دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 محرم 1430هـ/5-01-2009م, 03:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صلاة الجماعة والإمامة (4/21) [وجوب متابعة المأمومين لإمامهم]


وعن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ)). رواهُ أبو دَاوُدَ وهذا لفظُه. وأَصْلُهُ في الصحيحينِ.
وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رأَى في أَصحابِهِ تَأَخُّرًا، فقالَ: ((تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ)). رواهُ مسلِمٌ.


  #2  
قديم 9 محرم 1430هـ/5-01-2009م, 06:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


7/376- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً، وَإِذَا صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعِينَ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ)؛ أَيْ: لِلإِحْرَامِ أَوْ مُطْلَقاً، فَيَشْمَلُ تَكْبِيرَ النَّقْلِ، (فَكَبِّرُوا، وَلا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ) زَادَهُ تَأْكِيداً لِمَا أَفَادَهُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ كَمَا فِي سَائِرِ الْجُمَلِ الآتِيَةِ، (وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ)؛ أَيْ: حَتَّى يَأْخُذَ فِي الرُّكُوعِ، لا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ كَمَا يَتَبَادَرُ مِن اللَّفْظِ، (وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ) أَخَذَ فِي السُّجُودِ (فَاسْجُدُوا، وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً، وَإِذَا صَلَّى قَاعِداً) لِعُذْرٍ (فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعِينَ)، هَكَذَا بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَجْمَعُونَ بِالرَّفْعِ تَأْكِيداً لِضَمِيرِ الْجَمْعِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ).
إنَّمَا يُفِيدُ جَعْلُ الإِمَامِ مَقْصُوراً عَلَى الاتِّصَافِ بِكَوْنِهِ مُؤْتَمًّا بِهِ لا يَتَجَاوَزُهُ الْمُؤْتَمُّ إلَى مُخَالَفَتِهِ، وَالائْتِمَامُ: الاقْتِدَاءُ وَالاتِّبَاعُ.
وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّ شَرْعِيَّةَ الإِمَامَةِ لِيُقْتَدَى بِالإِمَامِ، وَمِنْ شَأْنِ التَّابِعِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ لا يَتَقَدَّمَ مَتْبُوعَهُ وَلا يُسَاوِيَهُ وَلا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي مَوْقِفِهِ، بَلْ يُرَاقِبَ أَحْوَالَهُ، وَيَأْتِيَ عَلَى أَثَرِهَا بِنَحْوِ فِعْلِهِ. وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لا يُخَالِفَهُ فِي شَيْءٍ مِن الأَحْوَالِ. وَقَدْ فَصَّلَ الْحَدِيثُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ((فَإِذَا كَبَّرَ)) إلَى آخِرِهِ. وَيُقَاسُ مَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ أَحْوَالِهِ كَالتَّسْلِيمِ عَلَى مَا ذُكِرَ، فَمَنْ خَالَفَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَقَدْ أَثِمَ، وَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ، إلاَّ أَنَّهُ إنْ خَالَفَ فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ فَإِنَّهَا لا تَنْعَقِدُ مَعَهُ صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ إمَاماً؛ إذ الدُّخُولُ بِهَا بَعْدَهُ وَهِيَ عُنْوَانُ الاقْتِدَاءِ بِهِ وَاتِّخَاذِهِ إمَاماً.
وَاسْتُدِلَّ عَلَى عَدَمِ فَسَادِ الصَّلاةِ بِمُخَالَفَتِهِ لإِمَامِهِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَعَّدَ مَنْ سَابَقَ الإِمَامَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ صَلاتِهِ، وَلا قَالَ: فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لَهُ.
ثُمَّ الْحَدِيثُ لَمْ يَشْتَرِط الْمُسَاوَاةَ فِي النِّيَّةِ، فَدَلَّ أَنَّهَا إذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّةُ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ؛ كَأَنْ يَنْوِيَ أَحَدُهُمَا فَرْضاً وَالآخَرُ نَفْلاً، أَوْ يَنْوِيَ هَذَا عَصْراً وَالآخَرُ ظُهْراً، أَنَّهَا تَصِحُّ الصَّلاةُ جَمَاعَةً، وَإِلَيْهِ ذَهَبَت الشَّافِعِيَّةُ، وَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَلاةِ مُعَاذٍ.
وَقَوْلُهُ: ((وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)) يَدُلُّ أَنَّهُ الَّذِي يَقُولُهُ الإِمَامُ، وَيَقُولُ الْمَأْمُومُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَقَدْ وَرَدَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ، وَوَرَدَ بِحَذْفِ اللَّهُمَّ، وَالْكُلُّ جَائِزٌ، وَالأَرْجَحُ الْعَمَلُ بِزِيَادَةِ (اللَّهُمَّ) وَزِيَادَةِ الْوَاوِ؛ لأَنَّهُمَا يُفِيدَانِ مَعْنًى زَائِداً.
وَقَد احْتَجَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لا يَجْمَعُ الإِمَامُ وَالْمُؤْتَمُّ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ، وَهُم الْهَادَوِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: وَيُشْرَعُ لِلإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ التَّسْمِيعُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الكلامُ فيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ مُنْفَرِداً وَإِمَاماً؛ فَإِنَّ صَلاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْتَمًّا نَادِرَةٌ، وَيُقَالُ عَلَيْهِ: فَأَيْنَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُؤْتَمَّ؛ فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَنَّهُ يَحْمَدُ. وَذَهَبَ الإِمَامُ يَحْيَى وَالثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَيَحْمَدُ الْمُؤْتَمُّ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْبَابِ؛ إذْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: ((فَقُولُوا: اللَّهُمَّ)) إلَخْ أَنَّهُ لا يَقُولُ الْمُؤْتَمُّ إلاَّ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُصَلِّي مُطْلَقاً مُسْتَدِلاًّ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ قَالَ: ((سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ)) الْحَدِيثَ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ عُمُومُ الأَحْوَالِ؛ أيْ: أَحْوَالِ صَلاتِهِ جَمَاعَةً وَمُنْفَرِداً، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي))، وَلا حُجَّةَ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الاقْتِصَارِ؛ إذْ عَدَمُ الذِّكْرِ فِي اللَّفْظِ لا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ، فَقَوْلُهُ: ((إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)) لا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِهِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَقَوْلُهُ: ((قُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ)) لا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ الْمُؤْتَمِّ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فِي حِكَايَتِهِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ؛ لأَنَّ الْقَوْلَ غَيْرُ مُعَارِضٍ لَهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا، فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، وَقَوْلُهُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، عِنْدَ انْتِصَابِهِ.
وَقَوْلُهُ: ((فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعِينَ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ مُتَابَعَةُ الإِمَامِ فِي الْقُعُودِ لِعُذْرٍ، وَأَنَّهُ يَقْعُدُ الْمَأْمُومُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ، وَقَدْ وَرَدَ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ أَي: الْقِيَامَ مَعَ قُعُودِ الإِمَامِ؛ فَإِنَّهُ قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ كِدْتُمْ آنِفاً لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلا تَفْعَلُوا)). وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا، وَذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا لا تَصِحُّ صَلاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْقَاعِدِ لا قَائِماً وَلا قَاعِداً؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَخْتَلِفُوا عَلَى إِمَامِكُمْ، وَلا تُتَابِعُوهُ فِي الْقُعُودِ))، كَذَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي، وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَى كِتَابٍ، وَلا وَجَدْتُ قَوْلَهُ: (وَلا تُتَابِعُوهُ فِي الْقُعُودِ) فِي حَدِيثٍ، فَيُنْظَرُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا تَصِحُّ صَلاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْقَاعِدِ وَلا يُتَابِعُهُ فِي الْقُعُودِ، قَالُوا: لِصَلاةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قِيَاماً حِينَ خَرَجَ وَأَبُو بَكْرٍ قَد افْتَتَحَ الصَّلاةَ، فَقَعَدَ عَنْ يَسَارِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ نَاسِخاً لأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِالْجُلُوسِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلاتِهِ حِينَ جُحِشَ وَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَكَانَ هَذَا آخِرَ الأَمْرَيْنِ، فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ، كَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الأَحَادِيثَ الَّتِي أَمَرَهُمْ فِيهَا بِالْجُلُوسِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي صِحَّتِهَا وَلا فِي سِيَاقِهَا، وَأَمَّا صَلاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَقَد اخْتُلِفَ فِيهَا؛ هَلْ كَانَ إمَاماً أَوْ مَأْمُوماً. وَالاسْتِدْلالُ بِصَلاتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لا يَتِمُّ إلاَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ إمَاماً.
وَمِنْهَا أَنَّها يُحْتَمَلُ أَنَّ الأَمْرَ بِالْجُلُوسِ لِلنَّدْبِ، وَتَقْرِيرُ الْقِيَامِ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ هَذَا جَمْعاً بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ خَارِجاً عَن الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعاً؛ لأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ لِلْمُؤْتَمِّ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا قَدْ ثَبَتَ فِعْلُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَمُّوا قُعُوداً وَمَنْ خَلْفَهُمْ قُعُوداً أَيْضاً؛ مِنْهُمْ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَجَابِرٌ، وَأَفْتَى بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ خِلافُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ: ((لا يَؤُمَّنَّ أَحَدُكُمْ بَعْدِي قَاعِداً قَوْماً قِيَاماً))؛ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَابِرٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُرْسَلٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ عَلِمَ مَن احْتَجَّ بِهِ أَنَّهُ لا حُجَّةَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَمِنْ رُوَاتِهِ رَجُلٌ يَرْغَبُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَن الرِّوَايَةِ عَنْهُ؛ يَعْنِي جَابِراً الْجُعْفِيَّ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ إلَى أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ الإِمَامُ الرَّاتِبُ الصَّلاةَ قَاعِداً لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ قُعُوداً، وَإِذَا ابْتَدَأَ الإِمَامُ الصَّلاةَ قَائِماً لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ قِيَاماً سَوَاءٌ طَرَأَ مَا يَقْتَضِي صَلاةَ إمَامِهِمْ قَاعِداً أَمْ لا، كَمَا فِي الأَحَادِيثِ الَّتِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ؛ لأَنَّ ابْتِدَاءَ إمَامِهِمْ صَلاتُهُ قَائِماً، ثُمَّ أَمَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيَّةِ الصَّلاةِ قَاعِداً، بِخِلافِ صَلاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ فِي مَرَضِهِ الأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ صَلاتَهُ قَاعِداً فَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ.
8/377- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّراً، فَقَالَ: ((تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّراً، فَقَالَ: تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) كَأَنَّهُمْ تَأَخَّرُوا عَن الْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ: ((ائْتَمُّوا بِي))؛ أَيْ: اقْتَدُوا بِأَفْعَالِي، وَلْيَقْتَدِ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ مُسْتَدِلِّينَ بِأَفْعَالِكُمْ عَلَى أَفْعَالِي.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّبَاعُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ مِمَّنْ لا يَرَاهُ وَلا يَسْمَعُهُ؛ كَأَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي يَقْتَدُونَ بِالأَوَّلِ، وَأَهْلِ الصَّفِّ الثَّالِثِ بِالثَّانِي وَنَحْوِهِ، أَوْ بِمَنْ يُبَلِّغُ عَنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ وَكَرَاهَةُ الْبَعْدِ عَنْهُ، وَتَمَامُ الْحَدِيثِ: ((لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ)).


  #3  
قديم 9 محرم 1430هـ/5-01-2009م, 06:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


325 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً، وَإِذَا صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعِينَ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَصْلُهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ).
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ: وَوَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ منْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ: أَنَسٌ، وعائشةُ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وهو حَدِيثُ الْبَابِ، فَلَهُ عِدَّةُ طُرُقٍ.
الأُولَى: الأَعْرَجُ عَنْهُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (701)، ومسلمٌ (414)، وأحمدُ (7104).
الثَّانِيَةُ: أَبُو عَلْقَمَةَ عَنْهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (416).
الثَّالِثَة: أَبُو يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (414).
الرابعةُ: أَبُو صَالِحٍ عَنْهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ((60) والنَّسَائِيُّ (921) وَزَادَ: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذِهِ الزيادةُ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، وَقَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الزيادةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَهَا فِي (صَحِيحِهِ) (404) وَمِمَّا يُقَوِّي هَذِهِ الزيادةَ أَنَّ لَهَا شاهداً منْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ (404) وَغَيْرِهِ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
إِنَّمَا: للحَصْرِ، وَهُوَ إثباتُ الْحُكْمِ فِي المحصورِ فِيهِ، كوجوبِ الاقْتِدَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ.
جُعِلَ الإمامُ: مَبْنِيٌّ للمجهولِ، والجعلُ يَأْتِي لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَدَرِيٌّ، والآخرُ: شَرْعِيٌّ، فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْخَلْقِ فَهُوَ قَدَرِيٌّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20]. وَإِنْ كَانَ أَمْراً، أَوْ نَهْياً، فَهُوَ شَرْعِيٌّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الجعليْنِ: أَنَّ القَدَرِيَّ لا يَتَخَلَّفُ، بِخِلافِ الشرعيِّ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ.
لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ أَيْ: لِيُقْتَدَى بِهِ فِي الصَّلاةِ، وَيُتَابَعَ.
فَإِذَا كَبَّرَ: (إِذَا) ظَرْفُ زَمَانٍ للمُسْتَقْبَلِ، مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، مُضَافٌ إِلَى الجملةِ بَعْدَهُ.
فَكَبِّرُوا: الفاءُ رَابِطَةٌ لجوابِ الشَّرْطِ، وَهِيَ عاطفةٌ، وَتُفِيدُ الترتيبَ مَعَ التعقيبِ، فَتَكُونُ أفعالُ المأمومِ عَقِبَ أفعالِ الإمامِ بِلا تَرَاخٍ.
وَلا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ: جَاءَتْ لتأكيدِ مَا قَبْلَهَا، بإبرازِ المفهومِ بصورةِ المنطوقِ.
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ: جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِحَذْفِ الْوَاوِ، وَبَعْضِهَا بِإِثْبَاتِهَا؛ أَيْ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)). فَمَنْ أَثْبَتَهَا قَالَ: إِنَّ فِيهَا مَعْنًى زَائِداً، وَمَنْ حَذَفَهَا قَالَ: الأَصْلُ عدمُ التَّقْدِيرِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: ثَبَتَتِ الروايةُ بإثباتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا، وَالوَجْهَانِ جَائِزَانِ بِغَيْرِ تَرْجِيحٍ.
فَصَلُّوا قُعُوداً؛ أَيْ: قَاعِدِينَ، وَهُوَ الْحَالُ.
أَجْمَعِينَ: تَوْكِيدٌ مَعْنَوِيٌّ لواوِ الْجَمَاعَةِ فِي (فَصَلُّوا).
وَأَمَّا(قُعُوداً) فَهِيَ حَالٌ مِنْ وَاوِ الْجَمَاعَةِ أيضاً، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ (أَجْمَعُونَ) بِالرَّفْعِ تَأْكِيداً لِضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي (فَصَلُّوا).
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الآتِي مِنَ الأَحْكَامِ:
1 - وُجُوبُ متابعةِ الإمامِ، وأنَّهُ القدوةُ فِي تَنَقُّلاتِ الصَّلاةِ، وَسَائِرِ أعمالِهَا وأقوالِهَا، فَلا يَجُوزُ الاخْتِلافُ عَلَيْهِ.
2 - أَنَّ الأفضلَ أَنْ تَأْتِيَ تَنَقُّلاتُ المأمومِ بَعْدَ تَنَقُّلاتِ الإمامِ، فَتَكُونُ عَقِبَهُ، فَلا تَخَلُّفَ فِي الانتقالِ منْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ، ذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ بَيْنَ تَنَقُّلاتِ الإمامِ وَتَنَقُّلاتِ المأمومِ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الترتيبِ والتعقيبِ.
3 - أَنَّ مسابقةَ الإمامِ مُحَرَّمَةٌ، وَإِذَا وَقَعَتْ عَمْداً بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ وَتَفْصِيلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
4 - أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْهُ كَمُسَابَقَتِهِ لا تَجُوزُ.
5 - أَنَّ المشروعَ فِي حَقِّ الإمامِ والمُنْفَرِدِ هُوَ قَوْلُ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) عِنْدَ الرفعِ من الركوعِ، وأنَّ ذَلِكَ لا يُشْرَعُ فِي حَقِّ المأمومِ.
6 - يُسْتَفَادُ من الْحَدِيثِ أَنَّ حالةَ المأمومِ تَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَعِ حَالاتٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَسْبِقَهُ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ مَعَ العمدِ، وَمُبْطِلٌ للصلاةِ عَلَى الْقَوْلِ الراجحِ، وَإِنْ كَانَ السَّبْقُ فِي تكبيرةِ الإحرامِ، فَإِنَّ الصَّلاةَ لَمْ تَنْعَقِدْ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُوَافِقَ المأمومُ فِي أقوالِهِ وَتَنَقُّلاتِهِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَبَعْضُهُمْ حَرَّمَهُ، وَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ إِلاَّ فِي تكبيرةِ الإحرامِ، فَإِنَّ الصَّلاةَ لَمْ تَنْعَقِدْ مَعَهُ،
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ، والتَّخَلُّفُ كَالسَّبْقِ فِي أحكامِهِ.
الرابعةُ: أنْ يُتَابِعَهُ فِي أقوالِهِ وأفعالِهِ، وَهَذَا هُوَ المشروعُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، المُرَتِّبُ فِعْلَ المأمومِ بَعْدَ الإمامِ، بِـ (الفاءِ) المفيدةِ للترتيبِ والتعقيبِ.
7 - قَوْلُهُ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)). الائْتِمَامُ: هُوَ الاقْتِدَاءُ والاتِّبَاعُ، وَمِنْ شَأْنِ التابعِ أَلاَّ يُسَابِقَ مَتْبُوعَهُ وَلا يُوَافِقَهُ، بَلْ يَأْتِي عَلَى أَثَرِهِ.
8 - أَنَّ المشروعَ فِي كُلٍّ مِنَ الإمامِ والمأمومِ والمُنْفَرِدِ بَعْدَ الرفعِ من الركوعِ قَوْلُ: (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ.. إلخ) فَـ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) هُوَ الذِّكْرُ المُنَاسِبُ من الإمامِ، وَأَمَّا (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) فَهِيَ مُنَاسِبَةٌ مِنَ الْكُلِّ.
9 - أَنَّ الإمامَ الرَّاتِبَ إِذَا صَلَّى قَاعِداً لِعُذْرٍ؛ فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ الاقْتِدَاءِ والمتابعةِ أَنْ يُصَلِّيَ المَأْمُومُونَ قُعُوداً، وَلَوْ مِنْ دُونِ عُذْرٍ.
10 - قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: إِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المأمومَ إِذَا كَانَ يَرَى مَشْرُوعِيَّةَ جلسةِ الاستراحةِ مُطْلَقاً، والإمامُ لا يَرَاهَا أَنَّهُ يُتَابِعُ إِمَامَهُ، وَلا يَجْلِسُ لَهَا، وبالعكسِ إِذَا كَانَ الإمامُ يَرَاهَا، وَالمأمومُ لا يَرَاهَا، فَإِنَّهُ يَجْلِسُ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحْقِيقٌ للمتابعةِ.
11 - مَذْهَبُ الإمامِ أحمدَ: أَنَّهَا لا تَصِحُّ إمامةُ الْعَاجِزِ عَن القيامِ إِلاَّ بِمِثْلِهِ، إِلاَّ الإمامَ الراتبَ، فَإِذَا عَجَزَ عَن القيامِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ صَحَّتْ خَلْفَهُ، وَيَصِلُونَ وَرَاءَهُ جُلُوساً نَدْباً، وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى القيامِ، إِنِ ابْتَدَأَ بِهِم الصَّلاةَ قَائِماً، وَعَجَزَ عَن القيامِ أَثْنَاءَهَا فَجَلَسَ، صَلُّوا خَلْفَهُ قِيَاماً وُجُوباً.
12 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ مسابقةِ المأمومِ لإمامِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بطلانِ صلاتِهِ.
فَذَهَبَ الجمهورُ إِلَى: أَنَّهَا لا تَبْطُلُ.
وذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ إِلَى: أَنَّ مَنْ سَبَقَ إمامَهُ بِرُكْنٍ كركوعٍ وسجودٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بعدَ الإمامِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْداً حَتَّى لَحِقَهُ الإمامُ فِيهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
13 - قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضاً: اتَّفَقَ الأَئِمَّةُ عَلَى تحريمِ مسابقةِ الإمامِ عمداً، وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِمُجَرَّدِهِ؟ قَولانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَقَدِ اسْتَفَاضَتِ الأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لا تَبْطُلُ إِذَا سَبَقَهُ سَهْواً، إِلاَّ أَنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِمَا سَبَقَ بِهِ إِمَامَهُ؛ لأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَوَجْهُ عدمِ بُطْلانِهَا بالسَّبْقِ سَهْواً: أَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ جنسِ الصَّلاةِ وَقَعَتْ سَهْواً لا عَمْداً.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الإمامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ منْ أَنَّ مُجَرَّدَ السبقِ عَمْداً يُبْطِلُ الصَّلاةَ؛ لأنَّ الوعيدَ للنَّهْيِ، والنَّهْيُ يَقْتَضِي الفسادَ.
14 - الْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي أَنَّ المأمومَ لا يَجْمَعُ بَيْنَ التسميعِ والتحميدِ عِنْدَ الرفعِ من الركوعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الحنفيَّةِ والحنابلةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا هُوَ الإمامُ وَالمُنْفَرِدُ.
بخلافِ الشافعيَّةِ: فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا؛ لِمَا فِي (مُسْلِمٍ) (476) مِنْ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ، قَالَ: ((سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)). وَقَالَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لا أَعْلَمُ خِلافاً فِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَأَمَّا الإمامُ فَيُسْمَعُ وَيَحْمَدُ؛ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، لِمَا ثَبَتَ فِي (الْبُخَارِيِّ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
15 -(سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) مَحَلُّهَا عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ من الركوعِ، وأمَّا (رَبَّنَا وَلَكَ الحمدُ) فَمَحَلُّهَا بَعْدَ الاعتدالِ من الركوعِ.
16 - أَنَّ تكبيرةَ المأمومِ تَأْتِي بَعْدَ تكبيرةِ الإمامِ بِلا تَخَلُّفٍ، سَوَاءٌ فِي تكبيرةِ الإحرامِ أَوْ فِي تكبيراتِ الانتقالِ، فإنْ وَافَقَهُ فِي التكبيرِ، فَإِنْ كَبَّرَ الإمامُ والمأمومونَ مَعاً فِي تكبيرةِ الإحرامِ لا تَنْعَقِدُ صَلاةُ المأمومِ، وَفِي سَائِرِ التكبيراتِ يُكْرَهُ ذَلِكَ.
17 - يُقَاسُ مَا لَمْ يُذْكَرْ منْ أَعْمَالِ الصَّلاةِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْهَا هُنَا، فَيُسْتَحَبُّ المتابعةُ والاقتداءُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)). أَدَاةُ حَصْرٍ، تَشْمَلُ جَمِيعَ أَعْمَالِ الصَّلاةِ.
18 - المشهورُ منْ مَذْهَبِ الإمامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لا يَصِحُّ ائْتِمَامُ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ، وَلا مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي العصرَ، وَلا عَكْسُهُ، وَلا كُلُّ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُفْتَرِضٍ لِفَرْضٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَقْتاً أَو اسْماً، لِحَدِيثِ: ((فَلا تَخْتَلِفُوا)). والروايةُ الأُخْرَى عَن الإمامِ صِحَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، فَإِنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجِيزُ أنْ يُصَلِّيَ شَخْصٌ خَلْفَ شخصٍ آخَرَ يُخَالِفُهُ فِي النِّيَّةِ والأفعالِ، فَمَنْ صَلَّى العشاءَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي المغربَ إِذَا سَلَّمَ إمامَهُ قَامَ وَأَتَى بالركعةِ الرابعةِ، وَمَنْ صَلَّى المغربَ خَلْفَ إمامٍ يُصَلِّي العشاءَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَإِمَّا أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يَلْحَقَهُ الإمامُ فِي التَّشَهُّدِ فَيُسَلِّمَ بَعْدَهُ، وَإِمَّا أنْ يَنْوِيَ الانفرادَ، وَيُسَلِّمَ قَبْلَهُ.
وَمِثْلُهُ لَوْ صَلَّى العشاءَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التراويحَ، فَإِذَا سَلَّمَ الإمامُ مِنَ الركعتَيْنِ قَامَ وَأَتَى بالرَّكْعَتَيْنِ البَاقِيَتَيْنِ.
19 - عمومُ الْحَدِيثِ بِمَنْعِ مخالفةِ المأمومِ للإمامِ يَشْمَلُ النِّيَّةَ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الإمامُ فَرِيضَةً بِمَنْ يُصَلِّي نافلةً، وَبِالعَكْسِ، لَكِنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ مُخَصِّصٌ لهذا الْحَدِيثِ فِي مسألةِ اخْتِلافِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ مُعَاذاً يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفريضةَ، ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ، هِيَ لَهُ نَافِلَةٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ.
20 - قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: مسابقةُ الإمامِ عَمْداً حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ، فَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ إِمَامِه، وَلا يَرْفَعَ قَبْلَهُ، وَلا يَسْجُدَ قَبْلَهُ، وَقَد اسْتَفَاضَتِ الأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّ المُؤْتَمَّ تَابِعٌ لإمامِهِ، فَلا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ، وَفِي بُطْلانِ صلاتِهِ قَوْلانِ مَعْرُوفَانِ للعلماءِ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
أَجْمَعَ الأَئِمَّةُ عَلَى وُجُوبِ القيامِ فِي صَلاةِ الفرضِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إمامةَ الْعَاجِزِ عَن القيامِ بالقادرِ عَلَيْهِ لا تَصِحُّ إِذَا كَانَ الإمامُ لَيْسَ إِمَاماً رَاتِباً.
وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ إمامةِ الإمامِ الراتبِ المَرْجُوِّ زَوَالُ عِلَّتِهِ، إِذَا صَلَّى قَاعِداً بالمَأْمُومِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى القيامِ.
فَذَهَبَ إِلَى جَوَازِهَا الإمامُ أَحْمَدُ؛ عَمَلاً بِهَذَا الْحَدِيثِ، ولصلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابِهِ قَاعداً حِينَ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ، وَصَلاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مرضِ مَوْتِهِ.
وَذَهَبَ الحنفيَّةُ إِلَى: أنَّهُ يَصِحُّ اقتداءُ قَائِمٍ بقاعدٍ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَرَضٍ مَوْتِهِ جَالِساً وَالناسُ خَلْفَهُ قِيَاماً، وَهِيَ آخِرُ صَلاةٍ صَلاهَا إِمَاماً.
وَذَهَبَ مَالِكٌ والشَّافِعِيُّ إِلَى: إِنَّهَا لا تَصِحُّ إمامةُ الْعَاجِزِ عَن القيامِ بالقادرِ عَلَيْهِ مُطْلَقاً، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الإمامَ الراتبَ، أَوْ لا، وَسَواءٌ رُجِيَ زوالُ عِلَّتِهِ، أَوْ لا.
وَدَلِيلُهُمْ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَخْتَلِفُوا عَلَى إِمَامِكُمْ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (414) .
326 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّراً، فَقَالَ: ((تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
تَأَخُّراً؛ أَيْ: تَخَلُّفاً وَبُعْداً فِي صُفُوفِ الصَّلاةِ.
لِيَأْتَمَّ: بلامِ الأَمْرِ الساكنةِ، أَو المكسورةِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - استحبابُ الدُّنُوِّ مِنَ الإمامِ، فَأَوَائِلُ الصفوفِ خَيْرٌ للرجالِ منْ أَوَاخِرِهَا، لحديثِ: ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا)). ولحديثِ: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ)).
2 - أَنَّ الإمامَ هُوَ القدوةُ فِي الصَّلاةِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهَا وَأَقْوَالِهَا، فَلا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ فِيهَا.
3 - فِي الصَّلاةِ الانْضِبَاطُ والنظامُ الإسلاميُّ، لِيَتَعَوَّدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُسْنِ التنظيمِ، وَجِمَالِ الترتيبِ، والامتثالِ والطاعةِ بِالْمَعْرُوفِ، فَهُوَ مِنْ جملةِ أسرارِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ.
4 - أَنَّ المَأْمُومِينَ الَّذِينَ لا يَرَوْنَ الإمامَ، وَلا يَسْمَعُونَهُ يَقْتَدُونَ بِمَنْ أَمَامَهُم مِنَ المَأْمُومِينَ المُتَقَدِّمِينَ.
5 - قَوْلُهُ: ((وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ)). يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الاقْتِدَاءُ فِي الصَّلاةِ، فَيَلِيهِ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ العقلاءُ، والصفُّ الثَّانِي يَقْتَدُونَ بالصفِّ الأَوَّلِ.
وَيَحْتَمِلُ حَمْلَ الْعِلْمِ عَنْهُ، فَلْيَتَعَلَّمْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةُ، وَلْيَتَعَلَّمْ مِنْهُم التَّابِعُونَ، وَهَكَذَا.
6 – المشهورُ منْ مَذْهَبِ الإمامِ أَحْمَدَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ (شَرْحِ العمدةِ): يَصِحُّ اقتداءُ مأمورٍ بإمامٍ، وَهُمَا فِي مسجدٍ مُطْلَقاً، سَوَاءٌ رَأَى إِمَامَهُ أَوْ رَأَى مَنْ خَلْفَهُ أَوْ لا؛ لأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَدٌّ للتَّجَمُّعِ بِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَا يَصِحُّ اقتداءُ مأمومٍ خارجَ الْمَسْجِدِ إِنْ رَأَى الإمامَ، أَوْ بَعْضَ المَأْمُومِينَ.
وَلا يَصِحُّ إِنْ كَانَ بَيْنَ الإمامِ والمأمومِ طَرِيقٌ، أَوْ نَهْرٌ جَارٍ، وَلَوْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ.
7 - قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: صَلاةُ الْجَمَاعَةِ سُمِّيَتْ لاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ بالفعلِ مَكَاناً وَزَمَاناً، فَإِنْ أَخَلُّوا بِذَلِكَ، كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ.
8 - بِهَذَا النَّقْلِ عَنْ شَيْخِ الإِسْلامِ الَّذِي حَكَى فِيهِ اتفاقَ الأَئِمَّةِ نَعْلَمُ أَنَّهَا لا تَصِحُّ الصَّلاةُ خَلْفَ المِذْيَاعِ، والتلفازِ إذا كَانَ المُقْتَدِي لَيْسَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا يَفْصِلُ عَنْهُ مسافةٌ بعيدةٌ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي مَكَانِ التَّجَمُّعِ.
9 - قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السِّعْدِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ المأمومَ إِذَا أَمْكَنَهُ الاقْتِدَاءُ بإمامِهِ بالرؤيةِ، أَو السماعِ ـ أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ خارجَ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ؛ لأَنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ.
وَقَالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاقْتِدَاءِ عِلْمُ المأمومِ بانتقالاتِ الإمامِ، سَوَاءٌ صَلاهَا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ غَيْرِهِ بالإجماعِ، وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ لَهُ بِذَلِكَ بسماعِ الإمامِ، أَوْ مَنْ خَلْفَهُ، أَوْ جَوَازِ اعْتِمَادِ وَاحِدٍ منْ هَذِهِ الأُمُورِ، وَاشْتَرَطَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَلاَّ تَطُولَ المسافةُ فِي غَيْرِ مسجدٍ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: مَتَى يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَى الصَّلاةِ؟
فَذَهَبَ أَبُو حنيفةَ وأصحابُهُ إِلَى أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ قَوْلِ المُقِيمِ: ((حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ)). وَبِهِ قَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ وَالنَّخَعِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ بلالٍ: (لا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ).
وَذَهَبَ مَالِكٌ وأحمدُ إِلَى: أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ قَوْلِ المقيمِ: (قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ). قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: عَلَى هَذَا أَهْلُ الحَرَمَيْنِ.
وذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى: أَنَّهُ يَقُومُ إِذَا فَرَغَ المقيمُ مِنَ الإقامةِ.
وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وسالمٌ، وَأَبُو قِلابةَ، وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ.
قَالَ فِي (المُغْنِي) وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ قَوْلِهِ: (قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ)؛ لأَنَّ هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الأَمْرِ، وَمَقْصُودُهُ الإعلامُ لِيَقُومُوا، فَيُسْتَحَبُّ المبادرةُ إِلَى القيامِ؛ امْتِثَالاً للأمرِ وَتَحْصِيلاً للمقصودِ.
وَذَكَرَ ابْنُ رشدٍ قَوْلاً للإمامِ مَالِكٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حداً، فَإِنَّهُ وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى قَدْرِ طاقةِ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا شرعٌ مَسْمُوعٌ إِلاَّ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (637) . فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ.
قُلْتُ: الْحَدِيثُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ)، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي (بَابٌ: مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الإمامَ؟).
وَالمُسْتَحَبُّ عِنْدَ جمهورِ الْعُلَمَاءِ ـ وَمِنْهُم الحنابلةُ ـ أَنْ يُكَبِّرَ الإمامُ والمُقْتَدُونَ إِذَا فَرَغَ من الإقامةِ، قَالَ فِي (المُغْنِي): وَعَلَيْهِ جُلُّ الأَئِمَّةِ فِي الأَمْصَارِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صلاة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir