلك.
حديث آخر في معناه عن سليمان بن صرد -يرفعه- قال: "أتاني ملكان، فقال أحدهما: ((اقرأ. قال: على كم؟ قال: على حرف. قال: زده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف)). ورواه النسائي في اليوم والليلة عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام عن إسحاق الأزرق عن العوام بن حوشب، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد قال: أتى أبي بن كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين اختلفا في القراءة، فذكر الحديث. رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئ هذا. قال: فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال: قلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: ((وأنت قد أحسنت)). قال: فقلت: قد أحسنت قد أحسنت. قال: فضرب بيده على صدري ثم قال: ((اللهم أذهب عن أبي الشك)). قال: ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا. قال: ثم قال: ((إن الملكين أتياني، فقال أحدهما: اقرأ القرآن على حرف، وقال الآخر: زده. قال: قلت: زدني. فقال اقرأه على حرفين، حتى بلغ سبعة أحرف فقال: اقرأه على سبعة أحرف)). رواه ابن جرير
وقد رواه أبو عبيد عن حجاج، بنحو ذلك ورواه أبو داود بنحوه. فهذا الحديث محفوظ من حيث الجملة عن أبي بن كعب، والظاهر أن سليمان بن صرد الخزاعي شاهد على ذلك، والله أعلم.

-عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة)). رواه أحمد وهكذا رواه ابن جرير وزاد في آخره كقولك: ((هلم وتعال)).

-عن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).رواه أحمد، وإسناده صحيح، ولم يخرجوه. [ من حكم على الإسناد بالصحة ؟ ]

-عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على سبعة أحرف، مراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما علمتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)). رواه أحمد ورواه النسائي .

-عن أم أيوب- يعني امرأة أبي أيوب الأنصارية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أجزأك)). رواه أحمد وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.

-عن أبي جهيم الأنصاري؛ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، كلاهما يزعم أنه تلاقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أبو جهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا، فإن مراء فيه كفر)). وهكذا رواه أبو عبيد على الشك وقد رواه الإمام أحمد على الصواب.

-عن أبي قيس -مولى عمرو بن العاص- أن رجلا قرأ آية من القرآن، فقال له عمرو -يعني ابن العاص- : إنما هي كذا وكذا، بغير ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتياه، فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم أصبتم، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء فيه كفر)). رواه أبو عبيد ورواه الإمام أحمد ، وفيه: ((فإن المراء فيه كفر أو إنه الكفر به)). وهذا -أيضا- حديث جيد.
عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)). رواه ابن جرير

-قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها عن الأحرف السبعة إلا ما حدثني عفان، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على ثلاثة أحرف)).
-قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنها المشهورة.

*سبب مشروعية قراءة القرآن بسبع أحرف:
التخفيف عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
لما ورد في الأحاديث والآثار:
-عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)).رواه ابن جرير

-عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.رواه ابن جرير وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية شعبة به.

-عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). رواه أحمد وهكذا رواه مسلم .

-عن أبي قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة، والغلام، فقال: مرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف)).رواه أحمد وأخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وقد رواه أبو عبيد والله أعلم.

-عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية؛ الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني، الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).رواه أحمد عفان
وقال أحمد أيضا: عن ربعي بن حراش: حدثني من لم يكذبني -يعني حذيفة- قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم، ولا يرجع عنه. وقال عبد الرحمن: إن في أمتك الضعيف، فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه. وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه.

*اختلاف الأحرف يكون في الأمر الذي يكون واحدا :
قال الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا تختلف في حلال ولا في حرام.

*من اللغات التي نزل القرآن بها:
-نزل القرآن على خمس بلغة العجز من هوازن.رواه الكلبي عن ابن عباس
والعجز هم: بنو أسد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف هم عليا هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم. ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
-واللغتان الأخريان: قريش وخزاعة رواه قتادة عن ابن عباس، ولكن لم يلقه.وقاله ابن جرير

*نزول القراءات السبع من أبواب الجنة السبع:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما تقدم. يعني كما تقدم في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.
-تفسير ذلك:
قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.

*الأخذ بقول عثمان بالاقتصار على قراءة واحدة وثمرة ذلك وأسبابه:
[ نسخ القراءة بالأحرف السبعة ]
أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف، ثم نسخه عثمان بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.
ثم لما رأى اختلاف الناس في القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم -جمعهم على حرف واحد، وهو هذا المصحف الإمام، قال: واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعله من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له، ونظر منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها.
فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين. إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)) بمعزل؛ لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر، كما تقدم.


هـ: فضل تلاوة القرآن وحفظه وآدابه وأحكامه:

1: وجوب الإخلاص في تلاوة القرآن:



*التحذير من المراءاة بقراءة القرآن أو التأكل به أو الفجور به وكون هذه خصلة من خصل الخوارج الذين أمرنا بقتلهم:


عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا قوم يقرؤون القرآن فقال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله -عز وجل- من قبل أن يأتي بقوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)). رواه الإمام أحمد


قال علي، رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)).رواه البخاري


عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق)).رواه مسلم وأبو داود والنسائي


-الأمر بقتل الخوارج لمراءاتهم :

أمر بقتلهم لأنهم مراؤون في أعمالهم في نفس الأمر، وإن كان بعضهم قد لا يقصد ذلك، إلا أنهم أسسوا أعمالهم على اعتقاد غير صالح، فكانوا في ذلك كالمذمومين في قوله: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} [التوبة: 109]، وقد اختلف العلماء في تكفير الخوارج وتفسيقهم ورد رواياتهم.



* أحوال الناس مع القرآن عامة والمرائي بتلاوته خاصة وتشبيههم بما يناسبهم:


عن أنس بن مالك، عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مر)). رواه البخاري


والمنافق المشبه بالريحانة التي لها ريح ظاهر وطعمها مر هو المرائي بتلاوته، كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142].



