المقاصد الفرعية للكتاب :
1: بيان فضل القرآن، وفضل تعلّمه وتلاوته وتعليمه، وفضل أصحاب القرآن.
2: فضل تلاوة القرآن على غيره من الأذكار، وتقديم قارئ القرآن في الشؤون الدينية والدنيوية.
3: بيان إكرام الله لحملة القرآن ،والتحذير من آذاهم.
4:بيان في آداب معلم القرآن ومتعلمه
5:آداب حامل القرآن في أخلاقه وعبادته وتعامله مع القرآن وتعامله مع الناس
6: بيان آداب تلاوة القرآن.
7:الآداب والأحكام المتعلقة بالناس عامة مع القرآن.
8:بيان الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة.
9:أحكام متفرقة في إكرام واحترام المصحف وحكم بعض الصور التي تُخالف إكرام المصاحف.
خصص المؤلف -رحمه الله - في نهاية الكتاب بابا في ضبط الأسماء واللغات المذكورة في الكتاب على ترتيب وقوعها.
التلخيص :
"]المقصد الأول :بيان فضل القرآن، وفضل تعلّمه وتلاوته وتعليمه، وفضل أصحاب القرآن. [/
المقاصد الفرعية:
بيان فضل القرآن
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعي القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر)) رواه الدارمي.
بيان فضل تعلّم القرآن وتعليمه
- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري.
- قال الحميدي الجمالي: سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال: "يقرأ القرآن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))".
بيان فضل تلاوة القرآن
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {ألم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يقول سبحانه وتعالى: [من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين] وفضل كلام الله سبحانه وتعالى عن سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
بيان فضل صاحب القرآن
- قال الله عز وجل: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب)) رواه البخاري ومسلم.
- وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا)) رواه أبو داود.
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله تعالى لا يعذّب قلباً وعى القرآن)) رواه الدارمي.
فضل الماهر بالقرآن، وبيان ثواب الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) رواه البخاري وأبو الحسين مسلم بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحهما.
رفعة أهل القرآن في الدنيا والآخرة
- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع به آخرين)) رواه مسلم.
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
شفاعة القرآن لأصحابه يوم القيامة
- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)) رواه مسلم.
غبطة صاحب القرآن
- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في إثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) رواه البخاري ومسلم.
ذمّ من ليس في جوفه شيء من القرآن
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح .
"]المقصد الثاني : فضل تلاوة القرآن على غيره من الأذكار، وتقديم قارئ القرآن في الشؤون الدينية والدنيوية.
[/
المقاصد الفرعية:
-تقديم القارئ على غيره في أمور الدين مثل:الإمامة
الدليل:عن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى)) رواه مسلم.
-تقديم القارئ على غيره في أمور الدنيا مثل :المشورة
الدليل:عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا وشبابا) رواه البخاري في صحيحه
-أفضلية القرآن على ما سواه من الذكر مطلقا:
قال الامام النووي -رحمه الله-:واعلم أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه من يعتمد من العلماء: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، والله أعلم.
"]المقصد الثالث : بيان إكرام الله لحملة القرآن ،والتحذير من آذاهم.
[/]
المقاصد الفرعية:
أسباب تعظيم أهل القرآن:
1-من تعظيم شعائر الله ،قال الله عز وجل: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}.
2-من تعظيم حرمات الله. وقال الله تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}.
3-فيه إجلال لله تعالى ،عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه أبو داود وهو حديث حسن.
4- أن العلماء داخلون في معنى الحديث : " من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب "
-عقاب آذية أهل القرآن
1-الإثم والمعصية:قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}.
2- حرب من الله ،عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قال: [من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب])) رواه البخاري.
3- أن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}كما ذكره ابن عساكر
-كيفية إكرام أهل القرآن
1-خفض الجناح،قال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}.
2-عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم) رواه أبو داود في سننه، والبزار في مسنده.
3- يقدم أهل القرآن عند الدفن ،عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذا للقرآن؟))، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، رواه البخاري.
مكانة أهل القرآن
1- أنهم من أولياء الله ،عن الإمامين الجليلين أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما، قالا: "إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي".
المقصد الرابع : بيان الآداب التي يجب أن يتحلى بها معلم القرآن ومتعلمه.
المقاصد الفرعية:
-آداب عامة لمعلم القرآن ومتعلمه
- التحلي بالإخلاص
* الإخلاص شرط كل عبادة ومنها تعلم القرآن وتعليمه
أول ما ينبغي للمقرئ والقارئ أن يقصدا بذلك رضا الله تعالى، قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} أي: الملة المستقيمة.
- وفي الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))، وهذا الحديث من أصول الإسلام.
* الإخلاص سبب في العطاء الرباني ومنه العطاء في القرآن
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "إنما يعطى الرجل على قدر نيته"،وعن غيره:"إنما يعطى الناس على قدر نياتهم".
* عقوبة انتفاء الإخلاص عن المعلم والمتعلم
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
- وعن أنس وحذيفة وكعب بن مالك رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار)) رواه الترمذي من رواية كعب بن مالك، وقال: ((أدخله النار)).
* مظاهر الإخلاص في الإقراء
- أن لا يبتغي بإقراءه عرضا من الدنيا.
- أن لا يطمع في رفقة من يقرأ عليه.
قال تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}، وقال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} الآية.
- أن لا يقصد بإقراءه تكثير المشتغلين به.
- أن لا يكره قراءة أصحابه على غيره.
قال النووي في التبيان: (وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم...).
- آداب المعلم والمتعلم في نفسه
* أن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته، وأن يكون تعويله في جميع أموره على الله تعالى.
* الزهادة في الدنيا والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها.
* ملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع.
* أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره.
- فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)).
* الحذر من الحسد والرياء والعجب، واحتقار غيره وإن كان دونه.
قال النووي في التبيان: (وطريقه في نفي العجب: أن يذكر نفسه أنه لم يحصل ما حصله بحوله وقوته وإنما هو فضل من الله، ولا ينبغي أن يعجب بشيء لم يخترعه بل أودعه الله تعالى فيه،
وطريقه في نفي الحسد: أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا، فينبغي أن لا يعترض عليها ولا يكره حكمة أرادها الله تعالى ولم يكرهها).
* السخاء والجود ومكارم الأخلاق.
* طلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة.
آداب خاصة بمعلم القرآن
- آداب المعلم مع العلم عامة ومع القرآن خاصة.
* أن لا يذل العلم.
قال الإمام النووي في التبيان: (أن لا يذل العلم فيذهب إلى مكان ينسب إلى من يتعلم منه ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه عنه السلف رضي الله عنهم، وحكاياتهم في هذا كثيرة مشهورة).أ.ه
- آداب المعلم مع طلابه
*الرفق والترحيب بهم.
فعن أبي هرون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فيقول: "مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا))" رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.
* بذل النصيحة لهم
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة؛ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))رواه مسلم.
ومن النصيحة لله تعالى ولكتابه: إكرام قارئه وطالبه وإرشاده إلى مصلحته.
* الشفقة عليهم، والاعتناء بهم.
قال الإمام النووي في التبيان: (وينبغي أن يشفق على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده ومصالح نفسه...).
* أن يحب لهم ما يحب لنفسه.
فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي، لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت"وفي رواية:"إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني".
* التواضع واللين لهم.
فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه)).
وعن أبي أيوب السختياني رحمه الله، قال: "ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله عز وجل".
* تأديبه لهم.
قال الإمام النووي في التبيان: (وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق الخفية، ويعوده الصيانة في جميع أموره الباطنة والجلية...).
* حرصه على تعليمهم.
* أن لا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية.
قال سفيان وغيره: "طلبهم للعلم نية"، وقالوا: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" معناه: كانت غايته أن صار لله تعالى.
* تقديمه الأول فالأول.
قال الإمام النووي في التبيان: (ويقدم في تعليمهم إذا ازدحموا الأول فالأول، فإن رضي الأول بتقديم غيره قدمه).
* يتفقد أحوالهم ويسأل عمن غاب منهم.
- آداب المعلم في الحلقة
* يصلى ركعتين قبل الجلوس سواء كان الموضع مسجدا أو غيره.
* يقعد على طهارة مستقبل القبلة ويجلس بوقار.
* يجلس متربعا إن شاء أو غير متربع.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كان يقرئ الناس في المسجد جاثيا على ركبتيه.
* يصون يديه في حال الإقراء عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة.
* أن يكون مجلسه واسعا ليتمكن جلساؤه فيه.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خير المجالس أوسعها)) رواه أبو داود في سننه.
آداب خاصة بمتعلم القرآن
آداب الطالب مع العلم عامة ومع القرآن خاصة
* أن يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا سببا لا بد منه للحاجة.
* يتواضع للعلم، فبتواضعه يدركه، وقد قالوا:
العلم حرب للفتى المتعالي ....... كالسيل حرب للمكان العالي
* أن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها.
* أن يجتهد في التحصيل في وقت الفراغ والنشاط وقبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة.
فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تفقهوا قبل أن تسودوا".
* أن لا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير.
* أن لا يحمل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل.
* وينبغي أن يحافظ على قراءة محفوظه.
* أن لا يؤثر بنوبته غيره فإن الإيثار مكروه في القرب.
* أن لا يأخذ العلم إلا ممن ظهرت أهليته وديانته.
فعن محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: "هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم".
آداب الطالب مع شيخه
* أن يتواضع لمعلمه.
* أن يتأدب معه وإن كان أصغر منه سنا.
وقال الربيع صاحب الشافعي رحمهما الله: "ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له".
* أن ينقاد لمعلمه ويشاوره في أموره ويقبل قوله.
* أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلبه، وأن يغتنم أوقات نشاطه.
* أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته.
* وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار إليه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "ذللت طالبا فعززت مطلوبا".
وقد أحسن من قال:
من لم يذق طعم المذلة ساعة ....... قطع الزمان بأسره مذلولا
* أن يرد غيبة شيخه إن قدر، فإن تعذر عليه ردها فارق ذلك المجلس.
* أن لا يفتش عن عيوب شيخه.
فقد كان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء، وقال: "اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تذهب بركة علمه مني".
آداب الطالب مع زملائه
* أن يتأدب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ، فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه.
* ألا يحسد أحدا من رفقته أو غيرهم على فضيلة رزقه الله إياها.
آداب الطالب في الحلقة
* أن يبكر إلى الحلقة أول النهار.
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).
* أن يكون فارغ القلب من الأمور الشاغلة.
* أن لا يدخل بغير استئذان إذا كان الشيخ في مكان يحتاج فيه إلى استئذان.
* أن يسلم على الحاضرين إذا دخل ويخص شيخه دونهم بالتحية.
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "من حق المعلم عليك: أن تسلم على الناس عامة وتخصه دونهم بتحية.."
* أن لا يتخطى رقاب الناس بل يجلس حيث ينتهي به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم.
* أن لا يقيم أحدا من موضعه، فإن آثره غيره لم يقبل اقتداء بابن عمر رضي الله عنهما، إلا أن يكون في تقديمه مصلحة للحاضرين أو أمره الشيخ بذلك.
* أن لا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة، ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما، وإن فسحا له قعد وضم نفسه.
* أن لا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة.
* أن لا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة.
* أن لا يعبث بيده ولا بغيرها، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة.
* أن يقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين.
المقصد الخامس :آداب حامل القرآن في أخلاقه وعبادته وتعامله مع القرآن وتعامله مع الناس
المقاصد الفرعية:
الصفات والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها صاحب القرآن
1- أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالا للقرآن.
2- وأن يكون مصونا عن دني الاكتساب شريف النفس مرتفعا على الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا
3- متواضعا للصالحين وأهل الخير والمساكين، وأن يكون متخشعا ذا سكينة ووقار، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: "يا معشر القراء! ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، فاستبقوا الخيرات لا تكونوا عيالا على الناس".
4- أن يظهر أثر القرآن على حامله في جميع أحواله من نوم وصوم وفرح وحزن ،عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصحته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".
5-تدبر القرآن، عن الحسن بن علي رضي الله عنه، قال: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار".
6-أن يكون مترفع عن الأمور الدنيوية من لهو وسهر ولغو، عن الفضيل بن عياض، قال: "ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم"، وعنه أيضا، قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن".
النهي والحذر من أخذ الأجرة والتكسب بالقرآن
- أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها، فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبيل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه)).
-وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه)) رواه بمعناه من رواية سهل بن سعد، معناه: يتعجلون أجره إما بمال وإما سمعة ونحوها.
-وعن فضيل بن عمرو رضي الله عنه، قال: دخل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا، فلما سلم الإمام، قام رجل فتلا آيات من القرآن ثم سأل، فقال أحدهما: إنا لله وإنا إليه راجعون، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيجيء قوم يسألون بالقرآن، فمن سأل بالقرآن فلا تعطوه))، وهذا الإسناد منقطع، فإن الفضل بن عمرو لم يسمع الصحابة.
وفيه مسألة:
حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه:
ق1: فحكى الإمام أبو سليمان الخطابي منع أخذ الأجرة عليه من جماعة من العلماء منهم الزهري وأبو حنيفة.
الدليل :واحتج من منعها بحديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن، فأهدى له قوسا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها))، وهو حديث مشهور رواه أبو داود وغيره، وبآثار كثيرة عن السلف.
ق2: وعن جماعة أنه يجوز إن لم يشترطه، وهو قول الحسن البصري والشعبي وابن سيرين.
الدليل:أجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين:
أحدهما: أن في إسناده مقالا.
والثاني: أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم، والله أعلم.
ق3: وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون إلى جوازها إن شارطه واستأجره إجارة صحيحة، وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة.
المحافظة على القراءة بالليل
-ينبغي أن يكون اعتناؤه بقراءة الليل أكثر، قال الله تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}.
- وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)).
- وفي الحديث الآخر من الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عبد الله! لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه)).
- وروى الطبراني وغيره، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((شرف المؤمن قيام الليل))، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة.
- وقد جاء عن أبي الأحوص الحبشي، قال: "إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقا -أي: يأتيه ليلا- فيسمع لأهله دويا كدوي النحل"، قال: "فما بال هؤلاء يأمنون ما كان أولئك يخافون".
- وعن إبراهيم النخعي، كان يقول: "اقرؤوا من الليل ولو حلب شاة".
- وعن يزيد الرقاشي، قال: "إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم نمت فلا نامت عيناي".
-سبب ترجيح صلاة الليل وقراءته:
وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات روى والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل، فإن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلا، وحديث: ((ينزل ربكم كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، فيقول: [هل من داع فأستجيب له])) الحديث.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في الليل ساعة يستجيب الله فيها الدعاء كل ليلة)).
وروى صاحب بهجة الأسرار بإسناده، عن سليمان الأنماطي، قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام يقول شعرا:
لولا الذين لهم ورد يقومونا ........ ولم وآخرون لهم سرد يصومونا
لدككت أهل أرضكم من تحتكم سحرا ....... حديث لأنكم قوم سوء ما تطيعونا
-بما تحصل فضيلة القيام بالليل والقراءة فيه:
واعلم أن فضيلة القيام بالليل والقراءة فيه تحصل بالقليل والكثير، وكلما كثر كان أفضل،ومما يدل على حصوله بالقليل: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقسطين)) رواه أبو داود وغيره.
وحكى الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "من صلى بالليل ركعتين فقد بات لله ساجدا وقائما".
-حكم استيعاب الليل كله :
استيعاب الليل كله فإنه يكره الدوام عليه، وإلا أن يضر بنفسه.
تعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان
- ثبت عن أبي موسى الأشرعي يا رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها)) رواه البخاري ومسلم.
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)) رواه مسلم والبخاري.
-عقوبة من نسي القرآن ولو آية:
- أعظم الذنوب :عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود والترمذي وتكلم فيه.
- الإصابة بالجذام يوم القيامة :عن سعد بن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم)) رواه أبو داود والدارمي.
من نام عن ورده من القرآن
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنه قرأه من الليل)) رواه مسلم.
- وعن سليمان بن يسار، قال: قال أبو أسيد رضي الله عنه: "نمت البارحة عن وردي حتى أصبحت فلما أصبحت استرجعت وكان وردي سورة البقرة فرأيت في المنام كأن بقرة تنطحني" رواه ابن أبي داود.
- وعن ابن أبي الدنيا، عن بعض حفاظ القرآن، أنه نام ليلة عن حزبه فأري في منامه كأن قائلا يقول له:
عجبت من جسم ومن صحة ....... لو ومن فتى نام إلى الفجر
والموت لا يؤمن خطفاته ....... يكون في ظلم الليل إذا يسري
المقصد السادس: بيان آداب تلاوة القرآن
المقاصد الفرعية:
آداب تلاوة القرآن المتعلقة بالقارئ
1: السواك ،وفيه عدة مسائل :
- ماهو السواك: والاختيار في السواك: أن يكون بعود من أراك.
-ما يقوم مقام السواك: ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة والأشنان وغير ذلك.
-حكم التسوك بالإصبع:وفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى:
أشهرها: أنه لا يحصل.
والثاني: يحصل.
الثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، ولا يحصل إن وجد.
-طريقة التسوك :ويستاك عرضا مبتدئا بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإتيان بالسنة.قال الماوردي من أصحاب الشافعي: ويستحب أن يستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا رفيقا.
-الذكر المشروع عند التسوك: قال بعض العلماء: يقول عند الاستياك: اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين.
-نوع السواك من حيث الرطوبة واليبوسة: ينبغي أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد الرطوبة، قال: فإن اشتد يبسه لينه بالماء.
-حكم استعمال سواك غيره:ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه.
-حكم قراءة القرآن إن كان فمه نجسا بدم أوغيره:وأما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ قال الروياني من أصحاب الشافعي عن والده: يحتمل وجهين، والأصح لا يحرم.
2:الطهارة،وفيه مسائل:
-حكم قراءة القرآن على طهارة:يستحب أن يقرأ وهو على طهارة
-حكم قراءة القرآن وهو محدث:فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين، والأحاديث فيه كثيرة معروفة، قال إمام الحرمين: ولا يقال: ارتكب مكروها، بل هو تارك للأفضل.
-حكم من لم يجد الماء للتطهر: فإن لم يجد الماء تيمم، والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث.
-حكم قراءة الجنب والحائض للقرآن :وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به، ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب.
-حكم ترديد الأذكار للجنب والحائض: أجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار، للجنب والحائض.
-حكم قول آي القرآن من غير قصد للقراءة للحائض والجنب: إن قالا لإنسان: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" وقصد به غير القرآن فهو جائز، وكذا ما أشبهه، ويجوز لهما أن يقولا عند المصيبة: "إنا لله وإنا إليه راجعون" إذا لم يقصدا القراءة.
ويجوز أن يقولا عند ركوب الدابة: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين"، وعند الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" إذا لم يقصدا القراءة.
قال إمام الحرمين: فإذا قال الجنب: بسم الله والحمد لله، فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد شيئا لم يأثم، ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته، كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة".
-حكم إذالم يجد الجنب أو الحائض ماء : تيمم، ويباح له القراءة والصلاة وغيرهما، فإن أحدث حرمت عليه الصلاة ولم تحرم القراءة والجلوس في المسجد وغيرهما مما لا يحرم على المحدث، كما لو اغتسل ثم أحدث.
-حكم إذا لم يجد الجنب ماء ولا ترابا : فإنه لا يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، ويحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على فاتحة الكتاب.
-هل يحرم عليه قراءة الفاتحة؟ فيه وجهان:
الصحيح المختار: أنه لا يحرم، بل يجب، فإن الصلاة لا تصح إلا بها، وكلما جازت الصلاة لضرورة مع الجنابة يجوز القراءة.
والثاني: لا يجوز، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي لا يحفظ شيئا من القرآن، لأن هذا عاجز شرعا فصار كالعاجز حسا، والصواب الأول.
3:الخشوع والسكينة والوقار، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل.
-حكم القراءة قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال : جاز وله أجر ولكن دون الأول،
قال الله عز وجل: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}.
وثبت في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: "يقرأ القرآن ورأسه في حجري".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: "إني أقرأ القرآن في صلاتي، وأقرأ على فراشي".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "إني لا أقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير".
آداب تلاوة القرآن المتعلقة بالمكان
1:نظافة المكان،وفيه عدة مسائل:
-يستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار.
-سبب فضيلة قراءة القرآن في المسجد: استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة، ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف.
-نية الأعتكاف عند دخول المسجد: ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل، بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف، وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه.
-حكم القراءة في الحمام:
فقد اختلف السلف في كراهيتها،ق1: لا يكره، ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف، عن إبراهيم النخعي ومالك، وهو قول عطاء،
ق2:وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه عنه ابن أبي داود.
الدليل: قال الشعبي:"تكره القراءة في ثلاثة مواضع: في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور"، وعن أبي ميسرة، قال: "لا يذكر الله إلا في مكان طيب"، والله أعلم.
-حكم القراءة في الطريق:فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من الخلط،
الدليل :وروى أبو داود، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقرأ في الطريق، وروى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أذن فيها.
2:استقبال القبلة:
-يستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقل القبلة.
الدليل :فقد جاء في الحديث: ((خير المجالس ما استقبل به القبلة)).
آداب تلاوة القرآن المتعلقة حال القراءة
1:الاستعاذة:وفيه مسائل:
-مكان الاستعاذة:
فإن أراد الشروع في القراءة استعاذ، فقال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" هكذا قال الجمهور من العلماء.
وقال بعض العلماء: يتعوذ بعد القراءة، لقوله تعالى: {فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، وتقدير الآية عند الجمهور: إذا أردت القراءة فاستعذ،
-صيغة التعوذ :
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" هكذا قال الجمهور من العلماء،وكان جماعة من السلف يقولون: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ولا بأس بهذا، ولكن الاختيار هو الأول.
حكم التعوذ :
مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها، ويستحب في الصلاة في كل ركعة على الصحيح من الوجهين عند أصحابنا، وعلى الوجه الثاني إنما يستحب في الركعة الأولى، فإن تركه في الأولى أتى به في الثانية، ويستحب التعوذ في التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة على أصح الوجهين.
-حكم قراءة البسملة:
يجب أن يحافظ على قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول كل سورة سوى براءة ،فإن أكثر العلماء قالوا إنها آية حيث تكتب في المصحف.
وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإذا قرأها كان متيقنا قراءة الختمة أو السورة، فإذا أخل بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن عند الأكثرين.
2:التدبر والخشوع عند القراءة.
-إذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: {أفلا يتدبرون القرآن}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، والأحاديث فيه كثيرة وأقاويل السلف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعات حال القراءة.
استحباب ترديد الآية للتدبر:
الأدلة:
-عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح"، والآية: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الآية، رواه النسائي وابن ماجه.
-وعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه، أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}.
-عن عبادة بن حمزة، قال: دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو، فطال علي ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو، ورويت هذه القصة عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
3:البكاء
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف،
- فمن ذلك، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)).
- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته. وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فتدل على تكريره منه، وفي رواية: أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
- وعن أبي رجاء، قال: "رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع".
- وعن أبي صالح، قال: قدم ناس من أهل اليمن على ابي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "هكذا كنا".
- وعن هشام، قال: "ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة".
والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها.
- حكم البكاء مع القراءة وعندها :
قال الإمام أبو حامد الغزالي: البكاء مستحب مع القراءة وعندها،
-طريقه في تحصيله:
أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب.
4:الترتيل، وفيه مسائل:
-حكم الترتيل:
وقد اتفق العلماء -رضي الله عنهم- على استحباب الترتيل، قال الله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}.
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا، رواه أبو داود والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن معاوية بن قرة رضي الله عنه، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع في قراءته) رواه البخاري ومسلم.
وعن مجاهد، أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء، فقال: (الذي قرأ البقرة وحدها أفضل).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله".
-حكم الإسراع في القراءة وما يسمى:
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع، ويسمى الهذرمة، فثبت عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود: (هكذا هكذا الشعر، إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع القلب فرسخ فيه نفع) رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته.
-حكم الترتيل للأعجمي مع ذكر السبب:
يستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه، لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب.
-السؤال عند آية رحمة أو عذاب:
1:حكمه :
يستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمة ربنا.
2:الدليل:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ ترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ) رواه مسلم في صحيحه، وكانت سورة النساء في ذلك الوقت مقدمة على آل عمران.
احترام القرآن
-اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قد قول الله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.
-عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه، ذكره في كتاب التفسير في قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}.
- العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.
-النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن.
بعض مسائل قراءة القرآن
1:حكم قراءة القرآن بالعجمية:
ق1:لا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها، سواء كان في الصلاة أم في غيرها، فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا.
ق2: مذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر.
ق3: قال أبو حنيفة: يجوز ذلك وتصح به الصلاة.
ق4: قال أبو يوسف ومحمد: يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية، ولا يجوز لمن يحسنها.
2:حكم قراءة بالقراءات السبع
وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها.
حكم القراءة بالروايات الشاذة:
ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة.
3:أفضلية قراءة القرآن من المصحف:
إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولا حسنا>
4:استحباب قراءة الجماعة مجتمعين
قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة، وأفعال السلف والخلف المتظاهرة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أنه قال: ((ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
-السلام أثناء قراءة القرآن:
- إذا كان يقرأ ماشيا فمر على قوم يستحب أن يقطع القراءة ويسلم عليهم ثم يرجع إلى القراءة، ولو أعاد التعوذ كان حسنا، ولو كان يقرأ جالسا فمر عليه غيره؛ فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام على القارئ لاشتغاله بالتلاوة، قال: فإن سلم عليه إنسان كفاه الرد بالإشارة، قال: فإن أراد الرد باللفظ رده ثم استأنف الاستعاذة وعاود التلاوة، وهذا الذي قاله ضعيف، والظاهر وجوب الرد باللفظ، فقد قال أصحابنا: إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة وقلنا الإنصات سنة وجب له رد السلام على أصح الوجهين، فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات وتحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع أولى، مع أن رد السلام واجب بالجملة، والله أعلم.
-العطس أثناء القراءة:
- وأما إذا عطس في حال القراءة فإنه يستحب أن يقول: الحمد لله، وكذا لو كان في الصلاة، ولو عطس غيره وهو يقرأ في غير الصلاة وقال: الحمد لله يستحب للقارئ أن يشمته فيقول: يرحمك الله،
-ترديد الآذان أثناء القراءة:
ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته، وهذا متفق عليه عند أصحابنا.
-إجابة السؤال أثناء القراءة:
- وأما إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة وأمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة وعلم أنه لا ينكسر قلبه ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذي بينها بينهما ونحوه فالأولى أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة، فإن قطعها جاز، والله أعلم.
في الأوقات المختارة للقراءة
الأوقات المختارة للقراءة في الصلاة وخارجها:
-أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وغيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود.
-أما القراءة في غير الصلاة؛ فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.
الأوقات المختارة للقراءة في اليوم والليلة:
-القراءة في النهار؛ فأفضلها بعد صلاة الصبح، ولا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه، وأما ما رواه ابن أبي داود، عن معاذ بن رفاعة، عن مشايخه، أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا: هي دراسة اليهود، فغير مقبول ولا أصل له.
الأوقات المختارة للقراءة في الأيام والأعشار والشهور :
ويختار من الأيام: الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة، ومن الأعشار: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة، ومن الشهور: رمضان.
بعض الآداب المتعلقة بالقراءة:
-إذا أرتج على القارئ ولم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب بما جاء عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وبشير بن أبي مسعود رضي الله عنهم، قالوا: (إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول: كيف كذا وكذا، فإنه يلبس عليه).
-إذا أراد أن يستدل بآية فله أن يقول: قال الله تعالى كذا، وله أن يقول: الله تعالى يقول كذا، ولا كراهة في شيء من هذا، هذا هو الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف.
وروى ابن أبي داود، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور، قال: "لا تقولوا: إن الله تعالى يقول، ولكن قولوا: إن الله تعالى قال"، وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما جاء به القرآن والسنة وفعلته الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم، فقد قال الله تعالى: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.
وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله سبحانه وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)).
الإدارة بالقرآن
وفيه مسائل:
-معناه:
وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك ثم يسكت، ويقرأ الأخر من حيث انتهى الأول، ثم يقرأ الآخر
حكمه :
جائز حسن، وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه، فقال: لا بأس به.
رفع الصوت بالقراءة وخفضه
1:الجمع بين أدلة استحباب رفع الصوت واستحباب خفض الصوت
وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا: أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والمتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه، قالوا: فمهما حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر،
وأما الآثار المنقولة فكثيرة، وأنا أشير إلى أطراف من بعضها.
2:الأدلة:
- ثبت في الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)) رواه البخاري ومسلم، ومعنى ((أذن)): استمع، وهو إشارة إلى الرضا والقبول.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة))، ورواه مسلم من رواية بريد بن الحصيب.
: استحباب تحسين الصوت بالقراءة
1:حكمه:
أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين، على استحباب تحسين الصوت بالقرآن
2:الأدلة:
حديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم))، وحديث: ((لقد أوتي هذا مزمارا))، وحديث: ((ما أذن الله))، وحديث: ((لله أشد أذنا)).
أحوال تكره فيها القراءة
- فتكره القراءة في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام،
- وتكره القراءة بما زاد على الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام،
- وتكره حالة القعود على الخلاء،
- وفي حالة النعاس،
- وكذا إذا استعجم عليه القرآن،
- وكذا في حالة الخطبة لمن يسمعها، ولا تكره لمن لم يسمعها بل تستحب، هذا هو المختار الصحيح،
مسائل غريبة تدعو الحاجة إليها
- منها: أنه إذا كان يقرأ فعرض له ريح فينبغي أن يمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجها ثم يعود إلى القراءة ، كذا رواه ابن أبي داود وغيره عن عطاء، وهو أدب حسن.
- ومنها: أنه إذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ، قال مجاهد، وهو حسن، ويدل عليه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل)) رواه مسلم.
- ومنها: أنه إذا قرأ قول الله عز وجل: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله}، {وقالت اليهود يد الله مغلولة}، {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} ونحو ذلك من الآيات، ينبغي أن يخفض بها صوته، كذا كان إبراهيم النخعي رضي الله عنه يفعل،
آداب الختم وما يتعلق به
فيه مسائل:
1: وقته؛
الختم للقارئ وحده يستحب أن يكون في الصلاة، وأنه قيل: يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر وركعتي سنة المغرب، وفي ركعتي الفجر أفضل، وأنه يستحب أن يختم ختمة في أول النهار في دور، ويختم ختمة أخرى في آخر النهار في دور آخر، وأما من يختم في غير الصلاة والجماعة الذين يختمون مجتمعين فيستحب أن تكون ختمتهم يقول أول النهار أو في أول الليل كما تقدم، وأول النهار أفضل عند بعض العلماء.
2:حكم صيام يوم الختم
يستحب صيام يوم الختم إلا أن يصادف يوما نهى الشرع عن صيامه، وقد روى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن طلحة بن مطرف وحبيب بن أبي ثابت والمسيب بن رافع التابعيين الكوفيين رضي الله عنهم أجمعين، كانوا يصبحون في اليوم الذي يختمون فيه القرآن صياما.
3: حضور مجلس الختم
يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس، فيشهد ذلك.
وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين، عن قتادة التابعي الجليل صاحب أنس رضي الله عنه، قال: "كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا".
4:الدعاء عند ختم القرآن
حكمه :الدعاء مستحب عقيب الختم استحبابا متأكدا، عن حميد الأعرج، قال: "من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك".
آدابه :
ينبغي أن يلح في الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة، وأن يكثر في ذلك في صلاح المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم، وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري بإسناده، أن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن كان أكثر دعائه للمسلمين والمؤمنين والمؤمنات، وقد قال نحو ذلك غيره،
بعض الأدعية المستحبة أن تقال عند الختم :
يختار الداعي الدعوات الجامعة، كقوله: اللهم أصلح قلوبنا وأزل عيوبنا وتولنا بالحسنى وزينا بالتقوى واجمع لنا خير الآخرة والأولى وارزقنا طاعتك ما أبقيتنا ، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأعذنا من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى، اللهم إنا نستودعك أدياننا وأبداننا وخواتيم أعمالنا وأنفسنا وأهلينا وأحبابنا وسائر المسلمين وجميع ما أنعمت علينا وعليهم من أمور الآخرة والدنيا ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة واجمع بيننا وبين أحبابنا في دار كرامتك بفضلك ورحمتك ، اللهم أصلح ولاة المسلمين ووفقهم للعدل في رعاياهم والإحسان إليهم والشفقة عليهم والرفق بهم والاعتناء بمصالحهم وحببهم إلى الرعية وحبب الرعية إليهم ووفقهم لصراطك الذي المستقيم والعمل بوظائف دينك القويم ، اللهم الطف بعبدك سلطاننا ووفقه لمصالح الدنيا والآخرة وحببه إلى رعيته وحبب الرعية إليه.
-فتح الدعاء وختمه:
يفتح دعاءه ويختمه بقوله: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
-حكم تكرار ختم القرآن:
يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة، فقد استحبه السلف واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الأعمال الحل والرحلة))، قيل: وما هما؟ قال: ((افتتاح القرآن وختمه)).
المقصد السابع :الآداب والأحكام المتعلقة بالناس عامة مع القرآن.
المقاصد الفرعية:
مذهب أهل السنة والجماعة في القرآن:
وجوب الإيمان بالقرآن على أنه المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: {الحمد لله رب العالمين} إلى آخر {قل أعوذ برب الناس} كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق:وقد أجمع المسلمون على ذلك.
وجوب النصيحة للقرآن:
ثبت في صحيح مسلم رضي الله عنه، عن تميم الداري رضي الله عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة))،قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
*تتحقق النصيحة لكتاب الله عبر المقاصد التالية:
قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي
1-الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم.
2-تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة
3-الذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين
4-التصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه
5-العمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه
6-نشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته.
وجوب تعظيم القرآن:
أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته.
- كفر من جحد حرفا من القران أو زاد حرفا وهو عالم بذلك:
أجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر.
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين ، وكذلك إذا جحد التوراة والإنجيل أو كتب الله المنزلة أو كفر بها أو سبها أو استخف بها فهو كافر.
وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع فيه الإجماع وأجمع على أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا فهو كافر، قال أبو عثمان بن الحذاء: جميع أهل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر.
وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذ المقرئ أحد أئمة المقرئين المتصدرين بها مع ابن مجاهد لقراءته وإقرائه بشواذ من الحروف مما ليس في المصحف، وعقدوا عليه للرجوع عنه والتوبة سجلا أشهدوا فيه على نفسه في مجلس الوزير أبي علي بن مقلة سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة
-كفر من استهزأ بالقرآن أو سبه ولعنه:
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين
وأفتى محمد بن أبي زيد فيمن قال لصبي: لعن الله معلمك وما علمك، قال: أردت سوء الأدب ولم أرد القرآن، قال: يؤدب القائل، قال: وأما من لعن المصحف فإنه يقتل، هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله.
حرمة تفسير القرآن بغير علم:
ويحرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، والأحاديث في ذلك كثيرة والإجماع منعقد عليه، وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه، فمن كان أهلا للتفسير جامعا للأدوات حتى التي يعرف بها معناه وغلب على ظنه المراد فسره إن كان مما يدرك بالاجتهاد كالمعاني والأحكام الجلية والخفية والعموم والخصوص والإعراب وغير ذلك، وإن كان مما لا يدرك بالاجتهاد كالأمور التي طريقها النقل وتفسير الألفاظ اللغوية فلا يجوز الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله، وأما من كان ليس من أهله لكونه غير جامع لأدواته فحرام عليه التفسير، لكن له أن ينقل التفسير عن المعتمدين من أهله.
- تفسير القرآن بالرأي وأقسام المفسرين برأيهم :
المفسرون برأيهم من غير دليل صحيح أقسام:
1-منهم من يحتج بأنه على تصحيح مذهبه وتقوية خاطره مع أنه لا يغلب على ظنه أن ذلك هو المراد بالآية وإنما يقصد الظهور على خصمه ،
2-منهم من يقصد الدعاء إلى خير ويحتج بآية من غير أن تظهر له دلالة لما قاله ،
3-منهم من يفسر ألفاظه العربية من غير وقوف على معانيها عند أهلها وهي مما لا يؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية وأهل التفسير كبيان معنى اللفظ وإعرابها وما فيها من الحذف والاختصار والإضمار والحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والتقديم والتأخير والإجمال والبيان وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر.
ولا يكفي مع ذلك معرفة العربية وحدها بل لا بد معها من معرفة ما قاله أهل التفسير فيها، فقد يكونون مجتمعين على ترك الظاهر أو على إرادة الخصوص أو الإضمار وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر، وكما إذا كان اللفظ مشتركا في معان فعلم في موضع أن المراد أحد المعاني ثم فسر كل ما جاء به، فهذا كله تفسير بالرأي، وهو حرام، والله أعلم.
حرمة المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق:
يحرم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق، فمن ذلك أن يظهر فيه دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ويحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه فيحملها على مذهبه، ويناظر على ذلك مع ظهورها في خلاف ما يقول، وأما من لا يظهر له ذلك فهو معذور، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المراء في القرآن كفر))، قال الخطابي: المراد بالمراء الشك، وقيل: الجدال المشكك فيه، وقيل: وهو الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر ونحوها.
آداب عامة متعلقة بالقرآن :
*ينبغي لمن أراد السؤال عن تقديم آية على آية في المصحف أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع ونحو ذلك أن يقول: ما الحكمة في كذا؟
*كراهة قول نسيت آية كذا:يكره أن يقول: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيتها أو أسقطتها.
فقد ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم: نسيت آية كذا وكذا، بل هو شيء نسي))، وفي رواية في الصحيحين أيضا: ((بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي)).
وثبت في الصحيحين أيضا، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ فقال: ((رحمه الله، لقد ذكرني آية كنت أسقطتها))، وفي رواية في الصحيح: ((كنت أنسيتها)).
وأما ما رواه ابن أبي داود، عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل، أنه قال: "لا تقل: أسقطت آية كذا، قل: أغفلت"، فهو خلاف ما ثبت في الحديث الصحيح، فالاعتماد على الحديث، وهو جواز (أسقطت) وعدم الكراهة فيه أولى.
*جواز قول سورة البقرة وآل عمران وكذا:
يجوز أن يقال: سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وسورة الأنعام وكذا الباقي، لا كراهة في ذلك، وكره بعض المتقدمين هذا وقال: يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، والسورة التي يذكر فيها النساء، وكذا البواقي، والصواب الأول، فقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((سورة البقرة)) و((سورة الكهف))، وغيرهما مما لا يحصى، وكذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
قال ابن مسعود: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، وعنه، في الصحيحين: "قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء"، والأحاديث وأقوال السلف في هذا أكثر من أن تحصر.
*جواز قول قراءة فلان:
ولا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو حمزة أو الكسائي أو غيرهم، هذا هو المختار، الذي عليه السلف والخلف من غير إنكار، وروى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي، أنه قال: "كانوا يكرهون أن يقال: سنة فلان وقراءة فلان"، والصحيح ما قدمناه.
أحكام متعلقة بالكافر مع القرآن:
*جواز سماع الكافر للقرآن وامتناع مسه للمصحف:
لا يمنع الكافر من سماع القرآن لقول الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، ويمتنع من مس المصحف
*حكم تعليم القرآن للكافر:
هل يجوز تعليمه القرآن؟ قال أصحابنا: إن كان لا يرجى إسلامه لم يجز تعليمه، وإن رجي إسلامه ففيه وجهان:
أصحهما: يجوز رجاء إسلامه.
والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز بيع المصحف منه وإن رجي إسلامه،
وأما إذا رأيناه يتعلم فهل يمنع؟ فيه وجهان.
المقصد الثامن: بيان الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة.
المقاصد الفرعية:
-الآيات المستحبة قراءتها في الصلاة
-أ-في الصلوات المفروضة:
1-السنة أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة {ألم تنزيل} بكمالها، وفي الثانية {هل أتى على الإنسان} بكمالها، ولا يفعل ما يفعله كثير من أئمة المساجد من الاقتصار على آيات من كل واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل.
2-السنة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية {هل أتاك حديث الغاشية}، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليتجنب الاقتصار على البعض، وليفعل ما قدمناه.
-ب- في الصلوات الغير مفروضة:
السنة في صلاة العيد في الركعة الأولى سورة ق، وفي الثانية سورة الساعة بكمالها، وإن شاء "سبح"، و"هل أتاك"، فكلاهما صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليجتنب الاقتصار على البعض.
-ج-في السنن:
-يقرأ في ركعتي سنة الفجر بعد الفاتحة الأولى {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية {قل هو الله أحد}، وإن شاء قرأ في الأولى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية، وفي الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، فكلاهما صحيح من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-يقرأ في سنة المغرب {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}، ويقرأ بهما أيضا في ركعتي الطواف، وركعتي الاستخارة.
-يقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
الآيات المستحبة قراءتها عند المريض
-قراءة سورة الفاتحة:
يستحب أن يقرأ عند المريض بالفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيها: ((وما أدراك أنها رقية)).
-قراءة سورة الإخلاص والفلق والناس :
يستحب أن يقرأ عنده {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} مع النفث في اليدين، فقد ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الآيات المستحبة قراءتها عند الميت
- قراءة سورة يس:
مستحب، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((اقرؤوا يس على موتاكم))، رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه بإسناد ضعيف.
-قراءة سورة البقرة :
وروى مجالد، عن الشعبي، قال: كانت الأنصار إذا حضروا عند الميت قرؤوا سورة البقرة، ومجالد ضعيف، والله أعلم.
الآيات المستحبة قراءتها عند النوم
يستحب أن يقرأ عند النوم آية الكرسي و{قل هو الله أحد} والمعوذتين وآخر سورة البقرة، فهذا مما يهتم له ويتأكد الاعتناء به، فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه))، قال جماعة من العلماء: كفتاه من قيام الليل، وقال آخرون: كفتاه المكروه في ليلته.
وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كل ليلة يقرأ {قل هو الله أحد} والمعوذتين)، وقد قدمناه في فصل النفث بالقرآن.
وروى عن أبي داود بإسناده، عن علي كرم الله وجهه، قال: (ما كنت أرى أحدا يعقل دخل في الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي).
وعن علي رضي الله عنه أيضا، قال: (ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة) إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمر بك ليلة إلا قرأت فيها {قل هو الله أحد} والمعوذتين))، فما أتت علي ليلة إلا وأنا أقرؤهن.
وعن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يستحبون أن يقرؤوا هذه السور كل ليلة ثلاث مرات: {قل هو الله أحد} والمعوذتين)، إسناده صحيح على شرط مسلم.
وعن إبراهيم أيضا: (كانوا يعلمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوذتين).
وعن عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل)، رواه الترمذي، وقال: حسن.
الآيات المستحبة قراءتها في اليوم والليلة
1-يستحب الإكثار من تلاوة آية الكرسي في جميع المواطن، وأن يقرأها كل ليلة إذا أوى إلى فراشه.
2- أن يقرأ المعوذتين عقب كل صلاة، فقد صح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذتين دبر كل صلاة)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
3-يستحب أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وغيره فيه.
قال الإمام الشافعي في الأم: ويستحب أن يقرأها أيضا ليلة الجمعة، ودليل هذا ما رواه أبو محمد الدارمي بإسناده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق).
وذكر الدارمي حديثا في استحباب قراءة سورة هود يوم الجمعة، وعن مكحول التابعي الجليل استحباب قراءة آل عمران يوم الجمعة.
الأحوال التي ينبغي الاعتناء بها والسور التي ينبغي الإكثار من قراءتها
فمن ذلك: السنة كثرة الاعتناء بتلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي العشر آكد، وليالي الوتر منه آكد، ومن ذلك العشر الأول من ذي الحجة، ويوم عرفة، ويوم الجمعة، وبعد الصبح، وفي الليل.
وينبغي أن يحافظ على قراءة "يس" والواقعة وتبارك الملك.
المقصد التاسع : أحكام متفرقة في كتابة القرآن وإكرام واحترام المصحف وحكم بعض الصور التي تُخالف إكرام المصاحف.
المقاصد الفرعية:
كتابة القرآن
-اتفق العلماء على استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبيينها وإيضاحها وتحقق الخط دون مشقة وتعليقه.
1-حكم تنقيط المصحف وتشكيله :
يستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة، فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك، والله أعلم.
2-مسائل كتابة القرآن:
-حكم كتابة القرآن بشيء نجس:
لا تجوز كتابة القرآن بشيء نجس.
-حكم كتابة القرآن على الجدران:
وتكره كتابته على الجدران عندنا.
-حكم كتابة القرآن على الأطعمة:
إذا كتب على الأطعمة فلا بأس بأكلها.
-حكم كتابة القرآن على خشبة:
إذا كتب على خشبة كره إحراقها.
-حكم كتابة القرآن في لوح :
ولو كتب القرآن في لوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر، حتى لو كان بعض آية كتب للدراسة حرم مس اللوح.
في إكرام واحترام القرآن
-حكم امتهان المصحف:
أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه، قال أصحابنا وغيرهم: ولو ألقاه مسلم في القاذورة والعياذ بالله تعالى صار الملقي كافرا.
-حكم توسد المصجف وآحاد كتب العلم:
قالوا: ويحرم توسده، بل توسد آحاد كتب العلم حرام.
-حكم القيام للمصحف:
ويستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه، لأن القيام مستحب للفضلاء من العلماء والأخيار فالمصحف أولى، عن ابن أبي مليكة، أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يضع المصحف على وجهه، ويقول: (كتاب ربي، كتاب ربي).
-حكم السفر بالمصحف لأرض العدو:
تحرم المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو إذا خيف وقوعه في أيديهم، للحديث المشهور في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى ارض العدو.
أحكام المحدث والحائض والجنب والمجنون والصبي غير المميز في مس المصحف
-حكم مس المجنون والصبي الغير مميز للمصحف:
ويمنع المجنون والصبي الذي لا يميز من مس المصحف مخافة من انتهاك حرمته، وهذا المنع واجب على الولي وغيره ممن رآه يتعرض لحمله.
-حكم مس المحدث المصحف وحمله:
يحرم على المحدث مس المصحف وحمله، سواء حمله بعلاقته أو بغيرها، سواء مس نفس الكتابة أو الحواشي أو الجلد، ويحرم مس الخريطة والغلاف والصندوق إذا كان فيهن المصحف، هذا هو المذهب المختار، وقيل: لا تحرم هذه الثلاثة، وهو ضعيف.
حكم تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود أو شبهه:
ففي جوازه وجهان لأصحابنا:
أظهرهما: جوازه، وبه قطع العراقيون من أصحابنا، لأنه غير ماس ولا حامل، والثاني: تحريمه، لأنه يعد حاملا للورقة والورقة كالجميع،
وأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة فحرام بلا خلاف، وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين، والصواب القطع بالتحريم، لأن القلب يقع باليد لا بالكم.
-حكم إذا كتب الجنب أو المحدث مصحكان يحمل الورقة أو جسها حال الكتابة:
فحرام، وإن لم يحملها ولم يمسها ففيه ثلاثة أوجه:
الصحيح: جوازه، والثاني: تحريمه، والثالث: يجوز للمحدث، ويحرم على الجنب.
-حكم مس المحدث والجنب والحائض شيء فيه آيات القرآن من ثوب أو كتب أو دنانير أو غيره.
إذا مس المحدث أو الجنب أو الحائض أو حمل كتابا من كتب الفقه أو غيره من العلوم وفيه آيات من القرآن أو ثوبا مطرزا بالقرآن أو دراهم أو دنانير منقوشة به أو حمل متاعا في جملته مصحف أو لمس الجدار أو الحلوى أو الخبز المنقوش به فالمذهب الصحيح جواز هذا كله، لأنه ليس بمصحف، وفيه وجه أنه حرام.
-حكم مس المحدث والجنب والحائض الثياب المطرزة بالقرآن
وقال أقضى القضاة أبو حسن الماوردي في كتابه الحاوي: يجوز مس الثياب المطرزة بالقرآن، ولا يجوز لبسها بلا خلاف، لأن المقصود بلبسها التبرك بالقرآن، وهذا الذي ذكره أو قاله ضعيف لم يوافقه أحد عليه فيما رأيته، بل صرح الشيخ أبو محمد الجويني وغيره بجواز لبسها، وهذا هو الصواب، والله أعلم.
-حكم مس المحدث والجنب والحائض كتب تفسير القرآن"
فإن كان القرآن فيها أكثر من غيره حرم مسها وحملها، وإن كان غيره أكثر كما هو الغالب ففيها ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يحرم.
والثاني: يحرم.
والثالث: إن كان القرآن بخط متميز بغلظ أو حمرة أو غيرها حرم، وإن لم يتميز لم يحرم.
-حكم مس المحدث والجنب والحائض كتب الحديث
وأما كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يكن فيها آيات من القرآن لم يحرم مسها، والأولى أن لا تمس إلا على طهارة، وإن كان فيها آيات من القرآن لم يحرم على المذهب، وفيه وجه أنه يحرم، وهو الذي في كتب الفقه.
-حكم مس المحدث والجنب والحائض الآيات المنسوخ تلاوته
وأما المنسوخ تلاوته كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وغير ذلك، فلا يحرم مسه ولا حمله، قال أصحابنا: وكذلك التوراة والإنجيل.
لطهارة لحمل المصحف
-حكم من لم يجد الماء للطهارة.
من لم يجد ماء فتيمم حيث يجوز التيمم له مس المصحف، سواء كان تيممه للصلاة أو لغيرها مما يجوز التيمم له.
وأما من لم يجد ماء ولا ترابا فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يجوز له مس المصحف لأنه محدث جوزنا له الصلاة للضرورة، ولو كان معه مصحف .
-حكم حمل المصحف لغير طاهر للضرورة.
ولم يجد من يودعه عنده وعجز عن الوضوء جاز له حمله للضرورة، قال القاضي أبو الطيب: ولا يلزمه التيمم، وفيما قاله نظر، وينبغي أن يلزمه التيمم، أما إذا خاف على المصحف من حرق أو غرق أو وقوع في نجاسة أو حصوله في يد كافر فإنه يأخذه ولو كان محدثا للضرورة.
-حكم تعليم الصبي الطهارة لحمل المصحف ؟
فيه وجهان مشهوران، أصحهما عند الأصحاب: لا يجب للمشقة.
بيع المصحف وشراؤه
-حكم بيع المصحف وشراؤه؟
ق1:يصح بيع المصحف وشراؤه، ولا كراهة في شرائه وفي كراهة بيعه وجهان لأصحابنا، أصحهما وهو نص الشافعي: أنه يكره،
ومن قال لا يكره بيعه وشراؤه: الحسن البصري وعكرمة والحكم بن عيينة وهو مروي عن ابن عباس.
ق2:وكرهت طائفة من العلماء بيعه وشراؤه، وحكاه ابن المنذر عن علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد.
وروي عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري التغليظ في بيعه.
ق3:وذهبت طائفة إلى الترخيص في الشراء وكراهة البيع، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم.
-حكم بيع المصحف من الذمي:
ويحرم بيع المصحف من الذمي، فإن باعه ففي صحة البيع قولان للشافعي:
أصحهما: لا يصح،
والثاني: يصح، ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه.
خصص المؤلف - رحمه الله - في نهاية الكتاب بابا في ضبط الأسماء واللغات المذكورة في الكتاب على ترتيب وقوعها.