* بيان أن أكثر المنافقين من القراء:

عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أكثر منافقي أمتي قراؤها)).رواه أحمد





2: فضل تلاوة القرآن

:

*أحاديث تتعلق بتلاوة القرآن وآدابه وفضائله وفضائل أهله:



-فضائل متعلقة بصاحب القرآن:

1-أنهم عرفاء أهل الجنة يوم القيامة:

عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة)).رواه الطبراني


2- أنهم أشرف الأمة:

عن ابن عباس مرفوعا: ((أشرف أمتي حملة القرآن)). رواه لطبراني


3- ارتقاؤه بكل آية درجة في الجنة:

عن أبي سعيد قال: قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)).رواه أحمد


4-أنهم أهل الله وخاصته:

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس)). قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) ". رواه أحمد



-أحاديث متعلقة بأحوال الناس مع القرآن:


عن أبي سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون خلف من بعد الستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر)). رواه أحمد

عن الوليد قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به.



عن أبي سعيد أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: ((ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؛ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله، ولا يرعوي إلى شيء منه)). رواه أحمد



عن أنس بن مالك قال: بينما نحن نقرأ فينا العربي والعجمي والأسود والأبيض، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أنتم في خير تقرؤون كتاب الله وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي على الناس زمان يثقفونه كما يثقف القدح، يتعجلون أجورهم ولا يتأجلونها)). رواه أحمد



-أحاديث في فضل القرآن :

 [ سبق الحديث عن فضل القرآن ، فإن كانت هذه المسائل قد وردت أعلاه فلم التكرار هنا ، وإن كانت لم تذكر فالأولى أن تلحقيها بها أعلاه ]

1-أنه غنى:


عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه)). رواه الطبراني



2- تفضيله على سائر الكلام:


عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين)). رواه البزار


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه))تفرد به محمد بن الحسن ولم يتابع عليه.



-أحاديث في فضل تلاوة القرآن: [ سبق الحديث عن تلاوة القرآن فلم لم تلحقيه به ؟ ]



1-تشبيه القارى بمن يستدرج النبوة بين جنبيه بقراءته:


عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه)). رواه الطبراني



2-ذكر قارئ القرآن في السماء وإنارته بالقرآن في الأرض:

عن أبي سعيد مرفوعا: ((عليك بتقوى الله، فإنها رأس كل خير، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، واخزن لسانك إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان)).رواه أبو يعلى



3- أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسه النار:


عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن القرآن جعل في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق)).رواه الإمام أحمد


قيل: معناه: أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسه النار.


-أحاديث متعلقة بالبيت الذي يقرأ فيه القرآن:



1-بركة البيت الذي يقرأ فيه القرآن:


عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره)). رواه البزار



2- أمنة البيت الذي يقرأ فيه القرآن:


عن عبد الله بن عمرو قال: أن رجلا جاء بابن له فقال: يا رسول الله، إن ابني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما)).رواه أحمد



-أحاديث في نفع القرآن لصاحبه يوم القيامة:



1- أنه نور يوم القيامة:


عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)). رواه أحمد



2- شفاعة القرآن لأهله يوم القيامة:


-عن عبد الله بن مسعود قال: ((إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه -أو كلمة نحوها- زج في قفاه إلى النار)). رواه البزار


-عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))، قال: ((فيشفعان)).رواه أحمد





-أحاديث في الأجور المترتبة على قراءة القرآن:



-عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ ألف آية كتب الله له قنطارا، والقنطار مائة رطل، والرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية ستة دنانير، والدينار أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط مثل أحد، ومن قرأ ثلاثمائة آية قال الله لملائكته: نصب عبدي لي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت له، ومن بلغه عن الله فضيلة فعمل بها إيمانا به ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك)).رواه أبو يعلى


-عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)). رواه أحمد



-آداب قارئ القرآن:



1-آداب عامة :


-عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله، وصغر ما عظم الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه، أو يغضب فيمن يغضب، أو يحتد فيمن يحتد، ولكن يعفو ويصفح، لفضل القرآن)). رواه الطبراني


-عن عبيدة المليكي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته من آناء الليل والنهار، وتغنوه وتقنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تستعجلوا ثوابه، فإن له ثوابا)).رواه الطبراني


[ استخلصي الآداب من الأحاديث واجعلي لها عنوانا يناسبها ثم اذكري الدليل عليها ]
2-توطين القلب بالإيمان قبل القرآن:


عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أقرأ القرآن فلا أجد قلبي يعقل عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قلبك حشي الإيمان، وإن العبد يعطى الإيمان قبل القرآن)). رواه أحمد


3- استحضار خشية الله أثناء القراءة:

عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن قراءة؟ قال: ((من إذا سمعته يقرأ رؤيت أنه يخشى الله، عز وجل)). رواه البزار



4- استحباب ترتيل القرآن وتحسين الصوت به:


-عن أنس قال: قعد أبو موسى في بيت واجتمع إليه ناس، فأنشأ يقرأ عليهم القرآن، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ألا أعجبك من أبي موسى أنه قعد في بيت فاجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتستطيع أن تقعدني حيث لا يراني منهم أحد؟)). قال: نعم. قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى فقال: ((إنه ليقرأ على مزمار من مزامير داود، عليه السلام)). رواه أبو يعلى وقال: هذا غريب ويزيد الرقاشي ضعيف.


-عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحسن الناس قراءة من قرأ القرآن يتحزن به)).رواه الطبراني


-عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحسنوا الأصوات بالقرآن)). رواه الطبراني


-عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن)). رواه البزار ، وقال: ابن المحرر ضعيف.



5-المداومة على قراءة القرآن

:
عن ابن عباس قال: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: ((الحال المرتحل)). قال: يا رسول الله، ما الحال المرتحل؟ قال: ((صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، وفي آخره حتى يبلغ أوله)) ". رواه الطبراني



6-الدعوة لتعاهد القرآن:


عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت)). رواه أحمد



7- مشروعية الدعاء بعد ختم القرآن:


عن ثابت، أن أنس بن مالك، رضي الله عنه: كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم. رواه الطبراني



-حديث في كراهية خلو الجوف من القرآن:



عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)). رواه أحمد

 ،وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.



-أحاديث في وجوب اتباع القرآن والعمل به وأن الانتفاع لا يحصل إلا بالعمل:


-عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة، وذلك أن الله عز وجل يقول: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123] )). رواه الطبراني


-عن عقبة بن عامر مرفوعا: ((من تعلم القرآن ثم تركه فقد عصاني)). سنن ابن ماجه



-حديث في فضل استماع القرآن:

عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة)).رواه أحمد


-حديث في تكفير المرائي في القرآن:
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مراء في القرآن كفر)). رواه البزار ثم قال: عنبسة: هذا ليس بالقوي. وعنده فيه إسناد آخر.


-حديث في الدعوة لإعراب القرآن والتماس غرائبه:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه)). رواه أبو يعلى


3: حفظ القرآن وتعاهده وفضل ذلك والمسائل المتعلقة به:



*فضل حفظ القرآن:


أفرد البخاري في هذه الترجمة حديث أبي حازم عن سهل بن سعد، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).

وهذه الترجمة من البخاري، رحمه الله، مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل، والله أعلم. 



*مسألة: أيهما أفضل قراءة القرآن عن ظهر غيب أم من المصحف :


القول الأول: الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل؛ لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة، كما صرح به غير واحد من السلف، وكرهوا أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه، واستدلوا على فضيلة التلاوة في المصحف بما رواه الإمام العلم أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن حيث قال:

عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظهرا، كفضل الفريضة على النافلة)) وهذا الإسناد ضعيف فإن معاوية بن يحيى هو الصدفي أو الأطرابلسي، وأيهما كان فهو ضعيف.


وقال الثوري عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف.


وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس، عن عمر: أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه.


وقال حماد أيضا: عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن مسعود: أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف، فقرؤوا، وفسر لهم. إسناد صحيح.


وقال حماد بن سلمة: عن حجاج بن أرطاة، عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ.


وقال الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمر وهو يقرأ في المصحف فقال: هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة.


فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير، فالاستثبات أولى، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال.



القول الثاني: الحديث الذي تقدم الآن، وفيه أنه، عليه السلام، قال لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).



والرد عليه بأمرين:


الأول: إن كان البخاري، رحمه الله، أراد بذكر حديث سهل للدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل منها في المصحف، ففيه نظر؛ لأنها قضية عين، فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فلا يدل على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل مطلقا في حق من يحسن ومن لا يحسن، إذ لو دل هذا لكان ذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاوته عن ظهر قلب -لأنه أمي لا يدري الكتابة- أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده.


الثاني: أن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب؛ ليمكنه تعليمها لزوجته، وليس المراد هاهنا: أن هذا أفضل من التلاوة نظرا، ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم.



الفصل في هذه المسألة:


قال بعض العلماء: المدار في هذه المسألة على الخشوع في القراءة، فإن كان الخشوع عند القراءة على ظهر القلب فهو أفضل، وإن كان عند النظر في المصحف فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى؛ لأنها أثبت وتمتاز بالنظر في المصحف ، قال الشيخ أبو زكريا النووي رحمه الله، في التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.



*مسألة : هل الأفضل في التلقين النظر من المصحف أم التلقي من فم الملقن:


فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن؛ لأن الكتابة لا تدل على كمال الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على لفظ القرآن، فأما عند العجز عمن يلقن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فإذا قرأ في المصحف -والحالة هذه- فلا حرج عليه، ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه، فقد قال الإمام أبو عبيد:

عن الأوزاعي؛ أن رجلا صحبهم في سفر قال: فحدثنا حديثا ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل))

وعن بكير بن الأخنس قال: كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل.



* أهمية استذكار القرآن وتعاهده:

 [ سبقت الإشارة لتعاهد القرآن ]
-عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)) هكذا رواه مسلم والنسائي من حديث مالك به. 


-عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار، كمثل رجل له إبل، فإن عقلها حفظها، وإن أطلق عقالها ذهبت، فكذلك صاحب القرآن)). رواه أحمد


-عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من رواية شعبةعن شقيق: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة وهكذا رواه مسلم وستأتي رواية البخاري له والنسائي وفي مسند أبي يعلى فإنما هو نسي بالتخفيف.


-عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)). وهكذا رواه مسلم .

-عن عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا كتاب الله، وتعاهدوه وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل)). رواه أحمد

ومضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده؛ لئلا يعرضه حافظه للنسيان فإن ذلك خطر كبير، نسأل الله العافية منه.





*عقوبة نسيان القرآن وعظم جرم من نسي: 


عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل، وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة يلقاه وهو أجذم)).قاله الإمام أحمد


عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه منها إلا عدله، وما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم)).رواه أحمد


عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها)). رواه أحمد


قال ابن جريج: وحدثت عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها)).رواه أحمد
-قال أبو عبيد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود- : إني لأمقت القارئ أن أراه سمينا نسيا للقرآن.


-عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)).رواه أبو داود والترمذي وأبو يعلى والبزار وغيرهم ، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به البخاري فاستغربه، وحكى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك.


وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه: 124- 126]، وهذا الذي قاله هذا -وإن لم يكن هو المراد جميعه- فهو بعضه، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير وتفريط شديد، نعوذ بالله منه؛ ولهذا قال عليه السلام: ((تعاهدوا القرآن))، وفي لفظ: ((استذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).

التفصي: التخلص يقال: تفصى فلان من البلية: إذا تخلص منها، ومنه: تفصى النوى من التمرة: إذا تخلص منها، أي: إن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال.



*أسباب نسيان القرآن:


1-الذنوب:


عن الضحاك بن مزاحم قال: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله تعالى يقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30]، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب.



2- عدم تعاهده بالقراءة:


عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)). وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد الأشعري، كلاهما عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.



*كراهية قول نسيت آية كذا والأصح نُسيت آية كذا:


-عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم)).
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من رواية شعبة.
عن شقيق: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة وهكذا رواه مسلم وستأتي رواية البخاري له والنسائي وفي مسند أبي يعلى فإنما هو نسي بالتخفيف.


-عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: ((يرحمه الله، فقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا)). ورواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة.


-عن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي)) ورواه مسلم والنسائي، من حديث منصور به. وقد تقدم. وفي مسند أبي يعلى: ((فإنما هو نسي))، بالتخفيف، هذا لفظه.


وفي هذا الحديث -والذي قبله- دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص، وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: ((بل هو نسي))، مبني لما لم يسم فاعله، وأدب -أيضا- في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: 24] وهو، والله أعلم 



-جواز قول نسيت للأدلة التالية:


-قوله تعالى:{سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله} [الأعلى:6، 7]


-عن عائشة قالت: لقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا من سورة كذا)). انفرد به الربيع بن يحيى

عن هشام وقال: أسقطتهن من سورة كذا وكذا. انفرد به أيضا. تابعه علي بن مسهر وعبدة عن هشام.

وقد أسندهما البخاري في موضع آخر، ومسلم معه في عبدة.



*الأدعية المأثورة لحفظ القرآن وطرد النسيان:


-عن ابن عباس قال: "قال علي بن أبي طالب: يا رسول الله، القرآن يتفلت من صدري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع من علمته)). قال: قال: نعم بأبي وأمي، قال: ((صل ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله واثن عليه، وصل على النبيين، واستغفر للمؤمنين، ثم قل: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، وأسألك أن تنور بالكتاب بصري، وتطلق به لساني، وتفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وتستعمل به بدني، وتقويني على ذلك وتعينني على ذلك فإنه لا يعينني على الخير غيرك، ولا يوفق له إلا أنت، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط)). فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن والحديث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مؤمن ورب الكعبة))، علم أبو الحسن علم أبو الحسن" هذا سياق الطبراني.


-عن ابن عباس أنه قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال: بأبي أنت وأمي، تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟)) قال: أجل يا رسول الله، فعلمني، قال: ((إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه: {سوف أستغفر لكم ربي} [يوسف: 98]، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد، فاحمد الله وأحسن الثناء على الله، وصل علي وأحسن وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك، أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن، تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب بإذن الله تعالى، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط)). قال ابن عباس: فوالله ما لبث علي إلا خمسا أو سبعا حتى جاء علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله، والله إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن، فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها، فإذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث، فإذا رددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((مؤمن ورب الكعبة يا أبا الحسن)).
روه الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن غريب ورواه الحاكم في مستدركه ثم قال: على شرط الشيخين .


[ يكفي ذكر أول الحديث ثم بيان حكم الحديث ، لأن المقصود الإشارة إلى ضعفه ونكارته وتعليق ابن كثير على هذا الحديث مهم جدًا فقد قال : وفي متنه غرابة بل نكارة ]

4: ترتيل القرآن وتجويد تلاوته والأحكام المتعلقة بذلك:



* الحث على الترتيل في القراءة:


-قال الله عز وجل: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4]
-

وقال تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]


-عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)).رواه أحمد


-وقال أبو عبيد: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل فإنه زين القرآن. قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن.


-وفي الحديث: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: 16]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه. وذكر تمام الحديث كما سيأتي، وهو متفق عليه، وفيه وفي الذي قبله دليل على استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة ولا سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر، قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص: 29].



*كراهية هذ القرآن كهذ الشعر:


يكره أن يهذ كهذ الشعر

 للآثار الواردة:
-عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذا كهذ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القراءات التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم. رواه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن مهدي بن ميمون، عن واصل -وهو ابن حيان الأحدب- عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود به.


-عن عائشة أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون القرآن في الليل مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه. رواه أحمد


-عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة وإني أقرأ القرآن في ثلاث فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول.

وعن حجاج، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس نحو ذلك، إلا أن في حديث حماد: أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمع هذرمة.



*حسن الصوت بالقرآن :


عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن أبي يحيى الحماني -واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن- وقال: حسن صحيح.

وقد رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى وفيه قصة.



*مد القراءة:


-كيفيته:


عن قتادة قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. انفرد به البخاري من هذا الوجه

 ، وفي معناه الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد: عن أم سلمة: أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا.

وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل، عن يحيى بن إسحاق، وأبو داود عن يزيد بن خالد الرملي، والترمذي والنسائي، كلاهما عن قتيبة، كلهم عن الليث بن سعد به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

ثم قال أبو عبيد: وحدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته؛ بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وهكذا.

وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن جريج. وقال الترمذي: غريب وليس إسناده بمتصل، يعني: أن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة لم يسمعه من أم سلمة، وإنما رواه عن يعلى بن مملك، كما تقدم، والله أعلم. قاله البخاري



-بيان فعل الرسول لذلك:


عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يمد مدا. رواه البخاري



* الترجيع:


-تعريفه: هو الترديد في الصوت كما جاء -أيضا- في البخاري أنه جعل يقول: (آ آ آ)، وكأن ذلك صدر من حركة الدابة تحته.



-بيان أن ذلك من فعل الرسول:


عن عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته -أو جمله- وهي تسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع. قاله البخاري



5: أحكام متفرّقة في تلاوة القرآن واستماعه:



أ. أحكام متعلقة باستماع القرآن:



*استماع القرآن من الغير خصوصا إذا كان حسن الصوت:


عن عبد الله قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن)). قلت: عليك أقرأ وعليك أنزل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) ".

وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه، من طرق عن الأعمش وله طرق يطول ذكرها وبسطها.
وقد تقدم فيما رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا أبا موسى، لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة)). فقال: أما والله لو أعلم أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا.


وقال الزهري، عن أبي سلمة: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى. فيقرأ عنده.


وقال أبو عثمان النهدي: كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته. 



*مشروعية قول المقرئ للقارئ: حسبك:


عن عبد الله قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). فقلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ((نعم))، فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.رواه البخاري

.

أحكام متعلقة بمواطن القراءة:



1- القراءة على الدابة:


عن عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح".

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة سوى ابن ماجة من طرق، عن شعبة، عن أبي إياس، وهو معاوية بن قرة به وهذا -أيضا- له تعلق بما تقدم من تعاهد القرآن وتلاوته سفرا وحضرا، ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارئ في الطريق



2- القراءة في الطريق:


-من العلماء من رأى إباحتها: 

نقل ابن أبي داود عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ في الطريق، 

وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن في ذلك.


-ومن العلماء من رأى كراهيتها:

عن الإمام مالك أنه كره ذلك، كما قال ابن أبي داود: وحدثني أبو الربيع، أخبرنا ابن وهب قال سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل، فيخرج إلى المسجد، وقد بقي من السورة التي كان يقرأ منها شيء، فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق.



3- القراءة في الحمام:


-من العلماء من رأى كراهيتها:

قال الشعبي تكره.

وروى ابن أبي داود عن علي بن أبي طالب: أنه كره ذلك، ونقله ابن المنذر عن أبي وائل شقيق بن سلمة، والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب، وهو رواية عن إبراهيم النخعي، ويحكى عن أبي حنيفة، رحمهم الله، أن القراءة في الحمام تكره.


-من العلماء من رأى جوازها وعدم كراهيتها:

فقالوا: أنها لا تكره، وهو مذهب مالك والشافعي وإبراهيم النخعي وغيرهم

.

4- القراءة في الحشوش:


القراءة في الحشوش فكراهتها ظاهرة، ولو قيل بتحريم ذلك صيانة لشرف القرآن لكان مذهبا

، وقال الشعبي: تكره قراءة القرآن في ثلاثة مواطن: في الحمام، وفي الحشوش، وفي بيت الرحى وهي تدور.



5- القراءة في بيت الرحى:

وأما القراءة في بيت الرحى وهي تدور فمكروه لئلا يعلو غير القرآن عليه، والحق يعلو ولا يعلى، وقال بذلك الشعبي، والله أعلم.



ج. أحكام متعلقة بتعليم الصبيان القرآن:



*حكم تعليم الصبيان القرآن:


يجوز تعليمهم القرآن في الصبا، وهو ظاهر، بل قد يكون مستحبا أو واجبا ، وكره بعضهم ذلك إذا كان لا يعقل ما يقال له. قاله البخاري



*السبب:

لأن الصبي إذا تعلم القرآن بلغ وهو يعرف ما يصلي به، وحفظه في الصغر أولى من حفظه كبيرا، وأشد علوقا بخاطره وأرسخ وأثبت، كما هو المعهود من حال الناس، وقد استحب بعض السلف أن يترك الصبي في ابتداء عمره قليلا للعب، ثم توفر همته على القراءة، لئلا يلزم أولا بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب، وكره بعضهم تعليمه القرآن وهو لا يعقل ما يقال له، ولكن يترك حتى إذا عقل وميز علم قليلا قليلا بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه. قاله البخاري



*الأدلة على ذلك:


-عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم. رواه البخاري


-عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: وما المحكم؟ قال: "المفصل".

انفرد بإخراجه البخاري.
وفيه دلالة على جواز تعلم الصبيان القرآن؛ لأن ابن عباس أخبر عن سنه حين موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان جمع المفصل، وهو من الحجرات، كما تقدم ذلك، وعمره آنذاك عشر سنين.
وقد روى البخاري أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مختون. وكانوا لا يختنون الغلام حتى يحتلم، فيحتمل أنه تجوز في هذه الرواية بذكر العشر، وترك ما زاد عليها من الكسر، والله أعلم.

وعلى كل تقدير، ففيه دلالة على جواز ذلك بل واستحبابه وقد يكون وجوبه. قاله البخاري



*طريقة تعليمهم القرآن:


استحب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن يلقن خمس آيات خمس آيات، رواه البخاري عنه بسند جيد.



د. الأحكام المتعلقة بقول سورة البقرة، وسورة كذا وكذا:



*حكم قول سورة البقرة وسورة كذا وكذا:


1- جائز.


دليل ذلك:


عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه)).

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة من حديث عبد الرحمن بن يزيد وصاحبا الصحيح والنسائي وابن ماجة من حديث علقمة، كلاهما عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري.


الحديث الثاني: ما رواه من حديث الزهري، عن عروة، عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القارئ، كلاهما عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان... وذكر الحديث بطوله، كما تقدم، وكما سيأتي.


الحديث الثالث: ما رواه من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا)).

وهكذا في الصحيحين
عن ابن مسعود: أنه كان يرمي الجمرة من الوادي ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. 



2- مكروه

.
دليل ذلك:


كره بعض السلف ذلك، ولم يروا إلا أن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، كما تقدم من رواية يزيد الفارسي عن ابن عباس، عن عثمان أنه قال: إذا نزل شيء من القرآن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))

.

الفصل في المسألة:


لا شك أن قول السورة التي فيها كذا وكذا أحوط وأولى، ولكن قد صحت الأحاديث بالرخصة فيقول سورة كذا، وعليه عمل الناس اليوم في ترجمة السور في مصاحفهم، وبالله التوفيق.



هـ. في كم يقرأ القرآن والأحكام المتعلقة بذلك:



* في كم يقرأ القرآن:


ذكروا في ذلك أقوالا:



1-ألا يقرأ أقل من ثلاث آيات:

عن سفيان، قال: قال لي ابن شبرمة: نظرت كم يكفي الرجل من القرآن فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات. فقلت: لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات. 


2- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كافيتان:

قال سفيان: أخبره علقمة عن أبي مسعود، فلقيته وهو يطوف بالبيت، فذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم أن "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".


3-قراءة القرآن في كل شهر:

عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ((ألقني به))، فلقيته بعد، فقال: ((كيف تصوم؟)). قلت: كل يوم. قال: ((وكيف تختم؟)). قال: كل ليلة. قال: ((صم كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر))

ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة- عن أبي سلمة: قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ". 


4-قراءة القرآن في ثلاث ليال:

عن سعد بن المنذر الأنصاري؛ أنه قال: يا رسول الله، أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: ((نعم)). قال: فكان يقرؤه حتى توفي. رواه أحمد وهذا إسناد جيد قوي حسن.

وقد رواه أبو عبيد، رحمه الله، عن سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال: "يا رسول الله، أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: ((نعم، إن استطعت)) ". قال: فكان يقرؤه كذلك حتى توفي.


حديث آخر: قال أبو عبيد: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).

وهكذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة به. وقال الترمذي: حسن صحيح.


حديث آخر: قال أبو عبيد: حدثتنا عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.

هذا حديث غريب وفيه ضعف، فإن الطيب بن سليمان هذا بصري، ضعفه الدارقطني، وليس هو بذاك المشهور، والله أعلم.


5-قراءة القرآن في خمس ليال:

عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست، وكان علقمة يختمه في كل خمس.


6- قراءة القرآن في سبع ليال:

عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ((ألقني به))، فلقيته بعد، فقال: ((كيف تصوم؟)). قلت: كل يوم. قال: ((وكيف تختم؟)). قال: كل ليلة. قال: ((صم كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر)): قال: قلت: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم ثلاثة أيام في الجمعة)). قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: ((أفطر يومين وصوم يوما)). قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: ((صم أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة))،

ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة- عن أبي سلمة: قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ".


عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).


عن محمد بن ذكوان -رجل من أهل الكوفة- قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول: كان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة.

وعليه أكثرهم.


7-في خمس عشرة ليلة:

عن قيس بن أبي صعصعة؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ فقال: ((في كل خمس عشرة)). قال: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((ففي كل جمعة)).


8- في ثمان ليال:

عن أيوب: سمعت أبا قلابة، عن أبي المهلب قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.


عن أبي قلابة قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان.


9- في ست ليال:

عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست.



*حديث دل على كراهية ختم القرآن في أقل من سبع:


روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن عمرو قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:. ((اقرأ القرآن في شهر)). قلت: إني أجد قوة. قال: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)) ". فهذا السياق ظاهره يقتضي المنع من قراءة القرآن في أقل من سبع.



*أحاديث دلت على النهي عن ختم القرآن في أقل من ثلاث وأن ذلك ليس من الفقه:


قال أبو عبيد: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)).

وهكذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة به. وقال الترمذي: حسن صحيح.


حديث آخر: قال أبو عبيد: حدثتنا عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث.

هذا حديث غريب وفيه ضعف، فإن الطيب بن سليمان هذا بصري، ضعفه الدارقطني، وليس هو بذاك المشهور، والله أعلم.


وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث، كما هو مذهب أبي عبيد وإسحاق وابن راهويه وغيرهما من الخلف -أيضا- قال أبو عبيد: عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. صحيح.


قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز. وفي المسند عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا: ((اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به)).



-سبب النهي:


قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغلوا فيه)) أي: لا تبالغوا في تلاوته بسرعة في أقصر مدة، فإن ذلك ينافي التدبر غالبا؛ ولهذا قابله بقوله: ((ولا تجفوا عنه)) أي: لا تتركوا تلاوته.



*ترخيص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ثلاث:


ترخص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ذلك؛ منهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه.


-قال أبو عبيد: عن السائب بن يزيد: أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة طلحة بن عبيد فقال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان، رضي الله عنه، فقال: نعم. قال: قلت: لأعلين الليلة على الحجر، فقمت، فلما قمت إذا أنا برجل مقنع يزحمني، فنظرت فإذا عثمان بن عفان، فتأخرت عنه، فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن، حتى إذا قلت: هذه هوادي الفجر، أوتر بركعة لم يصل غيرها. وهذا إسناد صحيح.

عن ابن سيرين قال: قالت نائلة بنت الفرافصة الكلبية حيث دخلوا على عثمان ليقتلوه: إن يقتلوه أو يدعوه، فقد كان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. وهذا حسن أيضا.


-عن ابن سيرين: إن تميما الداري قرأ القرآن في ركعة.

 حسن ، قاله أبو عبيد.
-عن سعيد بن جبير: أنه قال: قرأت القرآن في ركعة في البيت -يعني الكعبة.


-عن علقمة أنه قرأ القرآن في ليلة، طاف بالبيت أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالطول، ثم طاف بالبيت أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمئين، ثم طاف أسبوعا، ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمثاني، ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بقية القرآن.

وهذه كلها أسانيد صحيحة.
-ومن أغرب ما هاهنا: ما رواه أبو عبيد رحمه الله: عن بكر بن مضر، أن سليم بن عتر التجيبي كان يختم القرآن في ليلة ثلاث مرات، ويجامع ثلاث مرات، قال: فلما مات قالت امرأته: رحمك الله، إن كنت لترضي ربك وترضي أهلك، قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: كان يقوم من الليل فيختم القرآن، ثم يلم بأهله ثم يغتسل، ويعود فيقرأ حتى يختم ثم يلم بأهله، ثم يغتسل، ويعود فيقرأ حتى يختم، ثم يلم بأهله ثم يغتسل، ويخرج إلى صلاة الصبح.

وكان سليم بن عتر تابعيا جليلا ثقة نبيلا وكان قاضيا بمصر أيام معاوية وقاصها.

وقد روى ابن أبي داود عن مجاهد أنه كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء.


-وعن منصور قال: كان علي الأزدي يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان.


-وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن.


-وروي عن منصور بن زاذان: أنه كان يختم فيما بين الظهر والعصر، ويختم أخرى فيما بين المغرب والعشاء، وكانوا يؤخرونها قليلا.


-وعن الإمام الشافعي، رحمه الله: أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة.


-وعن أبي عبد الله البخاري -صاحب الصحيح- : أنه كان يختم في الليلة ويومها من رمضان ختمة.


-ومن غريب هذا وبديعه ما ذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي قال: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات.

وهذا نادر جدا.



*دفع التعارض فيما ورد من أحاديث عن النهي وأفعال صادرة من السلف:


فهذا وأمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مع هذه السرعة، والله أعلم.



*خلاصة المسألة:


قال الشيخ أبو زكريا النووي في كتابه التبيان بعد ذكر طرف مما تقدم: (والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة).



و. البكاء عند القراءة:


عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي)). قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري)). قال: فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال لي: ((كف أو أمسك))، فرأيت عيناه تذرفان ". رواه الأعمش

وهذا من المتفق عليه



ز.قراءة القرآن ما ائتلفت عليه القلوب:



*دليل ذلك:


عن جندب بن عبد الله، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه)).

تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد، عن أبي عمران، ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان.

وقال غندر: عن شعبة، عن أبي عمران قال: سمعت جندبا. قوله: وقال ابن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله. وجندب أصح وأكثر .

وقد رواه في موضع آخر، ومسلم كلاهما عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد، عن همام، عن أبي عمران به ومسلم -أيضا- عن يحيى بن يحيى، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة، عن أبي عمران به، ورواه مسلم -أيضا- عن أحمد بن سعيد، عن حبان بن هلال، عن أبان العطار، عن أبي عمران به مرفوعا.

وقد حكى البخاري: أن أبان وحماد بن سلمة لم يرفعاه، فالله أعلم.

ورواه النسائي والطبراني من حديث مسلم بن إبراهيم، عن هارون بن موسى الأعور النحوي، عن أبي عمران به.

ورواه النسائي -أيضا- من طرق عن سفيان، عن حجاج بن فرافصة، عن أبي عمران به مرفوعا وفي رواية عن هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، عن أبيه، عن سفيان عن حجاج، عن أبي عمران، عن جندب موقوفا، ورواه عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الله بن عون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله.

قال أبو بكر بن أبي داود: لم يخطئ ابن عون في حديث قط إلا في هذا، والصواب عن جندب. ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن مسلم بن إبراهيم وسعيد بن منصور قالا حدثنا الحارث بن عبيد، عن أبي عمران، عن جندب مرفوعا.

فهذا مما تيسر من ذكر طرق هذا الحديث على سبيل الاختصار، والصحيح منها ما أرشد إليه شيخ هذه الصناعة أبو عبد الله البخاري، رحمه الله، من أن الأكثر والأصح: أنه عن جندب بن عبد الله مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.



*معنى الحديث:


ومعنى الحديث أنه، عليه السلام، أرشد وحض أمته على تلاوة القرآن إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته، متفكرة فيه، متدبرة له، لا في حال شغلها وملالها، فإنه لا يحصل المقصود من التلاوة بذلك كما ثبت في الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وقال: ((أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل))، وفي اللفظ الآخر: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).

ثم قال البخاري: عن عبد الله -هو ابن مسعود- "أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كلاكما محسن فاقرآ)) أكبر علمي قال: ((فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم الله عز وجل)) ".

وأخرجه النسائي من رواية شعبة به وهذا في معنى الحديث الذي تقدمه، وأنه ينهى عن الاختلاف في القراءة والمنازعة في ذلك والمراء فيه كما تقدم النهي عن ذلك، والله أعلم.

وقريب من هذا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه:قال: قال عبد الله بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن فقلنا: خمس وثلاثون آية، ست وثلاثون آية قال: فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا عليا يناجيه فقلنا له: اختلفنا في القراءة، فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرؤوا كما قد علمتم.

و: ذكر فوائد متفرّقة متعلقة بعلوم القرآن:

1: ما يتعلق بالسور المكية والمدنية:


عن قتادة قال: "نزل في المدينة من القرآن البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وبراءة، والرعد، والنحل، والحج، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والرحمن، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة والمنافقون، والتغابن، والطلاق، ويا أيها النبي لم تحرم، إلى رأس العشر، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله. هؤلاء السور نزلت بالمدينة، وسائر السور نزل بمكة". ذكره الأنباري



2- عدد آيات القرآن:


فأما عدد آيات القرآن العظيم فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال:


1-فمنهم من لم يزد على ذلك

.
2- ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات.


3-وقيل: وأربع عشرة آية

.
4-وقيل: ومائتان وتسع عشرة

.
5- وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية.


6-وقيل: مئتان و ست وعشرون آية

.
7- وقيل: مائتان وست وثلاثون آية. حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان.



3: عدد كلمات القرآن:


وأما كلماته، فقال الفضل بن شاذان، عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.



4:عدد حروف القرآن:


وأما حروفه، فاختلفوا على ثلاثة أقوال:


1- فقال عبد الله بن كثير، عن مجاهد: هذا ما أحصينا من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفا.


2-وقال الفضل، عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا.


3-وقال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا. 



5:نصف القرآن وثلثه وسبعه:


قال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا.
قال: فأخبروني عن نصفه. فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف: {وليتلطف} [الكهف: 19]
وثلثه الأول عند رأس مائة آية من براءة
والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء
والثالث إلى آخره.
وسبعه الأول إلى الدال من قوله تعالى: {فمنهم من آمن به ومنهم من صد} [النساء: 55].
والسبع الثاني إلى الياء من قوله تعالى في سورة الأعراف: {أولئك حبطت} [الأعراف: 147]
والثالث إلى الألف الثانية من قوله تعالى في الرعد: {أكلها} [الرعد: 35]
والرابع إلى الألف في الحج من قوله: {جعلنا منسكا} [الحج: 67]
والخامس إلى الهاء من قوله في الأحزاب: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} [الأحزاب: 36]
والسادس إلى الواو من قوله تعالى في الفتح: {الظانين بالله ظن السوء} [الفتح: 6]
والسابع إلى آخر القرآن.
قال سلام أبو محمد: عملنا ذلك في أربعة أشهر.



6: ما يتعلق بتحزيب القرآن وتجزئته:


وأما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها، وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقرآن، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلث وخمس وسبع وتسع وأحد عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل حتى تختم.


قالوا: وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، فالأول إلى آخر الأنعام، والثاني إلى {وليتلطف} من سورة الكهف، والثالث إلى آخر الزمر، والرابع إلى آخر القرآن. وقد حكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه البيان خلافا في هذا كله، والله أعلم.



7-أحكام متعلقة بلفظ ومعاني السورة والآية والكلمة:



السورة:


* معنى السورة:


واختلف في معنى السورة: مم هي مشتقة؟
فقيل: من الإبانة والارتفاع. قال النابغة:

ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب 

فكأن القارئ يتنقل بها من منزلة إلى منزلة. 


وقيل: لشرفها وارتفاعها كسور البلدان.


وقيل: سميت سورة لكونها قطعة من القرآن وجزءا منه، مأخوذ من أسآر الإناء وهو البقية

.
-أصل الواو مهموزة في السورة:

وذلك لمن قال بأن السورة مأخوذة من أسآر وعلى هذا فيكون أصلها مهموزا، وإنما خففت الهمزة فأبدلت الهمزة واوا لانضمام ما قبلها.


وقيل: لتمامها وكمالها لأن العرب يسمون الناقة التامة سورة.


قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون من الجمع والإحاطة لآياتها كما يسمى سور البلد لإحاطته بمنازله ودوره.



*جمع السورة:


وجمع السورة سور بفتح الواو، وقد تجمع على سورات وسورات.



الآية:


*معنى الآية:


وأما الآية فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالها، أي: هي بائنة عن أختها ومنفردة. قال الله تعالى: {إن آية ملكه} [البقرة: 248]، وقال النابغة:

توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع


وقيل: لأنها جماعة حروف من القرآن وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم. قال الشاعر: 

خرجنا من النقبين لا حي مثلنا بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا


وقيل: سميت آية لأنها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها.



*أصل الآية :


قال سيبويه: وأصلها أيية مثل أكمة وشجرة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصارت آية، بهمزة بعدها مدة.


وقال الكسائي: أصلها آيية على وزن آمنة، فقلبت ألفا، ثم حذفت لالتباسها.


وقال الفراء: أصلها أيّة -بتشديد الياء- الأولى فقلبت ألفا، كراهة التشديد فصارت آية.



*جمع الآية:


وجمعها: آي وآياي وآيات.



الكلمة:


*معنى الكلمة:


وأما الكلمة فهي اللفظة الواحدة.



-أقلها:

على حرفين مثل: ما ولا وله ونحو ذلك.



-أكثر ما تكون:

عشرة أحرف مثل: {ليستخلفنهم} [النور: 55]، و {أنلزمكموها} [هود: 28]، {فأسقيناكموه} [الحجر: 22]



-قد تكون الكلمة الواحدة آية، مثل: والفجر، والضحى، والعصر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم -في قول الكوفيين- وحم، عسق عندهم كلمتان.

- وغيرهم لا يسمي هذه آيات بل يقول: هي فواتح السور. وقال أبو عمرو الداني: لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى: {مدهامتان} بسورة الرحمن.





* الإجماع على عدم وجود تراكيب أعجمية في القرآن والإجماع على وجود أعلام أعجمية:


قال القرطبي: أجمعوا على أنه ليس في القرآن شيء من التراكيب الأعجمية وأجمعوا أن فيه أعلاما من الأعجمية كإبراهيم ونوح، ولوط، واختلفوا: هل فيه شيء من غير ذلك بالأعجمية؟ فأنكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا ما وقع فيه مما يوافق الأعجمية، فهو من باب ما توافقت فيه اللغات.

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.
* بالنسبة للمقصد الثالث :
الجمع النبوي يشمل معارضة القرآن والقراء من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة بكتابة القرآن في حياته ؛ وإذا قلنا القراء فإننا نقصد كل من حفظ القرآن سواء جمعه في حياته صلى الله عليه وسلم أو حفظ بعضه ، أما إذا قلنا من جمع القرآن حفظًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي التحري جيدًا فليس كل من ذكرتِ قد جمعوا القرآن في العهد النبوي ، مثلا : علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وسالم مولى أبي حذيفة جمعاه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

- من المهم التركيز على عدم تكرار المسائل ، فالمؤلف قد يكرر ذكرها في أبواب عدة ومهمة الملخص أن يعيد ترتيب المسائل وفق مقاصد المؤلف ويحذف الاستطرادات
- لو أنكِ حاولتِ التلخيص بأسلوبكِ ، لتمكنتِ من اختصار حجم مادة التلخيص ربما للنصف.
- في تلخيص المقاصد يمكننا الاكتفاء بذكر الأدلة ولا يلزمنا ذكر كل الأدلة التي ذكرها المؤلف خاصة الضعيف منها.
- إذا ذكرتِ حكمًا على حديث بالصحة أو الضعف فينبغي ذكر من قال بهذا الحكم.
تقييم التلخيص :

الشمول : 20 / 20
الترتيب : 15 / 20
التحرير العلمي : 18 / 20
الصياغة : 14 / 15
العرض : 15 / 15
المقصد الكلي : 10 / 10
______________

المجموع الكلي = 92 %
بارك الله فيك ونفع بك الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir